حِوَارٌ حَوْلَ حُكْمِ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدٍ فِيهِ قَبْرٌ

(النُّسخةُ 1.76 - الجُزءُ التاسِعُ)

 

جَمعُ وتَرتِيبُ

أَبِي ذَرٍّ التَّوحِيدِيِّ

AbuDharrAlTawhidi@protonmail.comانقر هنا للتواصل عبر البريد الإلكتروني

 

حُقوقُ النَّشرِ والبَيعِ مَكفولةٌ لِكُلِّ أحَدٍ

 

اِنتَقِلْ إلى المُقَدِّمةِ أو إلى الجُزءِ:

 

 

المسألة التاسعة والعشرون

 

زيد: ما هي أَنْواعُ التَّكْفِيرِ؟.

 

عمرو: أَنْواعُ التَّكْفِيرِ هي:

 

(أ)تَكفيرٌ عَيْنِيٌ (أو تكفيرُ المُعَيَّنِ أو تَّكفِيرٌ بالخُصوصِ أو تكفيرُ أشخاصٍ): وإليك بعضُ أقوالِ العلماءِ في ذلك:

 

(1)قالَ الشيخُ أحمدُ الحازمي في (شرح مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد): تَكفيرٌ عَيْنِيٌ، بمَعْنَى أَنَّنا نَحْكُمُ على الشَّخصِ ذاتِه، فنُنَزِّلُ الحُكْمَ مُباشَرةً، هذا قالَ قَوْلًا كُفرًا، وهذا فَعَلَ فِعْلًا كُفرًا، وحينئذٍ نقولُ {هذا الذي قالَ القَولَ الذي هو كُفرٌ كافرٌ، وهذا الذي فَعَلَ الفِعْلَ الذي هو كُفرٌ كافرٌ}، هذا يُسَمَّى [كُفْرًا] عَيْنِيًّا. انتهى باختصار.

 

(2)وقالَ اِبْنَا الشيخِ محمدِ بن عبدالوهاب (الشيخان حسين وعبدالله): وأَمَّا التَّكفِيرُ بالخُصوصِ، فهو أنْ لا يُكَفَّرَ إلَّا مَن قامَتْ عليه الحُجَّةُ بالرسالةِ [قلتُ: هناك فَرقٌ بَيْنَ الحجة الحكمية (التي بمقتضاها يكفر ظاهرا من خالفها قبل التَّمَكُّنِ مِنَ العِلْمِ بها)، والحجَّة الرسالية (التي يكفر ظاهرا وباطنا من خالفها بعد التَّمَكُّنِ مِنَ العِلْمِ بها)، والحجة الحديَّة (وهي الاستتابة التي يقيمها الإمام أو القاضي، وهي التي يَتَوَقَّفُ عليها إنزالَ العُقوبةِ الدنيوية)؛ وذلك على ما سَبَقَ بَيَانُه في سُؤالِ زَيدٍ لِعَمرٍو (مَعْنَى ذلك أنَّه لا يُعْذَرُ بالجهلِ مَن وَقَعَ في الشركِ الأكبرِ؟)]، التي يَكْفُرُ مَن خالَفَها. انتهى من (الدُّرَر السَّنِيَّة في الأجوبة النَّجْدِيَّة).

 

(3)وقالَ الشيخُ محمد بنُ إبراهيم التويجري (مدير مكتب توعية الجاليات بالخبيب ببريدة) في كتابِه (موسوعة الفقه الإسلامي): تَكفِيرُ الأشخاص، وهو تكفير الشخص الذي وقع في أمر مخرج من الإسلام. انتهى.

 

(ب)تكفيرُ أوصافٍ (أو تكفيرٌ نَوعِيٌّ أو تكفيرُ المُطلَقِ): وإليك بعضُ أقوالِ العلماءِ في ذلك:

 

(1)قالَ الشيخُ محمد بنُ إبراهيم التويجري (مدير مكتب توعية الجاليات بالخبيب ببريدة) في كتابِه (موسوعة الفقه الإسلامي): تكفيرُ أوصاف، كقولِ أهلِ العلمِ {من ترك الصلاة كفر}. انتهى باختصار.

 

(2)وقالَ الشيخُ عبدُالله الغليفي في كِتابِه (العذر بالجهل، أسماء وأحكام): فالتفريقُ بين النَّوعِ والعَينِ، أو الفِعْلِ والفاعلِ، في التكفيرِ، أَجْمَعَ أَئِمَّةُ الدَّعوةِ النَّجْدِيَّةِ [السَّلَفِيةِ] على أنَّ التفريقَ لا يكونُ إلَّا في المسائلِ الخَفِيَّةِ [مِثْلِ خَلْقِ القرآنِ، والقَدَرِ، وسِحْرِ العَطْفِ وهو التَّأْلِيفُ بالسِّحْرِ بين المُتَباغِضَين بحيث أنَّ أَحَدَهما يَتَعَلَّقُ بالآخَرِ تَعَلُّقًا كُلِّيًّا بحيث أنَّه لا يَستطِيعُ أنْ يُفارِقَه]، فأمَّا المسائلُ الظاهرةُ فإنَّ الواقعَ في المُكَفِّراتِ الظاهرةِ أو المعلومةِ مِنَ الدِّينِ بالضَّرورةِ [المعلومُ مِنَ الدِّينِ بالضَّرورةِ هو ما كانَ ظاهِرًا مُتَواتِرًا مِن أحكامِ الدِّينِ، معلومًا عند الخاصِّ والعامِّ، مِمَّا أَجْمَعَ عليه العلماءُ إجماعًا قَطعِيًّا، مِثْلِ وُجوبِ الصَّلاةِ والزَّكاةِ، وتَحرِيمِ الرِّبا والخَمْرِ] فإنَّه كافرٌ بعَيْنِه؛ فإنَّ مَن وَقَعَ في كُفرٍ ظاهرٍ فهو كافِرٌ، مِثْلِ الشِّركِ في العبادةِ أو في الحُكْمِ (التَّشرِيعِ)، أو مِثْلِ مُظاهَرةِ المُشرِكِين وإعانَتِهم على المسلمِين، فإنَّ هؤلاء قد قامتْ عليهم الحُجَّةُ بالقرآنِ والرسولِ صلى الله عليه وسلم، قالَ تعالَى {لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}؛ أمَّا المسائلُ الخَفِيَّةُ كالقَدَرِ والإرجاءِ فلا يُكَفَّرُ أَحَدٌ خالَفَ الكِتَابَ والسُّنَّةَ في ذلك حتى تُقامَ عليه الحُجَّةُ. انتهى باختصار.

 

(3)وقالَ الشيخُ أحمدُ الحازمي في (شرح مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد): التكفيرُ النَّوعِيُّ المُرادُ به {مَن قالَ كَذَا، أو فَعَلَ كَذَا}، فالحُكمُ حينئذٍ يكونُ مُنْصَبًّا على [أنَّ] هذا القولَ كُفرٌ، وأنَّ هذا الفِعْلَ كُفرٌ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ الحازمي-: خُذْ قاعدةً (وأنَا مَسئولٌ عنها) {الأَصْلُ في التكفيرِ في الشَّرعِ هو العَيْنِيُّ لا النَّوْعِيُّ}، هذا هو الأَصْلُ، وإنَّما يُقالُ بـ (النَّوعِ) في المَسائلِ الْخَفِيَّةِ، الأَصْلُ في القرآنِ والسُّنَّةِ تَنْزِيلُ الحُكْمِ بالكُفرِ على (العَيْنِ)؛ وإنَّما يُنَزَّلُ على (النَّوعِ) في المَسائلِ الْخَفِيَّةِ، وكذلك ما كانَ مَعلومًا مِنَ الدِّينِ بالضَّرُورةِ (في طائِفَتَين)، الطائفةُ الأُولَى [مِنَ الطائِفَتَين اللتَين يُنَزَّلُ فيهما التكفيرُ بالنوعِ فيما كان مَعلومًا مِنَ الدِّينِ بالضَّرُورةِ] حَدِيثُ عَهْدٍ بإسلامٍ، الطائفةُ الثانِيةُ مَن كان يَعِيشُ في بادِيَةٍ ونحوِها، هذا الذي نقولُ فيه نَوْعِيٌّ لا عَيْنِيٌّ، مَن عَدَا هاتَين الطائفَتَين فالأَصْلُ أنَّه عَيْنِيٌّ لا نَوْعِيٌّ. انتهى باختصار.

 

(4)وجاء في الموسوعة العَقَدِيَّةِ (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ عَلوي بن عبدالقادر السَّقَّاف): يُفَرِّقُ أهلُ السنة بين تكفير المطلق وتكفير المعين، ففي الأول يُطلَقُ القولُ بتكفير صاحبِه (الذي تَلَبَّسَ بالكفرِ)، فيقالُ {مَن قال كذا، أو فعل كذا، فَهو كافِرٌ}. انتهى.

 

(ت)تكفيرٌ بالعُموم؛ وهذا النوع قد يُطلَقُ ويُرادُ به تكفيرُ جميع الأمة بأعيانِهم، وعندئذ يكون بدعة؛ وقد يُطلَقُ ويُرادُ به تكفيرُ أكثر الأمةِ (أو أكثر الأفراد في طائفة ما، كرجال الشُّرْطَةِ ومَبَاحِثِ أَمْنِ الدَّوْلَةِ في بلد ما)، وبمعني أن الأصل في (الأمةِ) أو (الطائفة) هو الكفر، وهو ما يترتب عليه الحكم بتكفير مجهولِ الحالِ من (الأمةِ) أو (الطائفة) في الظاهر لا الباطن، وعندئذ لا يكون بدعةً؛ وإليك بعضُ أقوالِ العلماءِ في ذلك:

 

(1)قالَ الشيخُ محمد بن عبدالوهاب فِي رِسَالَةٍ لَهُ إِلَى الشيخِ عبدِالرحمن بنِ عبداللهِ السُّوَيْدِيِّ الْبَغْدَادِيِّ (الْمُتَوَفَّى عامَ 1200هـ): ما ذكرتم أني أكفر جميع الناس، إلا من اتبعني، وأني أزعم أن أنكحتهم غير صحيحة، فيا عجبا!، كيف يدخل هذا في عقل عاقل؟!، وهل يقول هذا مسلم؟!، إني أبرأ إلى الله من هذا القول الذي ما يصدر إلا عن مختل العقل فاقد الإدراك، فقاتل الله أهل الأغراض الباطلة. انتهى من (الدُّرَر السَّنِيَّة في الأجوبة النَّجْدِيَّة). قلتُ: كانَ الإمامُ الشوكاني (ت1250هـ) والإمامُ الصنعاني (ت1182هـ) مِمَّن عاصَروا الدَّعوةَ النَّجْدِيَّةَ السَّلَفِيةَ زَمَنَ الشيخِ محمد بنِ عبدالوهاب (ت1206هـ)، وَكَانَا خَارِجَ المُجتَمَعاتِ التي أَحْكَمَتِ الدَّعوةُ النَّجْدِيَّةُ السَّلَفِيةُ سَيْطَرَتَها عليها. وقد قال الإمامُ الشوكاني في (البدر الطالع): فَإِن صَاحبَ نجدٍ [يعني عبدالعزيز بن محمد بن سعود] وَجَمِيعَ أَتْبَاعِه يَعْملُونَ بِمَا تَعَلَّمُوه مِن مُحَمَّد بن عبدالْوَهَّاب، وَكَانَ [أَيِ الشيخ مُحَمَّد بن عبدالْوَهَّاب] حنبليًّا، ثمَّ طَلَبَ الحَدِيثَ بِالْمَدِينَةِ المُشَرَّفة، فَعَادَ إِلَى نجدٍ وَصَارَ يَعْمَلُ باجتهادات جمَاعَة مِن مُتَأَخِّرِي الْحَنَابِلَة كَابْن تَيْمِية وَابْن الْقيِّم وأضرابهما، وهما مِن أَشَدِّ النَّاس على معتقدي الأَمْوَات، وَقد رَأَيْتُ كِتابًا مِن صَاحب نجدٍ أجَابَ بِهِ على بعضِ أهل الْعلم، وَقد كَاتَبَه وَسَأَلَهُ بَيَانَ مَا يَعْتَقِدُهُ، فَرَأَيْتُ جَوَابَه [أَيْ جواب صاحب نجد] مُشْتَمِلًا على اعْتِقَادٍ حَسَنٍ مُوَافقٍ للْكتابِ وَالسُّنَّةِ... ثم قالَ -أَيِ الشوكاني-: وفي سنة 1215[هـ] وَصَلَ من صَاحب نجدٍ الْمَذْكُور مُجَلَّدان لطيفان أَرْسَلَ بهما إِلَى حَضْرَةِ مَوْلَانَا الإِمَام [يعني المنصور عليّ بن عباس] حَفِظه اللهُ، أَحَدُهمَا يَشْتَمِلُ على رسائل لمُحَمد بن عبدالْوَهَّاب كُلُّهَا في الإِرْشَاد إِلَى إخلاص التَّوْحِيد والتنفير مِن الشركِ الذي يَفْعَلُه المعتقدون فِي الْقُبُور، وهي رسائل جَيِّدَةٌ مَشْحُونَةٌ بأدلَّةِ الْكِتابِ وَالسُّنَّةِ، والمُجَلَّدُ الآخرُ يَتَضَمَّنُ الرَّدَّ على جَمَاعَةٍ مِن الْمُقَصِّرِينَ مِن فُقَهَاء صنعاء وصعدة ذاكَرُوه في مسَائِلَ مُتَعَلِّقَةٍ بأُصُولِ الدِّين وبجماعةٍ مِن الصَّحَابَةِ، فَأجَاب عَلَيْهِم جوابات مُحَرَّرَةً مُقَرَّرَةً مُحَقَّقَةً تَدُلُّ على أَن الْمُجِيبَ مِن الْعُلمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ العارِفِينَ بِالْكِتابِ وَالسُّنَّةِ، وَقد هَدَمَ عَلَيْهِم جَمِيعَ مَا بَنَوْه، وأَبْطَلَ جَمِيعَ مَا دَوَّنُوه لأَنهم مُقَصِّرُون مُتَعَصِّبُون، فَصَارَ مَا فَعَلُوهُ خِزْيًا عَلَيْهِم وعَلَى أهلِ صنعاء وصعدة، وَهَكَذَا مَن تَصَدَّرَ وَلم يَعْرِفْ مِقْدَارَ نَفْسِه. انتهى. وقد قال الإمامُ الصنعاني في مَدْحِ الشيخِ محمد بنِ عبدالْوَهَّاب ودَعوَتِه السَّلَفِيَّةِ في (القَصِيدةِ النَّجدِيَّةِ)، فقال: وقد جاءَتِ الأخبارُ عنه بأنَّه *** يُعِيدُ لنا الشَّرْعَ الشريفَ بما يُبْدِي*** وينشرُ جَهْرًا ما طَوَى كلُّ جاهلٍ *** ومُبْتَدِعٍ منه فَوَافَقَ ما عندِي *** ويَعْمُرُ أركانَ الشريعةِ هادِمًا *** مَشَاهِدَ ضَلَّ الناسُ فيها عن الرُّشْدِ *** أعادُوا بها مَعْنَى سُوَاعٍ ومِثْلِه *** يَغُوثَ وَوَدٍّ بِئْسَ ذلك مِن وَدِّ *** وقد هَتَفوا عندَ الشدائدِ باسْمِها *** كما يَهْتِفُ المُضْطَرُّ بالصَّمَدِ الفَرْدِ *** وكمْ عَقَرُوا في سُوحِها مِن عَقِيرةٍ *** أُهِلَّتْ لغَيْرِ اللهِ جَهْرًا علَى عَمْدِ *** وكَمْ طائفٍ حَوْلَ القُبُورِ مُقَبِّلٍ *** ومُسْتَلِمِ الأركانِ منهنَّ بالأيدِي *** لقدْ سَرَّني مَا جاءَني مِنْ طريقةٍ *** وكنتُ أَرَى هَذِي الطريقةَ لِي وَحْدِي. انتهى. وقالَ الشيخُ مسعود الندوي (ت1373هـ) في كتابه (محمد بن عبدالوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه): ومِن أَبْرَزِ المُلَبِّين لِلدَّعوةِ [يعني دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب] والمُؤَيِّدِين لها، عالِمُ صنعاء المجتهِدُ الأميرُ محمد بنُ إسماعيل (ت1182هـ)، ولَمَّا بَلَغَتْه دعوةُ الشيخِ [محمد بنِ عبدالوهاب] أنشأَ قَصِيدةً بَلِيغةً [يَعنِي القَصِيدةَ النَّجدِيَّةَ] تَلَقَّاها العلماءُ بالقُبولِ، ومَطْلَعُها {سَلَامِي عَلَى نَجْدٍ ومَنْ حَلَّ فِي نَجْدٍ *** وإنْ كانَ تَسْلِيمِي مِن البُعْدِ لَا يُجْدِي}، وفي هذه القَصِيدةِ مَدْحٌ للشيخِ [محمد بن عبدالوهاب] وثَنَاءٌ عليه، وذَمٌّ للبِدَعِ ورَدٌّ شَدِيدٌ على عقيدةِ وَحْدَةِ الوُجُودِ، وأُمُورٌ أُخْرَى نافِعةٌ جِدًّا، وكانَ مِن أعظَمِ أسبابِ فَرَحِ الأميرِ محمد بنِ إسماعيل أنَّه كانَ يَظُنُّ نَفْسَه مُنْفَرِدًا في هذا المَيدانِ، كما يَظْهَرُ مِن شِعْرِه هذا {لقدْ سَرَّني مَا جاءَني مِنْ طريقةٍ *** وكنتُ أَرَى هَذِي الطريقةَ لِي وَحْدِي}. انتهى.

 

(2)وقالَ الشيخُ محمد بنُ إبراهيم التويجري (مدير مكتب توعية الجاليات بالخبيب ببريدة) في كتابِه (موسوعة الفقه الإسلامي): تكفيرُ العمومِ، وهو تكفيرُ الناسِ كُلِّهم، وهي طريقةُ أهل البدع والجهل بأحكام الله. انتهى باختصار.

 

(3)وقالَ الشيخُ عبدُاللطيف بنُ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب في (مصباح الظلام): (تَكفِيرُ عُمُومِ الأُمَّةِ وجَميعِها) هذا لم يَقُلْه أحَدٌ، ولم نَسْمَعْ به عن مارِقٍ ولا مُبْتَدِعٍ. انتهى باختصار.

 

(4)وسُئِلَ ابْنَا الشيخِ محمدِ بن عبدالوهاب (الشيخان حسين وعبدالله): ما مَعْنَى قَولِ الشَّيخِ [محمدِ بن عبدالوهاب] وغيرِه {إنَّا لُا نُكَفِّرُ بالعُمومِ}؟. فَأَجَابَا: التَّكفِيرُ بِالعُمومِ [هو] أنْ يُكَفَّرَ الناسُ كُلُّهم. انتهى من (الدُّرَر السَّنِيَّة في الأجوبة النَّجْدِيَّة). وقالَ الشيخُ أبو بصير الطرطوسي على موقعِه في هذا الرابط: وأكثَرُ النَّاسِ عِلمًا بِمَذاهِبِ الشَّيخِ [محمدِ بن عبدالوهاب] وتَرجِيحاتِه هُمْ أبناؤه وأحفادُه. انتهى.

 

(5)وقالَ ابْنَا الشيخِ محمدِ بن عبدالوهاب (الشيخان حسين وعبدالله): وقد يُحْكَمُ بأنَّ أهلَ هذه القريةِ كُفَّارٌ [قلتُ: وهو ما يَتَرَتَّبُ عليه الحُكْمُ بتَكْفِيرِ مَجهولِ الحالِ مِن هذه القَريةِ في الظاهِرِ لا الباطِنِ؛ وأَمَّا مَن كانَ مَعلومَ الحالِ فحُكْمُه بِحَسَبِ حالِه]، حُكْمُهم حُكْمُ الكفارِ، ولا يُحْكَمُ بأنَّ كُلَّ فردٍ منهم كافرٌ بِعَيْنِه، لأنه يُحتمَلُ أنْ يكونَ منهم مَن هو على الإسلامِ، معذورٌ في تَرْكِ الهِجرةِ، أو يُظْهِرُ دِينَه ولا يَعْلَمُه المسلمون، كما قالَ تَعالَى في أَهْلِ مَكَّةَ في حالِ كُفْرِهم {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ}، وقالَ تَعالَى {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا}، وفي الصَّحِيحِ عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قالَ {كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ}. انتهى باختصار من (الدُّرَر السَّنِيَّة في الأجوبة النَّجْدِيَّة). وقالَ الشَّيخُ أبو سلمان الصومالي في (إسعافُ السائلِ بِأَجوِبةِ المَسائلِ): واعلَمْ أنَّ إطلاقَ الكُفرِ على مَراتِبَ ثَلاثٍ؛ (أ)تَكفِيرُ النَّوعِ، كالقَولِ مَثَلًا {مَن فَعَلَ كَذا فَهو كافِرٌ}؛ (ب)وتَكفِيرُ الطائفةِ كالقَولِ {إنَّ الطائفةَ الفُلانِيَّةَ كافِرةٌ مُرتَدَّةٌ، والحُكومةَ الفُلانِيَّةَ كافِرةٌ}، فَإنَّه قد يَلْزَمُ تَكفِيرُ الطائفةِ ولا يَلْزَمُ تَكفِيرُ كُلِّ واحِدٍ مِنها بِعَينِه؛ (ت)وتَكفِيرُ الشَّخصِ المُعَيَّنِ كَفُلانٍ... ثم قالَ -أَيِ الشَّيخُ الصومالي-: وكَفَّرَ الشَّيخُ عَبدُالرحمن بْنُ حسن [هو الشَّيخُ عبدُالرحمن بنُ حسن بن محمد بن عبدالوهاب، المُلَقَّبُ بِـ (المُجَدِّدِ الثانِي)] الطائفةَ الأشعَرِيَّةَ في عَهدِه، وكَفَّرَ أئمَّةُ الدَّعوةِ النَّجدِيَّةِ الدَّولةَ العُثمانِيَّةَ في عَهدِها الأخِيرِ، وحَكَمَ أئمَّةُ الدَّعوةِ النَّجدِيَّةِ بِكُفرِ القَبائلِ التي لم تَقبَلْ دَعوةَ التَّوحِيدِ (إمَّا بِكُفرٍ أصلِيٍّ أو بِرِدَّةٍ، على خِلافٍ بَيْنَهم)، وقَضَى كَثيِرٌ مِن أهل العِلْمِ بِكُفرِ الدُّوَلِ المُحَكِّمةِ لِلْقَوانِينِ الوَضعِيَّةِ وإنْ كانَتْ مُنتَسبةً لِلإسلامِ، وحَكَمَ العُلَماءُ بِكُفرِ حُكومةِ عَدَنَ اليَمَنِيَّةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: وقد يُفَرَّقُ في بَعضِ الأحيانِ بَيْنَ تَكفِيرِ الطائفةِ بِعُمومِها وبَيْنَ تَكفِيرِ أعيَانِها؛ قالَ الشَّيخان (حُسَينٌ وعبدُاللهِ) اِبْنا شَيخِ الإسلامِ محمدِ بنِ عبدالوهاب [في (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)] {وقد يُحْكَمُ بِأَنَّ هذه القَرْيةَ كافِرةٌ وأَهْلَها كُفَّارٌ، حُكْمُهم حُكْمُ الكُفَّارِ، ولا يُحْكَمُ بِأَنَّ كُلَّ فَردٍ مِنهم كافِرٌ بِعَيْنِه، لِأنَّه يُحتَمَلُ أنْ يَكونَ مِنهم مَن هو على الإسلامِ، مَعذورٌ في تَرْكِ الهِجرةِ، أو يُظْهِرُ دِينَه ولا يَعْلَمُه المُسلِمون}. انتهى باختصار.

 

(6)وقالَ الشيخُ عبدُالله الغليفي في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): وَقَعَ الإشكالُ واللَّبْسُ في حُكْمِ أنصارِ الطَّواغِيتِ مِنَ الشُّرْطَةِ ومَبَاحِثِ أَمْنِ الدَّوْلَةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الغليفي-: حُكْمُ هؤلاء عند كُلِّ أبناءِ الصَّحوةِ الإسلاميةِ لا يَخْرُجُ عن ثلاثةِ أُمورٍ على الإجمالِ، فمنهم مَن قالَ إنهم كُفَّارٌ على العُمومِ، الأَصْلُ فيهم الكفرُ [قلتُ: هنا فَسَّرَ الشيخُ عِبَارةَ (كُفَّارٌ على العُمومِ) بعِبَارةِ (الأَصْلُ فيهم الكُفْرُ). وقد قالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (الرِّسالة الثلاثِينِيَّة): جُيُوشُ الطَّواغِيتِ وأنصارُهم، القاعدةُ عندنا أن {الأصل فيهم الكفر} حتى يظهر لنا خلاف ذلك... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: فإن الظاهر [قالَ القرطبيُّ في (الجامع لأحكام القرآن): إنَّ الأَحْكَامَ تُنَاطُ بِالْمَظَانِّ وَالظَّوَاهِرِ لَا عَلَى الْقَطْعِ وَاطِّلَاعِ السَّرَائِرِ. انتهى] في جيوش الطواغيت وشرطتهم ومخابراتهم وأمنهم أنهم من أولياء الشرك وأهله المشركين. انتهى باختصار]، ولا يُمْنَعُ مِن وُجُودِ فيهم مَن يكونُ مُسْلِمًا، ولا نَحْكُمُ على أحدٍ منهم بالإسلامِ إلَّا إذا ظَهَرَ منه ذلك وتَبَرَّأَ مِمَّا هو عليه مِن كُفْرٍ ورِدَّةٍ، فلا بُدَّ أنْ يَدْخُلَ في الإسلامِ ويَعودَ إليه مِنَ البابِ الذي خَرَجَ منه وليس مِن بابٍ آخَرَ، ولا يَنْفَعُ مع الرِّدَّةِ عَمَلٌ لا صلاةَ ولا صيامَ ولا خَيْرَ، لأنها [أَيِ الرِّدَّةَ] مُحْبِطَةٌ للعملِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ الغليفي-: وأقربُ الأقوالِ أنهم كُفَّارٌ على العُمومِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ الغليفي-: هؤلاء كُفَّارٌ بالعُمومِ، ولا يُمْنَعُ أنْ يكونَ فيهم وبينهم مُوَحِّدٌ يَنْصُرُ الإسلامَ ويَدْفَعُ عنِ المسلمِين، كمُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ، لا يُمْنَعُ أنْ يكونَ في الجيشِ والدَّاخِلِيَّةِ مَن يُخَذِّلُ عنِ المسلمِين كَيْدَ الكافرِين، وهذا لا بُدَّ مِن معرفتِه بعَيْنِه بالتجربةِ العَمَلِيَّةِ والاحتِكاكِ المُباشِرِ حتى يَخْرُجَ منَ العُمومِ [قلتُ: وهذا يَعْنِي أنَّ مجهولَ الحالِ في الطائفةِ المُكَفَّرَةِ بالعُمومِ محكومٌ بِكُفْرِه حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُ ذَلِكَ]. انتهى باختصار.

 

(7)وقالَ الشيخُ حَمَدُ بنُ عَتِيقٍ (ت1301هـ)، لِيُدَلِّلَ على أنَّ بَلَدَ الأحساءِ دارُ كُفرٍ وشِركٍ في وَقْتِه (كما ذَكَرَه الشيخُ مدحتُ بنُ حسن آل فراج في "المختصر المفيد في عقائد أئمة التوحيد"): مِن حَمَدِ بْنِ عَتِيقٍ إلى الشيخِ عبدِالله بنِ حسين المخضوب [ت1317هـ]، وَفَّقَنِي اللهُ وإيَّاه للعِلْمِ والعَمَلِ، بالسُّنَّةِ والكِتابِ، وأزالَ عنَّا وعنه الحُجُبَ والاِرتِيابَ؛ وبَعْدُ، قد بَلَغَنِي عنك ما أَساءَنِي، وعَسَى أنْ يكونَ كَذِبًا، وهو أنَّك تُنْكِرُ على مَن اشْتَرَى مِن أموالِ أهلِ الأحساءِ التي تُؤْخَذُ منهم قَهْرًا [قلتُ: وذلك الإنكارُ وَقَعَ نَظَرًا إلى عِصمة أموالِ المسلمِينِ، وحُرمةِ شِراءِ المَغصوبِ. قلتُ أيضًا: تَقَعُ الأحساءُ في الرُّكْنِ الْجَنُوبِيِّ الشَّرْقِيِّ للمملكةِ العربيةِ السعوديةِ، وقد خاضتِ الدولةُ السُّعودِيَّةُ -الأولى والثانيةُ والثالثةُ- مَعارِكَ لِبَسْطِ نُفُوذِها على الأحساءِ حتى تَمَكَّنَ مُؤَسِّسُ الدولةِ السعوديةِ الثالثةِ (الملكَ عبدُالعزيز بنُ عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود) من ضَمِّها إلى مَمْلَكَتِه عامَ 1331هـ]، فإنْ كانْ صِدْقًا فلا أَدْرِي ما الذي عَرَضَ لك، والذي عندنا أنَّه لا يُنْكِرُ مِثْلَ هذا إلَّا مَن يَعتَقِدُ مُعتَقَدَ أهلِ الضَّلالِ القائلِين {إنَّ مَن قالَ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) لا يَكْفُرُ، وأنَّ ما عليه أكثرُ الخَلْقِ مِن فِعْلِ الشِّركِ وتَوابِعِه والرِّضَا بذلك وعَدَمِ إنكارِه، لا يُخرِجُ مِنَ الإسلامِ}!، وبذلك عارَضُوا الشيخَ محمد بنَ عبدالوهاب -رَحِمَه اللهُ- في أَصْلِ هذه الدَّعوةِ [أَيِ الدَّعوةِ النَّجدِيَّةِ السَّلَفِيَّةِ]؛ ومَن له مُشارَكةٌ فيما قَرَّرَه المُحقِّقون، قَدِ اطَّلَعَ على أنَّ البَلَدَ إذا ظَهَرَ فيها الشِّركُ، وأُعْلِنَتْ فيها المُحَرَّماتُ، وعُطِّلَتْ فيها مَعالِمُ الدِّينِ، أنَّها تكونُ بلادَ كُفرٍ، تُغْنَمُ أموالُ أهلِها، وتُستَباحُ دِماؤهم، وقد زادَ أهلُ هذا البَلَدِ بإظهارِ المَسَبَّةِ لله ولِدِينِه، ووضعوا قَوانِينَ يُنْفِذونها في الرَّعِيَّةِ، مُخالِفةً لكِتابِ اللهِ وسُنَّةِ نَبِيِّه صلى الله عليه وسلم، وقد عَلِمْتَ أنَّ هذه كافِيَةٌ وَحْدَها في إخراجِ مَن أَتَى بها مِنَ الإسلامِ، هذا ونحن نقولُ، قد يُوجَدُ فيها مَن لا يُحكَمُ بكُفرِه في الباطِنِ، مِن مُسْتَضْعَفٍ ونحوِه، وأَمَّا في الظاهِرِ فالأَمْرُ -وللهِ الحَمْدُ- واضِحٌ [يَعْنِي لا إشكالَ في تكفيرِه ظاهِرًا. قلتُ: وذلك في حَقِّ كُلِّ مَن كانَ مَجْهُولَ الحالِ؛ وأَمَّا مَن كانَ مَعلومَ الحالِ فحُكْمُه بِحَسَبِ حالِه]؛ فارْجِعِ البَصَرَ في نُصوصِ الكِتابِ والسُّنَّةِ، وفي سِيرةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه، تَجِدْها بَيْضاءَ نَقِيَّةً، لا يَزِيغُ عنها إلا هالِكٌ، ثم تَحَرَّ فِيما ذَكَرَ العُلَماءُ، وارْغَبْ إلى اللهِ في هِدَايَةِ القَلْبِ وإزالةِ الشُّبهةِ، وما كُنْتُ أَظُنُّ أنَّ هذا يَصْدُرُ مِن مِثْلِك؛ ولا تَغْتَرَّ بما عليه الجُهَّالُ وما يَقولُه أهلُ الشُّبُهاتِ، فإنَّه قد بَلَغَنِي أنَّ بعضَ الناسِ يقولُ {إنَّ في الأحساءِ مَن هو مُظْهِرٌ دِينَه لا يُرَدُّ عنِ المساجدِ والصلاةِ}، وأنَّ هذا عندهم هو إظهارُ الدِّينِ؛ وهذه زَلَّةٌ فاحِشةٌ، غايَتُها أنَّ أَهْلَ بَغْدَادَ وأَهْلَ مَنْبِجٍ [تقعُ مَنْبِجُ في شَمال سُورِيَا] وأَهْلَ مِصْرَ قد أظْهَرَ مَن هو عندهم دِينَه، فإنَّهم لا يَمْنَعُون مَن صَلَّى، ولا يَرُدُّون عنِ المَساجدِ، فَيَا عِبَادَ اللَّهِ، أَيْنَ عُقولُكم؟!، فإنَّ النِّزاعَ بيننا وبين هؤلاء ليس هو في الصلاةِ، إنَّما هو في تقريرِ التوحيدِ والأَمْرِ به، وتَقْبِيحِ الشِّركِ والنَّهيِ عنه، والتصريحِ بذلك، كما قالَ إمامُ الدَّعوةِ النَّجدِيَّةِ [الشيخُ محمد بنُ عبدالوهاب] {أَصْلُ دِينِ الإسلامِ وقاعِدَتُه أَمْران؛ الأَمْرُ الأَوَّلُ، الأَمْرُ بعِبادةِ اللهِ وَحْدَه لا شَرِيكَ له، والتَّحرِيضُ على ذلك، والمُوَالَاةُ فيه، وتكفيرُ مَن تَرَكَه؛ الأَمْرُ الثاني، الإنذارُ عنِ الشِّركِ في عبادةِ اللهِ وَحْدَه لا شَرِيكَ له، والتَّغْلِيظُ في ذلك، والمُعاداةُ فيه، وتَكفِيرُ مَن فَعَلَه}، هذا هو إظهارُ الدِّينِ؛ فتَأَمَّلْ -أَرشَدَك اللهُ- مِثْلَ قولِه في السُّورةِ المَكِّيَّةِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} إلى آخِرِ السُّورةِ، فهَلْ وَصَلَ إلى قَلْبِك أنَّ اللهَ أَمَرَه أنْ يُخاطِبَهم بأنَّهم كافِرون، ويُخْبِرَهم بأنَّه لا يَعْبُدُ ما يَعبُدون (أَيْ أنَّه بَرِيءٌ مِن دِينِهم)، ويُخْبِرَهم أنَّهم لا يَعبُدون ما يَعْبُدُ (أَيْ أنَّهم بَرِيئون مِنَ التوحيدِ)، وفي القُرآنِ آياتٌ كثيرةٌ، مِثْلُ ما ذَكَرَ اللهُ عن خَلِيلِه إبراهيمَ والذِين معه {إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}. انتهى باختصار من (الدُّرَر السَّنِيَّة في الأجوبة النَّجْدِيَّة).

 

(8)وقالَ الشيخُ حَمَدُ بنُ عَتِيقٍ أيضًا في حُكمِ أهلِ مَكَّةَ وما يُقالُ في البَلَدِ نَفْسِه، لِيُدَلِّلَ -في وَقْتِه- على أنَّ مَكَّةَ دارُ كُفرٍ وشِركٍ، وأنَّ أَهلَها مُشرِكون: جَرَتِ المُذاكَرَةُ في كَونِ مَكَّةَ بَلَدَ كُفْرٍ أم بَلَدُ إسلامِ، فَنَقولُ وبِاللهِ التَّوفِيقُ، قد بَعَثَ اللهُ محمدًا صلى الله عليه وسلم بِالتوَّحِيدِ الذي هو دِينُ جَمِيعِ الرُّسُلِ... ثم قال -أَيٍ الشيخُ حَمَدُ بن عَتِيقٍ-: وأَمَّا إذا كان الشركُ فاشِيًا، مِثْلَ دُعاءِ الكعبةِ والمَقَامِ [المَقَامُ أو مَقَامُ إبراهيمَ هو الحَجَرُ الذي كان إبراهيمُ عليه السلام يَقُومُ عليه لِبِناءِ الكَعبةِ؛ لَمَّا اِرتَفَعَ الجِدارُ أتاه إسماعيلُ عليه السلامُ به لِيَقُومَ فَوقَه، ويُناوِلَه الحِجارةَ، فَيَضَعُها بِيَدِه لِرَفْعِ الجِدارِ؛ قُلْتُ: ويُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلَّى خَلْفَ المَقَامِ رَكْعَتَا الطَّوَافِ] والحَطِيمِ [أَيِ الحِجْرِ، وهو الذي يُسَمِّيه -خَطَأً- كَثِيرٌ مِنَ العَوَامِّ (حِجْرَ إسْمَاعِيلَ)، وهو بِنَاءٌ على شكلِ نِصْفِ دائرةٍ، وله فَتْحَتانِ مِن طَرفَيْه للدُّخولِ إليه والخُروجِ منه، وتَقَعُ الفَتْحَتانِ المَذْكُورتانِ بِحِذَاءِ رُكْنَيِ الكعبةِ الشَّمالِيِّ والغربِيِّ؛ قُلْتُ: والصَّلاةُ في الحِجْرِ تَنَفُّلًا مُستَحَبَّةٌ] ودُعاءِ الأنبياءِ والصالحِين، وإفشاءُ تَوابِعِ الشِّركِ مِثْلِ الزِّنَى والرِّبَا وأنواعِ الظلمِ، ونَبْذُ السُّنَنِ وَرَاءَ الظَّهْرِ، وفُشُوُّ البِدَعِ والضَّلالاتِ، وصارَ التَّحاكُمُ إلى الأئمَّةِ الظَّلَمةِ [قالَ اِبنُ تيميةَ في (مجموع الفَتَاوَى): الأَئِمَّةُ الْمُضِلُّونَ هُمُ الأُمَرَاءُ. انتهى. وقال الشيخُ صالح آل الشيخ في (التمهيد لشرح كتاب التوحيد): الأَئِمَّةُ الْمُضِلُّونَ هُمُ الذِين اتَّخَذَهم الناسُ أئمَّةً، إمَّا مِن جِهَةِ الدِّينِ، وإمَّا مِن جِهَةِ وِلَايَةِ الحُكْمِ. انتهى] ونُوَّابِ المُشرِكِين، وصارَتِ الدعوةُ إلى غيرِ القرآنِ والسُّنَّةِ، وصارَ هذا معلومًا في أَيِّ بَلَدٍ كانَ، فلا يَشُكُّ مَن له أَدْنَى عِلْمٍ أنَّ هذه البلادَ مَحْكُومٌ عليها بأنَّها بلادُ كُفْرٍ وشركٍ، لا سِيَّمَا إذا كانوا مُعادِينَ لأهلِ التوحيدِ، وساعِين في إزالةِ دِينِهم، وفي تَخْريبِ بلادِ الإسلامِ، وإذا أَرَدْتَ إقامةَ الدليلِ على ذلك وَجَدْتَ القرآنَ كُلَّه فيه، وقد أجمَعَ عليه العلماءُ، فهو مَعلومٌ بِالضَّرورةِ عند كُلِّ عالِمٍ؛ وأمَّا قولُ القائلِ {ما ذَكَرْتُم مِن الشركِ إنَّما هو مِنَ الآفَاقِيَّةِ [أَيْ مِنَ الذِين يَأتونَ إلى مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ زائرِين، لا مِن أَهْلِ البلدِ الأَصْلِيِّين؛ وبمَعْنًى آخَرَ هُمُ الذِين قَدِمُوا مِنَ الآفاقِ، والمُرادُ هنا الذِين هُمْ -في الأَصْلِ- لَيسوا مِن أهلِ مَكَّةَ] لا مِن أهلِ البَلَدِ}، فيُقالُ له أَوَّلًا، هذا إمَّا مُكابَرةٌ وإمَّا عَدَمُ عِلْمٍ بالواقعِ، فَمِنَ المُتَقَرِّرِ أنَّ أهلَ الآفاقِ تَبَعٌ لأهلِ تلك البِلَادِ [قالَ الشيخُ عماد فراج على موقعه في هذا الرابط: بَيَّنَ [أَيِ الشيخُ حَمَدُ بن عَتِيقٍ] أنَّ أهلَ مَكَّةَ واقِعون في الشِّركِ أيضًا، بَلْ إنَّ الآفاقِيِّين تَبَعٌ لهم في ذلك] في دعاءِ الكعبةِ والمَقَامِ والحَطِيمِ كما يَسْمَعُه كُلُّ سامعٍ ويَعْرِفُه كُلُّ مُوَحِّدٍ، ويُقالُ ثانِيًا، إذا تَقَرَّرَ وصارَ هذا مَعلومًا، فذاك كافٍ في المسألةِ، ومَنِ الذي فَرَّقَ في ذلك؟!، وَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ، إذا كُنْتُم تُخْفُون توحيدَكم في بِلَادِهم [يَعنِي مَكَّةَ]، ولا تَقْدِرُون أنْ تُصَرِّحوا بدِينِكم، وتُخافِتُون بصَلَاتِكم، لِأنَّكم عَلْمْتُم عَداوَتَهم لهذا الدِّينِ، وبُغْضَهم لِمَن دانَ به، فَكَيفَ يَقَعُ لِعاقِلٍ إشكالٌ؟!، أَرَأَيْتُم لو قالَ رَجُلٌ مِنكم لِمَن يَدْعُو الكعبةَ -أو المَقَامَ أو الحَطِيمَ- ويَدْعُو الرَّسولَ والصَّحَابةَ {يا هذا، لا تَدْعُ غيرَ اللهِ} أو {أنتَ مُشْرِكٌ}، هَلْ تَرَاهُمْ [يَعنِي أهلَ مَكَّةَ] يُسامِحُونه أَمْ يَكِيدُونه؟!، فَلْيَعْلَمِ المُجادِلُ أنَّه ليس على تَوحِيدِ اللهِ، فَواللهِ ما عَرَفَ التَّوحِيدَ ولا تَحَقَّقَ بِدِينِ الرَّسولِ صلى اللهُ عليه وسلم؛ أَرَأَيْتَ رَجُلًا عندَهم قائلًا لِهؤلاء {راجِعوا دِينَكم} أو {اِهْدِموا البِنَاءاتِ التي على القُبورِ، ولا يَحِلُّ لكم دُعاءُ غيرِ اللهِ}، هَلْ تَرَى يَكفِيهم فيه فِعْلُ قُرَيْشٍ بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم؟!، لا واللهِ، لا واللهِ؛ وإذا كانَتِ الدَّارُ دارَ إسلامٍ -لِأيِّ شَيْءٍ- لِمَ تَدعوهم إلى الإسلامِ؟! وتَأْمُرُهم بِهَدْمِ القِبَابِ واجتنابِ الشركِ وتَوَابِعِه؟!، فَإنْ يَكُنْ قد غَرَّكم أنَّهم يُصَلُّون أو يَحُجُّون أو يَصومون ويتصدَّقون، فتَأَمَّلُوا الأَمْرَ مِن أَوَّلِه، وهو أنَّ التَّوحِيدَ قد تَقَرَّرَ في مَكَّةَ بِدَعوةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الخَلِيلِ عليهما السَّلامُ، ومَكَثَ أهلُ مَكَّةَ عليه مُدَّةً مِنَ الزَّمانِ، ثم إنَّه فَشَا فيهم الشِّركُ بِسَببِ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ [قالَ اِبنُ الجوزي في (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم): وهو [أَيْ عَمْرُو بْنِ لُحَيٍّ] أَوَّلُ مَنْ غَيَّرَ دِينَ الْحَنَفِيَّةِ دِينَ إِبْرَاهِيمَ، وأَوَّلُ مَنْ نَصَبَ الأَوْثَانَ حَولَ الكَعبةِ. انتهى]، وصاروا مُشرِكِين وصارَتِ البِلادُ بِلَادَ شِرْكٍ، مع أنَّه قد بَقِيَ معهم أشياءٌ مِنَ الدِّينِ، كما كانوا يَحُجُّون ويَتَصَدَّقون. انتهى باختصار من (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية).

 

(9)وقالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (إعدادُ القادةِ الفوارسِ بهجرِ فسادِ المدارسِ): وَمَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بِالْبَارِحَةِ، فَهَا هُمْ طواغيتُ الحُكَّامِ يَلعَبون نَفْسَ الدَّورِ الذي لَعِبَه المُستَعمِرُ الذي رَبَّاهم ورَبَّى آباءَهم؛ إنَّ مِن أَهَمِّ أهدافِهم التَّعلِيمِيَّةِ كما تَقَدَّمَ تَربِيَةَ الجِيلِ على الوَلَاءِ للوَطَنِ والأَمِيرِ، ومع هذا فَهَا هُمْ كثيرٌ مِنَ الدُّعاة يُسَلِّمون أولادَهم لهم ولِمُخَطَّطَاتِهم بكُلِّ بَلَاهةٍ!، وقد تَقَدَّمَتْ أَمثِلةٌ مِن أسالِيبِهم في استغلالِ هذه المدارسِ ومَناهِجِها لِصالِحِهم ولِصالِحِ أَنْظِمَتِهم، تَمامًا كاستغلالِ أَساتِذَتِهم وأَولِيائهم المُستَعمِرِين، فرَأَيتَ كيف يَعملون على إذلالِ الشُّعوبِ ومَسْخِ إسلامِها وعَزْلِه عنِ الحُكمِ وجَعْلِه إسلامًا عَصرِيًّا يُناسِبُ أهواءَ هذه الحُكوماتِ ولا يَعرِفُ عَدَاوتَهم ولا عَدَاوةَ باطِلِهم، بَلْ يُدَرِّسون الوَلَاءَ والحُبَّ لهم ولأنْظِمَتِهم وحُكُوماتِهم وقوانينِهم وطَرَائقِهم المُنحَرِفةِ، ويُسَيِّرون الشُّعوبَ وحياتَهم تَبَعًا لِمَا يُرِيدون، فَتَرَى الرَّجُلَ يَسِيرُ في رِكابِهم وطِبْقًا لِمُخَطَّطَاتِهم لا يَخْرُجُ عنها مِنَ المَهْدِ إلى اللَّحْدِ وهكذا أولادُه مِن بعدِه، فهو مِن صِغَرِه يَدخُلُ الرَّوضةَ ويَتَسَلْسَلُ في مَدارسِهم الابتدائيَّةِ والمُتَوَسِّطةِ، يُغرَسُ فيه الوَلاءُ والانْقِيادُ لقوانينِهم وأنْظِمَتِهم كما قد رَأَيتَ، ويَتَلَقَّى مَفاسِدَهم بألوانِها المُتَنَوِّعةِ، ثُمَّ المَرحَلةُ الثانَوِيَّةُ مِثْلُ ذلك وأَطَمُّ، ثم يأتي دَورُ جامعاتِهم المُخْتَلَطةِ الفاسدةِ، ومِن بعدِها تَجنِيدُهم الإجْبارِيُّ، وأَخِيرًا وبعدَ أنْ تَنقَضِي زَهرَةُ الأيَّامِ يَقِفُ المَرْءُ بعدَ تَخَرُّجِه على أعْتابِهم يَستَجدِي وظائفَهم ودَرَجاتِهم، وهكذا يُفْنِي عُمُرَه في رِكابِهم وهُمْ يُسَيِّرون له حَيَاتَه ويُحَدِّدون له الطَّرِيقَ والمَصِيرَ، فلا يَخْرُجَ عن طَرِيقِهم ولا يَتَعَدَّى مُخَطَّطَاتِهم طَوَالَ فَترةِ حَيَاتِه [قالَ الشيخُ الألباني في فتوى صَوتِيَّةٍ مُفَرَّغةٍ له على هذا الرابط: الشَّبَابُ اليومَ في كُلِّ بِلَادِ الإسلامِ إلَّا ما نَدَرَ اعتادُوا أيضًا أنْ يَعِيشوا عَبِيدًا للحُكَّامِ. انتهى. وقالَ الشيخُ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإِسْكَنْدَرِيَّةِ) في مُحاضَرة مُفَرَّغَةٍ على هذا الرابط: تُوجَدُ عَمَلِيَّةُ غَسِيلِ مُخٍّ للمُسلِمِين في مَناهِجِ التعليمِ وفي الإعلامِ. انتهى. وقالَ الْمُلَّا عَلِيٌّ الْقَارِيُّ في (مِرْقَاةُ الْمَفَاتِيحِ): عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الإِسْلَامِ، وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَيْهِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى [أَيْ أَمِيرِ (بُصْرَى)، وكَانَتْ (بُصْرَى) فِي مَمْلَكَةِ هِرَقْلَ، وتَقَعُ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَدِمَشْقَ] لِيَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ، فَإِذَا فِيهِ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِاللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجَرَكَ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ الأَرِيسِيِّينَ}؛ (فَعَلَيْكَ إِثْمُ الأَرِيسِيِّينَ) قَالَ النَّوَوِيُّ [في شرح صحيح مسلم] {اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهِمْ [أَيْ بِالأَرِيسِيِّينَ] عَلَى أَقْوَالٍ، أَصَحُّهَا وَأَشْهَرُهَا أَنَّهُمُ الأَكَّارُونَ، أَيِ الْفَلَّاحُونَ وَالزَّرَّاعُونَ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ رَعَايَاكَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَكَ وَيَنْقَادُونَ بِانْقِيَادِكَ، وَنَبَّهَ بِهَؤُلَاءِ عَلَى جَمِيعِ الرَّعَايَا لِأنَّهُمُ الأَغْلَبُ، وَلِأنَّهُمْ أَسْرَعُ انْقِيَادًا، فَإِذَا أَسْلَمَ أَسْلَمُوا، وَإِذَا امْتَنَعَ امْتَنَعُوا}، قُلْتُ [والكلامُ ما زال لصاحب مرقاة المفاتيح]، لِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ النَّاسَ [أَيْ أَكْثَرَ النَّاسِ، وذلك على ما سَبَقَ بَيَانُه في مَسْأَلَةِ (هَلْ يَصِحُّ إطلاقُ الكُلِّ على الأَكْثَرِ؟ وهَلِ الحُكْمُ لِلغالِبِ، والنَّادِرُ لا حُكْمَ له؟)] عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ... ثم قالَ -أَيِ الْقَارِيُّ-: قَالَ الطِّيبِيُّ [في كتابِه (الكاشف عن حقائق السنن)] رَحِمَهُ اللَّهُ {إنَّ تَغَيُّرَ الْوُلَاةِ وَفَسَادَهُمْ مُسْتَلْزِمٌ لِتَغَيُّرِ الرَّعِيَّةِ، وَقَدْ قِيلَ (النَّاسُ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ)}. انتهى باختصار. وقالَ الْمُلَّا عَلِيٌّ الْقَارِيُّ أيضًا في (جمع الوسائل في شرح الشمائل): وَإِنَّ النَّاسَ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ، وَإِنَّ الْمُرِيدِينَ عَلَى دَأْبِ شُيُوخِهِمْ، وَالتَّلَامِيذَ عَلَى طَرِيقَةِ أُسْتَاذِيهِمْ. انتهى. وقالَ أحمد أمين (عضو مجمع اللغة العربية، وقد تُوُفِّيَ عامَ 1954م) في (فيض الخاطر): ثُمَّ في كُلِّ الكُتُبِ يُحَمِّلُ [أَيِ الرسولُ صلى الله عليه وسلم] المُلوكَ تَبِعَةَ الرَّعِيَّةِ، فَفِي استطاعتِهم قُبُولُ الدعوةِ، وإذا رُفِضَتْ فالإثْمُ عليهم؛ ففي كِتَابِه إلى هِرَقْلَ {فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّما عَلَيْكَ إِثْمُ الأَرِيسِيِّينَ} [قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي (فَتْحُ الباري): قَالَ الْخَطَّابِيُّ {أَرَادَ أَنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الضُّعَفَاءِ وَالأَتْبَاعِ إِذَا لَمْ يُسْلِمُوا تَقْلِيدًا لَهُ، لِأنَّ الأَصَاغِرَ أَتْبَاعُ الأَكَابِرِ}. انتهى]، وفي كِتَابِه إلى الْمُقَوْقَسِ {فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ القِبْطِ}، وفي كِتَابِه إلى كِسْرَى {فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِنَّما إِثْمُ الْمَجُوسِ عَلَيْكَ}. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ عبدُالله بن زيد آل محمود (رئيس المحاكم الشرعية والشؤون الدينية بدولة قطر): فلَمَّا فَتَحَ [أَيِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم] مَكَّةَ عَنْوَةً أَخَذَ الناسُ يَدخلون في الدِّينِ أفواجًا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ عبدُالله بن زيد-: العامَّةِ مُقَلِّدَةً في عَقائدِهم لِرُؤَسائِهم على حَدِّ ما قِيلَ {النَّاسُ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ}، وقد حَكَى اللهُ عن أهلِ النارِ أنَّهم قالوا {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}. انتهى من (مجموعة رسائل الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود). وقالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ في (مجموع الفتاوى): وَلِأجْلِ مَا كَانُوا [أَيْ بَنُو عُبَيْدٍ القَدَّاحِ أصحابُ الدَّوْلَةِ العُبَيْدِيَّةِ (الفاطِمِيَّةِ) ذاتِ المَذْهَبِ الشِّيعِيِّ الإِسْمَاعِيلِيِّ] عَلَيْهِ مِنَ الزَّنْدَقَةِ وَالْبِدْعَةِ بَقِيَتِ الْبِلَادُ الْمِصْرِيَّةُ مُدَّةَ دَوْلَتِهِمْ -نَحْوَ مِائَتَيْ سَنَةٍ- قَدِ انْطَفَأَ نُورُ الإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ حَتَّى قَالَتْ فِيهَا الْعُلَمَاءُ {إنَّهَا كَانَتْ دَارَ رِدَّةٍ وَنِفَاقٍ كَدَارِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ}. انتهى. وقالَ ابنُ كَثِيرٍ في (البداية والنهاية): وَقَدْ كَانَ الْفَاطِمِيُّونَ أَغْنَى الْخُلَفَاءِ وَأَكْثَرَهُمْ مَالًا، وَكَانُوا مِنْ أَعْتَى الْخُلَفَاءِ وَأَجْبَرِهِمْ وَأَظْلِمِهِمْ، وَأَنْجَسِ الْمُلُوكِ سِيرَةً وَأَخْبَثِهِمْ سَرِيرَةً، ظَهَرَتْ فِي دَوْلَتِهِمُ الْبِدَعُ وَالْمُنْكَرَاتُ، وَكَثُرَ أَهْلُ الْفَسَادِ، وَقَلَّ عِنْدَهُمُ الصَّالِحُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ. انتهى. وقالَ الْمَقْرِيزِيُّ (ت845هـ) في (المواعظ والاعتبار): وأنشأَ [يَعْنِي صلاحَ الدِّينِ الأَيُّوبِيَّ (يوسفَ بنَ أَيُّوبَ) الذي أَسْقَطَ الدولةَ العُبَيْدِيَّةَ] مَدرَسةً للمالِكِيَّةِ، وعَزَلَ قُضَاةَ مِصْرَ الشِّيعَةَ، وقَلَّدَ [أَيْ وَلَّى] القَضَاءَ صدرَ الدِّينِ بنَ عبدالملك بن درباس الشافِعِيَّ، وجَعَلَ إليه الحُكْمَ في إقليمِ مِصْرَ كُلِّه، فعَزَلَ سائرَ القُضاةِ، واسْتَنابَ قُضاةً شافعيةً، فتَظاهرَ الناسُ مْن تلك السَّنَةِ بمَذهبِ مالِكٍ والشافِعِيِّ رضي الله عنهما، واخْتَفَى مَذهبُ الشِّيعةِ إلى أنْ نُسِيَ مِن مِصْرَ، ثم قَبَضَ على سائرِ مَن بَقِيَ مِن أُمراءِ الدولةِ، وأَنزلَ أصحابَه في دُورِهم في ليلةٍ واحدةٍ، فأصبحَ في البلدِ مِنَ العَوِيلِ والبُكاءِ، ما يُذْهِلُ، وتَحَكَّمَ أصحابًه في البلدِ بأَيْدِيهم... ثم قالَ -أَيِ الْمَقْرِيزِيُّ-: وأَمَّا العقائدُ فإنَّ السُّلطانَ صلاحَ الدِّينِ حَمَلَ الكافَّةَ على عقيدةِ أَبِي الْحَسَنِ الأَشْعَرِيِّ. انتهى باختصار. وقالَ ابنُ تغري بردي (ت874هـ) في (النجوم الزاهرة): ثم بَلَغَ صلاحَ الدِّينِ أنَّ إنسانًا يُقال له (الكنز) [هو كنزُ الدولةِ محمد، أَحَدُ أُمراءِ الدولةِ الفاطميَّةِ، كان والِيًا على أسْوانَ] جَمَعَ بأسْوانَ خَلْقًا كثيرًا مِنَ السودانِ، وزَعَمَ أنه يُعِيدُ [أَيْ يَعْمَلُ على أنْ يُعِيدَ] الدولةَ العُبَيْدِيَّةَ المِصريَّةَ، وكان أهلُ مِصْرَ يُؤْثِرُون عَوْدَهم [أَيْ عَوْدَةَ العُبَيْدِيِّين] وانضافوا إليه [أَيْ وانضمَّ أهلُ مِصْرَ إلى الكنز]، فسَيَّرَ صلاحُ الدِّينِ إليه جيشًا كَثِيفًا وجَعَلَ مُقَدَّمَه أَخَاه المَلِكَ العادِلَ، فساروا والتَقَوْا به، وكَسَرُوه في السابِعِ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعِينَ وخَمْسِمِائَةٍ، ثُمَّ بعدَ ذلك اسْتقرَّتْ له [أَيْ لصلاحِ الدِّينِ] قواعدُ المُلْكِ. انتهى. وقالَ ابنُ الأثير أبو الحسن (ت630هـ) في (الكامل في التاريخ): فَكَتَبَ إِلَيْهِ [يعني إلى صلاح الدِّينِ] نُورُ الدِّينِ مَحْمُودُ بْنُ زَنْكِيٍّ يَأْمُرُهُ بِقَطْعِ الْخُطْبَةِ الْعَاضِدِيَّةِ [يعني يَأْمُرُهُ بِقَطْعِ الدُّعاءِ للعَاضِدِ الخليفةِ الفاطميِّ في خُطْبَةِ الجمعةِ، حيث كان الدُّعاءُ للخليفةِ في الْخُطْبَةِ هو عُنْوَانَ تَبَعِيَّةِ البلدِ له] وَإِقَامَةِ الْخُطْبَةِ الْمُسْتَضِيئِيَّةِ [يعني أَمَرَه بالدُّعاءِ للخليفةِ العباسيِّ (المستضيءِ بأمرِ اللهِ)]، فَامْتَنَعَ صَلَاحُ الدِّينِ، وَاعْتَذَرَ بِالْخَوْفِ مِنْ قِيَامِ أَهْلِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ عَلَيْهِ لِمَيْلِهِمْ إِلَى الْعَلَوِيِّينَ [يعني العُبَيْدِيِّين]. انتهى. وقالَ أبو شامة المقدسي (ت665هـ) في (كتابِ الرَّوْضَتَيْنِ فِي أَخْبَارِ الدَّوْلَتَيْنِ النُّورِيَّةِ وَالصَّلَاحِيَّةِ): صَلَاحُ الدِّينِ (يُوسُفُ بْنُ أَيُّوبَ) لَمَّا ثَبَتَتْ قَدَمُه فِي مِصْرَ، وَزَالَ المُخالِفون لَهُ، وَضَعُفَ أَمْرُ الْعَاضِدِ (وَهُوَ الْخَلِيفَةُ بِهَا)، وَلم يَبْقَ مِنَ العَساكِرِ المِصْرِيَّةِ أَحَدٌ، كَتَبَ إِلَيْهِ الْمَلِكُ الْعَادِلُ نُورُ الدِّينِ مَحْمُودٌ يَأْمُرهُ بِقَطْعِ الْخُطْبَةِ الْعَاضِدِيَّةِ وَإِقَامَةِ الْخُطْبَةِ العَبَّاسِيَّةِ، فَاعْتَذرَ صَلَاحُ الدِّيِن بالخَوْفِ مِن وُثُوبِ أهلِ مِصْرَ وامتناعِهم مِنَ الإِجَابَةِ إِلَى ذَلِك، لِمَيْلِهم إِلَى الْعَلَوِيِّينَ، فَلَمْ يُصْغِ نُورُ الدِّينِ إِلَى قَوْلِه وَأرْسَلَ إِلَيْهِ يُلْزِمُه بذلك إلزامًا لَا فُسْحَةَ لَهُ فِيهِ. انتهى. وقالَ علاءُ اللامي في مقالة بعنوان (صلاح الدين الأيوبي بين الخِلَافَتَين العباسِيَّةِ والفاطمِيَّةِ) على هذا الرابط: وزادَ المُؤَرِّخُ أبو شامة المقدسي الأَمْرَ تَوضِيحًا بالقَولِ {فَاعْتَذرَ صَلَاحُ الدِّيِن بالخَوْفِ مِن وُثُوبِ أهلِ مِصْرَ وامتناعِهم عنِ الإِجَابَةِ إِلَى ذَلِك، لِمَيْلِهم إِلَى الْعَلَوِيِّينَ (يَقْصِدُ الفاطِمِيِّين)}، فصلاحُ الدِّينِ كان حَرِيصًا على توحيدِ الكلمةِ بتَرَفُّقٍ وتَلَطُّفٍ، ودُونِ استعجالٍ أو قَفْزٍ على الوقائعِ الاجتماعيَّةِ والثقافيَّةِ المُتَراكِمةِ على مَرِّ الزمانِ، ونَقَعُ هنا على إشارةٍ قَوِيَّةٍ تُفَنِّدُ المَقُولةَ السائدةَ والتي مَفَادُها أنَّ (الدولةَ الفاطميَّةَ لم تَخْتَرقِ المجتمعَ المِصْرِيَّ، فظَلَّتْ غَرِيبةً عنه، ومَعزولةً طائفيًّا)، وتُؤَكِّدُ أنَّ (المِصْرِيِّين كانوا يَمِيلون إلى الفاطمِيِّين) بعِبارةِ المقدسي وهو مسلمٌ سُنِّيٌّ شافعيُّ المَذهبِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإِسْكَنْدَرِيَّةِ) في (سلسلة الإيمان والكفر): وقد حَصَلَ أنْ قَدِمَ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ مَرْزُوقٍ [الْمُتَوَفَّى عامَ 564هـ. وقد قالَ عنه الزِّرِكْلِيُّ في (الأعلام): عُثْمَانُ بْنُ مَرْزُوقٍ بنِ حُمَيد بنِ سلامة القُرَشِيّ، أَبُو عَمْرٍو، فَقِيهٌ حَنْبَلِيٌّ زاهِدٌ، سَكَنَ مِصْرَ، وتُوُفِّيَ بها عَنْ نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ عامَا. انتهى] إلَى دِيَارِ مِصْرَ، وَكَانَ مُلُوكُهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مُظْهِرِينَ لِلتَّشَيُّعِ وَكَانُوا بَاطِنِيَّةً مَلَاحِدَةً... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدم-: الدَّوْلَةُ الفاطِمِيَّةُ الخَبِيثةُ أَفسَدَتِ الحَياةَ في مِصْرَ، وأَرْسَتِ البِدَعَ كالمَقابِرِ التي وُضِعَتْ في المَساجدِ، والمَوْلِدِ [يَعْنِي الاحتِفَالَ بِمَوَالِدِ الأَمْواتِ (كالمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ وغيرِه)]، ونحوِ ذلك مِنَ الضَّلالاتِ، وكان العلماءُ يَعُدُّون مِصْرَ في ذلك الوقتِ دارَ حَرْبٍ، حتى أَلَّفَ الإمامُ ابنُ الجوزي رَحِمَه اللهُ تعالى في ذلك الوقتِ كِتَابًا سَمَّاه (النَّصْرُ على مِصْرَ) [قالَ الشيخُ أبو بكر القحطاني في (مُناظَرةٌ حَوْلَ العُذرِ بِالجَهلِ): اِبْنُ الْجَوْزِيِّ كَتَبَ كتابًا اِسمُه (النَّصْرُ على مِصْرَ)، قالَ {كُلُّهم مُرتَدُّون}. انتهى. وقالَ الشيخُ سليمانُ بن سحمان (ت1349هـ) في كِتَابِه (كشف الشبهات التي أوردها عبدالكريم البغدادي في حل ذبائح الصلب وكفار البوادي): وصَنَّفَ ابنُ الجوزي كِتَابًا في وُجُوبِ غَزْوِهم وقِتَالِهم سَمَّاه (النَّصْرُ على مِصْرَ). انتهى]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدم-: يقولُ شيخُ الإسلامِ [في (مجموع الفتاوى)] {وَلَمَّا قَدِمَ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ مَرْزُوقٍ إلَى دِيَارِ مِصْرَ، وَكَانَ مُلُوكُهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مُظْهِرِينَ لِلتَّشَيُّعِ وَكَانُوا بَاطِنِيَّةً مَلَاحِدَةً، وَكَانَ بِسَبَبِ ذَلِكَ قَدْ كَثُرَتِ الْبِدَعُ وَظَهَرَتْ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ لَا يُصَلُّوا إلَّا خَلْفَ مَنْ يَعْرِفُونَهُ [قالَ الشيخُ سفر الحوالي (رئيس قسمِ العقيدةِ بجامعة أم القرى) في (دروس للشيخ سفر الحوالي): إذا كان البَلَدُ مُختَلَطًا مِن أَهْلِ سُنَّةٍ، ومِن غيرِه مِنَ البِدَعِ، ففي هذه الحالةِ يكونُ الأَصْلُ هو التَّحَرِّي، كما لو كانَ بَلَدًا نِصْفُ سُكَّانِه مِنَ الرَّوافِضِ والنِّصْفُ الآخَرُ مِن أَهْلِ السُّنَّةِ، فيَجِبُ على أَهْلِ السُّنَّةِ أنْ يَتَحَرَّوْا ولا يُصَلُّوا إلَّا خَلْفَ مَن كان إمامًا مِثْلَهم مِن أَهْلِ السُّنَّةِ. انتهى باختصار]}، لأنَّ عامَّةَ الناسِ كان قد حَصَلَ فيهم هذا التَّغْيِيرُ في العقيدةِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ حاكِمٌ المطيري (أستاذ التفسير والحديث في كلية الشريعة بجامعة الكويت) في مقالة له بعنوان (ابن تيمية ومعركة الحرية "4") على موقعه في هذا الرابط: كما رَصَدَ ذلك ابنُ تَيْمِيَّةَ، الذي أَدرَكَ الأَثَرَ العَمِيقَ الذي تَرَتَّبَ على هذَين الاجْتِيَاحَيْنِ [يَعْنِي الاجْتِيَاحَ التتارِيَّ (الذي بَدَأَ عَامَ 616هـ)، والاجْتِيَاحَ الصليبِيَّ (الذي بَدَأَ عَامَ 489هـ)] العسكرِيَّيْنِ والثقافِيَّيْنِ للعالَمِ الإسلامِيِّ، وأَثَرِهما على عَودةِ الجاهِلِيَّةِ والوَثَنِيَّةِ كما تَقْتَضِيه طَبائعُ السُّنَنِ الاجتماعِيَّةِ مِن تَأَثُّرِ المَغلوبِ لِسُنَنِ الغالِبِ، كما يَقُولُ عالِمُ الاجتماعِ الأوَّلُ اِبنُ خَلْدُونَ في مُقَدِّمَتِهِ {المَغْلُوبُ مُولَعٌ أَبَدًا بالاقتِداءِ بالغالِبِ، في شِعَارِهِ وزِيِّهِ ونِحْلَتِه وسائرِ أحْوَالِه وعَوَائِدِه [أَيْ وعاداتِه]}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المطيري-: وأَصبَحَ العالَمُ الإسلامِيُّ بين فَكَّي كَمَّاشَةٍ [يَعْنِي التتارَ والصَّلِيبِيِّينَ]، وأَصبَحَتْ أحكامُ الدِّينِ الإسلامِيِّ بشِقَّيها التَّوحِيدِيِّ العَقائدِيِّ والتشريعِيِّ الفِقْهِيِّ تَتَزَعْزَعُ إيمانِيًّا وتَتَضَعْضَعُ عَمَلِيًّا وتَتَراجَعُ سُلُوكِيًّا، أَمَامَ سَطْوةِ العاداتِ الوَثَنِيَّةِ الشرقِيَّةِ [يَعْنِي التتارِيَّةَ]، والثَّقافةِ الصليبِيَّةِ الغربِيَّةِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو قَتَادَةَ الفلسطينيُّ في (الجهاد والاجتهاد): إنَّ الدولةَ حِينَ تَكُونُ على غيرِ الإسلامِ فإنَّها ستعملُ جاهدةً لإزالةِ مَوانعِ بَقائِها، وسَتَنْشُرُ أفكارَها ومناهِجَها، والأَعْظَمُ مِن ذلك أنَّها ستَفْرِضُ على الناسِ دِينًا ومِنْهاجًا وقَضاءً يَتَلاءَمُ مع تَصَوُّرِها للكَوْنِ والحياةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ أبو قتادة-: فلَوْ نَظَرْتَ إلى عَدَدِ المسلمِين الذين دَخَلُوا في دِينِ اللهِ تعالى في زَمَنِ دعوةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم في مَكَّةَ المُكَرَّمةِ لَرَأَيْتَه عَدَدًا قليلًا جِدًّا، وأمَّا مَن آمَنَ برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في المدينةِ المنورةِ زَمَنَ عِزَّةِ الإسلامِ فستَجِدُ الآلافَ منهم قد التَحَقُوا بقافِلةِ الإسلامِ... ثم قال -أَيِ الشيخُ أبو قتادة-: فقد قَرَنَ اللهُ تعالى نَصْرَه وفَتْحَه مع دُخُولِ الناسِ [أَفْوَاجًا] في دِينِ اللهِ تعالى [وذلك في قولِه تعالى {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا}]، لأنَّه إنْ لم يَتِمَّ النَّصْرُ والفتحُ فلَنْ يَتِمَّ دُخولُ الناسِ في دِينِ اللهِ تَعالَى [أَفْوَاجًا]، بَلْ إنَّ عُلَماءَنا الأوائلَ بفَهْمِهم وثاقِبِ فِكْرِهم جَعَلُوا انتشارَ الفِكْرةِ مَنُوطًا بالقُوَّةِ والشَّوْكةِ، كَقَولِ اِبنُ خَلْدُونَ [في (مُقَدِّمَتِهِ)] {إنَّ المَغْلُوبَ مُولَعٌ بالاقتداءِ بالغالِبِ}، فجَعَلَ ظاهرةَ التَّلَقِّي مُقَيَّدةً بالقُوَّةِ والغَلَبةِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ ناصر العقل (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود) في كتابه (التقليد والتبعية وأثرهما في كيان الأمة الإسلامية): واقْتَضَتْ سُنَّةُ اللهِ في خَلْقِه أنَّ الأُمَّةَ الضعيفةَ المَغلوبةَ تَعْجَبُ بالأُمَّةِ القَوِيَّةِ المُهَيمِنةِ الغالِبةِ، ومِن ثَمَّ تُقَلِّدُها فتَكْسِبُ مِن أخلاقِها وسُلوكِها وأسالِيبِ حَياتهِا، إلى أنْ يَصِلَ الأمرُ إلى تَقليدِها في عَقائدِها وأفكارِها وثَقافَتِها وأَدَبِها وفُنُونِها، وبهذا تَفْقِدُ الأُمَّةُ المُقَلِّدةُ مُقَوِّمَاتِها الذَّاتِيَّةَ، وحَضارَتَها (إنْ كانتْ ذاتَ حَضارةٍ)، وتَعِيشُ عالةً على غَيرِها؛ وإذا لم تَستَدرِكِ الأُمَّةُ المَغلوبةُ أَمْرَها، وتَتَخَلَّصْ بجُهودِها الذَّاتِيَّةِ وجِهادِها مِن وَطْأَةِ التَّقلِيدِ الأَعْمَى، فإنَّه ولَا بُدَّ أنْ يَنْتَهِيَ بها الأَمْرُ إلى الاضْمِحلالِ والاسْتِعْبادِ وزَوَالِ الشَّخصِيَّةِ تَمامًا، فتُصابُ بأمراضٍ اِجتِماعِيَّةٍ خَطِيرةٍ مِنَ الذُّلِّ والاستِصغارِ، والشُّعورِ بِالنَّقْصِ، وعَدَمِ الثِّقةِ بالنَّفْسِ، أَضْفِ إلى ذلك كُلِّه التَّبَعِيَّةَ السياسيةَ والاقتصاديةَ، والانْهِزامِيَّةَ، في كُلِّ شيءٍ؛ وبِالنِّسْبَةِ لِلأُمَمِ الرَّبَّانِيَّةِ ذاتِ الرِّسالةِ الإلَهِيَّةِ -كَالأُمَّةِ الإسلامِيَّةِ- فإنَّ تَقلِيدَها لِغَيرِها يَصْرِفُها عن رِسالَتِها ويَشْغَلُ جُهْدَها وطاقاتِها عن دِينِ اللهِ، ويُرْهِقُها بِالبِدَعِ والخُرَافاتِ، وما لم يُشَرِّعْه اللهُ مِنَ النُّظُمِ والقَوانِينِ، والأمراضِ الخُلُقِيَّةِ، مِمَّا يؤدِّي بها في النِّهايَةِ إلى الرِّدَّةِ عن دِينِها والتَّخَلِّي عن رِسالَتِها ومِن ثَمَّ الوَلَاءُ لِلكُفَّارِ والطَّواغِيتِ، وهذا إيذانٌ بِبَطْشِ اللهِ وعِقابِه، كَما وَرَدَ في قَصَصِ القُرآنِ عن أُمَمٍ كَثِيرةٍ مِن هذا النَّوْعِ، والأُمَّةُ اليَومَ واقِعَةٌ بِما وَقَعَتْ فيه تلك الأُمَمُ مِنَ التَّقلِيدِ الأَعْمَى لِلكُفَّارِ، والتَّخَلِّي عن رِسالةِ اللهِ، والتَّبَعِيَّةِ والوَلَاءِ لِلكافِرِين في كُلِّ شُؤُونِ الحَياةِ، والحُكْمِ بِغَيرِ ما أنزلَ اللهُ، وإباحةِ الزِّنَى والرِّبا والفُجورِ، ومع هذا لا زالَتْ تَمُنُّ على اللهِ بِإسلامِها، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ونَعوذُ باللهِ مِن بَطْشِه. انتهى. وقالَ الشيخُ محمد الحسن الددو (عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في محاضرة بعنوان (تطور المعارف بتطور الحضارات) مفرغة على هذا الرابط: فالسِّياسةُ مُؤَثِّرةٌ في الدِّينِ، وقد جاءَ في التَّوْراةِ {النَّاسُ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ}، أو {النَّاسُ عَلَى دِينِ المَلِكِ}؛ وسَلَّمَ لهذه القاعِدةِ عَدَدٌ مِنَ الأئمَّةِ كأبي عمر بنِ عبدالبر وابنِ تيميةَ والْكَمَالِ بْنِ الْهُمَامِ [ت861هـ]، كُلُّهم تَوَاتَروا على أنَّ {النَّاسَ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ}؛ وقد ذَكَرَ اِبنُ خَلْدُونَ تَأَثُّرَ جميعِ جَوانِبِ الحَيَاةِ بالسِّيَاسةِ، فقالَ {إنَّ المَلِكَ إذا اِتَّجَهَ إلى التَدَيُّنِ سَيَتَدَيَّنُ الناسُ، وإذا اِتَّجَهَ إلى الفُجُورِ والفُسُوقِ سَيَفْشُو الفُسُوقُ والفُجُورُ في الناسِ، وإذا اِتَّجَهَ إلى العُمْرانِ والْبِنَاءِ سَيَتَّجِهُ الناسُ إلى ذلك، وإذا اِتَّجَهَ إلى الزِّراعةِ سَيَتَّجِهُ الناسُ إلى ذلك، وثَبَتَ هذا مِنَ التَّارِيخِ في الوَقائعِ التي لا تَقْبَلُ الشَّكَّ}. انتهى باختصار. وقالَ ابنُ عبدالبر في (الاستذكار): فَالنَّاسُ عَلَى دِينِ الْمُلُوكِ. انتهى. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت267هـ) في كتابِه (عيون الأخبار): وقَرَأْتُ في كتابٍ لابْنِ الْمُقَفَّعِ {النَّاسُ عَلَى دِينِ السُّلْطانِ إلَّا القَلِيل}. انتهى. وقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي (فَتْحُ الباري): النَّاسُ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ. انتهى. وقالَ الذَّهَبِيُّ في (سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ): وَالنَّاسُ عَلَى دِينِ الْمَلِكِ. انتهى. وقالَ ابنُ تغري بردي (ت874هـ) في (النجوم الزاهرة): الناسُ على دِينِ مَلِيكِهم. انتهى. وقالَ شَمْسُ الدِّينِ السَّخَاوِيُّ (ت902هـ) في (وجيز الكلام): فالناسُ على دِينِ مَلِيكِهم. انتهى. وقالَ السيوطي (ت911هـ) في (تاريخ الخلفاء): قالوا قَدِيمًا {النَّاسُ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ}، فأحوالُ الناسِ إنَّما تُعرَفُ مِن صَنِيعِ سَلَاطِينِهم. انتهى. وقَالَ السِّنْدِيُّ (ت1138هـ) فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ: النَّاسُ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ. انتهى. وقالَ الشيخُ صالحُ بنُ مقبل العصيمي (عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في (مِن أخبارِ المُنْتَكِسِين مع الأسبابِ والعلاجِ): والمُرادُ بِدَارِ الشِّركِ، أنْ يكونَ الحاكمُ على الأرضِ كافِرًا، لِأنَّ الناسَ على دِينِ مُلُوكِهم والأرضَ لِمَنْ غَلَبَ عليها. انتهى. وقالَ الشيخُ عطية محمد سالم (رئيس محاكم منطقة المدينة المنورة) في (شرح بلوغ المرام): النَّاسُ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ. انتهى. وقالَ الشيخُ حاكِمٌ المطيري (أستاذ التفسير والحديث في كلية الشريعة بجامعة الكويت) في (تحرير الانسان وتجريد الطغيان): وقد جاءَ في المَثَلِ الواقِعِيِّ {النَّاسُ عَلَى دِينِ مُلُوكِهَا}. انتهى. وقالَ الشيخُ تركي البنعلي في (الكوكب الدري المنير، بتقديم الشيخ أبي محمد المقدسي): قالتِ العَرَبُ {النَّاسُ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ}. انتهى. وقالَ المُؤَرِّخُ محمد إلهامي في هذا الرابط على موقِعِه: الحَقُّ الذي يَشْهَدُ له التاريخُ هو ما قالَه عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عنه {إِنَّ اللَّهَ يَزَعُ بِالسُّلْطَانِ مَا لَا يَزَعُ بِالْقُرْآنِ}، وهو ما جَرَى في أمثالِ العَرَبِ قَدِيمًا في أقوالِهم الكثيرةِ التي فاضَتْ بها كُتُبُ الأَدَبِ ودَوَاوِينِ الشِّعْرِ {النَّاسُ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ}، {النَّاسُ أَتْباعُ مَن غَلَبَ}، {إذا تَغَيَّرَ السُّلطانُ تَغَيَّرَ الزَّمَانُ}، حتى قالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ {مَا النَّاسُ إِلَّا مَعَ الدُّنْيا وَصَاحِبِهَا *** فَكَيفَ مَا اِنقَلَبَتْ يَوْمًا بِهِ اِنْقَلَبُوا *** يُعَظِّمُونَ أخا الدُّنْيا، وَإِنْ وَثَبَتْ *** يَوْمًا عَلَيْهِ بِما لا يَشتَهِي وَثَبُوا}؛ يقولُ الشيخُ [محمد] رشيد رضا {وقد مَضَتْ سُنَّة الاجتماعِ في تقليدِ الناسِ لأُمرائهم وكُبَرائهم، فَكُلُّ ما راجَ في سُوقِهم يَرُوجُ في أَسْواقِ الأُمَّةِ، وإذا كان حديثُ (النَّاسُ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ) لم يُعْرَفْ له سَنَدٌ [قالَ الشيخُ وليد السعيدان في (المقول مِن ما ليس بمنقول): قولُهم {النَّاسُ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ} هو مع شُهْرَتِه إلَّا أنَّه لا أَصْلَ له كما قالَه الإمامُ السَّخَاوِيُّ. انتهى]، فمعناه صحيحٌ}... ثم قالَ -أَيْ محمد إلهامي-: مِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ أَنْ نُجادِلَ في هذا -في هذه الأيَّامِ- ونحنُ القَومُ الذِين نَبَتَ فيهم مُنْذُ سِتِّمِائَةِ عَامٍ مَن وَضَعَ أُسُسَ عِلْمِ الاِجْتِمَاعِ [يَعْنِي ابنَ خلدون] وقالَ [في (مُقَدِّمَتِهِ)] بصَرِيحِ العِبَارةِ {المَغْلُوبُ مُولَعٌ أَبَدًا بالاقتِداءِ بالغالِبِ، في شِعَارِهِ وزِيِّهِ ونِحْلَتِه وسائرِ أحْوَالِه وعَوَائِدِه}. انتهى باختصار. وقالَ المُؤَرِّخُ محمد إلهامي أيضًا في هذا الرابط على موقِعِه: وفي خُلَاصةٍ تارِيخِيَّةٍ بَدِيعةٍ يقولُ ابنُ كَثِيرٍ [في البداية والنهاية] {كَانَتْ هِمَّةُ الْوَلِيدِ فِي الْبِنَاءِ [قالَ الشيخُ سامي المغلوث في (أطلس تاريخ الدَّوْلَةِ الأُمَوِيَّةِ): الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِالْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ- نَجَحَ في مُدَّةِ خِلَافتِه أنْ تَنْشَطَ حَرَكَةُ العُمْرانِ في مُدُنِ الدَّوْلَةِ الأُمَوِيَّةِ وفي عاصمَتِها دِمَشْقَ، وأَنْشَأَ الطُّرُقَ، خاصَّةً الطُّرُقَ المُؤَدِّيَةَ إلى الحِجَازِ والجزيرةِ، ومِن آثارِ الوليدِ الخالدةِ في العِمَارةِ الجامِعُ الأُمَوِيُّ بدِمَشْقَ، وكان يُعَدُّ مِن عجائبِ الدُّنْيا، ولا يزالُ حتى اليومِ ناطقًا بحِنْكةِ الوليدِ، ويُعَدُّ مِن مَعالِمِ الإسلامِ الخالدةِ عَبْرَ العُصورِ. انتهى باختصار. وقال ابنُ كَثِيرٍ في (البداية والنهاية): وَقَدِ اسْتَعْمَلَ الْوَلِيدُ فِي بِنَاءِ هَذَا الْمَسْجِدِ -يَعْنِي الجامِعَ الأُمَوِيَّ بدِمَشْقَ- خَلْقًا كَثِيرًا مِنَ الصُّنَّاعِ وَالْمُهَنْدِسِينَ وَالْفَعَلَةِ. انتهى]، وَكَانَ النَّاسُ كَذَلِكَ، يَلْقَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَيَقُولُ (مَاذَا بَنَيْتَ؟ مَاذَا عَمَرْتَ؟)؛ وَكَانَتْ هِمَّةُ أَخِيهِ سُلَيْمَانَ فِي النِّسَاءِ، وَكَانَ النَّاسُ كَذَلِكَ، يَلْقَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَيَقُولُ (كَمْ تَزَوَّجْتَ؟ مَاذَا عِنْدَكَ مِنَ السَّرَارِيِّ [سَرَارِيٌّ جَمْعُ سُرِّيَّةٍ، وهي الجارِيَةُ المُتَّخَذَةُ لِلْجِمَاعِ]؟)؛ وَكَانَتْ هِمَّةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيزِ فِي قِرَاءَةِ القرآن، وفي الصلاة والعبادة، وَكَانَ النَّاسُ كَذَلِكَ، يَلْقَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَيَقُولُ (كَمْ وِرْدُكَ؟ كَمْ تَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ؟ مَاذَا صَلَّيْتَ الْبَارِحَةَ؟)؛ والناسُ يقولون (الناسُ على دِينِ مَلِيكِهم، إنْ كان خَمَّارًا [أَيْ صانِعًا للخَمْرِ، أو صاحِبَ دُكَّانٍ لِبَيْعِ الخَمْرِ] كَثُرَ الخَمْرُ، وإنْ كان لُوطِيًّا فكذلك، وإنْ كان شَحِيحًا حَرِيصًا كان الناسُ كذلك، وإنْ كان جَوَّادًا كَرِيمًا شُجَاعًا كان الناسُ كذلك، وإنْ كان طَمَّاعًا ظَلُومًا غَشُومًا فكذلك، وإنْ كان ذا دِينٍ وتَقْوَى وبِرٍ وإحسانٍ كان الناسُ كذلك)}؛ وإذا كان الحاكِمُ في المَمَالِكِ القديمةِ يستطيعُ التأثيرَ [يعني على غَالِبِيَّةِ شَعْبِه] بما يَصْبِغُ المَمْلَكةَ على نَمَطِه، فكيفَ يَبْلُغُ التأثيرُ الآنَ بعدَ أنْ صارَتِ السُّلطةُ -مُنْذُ عَصْرِ الدولةِ المركزيَّةِ- قُوَّةً خارِقةً لم يُؤْتَها مَلِكٌ أو سلطانٌ مِن قَبْلُ؟!، لقد صارَتِ السُّلْطَةُ تَمتلكُ مِن وَسائلِ التأثيرِ عَبْرَ الإعلامِ والقوانِينِ [وقد وَصَفَ المُؤَرِّخُ محمد إلهامي في هذا الرابط على موقعه هذا التاثيرَ بقولِه {إنَّه لَتَأْثِيرٌ ضَخْمٌ، ونحن نَرَاهُ بأَعْيُنِنا}] ما يُمَكِّنُها مِن دُخولِ كُلِّ بَيْتٍ والتَّحَكُّمِ في كُلِّ نشاطٍ، حتى لَتستطيعُ السُّلْطةُ صُنْعَ جمهورٍ على نَمَطِها وقالَبِها. انتهى باختصار. وقالَ أبو حامد الغزالي (ت505هـ) في (التِّبْر المسبوك في نصيحةِ الملوكِ): الدِّينُ وَالْمَلِكُ تَوْأَمانِ، مِثْلُ أَخَوَيْنِ وُلِدا مِن بَطْنٍ وَاحِدٍ... ثم قالَ -أَيِ الغزالي-: إنَّ صَلَاحَ النَّاسِ فِي حُسْنِ سِيرةِ الْمَلِكِ... ثم قالَ -أَيِ الغزالي-: وقالتِ الحُكَماءُ أنَّ طِبَاعَ الرَّعِيَّةِ نَتِيجةُ طِبَاعِ المُلوكِ، لِأنَّ العامَّةَ إنَّما يَنْتَحِلون ويَرْكَبون الفسادَ اقتداءً بالكُبَراءِ، فإنهم يَتَعَلَّمون منهم ويَلْزَمون طِبَاعَهم؛ ألَا تَرَى أنَّه قد ذُكِرَ في التَّوَارِيخِ أنَّ الوليدَ بْنَ عَبْدِالْمَلِكِ (مِن بَنِي أُمَيَّةَ) كان مَصروفَ الهِمَّةِ إلى العِمارةِ وإلى الزراعةِ، وكان سليمانُ بنُ عبدالملك هِمَّتُه في كَثْرةِ الأَكْلِ وطِيبِ الْمَطْعَمِ وقَضَاءِ الأَوْطارِ [أوطارٌ جَمْعُ وَطَرٍ] وبُلُوغِ الشهواتِ، وكانت هِمَّةُ عُمَرَ بنِ عبدالعزيز في العبادةِ والزَّهادَةِ؛ قالَ محمدُ بنُ عليِّ بنِ الفضلِ {ما كُنْتُ أعلمُ أنَّ طِبَاعَ الرَّعِيَّةِ تَجْرِي على عادةِ مُلُوكِها حتى رَأَيتَ الناسَ في أيَّامِ الوليدِ [هو ابنُ عَبْدِالْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ] قد اشتَغلوا بعِمَارةِ الكُرُومِ [الكُرُومُ هو حَدَائقُ الأَعْنابِ] والبَسَاتِينِ، واهتَمُّوا ببناءِ الدُّورِ [دُورٌ جَمْعُ دارٍ] وعِمَارَةِ القُصُورِ، ورَأَيتَهم في زَمَنِ سليمانَ بنِ عبدالمَلِكِ قد اهتَمُّوا بكَثْرةِ الأَكْلِ وطِيبِ الْمَطْعَمِ حتى كان الرَّجُلُ يَسألُ صاحِبَه (أَيُّ لَوْنٍ [يعني (أَيُّ نَوْعٍ مِنَ الطَّعَامِ)] اصْطَنَعْتَ وما الذي أَكَلْتَ؟)، ورَأَيتَهم في أيَّامِ عُمَرَ بنِ عبدِالعزيزِ قد اشتَغلوا بالعبادةِ وتَفَرَّغوا لتلاوةِ القرآنِ وأعمالِ الخَيراتِ وإعطاءِ الصَّدَقاتِ}... ثم قالَ -أَيِ الغزالي-: لِيُعْلَمْ أنَّ في كُلِّ زَمَنٍ يَقْتَدِي الرَّعِيَّةُ بالسلطانِ ويَعملون بأعمالِه ويَقْتَدون بأفعالِه، مِنَ القَبِيحِ والجَمِيلِ. انتهى باختصار. وقالَ نَجْمُ الدِّينِ الْغَزِّيُّ (ت1061هـ) في (إِتْقَانِ مَا يَحْسُنُ مِنَ الأَخْبَارِ الدَّائِرَةِ عَلَى الأَلْسُنِ): عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ [ت100هـ] قَالَ {إِنَّمَا زَمَانُكُمْ سُلْطَانُكُمْ، فَإِذَا صَلُحَ سُلْطَانُكُمْ صَلُحَ زَمَانُكُمْ، وَإِذَا فَسَدَ سُلْطَانُكُمْ فَسَدَ زَمَانُكُمْ}، قلتُ [والكلامُ ما زال لِلْغَزِّيِّ]، الناسُ يَمِيلون إلى هَوَى السلطانِ، فإن رَغِبَ السلطانُ في نَوْعٍ مِنَ العِلْمِ مالَ الناسُ إليه، أو في نَوْعٍ مِنَ الآدابِ [المُرادُ بالآدابِ هنا كُلُّ ما أَنْتَجَه العَقْلُ الإنْسَانِيُّ مِن ضُرُوبِ المَعرِفةِ] والعلاجاتِ [أَيْ والمُمَارَساتِ] كالفُرُوسِيَّةِ والرَّمْيِ والصَّيْدِ صارُوا إليه، ومَنْ سَبَرَ [أَيْ تَعَرَّفَ وتَأَمَّلَ بِعُمْقٍ] أَحْوَالَ هذه الأُمَّةِ وَجَدَهُمْ كذلك مَضَوْا، لَمَّا كان بَنُو أُمَيَّةَ يَمِيلون مع الأَخْبارِ والآثارِ صارَ الناسُ مُحَدِّثِين، فلمَّا مالَ بَنُو العَبَّاسِ إلى الخِلَافِ وعِلْمِ الكَلَامِ أَقْبَلَ الناسُ على ذلك، ولَمَّا كان لهم مَيْلٌ إلى اللَّهْوِ واللَّعِبِ والشِّعْرِ والأَدَبِ كَثُرَ في زَمَانِهم الشِّعْرُ والمُغَنُّون وأَهْلُ الطَّرَبِ [قالَ اِبنُ خَلْدُونَ في (مُقَدِّمَتِهِ): وما زالَتْ صِنَاعةُ الغِنَاءِ تَتَدَرَّجُ إلى أنْ كَمُلَتْ أَيَّامَ بَنِي العَبَّاسِ. انتهى]، ولَمَّا مَلَكَ الأَعاجِمُ والأكْرادُ وكانوا يَمِيلون إلى الفِقْهِ وأنواعِ العِلْمِ وبَنَوْا مَدَارِسَ الفُقَهَاءِ أَقْبَلَ الناسُ على الفِقْهِ. انتهى باختصار]. انتهى باختصار.

 

(10)وقالَ الشيخُ محمد بنُ عبدالوهاب في (الدُّرَر السَّنِيَّة في الأجوبة النَّجْدِيَّة): إذا عَلِمْتَ هذا وعَلِمْتَ ما عليه أكثرُ الناسِ، عَلِمْتَ أنَّهم أعظمُ كُفْرًا وشِرْكًا مِنَ المُشركِين الذِين قاتَلَهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. انتهى. وقد أَثْنَى على الشيخِ محمد بنِ عبدالوهاب الشيخُ صالحٌ اللُّحَيْدَان (عضوُ هيئة كبار العلماء، ورئيسُ مجلس القضاء الأعلى) حيث قالَ في (فَضْلُ دَعوةِ الإمامِ محمد بنِ عبدالوهاب): إنَّ الواجِبَ على كُلِّ إنسانٍ أنْ يَتَقَصَّدَ [أَيْ يَتَعَمَّدَ] مَعرِفةَ تَوحِيدِ العِبادةِ، وكُتُبُ الشيخِ [محمد بنِ عبدالوهاب] وكُتُبُ أبنائه مِن أعظَمِ ما يُعَلِّمُ الناسَ صَفاءَ هذه العقيدةِ مِن غَيرِ تَعقِيدٍ ولا اِلتِباسٍ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ اللُّحَيْدَان- رَادًّا على سؤالِ (هَلِ الآباءُ الذِين وَقَعوا في الشِّركِيَّات دُونَ عِلْمِهم في العُصورِ القَدِيمةِ قَبْلَ دعوةِ الشيخِ محمد بنِ عبدالوهاب رَحِمَه اللهُ، هَلْ هُمْ مُشرِكون؟): الشركُ الأكبرُ لا يُعذَرُ به أحَدٌ، كُلُّ مَن مات على الشركِ الأكبرِ داخِلٌ في قولِ اللهِ جَلَّ وعَلَا {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ اللُّحَيْدَان-: الذي يَلْمِزُ دعوةَ الشيخِ [محمد بنِ عبدالوهاب] لا يَلْمِزُها عن عِلْمٍ ومَعرِفةٍ وإنَّما عن حِقْدٍ على الدَّعوةِ السَّلَفِيَّةِ الصَّحِيحةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ اللُّحَيْدَان-: فجَمِيعُ المُتَعَلِّمِين في المَملَكةِ مِن قَبْلِ عامِ التِّسعِينِ (1390هـ)، إنَّما تَعَلَّموا على مَنهَجِ كُتُبِ الشيخِ [محمد بنِ عبدالوهاب] وأبنائه وتَلامِذَتِه، ولم يَكُنْ عندنا في المَملَكةِ دَعوةُ تَبلِيغٍ ولا دَعوةُ إخوانٍ ولا دَعوةُ سُرورِيِّين وإنَّما الدَّعوةُ إلى اللهِ وإعلانُ مَنهَجِ السَّلَفِ. انتهى باختصار. وأَثْنَى على الشيخِ محمد بنِ عبدالوهاب أيضًا الشيخُ حمود التويجري (الذي تَوَلَّى القَضاءَ في بَلدةِ رحيمة بالمِنطَقةِ الشَّرقِيَّةِ، ثم في بَلدةِ الزلفي، وكانَ الشيخُ ابنُ باز مُحِبًّا له، قارئًا لكُتُبه، وقَدَّمَ لِبَعضِها، وبَكَى عليه عندما تُوُفِّيَ -عامَ 1413هـ- وأَمَّ المُصَلِّين لِلصَّلاةِ عليه) حيث قالَ في كِتَابِه (غُربةُ الإسلامِ، بِتَقدِيمِ الشَّيخِ عبدِالكريم بن حمود التويجري): ثم إنَّه بَعْدَ عَصرِ شيخِ الإسلامِ أَبِي الْعَبَّاسِ [بْنِ تَيْمِيَّةَ] وأصحابه رحمهم الله تعالى كَثُرَ الشِّركُ وعِبادةُ القُبورِ وأنواعُ البِدَعِ المُضِلَّةِ، وظَهَرَ ذلك وانتَشَرَ في جميعِ الأقطارِ الإسلامِيَّةِ، وعَمَّتِ الفِتنةُ بذلك وطَمَّتْ ودَخَلَ فيها الخَواصُّ والعَوَامُّ إلا مَن شاء اللهُ تعالى وَهُمُ الأقلُّون، وما زال الشَّرُّ يَزدادُ ويَكْثُرُ أهلُه، والخَيرُ يَنْقُصُ ويَقِلُّ أهلُه، حتى ضَعُفَ الإسلامُ جِدًّا وكادَ أنْ يُقضَى عليه، فأقام اللهُ تعالى لدينه شيخَ الإسلام محمد بنَ عبدالوهاب قَدَّسَ اللهُ رُوحَه ونَوَّر ضَرِيحَه، فجاهَد المُشرِكِين وأهلَ البِدَعِ مُدَّةَ حياتِه بِاليَدِ واللِّسانِ، وأعانَه اللهُ بِجُنْدٍ عظيم مِن أنصارِ الدين وحُماةِ الشريعة المطهرة، فَرِيقٌ منهم يجاهدون المُبطِلِين بِالحُجَّةِ والبَيَانِ، وفَرِيقٌ يُجالِدون المُعانِدِين بالسَّيْفِ والسِّنانِ، حتى أعادَ اللهُ للإسلام عزَّه ومَجْدَه، ورُفِعَتْ بحمد الله أعلامُ السنة النبوية والعلوم السلفية في الجزيرة العربية ونُكِّسَتْ فيها أعلامُ الشرك والبدع والتقاليد الجاهلية، وسار على منهاج الشيخ مِن بَعْدِه أولادُه وتلاميذُه وغيرُهم ممن هداهم الله ونَوَّرَ بصائرَهم مِن أهل نَجْدٍ وغيرِها مِنَ الأمصارِ، وكلما مضى منهم سلف صالح أقام اللهُ بَعْدَه خَلَفًا عنه يقومُ مَقامَه، وقليلٌ ما هُمْ في زماننا، فالله المستعان... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التويجري-: ومِن أعظمِ المُجَدِّدِين بَرَكةً في آخِرِ هذه الأُمَّةِ شيخُ الإسلامِ وعَلَمُ الهُداةِ الأعلامِ محمد بنُ عبدالوهاب قدس الله روحه ونور ضريحه، نشأ في أُناسٍ قدِ اِندرستْ فيهم معالمُ الدين، ووقع فيهم مِنَ الشركِ وأنواعِ البدع والخرافات ما عَمَّ وطَمَّ في كثيرٍ مِنَ البلاد إلَّا بَقَايَا مُتَمَسِّكِين بالدين يَعلَمُهم اللهُ تَعالَى، وأمَّا الأكثرون فقد عادَ المعروفُ بينهم منكرًا والمنكرُ معروفا والسُّنَّة بدعة والبدعة سُنَّةً، نَشَأَ على ذَلِكَ الصَّغِيرُ وَهَرِمَ عَلَيْهِ الْكَبِيرُ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التويجري-: ففتح الله تعالى بصيرة شيخ الإسلام [يَعْنِي الشيخَ محمد بنَ عبدالوهاب] وألهمه رشده وسدده، ووفقه لمعرفة ما بَعَثَ به رسولَه محمدًا صلى الله عليه وسلم مِنَ الهُدَى ودِينِ الحقِّ وشرح صدره لقبوله والعمل به، ثم قَوَّى عَزِيمَتَه على الدعوة إليه وتجديد أَمْرِ الإسلامِ، فشمر عن ساق الجد والاجتهاد، قام في هذا الأمر العظيم أعظم قيام فدعا الناس إلى ما كان عليه السلفُ الصالحُ في باب العلم والإيمان وفي باب العمل الصالح والإحسان، دعاهم إلى تجريد التوحيد وإخلاص العبادة بجميع أنواعها لله وحده، ونهاهم عن التعلق بغير الله من الملائكة والأنبياء والصالحين وعن عبادتهم من دون الله، ونهاهم عن الاعتقاد في القبور والأشجار والأحجار والعُيونِ والغِيرانِ [العُيونُ جَمعُ عَيْنٍ، وهي يَنْبُوعُ الماءِ يَنبُعُ مِنَ الأرضِ ويَجرِي؛ والغِيرانُ جَمعُ غارٍ] وغيرها مما يَعتَقِدُ فيه المشركون، ودعاهم إلى تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأعمال، ونهاهم عن الابتداع في الدين، وحذرهم عما أحدث الخلوف من البدع والتقاليد والتعصبات التي أَعْمَتِ الأكثَرِين وأَصَمَّتْهم وأَضَلَّتْهم عن سواء السبيل، ودعاهم إلى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وترك المنكرات، ونهاهم عن التهاون بالحج وصيام رمضان، ودعاهم إلى الجماعة والائتلاف والسمع والطاعة لإمام المسلمين والجهاد في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى غير ذلك مما دعاهم إليه ورَغَّبَهم فيه من الأمور الدينية ومكارم الأخلاق وما نهاهم عنه مما يُضَادُّ ذلك من المحظورات ومساوئ الأخلاق وسفسافها، وهو في كل ذلك مُتَّبِعٌ لا مُبتَدِعٌ، فجَعَلَ اللهُ في قيامِه أعظمَ البركةِ، ونَفَعَ اللهُ بدعوتِه ومُصَنَّفاتِه الخَلْقَ الكثيرَ والجم الغفير من أهل نَجْدٍ وغيرِهم منذ زمانه إلى يومنا هذا، ومَحَا اللهُ بِدَعوَتِه شعارَ الشركِ ومَشاهِدِه وهَدَمَ بيوت الكفر ومعابده وكبت الطواغيت والملحدين وقمع الفجار والمفسدين، ورفع الله بدعوته أعلامَ الشريعةِ المحمديةِ والملةِ الحنيفيةِ في أرجاء الجزيرة العربية، وصار لهم جماعة وإمام يدينون له بالسمع والطاعة في المعروف، وعقدت الألوية والرايات للجهاد في سبيل الله وإعلاء كلمة الله، وقام قائم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأقيمت الحدود الشرعية والتعزيرات الدينية، وحوفظ على الصلوات في الجماعات، وأخذت الزكاة من الأغنياء وفرقت في مستحقيها، وقامَ سُوقُ الوَعظِ والتذكيرِ وتَعَلُّمِ العلومِ الشرعيةِ وتَعلِيمِها، ونُشرَتِ السُّنَّةُ وعلومُ الصحابةِ والتابعِين لهم بإحسان، واشتَغَلَ الناسُ بها، ورُفعت رايات الجهاد بالحجةِ والبرهانِ لدحضِ المعاندين من المشركين وأهل البدع وغيرهم من المبطلين المُعارِضِين لهذه الدعوة العظيمة بِالشُّبَهِ الباطلة والإفكِ والبهتانِ، حتى سارت بحمد الله تعالى في الآفاق، وجَعَلَ اللهُ لها مِن القبولِ ما لا يحد ولا يوصف، وجمع الله بسببها القلوب بعد شتاتها وألَّفَ بينها بعد عداوتها، فأصبحوا بنعمة الله إخوانا متحابين بجلال الله متعاونين على البر والتقوى، وأعطاهم الله من الأمن والنصر والعز والظهور ما هو معروف مشهور، وفتح الله عليهم البلاد العربية من بَحْرِ فارِسَ [ويُقالُ له (الخَلِيجُ العَرَبِيُّ) و(الخَلِيجُ الفارِسِيُّ) و(بَحْرُ الْبَصْرَةِ)] إلى بَحْرِ القُلْزُمِ [يعني الْبَحْرَ الأَحْمَرَ]، ومِنَ اليَمَنِ إلى أطراف الشَّامِ والعِرَاقِ، فأصبحت نَجْدٌ مَحَطًا لرحال الوافدين تُضْرَبُ إليها أَكْبَادُ الإبل في طلب الدنيا والدين، وعاد دين الإسلام فيها بسبب هذه الدعوة غَضًّا طَرِيًّا لَهُ شَبَهٌ قَوِيٌّ بحالتِه في الصدرِ الأولِ، فجزى اللهُ هذا الإمامَ المُجَدِّدَ عنِ المسلمِين خيرًا وأثابَه الجَنَّةَ والرضوانَ، وقد شَهِدَ له أهلُ العلم والفضل مِن أهلِ عَصرِه ومَن بَعْدَهم أنَّه أظهرَ توحيدَ اللهِ وجدد دينه ودعا إليه، واعترفوا بِعِلمِه وفضلِه وهدايتِه ونصيحتِه للهِ ولِكتابِه ولرسولِه ولأئمةِ المسلمِين وعامَّتِهم، بل قدِ اِعترف أعداءُ الإسلام والمسلمين من عقلاء النصارى وغيرهم أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأتباعه أرادوا تجديد الإسلام وإعادته إلى ما كان عليه في الصدر الأول. انتهى باختصار.

 

(11)وقالَ الشيخُ محمد بنُ عبدالوهاب أيضًا في (الرسائل الشخصية): فمَن أَخْلَصَ العباداتِ للهِ، ولم يُشْرِكْ فيها غيرَه، فهو الذي شَهِدَ أَنْ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، ومَن جَعَلَ فيها مع اللهِ غيرَه، فهو المُشركُ الجاحِدُ لِقَولِ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، وهذا الشِّرْكُ الذي أَذْكُرُه، اليومَ قد طَبَّقَ [أَيْ عَمَّ] مَشارِقَ الأرضِ ومَغارِبَها، إِلَّا الغُرَباءَ المذكورِين في الحديثِ، وقَلِيلٌ ما هُمْ. انتهى.

 

(12)وقالَ الشيخُ سليمانُ بنُ سَحْمان (ت1349هـ) في كتابِه (منهاج أهل الحق والاِتِّباع في مخالَفةِ أهل الجهل والابتداع): إنَّ مَن في جَزِيرةِ العَرَبِ لا نَعْلَمُ ما هُمْ عليه جَمِيعُهم، بَلِ الظاهِرُ أنَّ غالِبَهم وأكثرَهم ليسوا على الإسلامِ، فلا نَحْكُمُ على جميعِهم بالكُفْرِ، لاِحْتِمالِ أنْ يكونَ فيهم مسلمٌ؛ وأمَّا مَن كان في وِلَايَةِ إمامِ المسلمِين، فالغالِبُ على أكثرِهم الإسلامُ، لقِيَامِهم بشرائعِ الإسلامِ الظاهرةِ، ومنهم مَن قامَ به مِن نَواقضِ الإسلامِ ما يكونُ به كافِرًا، فلا نَحْكُمُ على جميعِهم بالإسلامِ ولا على جميعِهم بالكُفْرِ، لِمَا ذَكَرْنا؛ وأمَّا مَن لم يَكُنْ في وِلَايَةِ إمامِ المسلمِين [يَعْنِي المَلِكَ عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الثالثة]، فلا نَدْرِي بجميعِ أحوالِهم وما هُمْ عليه، لَكِنِ الغالِبُ على أكثرِهم ما ذَكَرْناه أَوَّلًا مِن عَدَمِ الإسلامِ، فمَن كان ظاهرُه الإسلامَ منهم فيُعامَلَ بما يُعامَلُ به المسلمُ في جميعِ الأحكامِ [قالَ عبدُالله المالكي في مقالةٍ له بِعُنْوانِ (الوَهَّابِيَّةُ وإخوانُ مَن طاعَ اللهَ وداعِشٌ، هَلْ أَعَادَ التَّارِيخُ نَفْسَه؟) على هذا الرابط: قَرَّرَ الشيخُ سليمانُ بنُ سَحْمان، وهو أَحُدُ كِبَارِ العلماءِ وَقْتَها، بأنَّ مَنْ هُمْ تحتَ وِلَايَةِ المَلِكِ عبدِالعزيز، الأَصْلُ فيهم أنَّهم مسلمون، بخِلَافِ مَن هُمْ ليسوا تحتَ وِلَايَتِه، فالأَصْلُ فيهم أنَّهم ليسوا على الإسلامِ. انتهى. وقد قالَ الشيخُ إبراهيمُ بنُ عمر السكران (المُتَخَرِّجُ مِن كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والحاصل على الماجستير من المعهد العالي للقضاء في السياسة الشرعية): في مَقالةٍ له بِعُنوانِ (مَنزِلةُ المُجاهِدِين عند تَنظِيمِ الدَّولةِ) على هذا الرابط: إنَّ العالَمَ اليَوْمَ كُلَّه -بِالنِّسبةِ لِتَنظِيمِ الدَّولةِ- هو أرضُ كُفرٍ ورِدَّةٍ إلَّا مَناطِقَ نُفوذِهم. انتهى]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ سليمانُ-: أَهْلُ نَجْدٍ كانوا قبلَ دعوةِ الشيخِ [محمد بنِ عبدالوهاب] على الكُفْرِ. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو بكر القحطاني في (مُناظَرةٌ حَوْلَ العُذرِ بِالجَهلِ): أهلُ العِلْمِ -رَحِمَهم اللهُ- قَسَّموا الدارَ إلى دارَين (دارُ كُفرٍ ودارُ إسلامِ)، قالوا {مَجهولُ الحالِ في دارِ الكُفرِ كافِرٌ} هذا مِن جِهةِ الأصلِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: إنَّ الحُكمَ بِإسلامِه [أيْ إسلامِ مَجهولِ الحالِ] يَتبَعُ النَّصَّ كَأَنْ يَقولَ {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ}، أو الإسلامَ (يَلتَزِمُ بِشعائرِ الإسلامِ)، أو يَكونُ بِالتَّبَعِيَّةِ (َتَبَعِيَّةِ الدارِ أو تَبَعِيَّةِ والِدَيْه)... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: اليومَ كُلُّ دارِ المُسلِمِين دارُ كُفرٍ طارِئٍ، ليس فَقَطْ تُرْكِيَا، كُلُّ بِلادِ المُسلِمِين دارُ كُفرٍ طارِئٍ، يَعنِي مُسلِمون ثم طَرَأَ عليها الكُفْرُ. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (المباحث المشرقية "الجزء الأول"): وكُلٌّ مِنَ الإسلامِ والشِّركِ يَتَقَدَّمُ الآخَرَ، كَما كانَتِ العَرَبُ على الإسلامِ ثم غَلَبَ عليهم الشِّركُ فَقِيلَ فيهم {الأصلُ فِيهِمُ الشِّركُ حتى يَثبُتَ فِيهِمُ الإيمانُ}، فَكذلك مَن كانَ قَبْلَ الدَّعوةِ في البِلادِ النَّجدِيَّةِ غَلَبَ عليهم الشِّركُ بِأنواعِه حتى نَشَأَ فيه الصَّغِيرُ وهَرِمَ عليه الكَبِيرُ فَكانوا كالكُفَّارِ الأصلِيِّين كَما قالَ الشَّيخُ الصَّنْعَانِيُّ [ت1182هـ] والشَّيخُ حمدُ بنُ ناصر [ت1225هـ]، وهذا الذي قالوه [عَلَّقَ الشيخُ الصومالي هنا قائلًا: أَعْنِي (الكُفرَ الأصلِيَّ). انتهى] هو مُقتَضَى الأُصولِ العِلْمِيَّةِ لِأنَّ الإسلامَ مع الشِّركِ غَيرُ مُعتَبَرٍ، قالَ الفَقِيهُ عُثْمَانُ بْنُ فُودُي (ت1232هـ) [في (سراج الإخوان)] في قَومٍ يَفُوهون بِكَلِمةِ الشَّهادةِ [أيْ يَقولون {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ}] ويَعمَلون أعمالَ الإسلامِ لَكِنَّهم يَخلِطونها بِأعمالِ الكُفرِ {اِعلَموا يا إخوانِي أنَّ جِهادَ هؤلاء القَومِ واجِبٌ إجماعًا، لِأنَّهم كُفَّارٌ إجماعًا، إذِ الإسلامُ مع الشِّركِ غَيرُ مُعتَبَرٍ}. انتهى باختصار.

 

(13)وقالَ الشوكاني -وكان مُعاصِرًا للإمامِ عبدِالعزيز بنِ محمد بن سعود- في كتابِه (البدر الطالع) عن أَتْباعِ الدَّعوةِ النَّجْدِيَّةِ السَّلَفِيةِ: يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ لمْ يَكُنْ دَاخِلًا تَحتَ دَولةِ صَاحِبِ نَجْدٍ [يَعْنِي عبدَالعزيز بنَ محمد بن سعود] ومُمْتَثِلًا لِأوَامِرِه خَارِجٌ عَنِ الإِسْلَامِ [قلتُ: المقصودُ بذلك الحُكْمِ هو مَجْهُولُ الحالِ؛ وأَمَّا مَن كانَ مَعلومَ الحالِ فحُكْمُه بِحَسَبِ حالِه]. انتهى. وقالَتْ عزيزةُ بنت مطلق الشهري (أستاذة الفقه وأصوله في جامعة الملك عبدالعزيز) في (قواعد الغلبة والندرة وتطبيقاتها الفقهية): فإذا بُنِيَ حُكْمٌ شَرعِيٌّ على أَمْرٍ غالِبٍ وشائعٍ، فإنَّه يُبْنَى عامًّا للجميعِ، ولا يُؤَثِّرُ فيه تَخَّلُفُ بعضِ الأفرادِ، لِأنَّ الأَصْلَ في الشريعةِ اعتبارُ الغالِبِ، أمَّا النادِرُ فلا أَثَرَ له، فلَوْ كان هناك فَرْعٌ مَجهولُ الحُكْمِ مُتَرَدِّدٌ بين احتمالَين أَحَدُهما غالِبٌ كثيرٌ والآخَرُ قَلِيلٌ نادِرٌ، فإنَّه يُلْحَقُ بالكثيرِ الغالِبِ دُونَ القَلِيلِ النادِرِ... ثم قالَتْ -أَيِ الشهري-: يقولُ الريسوني [رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في كتابه (نظرية التقريب والتغليب)] {إنَّ الضرورةَ الواقعةَ والبَدَاهةَ العقلِيَّةَ تَدْفَعان إلى الأَخْذِ بالغالِبِ، وتُشِيران إلى أنَّه [هو] الصَّوابُ المُمْكِنُ، وما دامَ هو الصَّوَابَ المُمْكِنَ فإنَّه هو المطلوبُ وهو المُتَعَيِّنُ، والأَخْذُ به هو الصَّوَابُ ولَوِ احتَمَلَ الخَطَأَ في باطِنِ الأَمْرِ الذي لا عِلْمَ لنا به}... ثم قالَتْ -أَيِ الشهري-: وقالَ القرافي [ت684هـ] في (الفروق) {القاعدةُ أنَّ الدائرَ بَيْنَ الغالِبِ والنادِرِ إضافَتُه إلى الغالِبِ أَوْلَى}. انتهى باختصار. وقالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ في (مجموع الفتاوى): فَالأَصْلُ إلْحَاقُ الْفَرْدِ بِالأَعَمِّ الأَغْلَبِ. انتهى. وقالَ الشيخُ محمد الزحيلي (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابِه (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة): إذا دارَ الشَّيءُ بين الغالِبِ والنادِرِ فإنَّه يُلحَقُ بالغالِبِ. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (كشف النقاب عن شريعة الغاب): ويقولُ الشيخُ العَلَّامةُ حَمَدُ بْنُ عَتِيقٍ [ت1301هـ] رَحِمَه اللهُ في كتابِه (سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين) {اِعلَمْ أنَّ الكُفرَ له أنواعٌ وأقسامٌ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ المُكَفِّراتِ، وكُلُّ طائفة مِن طوائف الكُفرِ قَدِ اِشْتَهَرَ عندها نَوعٌ منه}. انتهى باختصار. وقالَ تاجُ الدِّينِ السبكِيُّ (ت771هـ) في (الأشباه والنظائر): قالَ أصحابُنا {تُقبَلُ الشَّهادةُ بِالاستِفاضةِ في مَسائلِ الْمَوْتِ وَالنَّسَبِ وَالنِّكَاحِ وَالإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ وَالرُّشْدِ وَالسَّفَهِ}. انتهى باختصار. وقالَ أبو إسحاق الصفّار البخاري الحنفي (ت534هـ) في (تلخيص الأدلة لقواعد التوحيد): وكلُّ دارٍ كانَتِ الْغَلَبَةُ فيها لِأهلِ الاعتِزالِ [يَعنِي المُعتَزِلةَ]، أو بُقعةٍ غَلَبَ عليها مذهبُ الْقَرَامِطَةِ، فَإنْ كانَ أهلُ السُّنَّةِ فيها مُسْتَضْعَفِينَ لا يُمكِنُهم المُقامُ فيها إلَّا بإخفاءِ مَذهَبِهم أو على ذِمَّةٍ أو جِزيَةٍ، فتلك الدارُ دارُ كُفرٍ ويَجِبُ قِتالُ أهلِها، وكُلُّ مَن يُوجَدُ في تلك الدارِ فهو كافِرٌ إلَّا مَن ظَهَرَ الإسلامُ منه بِيَقِينٍ. انتهى باختصار. وقَالَ الْجَصَّاصُ (ت370هـ) في (أحكامُ القُرآنِ): أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي كُلِّ مَنْ فِي دَارِ الإِسْلَامِ وَدَارِ الْحَرْبِ، يَتَعَلَّقُ بِالأَعَمِّ الأَكْثَرِ دُونَ الأَخَصِّ الأَقَلِّ، حَتَّى صَارَ مَنْ فِي دَارِ الإِسْلَامِ مَحْظُورًا قَتْلُهُ (مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ فِيهَا مَنْ يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ مِنْ مُرْتَدٍّ وَمُلْحِدٍ وَحَرْبِيٍّ)، وَمَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ يُسْتَبَاحُ قَتْلُهُ (مَعَ مَا فِيهَا مِنْ مُسْلِمٍ تَاجِرٍ أَوْ أَسِيرٍ)؟، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الأُصُولِ عَلَى هَذَا الْمِنْهَاجِ يُجْرَى حُكْمُهَا. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (الفصل الأول من أجوبة اللقاء المفتوح): ودارُ الكُفرِ [هي] ما كانَتِ الْغَلَبَةُ فيها لِأهلِ الكفرِ والشركِ، ويَجِبُ قِتالُ أهلِها، وكُلُّ مَن يُوجَدُ في تلك الدارِ فهو كافِرٌ إلَّا مَن ظَهَرَ الإسلامُ منه بِيَقِينٍ، لِأنَّ الحُكمَ يَتَعَلَّقُ بِالأكثَرِ دُونَ الأَقَلِّ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الحُكمُ في كل مَن في دار الإسلام ودار الحرب يَتَعَلَّقُ بِالأعَمِّ الأكثَرِ دُونَ الأخَصِّ الأَقَلِّ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: وكُلُّ دارٍ أو بُقعةٍ غَلَبَ عليها أهلُ البدعِ الكفريَّةِ كالقرامطة والجهمية ونحوهما، فإنْ كانَ أهلُ السُّنَّةِ فيها مُسْتَضْعَفِينَ لا يُمكِنُهم المُقامُ فيها إلَّا بإخفاءِ مَذهَبِهم أو على ذِمَّةٍ، فتلك الدارُ دارُ كُفرٍ. انتهى.

 

(14)وجاءَ في كِتابِ فَتاوَى الشَّبَكةِ الإسلامِيَّةِ (وهو كِتابٌ جامِعٌ للفَتاوَى التي أَصْدَرَها مَرْكَزُ الفَتْوَى بموقعِ إسلام ويب -التابعِ لإدارةِ الدعوةِ والإرشادِ الدينيِّ بوِزَارةِ الأوقافِ والشؤونِ الإسلاميةِ بدولةِ قطر- حتى 1 ذِي الْحِجَّةِ 1430هـ) أنَّ مَرْكَزَ الفَتْوَى سُئِلَ {أسكُنُ في بَعضِ المَناطِقِ التي يَكثُرُ فيها مَن يَعتَقِدون بَعْضَ المُعتَقَداتِ الفاسِدةِ، كَسَبِّ اللهِ، وسَبِّ الصَّحابةِ، واعتِقادِ أنَّ القُرآنَ منه ما هو مُحَرَّفٌ، فَهَلْ يَجوزُ أكْلُ ذبائحِهم والصَّلاةُ خَلْفَهم أَمْ لا؟}، فأجابَ المَرْكَزُ: فَإنَّ مِن نِعْمَةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ علينا أنْ بَيَّنَ لنا المَعالِمَ والحُدودَ والضَّوابِطَ التي بِها يُعرَفُ الداخِلُ في الإسلامِ المَعدودُ مِن أهلِه، والخارِجُ عنه المَعدودُ مِن غَيرِهم؛ فَمَن كانَ مُلتَزِمًا بِأحكامِ الإسلامِ وشَرائعِه فَلَهُ ما لِلمُسلِمِين وعليه ما عليهم وهو منهم بِلا رَيبٍ، سَوَاءٌ كانَ شَخصًا أو طائفةً أو جَماعةً؛ ومَن لم يَلتَزِمْ بِهذا الدِّينِ وَوَقَعَ منه ما يُناقِضُه فَقَدْ بَرِئَتْ منه الذِّمَّةُ وانطَبَقَتْ عليه أحكامُ غَيرِ المُسلِمِين، ومِن هذه النَّواقِضِ سَبُّ اللهِ تَعالَى، قالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ {قد أجمَعَ العُلَماءُ على أنَّ مَن سَبَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ، أو سَبَّ رَسولَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو دَفَعَ شَيْئًا أنزَلَه اللهُ، أو قَتَلَ نَبِيًّا مِن أنبِيَاءِ اللهِ، وهو مع ذلك مُقِرٌّ بِما أنزَلَ اللهُ، أنَّه كافِرٌ}، ومِن هذه النَّواقِضِ أيضًا، مَنِ اِستَهْزَأَ بِشَيءٍ مِن دِينِ اللهِ أو ثَوابِه أو عِقابِه كَفَرَ، ومنها الشِّركُ في عِبادة اللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، ومنها سَبُّ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، فَمَنْ سَبَّهم سَبًّا يَقدَحُ في عَدالَتِهم ودِينِهم فَهو كافِرٌ، وكذلك مَنِ اِعتَقَدَ أنَّ المُصْحَفَ ناقِصٌ، أو اِعتَقَدَ بِأنَّ جِبرِيلَ قد أخطَأَ في تَبلِيغِ الرِّسالةِ فَهو كافِرٌ، وكُلُّ مَن تَقَدَّمَ ذِكرُهم لا تَجوزُ الصَّلاةُ خَلْفَهم ولا تَصِحُّ، ولا يَجوزُ الزَّواجُ منهم ولا تَزوِيجُهم، ولا أَكْلُ ذَبائحِهم، ولا مُعامَلَتُهم مُعامَلةَ المُسلِمِين، لَكِنْ مَنِ اُبْتُلِيَ بِالسَّكَنِ في مَناطِقِهم أَوِ العَمَلِ معهم يَنبَغِي أنْ يَتَحَلَّى بِالحِكمةِ، والحَذَرِ مِن مَكرِهم وكَيدِهم، ولا بَأْسَ بِإلقاءِ السَّلامِ عليهم أو رَدِّهِ عليهم إذا كانَ في ذلك رَدُّ مَفْسَدةٍ عَظِيمةٍ قد تَلْحَقُ المُنتَسِبَ لِلسُّنَّةِ [سُئلَ مركزُ الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط {ما حُكْمُ السَّلامِ على الكُفَّارِ؟}، فأجابَ المَرْكَزُ: أكثَرُ العُلَماءِ مِنَ السَّلَفِ والخَلَفِ على تَحرِيمِ الابتِداءِ، ووُجوبِ الرَّدِّ عليه فَيَقولُ في رَدِّه على سَلامِ الكافِرِ {وعليك} أو {وعليكم}، واستَدَلُّوا بِقَولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ} رَواه مُسلِمٌ... ثم قالَ -أَيْ مَركَزُ الفَتْوَى-: إنَّ المُسلِمَ إذا كانَ في دارِ الإسلامِ فَإنَّه يَحرُمُ عليه اِبتِداؤهم بِالسَّلامِ لِقَولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ} وغَيْرُهم [أيْ وغَيْرُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى] مِنَ الكُفَّارِ مِن بابٍ أَوْلَى، إلَّا إذا كانَ المُسلِمُ في دارِ الكُفرِ بينهم فَلَهُ أنْ يُسَلِّمَ عليهم مُبتَدِئًا وَرادًّا، مُصانَعةً لهم ودَفْعًا لِلضَّرَرِ الذي قد يَحصُلُ مِن تَركِ السَّلامِ عليهم، والأَوْلَى أنْ يَستَعمِلَ كَلامًا يُفِيدُ (التَّحِيَّةَ)، غَيْرَ لَفظِ (السَّلامِ). انتهى باختصار. وجاءَ في مجموع فتاوى ورسائل العثيمين أنَّ الشَّيخَ سُئلَ عن (حُكمِ السَّلامِ على غَيرِ المُسلِمِين)، فأجابَ بِقَولِه: البَدءُ بِالسَّلامِ على غَيرِ المُسلِمِين مُحَرَّمٌ ولا يَجوزُ، لِأنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ {لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ}، ولَكِنَّهم إذا سَلَّموا وَجَبَ علينا أنْ نَرُدَّ عليهم، ولا يَجوزُ كذلك أنْ يُبدَؤوا بِالتَّحِيَّةِ كَأَهْلًا وَسَهْلًا وما أَشْبَهِها لِأنَّ في ذلك [أيْ في البَدءِ بِتَحِيَّتِهم] إكرامًا لهم وتَعظِيمًا لهم، ولَكِنْ إذا قالوا لنا مِثلَ هذا فَإنَّنا نَقولُ لهم مِثلَ ما يَقولون، لِأنَّ الإسلامَ جاءَ بِالعَدلِ وإعطاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّه، ومِنَ المَعلومِ أنَّ المُسلِمِين أعلَى مَكانةً ومَرتَبةً عند اللهِ عَزَّ وجَلَّ فَلا يَنبَغِي أنْ يَذِلُّوا أنفُسَهم لِغَيرِ المُسلِمِين فَيَبدَؤوهم بِالسَّلامِ، إذًا فَنَقولُ في خُلَاصةِ الجَوابِ، لا يَجوزُ أنْ يُبدَأَ غَيرُ المُسلِمِين بِالسَّلامِ لِأنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن ذلك، ولِأنَّ في هذا إذلالًا لِلمُسلِمِ حيث يَبدَأُ بِتَعظِيمِ غَيرِ المُسلِمِ، والمُسلِمُ أعلَى مَرتَبةً عند اللهِ عَزَّ وجَلَّ فَلا يَنبَغِي أنْ يَذِلَّ نَفْسَه في هذا، أمَّا إذا سَلَّموا علينا فَإنَّنا نَرُدُّ عليهم مِثلَ ما سَلَّموا، وكذلك أيضًا لا يَجوزُ أنْ نَبْدَأَهم بِالتَّحِيَّةِ مِثلَ (أَهْلًا وَسَهْلًا، ومَرْحَبًا، وما أَشْبَهَ ذلك) لِمَا في ذلك مِن تَعظِيمِهم فَهو كابتِداءِ السَّلامِ عليهم... ثم جاء -أي في مجموع فتاوى ورسائل العثيمين- أنَّ الشَّيخَ سُئلَ {إذا سَلَّمَ الكافِرُ على المُسلِمِ فَهَلْ يَرُدُّ عليه؟، وإذا مَدَّ يَدَه لِلْمُصافَحةِ فَما الحُكْمُ؟، وكذلك خِدْمَتُه بِإعطائه الشايِ [وهو نَباتُ يُغْلَى ورقُهُ، ويُشرَبُ -في المُعتادِ- مُحَلًّى بِالسُّكَّرِ] وهو [جالِسٌ] على الكُرْسِيِّ؟}، فأجابَ بِقَولِه: إذا سَلَّمَ الكافِرُ على المُسلِمِ سَلامًا بَيِّنًا واضِحًا فَقالَ {السَّلامُ عليكم}، فَإنَّك تَقولُ {عليك السَّلامُ}، أَمَّا إذا لم يَكُنْ بَيِّنًا واضِحًا فَإنَّك تَقولُ {وعليك}، وكذلك لو كانَ سَلامُه واضِحًا يَقولُ فيه {السامُ عليكم} يَعنِي المَوتَ، فَإنَّه يُقالُ {وعليك}، فالأقسامُ ثَلاثةٌ؛ الأوَّلُ، أنْ يَقولَ بِلَفظٍ صَرِيحٍ {السامُ عليكم}، فَيُجابُ {وعليكم}؛ الثانِي، أنْ نَشُكَّ هَلْ قالَ {السامُ} أو قالَ {السَّلامُ}، فَيُجابُ {وعليكم}؛ الثالِثُ، أنْ يَقولَ بِلَفظٍ صَرِيحٍ {السَّلامُ عليكم}، فَيُجابُ {عليكم السَّلامُ}؛ وإذا مَدَّ يَدَه إليك لِلْمُصافَحةِ فَمُدَّ يَدَك إليه وإلَّا فَلا تَبْدَأْه؛ وأمَّا خِدْمَتُه بِإعطائه الشايَ وهو على الكُرْسِيِّ فَمَكروه، لَكِنْ ضَعِ الفِنْجالَ [وهو قَدَحٌ صَغِيرٌ مِنَ الخَزَفِ ونَحوِه يُشرَبُ فيه الشايُ ونَحوُه] على الماصَّةِ [أيِ الطاوِلةِ] ولا حَرَجَ... ثم جاءَ -أي في مجموع فتاوى ورسائل العثيمين- أنَّ الشَّيخَ سُئلَ {وَرَدَ في الحَدِيثِ الذي رَواه الإمامُ مُسلِمٌ في صَحِيحِه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ)، ألَيسَ في العَمَلِ بِهذا تَنفِيرٌ عنِ الدُّخولِ في الإسلامِ؟}، فأجابَ بِقَولِه: يَجِبُ أنْ نَعْلَمَ أنَّ أَسَدَّ الدُّعاةِ في الدَّعوةِ إلى اللهِ هو النَبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنَّ أحسَنَ المُرْشِدِين إلى اللهِ هو النَبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا عَلِمْنا ذلك فَإنَّ أيَّ فَهْمٍ نَفهَمُه مِن كَلامِ الرَّسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكونُ مُجانِبًا لِلْحِكْمةِ [أيْ في فَهْمِنَا] يَجِبُ علينا أنْ نَتَّهِمَ هذا الفَهْمَ [قالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (بذل النصح): والقاعِدةُ أنَّ المَفسَدةَ التي ثَبَتَ الحُكْمُ مع وُجودِها غَيرُ مُعتَبَرةٍ شَرعًا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ التَّدقِيقَ في تَحقِيقِ حِكَمِ المَشروعِيَّةِ مِن مُلَحِ العِلْمِ لا مِن مَتْنِه عند المُحَقِّقِين، بِخِلافِ اِستِنباطِ عِلَلِ الأحكامِ وضَبطِ أَمَاراتِها، فَلا يَنبَغِي المُبالَغةُ في التَّنقِيرِ [أيِ البَحْثِ] عنِ الحِكَمِ لا سِيَّمَا فِيما ظاهِرُه التَّعَبُّدُ، إذْ لا يُؤْمَنُ فيه مِنِ اِرتِكابِ الخَطَرِ والوُقوعِ في الخَطَلِ [أيِ الخَطَأِ]، وحَسْبُ الفَقِيهِ مِن ذلك ما كانَ مَنصُوصًا أو ظاهِرًا أو قَرِيبًا مِنَ الظُّهورِ. انتهى]، وأنْ نَعْلَمَ أنَّ فَهْمَنَا لِكَلامِ النَبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [أيْ فَهْمَنَا كَوْنَه مُجانِبًا لِلحِكْمةِ] خَطَأٌ. انتهى باختصار]، وإذا وُجِدَ مَن يَنْتَسِبُ [أيْ وَطَنًا أو عَشِيرةً] إلى مَن يَسُبُّون الصَّحابةَ و[هو] لا يَسُبُّهم ولا يَعتَقِدُ تلك المُعتَقَداتِ الباطِلةَ فَهذا له حُكْمٌ آخَرُ، حيث يُعامَلُ مُعامَلةَ المُسلِمِين، ولا حَرَجَ في الصَّلاةِ خَلْفَه، أو أَكْلِ ذَبِيحَتِه... إلَى آخِرِهِ، لَكِنْ يَجِبُ التَّأَكُّدُ مِن ذلك، لِقِلَّةِ هؤلاء. انتهى باختصار.

 

(15)وقالَ الْقُرْطُبِيُّ في (الجامع لأحكام القرآن): إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَاتَ اِرْتَدَّتِ الْعَرَبُ كُلُّهَا، وَلَمْ يَبْقَ الإِسْلَامُ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَجُوَاثَا [قالَ اِبْنُ عاشور في (التحرير والتنوير): قِيلَ {لَمْ يَبْقَ [أَيْ على الإسلامِ مِنْ أَهْلِ الْمُدُنِ الإِسْلَامِيَّةِ يَوْمَئِذٍ] إِلَّا أَهْلُ ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ (مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَمَسْجِدِ مَكَّةَ، وَمَسْجِدِ جُؤَاثَا فِي الْبَحْرَيْنِ)}. انتهى]. انتهى. وقالَ الشيخُ محمد الأمين الهرري (المدرس بالمسجد الحرام) في (الكوكب الوهاج): تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَارتَدَّ مَنِ اِرتَدَّ مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا أَهْلَ ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ (مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، وَمَسْجِدِ مَكَّةَ، وَمَسْجِدِ جُوَاثَا). انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ حمود التويجري (الذي تَوَلَّى القَضاءَ في بَلدةِ رحيمة بالمِنطَقةِ الشَّرقِيَّةِ، ثم في بَلدةِ الزلفي، وكانَ الشيخُ ابنُ باز مُحِبًّا له، قارئًا لكُتُبه، وقَدَّمَ لِبَعضِها، وبَكَى عليه عندما تُوُفِّيَ -عامَ 1413هـ- وأَمَّ المُصَلِّين لِلصَّلاةِ عليه) في كِتَابِه (غُربةُ الإسلامِ، بِتَقدِيمِ الشَّيخِ عبدِالكريم بن حمود التويجري): أصحابُ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ومَن معهم مِنَ المُسلِمِين قَهَروا المُرتَدِّين مِن أحياءِ العَرَبِ وهُمْ أضعافُ أضعافِهم... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التويجري-: وفي سُنَنِ النسائي، ومُستَدرَكِ الحاكِمِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ {لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (يَا أَبَا بَكْرٍ، كَيْفَ تُقَاتِلُ الْعَرَبَ)، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ")} قالَ الحاكِمُ {صَحِيحُ الإسنادِ}، ووافَقَه الحافِظُ الذهبي في تَلخِيصِه. انتهى.

 

(16)وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (المباحث المشرقية "الجزء الأول"): الشَّيخُ عُثْمَانُ بْنُ فُودُي (ت1232هـ) يَقولُ [في (نور الألباب)] في مُلوكِ هَوْسَا وأهلِها [بِلادُ الهَوْسَا تَشمَلُ ما يُعرَفُ الآنَ بِشَمالِ نَيْجِيرْيَا وجُزْءًا مِن جُمهورِيَّةِ النَّيجَرِ] {اِعلَمْ يا أخِي، أنَّ النّاسَ في هذه البِلادِ ثَلاثةُ أقسامٍ؛ قِسمٌ منهم يَعْمَلُ أعمالَ الإسلامِ ولا يَظهَرُ منه شَيءٌ مِن أعمالِ الكُفرِ ولا يُسمَعُ منه شَيءٌ يُناقِضُ الإسلامَ، عارِفون بِالتَّوحِيدِ مُحسِنون لِلْعِبادةِ، فَهؤلاء مُسلِمون قَطعًا تَجرِي عليهم أحكامُ الإسلامِ، وَهُمْ نادِرون؛ وقِسمٌ منهم ما شَمَّ رائحةَ الإسلامِ ولا يَدَّعِيه، فَهؤلاء كافِرون أصلِيُّون قَطعًا ولا يَلتَبِسُ حُكْمُهم على أحَدٍ؛ وقِسمٌ منهم مُخَلِّطٌ، يَعْمَلُ أعمالَ الإسلامِ، ويُظهِرُ أعمالَ الكُفرِ ويُسمَعُ مِن قَولِه ما يُناقِضُ الإسلامَ، فَهؤلاء كافِرون مُرتَدُّون قَطعًا لا تَجرِي عليهم أحكامُ الإسلامِ}. انتهى باختصار.

 

(17)وقالَ الشيخُ ربيع المدخلي (رئيسُ قسمِ السُّنَّةِ بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (انقضاض الشُّهُبِ السَّلَفِيَّةِ): قالَ عدنان [يَعْنِي الشيخَ (عدنان العرعور) الحاصِلَ على (جائزة نايف بن عبدالعزيز آل سعود العالمية للسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ والدراسات الإسلامية المعاصرة)] في شَرِيطٍ بعنوانِ (أنواع الخلاف "29 ربيع الثاني 1418هـ - أَمِسْتِرْدَام / هُولَنْدَا") {لا نَلُومُ الإمامَ أحمدَ في تكفيرِ تاركِ الصَّلَاةِ [قالَ الشيخُ عبدُالله الغليفي في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): إذا نظرنا وجدنا أنه قد ثبت الإجماع في عصر الصحابة على كفر تارك الصلاة، وقد نقل هذا الإجماع أكثرُ أهل العلم من أهل الحديث والفقه قديمًا وحديثًا، وتواترت الأدلة على ذلك، بل زاد على إجماع الصحابة إجماعُ التابعين، نقله غير واحد من السلف أن من ترك صلاة واحدة متعمدًا حتى يخرج وقتها من غير عذر فقد كفرَ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الغليفي-: فإذا ثبت إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة فلا كلام، ولا عبرة بالاختلاف بعدهم، وَلَا دَاعِيَ للتفريعات الفاسدة والتقسيمات الباطلة من تقييد الكفر بالجحود والاستحلال القلبي والقَصْدِ [أَيْ قَصْدِ الكُفْرِ] وغيرِها من رواسب المرجئة لأن كلام الصحابة أضبط وأحكم. انتهى باختصار]... إنَّ المُسلِمِين صاروا 90% منهم على مَذهَبِ [الإمامِ] أحمدَ كُفَّارًا، فَلِماذا يُلَامُ (سيد قطب) رَحِمَه اللهُ، ونقولُ (هذا [أَيِ الشيخُ (سيد قطب)] يُكَفِّرُ المُجتَمَعاتِ)؟، ولا يُلَامُ الإمامُ أحمدُ وقد حَكَمَ على هذه الشُّعوبِ كُلِّها بالكُفرِ، وبالتالي فإنَّ مِصْرَ وسُورِيَا والشَّامَ وباكستانَ كُلَّهم شُعُوبٌ غيرُ مُسْلِمةٍ، وصارَتِ المُجتَمَعاتُ مُجتَمَعاتِ دارِ حَرْبٍ، كُلُّهم [أَيْ كُلُّ مَن في هذه المُجتَمَعاتِ] كُفَّارٌ إلَّا المُصَلِّين؟}. انتهى باختصار.

 

(18)وقالَ الشيخُ ابنُ باز في مقالة له على موقعه بعنوان (العقيدة الصحيحة وما يُضَادُّها) في هذا الرابط: فظَهَرَ دِينُ الله على سائر الأديان بعد دعوةٍ متواصلة، وجهادٍ طويلٍ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابِه رضي الله عنهم، والتابعِين لهم بإحسان، ثم تَغَيَّرَتِ الأحوالُ وغَلَبَ الجَهلُ على أكثر الخَلْقِ حتى عاد الأكثرون إلى دين الجاهلية، بالغلو في الأنبياء والأولياء ودعائهم والاستغاثة بهم وغيرِ ذلك من أنواع الشرك، ولم يَعْرِفوا مَعْنَى (لا إله إلا الله) كما عَرَفَ معناها كُفَّارُ العَرَبِ، فاللهُ المُستَعانُ؛ ولم يَزَلْ هذا الشِّركُ يَفْشُو في الناسِ إلى عصرِنا هذا بسَبَبِ غَلَبةِ الجَهلِ وبُعْدِ العَهْدِ بعَصْرِ النُّبُوَّةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ ابنُ باز-: ومِنَ العقائد الكفرية المضادة للعقيدة الصحيحة، والمخالِفة لِمَا جاءت به الرسلُ عليهم الصلاةُ والسلامُ، ما يَعتَقِدُه المَلاحِدةُ في هذا العصر مِن أتْباعِ مَارْكِسَ ولِينِينَ وغيرِهما مِن دُعاةِ الإلحاد والكفر، سواء سَمَّوْا ذلك اشتراكيةً أو شيوعيةً أو بعثيةً أو غير ذلك من الأسماء. انتهى.

 

(19)وقالَ الشيخُ محمد المغراوي (أستاذ الدراسات العليا بجامعة القرويين، والذي يُوصَفُ بأنَّه "شَيْخُ السَّلَفِيين بالمَغْرِبِ") في (الإحسانُ في اِتِّبَاعِ السُّنَّةِ والقرآنِ، لا في تقليدِ أخطاءِ الرجالِ): كِتابُ اللهِ صالحٌ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، يُشِعُّ نُورَه، وتَتَّضِحُ لنا هِدَايَتُه، ويُعالِجُ واقِعَنا الهَزِيلَ الضَّعِيفَ الذي اِنْحَطَّ وسَفُلَ وحَالَتُه حالُ مَن لم يَنْزِلْ فيه قُرآنٌ ولا بُعِثَ فيه نَبِيٌّ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المغراوي-: فإنَّ هذه الآيَةَ أَمْرُها عَظِيمٌ، والذي يَتفكَّرُ فيها ويُطِيلُ النَّظَرَ، يَستعرِضُ حالةَ المسلمِين في كُلِّ تَجَمُّعاتهم الكُبرَى والصُّغرَى، يَجِدُهم كما قالَ اللهُ تَعالَى {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا، رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}، فَيَا لَهَا مِنْ خَسَارةٍ، الشُّعُوبُ يُقَلِّدون ما يُسَمَّى بالعلماء وما يُسَمَّى بشُيُوخِ الطَّرِيقةِ، والحُكَّامُ يَسْتَأْجِرون العلماءَ ويَتَّبِعونهم على أهوائهم [أَيْ أنَّ العُلماءَ يَتَّبِعون أهواءَ الحُكَّامِ]، ويَضِيعُ الحَقَّ بين هذه الطَّبَقَاتِ الثَّلَاثِ، وسيَقِفُون جَمِيعًا أمامَ رَبِّ العِزَّةِ والجَلَالِ، فيقولون كما قالَ اللهُ {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}، وهَلِ المأجورون ستَنْفَعُهم أعذارُهم بأنَّهم لا يَجِدُون طَرِيقًا للاِرتِزاقِ إِلَّا هَذَا الطَّرِيقَ الخَسِيسَ الذي هو طريقٌ لِجَهَنَّمَ، فَمَتَي كانَ الظلمُ والظَّلَمةُ وَأْعْوَانُهم مُبَرَّؤُون مِنَ الجريمةِ؟، فالجريمةُ لا تَتَزَحْزَحُ عن أصحابِها فُرَادَى وَجَمَاعَاتٍ مَتَى تَلَبَّسوا بها، لا بُدَّ لهم مِن وَقْفَةٍ ومُحاكَمةٍ يكونُ قاضِيها العَلِيمَ الخَبِيرَ (يَسْأَلُ الأُمَمَ بعلمائهم وشُعُوبِهم وحُكَّامِهم ماذا عَمِلوا بكتابِ رَبِّهم وسُنَّةِ نَبِيِّهم)، فلا شَكَّ أنَّهم سيقولون كما قالَ اللهُ تعالى {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا} في كُلِّ مُنْكَرٍ ومُحَرَّمٍ، شِرْكٍ، بِدعةٍ، رِبًا، خَمْرٍ، زِنًى، حُكْمٍ بغيرِ ما أنزلَ اللهُ {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا، رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}. انتهى باختصار. وفي فيديو بعنوان (المغراوي يَقولُ أنَّ المُجْتَمَعَ مُنْتَكِسٌ غالِبُه مُرْتَدٌّ) قالَ الشيخُ أيضا: نُرِيدُ أنْ نَسْعَدَ وأنْ تكونَ عندنا جَمِيعُ المُقَوِّماتِ للحَيَاةِ، ونحن لا يَدَ لنا في الخَيرِ، ولا إصْبَعَ لنا في الخَيرِ، نَزَلَ القرآنُ هَجَرناه جاءَتِ السُّنَّةُ ضَيَّعناها، ما عندنا عِنَايَةٌ بكِتابِ اللهِ، ما عندنا عِنَايَةٌ بِسُنَّةِ رسولِه، ما عندنا عِنَايَةٌ بعقيدتنا، المُجْتَمَعُ مُنْفَكٌّ، المُجْتَمَعُ مُنْغَمِسٌ في المُحَرَّمات، المُجْتَمَعُ مُنْتَكِسٌ، غالِبُه مُرْتَدٌّ، كيف تَتَحَقَّقُ السعادةُ؟، كيف يَتَحَقَّقُ الأَمْنُ؟، كيف تَتَحَقَّقُ سِيَاسَةٌ؟، كيف يَتَحَقَّقُ الاقتصادُ؟ [قالَ الشيخُ مُقْبِلٌ الوادِعِيُّ في شَرِيطٍ صَوتيٍّ مُفَرَّغٍ على هذا الرابط بعنوان (الجزءُ الثاني مِن "تحذير الدارِسِ مِن فِتنةِ المدارسِ"): الواعِظُ يَبَحُّ صَوْتُهُ، وبَعْدَها الشَّعْبُ ماشٍ بَعْدَ [أَيْ خَلْفَ] أعداءِ الإسلامِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الوادِعِيُّ-: فيَا إِخْوَانَنَا، دِينُ اللهِ في وادٍ، ومُجتَمَعاتُنا الجاهِلِيَّةُ في وادٍ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو بصير الطرطوسي في (قواعدُ في التكفير): مُجتَمَعاتِنا تَغَصُّ بالمُرتَدِّين والزَّنادِقةِ المُلْحِدِين. انتهى. وقالَ الشيخُ محمد أمان الجامي (أستاذ العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (تصحيح المفاهيم في جوانب العقيدة): فَحَياةُ المسلمِين اليومَ أقْرَبُ إلى الجاهِلِيَّةِ التي قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ مِنْهَا إلى الحَياةِ الإسلامِيَّةِ. انتهى. وقالَ الشيخُ فركوس في مقالة على موقعه في هذا الرابط: كان حَرِيًّا بأهل السُّنَّة أَنْ يُوقِفوا زَحْفَ أهلِ الخرافة والباطلِ منذ زمنٍ بعيدٍ، قَبْلَ استفحالِ مظاهر الشِّرك والطُّغيان، والعودةِ بالمجتمع إلى باب البِدَع والخرافة والسِّحر والشَّعوذة وغيرها، عَمَلًا بِسُنَّةِ التَّدافُعِ، لقوله تعالى {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا، وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}. انتهى. وقالَ الشيخُ عبدُالسلام بنُ برجس (الأستاذ المساعد في المعهد العالي للقضاء بالرياض) في تَحقِيقِه لِكِتابِ (دَحضُ شُبُهاتٍ على التَّوحِيدِ) الذي قَرَّظَه الشيخُ ابنُ جبرين: وأصبَحَ أهلُ هذا الزَّمانِ كَما قالَ ابْنُ عَقِيلٍ الْحَنْبَلِيُّ [ت513هـ] عن أهلِ زَمَانِه {مِنْ عَجِيبِ مَا نَقَدْتُ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ كَثْرَةُ مَا نَاحُوا عَلَى خَرَابِ الدِّيَارِ، وَمَوْتِ الأَقَارِبِ وَالأَسْلَافِ، وَالتَّحَسُّرُ عَلَى الأَرْزَاقِ بِذَمِّ الزَّمَانِ وَأَهْلِهِ وَذِكْرِ نَكَدِ الْعَيْشِ فِيهِ، وَقَدْ رَأَوْا مِنِ اِنْهِدَامِ الإِسْلَامِ، وَتشَعُّبِ [أَيْ تَفَرُّقِ وتَشَتُّتِ] الأَدْيَانِ، وَمَوْتِ السُّنَنِ، وَظُهُورِ الْبِدَعِ، وَارْتِكَابِ الْمَعَاصِي، وَتقَضِّي الأَعْمارِ فِي الْفَارِغِ الَّذِي لَا يُجْدِي وَالْقَبِيحِ الَّذِي يُوبِقُ وَيُؤْذِي، فَلَا أَجِدُ مِنْهُمْ مَنْ نَاحَ عَلَى دِينِهِ، وَلَا بَكَى عَلَى ما فَرَّطَ مِن عُمُرِه، وَلَا آسَى عَلَى فَائِتِ دَهْرِهِ، وَمَا أَرَى لِذَلِكَ سَبَبًا إلَّا قِلَّةَ مُبَالَاتِهِمْ بِالأَدْيَانِ وَعِظَمَ الدُّنْيَا فِي عُيُونِهِمْ، ضِدَّ مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ [فَقَدْ كانوا] يَرْضَوْنَ بِالْبَلَاغِ مِنَ الدُّنْيَا وَيَنُوحُونَ عَلَى الدِّينِ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ ابنُ برجس-: وَصَلَ الحَدُّ بأهلِ زمانِنا إلى ما ذَكَرَه [أَيِ اِبْنُ عَقِيلٍ] وأَعْظَمَ، واشتَدَّتْ بينهم غُرْبةُ هذا الدِّينِ الأَقْوَمِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ ابنُ برجس-: نَظَرْتُ في هذا المُجتَمَعِ، فإذا أضْعَفُ جانِبٍ فيه جانِبُ التَّوحِيدِ، وَلَوِ اِستَقاموا عليه حَقَّ الاستِقامةِ لَكانَتْ لَهُمْ مِنَ اللهِ الرِّفْعَةُ والمَكانةُ. انتهى باختصار. وجاءَ في تَفْسِيرِ اِبنِ عثيمين (عُضوِ هَيْئةِ كِبارِ العُلَماءِ)، عند تَفسِيرِ قَولِه تَعالَى (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ، وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ): طالِبٌ [يَسأَلُ الشَّيخَ اِبنَ عثيمين] {بِالنِّسبةِ لِجِهادِ الكُفَّارِ الآن في زَمانِنا هذا، إذا مَثَلًا دَولةٌ تُرِيدُ تُجاهِدُ الكُفَّارَ، الدُّوَلُ الأُخرَى يُعارِضونهم، إذا كانَ أُمَّةً واحِدةً (مَثَلًا، دَولةٌ يَكونُ [فيها] جَمِيعُ المُسلِمِين رَئيسُهم واحِدٌ) كانَ مُمكِنًا يَتَّفِقوا في الجِهادِ، لَكِنَّ الآنَ اِتِّفاقَهم في الجِهادِ صَعبٌ جِدًّا؟}؛ [فَيَرُدُّ] الشَّيخُ {عندك أُمَّةٌ إسلامِيَّةٌ الآنَ على حَسَبِ ما يُرِيدُ اللهُ منها؟!، أَسأَلُك، الآنَ هَلْ عندك أُمَّةٌ على حَسَبِ ما يُرِيدُ اللهُ منها؟![فَيَرُدُّ] الطالِبُ {أمَّا بِالنِّسبةِ لِلحُكَّامِ لا}؛ [فَيَرُدُّ] الشَّيخُ {لا، حتى بِالنِّسبةِ لِلشُّعوبِ، ما هو الحُكَّامُ فَقَطْ... الآنَ الذي يَدعو لِلتَّوحِيدِ يُسَمَّى وَهَّابِيًّا مُتَشَدِّدًا مُتَصَلِّبًا مُتَعَنِّتًا مُتَنَطِّعًا!، أيْنَ الأُمَّةُ الإسلامِيَّةُ؟!، المَسأَلةُ تَحتاجُ إلى عِلاجٍ مِنَ الجُذورِ}؛ [فَيَسأَلُ] طالِبٌ آخَرُ {نَجِدُ يَا شَيْخُ أنَّ الجِهادَ قد ماتَ في قُلوبِ الناسِ، فَإنَّ العَوامَّ لا يَدرون أنَّ الجِهادَ كُتِبَ على هذه الأُمَّةِ بِأنَّه فَرضٌ، قَلَّمَا يَسمَعون عنِ الجِهادِ، كَأنَّه قِصَصٌ خَيَالِيَّةٌ!، لِأنَّنا يَا شَيْخُ نُشاهِدُ العُلَماءَ لا يَحكون لِلناسِ، وكذلك لا يُطالِبون بِفَرِيضةِ الجِهادِ كَما يُطالِبون بِالفَرائضِ الأُخرَى!، فَلِماذا هذا الابتِعادُ الشَّدِيدُ عنِ الجِهادِ وعن تَبيِينِه؟!}؛ [فَيَرُدُّ] الشَّيخُ {مع الأسَفِ، أحكامُ الجِهادِ التي كَتَبَ عنها الفُقَهاءُ رَحِمَهم اللهُ كِتاباتٍ، كُتُبًا مُؤَلَّفةً، ما يَعرِفها عامَّةُ طَلَبةِ العِلْمِ، ما يَعرِفونها}؛ [فَيَسأَلُ] طالِبٌ {يَا شَيْخُ، ذَكَرْنا أنَّه مِنَ التَّهَوُّرِ وإلقاءِ النَّفسِ في التَّهلُكةِ أنْ نُواجِهَ أعداءَنا وليس لَنا قُوَّةٌ مِثلُ قُوَّتِهم، كَيْفَ نَجمَعُ يَا شَيْخُ بَيْنَ هذا وبَيْنَ أنَّنا نُعِدُّ لهم، مع أنَّنا لن نَستَطِيعَ أنْ نَصِلَ إلى ما وَصَلوا إليه مِنَ التِّقْنِيَّةِ؟}؛ [فَيَرُدُّ] الشَّيخُ {نحن أصلًا ما فَكَّرْنا بِهذا، يَعنِي حتى الآنَ، أنَا أقولُ (حتى بَعضِ الدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ التي تُكَوِّنُ جُيُوشًا وأسلِحةً ما أظُنُّ أنَّه يَطرَأُ على بالِها أنَّها تُكَوِّنُ هذه [أي الجُيُوشَ والأسلِحةَ] لِجِهادِ الكُفَّارِ}؛ [فَيَسأَلُ] طالِبٌ {ما فِيه شَكٌّ؟}؛ [فَيَرُدُّ] الشَّيخُ {ما فِيه شَكٌّ، فَإذَنِ الأساسُ مِن أصلِه خَرْبَانُ، أنتَ الآنَ لو بَنَيْتَ جِدارًا مِن طِينٍ على بِرْكةِ ماءٍ، يَصمَدُ لِلسَّقْفِ الذي يُبْنَى عليه الجِدارُ؟ لا يُمكِنُك، ما تَعرِفُ، الطِّينُ يَسقُطُ، تَحتاجُ [أيْ مُجاهَدةُ الكُفَّارِ] إلى نِيَّةٍ، لو تَسأَلُ كَثِيرًا مِن قادةِ العَرَبِ الآنَ (لِماذا تُكَوِّنُ جَيْشًا؟)، قالَ (أخافُ مِن جِيرانِي) أو يَخافُ مِن شَعبِه أنْ يَثوروا عليه وهو يُرِيدُ أنْ يَبْقَى على الحُكمِ[فَيَسأَلُ] طالِبٌ {ذَكَرْنا في سِيَاقِ الآياتِ أنَّه يَنبَغِي لِلمُسلِمِين ألَّا يُقاتِلوا حتى يَستَعِدُّوا بِقُوَّةِ الإيمانِ والقُوَّةِ المادِّيَّةِ، بَيْنَما سَمِعنا أنَّ الجِهادَ في أفغانِسْتانَ بَدَأَ مِن قِلَّةٍ قَلِيلةٍ، يَعنِي أربَعةُ أشخاصٍ حَقَّقوا نَتائجَ باهِرةً جدًّا، كَيْفَ هذا الأمرُ؟}؛ [فَيَرُدُّ] الشَّيخُ {نَعَمْ، ما فيه مُشكِلةٌ، الأفغانُ عندهم اِستِعدادٌ وقُوَّةٌ، لِأنَّ طَبِيعةَ بِلادِهم صالِحةٌ لِحَربِ العِصاباتِ، وَهُمْ بَدَؤوا هكذا، فَبَدَؤوا يَأْخُذون شَيْئًا فَشَيْئًا، وفي رُؤوسِ الجِبالِ (قِمَمِ الجِبالِ)، وفي المَغاراتِ، وفي الأشجارِ، وغَيرِها، وحَصَلوا على خَيرٍ كَثِيرٍ}؛ [فَيَسأَلُ] طالِبٌ {ألَا تَكونُ مُنطَلَقًا يَا شَيْخُ في الجِهادِ لِعامَّةِ الأُمَّةِ؟}؛ [فَيَرُدُّ] الشَّيخُ {ما أكثَرَ المُنطَلَقاتِ، لَكِنْ نَسأَلُ اللهَ أنْ يُسَهِّلَ المُنطَلَقَ، إنْ شاءَ اللهُ يَكونُ، إنْ شاءَ اللهُ}؛ [فَيَسأَلُ] طالِبٌ {يَقولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ)، فَكَيْفَ يَا شَيْخُ مَوقِفُنا مِن هذا الحَدِيثِ، ونحن الآنَ عندنا الجَيشُ السُّعودِيُّ أكثَرَ مِنَ الضِّعْفِ بِكَثِيرٍ، وعنده مِنَ الآلِيَّاتِ الحَربِيَّةِ أكْثَرُ مِنِ اِثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، فَكَيْفَ هذا؟}؛ [فَيَرُدُّ] الشَّيخُ {لَكِنَّها قد تُغلَبُ مِن غَيرِ قِلَّةٍ، قد تُغلَبُ مِن جِهةٍ أُخرَى مِثْلِ ما ذَكَرْنا، الجِدارُ مِنَ الطِّينِ مُقَامٌ على بِركةِ ماءٍ}. انتهى باختصار]. انتهى. وقد نَقَلَ الشيخُ أحمد بن يحيى النجمي (المُحاضِرُ بكلية الشريعة وأصول الدين، بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بأبها) في كِتابِه (نَسْفُ الدَّعاوِي) عنِ الشيخِ المغراوي أنَّه قالَ: الإسلامُ الجَماعِيُّ مَفقودٌ مُنْذُ زَمانٍ، ما عندنا إسلامٌ جَماعِيٌّ الآنَ، مَوجودٌ الآنَ قَناعاتٌ فَردِيَّةٌ، تَلْقَى واحِدًا في الأُسرةِ و15 مُنحَرِفِين. انتهى باختصار. وقد أَثْنَى على الشيخِ المغراوي الشيخُ عبدالكريم الخضير (عضو هيئة كِبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في كتابِه (كيف يبني طالب العلم مكتبته) حيث قالَ عنه: وعِنَايَتُه بالعقيدةِ مَعروفةٌ الشيخِ المغراوي حَفِظَه اللهُ. انتهى. وأَثْنَى على الشيخِ المغراوي أيضًا الشيخُ عبدُالمُحسن العَبَّاد (نائبِ رئيسِ الجامعةِ الإسلاميةِ) في كتابِه (رِفْقًا أهلَ السُّنَّةِ بأهلِ السُّنَّةِ) حيث قالَ: وأُوصِي أيضًا أنْ يَستَفِيدَ طُلَّابُ العِلْمِ في كلِّ بَلَدٍ مِنَ المُشَتَغِلِين بالعِلْمِ مِن أهلِ السُّنَّةِ في ذلك البَلَدِ، مِثْلِ تلاميذِ الشيخِ الألبانِيُّ رَحِمَه اللهُ في الأُرْدُنِ، الذِين أَسَّسُوا بَعْدَه مَركَزًا باسمِه، ومِثْلِ الشيخِ محمد المغراوي في الْمَغْرِبِ، والشيخِ محمد عَلِيّ فركوس والشيخِ العيد شريفي في الجَزَائِرِ، وغيرِهم مِن أهلِ السُّنَّةِ. انتهى.

 

(20)وقالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (مِلَّة إبراهيمَ): أكثرُ الناس اليوم قد دخلوا في دِين الحكوماتِ ودينِ الطواغيتِ، مُختارِينَ بلا إكراهٍ حقيقيٍّ، وإنما استحبابًا للحياةِ الدنيا ومساكنِها وأموالِها ومَتاعِها ومَناصِبِها، على دِينِ اللهِ، وبَذَلُوه [أَيْ بَذَلُوا الدِّينَ] وباعوه بأبخسِ الأثمانِ، فإيَّاك أنْ تكونَ منهم فتُصبِحَ مِنَ النادِمِينَ. انتهى.

 

(21)وقالَ الشيخُ أبو بصير الطرطوسي في مقالة له بعنوان (كَلِمةٌ حَوْلَ مُراجَعاتِ الشَّيخِ "سَيِّد إمام") في هذا الرابط: أَيْنَ المَصلَحةُ في تَرْكِ جِهادِ هؤلاء الطَّواغِيتِ، وقد فَقَدَتِ الأُمَّةُ بِسَبَبِهم دِينَها وعِزَّتها وشَرَفَها وكَرامَتَها وأرضَها وخَيراتِها وكُلَّ ما هو عَزِيزٌ عليها؟!، فَقَدْنا -بِسَبَبِهم، وبَسَبَبِ الصَّبرِ على أذاهم وظُلمِهم وكُفرِهم وخِيانَتِهم- الدِّينَ والنَّفسَ والعِرْضَ والأرضَ والمالَ والأهلَ والوَلَدَ، وانتَشَرَتْ وعَمَّتِ الفَواحِشَ والمُنكَراتُ بِكُلِّ أنواعِها وأصنافِها، وقَنَّنوا لِحِمايَتِها والذَّودِ عنها، وقاتَلوا دُونَها، وعاقَبوا مُنكِرَها، فَأَيُّ مَصلَحةٍ هذه التي يَرجُوها الشَّيخُ (سَيِّدٌ) مِن تَرْكِ جِهادِهم، وَأَيُّ مَفسَدةٍ يَخافُها على الأُمَّةِ مِن جَرَّاءِ جِهادِهم والأُمَّةُ فَقَدَتْ كُلَّ شَيءٍ، ولم تَعُدْ هناك مَفسَدةٌ تَخشَى وُقوعَها لِأنَّها قد وَقَعَتْ عليها ومُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ بِسَبَبِ السُّكوتِ على شَرِّ وإجرامِ هؤلاء الطَّواغِيتِ المُجرِمِين؟!. انتهى.

 

(22)وقالَ الشيخُ حمود التويجري (الذي تَوَلَّى القَضاءَ في بَلدةِ رحيمة بالمِنطَقةِ الشَّرقِيَّةِ، ثم في بَلدةِ الزلفي، وكانَ الشيخُ ابنُ باز مُحِبًّا له، قارئًا لكُتُبه، وقَدَّمَ لِبَعضِها، وبَكَى عليه عندما تُوُفِّيَ -عامَ 1413هـ- وأَمَّ المُصَلِّين لِلصَّلاةِ عليه) في كِتَابِه (غُربةُ الإسلامِ، بِتَقدِيمِ الشَّيخِ عبدِالكريم بن حمود التويجري): أَمَّا بَعْدُ، فهذا كتابٌ في بيان غربة الإسلام الحقيقي وأهله في هذه الأزمان، وذِكْرِ الأسباب العاملة في هدم الإسلام وطمس أعلامه وإطفاء نوره، دعاني إلى جَمعِه ما رأيتُه مِن كثرة النقص والتغيير في أمور الدين، وما عَمَّ البَلاءُ به مِنَ المنكَرات التي فَشَتْ في المسلمِين وابْتُلِيَ ببعضها كثيرٌ مِنَ المُنتَسِبِين إلى العلمِ والدِّينِ فَضلًا عن غيرِهم مِن جُهَّالِ المسلمِين... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التويجري-: فَيَا لَيْتَ شِعْرِي ماذا يقول أَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَنَسُ [بْنُ مَالِكٍ] وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرِو [بْنِ الْعَاصِ] وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَمَالِكُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَأَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ [الأَنْطَاكِيُّ]، لو رَأَوْا ما وقع بَعْدَهم مِنَ الحوادثِ الكثيرةِ والفِتَنِ؟!، وماذا يقولُ اِبْنُ الْقَيِّمِ وابْنُ رَجَبٍ [الْحَنْبَلِيُّ] لو رَأَيَا غُربةَ الإسلامِ الحقيقيِّ وأَهْلِه في أواخر القرن الرابع عشر كَيْفَ اِشتَدَّتْ واستَحكَمَتْ؟!، وماذا يقولون كُلُّهم لو رَأَوْا هذه الأزمانَ التي لم يَبْقَ فيها مِنَ الإسلامِ إلَّا اِسمُه ولا مِنَ القرآنِ إلَّا رَسْمُه؟!، قد رُفِعَتْ فيها رايَاتُ الكُفرِ والنِّفاقِ وبَلَغَتْ رُوحُ العِلْمِ والإيمانِ إلى التَّرَاقِي (وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ، وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ)، ونَزَلَ فيها الجَهْلُ وظَهَرَ وثَبَتَ وبُثَّ في مشارق الأرض ومغاربها كُلَّ البَثِّ ونُثَّ [أَيْ وتَفَشَّى] بين الناس كُلِّهم غايَةَ النَّثِّ، وهُجِرَتْ فيها السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ والطَّرِيقةُ السلفيَّةُ وهانَ أهلُها على الناس، وماذا يقولون لو رَأَوْا أكثرَ المُنتَسِبِين إلى الإسلامِ يُعَظِّمون الكفارَ والمُنافِقِين، ويَتسابَقون إلى تقليد أعداء الله في أقوالهم وأفعالهم، ويَتَنافَسون في مُشابَهَتِهم والحَذْوِ [أَيْ والسَّيْرِ] على مِثَالِهم؟!، قد أُعْجِبوا بِزَخارِفِهم الباطلةِ وآرائهم الفاسدةِ وقوانينِهم وسياساتِهم الجائرة الخاطئة الفاجرة، وافتُتِنوا بِمَدَنِيَّتِهم الزائفةِ الزائغةِ وما تَدعو إليه مِنَ التَّرَفِ واتِّباعِ الشَّهواتِ والأَشَرِ والبَطَرِ واللَّهْوِ واللَّعِبِ والغفلةِ عنِ اللهِ والدارِ الآخرةِ بل ما تدعو إليه مِنَ الإباحيَّةِ والانحِلالِ مِن دِينِ الإسلامِ بالكُلِّيَّةِ، وشُغِفوا بالصُّحُفِ والمَجَلَّاتِ وأخبارِ الإذاعاتِ، وما يُنشَرُ في الجميعِ مِنَ الخُرَافاتِ والهَذَيَاناتِ والخُزَعْبِلَاتِ وأنواعِ المُحَرَّماتِ، حتى دَخَلَ على كثير منهم مِنَ الشكوكِ والأوهامِ والشُّبُهات ما أَضَلَّهم عنِ الهُدَى وأوقَعَهم في مَهَامِهِ [أَيْ صَحْراواتِ] الغَيِّ والرَّدَى، فتَهاوَنوا بكثيرٍ مِنَ المأموراتِ وارتكبوا كثيرا مِنَ المحظوراتِ، وبسبب هذه الأفعال الذميمة اِنتَقَضَتْ عُرَى كثيرةٌ مِن عُرَى الإسلامِ واشتَدَّتْ غُربةُ الإيمانِ والسُّنَّةِ بين الأنامِ، حتى عادَ عند الأكثرِين المعروفُ مُنكَرًا والمُنكَرُ مَعروفًا والسُّنَّةُ بِدعةً والبِدعةُ سُنَّةً، نَشَأَ على ذلك صَغِيرُهم وهَرِمَ عليه كَبِيرُهم، فَيَا لَهَا مِنْ مُصِيبةٍ على الإسلامِ وأهلِه، مَا أَعْظَمَها وأَنْكَاهَا، وَيَا لَهَا مِنْ فِتَنٍ مُظلِمةٍ أَوْهَتْ [أَيْ أَضْعَفَتْ] قواعدَ الشريعةِ وهَدَمَتْ بِنَاهَا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التويجري-: وفي زَمانِنا لم يَبْقَ شيءٌ مِمَّا يَفعَلُه اليهودُ والنصارى والمجوسُ وغيرُهم مِن أُمَمِ الكفر والضلال إلَّا ويُفعَلُ مِثلُه في أكثَرِ الأقطار الإسلامية، ولا تَجِدُ الأكثَرِين مِنَ المُنتَسِبِين إلى الإسلامِ إلَّا مُهْطِعِينَ خَلفَ أعداءِ اللهِ يأخذون بِأَخْذِهم ويَحْذُون حَذْوَهم ويَتَّبِعون سُنَنَهم في الأخلاقِ والآدابِ واللِّباسِ والهَيْئاتِ والنِّظاماتِ والقوانينِ وأكثَرِ الأُمُورِ أو جَمِيعِها، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التويجري-: ولا تَرَى مُسلِمًا نَوَّرَ اللهُ قَلبَه بِنُورِ العِلمِ والإيمانِ إلَّا وهو في زَمانِنا كالقابض على الجمر، لا يَزالُ مُتَأَلِّمًا مُتَوِجِّعًا لِما يَرَى مِن كثرةِ النَّقصِ والتَّغيِيرِ في جميعِ أُمُورِ الدِّينِ، وانتِقاضِ الكثيرِ مِن عُرَى الإسلامِ، والتَّهاوُنِ بِمَبانِيه العِظامِ، ولِقِلَّةِ أعوانه على الخَيرِ وكَثرةِ مَن يُعارِضُه ويُناوِيه، فإنْ أَمَرَ بالمعروف لم يُقبَلْ منه، وإنْ نَهَى عنِ المُنكَرِ لم يَأْمَنْ على نَفسِه ومالِه، وأَقَلُّ الأحوالِ أنْ يُسخَرَ منه ويُستَهزَأَ به ويُنسَبَ إلى الحَمَقِ وضَعْفِ الرَّأْيِ، حيث لم يُمَشِّ حالَه مع الناسِ، وربما قُمِعَ مع ذلك وقُهِرَ واضطُهِدَ كما رَأَيْنا ذلك، وهذا مِصداقُ ما في حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الذي رَواه الطَّبَرَانِيُّ وغيرُه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {وَإِنَّ مِنْ إِدْبَارِ هَذَا الدِّينِ أَنْ تَجْفُوَ الْقَبِيلَةُ [أَيْ تَهجُرَ الْقَبِيلَةُ الدِّينَ] بِأَسْرِهَا، حتى لَا يُرَى فيها إِلَّا الْفَقِيهُ وَالْفَقِيهَانِ، فَهُمَا مقهوران ذَلِيلَانِ، إِنْ تَكَلَّمَا فَأَمَرَا بالمعروفِ ونَهَيَا عنِ المُنكَرِ قُمِعَا وقُهِرَا وَاضْطُهِدَا، فَهُمَا مقهوران ذَلِيلان لا يَجِدان على ذلك أعوانًا ولا أنصارًا}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التويجري-: إنَّ الجَهلَ قد عَمَّ وطَمَّ في هذه الأزمانِ، وعاد المَعروفُ عند الأكثَرِين مُنكَرًا والمُنكَرُ مَعروفًا، وأُطِيعَ الشُّحُّ [أَيْ أَطاعَ النَّاسُ البُخْلَ، فَلَا يُؤَدُّونَ الْحُقُوقَ] واتُّبِعَتِ الأهواءُ، وصارَ القُرَّاءُ الفَسَقةُ والمُتَشَبِّهون بالعلماءِ يُنكِرون على مَن رامَ تَغيِيرَ المُنكَراتِ الظاهرةِ، ويَعُدُّون ذلك تشديدًا على الناس ومُشاغَبةً لهم وتَنفِيرًا، وعندهم أنَّ تَمَامَ العَقلِ في السُّكوتِ ومُداهَنةِ الناسِ بِتَركِ الإنكارِ عليهم، وأن ذُرْوَةَ الكَمالِ والفَضلِ في الإلقاءِ إلى الناسِ كُلِّهم بالمَوَدَّةِ، وتَمشِيَةِ الحالِ معهم على أَيِّ حالٍ كانوا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التويجري-: وَقالَ اِبْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَه اللهُ تَعالَى [في كِتَابِه (مفتاح دار السعادة)] {إِيَّاكَ أنْ تَغْتَرَّ بِمَا يَغْتَرُّ بِهِ الجاهِلون، فإنَّهم يَقُولُونَ (لَو كَانَ هَؤُلَاءِ على حَقٍّ لَمْ يَكُونُوا أقَلَّ النَّاسِ عَدَدًا، وَالنَّاسُ على خِلَافِهم)، فَاعْلَمْ أن هَؤُلَاءِ هُمُ النَّاسُ وَمَن خالَفَهم فَمُشَبَّهون بِالنَّاسِ وَلَيْسوا بِنَاسٍ، فَمَا النَّاسُ إلَّا أهلُ الْحَقِّ وَإِنْ كَانُوا أقَلَّهم عَدَدًا؛ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (لَا يَكُنْ أَحَدُكُمْ إِمَّعَةً يَقُولُ "أَنَا مَعَ النَّاسِ"، لِيُوَطِّنْ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ عَلَى أَنْ يُؤْمِنَ وَلَو كَفَرَ النَّاسُ)}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التويجري-: فإنْ قالَ قائلٌ {لا نُسلِّمُ أنَّ الإسلامَ قد عادَ غَرِيبًا كَما بَدَأَ، لِأنَّنا نَرَى المُنتَسِبِين إلى الإسلام قد مَلَأوا مشارقَ الأرض ومغاربَها، وقد ذَكَرَ المُعتَنُون بإحصاءِ النُّفُوس أنَّ عِدَّتَهم الآنَ تَبْلُغُ أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفِ أَلْفٍ تقريبًا [قالَ الشيخُ عبدُالكريم بن حمود التويجري في تَقدِيمِه لهذا الكتابِ: التَّعْدادُ السُّكَّانِيُّ لِلمُسلِمِين في ذلك الوَقتِ [يَعنِي ما بَيْنَ عامِ 1375هـ وعامِ 1380هـ] أو قَبْلَه بِقَلِيلٍ كان أَرْبَعَمِائَةِ مِلْيُونٍ. انتهى]، ولا رَيبَ أنَّ المسلمين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا يَبْلُغون عُشْرَ هذا العَدَدِ ولا نِصْفَ عُشْرِه، فكَيْفَ يُقالُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ (إنَّ الإسلامَ قد عادَ غَرِيبًا كما بَدَأَ، وإنَّ أهلَه الآنَ غُرَباءُ)؟!}؛ قِيلَ، أَمَّا كَثرةُ مَن يَنتَسِبُ إلى الإسلامِ ويَدَّعِيه، وانتشارُهم في مَشارِقِ الأرضِ ومغاربِها، فهذا لا يُنكِرُه أَحَدٌ، وليس الشَّأْنُ في الانتسابِ والدَّعوَى، وإنما الشَّأْنُ في صِحَّةِ ذلك وثُبُوتِه، وماذا يُغنِي الانتسابُ والدَّعوَى إذا عُدِمَتِ الحقيقةُ؟!، وقد جاءَ عنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رحمه الله تعالى أنه قال {كان يقال (إنَّ الإِيمَانَ لَيْسَ بِالتَّحَلِّي وَلَا بِالتَّمَنِّي، وإنَّما الإِيمَانُ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ)}، وكذلك يقال في الإسلامِ الحَقِيقِيِّ إنه ليس بالانتساب والدَّعوَى المُجَرَّدةِ، فإن ذلك سَهْلٌ يَسِيرٌ على كُلِّ أَحَدٍ، وإنَّما الإسلامُ الحَقِيقِيُّ لُزومُ الْمَحَجَّةِ [الْمَحَجَّةُ هي جَادَّةُ الطَّرِيقِ (أَيْ وَسَطُهَا)، والمُرادُ بها الطَّرِيقُ المُستَقِيمُ] الْبَيْضَاءِ [أَيِ الواضِحةِ] التي تَرَكَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَه عليها، فمَن زاغَ عنها فهو هالِكٌ؛ إذا عُلِمَ هذا فالكلامُ على الإيرادِ [أَيْ على ما أَورَدَه القائلُ] مِن وُجوهٍ؛ أَحَدُها، أنَّ العددَ المذكورَ ليس بشيءٍ، إذ لا حقيقةَ لأكثَرِه، وإنَّما يقولُه بعضُ المُنتَسِبِين إلى الإسلامِ لِيُكاثِروا به غيرَهم مِنَ الأُمَمِ، وعند التحقيقِ وعَرْضِ المُنتَسِبِين على الإسلامِ الحقِيقِيِّ لا يَثْبُتُ مِن هذا العددِ إلا القليلُ [قلتُ: وبذلك يكونُ الشيخُ قد نَفَى الإسلامَ الحَقِيقِيَّ عن أكثَرِ المُنتَسِبِين إلى الإسلامِ، وسَيَأْتِيكَ قَرِيبًا أنَّ الشَّيخَ يَنْفِي أيضًا الإسلامَ الحُكْمِيَّ عن أكثَرِ المُنتَسِبِين إلى الإسلامِ] كما لا يَخفَى على مَن نَوَّرَ اللهُ قَلْبَه بِنُورِ العِلمِ والإيمانِ؛ الثاني، أنه لا يَغتَرُّ بهذه الكَثرةِ ويَحْسَبُها كُلَّها على الحَقِّ وعلى طريقٍ مستقيمٍ، إلَّا الأغبياءُ الجاهِلون بِدِينِ الإسلامِ الذِين لا فَرْقَ عندهم بين المُوَحِّدِين والمُشرِكِين ولا بين المُتَّبِعِين والمُبتَدِعِين، فأمَّا مَن عَرَفَ دِينَ الإسلامِ الذي بَعَثَ اللهُ به رسولَه محمدًا صلى الله عليه وسلم فإنَّه لا يَغتَرُّ بِمِثلِ هذا ولا يُرَوَّجُ عليه؛ الثالثُ، أنْ يُقالَ لِمَنِ اِغتَرَّ بهذا العَدَدِ وتَكَثَّرَ به، لَقَدِ اِستَسمَنْتَ ذا وَرَمٍ، وأعجَبَكَ جَهَامٌ [وهو السَّحَابُ الذي لا ماءَ فيه] قَلِيلٌ ماؤه، ومِثْلُ هذه الكَثرةِ التي أعجَبَتْكَ وظَنَنْتَها حَقًا كَمَثَلِ غُثَاءِ السَّيْلِ أَكْثَرُه زَبَدٌ وزِبْلٌ [الزَّبَدُ ما يَعلُو الماءَ وغَيرَه مِنَ الرَّغوةِ عند غَلَيَانِه أو سُرعةِ حَرَكَتِه، والزِّبْلُ رَوْثُ الحَيَواناتِ] وشَوْكٌ وما لا خَيرَ فيه، وَهَكَذَا أكثَرُ المُنتَسِبِين إلى الإسلامِ في هذا الزَّمانِ، قالَ اللهُ تعالَى {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}، وقال تعالى {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ، إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ، بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}، وما أكثَرَ مَن يَنتَسِبُ إلى الإسلامِ في زَمانِنا وَقَبْلَه بِقُرونٍ كَثِيرةٍ وَهُمْ مِن أولِياءِ الشَّيطانِ وحِزبِه [في فتوى صَوْتِيَّةٍ لِلشَّيخِ مُقْبِلٍ الوادِعِيِّ على مَوقِعِه في هذا الرابط، سُئِلَ الشيخُ {بَعضُ الناسِ يَذبَحُ لِغَيرِ اللهِ، وَيقولُ (نحن جُهَّالٌ)؛ فَهَلْ يُعذَرون بِالجَهلِ؟}، فَكانَ مِمَّا قالَه الشيخُ: مَساكِينُ مَساكِينُ آباؤنا وأجدادُنا، ما ذاقوا الدِّينَ وحَلاوةَ الدِّينِ، ولا ذاقوا العِلْمَ. انتهى. وقالَ الشيخُ فيصلٌ الجاسمُ (الإمامُ بوِزَارةِ الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت) في مقالةٍ له بعنوان (إضاءات في تاريخ الدعوة السلفية النجدية) على موقعِه في هذا الرابط: إنَّ هذه الحالةَ مِنَ الجَهَالةِ وذُيُوعِ الضَّلالةِ وانتشارِ مَظاهرِ الشِّركِ والعَمَايَةِ لم تَكُنْ خاصَّةً بتلك الفَتْرَةِ التي عاشَ فيها الإمامُ محمد بنُ عبدالوهاب، بَلْ سَبَقَتْ عَهْدَه بقُرونٍ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ الجاسمُ-: إنَّ سليمانَ بنَ عبدالوهاب [أَخَا الشيخِ محمد بنِ عبدالوهاب] أَحَدَ أَكْبَرِ خُصومِ الشيخِ [محمد بنِ عبدالوهاب] ومُعارِضِيه، بعدَ أنْ ذَكَرَ [في كِتَابِه (فصل الخطاب في الرد على محمد بن عبدالوهاب)] بعضَ أنواعِ الشِّركِ الأكبرِ التي أَنْكَرَها الإمامُ محمد بنُ عبدالوهاب على الناسِ، ومَثَّلَ بالذَّبحِ لغيرِ اللهِ، والنَّذرِ لغيرِ اللهِ، ودُعاءِ المَوتَى والاستغاثةِ بهم، قالَ [أَيْ سليمانُ بنُ عبدالوهاب] {ومعلومٌ عند الخاصِّ والعامِّ أنَّ هذه الأُمورَ مَلَأتْ بلادَ المسلمِين، وعند أهلِ العلمِ منهم أنَّها مَلَأتْ بلادَ المسلمِين أكثرَ مِن سَبْعِمِائَةِ سَنَةٍ}. انتهى]، وما أقَلَّ أهلَ الإسلامِ الحَقِيقِيِّ فيهم؛ الوَجهُ الرابِعُ، أنَّ أكثَرَ المُنتَسِبِين إلى الإسلامِ في هذه الأزمان ليس معهم مِنَ الإسلامِ ما يَعصِمُ الدَّمَ والمالَ [قلتُ: وبذلك يكونُ الشيخُ قد نَفَى الإسلامَ الحُكْمِيَّ عن أكثَرِ المُنتَسِبِين إلى الإسلامِ، لِأنَّ عِصمةَ الدَّمِ والمالِ مَدَارُهَا عَلَى ثُبوتِ الإسلامِ الحُكْمِيِّ لا الحَقِيقِيِّ]، فَضلًا عنِ الإسلامِ الحَقِيقِيِّ (الذي يُرادِفُ الإيمانَ)، وقد علَّق النبيُّ صلى الله عليه وسلم عِصمةَ الدَّمِ والمالِ بأُمُورٍ أكثَرُ المُنتَسِبِين إلى الإسلامِ الآنَ في مَعزِلٍ عنها أو عن بَعضِها كما لا يَخفَى على مَن عَرَفَ دِينَ الإسلامِ وعَرَفَ ما عليه أكثَرُ مَن يَدَّعِيه؛ الوَجهُ الخامِسُ، أنَّ أكثَرَ المُنتَسِبِين إلى الإسلامِ في هذه الأزمان مُحتاجون إلى الدُّعاءِ إلى الإسلامِ والتِزامِ شَرائعِه، كما دَعَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أشباهَهم وسَلَفَهم مِن أهلِ الجاهِلِيَّةِ، فمَن أجابَ منهم فهو المُسلِمُ له ما لِلمُسلِمِين وعليه ما على المُسلِمِين، واللهُ المسؤولُ أنْ يَنصُرَ دِينَه، ويُعلِي كَلِمَتَه، وأنْ يُظهِرَ دِينَه على الدِّينِ كُلِّه ولو كَرِهَ المُشرِكون، وأنْ يَبعَثَ لهذه الأُمَّةِ مَن يُجَدِّدُ لها دِينَها، دِينَ الحَقِّ الذي طُمِسَتْ في زَمانِنا أعلامُه واشتَدَّتْ غُربَتُه ولم يَبْقَ منه بين الأكثَرِين إلَّا اِسمُه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التويجري-: فإنْ قِيلَ {كُلُّ المُنتَسِبِين إلى الإسلامِ يقولون (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، وقد قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، فإذا قالوها عَصَموا مِنِّي دماءهم وأموالهم إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهم عَلَى اللَّهِ)، وقد أَنكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَتْلَه لِلرَّجُلِ بَعْدَ ما قالَ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، فَدَلَّ على أنَّ مَن قالَ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) فهو مُسلِمٌ مَعصومُ الدَّمِ والمالِ ولا يَضُرُّه مع الإتيانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ شَيْءٌ}؛ قِيلَ، هذه الشُّبهةُ قد اُبْتُلِيَ بها أكثَرُ الناسِ فَظَنُّوا أنَّ مُجَرَّدَ التَّكَلُّمِ بِالشَّهَادَتَيْنِ مانِعٌ مِنَ الكُفرِ، عاصِمٌ لِلدَّمِ والمالِ، ولو كانَ المُتَكَلِّمُ بهما مُرتَكِبًا ما يُنافِيهما ويُناقِضُهما، هذا ما يَتَوَهَّمُه كَثِيرٌ مِنَ الجُهَّالِ والضُّلَّالِ، وليس الأَمْرُ كَما يَظُنُّون... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التويجري-: اُنظُرْ إلى ما يَعتَقِدُه القبوريون في هذه الأزمان في نَفِيسةَ وزَينَبَ والبَدَوِيِّ والدُّسُوقِيِّ والْجِيلَانِيِّ، وغيرِهم مِنَ الأمواتِ، وما يَفعلونه عند القبور مِنَ الشركِ الأكبر، يَتَبَيَّنْ لك غُربةُ الدينِ، ويَتَّضِحْ لك وُجوبُ قِتالِ الأكثَرِين بَعْدَ إقامةِ الحُجَّةِ عليهم [قلتُ: سَبَقَ بَيَانُ أنَّ الحُجَّةَ الحَدِّيَّةَ (التي هي الاستِتابةُ) هي التي يَحِلُّ بها دَمُ المُشرِكِ ومالُه؛ بِخِلافِ تَكفِيرِه في أحكامِ الدُّنيا والآخِرةِ فَيَكفِي فيه قِيَامُ الحُجَّةِ الرِّسالِيَّةِ؛ وبِخِلافِ تَكفِيرِه في أحكامِ الدُّنيا فَقَطْ فَيَكفِي فيه قِيَامُ الحُجَّةِ الحُكمِيَّةِ]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التويجري-: إنَّ اللهَ تعالى يقول {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ، إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}، فَقَدْ كَفَّرَ تبارك وتعالى كُلَّ مَن دعا معه إلهًا آخَرَ، وأَطلَقَ، ولم يُقَيِّدْ ذلك بالإصرار بعدَ إقامة الحُجَّةِ؛ وقال تعالى {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ، وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ، وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}، فَسَمَّاهم (الْكَافِرِينَ) بِدُعائهم غيرَه، ولم يُقَيِّدْ ذلك بالإصرارِ بَعْدَ البَيَانِ؛ وقال تعالى {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}، قَالَ الْبَغَوِيُّ رحمه الله تعالى فِي تَفْسِيرِهِ [أَيْ لِهذه الآيَةِ] {لَا يُرْشِدُ لِدِينِهِ مَنْ كَذَبَ فَقَالَ (إِنَّ الآلِهَةَ لَتَشْفَعُ)، وَكَفَى بِاتِّخَاذِ الآلِهَةِ دُونَهُ كَذِبًا وَكُفْرًا}، ولم يَذكُرْ سبحانه في هذه الآيَةِ تَقيِيدًا بالإصرار بَعْدَ البَيَانِ، بَلْ أَطلَقَ ذلك؛ فَعُلِمَ أنَّ التَّقيِيدَ غُيرُ مُعتَبَرٍ، وأنه لا مانِعَ مِن إطلاقِ (الكُفْرِ) على مَنِ اِتَّصَفَ بالشركِ الأكبرِ؛ نَعَمْ، حِلُّ الدَّمِ والمالِ هو الذي يُعتَبَرُ فيه الإصرارُ بعدَ البَيَانِ، فمَن قامَتْ عليه الحُجَّةُ وأصَرَّ على المُخالَفةِ حَلَّ دَمُهُ ومالُه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التويجري-: وهذا الشركُ الأكبرُ الذي هو أظلم الظلم وأنكر المنكرات وأقبح القبائح وأعظم ذنب عُصي الله به وغاية أمنية إبليس لعنه الله، ما زال يَدِبُّ في هذه الأُمَّةِ دَبِيبَ السُّمِّ في جَسَدِ اللَّدِيغِ، حتى طَبَّقَ [أَيْ عَمَّ] مشارِقَ الأرضِ ومَغارِبَها، إِلَّا ما شاء الله منها وهو النَّزْرُ اليَسِيرُ، وقد سَرَى هذا الداءُ العُضالُ في هذه الأُمَّةِ قَدِيما (بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ المُفَضَّلةِ)، وما زال شره يستطير ويزداد على مَمَرِّ الأوقاتِ، حتى عادَتِ الجاهِلِيَّةُ الجَهلاءُ في أكثَرِ الأقطارِ الإسلاميةِ أعظَمَ مِمَّا كانَتْ عليه قَبْلَ بَعْثَةِ محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يَسلَمْ مِن غائلةِ هذا الداءِ القاتِلِ إلَّا مَن جَرَّدَ التوحيدَ لله ربِّ العالَمِين ولَزِمَ المُتابَعةَ للرسولِ صلى الله عليه وسلم، وما أقَلَّهم في هذه الأزمانِ المُظلِمةِ، فاللهُ المُستَعانُ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التويجري-: وبِالجُملةِ فالأُمُورُ الشركيَّةُ والعباداتُ الوَثَنِيَّةُ قد غَلَبَتْ على الأكثَرِين، وعَظُمَتْ فِتنَتُها في أكثَرِ الأقطارِ الإسلاميَّةِ، حتى عادَ غُصْنُ الشِّركِ فيها غَضًّا طَرِيًّا كما كان في زَمَنِ الجاهِلِيَّةِ الذي بُعِثَ فيه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وما أَعَزَّ مَن تَخَلَّصَ مِن شَرَكِ [أَيْ مِصيَدةِ] الشِّرْكِ في هذه الأزمانِ المُظلِمةِ، فاللهُ المُستَعانُ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التويجري-: زَمانُنا هذا نَجَمَ [أَيِ اِشْتَهَرَ] فيه النِّفاقُ الأكبَرُ فَضلًا عنِ الأصغَرِ، وسادَ فيه الجَهلُ وأَهْلُه، واشتَدَّتْ غُربةُ السُنَّةِ فيه، وعادَ المَعروفُ بين الأكثَرِين مُنكَرًا والمُنكَرُ مَعروفًا والسُّنَّةُ بِدعةً والبِدعةُ سُنَّةً... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التويجري-: ومِن أعظَمِ نِعَمِ اللهِ تعالى التي اِمتَنَّ بها علينا في هذه الأزمان الحالِكةِ بِظَلامِ الشركِ والكفرِ والنفاقِ والبِدَعِ والشُّكوكِ والشُّبُهاتِ، أنَّه سبحانه وتعالى أقامَ لنا الأئمَّةَ الأعلامَ ومَصابِيحَ الظَّلامِ، يَدعون إلى الخَيرِ ويأمُرون بالمَعروفِ ويَنْهَوْنَ عنِ المُنكَرِ ويُجاهِدون فِرَقَ الزَّيغِ والضَّلالِ ولا يَخافون في اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وأَعنِي بهم شَيخَ الإسلامِ أَبَا الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنَ تَيْمِيَّةَ وأصحابَه وأصحابَ أصحابِه، وشَيخَ الإسلامِ محمد بْنَ عبدالوهاب وأصحابَه وأصحابَ أصحابِه، ومَن سارَ على مِنهاجِ الجَمِيعِ في الدعوةِ إلى الله تعالى والذَّبِّ عن دِينِه والنَّصِيحةِ لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ، إلى يَومِنا هذا وقَلِيلٌ ما هُمْ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التويجري-: إذا عُلِمَ أن الإسلامَ الحقيقيَّ قد عادَ غَرِيبًا كما بَدَأَ، وأنَّ سَبَبَ اِغتِرابِه طُغيانُ الشركِ الأكبَرِ والكفرِ الأكبرِ والنِّفاقِ الأكبرِ والزَّندَقةِ والإلحادِ والبِدَعِ المُضِلَّةِ في أكثَرِ الأقطارِ الإسلاميَّةِ، وغَلَبَةُ ذلك على الأكثَرِين، فَلْيُعْلَمْ أيضًا أنَّ المُنكَرات التي فَشَتْ في المسلمين وظَهَرَتْ بين ظَهْرَانَيِ الأكثَرِين منهم ولم تُغَيَّرْ، قد زادَتِ الإسلامَ وَهَنًا على وَهَنٍ وغُربةً على غُربَتِه، في هذه الأزمان... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التويجري-: وَكُلُّ ما خَالَفَ القرآنَ أو السُّنَّةَ فهو مِن حُكمِ الجاهِلِيَّةِ، والتَّحاكُمُ إليه مِنَ التَّحاكُمِ إلى الطاغوتِ الذي أمَرَ اللهُ تعالى بالكفرِ به، ومِن هذا الباب التَّحاكُمُ إلى مَحاكِمِ النَّصارَى وغيرِهم مِن دُوَلِ الكفرِ، والرِّضَا بِقوانِينِهم وسِيَاساتِهم وأنظِمَتِهم التي وَضَعوها بآرائهم وأهوائهم، ما أنزَلَ اللهُ بها مِن سُلطانٍ، فَكُلُّ مَنِ اختارَ التَّحاكُمَ إليها على التَّحاكُمِ إلى الكِتابِ والسُّنَّةِ فهو مُرتَدٌّ عنِ الإسلامِ، وما أكثَرَ الواقِعِين في هذه الهُوَّةِ المُهلِكةِ عِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التويجري-: هذا الزمانُ اِشتَدَّتْ فيه غُربةُ الإسلام، وعادَ العِلمُ -عند الأكثَرِين- جَهلًا والجَهلُ عِلمًا، فاللهُ المُستَعانُ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التويجري-: ومِن أعظم المنكرات التي فَشَتْ في المسلمين -فانثَلَمَ [أَيْ فانهَدَمَ] بذلك الإسلامُ وازْدادَ غُربةً وضَعْفًا- تَضيِيعُ الصَّلاةِ، فكَثِيرٌ مِنَ المُنتَسِبِين إلى الإسلامِ عن صَلاتِهم ساهُون وبها مُتَهاوِنون، فَبَعضُهم يَترُكُها بالكُلِّيَّةِ، وبَعضُهم يُصَلِّي بَعضًا ويَترُكُ بعضًا، وبَعضُهم يَجمَعُ صَلاةَ الأُسْبُوعِ ونَحوِه ثم يَنقُرُها جَمِيعًا، وبَعضُهم يُصَلِّي الجُمعةَ ويَترُكُ ما سِوَاها، وكُلُّ هذا كُفرٌ كَما تَقَدَّمَ تَقرِيرُ ذلك بِأَدِلَّتِه مِنَ الكِتَابِ والسُّنَّةِ وإجماعِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم. انتهى باختصار. وقد أَثْنَى على الشيخِ حمود التويجري الشيخُ عبدُالسلام بنُ برجس (الأستاذ المساعد في المعهد العالي للقضاء بالرياض)، حيث قالَ في مقالةٍ بعنوان (الشيخُ حمود التويجري إلى رَحْمَةِ اللهِ) على موقِعِه في هذا الرابط: ولقد فَقَدْنا بدرًا منيرًا وعَلَمًا شهيرًا، طالما ارتشفنا مِن مَعِينِ فَضلِه وغزير علمه، ذلك البَدْرُ الوَضَّاءُ هو الشيخُ حمود التويجري، الذي انتقل إلى جوار ربه الكريم بعد صلاة المغرب من ليلة الأربعاء الموافق 6/7/1413هـ عن عمر يُقارِبُ الثَّمانِين، قَضَاهُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في العِلْمِ تَعَلُّمًا وتَعلِيمًا وتَأْلِيفًا، فَعَمَّ نَفْعُه وكَثُرَ بِرُّه وتَوالَى خَيْرُه، وطارَ ذِكْرُه الجَمِيلُ بَيْنَ العالَمِين، وعَلَا صِيتُه الحَسَنُ كُلَّ سَمْعٍ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ برجس-: أَلزَمَه الملكُ عبدُالعزيز [مُؤَسِّسُ الدولة السعودية الثالثة] بالقضاء ونَصَّبَه قاضِيًا في المنطقة الشرقية ثم في الزلفي، ثم طَلَبَ الشيخُ إعفاءَه فأُعْفِيَ وتَفَرَّغَ للتأليف... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ برجس-: أما عن مُؤَلَّفاتِه رَحِمَه اللهُ تعالى فهي غايَةٌ في التحقيقِ والتدقيقِ والعِنايَةِ، ومِمَّا تَمَيَّزَتْ به مُؤَلَّفاتُه كَوْنُ أكْثَرِها في الرَّدِّ على المُجانِبِين لِلصَّوابِ مِنَ المُؤَلِّفِين والكُتَّابِ (سواء كانَتِ المُجانَبةُ لِلصَّوابِ في الأُمورِ العَقَدِيَّةِ كَكُتَبِ أهلِ البدعِ والأهواءِ، أو المُجانَبةُ لِلصَّوابِ في المسائل الفِقهِيَّةِ) وهذا بابٌ لا أَعلَمُ مَن قام به وتَصَدَّى له في هذا الزمن مِثْلَه رَحِمَه اللهُ تعالى... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ برجس-: ومُؤَلَّفاتُه كثيرةٌ تَقْرُبُ من الثَّلاثِين نَصَرَ اللهُ بها الإسلامَ والسُّنَّةَ ودَحَضَ بها أهلَ الأهواءِ والبدعِ، نسألُ اللهَ سبحانه أن يرفعَ درجاتِه في عِلِّيِّين، وأن يُلهِمَ أهلَه وذَوِيهِ وطُلَّابَ العِلْمِ الصَّبرَ والاحتِسابَ [المُرادُ بالاحتِسابِ هُنَا الصَّبرُ على وَفاتِه مع اِدِّخارِ الأجرِ على صَبرِه عند اللهِ إلى يَوْمِ الحِسَابِ]، إنَّه سبحانه وَلِيُّ ذلك والقادِرُ عليه. انتهى باختصار. وجاءَ في كتاب (الرسائلُ المُتَبادَلةُ بين الشيخِ اِبْنِ باز والعلماءِ): هُوَ الشيخُ العَلَّامةُ حمود بن عبدالله التويجري 1334-1413هـ صاحبُ المؤلفاتِ الكثيرةِ النافعةِ، وكان من العلماء الذين لهم منزلة عند سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله فقد كان محبًا للشيخ حمود قارئًا لكتبه، وكان يقرظها ويكتب عليها المقدمات، ولَمَّا مَرِضَ الشيخُ حمود كان الشيخُ عبدُالعزيز يزوره، ولَمَّا تُوُفِّيَ الشيخُ حمود أمَّ الشيخُ عبدُالعزيز المُصَلِّين للصلاة عليه، رحمهما الله جميعًا. انتهى باختصار. وجاء في سيرة الشيخ حمود التويجري في مقالة على موقع الألوكة الذي يُشْرِفُ عليه الشيخُ سعدُ بنُ عبدالله الحميد (الأستاذ المشارك بقسم الدراسات الإسلامية في كلية التربية بجامعة الملك سعود بالرياض) في هذا الرابط: وقد تَصَدَّى [أَيِ الشيخُ حمود] لكل مَن حادَ عن سبيل الله مِنَ الكُتَّابِ المُعاصِرِين، وجَعَلَ يَرُدُّ عليهم بِقَلَمِه، مُنافِحًا عنِ السُّنَّةِ، مُدافِعًا عنِ العقيدةِ الصحيحةِ (عقيدةِ أهل السنة والجماعة)... ثم جاءَ -أَيْ في المَقالةِ-: الشيخُ الإمامُ محمد بنُ إبراهيم [هو الشيخُ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ (رئيس القضاة ومفتى الديار السعودية ت1389هـ)] رَحِمَه اللهُ كانَ يَكُنُّ للشيخِ حمود مَحَبَّةً عظيمةً، حتى إنَّه ذَاتَ مَرَّةٍ قالَ {الشيخُ حمود مُجاهِدٌ، جَزَاه اللهُ خَيرًا}... ثم جاءَ -أَيْ في المَقالةِ-: شَغَلَ الشيخُ حمود رَحِمَه اللهُ نَفْسَه بالتأليف والبحث عنِ الجُلوسِ لطلاب العلم، وهذا ما جَعَلَ الآخِذِين عنه قِلَّةً... ثم جاءَ -أَيْ في المَقالةِ-: للشيخِ حمود رحمه الله مَنزِلَتُه وثِقَلُه عند أهل العلمِ، وقد وَصَفَه عارِفوه بالتُّقَى والصَّلاحِ... ثم جاءَ -أَيْ في المَقالةِ-: واكتَفَى [أَيِ الشيخُ حمود] ببعض التِّجاراتِ التي لم يَكُنْ يَلِيها بِنَفْسِه، فَكانَ زاهِدًا في الدنيا، وقَبْلَ وفاتِه أعطَى أكبَرَ أبنائه جميعَ ما يَمْلِكُ -ولم يَكُنْ شَيئًا كَبِيرًا- لِيَتَصَدَّقَ به كُلِّه، فَلَمْ يَخْلُفْ رَحِمَه اللهُ وَراءَه عَقَارًا أو مالًا، سِوَى البَيْتِ الذي يَعِيشُ فيه مع أبنائه... ثم جاءَ -أَيْ في المَقالةِ-: تُوُفِّيَ [أَيِ الشيخُ حمود] في مدينةِ الرياض في 5/7/1413هـ، وصُلِّيَ عليه في مَسجِدِ الراجحي، ودُفِنِ في مَقبَرةِ النسيم في جَمْعٍ كَبِيرٍ مِنَ الناسِ فيهم العُلَماءُ وطُلَّابُ العِلْمِ، رَحِمَه اللهُ تعالى وأسكَنَه فِردَوسَه الأعلَى. انتهى باختصار. وجاء في مقالة على موقعِ إسلام ويب التابعِ لإدارةِ الدعوةِ والإرشادِ الدينيِّ بوِزَارةِ الأوقافِ والشؤونِ الإسلاميةِ بدولةِ قطر في هذا الرابط: هو الشيخُ العالِمُ العَلَّامةُ أبو عبدالله حمود بن عبدالله بن حمود بن عبدالرحمن التويجري، طُلب للعمل في مؤسسات علمية كثيرة، مثل الجامعة الإسلامية، دار الإفتاء، لكنه اعتذر عن ذلك كله وآثر التفرغ للعلم والبحث والتأليف؛ وقد قَدَّمَ لمؤلفاته عَدَدٌ من العلماء الأفذاذ من أمثال الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، والشيخ عبدالله بن محمد بن حميد رحمه الله، والشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله، والشيخ عبدالرزاق عفيفي رحمه الله، مما يدل على أهمية مؤلفات الشيخ حمود رحمه الله ومكانته العلمية المرموقة لدى هؤلاء العلماء. انتهى باختصار. وجاء في مقالة على موقعِ قناة الجزيرة الفضائية (القَطَرِيَّة) تحت عنوان (حمود التويجري، وَلَعٌ بالتَّأْلِيفِ وزُهْدٌ في المَناصِبِ) في هذا الرابط: حمود التويجري عالِمٌ وقاضٍ سُعُودِيٌّ، أفنى سنين طويلة في طَلَبِ العلم الشرعي، وقد أعرَضَ عن تَوَلِّي المَناصبِ وتَفَرَّغَ للبحث والتأليف، وأشاد بعلمه طلابُه وكِبارُ المشايخ في عصرِه. انتهى باختصار. وجاء على موقعِ المكتبة الشاملة في هذا الرابط: له [أَيْ لِلشَّيخِ حمود] العَدِيدُ مِنَ الرُّدودِ على مُعاصِرِيه، يُنافحُ فيها عنِ السُّنَّةِ، ويُدافِعُ عنِ العقيدةِ الصحيحةِ. انتهى.

 

(23)وقالَ الشيخُ أحمدُ شاكر (نائب رئيس المحكمة الشرعية العليا، الْمُتَوَفَّى عامَ 1377هـ/1958م) في (حُكْمُ الجاهِلِيَّةِ): أيَجُوزُ في شَرعِ اللهِ أنْ يُحكَمَ المُسلمون في بِلادِهم بِتَشرِيعٍ مُقتَبَسٍ عن تَشرِيعاتِ أُورُوبَّا الوَثَنِيَّةِ المُلحِدةِ، بَلْ بِتَشرِيعٍ لا يُبالِي واضِعُه (أَوَافَقَ شِرْعَةَ الإسلامِ أَمْ خالَفَها؟)، إنَّ المُسلِمِين لم يُبْلَوا بِهذا قَطُّ -فِيما نَعْلَمُ مِن تارِيخِهم- إلَّا في عَهدٍ مِن أَسوَأِ عُهودِ الظُّلمِ والظَّلامِ، في عَهدِ التَّتَارِ، ومع هذا فَإنَّهم لم يَخضَعوا له، بَلْ غَلَبَ الإسلامُ التَّتَارَ، ثم مَزَجَهم [أيْ مَزَجَ الإسلامُ التَّتَارَ] فَأدخَلَهم في شِرعَتِه، وزالَ أثَرَ ما صَنَعوا [أيِ التَّتَارُ] مِن سُوءٍ، بِثَباتِ المُسلِمِين على دِينِهم وشَرِيعَتِهم؛ وإنَّ هذا الحُكمَ السَّيِّئَ الجائرَ كانَ مَصْدَرُه الفَرِيقُ الحاكِمُ إذ ذاك، لم يَنْدَمِجْ فيه أحَدٌ مِن أفرادِ الأُمَّةِ الإسلامِيَّةِ المَحكُومةِ، ولم يَتَعَلَّموه ولم يُعَلِّموه أبناءَهم، فَمَا أَسْرَعَ ما زالَ أثَرُه، ولِذلك لا نَجِدُ له في التارِيخِ الإسلامِيِّ -فِيما أعلَمُ أنَا- أثَرًا مُفَصَّلًا واضِحًا، إلَّا إشارًة عالِيةً مُحكَمةً دَقِيقةً مِنَ العَلَّامِة الحافِظِ اِبنِ كَثِيرٍ المُتَوَفَّى سَنةَ 774هـ، [فَ]قَدْ ذَكَرَ في تَفسِيرِه، عند تَفسِيرِ قَولِه تَعالَى (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) فَقالَ {يُنْكِرُ تَعَالَى عَلَى مَنْ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ، النَّاهِي عَنْ كُلِّ شَرٍّ، وَعَدَلَ إِلَى مَا سِوَاهُ مِنَ الآرَاءِ وَالأهْوَاءِ وَالاصطِلَاحَاتِ الَّتِي وَضَعَهَا الرِّجَالُ بِلَا مُسْتَنَدٍ مِنْ شَرِيعَةِ اللَّهِ، كَمَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَحْكُمُونَ بِهِ مِنَ الضَّلَالَاتِ وَالْجَهَالَاتِ مِمَّا يَضَعُونَهَا بِآرَائِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ، وَكَمَا يَحْكُمُ بِهِ التَّتَارُ مِنَ السِّيَاسَاتِ الْمَلَكِيَّةِ الْمَأْخُوذَةِ عَنْ مَلِكِهِمْ جَنْكِيزْخَان الَّذِي وَضَعَ لَهُمُ (الْيَاسِقَ)، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كِتَابٍ مَجْمُوعٍ مِنْ أَحْكَامٍ قَدِ اِقْتَبَسَهَا عن شَرَائِعَ شَتَّى، مِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَالْمِلَّةِ الإسْلَامِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَفِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الأحكَامِ أَخَذَهَا مِنْ مُجَرَّدِ نَظَرِهِ وَهَوَاهُ، فَصَارَتْ فِي بَنِيهِ شَرْعًا مُتَّبَعًا يُقَدِّمُونَهُ [أيْ بَعْدَ ما أَعْلَنوا إسلامَهم] عَلَى الْحُكْمِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ يَجِبُ قِتَالُهُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَلَا يُحَكِّمُ سِوَاهُ فِي قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ}؛ أرَأيْتُم هذا الوَصفَ القَوِيَّ مِنِ اِبنِ كَثِيرٍ في القَرنِ الثامِنِ؟، ألَستُم تَرَوْنَه يَصِفُ حالَ المُسلِمِين في هذا العَصرِ في القَرنِ الرَّابِعَ عَشَرَ؟ إلَّا في فَرْقٍ واحِدٍ -أشَرْنا إليه آنِفًا- أنَّ ذلك كانَ في طَبَقةٍ خاصَّةٍ مِنَ الحُكَّامِ أتَى عليها الزَّمَنُ سَرِيعًا فاندَمَجَتْ في الأُمَّةِ الإسلامِيَّةِ، وزالَ أثَرُ ما صَنَعَتْ، ثم كانَ المُسلِمون الآنَ أسوَأَ حالًا منهم، لِأنَّ الأُمَّةَ كُلَّها الآنَ تَكادُ تَندَمِجُ في هذه القَوانِينِ المُخالِفةِ لِلشَّرِيعةِ [قالَ الشيخُ عبدُالله الغليفي في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): فانْظُرْ رَحِمَك اللهُ ورَعَاكَ، أَلَيْسَتْ دَساتِيرُ العَصْرِ في حُكْمِ (الْيَاسِقِ). انتهى. وقالَ الشيخُ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإِسْكَنْدَرِيَّةِ) في مُحاضَرة مُفَرَّغَةٍ على هذا الرابط: ما نَعِيشُه اليَومَ أَقْبَحُ وأَفْحَشُ مِن مُجَرَّدِ اِمتِناعِ طائفةٍ عن شَيْءٍ مِن أحكامِ الشَّرِيعةِ، فَما نحن فيه أَشَدُّ مِن ذلك، لِأنَّه ليس مُجَرَّدَ اِمتِناعٍ عن شَرِيعةٍ بَلْ نَبْذًا لِلدِّينِ... ثم قال -أَيِ الشيخُ المقدم-: والتَّتارُ أَفْضَلُ مِمَّن يَحْكُموننا الآنَ مِنْ حَيْثُ مَوْقِفُهم مِنَ الدِّينِ. انتهى]، والتي هي أشبَهُ شَيءٍ بِالياسِقِ الذي اِصطَنَعَه جَنْكِيزْخَان. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أحمدُ شاكر أيضًا في (حُكْمُ الجاهِلِيَّةِ): إنَّ الأمْرَ في هذه القَوانِينِ الوَضعِيَّةِ واضِحٌ وُضوحَ الشَّمسِ، هي كُفْرٌ بَوَاحٌ، لا خَفاءَ فيه ولا مُداراةَ، ولا عُذرَ لِأحَدٍ مِمَّن يَنتَسِبُ لِلإسلامِ -كائنًا مَن كانَ- في العَمَلِ بِها أو الخُضوعِ لَها أو إقرارِها، فَلْيَحذَرِ اِمْرُؤٌ لِنَفسِه، و{كُلُّ اِمْرِئٍ حَسِيبُ نَفْسِهِ}؛ ألا فَلْيَصْدَعِ العُلَماءُ بِالحَقِّ غَيْرَ هَيَّابِينَ، ولْيُبَلِّغوا ما أُمِرُوا بِتَبلِيغِه غَيْرَ مُوانِين [أيْ غَيْرَ مَفتُورِين] ولا مُقَصِّرِين؛ سَيَقولُ عَنِّي عَبِيدُ هذا (الياسق العصري [يَعنِي القَوانِينَ الوَضعِيَّةَ]) وناصِرُوه، أنِّي جامِدٌ، وأنِّي رَجْعِيٌّ، وما إلى ذلك مِنَ الأقاوِيلِ، ألا فَلْيَقولوا ما شاءُوا، فَما عَبَأْتُ يَومًا ما بِما يُقالُ عَنِّي، ولَكِنِّي قُلْتُ ما يَجِبُ أنْ أقُولَ. انتهى. وقالَ الشيخُ محمد بن إبراهيم (رئيس القضاة ومفتى الديار السعودية ت1389هـ) في (فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم): فَلِهذه المَحاكِمِ مَراجِعُ، هي القانونُ المُلَفَّقُ مِن شَرائعَ شَتَّى وقَوانِينَ كَثِيرةٍ، كالقانونِ الفَرَنْسِيِّ والقانونِ الأَمْرِيكِيِّ والقانونِ البِرِيطانِيِّ، وغَيرِها مِنَ القَوانِينِ، ومِن مَذاهِبِ بَعضِ المُدَّعِينَ المُنتَسِبِين إلى الشَّرِيعةِ، وغَيرِ ذلك، فَهذه المَحاكِمُ الآنَ في كَثِيرٍ مِن أمصارِ الإسلامِ مُهَيَّأَةٌ مُكَمَّلةُ، مَفتوحةُ الأبوابِ والناسُ إليها أسرابٌ إثْرَ أسرابٍ، يَحكُمُ حُكَّامُها بينهم بِما يُخالِفُ حُكمَ السُّنَّةِ والكِتابِ مِن أحكامِ ذلك القانونِ، وتُلْزِمُهم به وتُقِرُّهم عليه وتُحَتِّمُه عليهم، فَأَيُّ كُفرٍ فَوْقَ هذا الكُفرِ، وأَيُّ مُناقَضةٍ لِلشَّهادةِ بِأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ بَعْدَ هذه المُناقَضةِ. انتهى.

 

(24)وقالَ الشيخُ غلام الله رحمتي (رئيس المدرسين بالجامعة الأثرية ببيشاور، والمشرف على الدعاة التابعين لوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بمكتب الدعوة بإسلام آباد) في (مجلة البيان، التي يَرْأَسُ تحريرَها الشيخُ أحمد بن عبدالرحمن الصويان "رئيس رابطة الصحافة الإسلامية العالمية") تحت عنوان (شَهَادَةٌ على تَّجْرِبةِ طالبان): الأفغانُ أكثَرُهم جُهَّالٌ، ليس لهم عِلْمٌ، أكثَرُهم لا يَعِرفون شَيْئًا، ما مِن قَريَةٍ في أفغانِسْتانَ إلَّا فيها قُبورٌ تُعبَدُ مِن دُونِ اللهِ. انتهى باختصار.

 

(25)وقالَ الشيخُ عبدُالله الدويش (ت1409هـ) في (النَّقْضُ الرَّشِيدُ في الرَّدِّ على مُدَّعِي التَّشدِيدِ): ولا أقول أن جميع أهل هذه البلاد مشركون، ولكن الأغلب كذلك، فارجع النظر تعرف مصداق ذلك، هذا فيما يتعلق بتوحيد الألوهية؛ وأما توحيد الأسماء والصفات فغالبهم لا يَسلَمُ مِن بدعةٍ، وأحسَنُهم اِعتقادًا الذي على مذهب الأشاعرة... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الدويشُ-: وفي ذلك الوَقْتِ [يَعنِي عَهْدَ النُّبُوَّةِ] كانَ مَن أسلَمَ خَلَعَ الشِّركَ وتَبَرَّأَ منه لِعِلْمِهم بِمَعنَى (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، وأمَّا أهلُ هذه الأزمانِ فَإنَّهم لا يَعرِفون مَعناها [أَيْ مَعنَى (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)] بَلْ يَقُولونها وَهُمْ مُتَلَبِّسون بِالشِّركِ كَما لا يَخفَى... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الدويشُ-: هذه الأزمانُ اِشتَدَّتْ فيها غُربةُ الإسلامِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الدويشُ-: المنتسبون إلى الإسلام إذا صَلُّوا وَهُمْ مُتَلَبِّسون بِشِركِيَّاتٍ كالاعتِقادِ في الأمواتِ والاستِغاثةِ بِهم (كغالِبِ الذِين يَأْتون مِنَ الآفاقِ، فإنَّهم يُصَلُّون ويَصومون ويَحُجُّون ثم يَرجِعون إلى بِلادِهم مُتَلَبِّسِين بِهذه الشِّركِيَّاتِ)، مَعلومٌ أنَّ مَحَبَّةَ هؤلاء مُخالِفةٌ لِلكِتابِ والسُّنَّةِ وإجماعِ العلماءِ. انتهى باختصار. وقد أَثْنَى على الشيخِ الدويشِ الشيخُ عبدُالله البسام (عضوُ هيئة كبار العلماء)، حيث قالَ في (علماء نجد خلال ثمانية قرون): كانَ آيَةً في سُرعةِ الحِفْظِ والفَهْمِ مع الذَّكاءِ المُتَوَقِّدِ، وكانَ مُكِبًّا على كُتُبِ السَّلَفِ الصالِحِ، وكانَ عالِمًا بالعقيدة والتوحيد والتفسير والفقه والنحو، [وَقَدْ] أُعْجِبَ به عُلَماءُ زَمَنِه. انتهى باختصار. وأَثْنَى على الشيخِ الدويشِ أيضًا الشيخُ عبدالعزيز بن أحمد المشيقح (المستشار الدعوي بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بالمملكة العربية السعودية)، حيث قالَ في تَقدِيمِه لِكِتابِ (مجموعة مؤلفات الشيخ عبدالله الدويش): هو الشيخُ الحافظُ عبدُالله بن محمد بن أحمد الدويش أحَدُ عُلَماءِ المَملَكةِ العَرَبِيَّةِ السُّعودِيَّةِ، وهو مِن أعلامِ مِنْطَقةِ نَجْدٍ، نَشَأَ نَشْأَةً مُبارَكةً عُرِف مِن خِلالِها بِالصِّفاتِ الحَمِيدةِ والأخلاق الطَّيِّبةِ مِنَ العَفافِ والطَّهارةِ وحُسْنِ الخُلُقِ، وكانَ واسِعَ الأفُقِ، شَدِيدَ الفَهْمِ والحِفْظِ لِمَا يَقرَأُ ويُلقَى عليه، كانَ يَحفَظُ الأُمَّهاتِ السِّتَّ وغَيْرَها مِن كُتُبِ الحَدِيثِ. انتهى باختصار.

 

(26)وقالَ الشيخُ سيد إمام في (المُتاجِرون بِالإسلامِ): تَخَلَّتِ الدَّولةُ العثمانية عن أحكام الشريعة، وتَبِعَها علي ذلك والِيها على مِصرَ (محمد علي) في أوائلِ القَرنِ التَّاسِعَ عَشَرَ مِيلَادِيًّا فَحَكَمَ بِبعضِ القَوانِينِ الأُورُوبِّيَّةِ التي تَرجَمَها الْمُتَفَرْنِجُ رفاعة الطهطاوي [الْمُتَوَفَّى عامَ 1873م، وهو مِن أصحابِ المَدرَسةِ العَقلِيَّةِ الاعتِزالِيَّةِ]، فَعاقَبَ اللهُ مِصرَ بالاحتلال الإِنْجِلِيزِيِّ عام 1882م فَفَرَضَ [أَيِ الاحتِلالُ الإِنْجِلِيزِيُّ] الحُكمَ بِقوانِينِ أُورُوبَّا الكافِرةِ على مِصرَ بقوة الاحتلال وألغَى كُلَّ أحكام الشريعة إلَّا بعضَ أحكامِ الأُسرةِ [كالزواج والطلاق والميراث والوصية]، وبَرَّرَ له الأزهَرَيُّون هذا الكُفرَ، كما تَمَكَّنَ الاستعمارُ -بِتَحَكُّمِه في التعليم والإعلام- من إفساد عقول الناس حتى غَرَسَ فيهم كَراهِيَةَ الإسلامِ وشَرِيعَتِه، وقامَتْ ثَورةٌ شَعبِيَّةٌ عامَ 1919م لم تُطالِبْ بِالإسلامِ وإنَّما طالَبَتْ بِالاستِقلالِ فَزادَهم اللهُ ضَلالًا وتَعاسةً، وتَمَخَّضَ عن تلك الثَّورةِ إصدارُ دُستُورٍ عَلْمَانِيٍّ ([عامَ] 1923م) فَصَلَ الدِّينَ عنِ الدَّولةِ، وجَعَلَ الحكمَ بِالقَوانِينِ الكافِرةِ بإِرادةٍ شَعبِيَّةٍ بَعْدَمَا كان بقوة الاحتلال، وَسَمَّوْا هذه الإرادةَ الشعبيةَ بـ (الشَّرعِيَّةِ) في مُقابِلِ (الشَّرعِيَّةِ الإسلامِيَّةِ) [جاءَ على مَوقِعِ جَرِيدةِ (الأهرام) المِصرِيَّةِ تحت عُنوانِ (رئيسُ بَرْلَمانِيَّةِ الوَفْدِ "نَستَلهِمُ رُوحَ ثَورةِ 1919 لِلتَّضامُنِ خَلْفَ القِيادةِ السِّيَاسِيَّةِ") في هذا الرابط: أكَّد النائبُ (سليمان وهدان)، رئيس الهيئة البَرْلَمانِيَّةِ لِحزِبِ (الوَفْد)، أنَّ ذِكرَى ثورة 1919 (ثَورةَ الشعبِ المصريِّ ضِدَّ الاحتِلالِ) كانتْ وستظلُّ أَيْقُونةَ الثَوْراتِ ومُلهِمةَ الشعوبِ لِلتَّحَرُّرِ مِنَ الاستِعمارِ وتَرجَمةً للإرادةِ الشَّعبيَّةِ للمِصرِيِّين بقيادة (الوَفْدِ المصريِّ) بقيادةِ الزعيمِ (سعد زغلول) [جاءَ على موقع قناة (صدى البلد) الفضائية تحت عنوان ("أبو شقة" يَكتَسِحُ "الخولي" في اِنتِخاباتِ رِئاسةِ "حِزبِ الوَفْدِ") في هذا الرابط: قام نَفَرٌ مِنَ الوَطَنِيِّين المِصرِيِّين المُطالِبِين بِاستِقلالِ مِصْرَ عنِ التاجِ البِرِيطَانِيِّ [التاجُ البِرِيطَانِيُّ يُقصَدُ به تلك الدُّوَلُ التي تَقَعُ تحت حُكْمِ المَلَكِيَّةِ البِرِيطَانِيَّةِ وإن كانَ لها اِستِقلالٌ نِسْبِيُّ أو حُكومةٌ مُستَقِلَّةٌ مُنتَخَبةٌ دِيمُوقْرَاطِيًّا] وجَلاءِ قُوَّاتِ الاحتِلالِ الإِنْجِلِيزِيِّ عن مِصرَ، بِتَشكِيلِ (وَفْدٍ) لِلتَّفاوُضِ مع الإِنْجِلِيزِ، ثم ما لَبِثَ (الوَفدُ المِصرِيُّ) أنْ تَحَوَّلَ إلى (حِزبِ الوَفْدِ) بِزَعامةِ زَعِيمِ ثَورةِ 1919 سعد زغلول باشا. انتهى]؛ وأضاف (وهدان) في بَيانٍ له، أنَّ ثورةَ التاسِعِ مِن مارس 1919 ثَورةٌ شَعبِيَّةٌ شامِلةٌ خَرَجَتْ مِنَ القُرَى قَبْلَ أنْ تخرجَ مِنَ المُدُنِ، وانطَلَقَتْ مِنَ الشَّوارِعِ قَبْلَ أنْ تَنطَلِقَ مِنَ المَيادِينِ، وشارَكَ فيها جَميعُ طَوائفِ الشَّعبِ، وقادَتْ لِأوَّلِ دُستُورٍ عامَ 1923، والذي أدخَلَ مِصرَ إلى المَرحَلةِ الدِّيمُقْراطِيَّةِ بإجراءِ أوَّلِ اِنتِخاباتٍ نِيابِيَّةٍ عامَ 1924 بَعْدَ عَودةِ (سعد زغلول) مِنَ المَنفَى، وفازَ فيها الوَفدُ [يَعنِي حِزبَ الوَفْدِ. وقد جاءَ في مَقالةٍ بِعُنوانِ (التَّكَتُّلاتُ الانتِخابِيَّةُ في مِصرَ) على مَوقِعِ مَركَزِ الجَزِيرةِ لِلدِّراساتِ في هذا الرابط: ومِن أشهَرِ أحزابِ التَّيَّارِ اللِّيبرالِيِّ حِزبُ الوَفْدِ. انتهى] بأَغْلَبِيَّةِ المَقاعِدِ في البَرْلَمانِ، وشَكَّلَ (سَعْدٌ) أوَّلَ حُكومةٍ دُستُورِيَّةٍ، وشَرَعَ في مَساعِي تَحقِيقِ الاستِقلالِ التامِّ لِمِصرَ عن بِرِيطَانْيَا؛ وتابَعَ [أَيْ (وهدان)] {أنَّ ثَورةَ 1919 كانَتِ الشَّرارةَ التي بَدَأَتْ ومَهَدَّتْ لِحَرَكاتِ التَّحَرُّرِ مِنَ الاحتِلالِ واستِقلالِ الأقطارِ العَرَبِيَّةِ، وكانَ لِصُورةِ عِناقِ الهِلالِ والصَّلِيبِ مع هُتَافِ (سَعْدٌ يَحيَا سَعْدٌ) التي رَجَّتْ أرجاءَ الشَّوارِعِ أبلَغُ الصُّوَرِ عن تَضامُنِ وَوَحْدَةِ الشَّعبِ المِصرِيِّ في ثَورةِ 1919 ضِدَّ الاحتِلالِ، وفَشَلَتْ كُلُّ مَساعِي الاحتِلالِ بِبَثِّ أفكارٍ مَغلوطةٍ لِزَرعِ بُذورِ الفِتنةِ بين عُنصُرَيِ الأُمَّةِ [يَعنِي المُسلِمِين والنَّصارَى]}؛ ولَفَتَ (وهدان) إلى أنَّ خُروجَ المرأةِ المِصرِيَّةِ لِأوَّلِ مَرَّةٍ في مُظاهَراتٍ مُنَدِّدةً بِالاحتِلالِ ومُطالِبةً بِالحُرِّيَّةِ، تَأكِيدٌ على تَقدِيرٍ لِقِيمةِ ورِيَادةِ المرأةِ المِصرِيَّةِ، ورَسَّخَتْ 1919 لِإرادةِ الشَّعبِ المِصرِيِّ وكانَتْ مَحَطَّ تَقدِيرِ العالَمِ. انتهى باختصار]، ثم تَعَهَّدَتِ الحكومةُ المِصرِيَّةُ تَعَهُّدًا دُوَلِيًّا بأنْ تَستَمِرَّ في الحكمِ بالقوانينِ الكافرةِ وأنْ لا عَودةَ لِأحكامِ الإسلامِ وذلك عام 1937م (اِتِّفاقِيَّة مونترو) [قال سالم عبدالرحمن غميض (أستاذ القانون التجاري بجامعة البحرين، والمستشار القانوني لرئيس جامعة البحرين) في (لِنُراجِعْ تارِيخَ القانونِ): أمَّا في مُعاهَدةِ مونترو 1936 بين الحُكومَتَين الإِنْجِلِيزِيَّةِ والمِصرِيَّةِ اِشتَرَطَتْ بِرِيطَانْيَا على مِصرَ عَدَمَ جَوازِ الرُّجوعِ إلى أحكامِ الشريعةِ الإسلاميَّةِ، وقد تَقَرَّرَ هذا الشَّرطُ مَرَّةً أُخرَى في مُعاهَدةِ مونترو الثانِيَةِ سَنَةَ 1937. انتهى باختصار]، ورَحَلَتْ جُيُوشُ الاستِعمارِ عن مِصرَ [جاءَ في مَقالةٍ على مَوقِعِ جَرِيدةِ (اليَومُ السابِعُ) المِصرِيَّةِ بعنوان (حِكايَةُ 74 عامًا مِنَ الاحتِلالِ البِرِيطَانِيِّ لِمِصرَ): اِنتَهَى التَّواجُدُ الإِنْجِلِيزِيُّ رَسْمِيًا وفِعلِيًّا في أعقابِ ثَورةِ يوليو، وبِالتَّحدِيدِ في يَومِ 18 يونيو عامَ 1956. انتهى] ولَكِنْ بَقِيَتْ قوانينُه الكافرةُ تَحكُمُنا، فاستَمَرَّ الاحتِلالُ التَّشرِيعِيُّ لِمِصرَ وصَبَغَ البِلادَ بِصِبغَتِه الإباحِيَّةِ الإلحادِيَّةِ مِن إباحةِ المُحَرَّماتِ وإشاعةِ الفجورِ وإماتةِ الفضائلِ والنَّخوةِ بين الناسِ حتى شاعَتْ بينهم المَظالِمُ والرَّذائلُ بِلَا نَكِيرٍ [قالَ الشيخُ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإِسْكَنْدَرِيَّةِ) في مُحاضَرة بعنوان (المؤامرة على التعليم) مُفَرَّغَةٍ على هذا الرابط: رَغْمَ خُروجِ الإِنْجِلِيزِ مِن مِصْرَ، لكنْ ظَلَّتْ سِيَاسَتُهم التَّعلِيمِيَّةُ هي السائدةَ ولم تَتَغَيَّرْ عن طَرِيقِها ولم تَحِدْ أبدًا. انتهى. وقالَ الشيخُ محمد إسماعيل المقدم أيضًا في (دروس الشيخ محمد إسماعيل المقدم): وأَوَّلُ شُؤْمٍ بَعْدَ سُقُوطِ الخِلافةِ [يَعْنِي الدَّولةَ العُثمانِيَّةَ] وضَعْفِ المُسلِمِين في تلك المَرحَلةِ هو تَقْسِيمُ الأُمَّةِ الإسلامِيَّةِ إلى أقالِيمَ جُغرافِيَّةٍ مُتَعَدِّدةٍ على أَيْدِي أعداءِ الإسلامِ من الإنْكِلِيزِ والْفَرَنْسِيِّين وغيرِهم مِن أعداءِ اللهِ سُبْحانَه وتَعالَى، تَطبِيقًا لِمَبْدَئِهم المَعروفِ {فَرِّقْ تَسُدْ}؛ والأثَرُ الثانِي أنَّ هذه الأقالَيمَ خَضَعَ مُعظَمُها للاستعمارِ العَسْكَرِيِّ الكافِرِ سَوَاءٌ إنْجِلْترَا أو فَرَنْسَا أو إيطَالْيَا أو هُولَنْدَا أو رُوسْيَا، ثم حَكَمَتْها حُكوماتٌ أقامَها الاستِعمارُ مِمَّن يُطِيعُه مِمَّا نَستَطِيعُ أنْ نُسَمِّيَه اِستِعمارًا وَطَنِيًّا. انتهى باختصار]. انتهى باختصار.

 

(27)وقالَ الشيخُ إبراهيمُ الدميجي في (صَفحةٌ مَطْوِيَّةٌ مِن تارِيخِ الجَزِيرةِ العَرَبِيَّةِ): ثمّ دارَ الزَّمانُ دَوْرَتَه، وبَثَّ الشيطانُ سَرَايَاهُ لِتَتَلَقَّفَ ما استطاعَتْ مِن أُمَّةِ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، وتُخْرِجَهم مِنَ النُّورِ إلى الظُّلُماتِ، فخَرَجَ النَّاسُ مِن دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا بَعْدَ ما دَخَلُوه أَفْوَاجًا!، ويَشْهَدُ بذلك كُلُّ ناقدٍ بَصِيرٍ قَرَأَ ذلك التَّارِيخَ وتَلَوَّعَ بدَوَاهِيه وأخبارِه ورَأَى فُشُوَّ الشركِ بَيْنَ النَّاسِ (فَصَارَ عندَهم مألوفًا معروفًا غيرَ مُنْكَرٍ)، والوَثَنِيَّةَ الّتي قد ضَرَبَتْ أَطْنَابَها بَيْنَ ظَهْرَانَيْ مَنْ يَدَّعُون الإسلامَ، وأَصْبَحَ المعروفُ مُنْكَرًا والمُنْكَرُ معروفًا، وبُدِّلَتِ السُّنَنُ، وأُمِيتَتِ الشَّرِيعةُ، وظَهَرَتْ قُرونُ البِدَعِ بَلْ شُخُوصُها، ودُعِيَ المَوْتَى مِن دُونِ اللهِ، واعْتَقَدَ الرِّعَاعُ بمُتَصَرِّفِين مع اللهِ في الكَوْنِ، وتَسَلَّطَ السَّحَرَةُ والكَهَنَةُ عليهم، وانْدَرَسَ الدِّينُ، وصارَ القابضُ على دِينِه بالبَرَاءَةِ والإنكارِ كالقابِضِ على الجَمْرِ، وأَصْبَحَ التَّوحيدُ غَرِيبًا والمُوَحِّدُون غُرَبَاءَ (حتّى وإنْ كانوا عُلَمَاءَ!)، فَأَمَامَهم مَوْجٌ مُتَلَاطِمٌ مِن وَبَاءِ الجاهِلِيَّةِ الأُولَى، فنَشَأَ على هذا الصَّغِيرُ وهَرِمَ عليه الكبيرُ، حتّى رَحِمَ اللهُ أُمَّةَ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بدَعْوَةِ الإمامِ المُجَدِّدِ لِمَا انْدَرَسَ مِن مَعَالِمِ الإسلامِ، في النِّصْفِ الثَّانِي مِنَ القَرْنِ الثَّانِيَ عَشَرَ [الهِجْرِيِّ]، وهو الإمامُ محمد بْنُ عبدالوهَّاب الَّذِي نسألُ اللهَ تعالى أنْ يَجْزِيَهُ عَنَّا خَيْرَ ما جَزَى مُصْلِحًا عن أُمَّتِه، وعالِمًا عن أمانَتِه ودَعْوَتِه، ولكنَّ ذلك البَّعْثَ التَّجْدِيدِيَّ لِدَعوةِ الإمامِ المُصْلِحِ لم يَكُنْ لِيَنْجَحَ ويُفْلِحَ لَوْلَا لُطْفُ اللهِ تعالى وتَوْفِيقُه، ثُمَّ التَّضْحِيَاتُ تِلْوَ التَّضْحِيَاتِ مِنَ الدِّماءِ الطَّاهراتِ الزَّاكِيَاتِ، مِمَّنِ اِعتنقوا الإسلامَ المَحْضَ، والإيمانَ الصَّافِيَ مِن شَوَائبِ البِدَعِ والخُرَافاتِ والضَّلالاتِ والمُحْدَثَاتِ والشَّهَواتِ؛ وكافحَ العلماءُ الصَّادِقون وطُلَّابُهم وجُنودُهم، يَتَقَدَّمُهُمْ أُمَرَاؤُهم مِن آلِ سعودٍ المَيَامِين [أَيِ المُبَارَكِين، ومَيَامِين جَمْعُ مَيْمُون]، فاتَّحَدَ اللِّسانُ والسِّنَانُ [السِّنَانُ هو نَصْلُ السَّهْمِ والسَّيْفِ والرُّمْحِ]، والرُّمْحُ والبرهانُ، والكِتابُ والسَّيْفُ، والعلماءُ يُبَصِّرُون الناسَ بدِينِهم، ويُفَقِّهُونهم شَرِيعَتَهم، ويَأْمُرُونهم بالمعروفِ، ويَنْهَوْنَهُمْ عنِ المُنْكَرِ، ويَأْطُرُون جُهَّالَهم على الحَقِّ أَطْرًا؛ وابْتَدَءُوا جِهادَ المُخالِفِين مِنَ المُشركِين ومَن وَقَفَ دُونَهم سَنَةَ 1157[هـ] حين وُلِدَتْ دَولةُ مِنْهاجِ النُّبُوَّة،ِ وهي الدَّولةُ السُّعوديَّةُ الأُولَى، مِن عَهْدِ الإمامِ المُوَفَّقِ محمد بْنِ سعود (ت1179[هـ])، ثمَّ ابْنِه الإمامِ المُجاهدِ الشَّهيدِ عبدِالعزيز (ت1218[هـ])، ثمَّ مِن بعدِه سُعُودٍ [الكبيرِ] (ت1228[هـ])، ثمَّ الشَّهيدِ عبدِالله [بنِ سعودٍ الكبيرِ اِبنِ عبدالعزيز بن محمد بن سعودٍ] (ت1234[هـ]) الذي قَتَلَتْه يَدُ دولةِ التَّصَوُّفِ والتَّعَصُّبِ، دَولةِ آلِ عُثْمَانَ [يَعنِي الدولةَ العثمانيةَ]، بعدَ ما هَدَمَتِ الدِّرْعِيَّةَ مَأْرَزَ [أَيْ مَلْجَأَ] العِلْمِ والتَّوْحِيدِ في ذلك العَصْرِ! ويَكْفِي أنْ تَقْرَأَ وَصْفَها [أَيْ وَصْفَ الدِّرْعِيَّةِ] في عِزِّ مَجْدِها مِن تارِيخِ اِبنِ غَنَّامٍ [المُسَمَّى بـ (روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام)] حتّى تَعْرِفَ قَدْرَ جِنَايةِ وجُرْمِ مَن سَوُّوهَا بالتُّرَابِ مِن فَوقِ جُثَثِ عِبادِ اللهِ وحُمَاةِ التّوحيدِ وحُرَّاسِ المِلَّةِ، في تلك الأيَّامِ الحَزِينةِ ولَيَالِيها الثَّكَالَى الباكِيَةِ؛ ومِن ثَمَّ ضَعُفَ أَمْرُ التّوحِيدِ وأهلِهِ في نُفُوسِ النَّاسِ، وعادَ الشِّركُ على اِسْتِحِيَاءٍ شَيئًا فَشَيئًا، ثمَّ تَنَامَتْ خَلَايَاه السَّرَطَانِيَّةُ بقُوَّةٍ وبسُرْعةٍ، خاصَّةً كُلَّما ابْتَعَدَ النَّاسُ عن مَهْدِ حركةِ الإصلاحِ بنَجْدٍ مَكانًا وزَمانًا. انتهى باختصار.

 

(28)وقالَ سعودٌ الكبيرُ ابنُ عبدالعزيز بن محمد بن سعودٍ (ثالثُ حُكَّامِ الدَّولةِ السعوديةِ الأُولَى، والْمُتَوَفَّى عامَ 1229هـ) في رِسَالَتِه إلى الأميرِ العثمانيِّ في بَغْدَادَ (سليمانَ باشا الكبيرِ): وأمَّا ما ذَكَرْتَ {إنَّا نَقْتُلُ الكُفَّارَ}، فهذا أمرٌ ما نَتَعَذَّرُ عنه ولم نَسْتَخْفِ فيه، ونَزِيدُ في ذلك إنْ شاءَ اللهُ، ونُوصِي به أبناءَنا مِن بَعْدِنا، وأبناؤنا يُوصُونَ به أبناءَهم مِن بَعْدِهم، كما قالَ الصَّحَابِيُّ [يَعنِي الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ] {عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدًا}، ونُرْغِمُ أُنُوفَ الكفارِ ونَسْفِكُ دِماءَهم ونَغْنَمُ أموالَهم، بحَوْلِ اللهِ وقُوَّتِه، ونَفْعَلُ ذلك اتِّباعًا لا ابْتِدَاعًا، طاعةً للهِ ولرسولِه، وقُرْبَةً نَتَقَرَّبُ بها إلى اللهِ تعالى، ونَرْجُو بها جَزِيلَ الثَّوابِ بقولِه تعالى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ، فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، وقولِه {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، وَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ، نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}، وقولِه تعالى {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} الآيَةَ، وقولِه {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ} الآيَةَ، ونَرْغَبُ فيما عند اللهِ مِن جَزِيلِ الثَّوابِ حيث قالَ تعالى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ، يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ، وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ، وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ، فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ، وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، وقال تعالى {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ، ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ، ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا، نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ، وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}، والآياتُ والأحاديثُ ما تُحْصَى في الجِهادِ والتَّرْغِيبِ فيه؛ وَلَا لَنَا دَأْبٌ إلَّا الجِهادُ، ولَا لَنَا مَأْكَلٌ إلَّا مِن أموالِ الكفارِ، فيَكُونُ عندكم معلومًا أنَّ الدِّينَ مَبْنَاه وقَواعِدَه، على أَصْلِ العبادةِ للهِ وَحْدَهُ لا شريكَ له، ومُتابَعةِ رسولِه صلى اللهُ عليه وسلم باطِنًا وظاهِرًا، كما قال تعالى {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}... ثم قالَ -أَيْ سعودٌ الكبيرُ-: وأَمَّا ما ذَكَرْتَ مِن مَسْكَنِنا في أوطانِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ [يَعنِي بِلَادَ نَجْدٍ]، فالأماكنُ لا تُقَدِّسُ أَحَدًا ولا تُكَفِّرُه، وأَحَبُّ البِقَاعِ إلى اللهِ وأَشْرَفُها عنده مَكَّةُ، خَرَجَ منها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وبَقِيَ فيها إخوانُك أَبُو جَهْلٍ وأَبُو لَهَبٍ ولم يكونوا مُسلِمِين... ثم قالَ -أَيْ سعودٌ الكبيرُ-: وقَولُك {إنَّا أَخَذْنا كَرْبَلَاءَ، وذَبَحْنا أَهْلَها، وأَخَذْنا أَمْوالَها}، فالحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمِين، ولَا نَتَعَذَّرُ مِن ذلك [أيْ لا نَعْتَذِرٌ نحن أصحابُ الدَّعوةِ النَّجْدِيَّةِ السَّلَفِيةِ عن أَخْذِنا كَرْبَلَاءَ، وذَبْحِنا أَهْلَها، وأَخْذِنا أَمْوالَها]، ونَقولُ {وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا}... ثم قالَ -أَيْ سعودٌ الكبيرُ-: وما ذَكَرْتَ مِن جِهَةِ الحَرَمَين الشريفَين، الحَمدُ للهِ على فَضْلِه وكَرَمِه حَمْدًا كَثِيرًا كما يَنْبَغِي أنْ يُحمَدَ، وعَزَّ جَلَالُه، لَمَّا كان أهلُ الحَرَمَين [أَيْ مَكَّةَ والمَدِينةِ] آبِين عنِ الإسلامِ ومُمْتَنِعِين عنِ الانقيادِ لأَمْرِ اللهِ ورسولِه ومُقِيمِين على مِثْلِ ما أنت عليه اليَومَ مِنَ الشِّركِ والضَّلالِ والفَسادِ، وَجَبَ علينا الجِهادُ بِحَمدِ اللهِ فيما يُزِيلُ ذلك عن حَرَمِ اللهِ [أَيْ مَكَّةَ] وحَرَمِ رسولِه صلى الله عليه وسلم [أَيِ المَدِينةِ] مِن غَيرِ اِستِحلالٍ لِحُرْمَتِهما. انتهى من (الدُّرَر السَّنِيَّة في الأجوبة النَّجْدِيَّة).

 

(29)وقالَ الشيخُ الحسنُ الكتاني (رئيس الرابطة العالمية للاحتساب) في (الأجوبة الوفية عن الأسئلة الزكية): والدَّعوةُ النَّجْدِيَّةُ جاهَرَتْ بِتَكفِيرِ المُستَغِيثِين بِغَيرِ اللهِ تَعالَى، واستَحَلَّتْ دِماءَهم ودِماءَ كُلِّ مَن وَالَاهُمْ أو دَافَعَ عنهم أو رَكَنَ إليهم، وحَكَمَتْ على عَساكِرِهم وقُرَاهُمْ بالرِّدَّةِ والكُفْرِ، فغَنَمَتْ أموالَهم وسَبَتْ ذَرَارِيَّهُمْ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الكتاني-: فَتَكَلَّمَ الناسُ في هذا [أَيْ في خُروجِ النَّجْدِيِّين على الدَّولةِ العُثمانِيَّةِ وتَكفِيرِهم لها] وعَدُّوه شَقًّا لِلصَّفِّ ومُنازَعةً لوَلِيِّ الأَمْرِ (وهو السُّلطانُ العُثمانِيُّ)، وقد كانَ رَدُّ النَّجْدِيِّين هو أنَّ الدَّولةَ العُثمانِيَّةَ هي حامِيَةُ الشِّركِ والدَّاعِيَةُ إليه، ثم لَمَّا غَيَّرَتْ [أَيِ الدَّولةُ العُثمانِيَّةُ] الشَّرعَ واستَبدَلَتِ القانونَ السِّوِيسْرِيَّ في القَوانِينِ الجِنَائيَّةِ وفي غَيْرِها به كَفَّرُوها أيضًا لِتَرْكِها التَّحاكُمَ لِلشَّرعِ. انتهى.

 

(30)وقالَ الشيخُ محمد الشويعر (مستشار مفتي عام المملكة العربية السعودية، ورئيس تحرير مجلة البحوث الإسلامية) في كتابِه (تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية): والذي يَرْجِعُ لِمَبْدَأِ [أَيْ لِبِدَايَةِ] البِناءِ على القُبورِ في العالَمِ الإسلاميِّ يَرَاه مُرتَبِطًا بِقِيامِ دَوْلَةِ الْقَرَامِطَةِ في (الجزيرةِ العربِيَّةِ) و[دَوْلَةِ] الفاطِمِيِّين في (الْمَغْرِبِ ثم في مِصْرَ) [قلتُ: قامَتِ الدَّوْلَةُ العُبَيْدِيَّةُ (الفاطِمِيَّةُ) -في زَمَنِ حُكْمِ الدَّوْلَةِ العباسيةِ- عامَ 297هـ وانْتَهَتْ عامَ 567هـ. وقالَتْ هداية العسولي في (تاريخ فلسطين وإسرائيل عَبْرَ العصور): سَيْطَرَتِ الدَّوْلَةُ الفاطِمِيَّةُ على الْمَغْرِبِ العَرَبِيِّ [الْمَغْرِبُ العَرَبِيُّ يَشْمَلُ (تونسَ والمغربَ والجزائرَ وليبيا وموريتانيا)] ومِصْرَ ودُوَلِ الشَّامِ. انتهى. وقالَ شوقي أبو خليل في (أطلس الفِرَق والمذاهب الإسلامية): بَقِيَتْ دَوْلَتُهم [أَيْ دَوْلَةُ الْقَرَامِطَةِ] مِن عامِ 277هـ/890م وحتى 470هـ/1078م، وسَيْطَرَتْ على جَنُوبِ الجزيرةِ العربِيَّةِ واليمنِ وعُمان، ودَخَلَتْ دِمَشْقَ، ووَصَلَتْ حِمْصَ وَالسَّلَمِيَّةَ. انتهى. وقال يوسف زيدان في (دوامات التدين): ففي تلك الفَتْرَةِ (مُنْتَصَفِ القَرْنِ الرابعِ الهِجْرِيِّ) كانَتِ الرُقْعَةُ الجُغرافِيَّةُ الواسِعةُ المُشتمِلةُ على شَمَالِ إفْرِيقِيَا ومِصْرَ وجَنُوبِ الشَّامِ والجزيرةِ العَرَبِيَّةِ، مِنْطَقةَ نُفُوذٍ شِيعِيٍّ (إِسْمَاعِيلِيٍّ)، سَوَاءٌ كانَ فاطِمِيًّا في أنحاءِ مِصْرَ والْمَغْرِبِ، أو قَرْمَطِيًّا في حَوَافِ الشَّامِ والجزيرةِ. انتهى. وجاءَ في كتابِ (الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة) للشيخَين ناصر القفاري (رئيس قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة القصيم) وناصر العقل (رئيس قسم العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض): فالقُبُورِيَّةُ مِنَ البِدَعِ الشِّركِيَّةِ التي تُرَوِّجُها الطُّرُقُ الصُّوفِيَّةُ، وأَوَّلُ مَن ابْتَدَعَها ونَشَرَها الرَّافِضةُ وفِرَقُهم كالفاطِمِيِّين والْقَرَامِطَةِ. انتهى]، ولكنَّ العُلماءَ لا يُحَرِّكون ساكِنًا لِأنَّ جَوْهَرَ العَقِيدةِ -وهو المُحَرِّكُ لذلك- قد ضَعُفَ، بَلْ بَلَغَ الأَمرُ إلى [أنَّ] الجِهةَ التي لا يُوجَدُ فيها أَوْلِيَاءُ يُبْنَى على قُبورِهم، كانَ الناسُ يَبْحَثون عن شَيءٍ يَتَعَلَّقون به كالشَّجَرِ والحَجَرِ والمَغَاراتِ [(مَغَاراتٌ) جَمْعُ (مَغارةٍ) وهي بَيْتٌ مَنقُورٌ في الجَبَلِ أو الصَّخْرِ] وغَيرِها، ومَن يُدرِكُ مِنَ العُلماءِ ضَرَرَ ما وَقَعَ فيه الناسُ مِن خَلَلٍ وبُعْدٍ عنِ العَقِيدةِ الصافِيَةِ فإنَّه تَنْقُصُه الشَّجاعةُ في إظهارِ الأَمْرِ، ولا يَستَطِيعُ الجَهْرَ خَوْفًا مِنَ العامَّةِ التي تَدْعَمُها السُّلطةُ. انتهى.

 

(31)وقالَ الشيخُ ناصرُ بنُ حمد الفهد (المُتَخَرِّجُ مِن كُلِّيَّةِ الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، والمُعِيدُ في كُلِّيَّةِ أصول الدين "قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة") في (الدولة العثمانية وموقف دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب منها): فهذا بَحْثٌ مُختَصَرٌ يُبَيِّنُ حَقِيقةَ الدولةِ العثمانيةِ التي يَنْعِقُ كثيرٌ -مِمَّن يُسَمَّوْنَ بـ (المُفَكِّرِين الإسلامِيِّين)- بمَدْحِها والثَّناءِ عليها ووَصِفِها بأنَّها آخِرُ مَعْقِلٍ مِن مَعاقِلِ الإسلامِ والذي بهَدْمِه ذَهَبَتْ عِزَّةُ المسلمِين [سُئِلَ الشيخُ مُقْبِلٌ الوادِعِيُّ في شَرِيطٍ صَوتيٍّ مُفَرَّغٍ على هذا الرابط بعنوان (الجزءُ الثاني مِن "تحذير الدارِسِ مِن فِتنةِ المدارسِ"): في مادَّةِ التاريخِ، يُدَرَّسُ عندنا (الاستِعمارُ العُثمانِيُّ)، بَدَلَ أنْ يُسَمُّوه (الخِلَافةَ العُثمانِيَّةَ) يُسَمُّوه (الاستِعمارَ العُثمانِيَّ)؟. فأجابَ الشيخُ: أَنَا لا أَتَأَسَّفُ مِمَّا قِيلَ في العُثمانِيِّين ولا أَحزَنُ لِهَذا، ولكنِ الذي نَنْصَحُ به أنْ تُدَرَّسَ سِيرةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسِيرةُ أبي بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ محمد قطب (الحاصلُ على "جائزة الملكِ فَيْصَلٍ العالَمِيَّة في الدِّراساتِ الإسلامِيَّةِ") في كتابِه (واقعنا المعاصر): لقد كانَتِ الصوفيةُ قد أخذتْ تَنتَشِرُ في المُجتمعِ العَبَّاسِيِّ ولَكِنَّها كانَتْ رُكْنًا مُنْعَزِلًا عنِ المُجتَمَعِ، أمَّا في ظِلِّ الدولةِ العثمانيةِ فقد صارَتْ هي المُجتمعَ وصارَتْ هي الدِّينَ. انتهى باختصار]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الفهدُ-: إنَّ مَنْ يَتَأَمَّلُ حالَ الدولةِ العثمانيةِ -مُنْذُ نَشْأَتِها وحتى سُقُوطِها- لا يَشُكُّ في مُساهَمَتِها مُساهَمةً فِعليَّةً في إفسادِ عقائدِ المسلمِين، ويَتَّضِحُّ ذلك مِن خلالِ أَمرَين؛ الأَوَّلُ، مِن خلالِ نَشرِها للشِّركِ؛ الثاني، مِن خلالِ حَربِها للتوحيدِ؛ وقد نَشَرَتِ الدَّولةُ العثمانيةُ الشِّركَ بنَشرِها للتَّصَوُّفِ الشِّركِيِّ القائمِ على عِبادةِ القُبورِ والأولياءِ، وهذا ثابتٌ لا يُجادِلُ فيه أحدٌ حتى مِنَ الذِين يُدافِعون عنها... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الفهدُ-: لذلك فَلَا عَجَبَ مِنِ اِنتِشارِ الشِّركِ والكُفرِ واندِراسِ التوحيدِ في البلادِ التي يَحْكُمونها؛ وقد قالَ الشيخُ حسينُ بنُ غَنَّامٍ رَحِمَه اللهُ تعالَى [في (روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام)] في وَصْفِ حالِ بِلَادِهم [يَعنِي بِلادَ الدَّولةِ العُثمانِيَّةِ] {كانَ غالِبُ الناسِ في زَمَانِه -أَيْ [زَمَنِ] الشيخِ محمد بنِ عبدالوهاب- مُتَلَطِّخِين بوَضَرِ [أَيْ بِوَسَخِ] الأَنْجاسِ، حتى قد انْهَمَكوا في الشِّركِ بعدَ حُلولِ السُّنَّةِ [المُطَهَّرةِ] بالأَرْمَاسِ [الأَرْمَاسُ جَمْعُ رَمْسٍ، وهو كُلُّ ما هِيلَ عليه التُّرَابُ]، فعَدَلُوا إلى عِبادةِ الأَوْلِياءِ والصالحِين، وخَلَعوا رِبْقَةَ التوحيدِ والدِّينِ، فجَدُّوا في الاستغاثةِ بهم [أَيْ بالأَوْلِياءِ والصالحِين] في النَّوازِلِ والحوادثِ والخُطوبِ المُعْضِلةِ الكَوارِثِ، وأَقْبَلوا عليهم في طَلَبِ الحاجاتِ وتَفْرِيجِ الشَّدائدِ والكُرُبَاتِ، مِنَ الأَحْياءِ منهم والأمواتِ، وكثيرٌ يَعتَقِدُ النَّفْعَ والإضرارَ في الجَمَاداتِ}، ثم ذَكَرَ [أَيِ الشيخُ حسينُ بنُ غَنَّامٍ] صُوَرَ الشِّركِ في نَجْدٍ والحجازِ والعراقِ والشامِ ومِصْرَ وغيرِها؛ ويقولُ الإمامُ سعودٌ [الكبيرُ] ابنُ عبدِالعزيز [بنِ محمد بن سعودٍ] رَحِمَه اللهُ تعالَى (ت1229هـ) في رِسالةٍ له [وَرَدَتْ في كتابِ (الدُّرَرُ السَّنِيَّةُ في الأجوِبةِ النَّجْدِيَّةِ)] إلى والِي العراقِ العثمانِيِّ [هو سليمانُ باشا الكبيرُ (ت1217هـ)] واصِفًا حالَ دَوْلَتِهم [يَعنِي الدَّولةَ العُثمانِيَّةَ] {فشَعائرُ الكُفرِ باللهِ والشِّركِ هي الظاهِرةُ عندكم، مِثْلُ بِنَاءِ القِبابِ على القُبورِ، وإيقادِ السُّرُجِ [أَيِ المَصابِيحِ] عليها، وتَعليقِ السُّتُورِ عليها، وزِيَارَتِها بما لم يُشَرِّعْه اللهُ ورسولُه، واتِّخاذِها عِيدًا، وسُؤَالِ أصحابِها قَضَاءَ الحاجاتِ وتَفْرِيجَ الكُرُبَاتِ وإغاثةَ اللَّهَفاتِ، هذا مع تَضْيِيعِ فَرائضِ الدِّينِ التي أَمَرَ اللهُ بإقامتِها مِنَ الصَّلَواتِ الخَمْسِ وغيرِها، وهذا أَمْرٌ قد شاعَ وذاعَ ومَلَأ الأسماعَ في كثيرٍ مِن بلادِ الشامِ والعراقِ ومِصْرَ وغيرِ ذلك مِنَ الْبُلْدَانِ}؛ هذا حالُ الدَّولةِ العثمانيةِ باختصارٍ شَدِيدٍ، ومَن لم تَكْفِه النُّقولُ السابِقةُ في بَيانِ حالِها فَلا حِيلةَ فيه؛ وأمَّا حالُ سَلاطِينِها فهو مِن هذا الجِنْسِ أيضًا، وسوف أذكُرُ نَمَاذِجَ مُتَفَرِّقةً مِن هؤلاء السَّلاطِينِ لِبَيانِ حالَتِهم... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الفهدُ-: السُّلطانُ أورخان الأَوَّلُ (ت761هـ)، وهو السلطانُ الثاني لهذه الدولةِ بعدَ أبِيه عثمانَ الأوَّلِ [ابْنِ أرطُغرُل] (ت726هـ)، واستمرَّ في الحُكمِ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وقد كانَ هذا السلطانُ صُوفِيًّا على الطريقةِ البِكْتاشِيَّةِ [والبِكْتاشِيَّةُ قد تُسَمَّى البِكْداشِيَّةَ والبِكْطاشِيَّةَ]، والطَّرِيقةُ البِكْتاشِيَّةُ هي طَرِيقةٌ صُوفِيَّةٌ شِيْعِيَّةٌ باطِنِيَّةٌ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الفهدُ-: السُّلطانُ محمد الثانِي [هو محمدٌ الفاتِحُ] (ت886هـ)، وهو مِن أشهرِ سَلاطِينِ هذه الدَّولةِ، ومُدَّةُ حُكْمِه إِحْدَى وَثَلَاثُونَ سَنَةً، فإنَّه بعدَ فَتْحِه للقُسْطَنْطِيْنِيَّةِ [قلتُ: ويُقالُ لها أيضًا الأَسِتَانَةُ وإِسْتَانْبُولُ وإِسْطَنْبُولُ وإسلامبولُ وبِيزَنْطَةُ. وَقَدْ قالَ أحمد محمد عوف في (موسوعة حضارة العالم): الإمْبِرَاطُورِيَّةُ البِيزَنْطِيَّةُ كانَتْ عاصمتُها القُسْطَنْطِيْنِيَّةَ، وكان يُطْلَقُ عليها الإمْبِرَاطُورِيَّةُ الرُّومانِيَّةُ الشَّرقِيَّةُ، وكانَ العَرَبُ يُطْلِقون عليها بِلادَ الرُّومِ، وكانَ مُؤَسِّسُها الإمْبِرَاطُورُ قُسْطَنْطِينُ قد جَعَلَ عاصِمَتَها القُسْطَنْطِيْنِيَّةَ عامَ 335م، بعدَ ما كانَتْ رُوما عاصِمةً للإمْبِرَاطُورِيَّةِ الرُّومانِيَّةِ والتي أصبَحَتْ بعدَ اِنفِصالِ جُزْئِها الشَّرْقِيِّ (البِيزَنْطِيِّ) عاصِمةً للإمْبِرَاطُورِيَّةِ الرُّومانِيَّةِ الغربيَّةِ، وظَلَّتْ رُوما مَقَرًّا للكَنِيسةِ الكَاثُولِيكِيَّةِ الغَربِيَّةِ وبها كُرْسِيُّ الْبَابَاوِيَّةِ (الْفَاتِيكَانُ)، وكانَتِ الإمْبِرَاطُورِيَّةُ البِيزَنْطِيَّةُ تَضُمُّ هَضْبَةَ الأَنَاضُولِ بِأَسْيَا وأجزاءً مِنَ اليونانِ وجُزُر بَحْرِ إيجه وأرمينية والشام ومِصْرَ وليبيا وتُونِسَ والجزائر وأجزاءً مِن شَمالِ بِلَادِ النُّوبَةِ. انتهى باختصار. وَجاءَ في الموسوعة العَقَدِيَّةِ (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ عَلوي بن عبدالقادر السَّقَّاف): وَمِنْهَا [يعني مِن علاماتِ الساعة الصُغرَى التي لم تَقَعْ بَعْدُ] فتحُ مدينةِ القسطنطينيةِ -قَبْلَ خُروجِ الدَّجَّالِ- على يَدِ المسلمِين، والذي تَدُلُّ عليه الأحاديثُ أنَّ هذا الفتحَ العظيمَ يكونُ بعدَ قِتالِ الرُّومِ في المَلحمةِ الكُبْرَى وانتصارِ المسلمِين عليهم، فعندئذ يَتَوَجَّهون إلى مدينةِ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ فيفتحُها اللهُ للمسلمِين بدُونِ قتالٍ، وسلاحُهم التكبيرُ والتهليلُ... ثم جاءَ -أَيْ في الموسوعةِ-: وفتحُ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ بِدونِ قتالٍ لم يَقَعْ إلى الآنَ... ثم جاءَ -أَيْ في الموسوعةِ-: وقد رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أنه قَالَ {فَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ مَعَ قِيَامِ السَّاعَةِ}، ثم قالَ التِّرْمِذِيُّ {قَالَ مَحْمُودٌ -أَيِ ابْنُ غَيْلَانَ شيخُ التِّرْمِذِيِّ- (وَالْقُسْطَنْطِينِيَّةُ هِيَ مَدِينَةُ الرُّومِ، تُفْتَحُ عِنْدَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ، وَالْقُسْطَنْطِينِيَّةُ قَدْ فُتِحَتْ فِي زَمَانِ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)}، والصحيحُ أنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ لم تُفتحْ في عَصْرِ الصَّحابةِ، فإنَّ معاويةَ رضي اللهُ عنه بعثَ إليها ابْنَه يَزِيدَ في جيشٍ فيهم أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ، ولم يَتِمَّ لهم فَتحُها، ثم حاصَرَها مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِالْمَلِكِ، ولم تُفتحْ أيضًا، ولكنَّه صالَحَ أَهْلَها على بِناءِ مسجدٍ بها... ثم جاءَ -أَيْ في الموسوعةِ-: وفَتْحُ التُّرْكِ [يعني الدولة العثمانية] للْقُسْطَنْطِينِيَّةِ كان بقتالٍ، وستُفتحُ فَتحًا أخيرًا كما أخبرَ بذلك الصادقُ المصدوقُ صلى الله عليه وسلم؛ قال أحمد شاكر [في عمدة التفسير] {فَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ المُبَشَّرُ به في الحَدِيثِ سَيَكُونُ في مُستَقْبَلٍ قَرِيبٍ أو بَعِيدٍ يَعْلَمُه اللهُ عَزَّ وجَلَّ، وهو الفَتْحُ الصَّحِيحُ لها حين يَعُودُ المُسلِمون إلى دِينِهم الذي أَعرَضُوا عنه، وأَمَّا فَتْحُ التُّرْكِ [يَعْنِي الدَّوْلةَ العُثمانِيَّةَ] الذي كان قَبْلَ عَصْرِنا هذا فإنَّه كانَ تَمهِيدًا للفَتْحِ الأَعْظَمِ}. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ إبراهيمُ بْنُ محمد الحقيل (الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في مَقالةٍ له بعُنْوانِ (فَتْحُ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ) على هذا الرابط: جاءتِ البِشَارةُ بفَتْحِ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ في أحادِيثَ عِدَّةٍ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الحقيل-: الفتحُ المذكورُ يكونُ قُربَ قِيَامِ الساعةِ ووُقوعِ الفتن والملاحم، ولذلك أورَدَ العلماءُ أحاديثَ فَتْحِ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ في أبواب الملاحم التي تَقَعُ في آخِرِ الزمانِ وجعلوه مِن علاماتِ قُربِ الساعة، وقد دَلَّتِ النُّصوصُ على ذلك مِن وُجوهٍ عِدَّةٍ، مِنها لَفْظُ حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فقد جاء فيه أنَّ فَتْحَها مَقرونٌ بِخُروجِ الدجال، فعند اِقتِسامِهم لِغَنائمِها [أَيْ غَنائمِ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ] جاءَهمُ الصَّرِيخُ بأن الدجال قد خَلَفَهم فِي أَهْلِهم... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الحقيل-: فإن ما حَصَلَ مِن فَتْحِ محمدٍ [الفاتِحِ] اِبْنِ مُرادٍ [الثاني] العُثمانِيِّ ليس هو الفتحَ المَقصودَ لِمَا يَلِي؛ (أ)أنَّ الفتح المذكور في الأحاديثِ مَقرونٌ بِخُروجِ الدجال وقِيامِ الساعة، ولم يَكُنْ كذلك الفتحُ العُثمانِيُّ؛ (ب)أنَّ حديثَ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يدلُّ على أنَّ فَتْحَها يكونُ بدون قتال وإنَّما بِالذِّكرِ والتَّكبِيرِ، وفَتْحُ العُثمانِيِّين لها كان بالقتال... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الحقيل-: الأحاديثُ المُتَضافِرةُ في فَتْحِ القُسْطَنْطِيْنِيَّةِ كُلُّها تَذْكُرُ فَتْحًا غيرَ هذا الفَتْحِ [العُثمانِيِّ]. انتهى باختصار] سَنَةَ 857هـ كَشَفَ مَوْقِعَ قَبْرِ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وبَنَى عليه ضَرِيحًا، وبَنَى بجانِبِه مَسجِدًا، وزَيَّنَ المَسجِدَ بالرُّخَامِ الأَبْيَضِ، وبَنَى على ضَرِيحِ أَبِي أَيُّوبَ قُبَّةً، فكانَتْ عادةُ العثمانِيِّين في تَقْلِيدِهم [أَيْ في مَراسِمِ تَنْصِيبِهم] للسَّلاطِينِ أنَّهم كانوا يَأْتُون في مَوْكِبٍ حافِلٍ إلى هذا المَسجِدِ ثم يَدخُلُ السُّلطانُ الجَدِيدُ إلى هذا الضَّرِيحِ ثم يَتَسَلَّمُ سَيْفَ السُّلطانِ عثمانَ الأَوَّلِ مِن شَيْخِ الطريقةِ الْمَوْلَوِيَّةِ [إحدَى الطُّرُقِ الصُّوفِيَّةِ]؛ وهذا السُّلطانُ هو أَوَّلُ مَن وَضَعَ (مَبادِئَ القانونِ المَدَنِيِّ) و(قانونَ العُقُوباتِ)، فأَبْدَلَ العُقُوباتِ البَدَنِيَّةَ الشرعيَّةَ الوارِدةَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ -أَيِ السِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ- وجَعَلَ عِوَضَهَا الغَرَاماتِ النَّقْدِيَّةَ بكَيْفِيَّةٍ واضحةٍ أَتَمَّها [فيما بَعْدُ] السلطانُ سُلَيْمَانُ القَانُونِيُّ [هو سُلَيْمانُ الأوَّلُ ابنُ سليم الأول ابنِ بَايَزِيدَ الثاني ابنِ محمدٍ الفاتحِ، (ت1566م)]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الفهدُ-: السُّلطانُ سُلَيْمَانُ القَانُونِيُّ (ت974هـ)، وهو مِن أَشْهَرِ سلاطِينِ الدَّولةِ العثمانيةِ، وحَكَمَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً تقريبًا [مِن عامِ 926هـ إلى 974هـ]، فإنَّه لَمَّا دَخَلَ بغدادَ بَنَى ضريحَ أَبِي حَنِيفَةَ، وبَنَى عليه قُبَّةً، وزارَ مُقَدَّساتِ الرافضةِ في النَّجَفِ وكَرْبَلَاءَ وبَنَى منها ما تَهَدَّمَ [أَيْ أنَّه بَنَى ما كانَ قَدْ تَهَدَّمَ مِن مُقَدَّساتِ الرافضةِ قَبْلَ دُخولِه بَغْدَادَ]؛ كَما أنَّه إنَّما لُقِّبَ بالقَانُونِيِّ لِأنَّه أَوَّلُ مَن أَدْخَلَ القَوانِينَ الأُورُوبِّيَّةَ على المسلمِين وجَعَلَها مَعمولًا بها في المَحاكِمِ، وقد أَغْراهُ بِذلك اليَهُودُ والنَّصارَى... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الفهدُ-: قالَ الإمامُ سعودُ بنُ عبدالعزيز [أَيْ سعودٌ الكبيرُ ابنُ عبدالعزيز بن محمد بن سعودٍ (ت1229هـ)] رَحِمَه اللهُ تعالَى في رِسالتِه لوِالِي بَغْدادَ [هو سليمانُ باشا الكبيرُ (ت1217هـ)] [والتي سَبَقَ الإشارةُ إليها] {وحالُكم وحالُ أَئمَّتِكم وسَلاطِينِكم تَشْهَدُ بكَذِبِكم وافتِرائِكم في ذلك [أَيْ في اِدِّعائهم الإسلامَ]، وقد رَأَيْنا لَمَّا فَتَحْنا الحُجْرةَ الشريفةَ -على ساكِنِها أفضلُ الصلاةِ والسلامِ- عامَ اثنَين وعشرِين [يعني بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ وَالأَلْفِ مِنَ الهِجرةِ] رِسالةً لسُلطانِكم سليم [هو سليمُ الثالثُ (ت1223هـ)]، أَرْسَلَها اِبنُ عَمِّه إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَغِيثُ به ويَدْعُوه ويَسْأَلُه النَّصرَ على الأعداءِ [مِنَ النَّصارَى وغيرِهم]، وفيها مِنَ الذُّلِّ والخُضوعِ [والعِبادةِ] والخُشوعِ ما يَشْهَدُ بكَذِبِكم، وأَوَّلُها [أَيْ أَوَّلُ الرِّسالةِ] (مِن عُبَيدِكَ السُّلطانِ سليم، وَبَعْدُ، يَا رَسُولَ اللهِ، قد نالَنا الضُّرُّ، ونَزَلَ بِنا [مِنَ] المَكْرُوه ما لَا نَقْدِرُ على دَفْعِه، واستَولَى عُبَّادُ الصُّلْبانِ على عُبَّادِ الرَّحمنِ، نسألُك النَّصْرَ عليهم والعَوْنَ عليهم [وأنْ تَكْسِرَهُمْ عَنَّا]...)!، وذَكَرَ كَلَامًا كثيرًا، هذا معناه وحاصِلُه؛ فانْظُرْ إلى هذا الشِّركِ العظيمِ، والكفرِ باللهِ الواحدِ العليمِ، فما سَأَلَه المُشرِكون مِن آلِهَتِهم الْعُزَّى وَاللَّاتِ، فإنَّهم إذا نَزَلَتْ بِهِمُ الشَّدائدُ أَخْلَصوا لخالِقِ البَرِيَّاتِ [أَيِ الخَلائقِ]}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الفهدُ-: السُّلطانُ عبدُالحميدِ الثانِي [ابنُ عبدِالمجيدِ الأَوَّلِ، وقد تُوُفِّيَ عامَ 1336هـ]، وقد كانَ هذا السلطانُ صُوفِيًّا مُتَعَصِّبًا على الطريقةِ الشَّاذِلِيَّةِ، وإليك رِسالةً [ذَكَرَ هذه الرسالةَ الشيخُ محمد سرور زين العابدين في كتابِه (مذكراتي)] له إلى شيخِ الطريقةِ الشَّاذِلِيَّةِ في وَقْتِه، يقولُ فيها {الحمدُ للهِ... أَرْفَعُ عَرِيضَتِي هذه إلى شيخِ الطريقةِ العَلِيَّةِ الشَّاذِلِيَّةِ، إلى مُفِيضِ الرُّوحِ والحَيَاةِ، إلى شيخِ أهلِ عَصْرِه الشيخِ (مَحْمُودٍ أَفَنْدِي أبِي الشاماتِ)، وأُقَبِّلُ يَدَيْهِ المُبارَكتَين، راجِيًا دَعَواتِه الصالِحةَ... سَيِّدِي إنَّني بتَوفِيقِ اللهِ تعالَى مُداوِمٌ على قراءةِ الأَوْرادِ الشَّاذِلِيَّةِ ليلًا ونهارًا، وأَعْرِضُ أَنَّني ما زِلْتُ مُحْتاجًا لِدَعَواتِكم القَلْبِيةِ بصُورةٍ دائمةٍ}؛ والطريقةٌ الشَّاذِلِيَّةُ طريقةٌ صُوفِيَّةٌ قُبُورِيِّةٌ شِركِيَّةٌ عليها مِنَ العظائمِ والطَوَامِّ ما يَكْفِي بعضُه لإلحاقِها بالكفارِ الوَثَنِيِّين... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الفهدُ-: أمَّا حَربُ العثمانِيِّين للتوحيدِ فمَشهورٌ جِدًّا، فقد حارَبوا دعوةَ الشيخِ محمد بنِ عبدالوهاب رَحِمَه اللهُ كما [هو] معروفٌ {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}؛ وأَرسلوا الحَمَلَاتِ تِلْوَ الحَمَلَاتِ لمُحارَبةِ أهلِ التوحيدِ، حتى تَوَّجُوا حَرْبَهم هذه بِهَدْمِ الدِّرْعِيَّةِ عاصِمةِ الدَّعوةِ السَّلَفِيَّةِ عامَ 1233هـ، وقد كانَ العُثمانِيُّون في حَرْبِهم لِلتَّوحِيدِ يَطْلُبون المَعُونةَ مِن إخوانِهم النَّصارَى، ومِن جَرائمِهم أنَّهم قاموا بسَبْيِ النِّساءِ والغِلْمانِ -مِن أهلِ التوحيدِ- وبَيْعِهم... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الفهدُ-: فهذه عَداوَتُهم للتوحيدِ وأهلِه، وهذا نَشْرُهم للشِّركِ والكُفرِ، فكيفَ يُزْعَمُ أنَّ هذه الدَّولةَ الكافرةَ الفاجرةَ (خِلَافةٌ إسلامِيَّةٌ)؟!... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الفهدُ-: مَنِ اِدَّعَى أنَّ الدَّولةَ العثمانِيَّةَ دَولةٌ مُسلِمةٌ فقد كَذَبَ وافْتَرَى، وأعظمُ فِرْيَةٍ في هذا البابِ أنَّها (خِلَافةٌ إسلامِيَّةٌ)... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الفهدُ-: لا يَلزَمُ مِن كَوْنِ الدولةِ العثمانيةِ دَولةً كافرةً تكفيرُ كُلِّ مَن فيها [قلتُ: أراضِي الدَّولةِ العُثمانِيَّةِ أَصْبحَتِ الآنَ تحتَ سِيَادَةِ 42 دَولةً، وهذه الدُّوَلُ هي (الأردن، والبحرين، والبوسنة والهرسك، والجبل الأسود، والجزائر، والسعودية، والسودان، والصومال، والعراق، والكويت، والمجر، والنمسا، واليمن، واليونان، وإثيوبيا، وإريتريا، وإسرائيل، وإيران، وأذربيجان، وأرمينيا، وألبانيا، وأوكرانيا، وبلغاريا، وتُرْكِيَا، وتُونِسُ، وجورجيا، وجيبوتي، وروسيا، ورومانيا، وسلوفاكيا، وسلوفينيا، وسُورِيَا، وصربيا، وفلسطين، وقبرص، وكرواتيا، وكوسوفو، ولبنان، وليبيا، ومصر، ومقدونيا، ومولدوفا). وقد قالَ أسامة السيد عمر في هذا الرابط على موقع (ترك برس) الإخباري التركي (المعتمَد كمصدر للأخبار التركية باللغة العربية، لدى العديد مِنَ الشبكات الإخبارية الكبرى): كانَتِ الرابطةُ الإسلاميةُ هي التي تَجْمَعُ بين جميعِ شُعُوبِ الدولةِ العثمانيةِ على اِختلافِ أجناسِهم، فدولةُ الخلافةِ هي الجامعةُ لكُلِّ مَن يَحْيَا على أراضيها، ويَشْهَدُ بذلك تَنَوُّعُ مَنَابِتِ أصحابِ المَنَاصِبِ العُلْيا في الدولةِ مِن صُدورٍ عِظَامٍ [الصَّدْرُ الأعظمُ هو مَنْصِبُ رَئِيسِ الوُزَراءِ في الدولةِ العثمانيةِ]، ووُزَراءَ ووُلَاةٍ، وقادةٍ عسكرِيِّين، فكان منهم العَرَبُ والتُّرْكُ واليونانِيُّون والبوسنِيُّون والألبانُ والكُرْوَاتُ والصِّرْبُ والْكُرْجُ [الْكُرْجُ اسمٌ كان يُطْلِقُه المسلمون على الأراضي الواقعةِ في جمهوريةِ جورجيا الحَالِيَّةِ] والأَرْمَنُ وغيرُهم؛ كانَتِ الأُمَّةُ في ذلك العَهْدِ جَسَدًا واحدًا لا يَطْغَى عُضْوٌ على آخَرَ، فَطَلائعُ الجُيُوشِ تَتَجَمَّعُ مِن مُخْتَلِفِ المُدُنِ والوِلَايَاتِ، وعندما كانَتْ تأتي البُشْرَى بأخبارِ اِنتِصاراتِ العُثمانِيِّين في أُورُوبَّا كانَتِ الأفراحُ تُقامُ في إِسْطَنْبُولَ ودِمَشْقَ وحَلَبَ والقاهرةِ وغيرِها مِن حَوَاضِرِ [أَيْ مُدُنِ وقُرَى] الإسلامِ. انتهى. وقالَ الشيخُ عليُّ بنُ محمد الصلابي (عضو الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (الدولة العثمانية، عوامل النهوض وأسباب السقوط): وجميعُ المسلمِين [في أراضِي الدَّولةِ العُثمانِيَّةِ] كانوا يُسَجَّلُون في دَوائرِ النُّفوسِ (سِجِلَّاتِ المَواليدِ) وفي التَّذاكِرِ العُثمانِيَّةِ (بِطَاقاتِ الهُوِيَّةِ) كَمُسلِمِين فَحَسْبُ، دُونَ أنْ يُذْكَرَ إلى جانِبِ ذلك فِيمَا إذا كانوا مِنَ الأَتْراكِ أو مِنَ العَرَبِ أو مِنَ الشَّرَاكِسَةِ أوِ الألبانِ أوِ الأكرادِ. انتهى]، وقد قالَ اِبْنا الشيخِ محمد بنِ عبدالوهاب (حُسَينٌ وعبدُاللهِ) رَحِمَهُمُ اللهُ تعالَى [في (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)] {وقد يُحْكَمُ بأنَّ هذه القَرْيةَ كافرةٌ وأَهْلَها كُفَّارٌ، حُكْمُهم حُكْمُ الكفارِ، ولا يُحْكَمُ بأنَّ كلَّ فردٍ منهم كافرٌ بِعَيْنِه، لأنه يُحتمَلُ أنْ يكونَ منهم مَن هو على الإسلامِ، معذورٌ في تَرْكِ الهِجرةِ، أو يُظْهِرُ دِينَه ولا يَعْلَمُه المسلمون}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الفهدُ-: لا يَدَّعِي أنَّ الدَّولةَ العثمانيةَ دَولةٌ إسلامِيَّةٌ إلَّا أَحَدُ رَجُلَيْنِ، إمَّا زائغٌ ضالٌّ يَرَى أنَّ الشِّركَ هو الإسلامُ، أو جاهلٌ بأَمْرِ هذه الدَّولةِ، أمَّا مَن يَعرِفُ التوحيد ويَعرِفُ ما عليه هذه الدَّولةُ ثم يَشُكُّ في أَمْرِها فهو على خَطَرٍ عظيمٍ، واللهُ المُستعانُ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الفهدُ-: إنَّ مِنَ الشُّبَهِ التي أُثِيرَتْ حَوْلَ دَعوةِ الشيخِ محمدِ بنِ عبدالوهاب رَحِمَه اللهُ تعالَى أنَّها خَرَجَتْ على دَولةِ الخِلافةِ العثمانيَّةِ! وأنَّها فَرَّقَتِ المُسلِمِين!، وقد كَتَبَ كثيرٌ مِنَ العُلماءِ المُدافِعِين عن دعوةِ الشيخِ في رَدِّ هذه الشُّبْهةِ، وكانَ غايَةُ ما يقولون {إنَّ نَجْدًا كانتْ مُسْتَقِلَّةً أَصْلًا عنِ الدَّولةِ العثمانيةِ، لذلك لم يَكُنْ ظُهورُ الشيخِ فيها خُروجًا عليها [قلتُ: مَن قالَ هذا الكَلامَ وكانَ مُنْتَسِبًا لِلعِلْمِ، فإنَّما دَفَعَه إلى ذلك تَأَثُّرُه بالفِكْرِ الإرجائِيِّ، فقالَ ذلك هَرَبًا مِنَ الإقرارِ بِأَنَّ أئمَّةَ الدَّعوةِ النَّجْدِيَّةِ السَّلَفِيةِ قَدْ كَفَّروا الدَّولةَ العثمانِيَّةَ (التي أَصْبحَتْ أراضِيها الآنَ -بعدَ سُقُوطِها- تحتَ سِيَادَةِ 42 دَولةً)، لِخَوفِه مِن إلزامِه إمَّا بِتَجهِيلِ أئمَّةِ الدعوةِ وإمَّا بإسقاطِ هذا الحُكْمِ على الواقعِ المُرِّ الحالِيِّ]}، والحقيقةُ أنَّ هذا الكلامَ لا يَصِحُّ لِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ؛ الأَوَّلُ، أنَّ السِّيَادةَ الاسْمِيَّةَ على نَجْدٍ كانَتْ لِلدَّولةِ العُثمانِيَّةِ، لِأنَّها [أَيِ الدَّوْلةَ العثمانِيَّةَ] كانَتْ في الحجازِ واليمنِ والأحساءِ والعراقِ والشامِ [وهذه البُلْدانُ تُحِيطُ بنَجْدٍ]؛ الثانِي، أنَّنا لَوْ سَلَّمْنا أنَّ نَجْدًا كانَتْ مُسْتَقِلَّةً، فإنَّ دَعوةَ الشيخِ قد دَخَلَتِ الحجازَ واليمنَ والأحساءَ والخليجَ، وأطرافَ العراقِ والشامِ، وهاجَموا كَرْبَلاءَ، وحاصَروا دِمَشْقَ، وكُلُّها بلا جِدالٍ تابِعةٌ لِلدَّولةِ العُثمانِيَّةِ؛ الثالِثُ، أنَّ أقوالَ أَئمَّةِ الدَّعوةِ رَحِمَهم اللهُ مُتَّفِقةٌ على أنَّ الدَّولةَ العُثمانِيَّةَ دارُ حَرْبٍ إلَّا مَن أجابَ دَعوةَ التَّوحِيدِ، فَدَعوةُ الشيخِ رَحِمَه اللهُ دَعوةٌ لِلتَّوحِيدِ الخالِصِ، وحَرْبٌ على الشِّركِ وأهلِه، ومِن أعظَمِ حُمَاةِ الشِّركِ في ذلك الوَقتِ الدَّولةُ العُثمانِيَّةُ فكانَتِ الدَّعوةُ حَرْبًا عليها... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الفهدُ-: الشيخُ عبدُالله بنُ محمد بن سليم رَحِمَه اللهُ (ت1351هـ)، جَلَسَ رَحِمَه اللهُ في المَساءِ في خَلْوَةِ الْمَسْجِدِ الجامِعِ [خَلْوَةُ الْمَسْجِدِ هي مُصَلًّى تَحْتَ الأرضِ (أسفَلَ الْمَسْجِدِ)، وهي لِلصَّلاةِ أثناءَ فَصْلِ الشِّتَاءِ، ويُمكِنُ النُّزولُ إليها بِواسِطةِ دَرَجِ السُّلَّمِ] يَنتظِرُ صلاةَ المَغْرِبِ، وكانَ في الصَّفِّ المُقَدَّمِ رِجالٌ لم يَعلَموا بِحُضورِ ووُجودِ الشيخِ هناك، فتَحَدَّثَ أَحَدُهم إلى صاحِبِه قائلًا له {لقد بَلَغَنا بأنَّ الدَّولةَ العُثمانِيَّةَ قَدِ اِرتَفَعَتْ، وأعلامُها اِنْتَصَرَتْ}، وجَعَلَ يُثْنِي عليها، فلَمَّا أَنْ صَلَّى الشيخُ بالناسِ وفَرَغَتِ الصَّلَاةُ وَعَظَ مَوعِظةً بَلِيغةً وجَعَلَ يَذُمُّ العثمانِيِّين ويَذُمُّ مَن أَحَبَّهم وأَثْنَى عليهم [حتى قالَ] {على مَن قالَ تلك المَقُولةَ التَّوبةُ والنَّدَمُ، وأَيُّ دِينٍ لِمَن أَحَبَّ الكُفَّارِ وسُرَّ بعِزِّهم وتَقَدُّمِهم؟!، فإذا لم يَنْتَسِبِ المُسلمُ إلى المسلمِين فإلَى مَن يَنْتَسِبُ؟!}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الفهدُ-: وقالَ عبدُالرحمن بنُ عبدِاللطيف بن عبدالله بن عبداللطيف [بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب] {ومَعلومٌ أنَّ الدَّولةَ التُّرْكِيَّةَ [يَعنِي الدَّولةَ العُثمانِيَّةَ، وقالَ {الدَّولةَ التُّرْكِيَّةَ} لِأنَّ فيها مَركَزَ الحُكْمِ. وقد قالَ الشيخُ عبدُالعزيز بن صالح الجربوع في (الوارف في مشروعية التثريب على المخالف، بِتَقدِيمِ الشيخَين حمود الشعيبي، وعَلِيِّ بْنِ خضير الخضير): الشيخُ حَمَدُ بْنُ عَتِيقٍ (الْمُتَوَفَّى عامَ 1301هـ رَحِمَه اللهُ) أَلَّفَ كِتابًا في نَقْدِ الدولةِ العُثمانِيَّةِ وبَيَانِ ضلالِها سَمَّاه {سبيل النجاة والفكاك مِن مُوَالَاةِ المرتدِّين والأتراك}. انتهى] كانتْ وَثَنِيَّةً تَدِينُ بالشِّركِ، والبِدَعِ وتَحمِيها [انتهى مِن كِتَابِ (علماء الدعوة)]}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الفهدُ-: يَتَّضِحُ مِمَّا سَبَقَ أنَّ أئمَّةَ الدعوةِ كانوا يَرَوْنَ كُفْرَ الدَّولةِ العثمانِيَّةِ [قالَ الشيخُ حسين بن محمود في كتابِه (مراحِل التطوُّر الفِكْريّ في حياة سيِّد قُطْب): وكانَ أَئِمَّةُ الدَّعوةِ يُعلِنُون كُفْرَ الدَّولةِ العُثمانِيَّةِ. انتهى] وأنَّها دارُ حَرْبٍ، وهذا أَمْرٌ ظاهرٌ (أَعْنِي كُفْرَ الدَّولةِ العثمانِيَّةِ)، ولا أَعتَقِدُ أنَّ أَحَدًا قَرَأَ أو سَمِعَ ما هُمْ عليه مِنَ الشِّركِ، أو قَرَأَ ما قالَه أَئمَّةُ الدعوةِ في مَوْقِفِهم مِن هذه الدَّولةِ، ويَبْقَى عنده شَكٌّ في أَمْرِها، وإلَّا لَزِمَه أَحَدُ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ؛ (1)أنْ يَرْمِيَ أئمَّةَ الدعوةِ بالجهلِ؛ (2)أنْ يكونَ التوحيدُ عنده أَمْرًا ثانَوِيًّا؛ (3)وإلَّا كانَ مُكابِرًا؛ نَسألُ اللهَ أنْ يَرزُقَنا الإخلاصَ والمُتابَعةَ في العِلْمِ والعَمَلِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ عبدُالله الخليفي في مقالة بعنوان (التنكيل بالمنافح عن خلافة الشرك) على موقعه في هذا الرابط: والذي يُسَمِّي خِلافةَ الشِّركِ العثمانيَّةِ بـ (الخلافةِ الإسلاميَّةِ) جاهِلٌ بِالتَّوحِيدِ... ثم قال -أَيِ الشيخُ الخليفي-: فَهُمْ [أَيِ العُثمانِيُّون] لم يكونوا مُوَحِّدِين يومًا مِنَ الدَّهْرِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخليفي-: والبُلَهاءُ فَقَطْ مَن يَغْتَرُّون ببعضِ الفُتُوحاتِ [أَيْ فُتُوحاتِ الدَّولةِ العُثمانِيَّةِ] مع حَرْبِهم للتوحيدِ وأَهْلِه ونَصْرِهم للشِّركِ الصَّرِيحِ، فالجهادُ -والفُتُوحاتُ- مَا شُرِعَ إلَّا لِرَفْعِ مَنَارِ التوحيدِ... ثم نَقَلَ -أَيِ الشيخُ الخليفي- عن أَحَدِ الباحِثِين قَولَه: ويُؤْسِفُني أنْ أقولَ أَنَّ بِدايَتَها [أَيْ بِدايَةَ الدَّولةِ العُثمانِيَّةِ] كآخِرِها سَوَاءٌ، لِأنَّه قد ظَهَرَتْ أيضًا صُوَرُ الشِّركِيَّاتِ في أواخِرِ الدَّولةِ العبَّاسِيَّةِ قَبْلَها [أَيْ قَبْلَ الدَّولةِ العُثمانِيَّةِ] مُباشَرةً، فعندما جاءَتِ الدَّولةُ العُثمانِيَّةُ أَكْمَلَتِ المَسِيرةَ في دُرُوبِ الكُفرِ والشِّركِ وعلى نِطاقٍ أَوْسَعَ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخليفي-: وهى [أَيِ الدَّولةُ العُثمانِيَّةُ] لَيْسَ لَهَا مِنَ الإسلامِ إلَّا الشَّكْلِيَّاتُ فَقَطْ، وأَمَّا المَضْمونُ فتَجِدُ فيها حَرْبَ الإسلامِ والمُوَحِّدِين، ومُوالاةَ المُشرِكِين. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ محمد بنُ سعيد رسلان في فيديو بعنوان (حَقِيقةُ الدَّولةِ العُثمانِيَّةِ، وسِرُّ زَوالِ الخِلافةِ المَزعومةِ) على هذا الرابط: الخِلافةُ العُثمانِيَّةُ كانَتْ دَولةَ خُرَافةٍ، أَيُّ خِلافةٍ تلك؟!، فكانَتْ أَشْعَرِيَّةً مَاتُرِيدِيَّةً مُتَعَصِّبةً، تُحارِبُ السُّنَّةَ وتَقْتُلُ أهلَ التَّوحِيدِ، وكانَتْ صُوفِيَّةً قَبْرِيَّةً حتى النُّخاعِ، وكانَتْ خُرَافِيَّةً مُوغِلَةً في الخُرَافةِ، أَيُّ خِلافةٍ؟!. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ ياسينُ بنُ عليٍّ في (خُروجُ الوَهَّابِيَّةِ على الخِلافةِ العُثمانِيَّةِ): ولِهذا فَلَا يُسْتَغْرَبُ خُروجُ الوَهَّابِيَّةِ على الخِلافةِ العُثمانِيَّةِ، لِأنَّها عندهم دَولةٌ شِركِيَّةٌ وَثَنِيَّةٌ يَحْرُمُ الدُّخولُ في وِلَايَتِها. انتهى. وفي فيديو للشيخِ صالحٍ اللُّحَيْدَان (عضو هيئة كبار العلماء، ورئيس مجلس القضاء الأعلى) بعنوان (الشيخ صالح اللحيدان يُقِرُّ بخُروجِ شيخِ الاسلامِ محمد بنِ عبدالوهاب عنِ الدَّولةِ العثمانيَّةِ) على هذا الرابط، سُئِلَ الشيخُ (كيفَ يُرَدُّ على مَن ادَّعَى أنَّ الإمامَ محمد بنَ عبدِالوهاب رَحِمَه اللهُ أَوَّلُ مَن خَرَجَ على الدَّولةِ العثمانيَّةِ؟)، فأجابَ قائلًا: هو لم يَأْتِ بجديدٍ (رَحْمَةُ اللهِ عليه)، وإنَّما نَشَرَ ما كان مَغْفُولًا عنه، وأَعْلَنَ ما كان مَسْكُوتًا عنه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ اللُّحَيْدَان-: والدَّولةُ العثمانيةُ كانَ الظاهِرُ مِن حالِها أنَّها دَولةُ سُلطانٍ وَتَوَسُّعٍ مِنَ المُلْكِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ اللُّحَيْدَان-: وأَمَّا أنَّه [أَيِ الشيخَ محمد بنَ عبدالوهاب] أَوَّلُ مَن خَرَجَ [على الدَّولةِ العثمانيَّةِ]، فلا شَكَّ أنَّ نَجْدًا ومَن سارَ على المَنْهَجِ الذي سارَتْ عليه أَوَّلُ إقْلِيمٍ في ذلك الوقتِ خَرَجَ عن سُلطانِ الدَّولةِ العثمانيَّةِ، لِأنَّ الشِّركَ الأكبرَ لا يُسْتَنْكَرُ في وَقْتِها، والأَضْرِحةُ تُشَيَّدُ على الأَمْواتِ، ولا يُقْتَلُ إنسانٌ دَعَا بالشِّركِ الأكبرِ أو يُلْزَمُ، فقامَتِ الدَّعوةُ السَّلفيَّةُ ونَشَأَتِ الدَّولةُ السعوديَّةُ [الأُولَى]؛ فإذا خالَفَ [أَيِ الشيخُ محمد بنُ عبدالوهاب] الدَّولةَ، خَرَجَ عليها، لإقامةِ التوحيدِ، وتَحْكِيمِ الشريعةِ، ورَجْمِ مَن يَستَحِقُّ الرَّجْمَ، وقَطْعِ [يَدِ] مَن يَستَحِقُّ قَطْعَ اليَدِ، كانَ ذلك شَرَفًا له. انتهى باختصار.

 

(32)وقالَ الشيخُ عبدُالعزيز بن صالح الجربوع في (الوارف في مشروعية التثريب على المخالف، بِتَقدِيمِ الشيخَين حمود الشعيبي، وعَلِيِّ بْنِ خضير الخضير): فهذا الشيخُ سليمانُ بْنُ عبدِالله [بن محمد بن عبدالوهاب] (الْمُتَوَفَّى عامَ 1233هـ رَحِمَه اللهُ) لَمَّا غَزَتِ الدَّولةُ العُثمانِيَّةُ بلادَ التَّوحيدِ (بعضَ مَناطِقِ الجزيرةِ العربيةِ) أَلَّفَ كِتابًا أَسْماه {الدَّلَائلُ [فِي حُكْمِ مُوالَاةِ أهلِ الإشراكِ]} بَيَّنَ فيه رِدَّةَ القَومِ [يَعنِي الدَّولةَ العُثمانِيَّةَ] بَلْ رِدَّةَ مَن عاوَنَهم وظاهَرَهم مِنَ المسلمِين، وسَمَّى جُيوشَهم {جُنودَ القِبَابِ والشِّركِ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الجربوعُ-: الشيخُ حَمَدُ بن عَتِيقٍ (الْمُتَوَفَّى عامَ 1301هـ رَحِمَه اللهُ) أَلَّفَ كِتابًا في نَقْدِ الدولةِ العثمانِيَّةِ وبَيَانِ ضلالِها سَمَّاه {سبيل النجاة والفكاك مِن مُوَالَاةِ المرتدِّين والأتراك}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الجربوعُ-: وفي شِعْرِ الشيخِ سليمانَ بنِ سَحْمان [الْمُتَوَفَّى عامَ 1349هـ، وكان قد تَوَلَّى الكِتابةَ [أَيْ عَمِلَ كاتِبًا] بُرْهَةً مِنَ الزَّمَنِ لِعَبدِالله بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود (سادِسِ حُكَّامِ الدَّولةِ السعوديةِ الثانيةِ)] رَحِمَهُ اللهُ ما يَدُلُّ على غَلِيظِ القولِ في مخالَفةِ الدولةِ العثمانيةِ لشَرْعِ اللهِ والتي يُسَمِّيها الناسُ اليومَ {الخِلَافة الإسلامِيَّة}، حيث يقولُ [في دِيوَانِ عقود الجواهر المنضدة الحسان] {وما قالَ في الأَتراكِ مِنْ وَصْفِ كُفرِهم *** فَحَقٌّ فَهُمْ مِن أكفرِ النَّاسِ في النِّحَلْ *** وأَعْدَاهُمُو [أَيْ وأَشَدِّهم عَدَاوَةً] للمسلمِين، وشَرُّهم *** يَنُوفُ [أَيْ يَزِيدُ] ويَرْبُو في الضَّلالِ على المِلَلْ *** ومَن يَتَوَلَّ الكافرِين فمِثْلُهم *** ولا شَكَّ في تكفيرِه عندَ مَن عَقَلْ *** ومَن قد يُوَالِيهم ويَرْكَنُ نحوَهم *** فلا شَكَّ في تَفْسِيقِه وهو في وَجَلْ} [قلتُ: لاحِظْ أنَّ الشَّيخَ سليمانَ بنَ سَحْمان جَعَلَ تَوَلِّيَ الكافِرِين كُفْرًا ومُوَالَاتَهم فِسْقًا. وقد قالَ الشيخُ عَلِيٌّ بْنُ خضير الخضير في (إجابة فضيلة الشيخ علي الخضير على أسئلة اللقاء الذي أُجْرِيَ مع فضيلته في مُنْتَدَى "السلفيون") عندما سُئِلَ {ما الحَدُّ الفاصِلُ بين المُوَالَاةِ وتَوَلِّي الكُفَّارِ؟، وكيفَ نُفَرِّقُ بينهما؟}: تَوَلِّي الكُفَّارِ، هذا كُفْرٌ أكبَرُ، وليس فيه تَفصِيلٌ [يَعنِي أنَّ التَّوَلِّيَ كُفْرٌ أكبَرُ مُطْلَقًا]، وهو أَرْبَعةُ أنواعٍ؛ (أ)مَحَبَّةُ الكُفَّارِ لِدِينِهم، كمَن يُحِبُّ الدِّيمُقْراطِيِّين مِن أَجْلِ الدِّيمُقْراطِيَّةِ، ويُحِبُّ البرلمانِيِّين المُشَرِّعِين، ويُحِبُّ الحَدَاثِيِّين والقومِيِّين ونحوَهم، مِن أجْلِ تَوَجُّهاتِهم وعَقائدِهم، فهذا كافِرٌ كُفْرَ تَوَلٍّ، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ، بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، فإنَّ مِن مَعانِي (وَلِيّ) المُحِبَّ (قالَه اِبنُ الأثير [أبو السعادات] فِي "النِّهَايَةِ")؛ (ب)تَوَلِّي نُصْرَةٍ وإعانةٍ [قالَ الشيخُ ابنُ باز في (مجموع فتاوى ومقالات ابن باز): وقد أجمَعَ عُلَماءُ الإسلامِ على أنَّ مَن ظاهَرَ الكُفَّارَ على المُسلِمِين وساعَدَهم عليهم بِأَيِّ نَوعٍ مِنَ المُساعَدةِ، فهو كَافِرٌ مِثْلَهُمْ. انتهى]، فكُلُّ مَن أَعَانَ الكُفَّارَ على المسلمِين فهو كافِرٌ مُرْتَدٌّ، كالذي يُعِينُ النَّصَارَى أو اليَهُودَ اليَومَ على المسلمِين، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ، بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، ومَن أرادَ الإطالةَ فَلْيَرْجِعْ إلى كتابِ الشيخِ ناصر الفهد المُسَمَّى بـ (التِّبْيَانُ في كُفرِ مَن أعانَ الأَمْرِيكَانَ [بِتَقدِيمِ الشيوخِ حمود الشعيبي، وسليمان العلوان، وعَلِيِّ بْنِ خضير الخضير])، فإنَّه مِن أَحْسَنِ ما كُتِبَ في هذا البابِ، ولا يَهُولَنَّك أَمْرُ أهلِ الإرجاءِ؛ (ت)تَوَلِّي تَحَالُفٍ، فكُلُّ مَن تَحالَفَ مع الكُفَّارِ وعَقَدَ معهم حِلْفًا لِمُناصَرَتِهم، ولو لم تَقَعِ النُّصْرَةُ فِعْلًا، لكِنَّه وَعَدَ بها وبالدَّعْمِ وتَعاقَدَ وتَحالَفَ معهم على ذلك، قال تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ}، وهذا حِلْفٌ كان بين المُنافِقِين وبَعضِ يَهُودِ المَدِينةِ، قالَ [أبو عُبَيْدٍ] القَاسمُ بنُ سَلَّامٍ في (الغريب) {إنَّه يُقالُ للحَلِيفِ (وَلِيّ)}، وقالَه اِبنُ الأثير [أبو السعادات] فِي (النِّهَايَةِ)، ومِثْلُه عَقْدُ المُحالَفاتِ لِمُحارَبةِ الجِهادِ والمُجاهِدِين، وهو ما يُسَمُّونَه {الإرهاب}؛ (ث)تَوَلِّي مُوافَقةٍ، كمَن جَعَلَ الدِّيمُقْراطِيَّةَ في الحُكْمِ، مِثْلَ الكُفَّارِ، وبَرْلَماناتٍ مِثْلَهم [أَيْ مِثْلَ ما يَصْنَعُ الكُفَّارُ]، ومَجالسَ تَشرِيعيَّةً أو لِجَانًا وهَيْئاتٍ، مِثْلَ صَنِيعِ الكُفَّارِ، فهذا تَوَلَّاهم، وهذا قد بَيَّنَه أَئِمَّةُ الدعوةِ النَّجْدِيَّةِ [السَّلَفِيةِ] أَحْسَنَ بَيَانٍ، بَلْ أُلِّفَ فيه الكُتُبُ، فِيمَن وافَقَ المُشرِكِين والكُفَّارَ على كُفْرِهم وشِرْكِهم، فقد أَلَّفَ سليمانُ بنُ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب كِتَابَ (الدَّلَائل [فِي] حُكْمِ مُوالَاةِ أهلِ الإشراكِ)، وأَلَّفَ حَمَدُ بن عَتِيقٍ [ت1301هـ] كِتَابَ ([سبيل] النجاة والفكاك مِن موالاة المرتدِّين والأتراك)؛ وكُلُّ هذه الأَنْوَاعِ الأَرْبَعَةِ يَكْفُرُ [أَيْ مُرْتَكِبُها] بِمُجَرَّدِ فِعْلِها دُونَ النَّظَرِ إلى الاعتِقادِ وليس كما يَقولُ أهلُ الإرجاءِ؛ أمَّا المُوَالَاةُ، فهي قِسْمَانِ؛ (أ)قِسْمٌ يُسَمَّى التَّوَلِّي، وهو الأَقْسَامُ [الأربَعةُ] التي ذَكَرْنا قَبْلَ هذا، وأَحْيَانًا تُسَمَّى المُوَالَاةَ الكُبْرَى أو العُظْمَى أو العامَّةَ أو المُطْلَقةَ، وهذه كَلِماتٌ مُرادِفةٌ لِلتَّوَلِّي؛ (ب)مُوالَاةٌ صُغْرَى (أَوْ مُقَيَّدةٌ) [قال الشيخُ أحمد الحازمي في (شرح الأصول الثلاثة): النَّوْعُ الثَّانِي، المُوَالَاةُ الصُّغرَى، صُغْرَى بِاعتِبارِ الأُولَى [التي هي المُوَالَاةُ الكُبْرَى]، وإلَّا فهي في نَفْسِها أَكْبَرُ الكَبائرِ، وهو [أَيِ النَّوْعُ الثَّانِي (المُوَالَاةُ الصُّغْرَى)] كُلُّ ما يُؤَدِّي إلى مُصادَقَتِهم وتَوْقِيرِهم واحتِرامِهم وتَعظِيمِهم. انتهى باختصار]، وهي كُلُّ ما فيه إعزازٌ لِلكُفَّارِ مِن إكرامِهم، أو تَقدِيمِهم في المَجالِسِ، أو اِتِّخاذِهم عُمَّالًا، ونحوِ ذلك، فهذا مَعْصِيَةٌ ومِن كبائرِ الذُّنوبِ، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ}، فسَمَّى إلقاءَ الْمَوَدَّةِ مُوَالَاةً، ولم يُكَفِّرْهم بها بَلْ ناداهم بِاسْمِ الإيمانِ [بِقولِه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}]، وهذه الآيَةُ فَسَّرَها عُمَرُ فِيمَن اِتَّخَذَ كاتِبًا نَصْرانِيًّا لَمَّا أَنْكَرَ على أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، ومَن أَرادَ بَسْطَ هذه المَسألةِ فَلْيُراجِعْ كِتابَ (أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ) لسليمانَ بنِ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب في (مَجموعةُ التَّوحِيدِ [مَجموعةُ التَّوحِيدِ النَّجْدِيَّةُ هي مَجموعةُ كُتُبٍ ورَسائلَ لِأئمَّةِ الدَّعوةِ النَّجْدِيَّةِ السَّلَفِيةِ، أَشْرَفَ على تَصحِيحِها وطَبْعِها الشَّيخُ محمد رشيد رضا])... ثم سُئِلَ (أَيِ الشيخُ الخضيرُ) {ما حُكْمُ الأَكْلِ عند النَّصَارَى في بُيُوتِهم؟}، فأجابَ: لا يَجُوزُ، لِحَدِيثِ {لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ} رَوَاه ابنُ حبان [في صحيحِه] مِن حديثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ [ورَوَاه أحمدُ وأبو داود والترمذي، وحَسَّنَه الألبانِيُّ في (صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ). وقال أبو عبدِالرحمن شرف الحق العظيم آبادي في (عون المعبود): قَالَ الْخَطَّابِيُّ {إِنَّمَا جَاءَ هَذَا فِي طَعَامِ الدَّعْوَةِ دُونَ طَعَامِ الْحَاجَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)، وَمَعْلُومٌ أَنَّ أُسَرَاءَهُمْ كَانُوا كُفَّارًا غَيْرَ مُؤْمِنِينَ وَلَا أَتْقِيَاءَ، وَإِنَّمَا حَذَّرَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنْ صُحْبَةِ مَنْ لَيْسَ بِتَقِيٍّ وَزَجَرَ عَنْ مُخَالَطَتِهِ وَمُؤَاكَلَتِهِ، فَإِنَّ الْمُطَاعَمَةَ تُوقِعُ الأُلْفَةَ وَالْمَوَدَّةَ فِي الْقُلُوبِ}. انتهى. وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، سُئِلَ الشيخُ {حُكْمُ الأَكْلِ مع تارِكِ الصَّلاةِ؟}، فأجابَ الشيخُ: إذا كانَ ضَيْفًا فَلَا بَأسَ، وتَنْصَحُه؛ أمَّا إذا كانَ مِن جِيرانِك وَغَيْرِهِمْ فَلَا، وعليك أَنْ تَنْصَحَه. انتهى]، وقالَ تعالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ}، قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ في هذه الآيَةِ {كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُوَاصِلُونَ رِجَالًا مِنَ الْيَهُودِ، لِمَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْجِوَارِ وَالْحِلْفِ [فِي الْجَاهِلِيَّةِ]، فَأَنْزَلَ اللَّهُ [فِيهِمْ] يَنْهَاهُمْ عَنْ مُبَاطَنَتِهِمْ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ عَلَيْهِمْ [مِنْهُمْ]}، ولِأنَّ الأَكْلَ معهم وزِيَارَتَهم يُؤَدِّي إلى مَحَبَّتِهم وهذا مُحَرَّمٌ، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ}، وقالَ تَعالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ}، بَلِ الواجبُ بُغْضُهم ومُعَادَاتُهم والتَّبَاعُدُ عنهم وهَجْرُهم، قالَ تَعالَى {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ [أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ، أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ، وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ، أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ]}؛ أَمَّا إنْ كانَ هناك مَصلَحةٌ مِن زِيَارَتِهم بدَعْوَتِهم، وقد ظَهَرَ عليه القُبُولُ والرَّغْبةُ، ثم أثناءَ هذه الزِّيَارةِ أَكَلْتَ عنده تَبَعًا فَلَا مانِعَ، فَيَجُوزُ تَبَعًا ما لا يَجُوزُ اِستِقلالًا، بِشَرْطِ أنْ لا يَكونَ في الأَكْلِ شَيءٌ مُحَرَّمٌ... ثم سُئِلَ (أَيِ الشيخُ الخضيرُ) {الآيَةُ تَقولُ (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ، وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ) الآيَةَ، نَرْجُو منكم التَّوضِيحَ وما في ذلك مِن تَعَارُضٍ بين القَولِ بِعَدَمِ الجَوَازِ وهذه الآيَةِ؟}، فأجابَ: أَكْلُ ذَبائحِ النَّصَارَى لا يَعْنِي زِيَارَتَهم والأَكْلَ عندهم، بَلْ قَدْ نَشتَرِي منهم ذَبائحَ هُمْ ذَبَحُوها بِما لا يُخالِفُ الشَّرِيعةَ، فَنَشْتَرِيها منهم مِن دُونِ زِيَارَتِهم والأَكْلِ عندهم... ثم سُئِلَ (أَيِ الشيخُ الخضيرُ) {قال تعالى (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)، فَكَيفَ نَستَطِيعُ أنْ نُوَفِّقَ بين الزَّواجِ مِنَ الكِتَابِيَّاتِ (أَهْلِ الكِتَابِ) -والزَّواجُ يَقُومُ على المَوَدَّةِ والمَحَبَّةِ- وبين عَقِيدةِ الوَلَاءِ والبَرَاءِ؟}، فأجابَ: التَّوفِيقُ أَنَّك تُحِبُّها لِكَوْنِها زَوْجَتَك وصاحِبَتَك، لِأنَّ مُتَعَلِّقَ هذه المَحَبَّةِ أُمُورُ الدُّنْيَا والاستمتاعُ الدُّنْيَوِيُّ، ومع ذلك تُعَرَّفُ أنَّ دِينَها باطِلٌ وهي كافِرةٌ، وتُبْغِضُ دِينَها، ولا تُمَكِّنْها مِن سَبِّ الإسلامِ ونَحوِه، لِأنَّ مُتَعَلِّقَ هذه المَحَبَّةِ [يَعنِي المَوَدَّةَ المَذكورةَ في الآيَةِ] الدِّينُ والآخِرَةُ، فَلَمَّا اِخْتَلَفَ مُتَعَلِّقُ الأَمْرِ أَمْكَنَ التَّوفيقُ، وتَمَامًا مِثْلُ لو أنَّ رَجُلًا غَنِيًّا وأنت تَكْرَهُهُ لِأخْلَاقِه وصِفاتِه لكِنْ تَجْلِسُ معه وتَخْدِمُه لِمَا يُعْطِيك مِنَ المالِ؛ أَمَّا جَوَازُ النِّكاحِ فَثَابِتٌ، قالَ تَعالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}، مع أنَّ مَذْهَبَ عُمَرَ كَرَاهِيَةُ الزَّواجِ مِنَ الكِتابِيَّاتِ [وذلك] مِن بابِ السِّيَاسةِ الشَّرعِيَّةِ لَمَّا اِخْتَلَفَ الزَّمانُ وظَهَرَ الضَّعْفُ لِكَثْرةِ مَن دَخَلَ في هذا الدِّينِ بعدَ الفُتُوحاتِ. انتهى باختصار]؛ ومِثلُ ذلك قالَ تلميذُه حسينُ بنُ علي [بن نفيسة الحنبليُّ الْمُتَوَفَّى عامَ 1375هـ] رَحِمَهُ اللهُ {فَيَا دَوْلةَ الأتراكِ لا عادَ عِزُّكُم *** علينا، وفي أَوْطانِنا لا رَجَعْتُمُو *** مَلَكْتُم فخالَفْتُم طريقَ نبيِّنا *** وللمُنْكَراتِ والخُمورِ اسْتَبَحْتُمُو *** جَعَلْتُم شِعَارَ المشركِين شِعَارَكم *** فكُنْتُم إلى الإشراكِ أَسْرَعَ مِنْهُمُو *** تَزَوَّدْتُم دِينَ النَّصارَى عِلَاوَةً *** فَرِجْسًا على رِجْسٍ عظيمٍ حَمَلْتُمُو *** فبُعْدًا لَكُم سُحْقًا لَكُم خَيْبَةً لَكُم *** ومَن كان يَهْوَاكُم ويَصْبُو إلَيْكُمُو [نَقْلًا عن كِتَابِ (تذكرةُ أُولِي النُّهَى) لِلشيخِ إبراهيمَ بنِ عبيد آل عبدالمحسن (ت1425هـ)]}. انتهى باختصار.

 

(33)وقالَ الشَّيخُ محمد بنُ إبراهيم السعيدي (رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية المعلمين بمكة) في مقالة له بعنوانِ (وَرَقاتٌ حَوْلَ كِتابِ "الدُّرَرُ السَّنِيَّةُ") على موقِعِه في هذا الرابط: يَنْعَى [أَيْ يَعِيبُ ويُشَهِّرُ] النَّاعُون على عَدَدٍ مِن عُلَماءِ الدَّعوةِ -ومنهم الشيخُ محمد بنُ عبدِالوهَّابِ نَفْسُه- قِتالَهم قَبَائلَ وأَهْلَ قُرًى مِن نَجْدٍ، بَعْدَ تَكفِيرِهم، وقَوْلَهم في بَعْضِ مُؤَلَّفاتِهم {أَسْلَمَ أَهْلُ قَرْيَةِ كَذَا}، و{ارتَدَّ أَهْلُ قَرْيَةِ كَذَا}، فَكَيفَ يَصِحُّ لهم [أَيْ لِعُلَماءِ الدَّعوةِ النَّجْدِيَّةِ السَّلَفِيةِ] ذلك؟... ثم ذَكَرَ -أَيِ الشيخُ السعيدي- الجَوابَ على هذا النَّعْيِ، فَقالَ: الرٍّدَّةُ والكُفرُ لَيْسَا مُستَحِيلَين على أَهْلِ نَجْدٍ وَلَا عَلَى أَيٍّ مِن أُمَّةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فقد اِرْتَدَّ فِئَامٌ [أَيْ جَمَاعاتٌ] مِنَ العَرَبِ في حَيَاةِ النبيِّ [قلتُ: اِرْتَدَّ بَنُو حَنِيفَةَ (وَهُمْ قَوْمُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ) وبَنُو أَسَدٍ (وَهُمْ قَوْمُ طُلَيْحَةَ الأَسَدِيِّ) في حَيَاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم]، وبَعْدَ وَفَاتِه [أيضًا]، وكانوا -قَبْلَ أنْ يَرْتَدُّوا- مِن أُمَّتِه، وكانوا بَعْدَ رِدَّتِهم يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، لَكِنَّ شَهادَتَهم هذه لم تَعْصِمْهم مِنَ الرِّدَّةِ، فبَنُو حَنِيفَةَ كانوا لا يُقِرُّون بخَتْمِ النُّبُوَّةِ [بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم] وصَدَّقُوا كَذَّابَهُمْ أنَّه بُعِثَ نَبِيًّا [قلتُ: اِرْتَدَّ بَنُو حَنِيفَةَ وَهُمْ يَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَيُؤَذِّنُونَ وَيُصَلُّونَ. وقالَ الشيخُ أكرمُ العمري (رئيس المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية) في كتابِه (عصر الخلافة الراشدة): وكانَ في بَنِي حَنِيفَةَ -قَبِيلةِ مُسَيْلِمَةَ- عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ المُسلمِين، وقد قاوَموا مُسَيْلِمَةَ بقِيَادةِ ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ الْحَنَفِيِّ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ العمري-: وقَدِ اِلْتَفَّ حَولَه [أَيْ حَولَ مُسَيْلِمَةَ] أكثرُ بَنِي حَنِيفَةَ. انتهى. وقالَ رحيم الحلو (أستاذ التاريخ والفكر الاسلامي بجامعة البصرة) في (دِراسة تَحلِيلِيَّة في أبرَزِ المُرتَدِّين عنِ الدِّين الإسلامي): اِتَّبَعَتْه [أَيِ اِتَّبَعَتْ مُسَيْلِمَةَ] جَمَاهِيرُ غَفِيرةٌ مِن بَنِي حَنِيفَةَ في اليَمَامَةِ... ثم قالَ -أَيِ الحلو-: انْصاعَ له [أَيْ لِمُسَيْلِمَةَ] أهلُ اليَمَامَةِ مؤمنِين بِنُبُوَّتِه... ثم قالَ -أَيِ الحلو-: عامَّةُ بَنِي حَنِيفَةَ وأَهْلِ اليَمَامَةِ اِرْتَدَّتْ معه مُؤمِنِين بِنُبُوَّتِه (كَمَا وَرَدَ في المَصادرِ التَّارِيخِيَّةِ)... ثم قالَ -أَيِ الحلو-: لا نَستطِيعُ القَولَ أنَّ جَمِيعَ العَرَبِ في اليَمَامَةِ قد آمَنَتْ بمُسَيْلِمَةَ، بَلْ حتى مِن قَومِه هناك مَن لم يُؤمِنْ به، فثُمَامَةُ بْنُ أُثَالِ بْنِ النُّعْمَانِ الْحَنَفِيُّ (أَحَدُ الشَّخْصِيَّاتِ الكَبِيرةِ والوَجِيهةِ [وهو مِن ساداتِ بَنِي حَنِيفَةَ]) كانَ مِنَ الذِين ثَبَتُوا على إسلامِهم، فكانَ هذا الرَّجُلُ مِمَّن يَنْهَى قَومَه عنِ اِتِّباعِ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ. انتهى باختصار]، وبَنُو تَمِيمٍ لم يُنْكِروا الشَّهادَتَين وإنَّما مَنعُوا الزَّكاةَ [قالَ أَبُو الرَّبِيعِ الْكَلَاعِيُّ (ت634هـ) في (الاكْتِفاء): وارْتَدَّتْ عامَّةُ بَنِي تَمِيمٍ]، وبَنُو أَسَدٍ مِثُلُ بَنِي حَنِيفَةَ صَدَّقُوا طُلَيْحَةَ الأَسَدِيَّ في دَعْوَى النُّبُوَّةِ ولم يُنْكِروا الشَّهادَتَين [قالَ سلطان السرحاني في (جامع أنساب قبائل العرب): وقد اِرْتَدَّتْ عامَّةُ بَنِي أَسَدٍ عنِ الإسلامِ. انتهى. وفي هذا الرابط قالَ مَرْكَزُ الفتوى بموقع إسلام ويب التابعُ لإدارةِ الدعوةِ والإرشادِ الدينيِّ بوزارةِ الأوقافِ والشؤونِ الإسلاميةِ بدولةِ قطر: واجتَمَعَ على طُلَيْحَةَ عَوَامُّ طَيِّئٍ وأَسَدٍ. انتهى]؛ فإذا كانَتِ الرِّدَّةُ مُتَصَوَّرةً في الجِيلِ الأَوَّلِ مِنَ المُسلِمِين وبَعْدَه، وفي حَيَاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وعُقَيْبَ وَفَاتِه، فكيفَ نَستَنْكِرُ أنْ تَحدُثَ بَعْدَ وَفَاتِه بِمِئَاتِ السِّنِين، وفي بَلَدٍ مِثْلِ نَجْدٍ ظَلَّ مُهْمَلًا وبَعِيدًا عنِ العِلمِ والدَّعوةِ قُرُونًا طَوِيلةً، هذا مع صِحَّةِ الخَبَرِ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بأنَّ أَقْوامًا مِن أُمَّتِه سيَرتَدُّون {وَلا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَلْحَقَ حَيٌّ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ، وَحَتَّى تَعْبُدَ فِئَامٌ مِنْ أُمَّتِي الأَوْثَانَ} [قالَ الشيخُ خالد المشيقح (الأستاذ بقسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم) في (شرح كتاب التوحيد): {وَحَتَّى تَعْبُدَ فِئَامٌ مِنْ أُمَّتِي الأَوْثَانَ} يَعنِي (جَماعاتٌ كَثِيرةٌ تَعْبُدُ الأَوْثَانَ). انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ محمد صالح المنجد في مُحاضَرةٍ بعُنْوانِ (أشراط الساعة الصغرى) مُفَرَّغَةٍ على موقِعِه في هذا الرابط: ومِن أَشْراطِ الساعةِ الصُّغْرَى ظُهورُ الشِّركِ في هذه الأُمَّةِ، كما قالَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم {لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى}، وقد وَقَعَ هذا كما أَخْبَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ولَمَّا شاءَ اللهُ تَعالَى أنْ يَخْرُجَ الإمامُ الشيخُ المُجَدِّدُ محمد بنُ عبدالوهاب -رَحِمَه اللهُ- كانَتِ الأَصنامُ قد عُبِدَتْ في جَزِيرةِ العَرَبِ، فَجَاهَدَ في سبيلِ اللهِ بحَمْلِ الناسِ على التَّوحِيدِ وتَرْكِ الشِّركِ؛ ورَوَى الإمامُ أحمدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ ثَوْبَانَ قالَ {قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ، وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي الأَوْثَانَ) وَفِي رِوَايَةٍ (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَلْحَقَ حَيٌّ [قالَ الشيخُ ابنُ عثيمين في (القول المفيد): الحَيٌّ بمَعْنَى القَبِيلةِ، والظاهِرُ أنَّ المُرادَ به الجِنْسُ وليس واحِدَ الأَحْيَاءِ. انتهى باختصار] مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ، وَحَتَّى تَعْبُدَ فِئَامٌ مِنْ أُمَّتِي الأَوْثَانَ)}، وقد حَدَثَ هذا في هذا الزَّمَانِ في أماكِنَ مِن بِلَادِ فَارِسَ والعراقِ، فإنَّ قَبائلَ مِنَ العَرَبِ قد دَخَلَتْ في دِينِ أَهْلِ الرَّفْضِ، وعَدَلُوا عنِ التَّوحِيدِ إلى الشِّركِ، وصارُوا مُشْرِكِينَ مع أنَّ أَجْدادَهم مِنَ المسلمِين، الآنَ لو سَأَلْتَهم عن أَجْدادِهم لَقالُوا {أَجْدادُنا مِنَ السُّنَّةِ المسلمِين}، لَكِنْ هؤلاء قَبَائلُ دَخَلوا في دِينِ أَهْلِ الشِّركِ؛ وقَولُه {حَتَّى تَعْبُدَ فِئَامٌ مِنْ أُمَّتِي الأَوْثَانَ}، الفِئَامُ هي الجَماعاتُ، وهذا قد وَقَعَ، ففي كُلِّ جِهَةٍ مِن جِهاتِ العالَمِ الإسلامِيِّ مَن يَعْبُدُون القُبورَ، ويُعَظِّمون أصحابَها، ويَسألُونها الحاجاتِ مِن دُونِ اللهِ، ويَرغَبون إليها، ويَذْبَحون عندها، ويَحْلِقون عندها ويَطُوفُون بها، ويَتَمَسَّحون ويَتَبَرَّكون ويَلْتَجِئُون، وَهَكَذَا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المنجد-: ومِنَ المَظاهِرِ العَظِيمةِ للشِّركِ تَحكِيمُ غَيرِ شَرِيعةِ اللهِ، فَلَحِقَتْ أيضًا أَحْيَاءٌ [أَيْ قَبَائلُ] مِنَ المُسلمِين بهذه القَضِيَّةِ وطَبَّقوا غَيرَ شَرعِ اللهِ تَعالَى، وكانوا كاليَهُودِ والنَّصارَى الذِين قالَ اللهُ فيهم {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المنجد-: وقَدِ اِلْتَحَقَتْ -أيضًا- في بِلَادِ الشُّيُوعِيَّةِ سابِقًا فِئَامٌ مِن هذه الأُمَّةِ بالمَذاهِبِ الشُّيُوعِيَّةِ [جاء في هذا الرابط على مَوقِعُ (الإسلامُ سؤالٌ وجَوابٌ) الذي يُشْرِفُ عليه الشيخُ محمد صالح المنجد: أَصَحُّ النَّظَرِيَّاتِ في أَصْلِ نَشْأَتِها -يَعْنِي الشُّيُوعِيَّةَ- أنَّها واحِدةٌ مِنَ الأَفْكارِ التي تَشَكَّلَتْ في عُقولِ المُجْتَمَعاتِ الغَربِيَّةِ نَتِيجةَ الصِّراعِ مع الكَنِيسةِ ورِجَالِ الدِّينِ عَبْرَ قُرونٍ مُتَطَاوِلةٍ، حيث كانَ الظُّلمُ والطُّغْيانُ والاسْتِبْدادُ شِعَارَ تلك الفَتْرَةِ، فظَهَرَ الإلْحادُ، وظَهَرَتِ العَلْمَانِيَّةُ والشُّيُوعِيَّةُ والرَّأْسُمَالِيَّةُ وغيرُها مِنَ المَبَادِئِ كبَدِيلٍ عن عُصُورِ الظَّلَامِ المُتَطَاوِلةِ، فحَكَمَتْ وما زالَتْ تَحْكُمُ تلك المُجْتَمَعاتِ، بَلْ أَصْبَحَتْ مَناهِجَ في التَّفكِيرِ، وفَلْسَفاتٍ يُؤمِنُ بها أَتْباعُها، ويُنَظِّرُ لها أصحابُها. انتهى] بَعْدَ أنْ كانوا مُسلِمِين، والأَمَلُ في عَودةِ هؤلاء إلى الإسلامِ والتَّوحِيدِ مَرَّةً أُخرَى، وبجُهودِ الدُّعاةِ المُخْلِصِين سيَعُودُ فِئَامٌ منهم إلى التَّوحِيدِ والإسلامِ كما خَرَجُوا منه إلى الكُفْرِ، وهذا يَعتَمِدُ على نَشَاطِ هؤلاء الدُّعاةِ، فإنَّ إعادةَ مَن كانَ جَدُّه مِن أَهْلِ السُّنَّةِ ومِنَ المُوَحِّدِين سَهْلٌ، لكنْ إذا تَطَاوَلَتْ عليهم القُرونُ فإنَّ عَودَتَهم صَعْبَةٌ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المنجد-: وعندما نَعلَمُ أنَّ هذا شَرَطٌ مِن أشراطِ الساعةِ، فإنَّ هذا لا يَعْنِي الاستِسلامَ له (إذا رَأَيْنا قَبَائلَ مِن هذه الأُمَّةِ الْتَحَقَتْ بالمُشْرِكِينَ أنْ نَسْكُتَ)، لا، [بَلْ] يَجِبُ علينا أنْ نَقُومَ بِدَعوَتِهم لإعادَتِهم إلى الإسلامِ، لكنَّ وُقُوعَ هذا الشَّيءِ عَلَمٌ مِن أَعلامِ النُّبُوَّةِ، ودَلِيلٌ على صِدْقِ النبيِّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المنجد-: ومِن مَظاهِرِ الشِّركِ -أيضًا- التي أَخْبَرَ النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ عنها ما حَدَثَ مِن ظُهورِ الفِرَقِ المُشْرِكةِ في هذه الأُمَّةِ، فقد ظَهَرَتْ فِرَقٌ كُفْرِيَّةٌ، كانوا مِنَ المُسلمِين ثم انْحَرَفوا إلى الشِّركِ والكُفرِ، كما وَقَعَ في ذلك القَدَرِيَّةُ وغيرُهم والباطِنِيَّةُ، أَصْلًا كانوا مِنَ المُسلمِين ثم دَخَلَتْ فيهم هذه الدَّواخِلُ الخَبِيثةُ؛ وقالَ النبيُّ عليه الصلاة والسلام {إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ يُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ}، وعن عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ قالَ {سَيَأْتِي قَومٌ يُكَذِّبونَ بالقَدَرِ، ويُكَذِّبونَ بالحَوْضِ، ويُكَذِّبونَ بالشفاعةِ، ويُكَذِّبونَ بِقَوْمٍ يُخرَجونَ مِنَ النارِ} وهذا مَوْقُوفٌ حَسَنٌ، ورَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ {صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَا يَرِدَانِ [عَلَيَّ] الْحَوْضَ وَلَا يَدْخُلَانِ الْجَنَّةَ، الْقَدَرِيَّةُ وَالْمُرْجِئَةُ} وَقَوَّاه الألبانِيُّ في السِّلْسِلةِ الصَّحِيحةِ؛ إِذَنْ حَدَثَ ظُهورُ القَدَرِيَّةِ كما أَخْبَرَ النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ، وَهُمُ الذِين يقولون أنَّ اللهَ ما كَتَبَ المَقادِيرَ، ولا قَدَّرَها، وأنَّ كُلَّ واحِدٍ يَخْلُقُ فِعْلَه بنَفْسِه، وأنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ بالشيءِ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِه، تَعالَى اللهُ عن قَوْلِهم عُلُوًّا كبيرًا؛ والمُرجِئةُ الذِين أَرْجَأُوا العَمَلَ عنِ الإيمانِ، [أَيْ] أَخَّرُوا العَمَلَ عنِ الإيمانِ، وقالوا {الإيمانُ هو التَّصدِيقُ فَقَطْ}، وقالوا {الإيمانُ في القَلْبِ، والعملُ لا يَدْخُلُ في الإيمانِ}، وقد حَدَثَ ذلك فِعْلًا. انتهى باختصار]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ السعيدي-: فالظاهِرُ أنَّ رَأْيَ العُلَماءِ [يَعْنِي أئمَّةَ الدعوةِ النَّجْدِيَّةِ السَّلَفِيةِ] قَدِ اِسْتَقَرَّ على القَولِ بِكُفْرِ الدَّولةِ العُثمانِيَّةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ السعيدي-: عَدَاءُ العُثمانِيِّين لهم [أَيْ لِدَولةَ الدَّعوةِ النَّجْدِيَّةِ السَّلَفِيةِ] لَمْ يَكُنْ سِوَى عَدَاءٍ عَقَدِيٍّ بسَبَبِ نَفْرَةِ دَولةِ الدَّعوةِ مِن مَظاهِرِ الشِّركِ الأكبرِ التي كانَ العالَمُ الإسلامِيُّ يَمْتَلِئُ بها، وقِيَامِ هذه الدَّولةِ [أَيِ العُثمانِيَّةِ] بحِمَايَةِ تلك المَظاهِرِ وعِمَارَتِها، وإباءِ العُثمانِيِّين انتِشارَ دَعوةِ إخلاصِ العِبَادةِ للهِ في العالَمِ الإسلامِيِّ في حين تُنْفُقُ الدَّولةُ [أَيِ العُثمانِيَّةُ] الأَمْوالَ على الأَضْرِحةِ والتَّكَايَا [(تَكَايَا) جَمْعُ (تَكِيَّةٍ) وهي مَكانٌ يَأْوِي إليه الصُّوفِيُّون لِمُمارَسةِ شَعائرِهم] الصُّوفِيَّةِ... ثم وَصَفَ -أَيِ الشيخُ السعيدي- دَولةَ الدَّعوةِ النَّجْدِيَّةِ السَّلَفِيةِ أيَّامَ خُصومَتِها مع الدَّولةِ العُثمانِيَّةِ، فَقالَ: دَولةُ الدَّعوةِ المِنْبَرُ الوَحِيدُ آنَذَاكَ للتوحيدِ الخالِصِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ السعيدي-: كما حَكَمَ بذلك [أَيْ بِكُفْرِ الدَّولةِ العُثمانِيَّةِ] الشيخُ أحمدُ الغُمَارِي مِن عُلَماءِ المَغْرِبِ الصُّوفِيَّةِ [هو الحافِظُ المُحَدِّثُ الصُّوفِيُّ الشَّاذِلِيُّ أحمدُ بنُ الصدِّيق الغُمَارِي (الْمُتَوَفَّى عامَ 1380هـ/1960م)]، فَقالَ {وقد نَبَذَتِ الدَّولةُ التُّرْكِيَّةُ [يَعنِي الدَّولةَ العُثمانِيَّةَ، وقالَ {الدَّولةُ التُّرْكِيَّةُ} لِأنَّ فيها مَركَزَ الحُكْمِ. وقد قالَ الشيخُ عبدُالعزيز بن صالح الجربوع في (الوارف في مشروعية التثريب على المخالف، بِتَقدِيمِ الشيخَين حمود الشعيبي، وعَلِيِّ بْنِ خضير الخضير): الشيخُ حَمَدُ بْنُ عَتِيقٍ (الْمُتَوَفَّى عامَ 1301هـ رَحِمَه اللهُ) أَلَّفَ كِتابًا في نَقْدِ الدولةِ العُثمانِيَّةِ وبَيَانِ ضلالِها سَمَّاه {سبيل النجاة والفكاك مِن مُوَالَاةِ المرتدِّين والأتراك}. انتهى] أَواخِرَ أيَّامِ إسلامِها الحُكْمَ بالفِقهِ الإسلامِيِّ المَأخوذِ مِنَ الشَّرِيعةِ أو مِنَ القَواعِدِ المَنْسوبَةِ إليها على الأَقَلِّ، وصارَتْ تَحكُمُ بالقانونِ المَأخوذِ عنِ الأَنْجاسِ الأَرجاسِ الذِين قالَ اللهُ فيهم (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ، بَلْ هُمْ أَضَلُّ)، فكَفَرَتْ بذلك كُفْرًا صُرَاحًا}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ السعيدي-: إنَّ عُلَماءَ الدَّعوةِ لم يَنفَرِدوا برَأْيٍ يَشِذُّون به عنِ الأُمَّةِ، فليس لهم رَأْيٌ إلَّا ومِن عُلَماءِ الأُمَّةِ مِنَ السَّلَفِ والخَلَفِ مُوافِقٌ لهم فيه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ السعيدي-: عُلَماءُ الدَّعوةِ حين يَحكُمون بالكُفرِ فإنَّما يَستَنِدون إلى الكِتابِ والسُّنَّةِ. انتهى باختصار.

 

(34)وقالَ الشَّيخُ عبدُالله بنُ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب (ت1339هـ) عنِ (الدَّولةِ العثمانيَّةِ): مَن لم يَعْرِفْ كُفْرَ الدَّولةِ ولم يُفَرِّقْ بينهم وبين البُغَاةِ مِنَ المُسلِمِين لم يَعْرِفْ مَعْنَى (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، فإنِ اِعتَقَدَ مع ذلك أنَّ الدَّولةَ مُسلِمُون فهو أَشَدُّ وأعْظَمُ، وهذا هو الشَّكُّ في كُفْرِ مَن كَفَرَ بِاللهِ وأشْرَكَ به، ومَن جَرَّهُمْ وأعانَهم على المُسلِمِين [يَعنِي (على المُجتَمَعاتِ التي أَحْكَمَتِ الدَّعوةُ النَّجْدِيَّةُ السَّلَفِيةُ سَيْطَرَتَها عليها)] بِأَيِّ إعانةٍ فهي رِدَّةٌ صَرِيحةٌ. انتهى من (الدُّرَر السَّنِيَّة في الأجوبة النَّجْدِيَّة).

 

(35)وقالَ أبناءُ الشيخِ محمد بنِ عبدالوهاب: ونُنْكِرُ ما عليه أكثرُ الناسِ، مِنَ الإشراكِ باللهِ مِن دُعاءِ غيرِ اللهِ، والاستغاثةِ بِهم عندَ الشدائدِ، وسؤالِهم قَضَاءَ الحاجاتِ وإغاثة اللَّهَفاتِ. انتهى من (الدُّرَر السَّنِيَّة في الأجوبة النَّجْدِيَّة).

 

(36)وقالَ الشيخُ أحمدُ الحازمي في (شرح مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد): إذا كان المُجْتَمَعُ قد تَرَبَّى على الشِّركِ والكُفرِ ونحوِ ذلك، يَجِبُ أنْ يُعتَقَدَ رِدَّتُهم وكُفْرُهم. انتهى باختصار.

 

(37)وقالَ الشَّيخُ أبو بصير الطرطوسي في (قواعدُ في التكفير): فَإنْ قِيلَ ما هو الضابِطُ الذي يُعِينُ على تَحدِيدِ الكافِرِ مِنَ المُسلِمِ، ومَعرِفةِ كُلِّ واحِدٍ مِنهما؟، أقولُ، الضابِطُ هو المُجتَمَعاتُ التي يَعِيشُ فِيها الناسُ، فَأحكامُهم تَبَعٌ لِلْمُجتَمَعاتِ التي يَعِيشون فيها... ثم قالَ -أَيِ الشَّيخُ الطرطوسي-: قد يَتَخَلَّلُ المُجتَمَعَ العامَّ الإسلامِيَّ مُجتَمَعٌ صَغِيرٌ، كَقَرْيَةٍ أو ناحِيَةٍ وغَيرِ ذلك يَكونُ جَمِيعُ أو غالِبُ سُكَّانِه كُفَّارًا غَيْرَ مُسلِمِين، كَأَنْ يَكونوا يَهودًا أو نَصارَى، أو مِنَ القَرامِطةِ الباطِنِيِّين، وغَيرِ ذلك، فَحِينَئذٍ هذا المُجتَمَعُ الصَّغِيرُ لا يَأخُذُ حُكمَ ووَصْفَ المُجتَمَعِ الإسلامِيِّ الكَبِيرِ، بَلْ يَأخُذُ حُكمَ ووَصْفَ المُجتَمَعِ الكافِرِ مِن حيث التَّعامُلُ مع أفرادِه وتَحدِيدُ هَوِيَّتِهم ودِينِهم؛ وكذلك المُجتَمَعُ الكافِرُ عندما تَتَواجَدُ فِيه قَرْيَةٌ أو مِنطَقةٌ يَكونُ جَمِيعُ سُكَّانِها أو غالِبُهم مِنَ المُسلِمِين، فَحِينَئذٍ تَتَمَيَّزُ هذه القَرْيَةُ أو المِنطَقةُ عنِ المُجتَمَعِ العامِّ الكافِرِ مِن حيث التَّعامُلُ مع الأفرادِ وتَحدِيدُ هَوِيَّتِهم ودِينِهم... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الطرطوسي-: الناسُ يُحكَمُ عليهم على أساسِ المُجتَمَعاتِ التي يَنتَمون ويَعِيشون فِيها؛ فَإنْ كانَتْ إسلامِيَّةً حُكِمَ بِإسلامِهم وعُومِلوا مُعامَلةَ المُسلِمِين ما لم يَظْهَرْ مِن أحَدِهم ما يَدُلُّ على كُفرِه أو أنَّه مِنَ الكافِرِين؛ وإنْ كانَتْ مُجتَمَعاتٍ كافِرةً حُكمِ عليهم بِالكُفرِ وعُومِلوا مُعامَلةَ الكافِرِين ما لم يَظْهَرْ مِن أحَدِهم ما يَدُلُّ على إسلامِه أو أنَّه مِنَ المُسلِمِين؛ لِهذا السَّبَبِ وغَيرِه حَضَّ الشارِعُ على الهِجرةِ مِن دارِ الكُفرِ إلى دار الإسلامِ. انتهى.

 

(38)وقالَ الشيخُ إسحاقُ بنُ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب (ت1319هـ): قالَ عبدُاللطيف [بنُ عبدالرحمن آل الشيخ] رَحِمَه اللهُ [في كِتابِه (مصباح الظلام)] {فَماذا على شَيْخِنا [محمدِ بنِ عبدالوهاب] رَحِمَه اللهُ لو حَمَى الْحِمَى، وَسَدَّ الذَّرِيعةَ، وَقَطَعَ الوَسِيلةَ، لا سِيَّمَا في زَمَنٍ فَشَا فيه الجَهلُ، وقُبِضَ العِلْمُ، وبَعُدَ العَهدُ بِآثارِ النُّبُوَّةِ، وجاءَتْ قُرُونٌ لا يَعْرِفون أصلَ الإسلامِ ومَبَانِيَه العِظَامَ، وأكثَرُهم يَظُنُّ أنَّ الإسلامَ هو التَّوَسُّلُ بِدُعاءِ الصالِحِين وقَصْدُهم في المُلِمَّاتِ والحَوائج، وأنَّ مَن أَنْكَرَ جاءَ بِمَذْهَبٍ خَامِسٍ [يَعني أنَّهم يَظُنُّون أنَّ مَن أَنْكَرَ عليهم ما هُمْ فيه مِن باطِلٍ جاءَ بِمَذْهَبٍ خَامِسٍ] لا يُعْرَفُ قَبْلَه}. انتهى باختصار مِنَ (الأجوِبةُ السَّمعِيَّاتُ لِحَلِّ الأسئلةِ الروَّافِيَّاتِ، بِعِنايَةِ الشيخِ عادل المرشدي).

 

(39)وقالَ الشيخُ عبدُاللطيف بنُ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب في (مصباح الظلام) أيضًا: وقد رَأَيتُ لبعضِ المعاصِرِين [يعني عثمان بن منصور الناصري (ت1282هـ)] كِتابًا [هو كِتابُ (جِلَاءُ الغُمَّةِ عن تكفيرِ هذه الأُمَّةِ)] يُعارِضُ به ما قَرَّرَ شيخُنا [محمد بن عبدالوهاب] مِن أُصولِ المِلَّةِ والدِّينِ، ويُجادِلُ بمَنْعِ تضليلِ عُبَّادِ الأولياءِ والصالحِين، ويُناضِلُ عن غُلَاةِ الرافضةِ والمشركِين، الذِين أنزلوا العِبَادَ بمَنْزِلةِ رَبِّ العالَمِين، وأَكْثَرَ التَّشْبِيهَ [أَيْ أَكْثَرَ مِن إلْقاءِ الشُّبَهِ] بأنَّهم مِنَ الأُمَّةِ، وأنَّهم يقولون (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، وأنهم يُصَلُّون ويصُومون... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ عبدُاللطيف-: وأمَّا بعضُ الأُمَّةِ فلا مانِعَ مِن تكفيرِ مَن قامَ الدليلُ على كُفرِه، كبَنِي حَنِيفَةَ وسائرِ أهلِ الرِّدَّةِ في زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ عبدُاللطيف-: واعلمْ أنَّ هذا المعترضَ [يعني عُثْمَانَ بْنَ منصور الناصري] لم يَتصوَّرْ حقيقةَ الإسلامِ والتوحيدِ، بلْ ظَنَّ أنه مُجَرَّدُ قَوْلٍ بلا مَعْرِفةٍ ولا اعتقادٍ، ولِأجْلِ عَدَمِ تَصَوُّرِه رَدَّ إلحاقَ المشركِين في هذه الأزمانِ بالمشركِين الأوَّلِين، ومَنَعَ إعطاءَ النَّظِيرَ حُكْمَ نَظِيرِه [جاءَ في المَوسوعةِ العَقَدِيَّةِ (إعدادُ مَجموعةٍ مِنَ الباحِثِين، بِإشرافِ الشيخِ عَلوي بنِ عبدِالقادرِ السَّقَّافِ): فالشَّيءُ يُعطَى حُكْمَ نَظِيرِه، ويُنْفَى عنه حُكْمُ مُخالِفِه، ولا يَجُوزُ العَكْسُ بِحالٍ (وهو أنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ مُتَماثِلَين أو يُجْمَعَ بَيْنَ مُختَلِفَين)... ثم جاء -أَيْ في المَوسوعةِ-: فكُلُّ مَن فَرَّقَ بَيْنَ مُتَماثِلَين، أو جَمَعَ بَيْنَ مُختَلِفَين، مِن مُبتَدِعةِ المُسلِمِين، يَكونُ فيه شَبَهٌ مِنَ اليَهُودِ والنَّصارَى، وَهُمْ إمامُه وسَلَفُه في ذلك. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (سِلْسِلَةُ مَقالاتٍ في الرَّدِّ على الدُّكْتُورِ طارق عبدالحليم): ولا يَكونُ في الشَّرعِ الذي تُلُقِّيَ مِن لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ التَّفرِيقَ بَيْنَ مُتَماثِلَين. انتهى]، وإجراءَ الحُكْمِ مع عِلَّتِه، واعتَقَدَ أنَّ مَن عَبَدَ الصالحِين ودَعاهم وتَوَكَّلَ عليهم وقَرَّبَ لهم القَرَابِين مُسْلِمٌ مِن هذه الأُمَّةِ، لأنه يشهدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ويَبْنِي المساجدَ ويُصَلِّي، وأنَّ ذلك يَكْفِي في الحُكْمِ بالإسلامِ ولو فَعَلَ ما فَعَلَ مِنَ الشركِيَّاتِ!؛ وحينئذٍ فالكلامُ مع هذا وأمثالِه [يَنبغِي أنْ يكونَ] في بيانِ الشركِ الذي حَرَّمَه اللهُ ورسولُه، وحَكَمَ بأنه لا يُغْفَرُ، وأنَّ الجَنَّةَ حرامٌ على أهلِه، وفي بيانِ الإيمانِ والتوحيدِ الذي جاءَتْ به الرُّسُلُ، ونَزَلَتْ به الكُتُبُ، وحُرِّمَ أَهْلُه على النارِ، فإذا عَرَفَ هذا وتَصَوَّرَه تَبَيَّن له أنَّ الحُكْمَ يَدُورُ مع عِلَّتِه، وبَطَلَ اعتراضُه مِن أَصْلِه، وانهدمَ بِنَاؤه. انتهى باختصار.

 

(40)وقالَ الشيخُ عبدُاللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب: كان أهلُ عَصْرِه [أي عصرِ الشيخ محمد بن عبدالوهاب] ومِصْرُه [أي بَلَدُه] في تلك الأزمانِ قد اشتدَّتْ غُربةُ الإسلامِ بينهم، وعَفَتْ [أَيِ اِنْمَحَتْ] آثارُ الدِّينِ لديهم، وانهدمَتْ قواعدُ المِلَّةِ الحَنِيفِيَّةِ، وغَلَبَ على الأكثرِين ما كان عليه أهلُ الجاهليةِ، وانطمسَتْ أعلامُ الشريعةِ في ذلك الزَّمانِ، وغَلَبَ الجهلُ والتقليدُ والإعراضُ عنِ السُّنَّةِ والقرآنِ، وشَبَّ الصغيرُ وهو لا يَعْرِفُ مِنَ الدِّينِ إِلَّا ما كانَ عليه أهلُ البُلدانِ، وهَرِمَ الكبيرُ على ما تَلَقَّاه عنِ الآباءِ والأجدادِ، وأعلامُ الشريعةِ مطموسةٌ، ونصوصُ التَّنْزيلِ وأصولُ السُّنَّةِ فيما بينهم مَدْرُوسَةٌ [أَيْ مُنْمَحِيَةٌ]، وطريقةُ الآباءِ والأَسْلافِ مرفوعةُ الأعلامِ، وأحاديثُ الكُهَّانِ والطواغيتِ مقبولةٌ غَيْرُ مردودةٍ ولا مدفوعةٍ، قد خَلَعُوا رِبْقَةَ التوحيدِ والدِّينِ، وجَدُّوا واجتهدوا في الاستغاثةِ والتَّعَلُّقِ على غيرِ اللهِ مِنَ الأولياءِ والصالحِين، والأوثانِ والأصنامِ والشياطينِ، وعلماؤهم ورؤساؤهم على ذلك مُقْبِلُون ومِن بَحْرِه الأُجَاجِ شارِبُون وبه راضُون وإليه مَدَى الأَزْمانِ داعُون، قد أَغْشَتْهم العَوائدُ [أَيِ العاداتُ] والمَأْلُوفاتُ، وحَبَسَتْهم الشَّهواتُ والإراداتُ، عنِ الارتفاعِ إلى طَلَبِ الهُدَى مِنَ النُّصوصِ المُحْكَماتِ والآياتِ البَيِّناتِ، يَحتجُّون بما رَوُوه مِنَ الآثارِ الموضوعاتِ [أَيِ المَكْذُوبةِ المُخْتَلَقةِ]، والحِكايَاتِ المُخْتَلَقَةِ والمَناماتِ، كما يَفْعَلُه أهلُ الجاهليةِ وَغُبُرُ الفَتَرَاتِ [أَيْ أهلُ الفَتَرَاتِ الغابِرُون]، وكثيرٌ منهم يَعتقدُ النَّفْعَ والضُّرَّ في الأحجارِ والجَمَاداتِ، ويَتبرَّكون بالآثارِ والقُبُورِ في جميعِ الأوقاتِ؛ فلمَّا تَفَاقَمَ هذا الخَطْبُ وعَظُمَ، وتَلَاطَمَ مَوْجُ الكفرِ والشركِ في هذه الأُمَّةِ وجَسَمَ، واندرسَتِ الرسالةُ المُحمديَّةُ، وانْمَحَتْ منها المَعالمُ في جميعِ البَرِيَّةِ [أَيِ الخَلْقِ]، وطُمِسَتِ الآثارُ السَّلَفِيَّةُ، وأُقِيمتِ البِدَعُ الرَّفْضِيَّةُ والأُمُورُ الشِّركِيَّةُ، تَجَرَّدَ الشيخُ [محمدُ بنُ عبدالوهاب] للدعوةِ إلى اللهِ. انتهى باختصار من (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية).

 

(41)وقالَ الشيخُ صلاحُ الدِّين بنُ محمد آل الشيخ (خطيب جامِعِ الإمام محمد بن عبدالوهاب وجامِعِ الأمير بندر بن محمد) في كتابه (كَشْف الأكاذيب والشُّبُهات عن دعوة المُصْلِح الإمام محمد بن عبدالوهاب): يقولُ اِبنُ غَنَّامٍ [في (روضة الأفكار والأفهام لمرتاد حال الإمام وتعداد غزوات ذوي الإسلام)] واصِفًا حالَ الناسِ قَبْلَ ظُهُورِ دَعوةِ الشيخِ [محمد بنِ عبدالوهاب] {كان أكثرُ الناسِ في مَطْلَعِ القرنِ الثَّانِيَ عَشَرَ الهِجريِّ قد ارْتَكَسُوا في الشركِ، وارتدُّوا إلى الجاهلية، وانطفأَ في نُفُوسِهم نُورُ الهُدَى، لِغَلَبَةِ الجَهْلِ عليهم، واستعلاءِ ذَوِي الأهواءِ والضَّلالِ، فنَبَذُوا كتابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهم، واتَّبَعُوا ما وَجَدوُا عليه آباءَهم مِن الضلالةِ، وقد ظَنُّوا أنَّ آباءَهم أَدْرَى بالحقِّ وأَعْلَمُ بالصَّوَابِ، فعَدَلُوا إلى عبادةِ الأَوْلِيَاءِ والصالحِين، أمواتِهم وأحيائهم، يستغيثون بهم في النَّوَازِلِ والحوادثِ، ويَسْتَعِينُونَهم على قَضَاءِ الحاجاتِ وتَفْرِيجِ الشَّدائدِ}، ثم أَخَذَ يُعَدِّدُ ويَذْكُرُ المَشاهِدَ والقِبَابَ التي بُنِيَتْ على القُبُورِ، وما يُفْعَلُ عندَها مِن الشركِ البَوَاحِ، في نَجْدٍ والحِجَازِ، ومِصْرَ وصَعِيدِها، واليَمَنِ وحَضْرَمَوْتَ، وحَلَبَ ودِمَشْقَ، وفي المَوْصِلِ والعِرَاقِ. انتهى باختصار.

 

(42)وقالَ عبدُالعزيز بنُ محمد بن سعود (ثانِي حُكَّامِ الدَّولةِ السُّعودِيَّةِ الأُولَى، وقد تُوُفِّيَ عامَ 1218هـ): فَلَّما مَنَّ اللهُ علينا بِمَعرِفةِ دِينِ الرُّسُلِ اِتَّبَعْناه ودَعَوْنا الناسَ إليه، وإلَّا فنحن قَبْلَ ذلك على ما عليه غَالِبُ الناسِ، مِنَ الشِّركِ باللهِ، مِن عبادةِ أهل القبور والاستغاثةِ بهم، والتَّقَرُّبِ إلى اللهِ بالذبحِ لهم، وطَلَبِ الحاجات منهم، مع ما يَنضَمُّ إلى ذلك مِن فِعْلِ الفواحشِ والمُنكَراتِ وارتِكابِ الأُمورِ المُحَرَّماتِ وَتَرْكِ الصَّلَواتِ وَتَرْكِ شعائرِ الإسلامِ، حتى أَظهَرَ اللهُ تعالى الحَقَّ بَعْدَ خَفائه، وأَحْيَا أثَرَه بعد عَفَائِه، على يَدِ شيخِ الإسلامِ، فَهَدَى اللهُ تعالى به مَن شاءَ مِنَ الأَنَامِ، وهو الشيخُ محمد بنُ عبدالوهاب، أَحسَنَ اللهُ له في آخِرَتِه المَآبَ، فأبْرَزَ لَنا ما هو الحَقُّ والصَّوابُ، فَبَيَّنَ لنا أنَّ الذي نحن عليه، وهو دِينُ غالِبِ الناسِ، مِنَ الاعتقاداتِ في الصالِحِين وغيرهم، ودَعوَتِهم، والتَّقَرُّبِ بالذبحِ لهم، والنَّذْرِ لهم، والاستغاثةِ بهم في الشدائد، وطَلَبِ الحاجاتِ منهم، أنَّه الشِّركُ الأكبَرُ الذي نَهَى اللهُ عنه وتَهَدَّدَ بالوَعِيدِ الشديدِ عليه؛ فحين كَشَفَ لنا الأَمْرَ وعَرَّفَنا ما نحن عليه مِنَ الشِّركِ والكُفرِ، بالنصوص القاطعة والأدلة الساطعة، مِن كتابِ اللهِ، وسُنَّةِ رسولِه صلى الله عليه وسلم، وكلامِ الأئمة الأعلام الذِين أَجْمَعَتِ الأُمَّةُ على دِرايَتِهم، عَرَفْنا أنَّ ما نحن عليه وما كُنَّا نَدِينُ به أَوَّلًا أنَّه الشِّركُ الأكبَرُ الذي نَهَى اللهُ عنه وحَذَّرَ، وأنَّ اللهَ إنَّما أَمَرَنا أنْ نَدعُوَه وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. انتهى باختصار من (الدُّرَر السَّنِيَّة في الأجوبة النَّجْدِيَّة). وقالَ الشيخُ عبدُالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب: العلماءُ في وَقْتِنا هذا، وقَبْلَه، في كثيرٍ مِنَ الأمصارِ، ما يَعْرِفون مِن معنى (لا إله إلا الله) إلا توحيد الربوبية، كمن كان قَبْلَهم في عصر شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن رجب، اغتروا بقول بعض العلماء مِنَ المُتَكَلِّمِين {إنَّ مَعنَى (لا إلَه إلَّا الله) القادِرُ على الاختراع}، وبعضهم يقول {معناها الْغَنِيُّ عَمَّنْ سِوَاهُ، المُفْتَقِرُ إِلَيْهِ ما عداه}. انتهى من (الدُّرَر السَّنِيَّة في الأجوبة النَّجْدِيَّة). وقالَ الشيخُ سليمانُ الخراشي في كتابِه (ثَمَانِ قَواعِدَ مُهِمَّةٍ لِمَن أَرَادَ نِقَاشَ المُناوِئِين لِدَعوةِ الشيخِ محمد بنِ عبدِالوهابِ): لَقَدِ اِعتَرَفَ عُلَماءُ مِن نَجْدٍ بالخَلَلِ الْعَقَدِيِّ الذي تَلَبَّسوا به، وأنَّ اللهَ تَعالَى هَدَاهم بفَضْلِ هذه الدَّعوةِ المُبارَكةِ، ومِن ذلك أنَّ الشَّيخَ عبدَاللهِ بْنَ عيسى (قاضي الدِّرْعِيَّةِ [عاصِمةِ الدَّعوةِ السَّلَفِيَّةِ وعاصِمةِ الدَّولةِ السُّعوديَّةِ الأُولَى]) يَقولُ {لا تَغْتَرُّوا بِمَن لا يَعْرِفُ شَهادَةَ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وتَلَطَّخَ بِالشِّركِ وهو لا يَشْعُرُ، فَقَدْ مَضَى أكثَرُ حَياتِي، وَلَم أَعْرِفْ مِن أنواعِه [أَيْ أنواعِ الشِّركِ] ما أعْرِفُه اليَومَ، فَلِلَّهِ الحَمْدُ على ما عَلَّمْنا مِن دِينِه}؛ فإذا كانَ هذا حالَ العُلَماءِ، فَمَا بَالُكَ بِالعامَّةِ والدَّهْمَاءِ؟. انتهى باختصار. وقالَ الشَّوْكَانِيُّ في كتابِه (الدُّرُّ النَّضِيدُ في إخلاص كلمة التوحيد، بتعليق الشيخ أبي عبدالله الحلبي): واعلمْ أنَّ ما حَرَّرْنا وقَرَّرْنا مِن أنَّ كثيرًا مِمَّا يَفْعَلُه المُعتقِدون في الأموات يَكُونُ شِرْكًا، قد يَخْفَى على كَثِيرٍ مِن أَهْلِ العِلْمِ، وذلك لا لِكَوْنِه خَفِيًّا في نَفْسِه، بَلْ لإطْباقِ الجُمهورِ على هذا الأمرِ، وكَوْنِه قد شابَ عليه الكبيرُ وشَبَّ عليه الصغيرُ، وهو يَرَى ذلك ويَسْمَعُه، ولا يَرَى ولا يَسْمَعُ مَن يُنْكِرُه، بَلْ رُبَّما يَسْمَعُ مَن يُرَغِّبُ فيه ويُنْدِبُ النَّاسَ إليه، ويَنْضَمُّ إلى ذلك ما يُظْهِرُه الشَّيطانُ للنَّاسِ مِن قضاءِ حَوَائجِ مَن قَصَدَ بعضَ الأمواتِ الَّذِين لهم شُهْرَةٌ وللعامَّةِ فيهم اعتقادٌ، ورُبَّما يَقِفُ جَمَاعةٌ مِنَ المُحتالِين على قبرٍ ويَجْلِبون النَّاسَ بأكاذِيبَ يَحْكُونها عن ذلك المَيِّتِ لِيَستَجلِبوا منهم النُّذورَ، ويَسْتَدِرُّوا منهم الأرزاقَ، ويَقْتَنِصُوا النَّحائرَ [نَحائرُ جَمْعُ نَحِيرٍ، وهو المَنْحُورُ أو المذبوحُ]، ويستخرجوا مِن عَوامِّ النَّاسِ ما يَعُودُ عليهم وعلى مَن يَعُولُونَهُ، ويَجْعَلُون ذلك مَكْسَبًا ومَعاشًا، ورُبَّما يُهَوِّلُون على الزائرِ لذلك المَيِّتِ بتَهْوِيلَاتٍ، ويُجَمِّلُون قَبْرَه بما يَعْظُمُ في عَيْنِ الواصِلِين إليه، ويُوقِدُون في المَشْهَدِ [أَيِ الضَّرِيح] الشُّمُوعَ، ويُوقِدُون فيه الأَطْيابَ [أطيابٌ جَمْعُ طِيبٍ، وهو كُلُّ ذِي رائحةٍ عَطِرَةٍ ويُتَطَيَّبُ به]، ويَجْعَلُون لزيارتِه مَوَاسِمَ مَخْصُوصةً يَتَجَمَّعُ فيها الجَمْعُ الجَمُّ فيَنْبَهِرَ الزَّائرُ ويَرَى ما يَمْلأُ عَيْنَه وسَمْعَه مِن ضَجِيجِ الخَلْقِ وازدحامِهم، وتَكَالُبِهم على القُرْبِ مِن المَيَّتِ، والتَّمسُّحِ بأَحْجارِ قَبْرِه وأَعْوَادِه، والاستغاثةِ به، والالْتِجاءِ إليه، وسُؤَالِه قَضَاءَ الحاجاتِ ونَجَاحَ الطَّلَبَاتِ، مع خُضوعِهم واستِكَانَتِهم وتَقْرِيبِهم إليه نَفائسَ الأموالِ ونَحْرِهم أصنافَ النحائرِ، فبِمَجْمُوعِ هذه الأمورِ، مع تَطاوُلِ الأزمِنةِ وانقراضِ القَرْنِ بعدَ القَرْنِ، يَظُنُّ الإنسانُ مبادئَ عُمُرِه وأوائلَ أيَّامِه أنَّ ذلك مِن أعظمِ القُرُباتِ وأفضلِ الطَّاعاتِ، ثمَّ لا يَنْفَعُه ما تَعَلَّمَه مِنَ العِلْمِ بَعْدَ ذلك [قالَ الشيخُ بَكْر أبو زيد (عضو هيئة كِبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في كِتَابِه (المدارس العالَمِيَّة): فكُلُّ مَولودٍ يُولَدُ على فِطْرَةِ الإسلامِ، لو تُرِكَ على حالِه ورَغْبَتِه لَمَا اِختارَ غيرَ الإسلامِ، لَوْلَا ما يَعْرِضُ لهذه الْفِطْرَةِ مِنَ الأسبابِ المُقْتَضِيَةِ لإفسادِها وتَغْيِيرِها وأَهَمُّها التَّعالِيمُ الباطِلةُ والتَّرْبِيَةُ السَّيِّئَةُ الفاسِدةُ [لَمَا اِختارَ غيرَ الإسلامِ]، وقد أشارَ إليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقولِه {فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أوْ يُنَصِّرَانِهِ أوْ يُمَجِّسَانِهِ} أَيْ أنَّهما يَعْمَلَان مع الوَلَدِ مِنَ الأسبابِ والوَسائلِ ما يَجْعَلُه نَصْرَانِيًّا أوْ يَهُودِيًّا أوْ مَجُوسِيًّا، ومِن هذا تَسلِيمُ الأولادِ الصِّغَارِ الأغْرارِ [أَيْ قَلِيلِي الخِبْرَةِ والتَّجْرِبةِ] إلى المَدارسِ الكُفرِيَّةِ أو اللادِينِيَّةِ بِحُجَّةِ التَّعَلُّمِ، فيَتَرَبَّوْنَ في حِجْرِهم [أَيْ حِجْرِ القائمِين على هذه المَدارِسِ] ويَتَلَقَّوْنَ تَعلِيمَهم وعَقائدَهم منهم، وقَلْبُ الصَّغِيرِ قابِلٌ لِمَا يُلقَى فيه مِنَ الخَيْرِ والشَّرِّ، بَلْ ذلك بمَثَابةِ النَّقْشِ على الحَجَرِ، فَيُسَلِّمُونهم إلى هذه المَدارِسِ نَظِيفِين، ثم يَسْتَلِمونهم مُلَوَّثِين، كُلٌّ بِقَدْرِ ما عَبَّ [أَيْ تَجَرَّعَ] منها ونَهَلَ، وقد يَدْخُلُها [أَيِ الوَلَدُ] مُسلِمًا ويَخْرُجُ منها كافِرًا [فقد يَخْرُجُ عَلْمَانِيًّا، أو دِيمُقْراطِيًّا، أو لِيبرالِيًّا، أوِ اِشتِراكِيًّا، أو شُيُوعِيًّا، أو قَومِيًّا، أو وَطَنِيًّا، أو قُبورِيًّا، أو رافِضِيًّا، أو قَدَرِيًّا، أو مُغَالِيًا في الإرجاءِ، أو مُعْرِضًا غيرَ مُبَالٍ بالدِّينِ، أو فاقِدًا لِعقَيدةِ الوَلاءِ والبَراءِ التي تَحَقُّقُها شَرْطٌ في صِحَّةِ الإيمانِ، أو مُناصِرًا لِلطَّواغِيتِ مُعتَبِرًا أنَّهم وُلَاةُ أَمْرِ المُسلِمِين مُعادِيَّا للمُوَحِّدِين (أَهْلِ السُّنَّةِ والجماعةِ) ظَانًّا أنَّهم مُرْتَزِقَةٌ أو سُفَهَاءُ الأَحْلامِ أو أَهْلُ بِدعةٍ وضَلالٍ وإفسادٍ، أو مُسْتَخِفًّا بِالشَّرِيعةِ مُسْتَهْزِئًا بِالمُوَحِّدِين، أو غَيْرَ مُعْتَقِدٍ كُفْرَ اليَهُودِ والنَّصارَى وأمثالِهم]، نعوذُ باللهِ مِن ذلك، فَالْوَيْلُ كُلَّ الْوَيْلِ لِمَن تَسَبَّبَ في ضَلالِ اِبْنِه وغَوَايَتِه، فمَن أَدْخَلَ وَلَدَه راضِيًا مُخْتَارًا مَدرَسةً وهو يَعْلَمُ أنَّها تَسْعَى بمَناهِجِها ونَشاطاتِها لإخراجِ أولادِ المسلمِين مِن دِينِهم وتَشكِيكِهم في عَقِيدتِهم، فهو مُرْتَدٌّ عنِ الإسلامِ كما نَصَّ على ذلك جَمْعٌ مِنَ العلماءِ. انتهى]، بَلْ يَذْهَلُ عن كُلِّ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ تَدُلُّ على أنَّ هذا هو الشِّركُ بعَيْنِه، وإذا سَمِعَ مَن يَقُولُ ذلك أَنْكَرَه، ونَبَا [أَيْ أَعْرَضَ] عنه سَمْعُه، وضاقَ به ذَرْعُه [يَعنِي عَجَزَ عن احْتِمالِه]، لأنَّه يَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أنْ يَنْقُلَ ذِهْنَه دُفْعَةً وَاحِدَةً في وَقتٍ واحدٍ عن شَيءٍ يَعْتَقِدُه مِن أعظمِ الطَّاعاتِ، إلى كَوْنِه مِن أَقْبَحِ المُقَبَّحاتِ وأكبَرِ المُحَرَّماتِ، مع كَوْنِه قد دَرَجَ [أَيِ اِعْتَادَ] عليه الأَسْلَافُ ودَبَّ [أَيِ انْتَشَرَ] فيه الأَخْلَافُ وتَعَاوَدَتْهُ العُصورُ وتَنَاوَبَه الدُّهورُ، وَهَكَذَا كُلُّ شَيءٍ يُقَلِّدُ النَّاسُ فيه أسلافَهم ويُحَكِّمون العاداتِ المُسْتَمِرَّةِ، وبهذه الذَّرِيعةِ الشَّيطانِيَّةِ والوسيلةِ الطَّاغُوتِيَّةِ بَقِيَ المُشْرِكُ مِن الجاهِلِيَّةِ على شِرْكِه، واليَهوديُّ على يَهودِيَّتِه، والنَّصرانِيُّ على نَصرانِيَّتِه، والمُبتَدِعُ على بِدْعَتِه، وصارَ المَعروفُ مُنْكَرًا والمُنْكَرُ مَعروفًا، وتَبَدَّلَتِ الأُمَّةُ بِكَثِيرٍ مِنَ المَسائلِ الشَّرعِيَّةِ غَيْرَها، وأَلِفُوا ذلك، ومَرَنَتْ [أَيْ تَعَوَّدَتْ] عليه نُفوسُهم، وقَبِلَتْه قُلوبُهم، وَأَنِسُوا [أَيِ اِطْمَأَنُوا] إليه، حتَّى لو أرادَ مَن يَتَصَدَّى لِلإرشادِ أنْ يَحْمِلَهم على المَسَائلِ الشَّرعِيَّةِ البَيْضاءِ النَّقِيَّةِ الَّتي تَبَدَّلوا لها غَيْرَها لَنَفَرُوا عن ذلك، ولم تَقْبَلْهُ طَبَائِعُهم، ونالُوا ذلك المُرْشِدَ بكُلِّ مَكْرُوهٍ، ومَزَّقُوا عِرْضَه بكُلِّ لِسَانٍ. انتهى.

 

(43)وقالَ الشيخُ محمد بنُ عبدالوهاب في كتابِ (مُؤَلَّفات الشيخِ الإمامِ محمد بنِ عبدالوهاب): وأَنَا أُخْبِرُكم عن نَفْسِي، وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، لقد طَلَبْتُ العِلْمَ، واعْتَقَدَ مَنْ عَرَفَنِي أنَّ لي مَعْرِفةً، وأَنَا ذلك الوَقتَ لا أَعْرِفُ مَعْنَى (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، ولا أَعْرِفُ دِينَ الإسلامِ -قَبْلَ هذا الخَيْرِ الذي مَنَّ اللهُ به- وكذلك مَشَايِخِي ما منهم رَجُلٌ عَرَفَ ذلك، فمَن زَعَمَ مِن عُلَمَاءِ العارضِ [العارِضُ هي الرياضُ وما حَوْلها، وهي إحدَى مَنَاطِقِ نَجْدٍ] أنَّه عَرَفَ مَعْنَى (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) أو عَرَفَ مَعْنَى الإسلام قَبْلَ هذا الوقتِ، أو زَعَمَ أنَّ أَحَدًا مِن مَشَايِخِه عَرَفَ ذلك، فقد كَذَبَ وافْتَرَى ولَبَّسَ على الناسِ ومَدَحَ نفسَه بما ليس فيه. انتهى. وقالَ الشيخُ حاتم العوني (عضو هيئة التدريس في كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى) تعليقًا على هذا الكلام على موقعِه في هذا الرابط: وهُنَا أُنَبِّهُ إلى أُمُورٍ؛ (أ)أنَّ الشيخَ [محمد بن عبدالوهاب] يُصَرِّحُ بأنَّ الناسَ قَبْلَه لا يَعْرِفون مَعْنَى (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)؛ (ب)الشيخُ يُصَرِّحُ بأنهم لا يَعْرِفُون الإسلامَ، وأَيُّ تكفيرٍ أكثرُ مِن هذا صَرَاحَةً؛ (ت)أنَّه حَكَمَ بِعَدَمِ إسلامِ أهلِ العارِضِ قَبْلَ دَعْوَتِه، مِمَّا يُذْهِبُ دَعْوَى اشْتِرَاطِه قِيامَ الحُجَّةِ بدَعْوَتِه [يَعْنِي مِمَّا يُذْهِبُ دَعْوَى مَنِ اِدَّعَى أنَّ الشيخَ لا يُكَفِّرُ مَن وَقَعَ في الشركِ الأكبرِ إلَّا بَعْدَ قِيامِ الحُجَّةِ] أَدْراجَ الرِّيَاحِ. انتهى باختصار.

 

(44)وقالَ الشيخُ عبدُالرحمن بنُ قاسم (1392هـ) في (الدُّرَر السَّنِيَّة في الأجوبة النَّجْدِيَّة) في تَرْجَمةِ محمد بنِ سعودٍ (أَوَّلِ حُكَّامِ الدَّولةِ السُّعُودِيَّةِ الأُولَى): صارَ هو الخَلِيفةَ في نَجْدٍ مِن سَنَةِ 1158هـ إلى 1179هـ، وتَتَابَعَتِ الخِلافةُ في ذُرِّيَّتِه إِلَى الآنَ، جاهَدوا في اللهِ حَقَّ جِهادِه حتى أَنْجَحَ اللهُ لهم المَآرِبَ وحَقَّقَ لهم ما رامُوا مِنَ المَطالِبِ، وأَشرَقَتْ جَزِيرةُ العَرَبِ بِالتَّوحيدِ، وطَهُرَتْ مِنَ الشِّركِ والبِدَعِ والتَّنْدِيدِ. انتهى.

 

(45)وقالَ الشيخُ عليُّ بنُ محمد الصلابي (عضو الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (الدولة العثمانية، عوامل النهوض وأسباب السقوط): وفي أواخرِ الدَّولةِ العثمانيةِ كَثُرَ على غَيرِ العادةِ تَشْيِيدُ القِبَابِ وبِنَاءُ الأضرحةِ وإقامةُ المَشاهِدِ وتحديثُ المَزَارَاتِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصلابي-: وقد تَجَلَّتْ مظاهرُ الشركِ ووسائلِه في تلك الفترةِ في بناءِ المساجدِ والقِبَابِ والمَشاهِدِ على الأَضْرِحةِ والقُبورِ في أقاليمِ الدولةِ، بَلِ اِنتَشرَ ذلك في العالَمِ الإسلامِيِّ كُلِّه، وللأسفِ الشديدِ نَجِدُ الدولةَ العثمانيةَ في العُصورِ المتأخِّرةِ تُشَجِّعُ على تلك المَشاهِدِ والأَضْرِحةِ المنتشِرةِ في العالَمِ الإسلامِيِّ، وكانت جميعُ الأقاليمِ الإسلاميةِ في الحجاز، واليمن، وإفْرِيقِيَا، ومِصْرَ، والمغربِ العربيِّ [الْمَغْرِبُ العَرَبِيُّ يَشْمَلُ (تُونِسَ والمغربَ والجزائرَ وليبيا وموريتانيا)]، والعراق، والشام، وتُرْكِيَا، وإيران، وبلادِ ما وَرَاءَ النهرِ [بلادُ ما وَرَاءَ النهرِ أو ما يُعرفُ الآنَ بوَسَطِ أسيا أو أسيا الوُسْطَى، هي مِنْطَقةٌ تَشملُ تركستان الشرقيَّةَ (المُحْتَلَّةَ الآنَ مِن قِبَلِ الصِّينِ)، وطاجيكستان، وتركمانستان، وقيرغيزستان، وأوزبكستان، وكازاخستان]، والهند، وغيرِها، تَتَسابَقُ في بِنَاءِ الأَضْرِحةِ والقِبَابِ، وتَتَنَافَسُ في تعظيمِها والاحتفاءِ بها، إِذِ البناءُ على القُبورِ هو ما دَرَجَ عليه أهلُ ذلك العَصرِ، وهو الشَّرَفُ الذي يَتُوقُ إليه الكثيرون... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصلابي-: لقد أُولِعَ العثمانيون في عُصورِهم المتأخِّرةِ بالبِناءِ على كلِّ ما يُعَظِّمُه الناسُ في ذلك العَصرِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ما يُعَظِّمُونه قُبورًا، أو آثارًا لِأنبِياءَ، أو غيرَ ذلك، وأصبحتْ تلك المَشاهِدُ والأَضْرِحةُ مَحَلًّا للاستغاثةِ والاستعانةِ بأصحابِها، وانتشرتْ عَقَائِدُ شِركِيَّةٌ كالذبحِ لغيرِ اللهِ، والنَّذْرِ للأَضْرِحةِ، وطَلَبِ البَرَاءِ [أَيِ الشِفَاءِ] مِنَ الأَضْرِحةِ والاعتِصامِ بها، وأصبَحَتِ الأَضْرِحةُ والقُبورُ تُهَيْمِنُ على حياةِ الناسِ؛ وهكذا طَغَتْ هذه الأَضْرِحةُ على حياةِ الناسِ وأصبحتْ مُهَيْمِنةً على شُؤُونِهم وشَغَلَتْ تفكيرَهم وتَبَوَّأَتْ في نُفوسِهم وقُلوبِهم أَعْلَى مَكانةٍ، وكانت رَحَى تلك الهَيْمَنةِ تَدُورُ على الغُلُوِّ والشركِ بالأمواتِ والتَّعَلُّقِ بهم مِن دُونِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فلا يُبْرِمُون مِن أُمُورِهم صغيرةً ولا كبيرةً إلا بعدَ الرُّجوعِ إلى تلك الأَضْرِحةِ ودُعاءِ أصحابِها واستشارتِهم -وهم لا يَمْلِكون لأَنْفُسِهم ضَرًّا ولا نَفْعًا، فكيف لغيرِهم-، وقد كان العلماءُ (وللأسفِ الشديدِ) يَتقدَّمون العامَّةَ ويُسِنُّون لهم السُّنَنَ السَّيِّئةَ في تعظيمِ الأَضْرِحةِ والمَقَاماتِ والوُلُوعِ بها ويَزْرَعون الهَيْبَةَ في نُفُوسِهم بما كانوا يقومون به، وقد تَمَادَى الناسُ في الشركِ والضلالِ وأَمْعَنُوا في الوَثَنِيَّةِ ومُحارَبةِ التَّوحيدِ فلَمْ يَكْتَفُوا بالمَقبورِين والأحياءِ، بلْ أشركوا بالأشجارِ والأحجارِ، واعتادَ الناسُ في أواخرِ الدولةِ العثمانيةِ أنْ يَحْلِفُوا بغيرِ اللهِ عزَّ وجلَّ مِنَ المخلوقِين، وكان يَسْهُلُ عليهم الحَلِفُ بالله كاذِبًا عامِدًا مُتعمِّدًا، ولكنَّه لا يَجْرُؤُ أبدًا أنْ يَحْلِفَ بما عَظَّمَه مِنَ المخلوقِين إلَّا صادِقًا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصلابي-: لقد كانَتِ الأُمَّةُ في تلك الفَتْرَةِ غارقةً في عبادةِ الأضرحةِ والتَّعَلُّقِ بها مِن دُونِ اللهِ عزَّ وجلَّ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصلابي-: لَقَدْ كانَتِ الصُّوفيةُ قد أَخَذَتْ تَنتَشِرُ في المُجتَمَعِ العَبَّاسِيِّ ولَكِنَّها كانَتْ رُكْنًا مُنْعَزِلًا عنِ المجتمعِ، أمَّا في ظِلِّ الدولةِ العُثمانيةِ فقد صارَتْ هي المُجتمعَ وصارَتْ هي الدِّينَ، وانتَشَرَتْ في القرنَين الأخيرَين بصفةٍ خاصَّةٍ تلك القَوْلَةُ العَجِيبةُ {مَن لا شَيْخَ له فشَيْخُه الشيطانُ}!، وأصبَحَتْ [أَيِ الصُّوفِيَّةُ] بِالنِّسبةِ لِلعامَّة بِصُورةٍ عامَّةٍ هي مَدْخَلَهم إلى الدِّينِ وهي مَجالَ مُمارَسَتِهم للدِّينِ؛ وقد كان كثيرٌ مِن سلاطِينِ آلِ عثمانَ يقومون بِرِعايَةِ الصوفِيَّةِ ويُفِيضُون عليها مِن عَطْفِهم وحَدَبَهم [أَيْ حُنُوِّهم ورِفْقِهم]، لَقَدْ كان ذلك العصرُ عصرَ الصُّوفِيَّةِ التي أَطْبَقَتْ على العالَمِ الإسلامِيِّ مِن أدناه إلى أقصاه، ولم تَبْقَ مَدِينةٌ ولَا قَريَةٌ إلَّا دَخَلَتْها (إذا اِستَثنَينا نَجْدًا ومُلْحَقاتِها) [قالَ الشيخُ سليمانُ بنُ سَحْمان (ت1349هـ) في كتابِه (منهاج أهل الحق والاِتِّباع في مخالَفةِ أهل الجهل والابتداع): أَهْلُ نَجْدٍ كانوا قبلَ دعوةِ الشيخِ [محمد بنِ عبدالوهاب] على الكُفْرِ، وجَميعُ بادِيَتِهم وحاضِرَتِهم أسلَموا بتلك الدَّعوةِ. انتهى باختصار. وفي فيديو للشيخِ صالحٍ اللُّحَيْدَان (عضو هيئة كبار العلماء، ورئيس مجلس القضاء الأعلى) بعنوان (الشيخ صالح اللحيدان يُقِرُّ بخُروجِ شيخِ الاسلامِ محمد بنِ عبدالوهاب عنِ الدَّولةِ العثمانيَّةِ) على هذا الرابط: فلا شَكَّ أنَّ نَجْدًا ومَن سارَ على المَنْهَجِ الذي سارَتْ عليه أَوَّلُ إقْلِيمٍ خَرَجَ عن سُلطانِ الدَّولةِ العثمانيَّةِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ عبدُالسلام بنُ برجس (الأستاذ المساعد في المعهد العالي للقضاء بالرياض) في تَحقِيقِه لِكِتابِ (دَحضُ شُبُهاتٍ على التَّوحِيدِ) الذي قَرَّظَه الشيخُ ابنُ جبرين: فأَثمرَتْ دعوةُ الشيخِ [محمد بنِ عبدالوهاب] في بلادِ نَجْدٍ وما جاوَرَها مِنَ البُلدان إثمارًا مَلموسًا، وانتَشرَتْ في تلك القِطَاعِ اِنتِشارًا مَحسوسًا. انتهى]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصلابي-: قام محمد عليّ [وَالِي مِصْرَ] بدَوْرٍ مشبوهٍ في نَقْلِ مِصْرَ مِنِ اِنتمائِها الإسلاميِّ الشاملِ إلى شيءٍ آخَرَ يؤدِّي بها في النِّهايَةِ إلى الخُروجِ عن شريعةِ اللهِ، وكانت تَجْرِبةُ محمد عليّ قُدْوةً لمَن بعدَه مِن أمثالِ مصطفى كمال أتاتُورك [الذي حَكَمَ تُرْكِيَا] وجمال عبدالناصر [الذي حَكَمَ مِصْرَ]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصلابي-: إنَّ أسبابَ سُقوطِ الدولةِ العثمانيةِ كثيرةٌ، جامِعُها هو الابتعادُ عن تحكيمِ شَرْعِ اللهِ تعالى، الذي جَلَبَ للأفرادِ والأُمَّةِ تَعَاسةً وضَنْكًا في الدنيا، وإنَّ آثارَ الابتعادِ عن شرعِ اللهِ ظَهَرَتْ في وَجْهَتِها [أَيْ وَجْهَةِ الدولةِ العثمانيةِ] الدِّينِيَّةِ والاجتماعيةِ والسياسيةِ والاقتصاديةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصلابي-: إنَّ انحرافَ سلاطِينِ الدولةِ العثمانيةِ المُتأخِّرِين عن شرعِ اللهِ، وتفريطَ الشُّعوبِ الإسلاميةِ -الخاضعةَ لهم- في الأَمْرِ بالمعروفِ والنَّهْيِ عنِ المُنْكَرِ، أَثَّرَ في تلك الشُّعوبِ، وكَثُرَتِ الاعتداءاتُ الداخليةُ بين الناسِ، وتَعَرَّضَتِ النُّفوسُ للهَلَاكِ، والأموالُ للنَّهْبِ، والأعراضُ للاغتِصابِ، بسببِ تَعَطُّلِ أحكامِ اللهِ فيما بينهم. انتهى باختصار.

 

(46)وجاءَ على الموقعِ الرَّسْمِيِّ لجريدة الوطن المصرية تحت عنوان (الأزهرُ يَبدأُ حَمْلةً مُوَسَّعةً لمُواجَهةِ التَّطَرُّفِ بنَشرِ الفِكرِ الأَشْعَرِيِّ) في هذا الرابط: قالَ مركزُ الأزهرِ العالَمِيُّ للفَتْوَى الإلكترونيةِ {إنَّ الأَشاعِرةَ يُمَثِّلون أكثرَ مِن 90% مِن المسلمِين}. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ ابنُ جبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء) على موقعه في هذا الرابط: فَإنَّ المُعتَقَدَ الأَشْعَرِيَّ هو الذي تَمَكَّنَ مِنَ القَرْنِ الرَّابِعِ إلى الآنَ [قالَ الشيخُ عبدُالرحمن البرَّاك (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في (إجابات الشيخ عبدالرحمن البراك على أسئلة أعضاء ملتقى أهل الحديث): إنَّ القُبورِيَّةَ إنَّما نَشَأَتْ في القَرنِ الرابِعِ. انتهى]. انتهى. وجاءَ في (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، بإشراف ومراجعة الشيخ مانع بن حماد الجهني): إنَّ مَدْرَسةَ الأَشْعَرِيَّةِ الفِكْرِيَّةِ لا تَزالُ مُهَيْمِنةً على الحَيَاةِ الدِّينِيَّةِ في العالَمِ الإسلامِيِّ. انتهى. وجاءَ في موسوعةِ الفِرَقِ المنتسبةِ للإسلامِ (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ عَلوي بن عبدالقادر السَّقَّاف): الأشاعرةُ مِن أكثرِ الفِرَقِ الكَلَامِيَّةِ انتشارًا إلى يَومِنا هذا. انتهى باختصار. وجاءَ على مَوقِعِ المَوسوعةِ التارِيخِيَّةِ الرَّسمِيَّةِ لِجَماعةِ الإخوانِ المُسلِمِين (ويكيبيديا الإخوانِ المُسلِمِين) في مَقالةٍ بِعُنوانِ (الإخوانُ المُسلِمون والمَنهَجِيَّةُ العَقَدِيَّةُ) على هذا الرابط: الإخوانُ جُزءٌ مِن نَسِيجِ الأُمَّةِ الإسلامِيَّةِ، لا تَشُذُّ الجَماعةُ عن مُعتَقَداتِ الأُمَّةِ وثَوابِتِها... ثم جاءَ -أَيْ في المَقالةِ-: المَذهَبُ الأشعَرِيُّ سارَ عليه سَلَفُ الأُمَّةِ مِنَ العُلَماءِ والمُحَدِّثِين والفُقَهاء والمُفَسِّرِين، وتَلَقَّتْه الأُمُّةُ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ بِالتَّلقِين والتَّعَلُّمِ والتَّأَمُّلِ فيه وإمعانِ النَّظَرِ، حتى نَكادَ أنْ نَقولَ بِأنَّ الأُمَّةَ قاطِبةً اِعتَنَقَتْ ذلك المَذهَبَ العَقَدِيَّ وسارَتْ عليه... ثم جاءَ -أَيْ في المَقالةِ-: وجاءَتْ جَماعةُ الإخوانِ المُسلِمِين بِعُلَمائها وفُقَهائها ومُحَدِّثِيها وفُحولِها ومُحَنَّكِيها، لِيَعتَنِقوا المَذهَبَ الأشعَرِيَّ كَمَنهَجٍ عَقَدِيٍّ، وكَمَرجِعِيَّةٍ كُبرَى لِلتَّعامُلِ مع النَّصِّ... ثم جاءَ -أَيْ في المَقالةِ-: وأشعَرِيَّةُ الإخوانِ لا مِراءَ فيها، ولا خِلافَ بين أهلِ العِلْمِ في مَرجِعِيَّتِهم تلك. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ صالحٌ الفوزان (عضوُ هيئةِ كِبار العلماءِ بالدِّيَارِ السعوديةِ، وعضوُ اللجنةِ الدائمةِ للبحوثِ العلميةِ والإفتاءِ) في (شرح كشف الشبهات): وغَالِبُ العُلَمَاءِ مُكِبُّونَ عَلَى عِلْمِ الكَلَامِ والمَنْطِقِ الَّذي بَنَوْا عَلَيْهِ عَقِيدَتَهُم. انتهى. وجاءَ في (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، بإشراف ومراجعة الشيخ مانع بن حماد الجهني): جَعَلَ الأشاعِرةُ التَّوحِيدَ هو إثباتُ رُبُوبِيَّةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ دُونَ أُلُوهِيَّتِه. انتهى. وقالَ الشيخُ محمد بن خليفة التميمي (عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (مواقف الطوائف مِن توحيد الأسماء والصفات): فإنَّ أَيَّ مُجْتَمَعٍ أَشْعَرِيٍّ تَجِدُ فيه تَوحِيدَ الإلَهِيَّةِ مُخْتَلًّا، وسُوقَ الشِّرْكِ والبِدْعةِ رائِجَةً. انتهى. وقالَ الشيخُ سليمان الخراشي في مقالة له بعنوان (هَلِ الأشاعرةُ مِن أهلِ السُّنَّة؟) على هذا الرابط: الأَشاعِرةُ والمَاتُرِيدِيَّةُ في بابِ التَّوحِيدِ، يَحْصُرُونه [أَيِ التَّوحِيدَ] في تَوحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ دُونَ تَوحِيدِ الأُلُوهِيَّةِ، مِمَّا ساهَمَ في اِنْتِشارِ البِدَعِ والشِّركِيَّاتِ حَوْلَهم دُونَما نَكِيرٍ. انتهى باختصار.

 

(47)وقالَ الشيخُ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإِسْكَنْدَرِيَّةِ) في (عقيدة الوَلَاءِ والبَراءِ): الوَلَاءُ والبَراءُ مَبْدَأٌ أَصِيلٌ مِن مَبَادِئِ الإسلامِ ومُقْتَضَيَاتِ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، فَلَا يَصِحُّ إيمانُ أَحَدٍ إلَّا إذا والَى أَوْلِياءَ اللهِ، وعادَى أعداءَ اللهِ، وقد فَرَّطَتِ الأُمَّةُ الإسلاميَّةُ اليومَ في هذا المَبْدَأِ الأصِيلِ، فَوَالَتْ أعداءَ اللهِ، وتَبَرَّأَتْ مِن أَوْلِياءِ اللهِ، ولأجل ذلك أصابَها الذل والهزيمة والخنوع لأعداء الله، وظَهَرَتْ فيها مظاهرُ البُعدِ والانحرافِ عنِ الإسلامِ. انتهى. وقالَ الشيخُ المهتدي بالله الإبراهيمي في (مُنْجِدَةُ الْغَارِقِين وَمُذَكِّرَةُ الْمُوَحِّدِين بِصِفَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التي هِيَ مِنْ أَصْلِ الدِّينِ): اِعلَمْ أنَّ أصلَ مَسألةِ الوَلاءِ والبَراءِ (أَيْ حبِّ التَّوحِيدِ وأهلِه وبُغضِ الشِّركِ وأهلِه)، أصلُها حُبُّ اللهِ، فَمَن أحَبَّ اللهَ أحَبَّ ما يُحِبُّه اللهُ وأبغَضَ ما يُبغِضُه اللهُ، فَإنَّك إنْ تَنَبَّهتَ لِهذا عَلِمتَ أنَّ أصلَ مَسألةِ الوَلاءِ والبَراءِ هي مِن أصلِ التَّوحِيدِ لا يَصِّحُ إلَّا به. انتهى. وقالَ الشيخُ عليُّ بنُ محمد الصلابي (عضو الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابِه (الدولة العثمانية، عوامل النهوض وأسباب السقوط): لقد أُصِيبَتِ الأُمَّةُ بِانحرافٍ شديدٍ في مفاهيمِ دِينِها، كعقيدةِ الوَلَاءِ والبَراءَ، ومفهومِ العبادةِ، وانتشرتْ مظاهرُ الشركِ والبِدَعِ والخُرافاتِ. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو قَتَادَةَ الفلسطينيُّ في (أهل القبلة والمتأولون): مِنَ المعلوم أن الحُكمَ يكونُ بالظاهِرِ، وهو [أَيِ الظاهِرُ] الذي يُنَبِئُ عنِ الباطنِ والحقيقةِ على الأغلبِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ أبو قَتَادَةَ-: البراءة مِنَ الشركِ في الباطن شَرطٌ لإسلامِ المرءِ [يَعنِي الإسلامَ الحقيقيَّ، وهو الإيمان الباطن]، ولكنها ليست شَرطًا لك لِتَحكُمَ عليه بِالإسلامِ [يَعنِي الإسلامَ الحُكْمِيَّ، وهو الإيمان الظاهر]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ أبو قَتَادَةَ-: الباطِنُ أمرُه إلى اللهِ، إلَّا فِيما ظَهَرَ لَنا عن طَرِيقِ القَرائنِ والدَّلائلِ فَنَحكُمُ بها [سَبَقَ بَيَانُ أنَّ المُرتَدَّ يَثبُتُ كُفْرُه ظاهِرًا وباطِنًا بِمُقتَضَى دَلِيلٍ مُباشِرٍ مِن أدِلَّةِ الثُّبوتِ الشَّرعِيَّةِ (اِعتِرافٍ، أو شَهَادَةِ شُّهُودٍ) على اِقتِرافِ فِعْلٍ مُكَفِّرٍ، وأَمَّا المُنافِقُ فَيَثبُتُ كُفْرُه بِاطِنًا -لا ظاهِرًا- بِمُقتَضَى قَرائنَ تُغَلِّبُ الظَّنَّ بِكُفرِه في الباطِنِ]. انتهى باختصار.

 

(48)وقالَ الشيخُ محمد بنُ سعيد القحطاني (أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى) في (الولاء والبراء في الإسلام، بتقديمِ الشيخِ عبدِالرزاق عفيفي "نائبِ مفتي المملكة العربية السعودية، وعضوِ هيئة كبار العلماء، ونائبِ رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء"): مِنَ الأُمورِ التي يَجِبُ أنْ نَتَدَبَّرَها برَوِيَّةٍ -مِن نواقضِ الإسلامِ- مُظاهرةُ المشركِين ومُعاوَنَتُهم على المسلمِين، والدليلُ قولُه تعالَى {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، وهذا مِن أعظمِ النواقضِ التي وَقَعَ فيها سَوَادُ الناسِ اليومَ في الأرضِ، وهُمْ بعدَ ذلك يُحسَبون على الإسلامِ ويَتَسَمَّوْنَ بأسماءٍ إسلامِيَّةٍ، فلقد صِرْنَا في عَصْرٍ يُسْتَحَى فيه أنْ يُقالَ للكافرِ {يا كافرُ}!، بَلْ زادَ الأَمْرُ عُتُوًّا بِنَظْرةِ الإعجابِ والإكبارِ والتعظيمِ والمَهَابةِ لأعداءِ اللهِ، وأَصبَحوا مَوْضِعَ القُدْوَةِ والأُسْوَةِ. انتهى.

 

(49)وقالَ الشيخُ عبدُالرحمن البرَّاك (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في (توضيح مقاصد العقيدة الواسطية): فلا يجوز الولاء والبراء على أساس الأرض، هذا سعودي، وهذا مصريٌّ، وهذا يمني؛ والمُحْزِنُ أن تَعامُلَ أكثرِ الناسِ الآنَ على أساس الروابط الجاهلية (التراب والوطن والوطنية)، وهي التي يُشاد بها وتُذْكَرُ ويُنَوَّهُ عنها. انتهى. وقالَ الشيخُ إبراهيمُ بْنُ محمد الحقيل (الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في مقالة له على هذا الرابط: وفي قَضِيَّةِ فِلَسْطِينَ التي تُعَدُّ أَطْوَلَ قَضِيَّةٍ مُعاصِرةٍ للمسلمِين، وأكثرَ قَضَاياهم تعقيدًا، وظَهَرَ فيها فَشَلُ المسلمِين في حَسْمِها حَرْبًا، كما فَشِلُوا في حَلَّها سِلْمًا، نَجِدُ أنَّ أعظمَ سببٍ لهذا الفَشَلِ [هو] التَّفَرُّقُ والاختِلافُ، الذي نَتَجَ عن تَبْدِيلِ الرابطةِ الدِّينِيَّةِ برَوابِطَ قَومِيَّةٍ ووَطَنِيَّةٍ، ونُقِلَتْ بِسَبَبِه القَضِيَّةُ مِن مَيدانِها الشَّرْعِيِّ إلى مَيادِينِ الجاهِلِيَّةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الحقيل-: وأمراضُ التَّفَرُّقِ التي أصابَتِ المسلمِين حتى حَلَّتِ الأَثَرَةُ مَحَلَّ الإيثارِ، وسادَتِ الأنانِيَّة في الناسِ، واستَعلَتِ المصالحُ الشخصيَّةُ على المصالح العامة، هي أوبئةٌ اِنتشرتْ في المسلمِين لَمَّا استبدلوا الروابط الجاهلية التي فَرَّقَتْهم وأضْعَفَتْهم، برابِطة الدِّينِ التي جَمَعَتْهم وقَوَّتْهم. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ إبراهيمُ بْنُ محمد الحقيل أيضًا في مقالة له على هذا الرابط: لَقَدْ عَمِلَ الكُفَّارُ وَالمُنَافِقُونَ عُقُودًا مِنَ الزَّمَنِ عَلَى فَصْمِ عُرَى هَذِهِ الرَّابِطَةِ [أَيِ الرَّابِطَةِ الإِيمَانِيَةِ]، وَإِحْلَالِ رَوَابِطَ جَاهِلِيَّةٍ مَكَانَهَا -لِيَكُونَ الْوَلَاءُ وَالْبَرَاءُ مَعْقُودًا عَلَيهَا، وَلِتُسْتَبْدَلَ بِرَابِطَةِ الإِيمَانِ الَّتِي رَسَّخَهَا الإِسْلَامُ- مِنْ قَوْمِيَّةٍ وَوَطَنِيَّةٍ وإِنْسَانِيَةٍ وَغَيْرِهَا. انتهى. وقالَ مَوقِعُ (الإسلامُ سؤالٌ وجَوابٌ) الذي يُشْرِفُ عليه (الشيخ محمد صالح المنجد) في هذا الرابط: فالقَومِيَّةُ العربيةُ دَعْوَى جاهِلِيُّةٌ تَحمِلُ الكُفْرَ، وتَطْعَنُ في التشرِيعاتِ الإسلاميةِ، وتُفَرِّقُ بين المسلمِين، وتَجمَعُ بينهم وبين غير المسلمِين على أساسِ اللغة العربيةِ، فالعربِيُّ الكافِرُ عندهم أَقْرَبُ لهم وأَحَبُّ مِنَ المسلمِ الأعجمي! وهذا كُفْرٌ صَرِيحٌ بالإسلامِ وتشرِيعاتِه. انتهى. وذَكَرَ الشيخُ عبدُالله بنُ عبدالعزيز بن حمادة الجبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالرياض) في (تسهيل العقيدة الإسلامية) أعمالَ المنافقِين الكُفْرِيَّةَ، فكانَ منها: اعتقادُ صِحَّةِ المذاهب الهدَّامة والدعوة إليها مع معرفةِ حقيقتِها، ومِن هذه المذاهب ما جَدَّ في هذا العصر مِن مذاهبَ هي في حقيقتِها حَرْبٌ للإسلام ودعوةٌ للاجتماع على غير هَدْيِه، كالقومية والوطنية، فكثيرٌ مِنَ المنافقِين في هذا العصر ممن يُسَمَّون {علمانيين} أو {حداثيين} أو {قوميين} يَعْرِفون حقيقة هذه المذاهب، ويَدْعُون إلى الاجتماع على هذه الروابط الجاهلية، ويَدْعُون إلى نَبْذِ رابِطةِ الإيمانِ والإسلامِ. انتهى. وقالَ الشيخُ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإِسْكَنْدَرِيَّةِ) في (سلسلة الإيمان والكفر): ما مِن شَكٍّ أن الدعوةَ إلى القومية هي في حقيقتِها دعوةٌ إلى إقامة الولاء والبراء على أساس الجنس، على أساس الوطنية والقومية، وليس على أساس الدين، فالمسلم لا يعرف الولاء والبراء إلا على أساس الولاء لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم والإخلاصِ لدين الله عز وجل، فالإسلام أتى منذ اليوم الأول لهدم أي رباط غير رابطة الإسلام، والرسول عليه الصلاة والسلام لو دعا إلى وحدة عربية لضم إليها أبا جهل وأبا لهب وغيرهما من أشراف قريش الذِين هُمْ أَحْسَنُ حالًا مِن أئمة القومية في هذا الزمان. انتهى. وقالَ الشيخُ محمد عبدالهادي المصري في (أيُّها المُسلِمُ، وَلَاؤكَ لِمَنْ؟!): إن كل هذه الأنظمة القائمة اليوم في الأرض على المناهج البشرية والمذاهب الوضعية، والتي لا تستمد شرعية وجودها من الكتاب والسنة، هي أنْظِمةٌ مُحَادَّةٌ [أَيْ مُعادِيَةٌ] للهِ ولِدِينِه وكتابِه وسُنَّةِ نَبِيِّه صلى الله عليه وسلم، وأَيُّ تَقَبُّلٍ لها أو خضوعٍ لوَضْعِيَّتِها أو عَمَلٍ بمبادئها، فإن ذلك مُوَالاةٌ صريحةٌ للكفارِ وبراءةٌ صريحةٌ مِنَ الإسلامِ؛ والمسلم الذي يعطي ولاءه لتلك الروابط الجاهلية كالوطنية والقومية، لم يعد مسلمًا؛ والموالاة على أَيَّةِ آصِرةٍ مِن الأَواصِرِ الجاهليةِ التي يُعْطِي الناسُ ولَاءَهُمْ على أساسِها، هي آصِرةٌ فاسدةٌ باطلةٌ شرعًا، مُخرِجةٌ لصاحِبِها عنِ الإسلامِ؛ فإن الله يَأْبَى علينا نحن المسلمِين أنْ نُعْطِيَ وَلَاءَنا إلَّا لِمَن يَرتَبِطُ معنا برباطِ الإيمانِ والإسلامِ؛ إن موالاة المؤمنين ومعاداة المشركين هي أصلُ عُرَى الإيمانِ وأَوثَقُها، ولا وَلَاءَ في الإسلامِ إلَّا على أساسِ هذا الدِّينِ ومُنطَلَقاتِه النَّظَرِيَّةِ والعَمَلِيَّةِ، والمسلمُ هو الذي يَتَحَلَّى بالمُفاصَلةِ الكامِلةِ بينه وبين مَن يَنْهَجُ غيرَ مَنْهَجِ الإسلامِ أو يَرفَعُ رايَةً غيرَ رايَةِ الإسلامِ، والمسلمُ لا يَخْلِطُ بين مَنْهَجِ اللهِ عزَّ وجلَّ وبين أَيِّ مَنْهَجٍ آخَرَ وَضْعِيٍّ، لا في تَصَوُّرِه الاعتِقادِيِّ ولا في نِظامِه الاجتِماعِيِّ ولا في أَيِّ شأنٍ مِن شُؤُونِ حَيَاتِه، والمرء لا يكونُ في حِزْبِ اللهِ إلَّا إذا أعطَى وَلَاءَه للهِ ورسولِه والمؤمنِين بهذا الدِّينِ، ومَنَعَ وَلَاءَه عن عَدُوِّ اللهِ مهما كان نَوْعُه؛ وإنَّ الفَوارِقَ بين الإسلامِ والكفرِ لا يُمْكْنُ الالتِقاءُ عليها بالمُصالَحةِ أوِ المُصانَعةِ أوِ المُداهَنةِ؛ والمسلمُ لا يَتَعاوَنُ مع أعداءِ اللهِ ولا يُدافِعُ عنهم بقَوْلٍ أو فِعْلِ، إذْ لا يَتَعاوَنُ مع الكفارِ ويُدافِعُ عنهم إِلَّا كَافِرٌ مِثْلُهُمْ، ومَن لم يُعَادِ الكفارَ ويَتَبَرَّأْ منهم لم يَدخُلْ في الإسلامِ، وكُلُّ مَن لم يُوالِ حِزْبَ اللهِ ويَتَبَرَّأْ ويُفاصِلْ ويُعَادِ حِزْبَ الشَّيْطانِ لم يَكُنْ مسلمًا ولم تَصِحَّ مُوالَاتُه مِن قِبَلِ المسلمِين، إذْ لا صِحَّةَ لإسلامِ المَرْءِ إلَّا بمُوالاةِ أهلِ الإسلامِ ومُعاداةِ أهلِ الكفرِ، فلو والَى المسلمِين ولم يَعَادِ الكافرِين، لم يَصِحَّ إسلامُه، ولو عادَى الكافرِين ولم يُوالِ المسلمِين، لم يَصِحَّ إسلامُه، حتى يَجْمَعَ بين مُوالاةِ المؤمنِين ومُعاداةِ الكافرِين. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ عبدُالعزيز بنُ ناصر الجُلَيِّلُ (المشرف على المكتب العلمي في دار طيبة للنشر والتوزيع) في مقالة بعنوان (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) على هذا الرابط: ومن أخطر المعاول التي تستخدم اليوم لهدم عقيدة الولاء والبراء معول (الوطنية) والذي يراد منه إحلال رابطة الوطن محل [رابطة] عقيدة التوحيد... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الجُلَيِّلُ-: سبحان الله، ما أكثَرَ التلبيسَ على هذه الأُمَّةِ في هذه الأزمنةِ المتأخرةِ. انتهى. وقالَ الشيخُ ناصرُ بنُ حمد الفهد (المُتَخَرِّجُ مِن كُلِّيَّةِ الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، والمُعِيدُ في كُلِّيَّةِ أصول الدين "قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة") في مَقالةٍ له بعنوان (إِنَّمَا الوَطَنِيَّونَ إِخْوَةٌ) على هذا الرابط: فَقَدِ اِطَّلَعْتُ على الخَبَرِ المَنشُورِ في الصُّحُفِ بتارِيخِ 10/11/1425، بعُنوانِ (بَدْءُ اليَومِ الدِّراسِيِّ بـ "تَحِيَّةِ العَلَمِ"، وجَعْلُ "اليَومِ الوَطَنِيِّ" يَومَ إجازةٍ رَسْمِيَّةٍ)؛ إنَّ هذه القَراراتِ يُرادُ مِن خِلالِها اِستِبدالُ الذي هو أَدْنَى بالذي هو خَيْرٌ، ويُرادُ مِن خِلالِها إحلالُ رابِطةِ (الوَطَنِ) بَدَلًا مِن رابِطةِ (الدِّينِ)؛ ففي الوَقتِ الذي قُلِّصَتْ فيه مَناهِجُ الدِّينِ وحُذِفَتْ مادَّةُ (الوَلَاءِ والبَرَاءِ) مِنْها -وهي أَصْلُ دِينِ الإسلامِ- فُرِضَ ما يُسَمَّى بـ "تَحِيَّةِ العَلَمِ"، وجُعِلَ [ما يُسَمَّى بـ] "اليَومِ الوَطَنِيِّ" يَومَ إجازةٍ رَسْمِيَّةٍ (مُضاهاةً لِعِيدِ الفِطْرِ وعِيدِ الأضْحَى!)؛ وكُلُّ ما يَدُورُ الآنَ هو لِجَعْلِ مَبْدَأِ {إِنَّمَا الوَطَنِيَّونَ إِخْوَةٌ} بَدَلًا مِن قَولِه تَعالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}؛ ولا شَكَّ أنَّ الدَّعْوةَ لِلقَومِيَّةِ أو الوَطَنِيَّةِ وَمَا أَشْبَهَهَا هي مِن دَعاوَى الجاهِلِيَّةِ التي يَجِبُ على المُسلِمِين نَبْذُها. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ ابنُ باز في (نقد القومية العربية): ولا رَيْبَ أنَّ الدَّعوةَ إلى القَومِيَّةِ العَرَبِيَّةِ مِن أَمْرِ الجاهِلِيَّةِ، لأنَّها دَعوةٌ إلى غيرِ الإسلامِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ ابنُ باز-: إنَّ مِن أعظَمِ الظُّلْمِ وأَسفَهِ السَّفَهِ أنْ يُقارَنَ بين الإسلامِ وبين القَومِيَّةِ العَرَبِيَّةِ، لا شَكَّ أنَّ هذا مِن أعظَمِ الهَضْمِ للإسلامِ والتَّنَكُّرِ لِمَبادِئه السَّمْحَةِ وتَعالِيمِه الرَّشِيدةِ، وكيفَ يَلِيقُ في عَقْلِ عاقلٍ أنْ يُقارِنَ بين قَوْمِيَّةٍ لو كان أبو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ وأضرابُهم مِن أعداءِ الإسلامِ أَحْيَاءً لَكانوا هُمْ صَنادِيدَها [أَيْ قادَتَها] وأَعْظَمَ دُعاتِها، وبين دِينٍ كريمٍ صالحٍ لِكُلِّ زَمانٍ ومَكانٍ دُعاتُه وأنصارُه هُمْ محمد رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وعُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وعُثْمانُ بنُ عَفَّانَ وعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وغيرُهم مِنَ الصَّحابةِ صَنادِيدِ الإسلامِ وحُمَاتِه الأبْطالِ ومَن سَلَكَ سبيلَهم مِنَ الأخْيَارِ؟!، لا يَستَسِيغُ المُقارَنةَ بين قَومِيَّةٍ هذا شأنُها وهؤلاء رِجالُها وبين دِينٍ هذا شأنُه وهؤلاء أنْصارُه ودُعاتُه، إلا مُصَابٌ في عَقْلِه أو مُقَلِّدٌ أعْمَى أو عَدُوٌّ لَدُودٌ للإسلامِ، وما مَثَلُ هؤلاء في هذه المقارنة إلَّا مَثَلُ مَن قارَنَ بين البَعْرِ والدُّرِّ [البَعْرُ هو رَوْثُ الغَنَمِ والإِبِلِ وما شابَهَها؛ والدُّرُّ جَمْعُ دُرَّةٍ، وهي اللُّؤْلُؤَةُ العَظِيمةُ الكَبِيرةُ]، أو بين الرُّسُلِ والشَّياطِينِ؛ ثم كيفَ تَصِحُّ المُقارَنةُ بين قَومِيَّةٍ غايَةُ مَن ماتَ عليها النَّارُ، وبين دِينٍ غايَةُ مَن ماتَ عليه الفَوزُ بجِوارِ الرَّبِّ الكَرِيمِ في دارِ الكَرَامةِ والْمَقَامِ الأَمِينِ. انتهى باختصار.

 

(50)وقالَ ابنُ القيم في (زاد المعاد): لَا يَجُوزُ إِبْقَاءُ مَوَاضِعِ الشِّرْكِ وَالطَّوَاغِيتِ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى هَدْمِهَا وَإِبْطَالِهَا يَوْمًا وَاحِدًا، فَإِنَّهَا شَعَائِرُ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ، وَهِيَ أَعْظَمُ الْمُنْكَرَاتِ، فَلَا يَجُوزُ الإِقْرَارُ عَلَيْهَا مَعَ الْقُدْرَةِ الْبَتَّةَ، وَهَذَا حُكْمُ الْمَشَاهِدِ الَّتِي بُنِيَتْ عَلَى الْقُبُورِ الَّتِي اتُّخِذَتْ أَوْثَانًا وَطَوَاغِيتَ تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ؛ وَالأَحْجَارُ الَّتِي تُقْصَدُ لِلتَّعْظِيمِ وَالتَّبَرُّكِ وَالنَّذْرِ وَالتَّقْبِيلِ لَا يَجُوزُ إِبْقَاءُ شَيْءٍ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إِزَالَتِهِ، وَكَثِيرٌ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ اللَّاتِ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةِ الأُخْرَى، أَوْ أَعْظَمُ شِرْكًا عِنْدَهَا وَبِهَا، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ؛ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَرْبَابِ هَذِهِ الطَّوَاغِيتِ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا تَخْلُقُ وَتَرْزُقُ وَتُمِيتُ وَتُحْيِي، وَإِنَّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ عِنْدَهَا وَبِهَا مَا يَفْعَلُهُ إِخْوَانُهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الْيَوْمَ عِنْدَ طَوَاغِيتِهِمْ، فَاتَّبَعَ هَؤُلَاءِ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ، وَسَلَكُوا سَبِيلَهُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ، وَأَخَذُوا مَأْخَذَهُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، وَغَلَبَ الشِّرْكُ عَلَى أَكْثَرِ النُّفُوسِ لِظُهُورِ الْجَهْلِ وَخَفَاءِ الْعِلْمِ، فَصَارَ الْمَعْرُوفُ مُنْكَرًا وَالْمُنْكَرُ مَعْرُوفًا، وَالسُّنَّةُ بِدْعَةً وَالْبِدْعَةُ سُنَّةً، وَنَشَأَ فِي ذَلِكَ الصَّغِيرُ، وَهَرِمَ عَلَيْهِ الْكَبِيرُ، وَطُمِسَتِ الأَعْلَامُ [أَيْ أَعْلَامُ الشَّرِيعةِ] وَاشْتَدَّتْ غَرْبَةُ الإِسْلَامِ، وَقَلَّ الْعُلَمَاءُ وَغَلَبَ السَّفَهَاءُ، وَتَفَاقَمَ الأَمْرُ وَاشْتَدَّ الْبَأْسُ، وَظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ، وَلَكِنْ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعِصَابَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ بِالْحَقِّ قَائِمِينَ، وَلِأهْلِ الشِّرْكِ وَالْبِدَعِ مُجَاهِدِينَ، إِلَى أَنْ يَرِثَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا، وَهُوَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ. انتهى.

 

(51)وقالَ الشيخُ عَلِيُّ بْنُ خضير الخضير (المُتَخَرِّجُ مِن كُلِّيَّةِ أُصولِ الدِّينِ بـ "جامعة الإمام" بالقصيم عامَ 1403هـ) في (جُزءُ "أصلِ دِينِ الإسلامِ"): قالَ الشيخُ محمد بن عبدالوهاب مُؤَصِّلًا وحفيدُه [يعني الشيخَ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب] شارِحًا ومُقَرِّرًا، قالا {والمُخالِفُ في ذلك -أَيْ في أصل الإسلام- أنواعٌ، فأشدُّهم مُخالَفةً مَن خالَفَ في الجميعِ [قالَ الشيخُ مدحت بن حسن آل فراج في (المختصر المفيد في عقائد أئمة التوحيد، بتقديم الشيخِ المُحَدِّثِ عبدِالله السعد): قالَ الشيخُ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى {أَصْلُ دِينِ الإسلامِ وقاعِدَتُه أَمْران؛ الأَوَّلُ، الأَمْرُ بعِبادةِ اللهِ وَحْدَه لا شَرِيكَ له، والتَّحرِيضُ على ذلك، والمُوَالَاةُ فيه، وتكفيرُ مَن تَرَكَه؛ الثاني، الإنذارُ عنِ الشِّركِ في عبادةِ اللهِ، والتَّغْلِيظُ في ذلك، والمُعاداةُ فيه، وتَكفِيرُ مَن فَعَلَه؛ والمخالِفون في ذلك أنواعٌ، فأشدُّهم مخالَفةً مَن خالَفَ في الجميعِ [أَيْ في كِلَا الأَمْرَيْنِ المَذْكُورَينِ]. انتهى باختصار]، فقَبِلَ الشركَ واعتقده دينا، وأنكر التوحيد واعتقده باطلا، كما هو حال الأكثر، وسَبَبُه الجهلُ بما دَلَّ عليه الكتابُ والسُّنَّةُ، من معرفة التوحيد وما ينافيه من الشرك والتنديد، واتباع الأهواء وما عليه الآباء، كحال مَن قَبْلَهم مِن أمثالِهم مِن أعداء الرسل}، قالا {وهذا النوعُ [مِنَ الناسِ] ناقَضَ مَا دَلَّتْ عليه كلمةُ الإخلاص وما وُضِعَتْ له وما تَضَمَّنَتْه مِنَ الدِّين الذي لا يَقْبَلُ اللهُ دِينًا سواه}؛ ومِثْلُه اليومَ، مَن قَبِلَ ووافَقَ على العلمانية، أو الشيوعية، أو القومية، أو الوطنية، أو البعثية، أو الرأسمالية، أو الديمقراطية والبرلمان التشريعي، أو العولمة الكفرية، أو دين الرافضة، أو الصوفية القبورية، وغيرِ ذلك مِنَ الأديان أو المذاهب المعاصرة. انتهى باختصار.

 

(52)وقالَ الشيخُ سيد قطب في كِتابِه (في ظلال القرآن): إِنَّ سُفُورَ [أَيِ اِنكِشافَ] الْكُفْرِ وَالشَّرِّ وَالإِجْرَامِ ضَرُورِيٌّ لِوُضُوحِ الإِيمَانِ وَالْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ، وَاسْتِبَانَةُ سَبِيلِ الْمُجْرِمِينَ هَدَفٌ مِنْ أَهْدَافِ التَّفْصِيلِ الرَّبَّانِيِّ لِلآيَاتِ [قالَ تَعالَى {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}؛ وقالَ الْقُرْطُبِيُّ في (الجامع لأحكام القرآن): وَإِذَا بَانَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ فَقَدْ بَانَ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ؛ وَ(السَّبِيلُ) يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. انتهى]، ذَلِكَ أَنَّ أَيَّ غَبَشٍ أَوْ شُبْهَةٍ فِي مَوْقِفِ الْمُجْرِمِينَ وَفِي سَبِيلِهِمْ تَرْتَدُّ غَبَشًا وَشُبْهَةً فِي مَوْقِفِ الْمُؤْمِنِينَ وَفِي سَبِيلِهِمْ، فَهُمَا صَفْحَتَانِ مُتَقَابِلَتَانِ وَطَرِيقَانِ مُفْتَرِقَتَانِ، وَلَا بُدَّ مِنْ وُضُوحِ الأَلْوَانِ وَالْخُطُوطِ؛ وَمِنْ هُنَا يَجِبُ أَنْ تَبْدَأَ كُلُّ حَرَكَةٍ إِسْلَامِيَّةٍ بِتَحْدِيدِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَسَبِيلِ الْمُجْرِمِينَ، يَجِبُ أَنْ تَبْدَأَ مِنْ تَعْرِيفِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَعْرِيفِ سَبِيلِ الْمُجْرِمِينَ، وَوَضْعِ الْعُنْوَانِ الْمُمَيِّزِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْعُنْوَانِ الْمُمَيِّزُ لِلْمُجْرِمِينَ، فِي عَالَمِ الْوَاقِعِ لَا فِي عَالَمِ النَّظَرِيَّاتِ، فَيَعْرِفُ أَصْحَابُ الدَّعْوَةِ الإِسْلَامِيَّةِ وَالْحَرَكَةِ الإِسْلَامِيَّةِ مَنْ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ مِمَّنْ حَوْلَهُمْ وَمَنْ هُمُ الْمُجْرِمُونَ، بَعْدَ تَحْدِيدِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْهَجِهِمْ وَعَلَامَتِهِمْ وَتَحْدِيدِ سَبِيلِ الْمُجْرِمِينَ وَمَنْهَجِهِمْ وَعَلَامَتِهِمْ، بِحَيْثُ لَا يَخْتَلِطُ السَّبِيلَانِ وَلَا يَتَشَابَهُ الْعُنْوَانَانِ وَلَا تَلْتَبِسُ الْمَلَامِحُ وَالسِّمَاتُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجْرِمِينَ؛ وَهَذَا التَّحْدِيدُ كَانَ قَائِمًا، وَهَذَا الْوُضُوحُ كَانَ كَامِلًا، يَوْمَ كَانَ الإِسْلَامُ يُوَاجِهُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ، فَكَانَتْ سَبِيلُ الْمُسْلِمِينَ الصَّالِحِينَ هِيَ سَبِيلُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ، وَكَانَتْ سَبِيلُ الْمُشْرِكِينَ الْمُجْرِمِينَ هِيَ سَبِيلُ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ فِي هَذَا الدِّينِ، وَمَعَ هَذَا التَّحْدِيدِ وَهَذَا الْوُضُوحِ كَانَ الْقُرْآنُ يَتَنَزَّلُ وَكَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ يُفَصِّلُ الآيَاتِ عَلَى ذَلِكَ النَّحْوِ الَّذِي سَبَقَتْ مِنْهُ نَمَاذِجُ فِي السُّورَةِ [يَعنِي سُورةَ الأنعامِ] لِتَسْتَبِينَ [أَيْ لِتَظْهَرَ وَتَتَّضِحَ] سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ!؛ وَحَيْثُمَا وَاجَهَ الإِسْلَامُ الشِّرْكَ وَالْوَثَنِيَّةَ وَالإِلْحَادَ وَالدِّيَانَاتِ الْمُنْحَرِفَةَ الْمُتَخَلِّفَةَ مِنَ الدِّيَانَاتِ ذَاتِ الأَصْلِ السَّمَاوِيِّ (بَعْدَمَا بَدَّلَتْهَا وَأَفْسَدَتْهَا التَّحْرِيفَاتُ الْبَشَرِيَّةُ)، حَيْثُمَا وَاجَهَ الإِسْلَامُ هَذِهِ الطَّوَائِفَ وَالْمِلَلَ كَانَتْ سَبِيلُ الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ وَاضِحَةً، وَسَبِيلُ الْمُشْرِكِينَ الْكَافِرِينَ الْمُجْرِمِينَ وَاضِحَةً كَذَلِكَ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ سيد قطب-: الْمَشَقَّةُ الْكُبْرَى الَّتِي تُوَاجِهُ حَرَكَاتِ الإِسْلَامِ الْحَقِيقِيَّةَ الْيَوْمَ تَتَمَثَّلُ فِي وُجُودِ أَقْوَامٍ مِنَ النَّاسِ مِنْ سُلَالَاتِ الْمُسْلِمِينَ، فِي أَوْطَانٍ كَانَتْ فِي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ دَارًا لِلإِسْلَامِ يُسَيْطِرُ عَلَيْهَا دِينُ اللَّهِ وَتَحْكُمُ بِشَرِيعَتِهِ، ثُمَّ إِذَا هَذِهِ الأَرْضُ، وَإِذَا هَذِهِ الأَقْوَامُ، تَهْجُرُ الإِسْلَامَ حَقِيقَةً، وَتُعْلِنُهُ اسْمًا، وَإِذَا هِيَ تَتَنَكَّرُ لِمُقَوِّمَاتِ الإِسْلَامِ اعْتِقَادًا وَوَاقِعًا وَإِنْ ظَنَّتْ أَنَّهَا تَدِينُ بِالإِسْلَامِ اعْتِقَادًا!، فَالإِسْلَامُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَشَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَتَمَثَّلُ فِي الاعْتِقَادِ بِأَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ هُوَ خَالِقُ هَذَا الْكَوْنِ الْمُتَصَرِّفُ فِيهِ، وَأَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ إِلَيْهِ الْعِبَادُ بِالشَّعَائِرِ التَّعَبُّدِيَّةِ وَنَشَاطِ الْحَيَاةِ كُلِّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يَتَلَقَّى مِنْهُ الْعِبَادُ الشَّرَائِعَ وَيُخْضِعُونَ لِحُكْمِهِ فِي شَأْنِ حَيَاتِهِمْ كُلِّهِ، وَأَيُّمَا فَرْدٍ لَمْ يَشْهَدْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ بِهَذَا الْمَدْلُولِ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الإِسْلَامِ بَعْدُ -كَائِنًا مَا كَانَ اسْمُهُ وَلَقَبُهُ وَنَسَبُهُ- وَأَيُّمَا أَرْضٍ لَمْ تَتَحَقَّقْ فِيهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ بِهَذَا الْمَدْلُولِ فَهِيَ أَرْضٌ لَمْ تَدِنْ بِدِينِ اللَّهِ وَلَمْ تَدْخُلْ فِي الإِسْلَامِ بَعْدُ؛ وَفِي الأَرْضِ الْيَوْمَ أَقْوَامٌ مِنَ النَّاسِ أَسْمَاؤُهُمْ أَسْمَاءُ الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ مِنْ سُلَالَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِيهَا أَوْطَانٌ كَانَتْ فِي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ دَارًا لِلإِسْلَامِ، وَلَكِنْ لَا الأَقْوَامُ الْيَوْمَ تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ بِذَلِكَ الْمَدْلُولِ، وَلَا الأَوْطَانُ الْيَوْمَ تَدِينُ لِلَّهِ بِمُقْتَضَى هَذَا الْمَدْلُولِ، وَهَذَا أَشَقُّ مَا تُوَاجِهُهُ حَرَكَاتُ الإِسْلَامِ الْحَقِيقِيَّةُ فِي هَذِهِ الأَوْطَانِ مَعَ هَؤُلَاءِ الأَقْوَامِ؛ أَشَقُّ مَا تُعَانِيهِ هَذِهِ الْحَرَكَاتُ هُوَ الْغَبَشُ وَالْغُمُوضُ وَاللَّبْسُ الَّذِي أَحَاطَ بِمَدْلُولِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَمَدْلُولِ الإِسْلَامِ فِي جَانِبٍ، وَبِمَدْلُولِ الشِّرْكِ وَبِمَدْلُولِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي الْجَانِبِ الآخَر، أَشَقُّ مَا تُعَانِيهِ هَذِهِ الْحَرَكَاتُ هُوَ عَدَمُ اسْتِبَانَةِ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ الصَّالِحِينَ وَطَرِيقِ الْمُشْرِكِينَ الْمُجْرِمِينَ وَاخْتِلَاطُ الشَّارَاتِ وَالْعَنَاوِينِ وَالْتِبَاسُ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَالتِّيهُ الَّذِي لَا تَتَحَدَّدُ فِيهِ مَفَارِقُ الطَّرِيقِ؛ وَيَعْرِفُ أَعْدَاءُ الْحَرَكَاتِ الإِسْلَامِيَّةِ هَذِهِ الثُّغْرَةَ، فَيَعْكُفُونَ عَلَيْهَا تَوْسِيعًا وَتَمْيِيعًا وَتَلْبِيسًا وَتَخْلِيطًا حَتَّى يُصْبِحَ الْجَهْرُ بِكَلِمَةِ الْفَصْلِ تُهْمَةً يُؤْخَذُ عَلَيْهَا بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ! تُهْمَةَ تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِينَ!!!، وَيُصْبِحُ الْحُكْمُ فِي أَمْرِ الإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ مَسْأَلَةً الْمَرْجِعُ فِيهَا لِعُرْفِ النَّاسِ وَاصْطِلَاحِهِمْ، لَا إِلَى قَوْلِ اللَّهِ وَلَا إِلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ!، هَذِهِ هِيَ الْمَشَقَّةُ الْكُبْرَى، وَهَذِهِ كَذَلِكَ هِيَ الْعَقَبَةُ الأُولَى الَّتِي لَا بُدَّ أَنْ يَجْتَازَهَا أَصْحَابُ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ فِي كُلِّ جِيلٍ، يَجِبُ أَنْ تَبْدَأَ الدَّعْوَةُ إِلَى اللَّهِ بِاسْتِبَانَةِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَسَبِيلِ الْمُجْرِمِينَ، وَيَجِبُ أَلَّا تَأْخُذَ أَصْحَابُ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ فِي كَلِمَةِ الْحَقِّ وَالْفَصْلِ هَوَادَةٌ وَلَا مُدَاهَنَةٌ، وَأَلَّا تَأْخُذَهُمْ فِيهَا خَشْيَةٌ وَلَا خَوْفٌ، وَأَلَّا تُقْعِدَهُمْ عَنْهَا لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَلَا صَيْحَةَ صَائِحٍ {انْظُرُوا! إِنَّهُمْ يُكَفِّرُونَ الْمُسْلِمِينَ!}؛ إِنَّ الإِسْلَامَ لَيْسَ بِهَذَا التَّمَيُّعِ الَّذِي يَظُنُّهُ الْمَخْدُوعُونَ، إِنَّ الإِسْلَامَ بَيِّنٌ وَالْكُفْرَ بَيِّنٌ، الإِسْلَامُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، بِذَلِكَ الْمَدْلُولِ [السابِقِ بَيَانُه]، فَمَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا عَلَى هَذَا النَّحْوِ وَمَنْ لَمْ يُقِمْهَا فِي الْحَيَاةِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ، فَحُكْمُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِيهِ أَنَّهُ مِنَ الْكَافِرِينَ الظَّالِمِينَ الْفَاسِقِينَ الْمُجْرِمِينَ؛ [قالَ تَعالَى] {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}، أَجَلْ، يَجِبُ أَنْ يَجْتَازَ أَصْحَابُ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ هَذِهِ الْعَقَبَةَ، وَأَنْ تَتِمَّ فِي نُفُوسِهِمْ هَذِهِ الاسْتِبَانَةُ، كَيْ تَنْطَلِقَ طَاقَاتُهُمْ كُلُّهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تَصُدُّهَا شُبْهَةٌ وَلَا يَعُوقُهَا غَبَشٌ وَلَا يُمَيِّعُهَا لَبْسٌ، فَإِنَّ طَاقَاتِهِمْ لَا تَنْطَلِقُ إِلَّا إِذَا اعْتَقَدُوا فِي يَقِينٍ أَنَّهُمْ هُمُ الْمُسْلِمُونَ، وَأَنَّ الَّذِينَ يَقِفُونَ فِي طَرِيقِهِمْ وَيَصُدُّونَهُمْ وَيَصُدُّونَ النَّاسَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ هُمُ الْمُجْرِمُونَ، كَذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَحْتَمِلُوا مَتَاعِبَ الطَّرِيقِ إِلَّا إِذَا اسْتَيْقَنُوا أَنَّهَا قَضِيَّةُ كُفْرٍ وَإِيمَانٍ، وَأَنَّهُمْ وَقَوْمَهُمْ عَلَى مَفْرِقِ الطَّرِيقِ، وَأَنَّهُمْ عَلَى مِلَّةٍ وَقَوْمَهُمْ عَلَى مِلَّةٍ، وَأَنَّهُمْ فِي دِينٍ وَقَوْمَهُمْ فِي دِينٍ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ سيد قطب-: وَحِينَ نَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ الأَرْضِ الْيَوْمَ فَإِنَّنَا نَرَى الْجَاهِلِيَّةَ وَالشِّرْكَ، وَلَا شَيْءَ غَيْرَ الْجَاهِلِيَّةِ وَالشِّرْكِ، إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ فَأَنْكَرَ عَلَى الأَرْبَابِ الأَرْضِيَّةِ مَا تَدَّعِيهِ مِنْ خَصَائِصِ الأُلُوهِيَّةِ، وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهَا شَرْعًا وَلَا حُكْمًا، إِلَّا فِي حُدُودِ الإِكْرَاهِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ سيد قطب-: أَيْنَ هُوَ الْمُجْتَمَعُ الْمُسْلِمُ الَّذِي قَرَّرَ أَنْ تَكُونَ دَيْنُونَتُهُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالَّذِي رَفَضَ بِالْفِعْلِ الدَّيْنُونَةَ لِأحَدٍ مِنَ الْعَبِيدِ، وَالَّذِي قَرَّرَ أَنْ تَكُونَ شَرِيعَةُ اللَّهِ شَرِيعَتَهُ، وَالَّذِي رَفَضَ بِالْفِعْلِ شَرْعِيَّةَ أَيِّ تَشْرِيعٍ لَا يَجِيءُ مِنْ هَذَا الْمَصْدَرِ الشَّرْعِيِّ الْوَحِيدِ؟؛ لَا أَحَدَ يَمْلِكُ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ هَذَا الْمُجْتَمَعَ الْمُسْلِمَ قَائِمٌ مَوْجُودٌ!، وَمِنْ ثَمَّ لَا يَتَّجِهُ مُسْلِمٌ يَعْرِفُ الإِسْلَامَ وَيَفْقَهُ مَنْهَجَهُ وَتَارِيخَهُ، إِلَى مُحَاوَلَةِ تَنْمِيَةِ الْفِقْهِ الإِسْلَامِيِّ، فِي ظِلِّ مُجْتَمَعَاتٍ لَا تَعْتَرِفُ ابْتِدَاءً بِأَنَّ هَذَا الْفِقْهَ هُوَ شَرِيعَتُهَا الْوَحِيدَةُ الَّتِي بِهَا تَعِيشُ، وَلَكِنَّ الْمُسْلِمَ الْجَادَّ يَتَّجِهُ ابْتِدَاءً لِتَحْقِيقِ الدَّيْنُونَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَتَقْرِيرِ مَبْدَأِ أَنْ لَا حَاكِمِيَّةَ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ لَا تَشْرِيعَ وَلَا تَقْنِينَ إِلَّا مُسْتَمَدًّا مِنْ شَرِيعَتِهِ وَحْدَهَا، تَحْقِيقًا لِتِلْكَ الدَّيْنُونَةِ؛ إِنَّهُ هَزْلٌ فَارِغٌ لَا يَلِيقُ بِجِدِّيَّةِ هَذَا الدِّينِ أَنْ يَشْغَلَ نَاسٌ أَنْفُسَهُمْ بِتَنْمِيَةِ الْفِقْهِ الإِسْلَامِيِّ فِي مُجْتَمَعٍ لَا يَتَعَامَلُ بِهَذَا الْفِقْهِ وَلَا يُقِيمُ عَلَيْهِ حَيَاتَهُ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ سيد قطب أيضًا في كِتابِه (مَعالِمُ في الطريق): إنَّ المُجتمَعَ الجاهلِيَّ هو كُلُّ مجتمَعٍ غيرِ المجتمَعِ المسلمِ، وإذا أَرَدْنا التحديدَ الموضوعيَّ قُلْنا إنَّه هو كلُّ مجتمعٍ لا يُخْلِصُ عبوديَّتَه لله وحده، مُتَمَثِّلةً هذه العبوديَّةُ في التَّصَوُّرِ الاعتِقاديِّ، وفي الشعائر التَّعَبُّدِيَّةِ، وفي الشرائعِ القانونيَّةِ؛ وبهذا التعريف الموضوعيِّ تَدْخُلُ في إطار المجتمع الجاهلي جميعُ المجتمعات القائمةِ اليومَ في الأرض فعلًا، تَدْخُلُ فيه المجتمعاتُ الشيوعيةُ، وتَدْخُلُ فيه المجتمعاتُ الوثنيةُ (وهي ما تزال قائمةً في الهند واليابان والفِلِبِّين وإِفريقيّة)، وتَدْخُلُ فيه المجتمعاتُ اليهوديةُ والنصرانيةُ، ويَدْخُلُ في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعاتُ التي تَزْعُمُ لِنَفْسِها أنَّها مُسْلِمةٌ، وهذه المجتمعاتُ [أي التي تَزْعُمُ لِنَفْسِها أنَّها مُسْلِمةٌ] تَدْخُلُ في هذا الإطارِ لِأنَّها لا تَدِينُ بالعبوديةِ للهِ وحده في نِظَامِ حياتِها، فهي تَدِينُ بحاكِمِيَّةِ غيرِ اللهِ، فتَتَلَقَّى مِن هذه الحاكِمِيَّةِ نِظَامَها وشرائعَها، وقِيَمَها ومَوازِينَها، وعاداتِها وتقاليدَها، وكلَّ مُقَوِّماتِ حياتِها تقريبًا، والله سُبحانه يقولُ عنِ الحاكمِين {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، ويقولُ عنِ المحكومِين {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ} إلى قولِه {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [قالَ الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ (رئيس القضاة ومفتى الديار السعودية ت1389هـ) في رِسالَتِه (تَحكِيمُ القَوانِينِ): فإنه لا يجتمع التحاكمُ إلى غير ما جاء به النبيُّ صلى الله عليه وسلم مع الإيمان في قَلْبِ عَبْدٍ أصلًا، بل أَحَدُهما يُنافِي الآخَرَ. انتهى. وقالَ الشيخُ حسن أبو الأشبال الزهيري في (شرح كتاب الإبانة): الحاكِمِيَّةُ هي مِن تَوحِيدِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ومِن تَوحِيدِ الإلَهِيَّةِ. انتهى. وجاءَ في كِتابِ (دروس للشيخ أبي إسحاق الحويني) أنَّ الشيخَ قالَ: وتَوحِيدُ الحاكِمِيَّةِ مِن أَخَصِّ خَصائصِ تَوحِيدِ الأُلُوهِيَّةِ. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (النصائح المنجية): إنَّ الشِّرْكَ في العِبادةِ كالشِّركِ في الحُكمِ، لا فَرْقَ بينهما الْبَتَّةَ، قالَ تَعالَى في الحُكمِ {وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا}، {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}، وفي العِبادةِ {وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}. انتهى. وقالَ أبو بُطَين (مُفْتِي الدِّيَارِ النَّجْدِيَّةِ، الْمُتَوَفَّى عامَ 1282هـ) في (الدُّرَرُ السَّنِيَّةُ في الأَجْوِبةِ النَّجْدِيَّةِ): وقَدْ قالَ اللهُ تَعالَى عنِ النَّصارَى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ}، قالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم {ما عَبَدناهم}، قالَ {أَلَيْسَ يُحِلُّون ما حَرَّمَ اللهُ فتُحِلُّونه؟، ويُحَرِّمُون ما أَحَلَّ اللهُ فتُحَرِّمُونه؟}، قالَ {بَلَى}، قالَ {فَتِلْك عِبَادَتُهم}؛ فَذَمَّهم اللهُ سُبحانَه، وسَمَّاهم (مُشركِين) مع كَونِهم لم يَعلَموا أنَّ فِعْلَهم معهم هذا عِبادةٌ لهم، فَلَمْ يُعذَروا بِالجَهْلِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ سيد قطب في كِتابِه (مَعالِمُ في الطريق): وهُم لم يَكونوا يَعتَقِدون في أُلُوهِيَّةِ الأحبارِ والرُّهبانِ، ولم يَكونوا يَتَقَدَّمون لهم بِالشَّعائرِ التَّعَبُّدِيَّةِ، إنَّما كانوا فَقَطْ يَعتَرِفون لهم بِحَقِّ الحاكِمِيَّةِ، فَيَقبَلون منهم ما يُشَرِّعونه لهم بِما لم يَأْذَنْ به اللهُ. انتهى]. انتهى. وقالَ الشيخُ صالحٌ الفوزان (عضوُ هيئةِ كِبار العلماءِ بالدِّيَارِ السعوديةِ، وعضوُ اللجنةِ الدائمةِ للبحوثِ العلميةِ والإفتاءِ) في (شرح كشف الشبهات): الحاكمية جزء مِن مَعْنَى (لا إله إلا الله)، ولو اقتصر الناس على الحاكمية فقاموا بها دون بقية أنواع العبادة لم يكونوا مسلمِين. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ صالحٌ الفوزان أيضا في (أهمية التوحيد): والبعضُ يقولُ أنَّ {الشِّركَ هو الحاكميةُ، اتركوا المَحاكِمَ تَحْكُمُ بالشَّرْعِ}؛ نعم، مطلوبٌ أنَّ المَحاكِمَ تَحْكُمُ بالشَّرْعِ، ولكنْ حتى لو فَرَضْنا أنَّها حَكَمَتْ بالشرع فما دامَ الشركُ موجودًا، وما دامَ في الأرضِ أَضْرِحةٌ وقُبورٌ وفيها دُعاةٌ إلى الشِّركِ، لا يَكْفِي أنْ نَجعَلَ المَحاكِمَ تَحْكُمُ بالشَّرْعِ، الشركُ ليس بالحاكمية فقط، بل هو [أَيِ الشِّرْكُ] عبادةُ غيرِ اللهِ سبحانه وتَعالَى، وتَدْخُلُ فيه الحاكميةُ، فالرسولُ صلى الله عليه وسلم لو قال للمشركِين {اتركونا نَجْتَمِعُ ونُبْطِلُ الحُكْمَ بعوائدِ [أَيْ بِعَادَاتِ] الجاهلِيَّةِ، ونَحْكُمُ الناسَ بالشَّرْعِ، وَلْيَبْقَى كُلُّ واحدٍ على دِينِه} فلا يكونُ هذا دِينٌ ولا تَستَقِيمُ به مِلَّةٌ. انتهى]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ سيد قطب-: الإسلامُ لا يَعْرِفُ إلا نَوْعَين اثنَين مِنَ المُجتَمَعاتِ، مُجتَمَعٌ إسلامِيٌّ، ومُجتَمَعٌ جاهِلِيٌّ [قالَ الشيخُ عبدُالله الغليفي في كِتابِه (العذر بالجهل، أسماء وأحكام): الدَّارُ داران، دارُ كُفْرٍ ودارُ إسلامٍ، وهذا هو الصحيحُ الثابتُ عند أهلِ التحقيقِ. انتهى. وقالَ الشيخُ عبدُالله الغليفي أيضا في كتابِه (أحكام الديار وأنواعها وأحوال ساكنيها): الدارُ داران، لا ثالثَ لهما، كما قالَ ذلك العلماءُ، منهم اِبْنُ مُفْلِحٍ [في كتابه (الآداب الشرعية)] تلميذُ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ، وقالَ ذلك أَئِمَّةُ الدعوةِ [النَّجْدِيَّةِ السَّلَفِيةِ] في (الدُّرَرُ السَّنِيَّةُ)... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الغليفي-: وقد قالَ الشيخُ عبدُالله الغليفي في كتابِه (أحكام الديار وأنواعها وأحوال ساكنيها): وشَيخُ الإسلامِ [اِبْنُ تَيْمِيَّةَ] مَحجوجٌ في إحداثِه قِسمًا ثالِثًا لِلدِّيارِ بِإجماعِ العُلَماءِ قَبْلَه على أنَّ الدِّيارَ نَوعان لا ثَلاثة، ولِهذا فَقَدِ اِعتَرَضَ عُلَماءُ الدَّعوةِ النَّجدِيَّةِ على قَولِه. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أحمدُ الخالدي في (إنجاح حاجة السائل في أهم المسائل، بِتَقدِيمِ الشيخَين حمود الشعيبي، وعَلِيِّ بْنِ خضير الخضير): الدارُ تَنْقَسِمُ إلى دارَين لا ثالثَ لهما. انتهى]؛ المجتمعُ الإسلامي هو المجتمَعُ الذي يُطَبَّقُ فيه الإسلامُ عقيدةً وعبادةً، وشريعةً ونظامًا، وخُلُقًا وسُلوكًا؛ والمجتمع الجاهلي هو المجتمع الذي لا يُطَبَّقُ فيه الإسلامُ، ولا تَحْكُمُه عَقِيدَتُه وتَصَوُّراتُه، وقِيَمُه ومَوازِينُه، ونِظَامُه وشرائعُه، وخُلُقُه وسُلوكُه [قالَ الشيخُ حسين بن محمود في كتابِه (مراحِل التطوُّر الفِكْريّ في حياة سيِّد قُطْب): يَجِبُ التنبيهُ هنا على أَمْرٍ غايَةٍ في الأَهَمِيَّةِ، وهو أنَّ سَيِّدًا رحمه اللهُ وَصَمَ (المُجتَمَعَ) بالجاهليَّةِ وليس (كُلَّ فَرْدٍ) في ذلك المُجتَمَعِ، والفَرْقُ بين الأمرَين كبيرٌ وخطيرٌ، ومثالُ هذا، المُجتَمَعُ الجاهلِيُّ في مَكَّةَ بعدَ بَعْثَةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقد قَضَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم وصَحابَتُه الكِرَامُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَنَةً في مَكَّةَ (الجاهلِيَّةِ)، ولا يقولُ مُسلِمُ بأنَّ (جميعَ أفرادِ) ذلك المجتمعِ الجاهلِيِّ هُمْ مِنَ (الجاهلِيِّين)، فيَنبَغِي فَهْمُ مُرَادِ سَيِّدٍ رحمه اللهُ مِن هذا المصطلحِ، ولا يكونُ ذلك إلَّا بِرَبْطِ كلامِه بَعْضِهِ بِبَعْضٍ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ حسين بن محمود-: لَمَّا تَحاكَمَ الناسُ إلى الأحكامِ الشرعيَّةِ في (المدينةِ) أصبحَ المجتمعُ (مُسلِمًا) رَغْمَ وُجودِ الكفارِ واليهودِ فيها، ولَمَّا كان الحُكْمُ في (مَكَّةَ) للكفارِ [أَيْ قَبْلَ الفَتْحِ] وللأحكامِ الكُفْرِيَّةِ كان مُجتَمَعًا (جاهِلِيًّا) رَغْمَ وُجودِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم والصَّحابةِ فيها... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ حسين بن محمود-: ولم يَقُلْ سَيِّدٌ بأنَّ (جميعَ أفرادِ الشعبِ) كفارٌ أو جاهِلِيُّون، وإنَّما قالَ بأنَّ الدارَ دارُ جاهِلِيَّةٍ لِأنَّها تُحْكَمُ بأحكامِ الجاهلِيَّةِ، وهناك فَرْقٌ كبيرٌ بَيْنَ الأَمْرَين لِمَن أَمْعَنَ النَّظَرَ. انتهى باختصار. قلتُ: لقد أَثْنَى الشيخُ الطرهوني على الشيخِ حسين بن محمود، حيث قالَ في مقالة له بعنوان (هَلِ الدولةُ الإسلاميةُ تَقْتُلُ المسلمِين؟) على موقعه في هذا الرابط {ونحن في الحقيقةِ نَصَحْنا -ولازِلْتُ أَنْصَحُ دائمًا- بقراءةِ مقالاتِ الشيخِ حسين بن محمود، فالرَّجُلُ، لَا نُزَكِّيهِ عَلَى اللهِ، كَلَامُه يَكَادُ يكونُ جميعُه مُحَرَّرًا عِلْمِيًّا، ويَدُلُّ على إحاطةٍ قَوِيَّةٍ بالواقعِ، ولم أَجِدْ أَحَدًا في زَمَانِنا بهذا المُستَوَى، وواللهِ لَرُبَّمَا أَكْتُبُ كَلَامًا أَرَى أَنَّنِي لم أُسْبَقْ إليه، فإذا بي أَكتَشِفُ لاحِقًا أَنَّ الشيخَ حُسَيْنًا قد كَتَبَ نحوَه أو رُبَّما مِثْلَه سَوَاءً، فأَتَعَجَّبُ جِدًّا، غَفَرَ اللهُ لنا وله وكَتَبَ لنا جميعًا أَجْرَ نُصرةِ هذا الدِّينِ وحَمَانا مِن شَرِّ المُجرِمِين}. انتهى]؛ ليس المجتمعُ الإسلاميُّ هو الذي يَضُمُّ ناسًا ممن يُسَمُّون أَنْفُسَهم (مسلمين)، بينما شريعةُ الإسلامِ ليست هي قانونَ هذا المجتمعِ، وإنْ صَلَّى وصامَ وحجَّ البيتَ الحرامَ؛ وليس المجتمعُ الإسلاميُّ هو الذي يَبْتَدِعُ لِنَفْسِه إسلامًا مِن عند نَفْسِه -غيرَ ما قَرَّرَه اللهُ سبحانَه، وفَصَّلَه رسولُه صلى الله عليه وسلم- ويُسَمِّيه مَثَلًا (الإسلامُ المُتَطَوِّرُ!)؛ والمجتمعُ الجاهليُّ قد يَتَمَثَّلُ في صُوَرٍ شَتَّى (كُلُّها جاهليَّةٌ)؛ قد يَتَمَثَّلُ في صُورةِ مجتمعٍ يُنكِرُ وُجودَ الله تعالى، ويُفَسِّرُ التاريخَ تفسيرًا مادِيًّا جَدَلِيًّا [يعني (تفسيرًا فلسفيا)]، ويُطَبِّقُ ما يُسَمِّيه (الاشتراكيَّةُ العالميَّةُ) نِظَامًا؛ وقد يَتَمَثَّلُ في مجتمعٍ لا يُنكِرُ وُجودَ اللهِ تَعالَى، ولكنْ يَجعَلُ له ملكوتَ السماواتِ، ويَعْزِلُه عن ملكوتِ الأرضِ، فلا يُطَبِّقُ شريعتَه في نظامِ الحياةِ، ولا يُحَكِّمُ قِيَمَه -التي جَعَلَها هو قِيَمًا ثابتةً- في حياة البشر، ويُبِيحُ للناس أن يعبدوا الله في المساجدِ ولكنَّه يُحَرِّمُ عليهم أن يُطالِبوا بتحكيم شريعة الله في حياتِهم، وهو بذلك يُنكِرُ أو يُعَطِّلُ أُلُوهِيَّةَ اللهِ في الأرض، التي يَنُصُّ عليها قولُه تعالى {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ}، ومِن ثَمَّ لا يكونُ هذا المجتمعُ في دِينِ الله الذي يُحَدِّدُه قولُه {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ، أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}، وبذلك يكونُ مجتمَعًا جاهلِيًّا، ولو أَقَرَّ بوُجودِ الله سبحانه، ولو تَرَكَ الناسَ يُقَدِّمون الشعائرَ لله في المساجدِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ سيد قطب-: وكُلُّ أرضٍ تُحارِبُ المُسلِمَ في عقيدتِه، وتَصُدُّه عن دِينِه، وتُعَطِّلُ عَمَلَ شريعتِه، فهي (دارُ حَرْبٍ) ولو كان فيها أَهْلُه وعشيرتُه وقومُه ومالُه وتِجَارَتُه؛ وكلُّ أرضٍ تَقُومُ فيها عقيدتُه وتَعْمَلُ فيها شريعتُه، فهي (دارُ إسلامٍ) ولو لم يكنْ له فيها أهلٌ ولا عشيرةٌ ولا قومٌ ولا تجارةٌ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ سيد قطب-: ولا دارَ إسلامٍ إلَّا التي يُهَيْمِنُ عليها الإسلامُ بمَنْهَجِه وقانونِه، وليس وراءَ الإيمانِ إلَّا الكُفْرُ، وليس دونَ الإسلامِ إلَّا الجاهليَّةُ، وليس بَعْدَ الحقِّ إلَّا الضلالُ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ سيد قطب-: والمسألةُ في حقيقتِها هي مَسألةُ كُفرٍ وإيمانٍ، مسألةُ شِركٍ وتوحيدٍ، مسألةُ جاهليةٍ وإسلامٍ، وهذا ما يَنبغِي أنْ يكونَ واضحًا؛ إنَّ الناسَ ليسوا مسلمِين -كما يَدَّعُون- وهم يَحْيُون حياةَ الجاهليةِ، وإذا كان فيهم مَن يُحِبُّ أنْ يَخْدَعَ نَفْسَه أو يَخْدَعَ الآخَرِين، فيَعتَقِدُ أنَّ الإسلامَ يُمْكِنُ أنْ يَستقيمَ مع هذه الجاهليةِ فَلَهُ ذلك، ولكنَّ انخداعَه أو خِداعَه لا يُغَيِّرُ مِن حقيقةِ الواقعِ شيئًا، ليس هذا إسلامًا، وليس هؤلاء مسلمِين، والدعوةُ اليومَ إنَّما تَقُومُ لِتَرُدَّ هؤلاء الجاهلِين إلى الإسلامِ، ولِتَجْعَلَ منهم مُسْلِمِين مِن جَدِيدٍ. انتهى باختصار. وقد أَثْنَى على الشيخِ سيد قطب الشيخُ ابنُ جبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء)، حيث قالَ على مَوقِعه في هذا الرابط لَمَّا سُئِلَ {ما هي عقيدةُ سيِّد قطب رَحِمَه اللهُ؟}: هو أَحَدُ العُلَماءِ في مِصْرَ، كانَ في أوَّلِ أمْرِه مُشتَغِلًا بالأَدَبِ وبالعُلُومِ الجَدِيدةِ، وألَّفَ في ذلك بعضَ الكُتُبِ التي حَصَلَ فيها شيءٌ مِنَ الأَخطاءِ، وكان في عقيدتِه على المُعتَقَدِ الأَشْعَرِيِّ، تَلَقَّاه عن مَشايِخِه، فإنَّ المُعتَقَدَ الأَشْعَرِيَّ هو الذي تَمَكَّنَ مِنَ القَرْنِ الرَّابِعِ إلى الآنَ [قالَ الشيخُ عبدُالرحمن البرَّاك (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في (إجابات الشيخ عبدالرحمن البراك على أسئلة أعضاء ملتقى أهل الحديث): إنَّ القُبورِيَّةَ إنَّما نَشَأَتْ في القَرنِ الرابِعِ. انتهى]؛ ثم إنَّ الشيخَ (سيِّد قطب) تَأَثَّرَ بعدَ ذلك بأهْلِ التوحيدِ والعقيدةِ السَّلَفِيَّةِ كحامد الفقي وأحمد شاكر، وتَرَكَ عَقِيدةَ الأَشاعِرةِ وانتَهَجَ نَهْجَ أَهْلِ السُّنَّةِ، ثم قامَ بالدعوةِ وأَظهَرَ الحَقَّ، وأَلَّفَ في ذلك مُؤَلَّفاتٍ إسلامِيَّةٍ، وجَهَرَ بالدعوةِ إلى اللهِ، وصَبَرَ على الحَبْسِ وصَبَرَ على القتلِ، ولم يُجِبْ مَن دَعَاهُ مِنَ الوُلَاة إلى التَّخَلِّي عن الدعوةِ وعن إظهارِ الحَقِّ، فكان ذلك دَلِيلًا على أنه خُتِمَ له بخاتِمةٍ حَسَنةٍ، ويُرْجَى أنْ يكونَ مِنَ الشُهَداءِ الذِين صَبَروا على القَتْلِ في سبيلِ اللهِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ ابنُ جبرين-: وقدِ اِشْتَهَرَ ذِكْرُه بعدَ قَتْلِه، وسُمِّيَ شَهِيدَ الإسلامِ، وأَكْثَرَ المسلمون في هذه البلادِ مِنَ الثَّناءِ عليه ومَدْحِه على الصَّبرِ وعلى الجَهْرِ بالحقِّ، وأَثْنَى عليه كِبَارُ العُلماءِ كالشيخِ ابنِ باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالرحمن الدوسري ونحوهم، ولا يَزالون يَذْكُرُونه بِخَيْرٍ، لكنْ في هذه الأَزْمِنةِ المُتَأَخِّرةِ نَبَعَتْ طائفةٌ ظَهَرَ فيها شيءٌ مِنَ الإعجابِ بأَنْفُسِها والتَّقَرُّبِ إلى غَيْرِها، فجعلوا يَطْعَنُون فيه، وقَصْدُهم بذلك الحَسَدُ لأَمْثالِه مِنَ الدُّعاةِ في هذه البلادِ والوِشَايَةُ بهم، يُرِيدُون أن يُفْعَلَ بهم كما فُعِلَ به وبأَمْثالِه. انتهى باختصار. وأَثْنَى على الشيخِ سيد قطب أيضًا الشيخُ حمود الشعيبي (الأستاذ في كلية الشريعة وأصول الدين في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية)، حيث قالَ في هذا الرابط على موقعه: إنَّ سَيِّدًا رحمه الله يُعَدُّ في عصرِه عَلَمًا مِن أعلام أصحابِ منهجِ مُقارَعةِ الظالمِين والكُفْرِ بهم، ومِن أفْذاذِ الدُّعاةِ إلى تَعبِيد الناسِ لرَبِّهم، والدعوةِ إلى توحيدِ التَّحاكُمِ إلى الله، فلم يَقُضَّ إلَّا مَضاجِعَ أعداءِ اللهِ ورسولِه، كجمال عبدالناصر وأمثالِه، وما فَرِحَ أَحَدٌ بقَتْلِه كما فَرِحَ أولئك... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الشعيبي-: فقد قَدِمَ [أَيِ الشيخُ سيد قطب] إلى رَبِّه ونَسْأَلُ اللهَ له الشَّهادَةَ، ولَكِنِ الذي لا زالَ يُقلِقُ أعداءَه وأتباعَهم هو منهجُه الذي يَخْشَوْنَ أنْ يَنتَشِرَ بين أَبْناءِ المسلمِين... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الشعيبي-: وإنِّي إذْ أسْمَعُ الطَّعْنَ في سيد قطب رحمه الله لا أَستَغْرِب ذلك لقولِ اللهِ تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا}، فكُلُّ مَن معه نُورٌ مِنَ النُّبُوَّةِ أيضًا له أعداءٌ مِن أهلِ الباطلِ بقَدْرِ ما معه مِن مِيراثِ نَبِيِّنا محمد عليه الصلاةُ والسلامُ، فما يَضِيرُ سَيِّدًا طَعْنُ الطاعِنِين، بَلْ هو رِفْعَةٌ له وزِيَادةٌ في حَسَناتِه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الشعيبي-: سَيِّدٌ رحمه الله يُعَدُّ مُجَدِّدًا في بابِ (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الشعيبي-: وختاما، لا يَسَعْنِي إلَّا أنْ أذْكُرَ أنَّنِي أَحْسَبُ سَيِّدًا -واللهُ حَسِيبُه- يَشْمَلُه قولُه عليه الصلاةُ والسلامُ {سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ، وَرَجُلٌ قَامَ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ، فَقَتَلَهُ}، فَنَحْسَبُ أنَّ سَيِّدًا رحمه الله قد حَقَّقَ ذلك الشَّرْطَ، حيث قالَ كلمةَ حَقٍّ عند سلطانٍ جائرٍ فقَتَلَه؛ وأنْقُلُ كلمةً له رحمه الله قَبْلَ إعدامِه بقليلٍ عندما أُعْجِبَ أَحَدُ الضباطِ بفَرَحِ سَيِّد قطب وسَعَادَتِه عند سَمَاعِه نَبَأَ الحُكمِ عليه بالإعدامِ (الشَّهَادَة)، وتَعَجَّبَ لِأنَّه لم يَحْزَنْ ويَكْتَئِبْ ويَنْهَارْ ويُحْبَطْ، فسألَه قائلًا {أنتَ تَعتَقِدُ أنَّك ستكونُ شَهِيدًا، فما مَعْنَى (شَهِيد) عندك؟}، أجابَ رحمه اللهُ قائلًا {الشَّهِيدُ هو الذي يُقَدِّمُ شَهَادةً مِن رُوحِه ودَمِه أنَّ دِينَ اللهِ أَغْلَى عنده مِن حَيَاتِه، ولذلك يَبْذِلُ رُوحَه وحَيَاتَه فِدَاءً لِدِينِ اللهِ}؛ وله رَحِمَه اللهُ مِنَ المواقفِ والأقوالِ التي لا يَشُكُّ عارِفٌ بالحقِّ أنَّها صادِرةٌ عن قَلْبٍ قد مُلِيءَ بِحُبِّ اللهِ وحُبِّ رسولِه صلى الله عليه وسلم، وحُبِّ التَّضْحِيةِ لِدِينِه، نسألُ اللهَ أنْ يَرحَمَنا ويَعْفُوَ عنَّا وإيَّاه. انتهى باختصار. وأَثْنَى على الشيخِ سيد قطب أيضًا الشيخُ ربيع المدخلي (رئيسُ قسمِ السُّنَّةِ بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة)، حيث قالَ في فيديو بعنوان (الشيخ ربيع يقول أنَّ "سيد قطب" تَوَصَّلَ للمنهج السلفي بفِطْرَتِه): إنَّ (سَيِّد قطب) كانَ يَنْشِدُ الحَقَّ، ولهذا لو يَسْمَعُ الإخوانُ [يَعْنِي جَماعةَ الإخوانِ المُسلِمِين] نَصِيحَتَه لَانْتَهَتِ الخِلَافاتُ بينهم وبين السَّلَفِيِّين؛ هذا الرَّجُلُ بِإخلاصِه وحُبِّه لِلحَقِّ تَوَصَّلَ إلى أنَّ لا بُدَّ أنْ يُرَبَّى الشَّبابُ على العَقِيدةِ -قَبْلَ كُلِّ شَيءٍ- والأَخْلَاقِ، العَقِيدةِ الصَّحِيحةِ؛ وأظُنُّ كُنْتُ قَرَأْتُ في كِتَاباتِ زينب الغزالي [العُضْوَةِ بِجَماعةِ الإخوانِ المُسلِمِين]، واللهُ أَعْلَمُ إذا كُنْتُم قَرَأْتُم لها، أَنَّه كانَ يُرْشِدُهم [أَيْ أنَّ الشَّيخَ (سيد قطب) كانَ يُرْشِدُ الإخوانَ] إلى كُتُبِ الشَّيخِ محمد بنِ عبدِالوهاب، وكُتُبِ الحَرَكةِ السَّلَفِيَّةِ؛ يَقُولُ [أَيِ الشيخُ سيد قطب] {أَنَا قَرَأْتُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، صَرَفْتُها في حُقُولِ المَعرِفةِ الإنسانِيَّةِ، وغَبَّشَتْ على تَصَوُّرِي، وأنَا إنْ شاءَ اللهُ إذا وَجَدْتُ الحَقَّ واتَّضَحَ لي آخُذُ به}، فالرَّجُلُ بِحُسْنِ نِيَّتِه إنْ شاءَ اللهُ تَوَصَّلَ إلى أنَّ المَنْهَجَ السَّلَفِيَّ هو المَنْهَجُ الصَّحِيحُ الذي يَجِبُ أنْ يَأْخُذَ به الشَّبابُ، وأَنْ يَتَرَبَّوْا عليه؛ وعَرَضَ [أَيِ الشيخُ سيد قطب] هذا المَنْهَجَ على المَوجُودِين في ذلك الوَقْتِ مِنَ الإخوانِ، ناسٌ وافَقُوه وناسٌ عارَضُوه، ثم غَلَبَ الجانِبُ المُعارِضُ على الجانِبِ المُوافِقِ، فاستَمَرَّتْ دَعْوةُ الإخوانِ على ما هي عليه، الرَّوافِضُ إخوانُهم، وصَدَّامٌ [رَئِيسُ العِرَاقِ] يَقِفُونَ إلى جانِبِه، هذا كُلُّه مِن فَسَادِ العَقائدِ ومِنَ الخَلْطِ، لو كانَ هناك عَقِيدةٌ صَحِيحةٌ فيها الوَلَاءُ والبَرَاءُ ما يَقِفُونَ لا مع خُمَيْنِيٍّ [مُرْشِدِ الثَّوْرةِ الإِيرَانِيَّةِ] ولا مع صَدَّامٍ. انتهى باختصار. وأَثْنَى على الشيخِ سيد قطب أيضًا الشيخُ عبدُالله عزَّام (الأستاذُ بجامعة المَلِكِ عبدِالعزيزِ بِجُدَّةَ)، حيث قالَ في رسالةٍ له بِعُنْوَانِ (سيد قطب، عشرون عامًا على الشهادة): لقد كان سَيِّدٌ جادًّا في جاهِلِيَّتِه وإسلامِه، فَلَمْ يَكُنْ يُهادِنُ ولا يُداهِنُ، لقد كان واضحًا كالشمسِ في رابِعَةِ النهارِ مُستَقِيما كَحَدِّ السَّيفِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ عبدُالله عزَّام-: لقد كان دائمًا يُرَدِّدُ {أنا لا أستطيعُ أنْ أعيشَ بنِصْفِ قَلْبٍ نِصْفُه للهِ ونِصْفُه للدُّنْيَا}؛ وكان يقولُ {إنَّ إصْبَعَ السَّبَّابةِ التي تَشْهَدُ للهِ بالوَحْدانِيَّةِ في الصلاةِ لَتَرْفُضُ أنْ تَكْتُبَ حَرفًا واحدًا تُقِرُّ به حُكْمَ طاغِيَةٍ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ عبدُالله عزَّام-: حدَّثني أَحَدُ الإخوةِ، قالَ {إنَّ مَراسِمَ الإعدامِ تَقْضِي أنْ يكونَ أحدُ العلماءِ حاضِرًا تنفيذَ الإعدامِ لِيُلَقِّنَ المحكومَ عليه الشهادَتَين، فعندما كان سَيِّدٌ يَمْشِي خُطَاه الأخيرةَ نحوَ حَبْلِ المِشْنَقةِ اقتربَ منه الشيخُ قائلًا (قُلْ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ")، فقالَ سَيِّدٌ (حَتَّى أنتَ جِئْتَ تُكْمِلُ المَسْرَحِيَّةَ، نحن يا أخي نُعْدَمُ بسببِ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ"، وأنت تَأْكُلُ الخُبْزَ بـ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ")}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ عبدُالله عزَّام-: والحَقُّ أنَّني ما تأثَّرتُ بكاتبٍ كَتَبَ في الفِكرِ الإسلاميِّ أكثرَ ممَّا تأثَّرتُ بسيِّد قطب، وأَنِّي لَأشْعُرُ بفضلِ اللهِ العظيمِ عَلَيَّ إِذْ شَرَحَ صدرِي وفَتَحَ قَلبِي لِدراسةِ كُتُبِ سيّد قطب، فقد وَجَّهَنِي سيِّد قطب فِكْرِيًّا وابنُ تيمية عَقَدِيًّا وابنُ القيم رَوْحِيًّا والنوويُّ فِقْهِيًّا، فهؤلاء أَكْثَرُ أربعةٍ أثَّرُوا في حياتي أَثَرًا عَمِيقًا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ عبدُالله عزَّام-: ولقد مَضَى سيِّد قطب إلى رَبِّه رافِعَ الرأْسِ ناصِعَ الجَبِينِ عَالِيَ الهامَةِ، وتَرَكَ التُّراثَ الضَّخْمَ مِنَ الفِكرِ الإسلاميِّ الذي تَحْيَا به الأجيالُ، بعدَ أنْ وَضَّحَ مَعَانٍ غابَتْ عنِ الأَذْهانِ طَوِيلًا، وَضَّحَ مَعانِيَ ومصطلحاتِ (الطاغوتِ، الجاهليةِ، الحاكميةِ، العبوديةِ، الألوهيةِ)، ووَضَّحَ بوَقْفَتِه المُشَرِّفَةِ معانِيَ (البراءِ والولاءِ، والتوحيدِ، والتَّوَكُّلِ على اللهِ والخَشْيَةِ منه والاِلْتِجاءِ إليه). انتهى باختصار. وأَثْنَى على الشيخِ سيد قطب أيضًا الشيخُ سلمان العودة (الأستاذ بكلية الشريعة وأصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود)، حيث قالَ في فتوى له على موقعِه في هذا الرابط: أمَّا عن (سيِّد قطب) فقد قرأتُ مُعظَمَ كُتُبِه، وإنْ شئتَ فَقُلْ كُلَّ كُتُبِه، كما قرأتُ كثيرًا مِمَّا كُتِبَ عنه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ سلمان العودة-: والذي أَدِينُ اللهَ به أنَّ الأستاذَ (سيِّد قطب) مِن أئمَّةِ الهُدَى والدِّينِ، ومِن دُعاةِ الإصلاحِ، ومِن رُوَّادِ الفِكرِ الإسلامِيِّ، سَخَّرَ فِكْرَهُ وقَلَمَه في الدِّفاعِ عنِ الإسلامِ، وشَرْحِ مَعانِيه، ورَدِّ شُبُهاتِ أعدائِه، وتقريرِ عقائدِه وأحكامِه، على وَجْهٍ قَلَّ مَن يُبارِيه أو يُجارِيه في هذا الزمانِ، وكان حديثُه حَدِيثَ المُعايِشِ الذي لَابَسَ هَمُّ الإسلامِ قَلْبَه، ومَلَكَ عليه نَفْسَه، قد شَغَلَه الحُزْنُ على الإسلامِ والغَضَبُ له، حتى عن ذاتِه وهُمُومِه الخاصَّةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ سلمان العودة-: ومِنَ المعلومِ المُستفِيضِ أنَّ سَيِّدًا رَحِمَه اللهُ مَرَّ في فِكْرِه وحياتِه بمراحلَ مُختلِفةٍ، وكَتَبَ في أَوَّلِ حياتِه مجموعةَ كُتُبٍ أَدَبِيَّةٍ (مِثْلَ كُتُب وشخصِيَّات، ومُهِمَّة الشاعِرِ في الحياةِ، وطِفْل مِنَ القَريَةِ)، ومجموعة مِنَ الدَّوَاوِين الشِّعْرِيَّةِ، وكَتَبَ مجموعةً مِنَ الكُتُبِ الإسلاميَّةِ (مِثْلَ التصوير الفَنِّيّ في القرآنِ، ومَشاهِد القيامةِ في القرآنِ، والعَدالة الاجتماعِيَّة في الإسلامِ)، ثم في مَرْحَلَةِ النُّضْجِ كَتَبَ (الخصائص، والمَعالِم، والظِّلَال، وهذا الدِّين، والمُستَقبَل لهذا الدِّينِ، والإسلام ومُشكِلات الحَضَارةِ)، ورُبَّما كُتُبًا أُخْرَى نَسِيتُها، ومع ذلك كان يَتَعاهَدُ كُتُبَه بالتصحيحِ والمُراجَعةِ والتَّعدِيلِ، كما هو ظاهِرٌ في الظِّلالِ خاصَّةً، حيث كان يُعْمِلُ فيه قَلَمَه بين طَبْعَةٍ وأُخْرَى، وهذا دَأْبُ المُخلِصِين المُتَجَرِّدِين. انتهى. وأَثْنَى على الشيخِ سيد قطب أيضًا الشيخُ محمد حسان (المدرس بكلية الشريعة وأصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود)، حيث قالَ في مقطع صوتي مُفَرَّغ على هذا الرابط: فنَسْأَلُ اللهَ عزَّ وجلَّ أنْ يَجعلَ الشيخَ (سيِّد قطب) عِنْدَه مِنَ الشُّهداء، فهو الرَّجُلُ الذي قَدَّمَ دَمَه وفِكْرَه وعقلَه لِدِين اللهِ عزَّ وجلَّ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ محمد حسان-: وأَسْعَدَ قَلبِي سَعادةً غامِرةً أَخٌ حَبِيبٌ مِن إخواني الدُّعاةِ الكِبارِ، وقالَ لي بأنَّ عنده صورةً للشيخِ (سيِّد قطب) وهو بِلِحْيَةٍ كَثَّةٍ، ولكنَّه حَلَقَ مع هذا البَلَاءِ الذي صُبَّ على رأسِه في السِّجنِ والمُعتَقَلِ. انتهى باختصار. وأَثْنَى على الشيخِ سيد قطب أيضًا الشيخُ عبدُالله بنُ قعود (عضو هيئة كِبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)، حيث قالَ رَادًّا على مَن وَصَفَ كتابَ (مَعالِم في الطريق) الذي ألَّفَه الشيخُ سيد قطب وأُعْدِمَ بِسَبَبِه، بأنَّه (كتابٌ ملعونٌ): نَقَلَ لي غيرُ واحِدٍ قولَك في اجتماعِ أخْيَارٍ -نَحْسَبُهم كذلك- قولَك في كِتابِ (مَعالِم في الطريق) {هذا كِتابٌ ملعونٌ}؛ سُبْحَانَ اللَّهِ!، كِتابٌ أَخَذَ صاحبُه ثَمَنَه قَتْلًا -نَحْسَبُه في سبيلِ اللهِ- بِدَافِعٍ مِنَ الرُّوسِ الشُّيُوعِيِّين لجمال [يَعْنِي جمال عبدالناصر، حاكمَ مِصْرَ وَقْتَئِذٍ]، كما يَعْرِفُ ذلك المُعاصِرون للقَضِيَّة، وقامَتْ بتوزيعِ هذا الكِتابِ جِهَاتٌ عَدِيدةٌ في المملكةِ [يَعْنِي السعوديَّةَ؛ والكتابُ الآنَ ممنوعٌ مِنَ الطَّبْعِ والتَّدَاوُلِ هناك] وخِلَال سنواتٍ عديدةٍ، وأَهْلُ هذه الجهاتِ أَهْلُ عِلْمٍ ودعوةٍ إلى الله، وكثيرٌ منهم مَشايِخُ لِمَشايِخِكَ، وما سَمِعْنا حولَه منهم ما يَسْتَوْجِبُ ما قُلْتَ [في مقالة للشيخ القرضاوي (رئيس الاتحاد العالمي لعُلماءِ المسلمِين) على هذا الرابط، يقولُ الشيخُ: لقد حُوكِمَ سيِّد قطب على أخطر كِتابٍ أَلَّفَه، وهو كِتابُ (معالم في الطريق)، فهو الذي تَتَرَكَّزُ فيه أفكارُه الأساسِيَّةُ في التَّغيِيرِ الذي يَنْشِدُه؛ كان الكِتابُ قد طُبِعَ منه عَدَدٌ محدودٌ في طَبْعَتِه الأُولَى التي نَشَرَتْها (مكتبةُ وهبة)، ولكنْ بَعْدَ أن حُكِمَ بإعدامِ سيِّد قطب، وبعدَ أنْ كُتِبَتْ له الشَّهَادَةُ، أَصبَحَ الكِتابُ يُطْبَعُ في العالَمِ كُلِّه بعَشَرَاتِ الآلَافِ. انتهى باختصار]؛ فكيف بك إذا وَقَفْتَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وحاجَّكَ هذا الشَّخْصُ [يَعْنِي الشيخَ سيد قطب] الذي وَصَفَتْه الإذاعةُ السعوديَّةُ خِلَالَ سَنَوَاتٍ مُتَوالِيَةٍ بـ (شهيد الإسلام). انتهى باختصار من كتاب (مجموع رسائل ومقالات الشيخ عبدالله بن حسن آل قعود). وأَثْنَى على الشيخِ سيد قطب أيضًا الشيخُ أبو بصير الطرطوسي، حيث قالَ في مقالة له بعنوان (كَلِمةٌ حَوْلَ مُراجَعاتِ الشَّيخِ "سَيِّد إمام") في هذا الرابط: المُجاهِدُ الصَدَّاعُ بِالحَقِّ سيد قطب، كُلُّنا يَعلَمُ كَيفَ أنَّ (سيد قطب) رَحِمَه اللهُ آثَرَ المِشْنَقةِ وحُكْمَ الإعدامِ ولا أنْ يُفْرَجَ عنه إفراجًا مَغموسًا بِكَلِمةِ اِعتِذارٍ لِلطَّاغِيَةِ فَيَتَقَوَّى [أَيِ الطاغِيَةُ] بها على طُغيَانِه وكُفرِه وظُلمِه، فَوَضَعَ اللهُ له [أَيْ لِلشَّيخِ (سيد قطب)] بِسَبَبِ ذلك القُبولَ في الأرضِ. انتهى باختصار. وأَثْنَى على الشيخِ سيد قطب أيضًا الشيخُ حسين بن محمود، حيث قالَ في كتابِه (مراحِل التَّطَوُّرِ الفِكْرِيِّ في حياةِ سَيِّد قُطْب): (مَعالِمُ في الطَّرِيقِ) هو آخِرُ كِتَابٍ صَدَرَ في حَياةِ سَيِّدٍ -وهو مِن أَهَمِّ كُتُبِ سَيِّدٍ مع كتابِه (الظِّلَال)- وقد امْتَحَنَ الطُّغاةُ الناسَ بسببِ هذا الكتابِ [كما امْتَحَنَ الْمَأْمُونُ وَالْمُعْتَصِمُ وَالْوَاثِقُ الناسَ في القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ]، واتَّخَذوه ذَرِيعةً لِمُحاكَمةِ سَيِّدٍ والحُكْمِ عليه بالإعدامِ، وقد كان بعضُ تلاميذِ سَيِّدٍ يَرْجُونه ألّا يَطْبَعَ الكِتابَ، فكان يقولُ لهم {لا بُدَّ أنْ يَتِمَّ البَلاغُ}، فهو الكِتابُ الذي أُعْدِمَ صاحِبُه، وقد مُنِعَ مِنَ التَدَاوُلِ والطِّباعةِ في وَقْتِنا هذا، ولكنَّه موجودٌ في الشَّبَكةِ العالَمِيَّةِ وللهِ الحَمْدُ والمِنَّةُ، وهذا الكتابُ يُمْكِنُ أنْ يُقالَ بأنَّه خُلَاصةُ كُتُبِ سَيِّدٍ الإسلامِيَّةِ ولُبُّها، ولذلك أَحْدَثَ دَوِيًّا هائلًا في الأوساطِ العِلْمِيَّةِ والشَّعبِيَّةِ، وتَخَطَّفَتْه الأَيْدِي، وحَفِظَتْه القُلوبُ، ووَعَتْه العُقولُ النَّيِّرةُ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ حسين بن محمود-: أشارَ بعضُهم بأنَّ سَيِّدًا رحمه اللهُ عَكَفَ على دراسةِ كُتُبِ شيخِ الإسلامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وتلميذِه اِبْنِ الْقَيِّمِ في آخِرِ حَياتِه، ولَعَلَّ هذا هو سِرُّ التعديلاتِ والمُرَاجَعاتِ التي رأيناها في آخِرِ أَمْرِه رحمه اللهُ، وسِرُّ تَركِيزِه الشديدِ على العقيدةِ وأنَّها أَسَاسُ الفِكْرِ الإسلامِيِّ وأعظمُ رَصِيدٍ تَرْبَوِيٍّ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ حسين بن محمود-: فَكِلَا الإمامَين [يَعْنِي الشيخَين (محمد بن عبدالوهاب) و(سيد قطب)] دَعَا إلى إقامةِ حُكْمٍ إسلامِيٍّ صحيحٍ، وكِلَاهُما دَعَا إلى إقامةِ ذلك بالسَّيفِ [أَيْ عندما يَغْلِبُ على الظَنِّ القُدْرةُ على إحداثِ التَّغْيِيرِ بالسَّيفِ، ولذلك لم يَرْفَعِ الشيخُ سَيِّدٌ السَّيفَ، في حين رَفَعَه الشيخُ محمد]، وكِلَاهُما أرادَ إحداثَ تَغْيِيرٍ جَذْرِيٍّ في معتقداتِ الناسِ المُخالِفةِ للحَقِّ، وكِلَاهُما دَعَا للثَّوْرةِ على الواقعِ؛ والشيخُ محمد بن عبدالوهّاب قاتَلَ بالسَّيفِ، وخَرَجَ على وُلَاةِ الأَمْرِ بالسَّيفِ، ودَعَا الناسَ إلى ذلك، بَلْ خَرَجَ على الخِلافةِ الإسلاميَّةِ الرَّسْمِيَّةِ وعلى خَلِيفةِ المسلمِين العُثمانِيِّ ممَّا اِضْطَرَّ هذا الأَخِيرَ لإصدارِ أَوَامِرِه لِوَالِي مِصْرَ بالقَضاءِ على الدَّعوةِ [أَيْ دعوةِ الشيخِ محمد بن عبدالوهّاب]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ حسين بن محمود-: وكان أَئِمَّةُ الدَّعوةِ [النَّجْدِيَّةِ السَّلَفِيةِ] يُعلِنُون كُفْرَ الدَّولةِ العُثمانِيَّةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ حسين بن محمود-: أَمَّا الإمامُ سَيِّدٌ فقد حارَبَ بقَلَمِه وكَلِمَتَه وحَرَّضَ على الجهاد في سبيل الله... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ حسين بن محمود-: دعوةُ الشيخِ الإمامِ محمد بنِ عبدالوهاب دعوةٌ تصحيحيَّةٌ تجديديَّةٌ، قامَتْ بالحُجَّةِ ثم بالجهاد والقتال، وهذه الدعوة تدعو الناسَ للرجوع إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم مِن عقيدةٍ، ونَبْذِ ما يُخالِفُها مِن بِدَعٍ وأُمورٍ مُحْدَثَةٍ في الدِّين... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ حسين بن محمود-: الحقيقةُ أنَّه لا تَناقُضَ ولا اختلافَ بين الدعوتَين [يَعْنِي دعوةَ كُلٍّ مِنَ الشيخَين محمد بن عبدالوهاب وسيد قطب] مِن حيث الأَصْلُ، وكُلُّ ما يُرَى مِن خِلافٍ إنَّما هو خِلَافُ تَنَوُّعٍ لا تَضَادٍّ، فهذا يدعو لنَبْذِ البِدَعِ القُبُورِيَّةِ والاعتقاداتِ الرافِضِيَّةِ، وذاك يدعو إلى نَبْذِ الأفكارِ الشرقيَّةِ والمعتقداتِ الغَربِيَّةِ اللادِينِيَّة [المُرادُ بالشرق هو مجموعة الدول التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي، وأمَّا المُرادُ بالغرب فهو مجموعة الدول التي كانت تدور في فلك الولايات المتحدة الأَمْرِيكِيَّةِ]، وكلاهما يدعو إلى تطبيق الشريعة في البلاد الإسلاميَّةِ، هذا بالتَّحريضِ والعملِ التَّنظِيمِيِّ المُؤَدِّي للجهادِ، وذاك بالاستعانةِ بالأُمَراءِ والقِتَالِ العَلَنِيِّ والجهادِ، وكلاهما دَعَا للخُروجِ على الحاكمِ، وكلاهما جَدَّدَ نَواحٍ مِنَ الشريعةِ، فهذا جَدَّدَ عقيدةَ المسلمِين، وذاك جَدَّدَ مفهومَ الاعتزازِ بالدِّينِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ حسين بن محمود-: وهناك أمرٌ لا يَنبَغِي للعاقلِ أنْ يَغْفَلَ عنه، وهو أنَّ الإمامَ محمد بنَ عبدالوهّاب حَمَلَ السيفَ فِعْلًا، وقاتَلَ المسلمِين في جزيرة العَرَبِ وقَتَلَ منهم خَلْقًا، ثم قاتَلَ أتباعُه جُيُوشَ الدُّوَلِ العربيَّةِ المُجاوِرةِ في العراقِ والشامِ وغيرِهما، فمِن هُنَا نقولُ للمُنْتَسِبِين إليه {عليكم أنْ تنظروا -بنَفْسِ العَيْنِ التي تَنظرُون بها [للشيخِ محمد بنِ عبدالوهّاب ودعوتِه]- للشيخ سَيِّدٍ ودعوتِه}، فإنْ قُلْتُمْ بأنَّ {سَيِّدًا يَدعُو لِقَتْلِ المسلمِين}، فالإمامُ محمد قَتَلَ المسلمِين فِعْلًا في حُروبٍ بينه وبينهم، وإنْ قُلْتُم بأنَّ {هؤلاء [الذِين قاتَلَهم الإمامُ محمد] كانوا قُبورِيِّين}، فهذا هو التكفير الذي رَمَيْتُمْ به سَيِّدًا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ حسين بن محمود-: والإمام محمد كَفَّرَ مَن لم يَحْكُمْ بما أنزلَ اللهُ وأَعْلَنَه في كثيرٍ مِن كِتَاباتِه ورسائلِه، وأَعْلَنَ ذلك طُلَّابُه وأَتْبَاعُه، ولَعَلَّ أَوْضَحَ رسالةٍ في ذلك هي رسالةُ العَلَّامةِ محمد بنِ إبراهيم آل الشيخ [هو رئيس القضاة ومفتى الديار السعودية ت1389] الشهيرة [يَعْنِي رسالةَ (تحكيم القوانينِ)]، وهو مِن أحفادِ الشيخِ محمد، وهذا بعضُ كلامِه الذي قالَه {وخُضوعُ الناسِ ورُضُوخُهم لِحُكْمِ ربِّهم خُضوعٌ ورُضُوخٌ لِحُكْمِ مَنْ خَلَقَهم تعالى لِيَعْبُدُوه، فكما لا يَسْجُدُ الخَلْقُ إلَّا للهِ، ولا يَعْبُدُونَ إلَّا إيَّاه ولا يَعْبُدُونَ المخلوقَ، فكذلك يَجِبُ أن لا يَرْضَخُوا ولا يَخْضَعُوا أو يَنْقَادوا إلَّا لِحُكْمِ الحكيم العليم الحميد الرءوف الرحيم، دُونَ حُكْمِ المخلوقِ الظَّلُومِ الجَهُولِ، الذي أَهْلَكَتْه الشُّكُوكُ والشَّهَواتُ والشُّبُهاتُ، واسْتَوْلَتْ على قُلُوبهم الغَفلةُ والقَسوةُ والظُّلُماتُ، فيَجِب على العُقلاء أن يَرْبَأُوا بِنُفُوسِهم عنه، لِما فيه مِنَ الاستعبادِ لهم، والتَّحَكُّمِ فيهم بالأهواءِ والأَغْراضِ، والأَغْلاطِ والأخطاءِ، فَضْلًا عن كَونِه كُفْرًا بنَصِّ قولِه تعالى (ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فأُولئكَ هُمُ الكافِرونَ)}، وقالَ [يعني الشيخ محمد بن إبراهيم] في بِدايَةِ رسالتِه [يَعْنِي رسالةَ (تحكيم القوانينِ)] {إنّ مِنَ الكُفرِ الأكبرِ المُسْتَبِينِ تنزيلَ القانونِ اللَّعِينِ مَنْزِلَةَ ما نَزَلَ به الرُّوحُ الأَمِينُ -على قَلْبِ محمد صلى الله عليه وسلم لِيَكُونَ مِن المُنْذِرِين بلسانٍ عربيٍّ مُبِين- في الحُكْمِ به بَيْنَ العالَمِين، والرَّدِّ إليه عند تَنازُعِ المُتَنازِعِين، مُناقَضةً ومُعانَدةً لقولِ الله عزّ وجلّ (فإنْ تنازعتُم في شيءٍ فرُدّوه إلى اللهِ والرسولِ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلًا)}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ حسين بن محمود-: فالأمرُ عند العلماءِ مَحْسُومٌ فِيمَن تَحَاكَمَ إلى غيرِ شَرْعِ اللهِ، ولا يَشُكُّ في كُفْرِ هؤلاء الكُفَّار إلَّا مَن طَمَسَ اللهُ بَصِيرَتَه وَأَعْمَاهُ عَنْ نُورِ الْوَحْيِ مِثْلَهُمْ، وسَيِّدٌ رحمه اللهُ مِنَ الذِين نَوَّرَ اللهُ قُلُوبَهم بنُورِ الإيمان واليَقِين، نَحْسَبُهُ كذلك وَلَا نُزَكِّيهِ عَلَى اللَّهِ، فكيف يَسْكُتُ رحمه اللهُ على تَنْحِيَةِ شَرْع اللهِ عن واقعِ المسلمِين وهو يَعْلَمُ حُكْمَ اللهِ في الحاكِمِ بغيرِ شَرْعِه والساكِتِ عليه، فَضْلًا عن الراضِي به والمُنافِحِ عنه (وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ)... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ حسين بن محمود-: إنَّ الإمامَ محمد بن عبدالوهاب مُجَدِّدٌ في باب العقيدة الإسلامية، والإمامَ (سيِّد قطب) مُجَدِّدٌ في باب السِّيَاسةِ الشرعيَّةِ، والأَمْرَين مِن صُلْبِ الشريعة الإسلامية الكاملة... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ حسين بن محمود-: رَأَى الشيخُ سَيِّدٌ بنَظْرَتِه الواعِيَةِ أنَّ الأُمَّةَ غافِلةٌ عن دِينِها هاجِرةٌ لِكِتاب رَبِّها، فأراد أنْ يَرْبِطَها بِوَحْيِها مِن جَدِيدٍ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ حسين بن محمود-: وتَكْمُنُ خُطُورةُ الشيخِ سَيِّدٍ في أنَّه لم يَكُنْ كبَقِيَّةِ الكُتَّابِ الذِين وَقَفُوا مَوْقِفَ المُدَافِعِ عن الإسلامِ، بَلْ تَعَدَّى الشيخُ سَيِّدٌ هذه المَرحلةَ إلى مُهاجَمةِ عقائدِ الكُفَّارِ شَرْقًا وغَرْبًا بمَنْطِقِ الاستعلاءِ الإسلاميِّ والإعجازِ التشريعيِّ القُرْآنِيِّ، وكأنَّه جَدَّدَ في الأُمَّةِ قولَ اللهِ تَعالَى {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، فقد كان مِن مَكْرِ الكفارِ أنْ يُؤَصِّلُوا رُوحَ الاستسلامِ والتَّبَعِيَّةِ للغَرْبِ في نُفُوس المسلمِين حتى يَسْهُلَ عليهم تَرْوِيضُهم واحتلالُهم، وكان هناك عُلَماءُ يدافعون باسْتِحْيَاءٍ عنِ القِيَمِ الإسلاميَّةِ، وبعضُهم أرادَ تَطْوِيعَ الإسلامِ لِيَتَماشَى مع المفاهيمِ الغربيَّةِ [يُشِيرُ هنا إلى (المَدرَسةِ العَقلِيَّةِ الاعتِزالِيَّةِ) والتي هي نَفْسُها (مَدرَسةُ فِقْهِ التَّيسِيرِ والوَسَطِيَّةِ)]، فهذا يقولُ {الاشتراكية الإسلامية}، وهذا يقولُ {الديمقراطية الإسلامية} [قالَ الشيخُ محمد قطب (الحاصلُ على "جائزة الملكِ فَيْصَلٍ العالَمِيَّة في الدِّراساتِ الإسلامِيَّةِ") في كتابِه (كيف ندعو الناس): إنَّ قَضِيَّةَ عِبادةِ اللَّهِ وَحْدَهُ بِلَا شَرِيكٍ -وهي قَضِيَّةُ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)- مَعناها أنْ يَكونَ اللهُ هو المَعبودَ في الاعتِقادِ، وهو المَعبودَ في الشَّعائرِ التَّعَبُّدِيَّةِ، وهو المُشَرِّعُ، وهو مُقَرِّرُ القِيَمِ والمَعايِيرِ، وهو واضِعُ مَنهَجِ الحَياةِ لِلنَّاسِ؛ وهي قَضِيَّةُ إلزامٍ لا خِيَارَ فيها لِلمُسلِمِ ما دامَ مُقِرًّا بالإسلامِ، بَلْ هي قَضِيَّةُ إلزامٍ لِكُلِّ مَن نَطَقَ بِلِسانِه {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} ولو كانَ في دَخِيلةِ قَلبِه مُنافِقًا كارِهًا للإسلامِ، فإنَّه إنْ أعرَضَ عن شَرِيعةِ اللهِ، فإنَّه يُؤخَذُ بإقرارِه اللِّسانِيِّ [وهو قَولُه {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}] ثم يُعتَبَرُ مُرتَدًّا عنِ الإسلامِ {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ، وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ}، {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}؛ وحين نَدخُلُ في لُعبةِ الدِّيمُقْراطِيَّةِ، فأوَّلُ ما نَفعَلُه هو تَحوِيلُ هذا الإلزامِ الرَّبَّانِيِّ إلى قَضِيَّةٍ يُستَفتَى فيها الناسُ، وتُؤخَذُ عليها الأصواتُ بِالمُوافَقةِ أو الرَّفضِ، مع إتاحة الفُرصةِ لِمَن شاءَ أنْ يَقولَ {إنَّكم أقَلِّيَّةٌ، والأقَلِّيَّةُ لا يَجوزُ لها أنْ تَفرِضَ رَأْيَها على الأَغْلَبِيَّةِ}، وإذَنْ فهي مَسألةُ رَأْيٍ وَلَيسَتْ مَسألةَ إلزامٍ، مَسألةٌ تَنتَظِرُ أنْ يَصِلَ عَدَدُ أصواتِ المُوافِقِين عليها مَبلَغًا مُعَيَّنًا حتى تَتَقَرَّرَ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ محمد قطب-: فإنَّ القَضِيَّةَ يَجِبُ أنْ تَتَحَدَّدَ على أساسٍ آخَرَ مُختَلِفٍ، إنَّ تَحكِيمَ الشَّرِيعةِ إلزامٌ رَبَّانِيٍّ، لا عَلَاقةَ له بِعَدَدِ الأصواتِ، ولا يُخَيَّرُ الناسُ بِشَأْنِه (هَلْ يَقبَلُونه أمْ يَرْفُضُونه)، لِأنَّهم لا يَملِكون أنْ يَرفُضوه ثم يَظَلُّوا مُسلِمِين... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ محمد قطب-: وفَرْقٌ بين أنْ تَكونَ إقامةُ الإسلامِ في الأرضِ مُتَوَقِّفةً -بَعْدَ مَشِيئةِ اللهِ سُبْحانَهُ وتَعالَى- على وُجودِ قاعدةٍ مُؤْمِنةٍ ذاتِ حَجمٍ مُعَيَّنٍ تَملِكُ تَحقِيقَ هذا الإلزامِ الرَّبَّانِيِّ في عالَمِ الواقِعِ، وبين أنْ يَكونَ الإلزامُ ذاتُه مَوضِعَ نَظَرٍ! ومَوضِعَ اِستِفتاءٍ!، سَوَاءٌ اِستَطَعنا تَحقِيقَه في عالَمِ الواقِعِ، أمْ لم نَستَطِعْ لِضَعفِنا وقِلَّةِ حِيلَتِنا وهَوانِنا على الناسِ كَما كانَ حالُ المُسلِمِين في مَكَّةَ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ محمد قطب-: ويَجِبُ أنْ تُقَدِّمَه الدَّعوةُ [أَيْ يَجِبُ على الدَّعوةِ أنْ تُقَدِّمَ الإسلامَ] لِلنَّاسِ على هذا الأساسِ {أنَّه إلزامٌ رَبَّانِيٌّ، وأنَّ الناكِلَ عنه مُرتَدٌّ في حُكْمِ اللهِ، وأنَّ جَمِيعَ الناسِ مُطالَبون بِتَحقِيقِه، حُكَّامًا ومَحكُومِين، سَوَاءٌ وُجِدَتْ هَيئَةٌ أو جَماعةٌ تُطالِبُ به أَمْ لم تُوجَدْ، لِأنَّه ليس مُتَوَقِّفًا على مُطالَبةِ أَحَدٍ مِنَ البَشَرِ بَعْدَ أنْ طَلَبَه رَبُّ العالَمِين مِن عِبادِه بِصِيغةِ الأمْرِ المُلزِمِ}. انتهى]، وهذا يَقولُ {الفلسفة الإسلامية}، وهذا يُؤَصِّلُ لمفاهيم {القومية الإسلامية}، وهذا يقولُ بـ {وَحْدَة الأَدْيَانِ}، وهذا يُنادي بـ {الأُخُوَّة الدِّينِيَّة بين أصحابِ الأَدْيَانِ السَّمَاوِيَّةِ}، وهذا يُلْغِي {أحكامَ جِهَادِ الطَّلَبِ} بحُجَجٍ واهِيَةٍ، وهذا يَنْفِي وُجُودَ {عَقِيدةِ الوَلَاءِ والبَرَاءِ}، وهذا يَسْتَحِي مِن ذِكْرِ {الحُدُودِ الشرعيَّةِ}، وبعضُهم طَوَّعَ وحَرَّفَ الكثيرَ مِن دَلَالَاتِ النُّصوصِ لِتُوَافِقَ بعضَ المفاهيمِ الكُفْرِيَّةِ!، [فَ]أَتَى الشيخُ سَيِّدٌ لِيَقُولَ للجميع {إنَّ الإسلامَ يَعْلُو ولا يُعْلَى، ومفاهيمُكم هذه كُلُّها تحتَ قَدَمِي، وليس في الأرضِ شيءٌ صالحٌ غَيْرَ هذا الدِّينِ، وهذه مَعالِمُه، فَتَفَيَّئُوا بِظِلَالِ قُرْآنِكم، واتْرُكوا تَصَوُّراتِ عَدُوَّكم، فلا عدالةَ إلَّا في الإسلامِ، ولا مُستقبَلَ إلا لَهُ، ولا سَلَامَ إلا تحتَ رايَتِه، ومشكلاتُ هذه الحضاراتِ كُلِّها سَبَبُها البُعْدُ عن شَرْعِ اللهِ الذي يَجِبُ أنْ يَحْكُمَ الأرضَ مِن جَدِيدٍ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ حسين بن محمود-: لقد عاشَ الإمامُ (سيِّد قطب) رَحِمَه اللهُ حُرًّا في زَمَنِ العُبودِيَّةِ للتَّيَّاراتِ والأفكارِ البشريَّةِ، وماتَ حُرًّا في زَمَنِ الاستسلامِ للطَّواغِيتِ الجاثِيَةِ على رِقابِ الأُمَّةِ الإسلاميَّةِ، وكَتَبَ بِمِدَادِ دَمِه على صفحاتِ التَّأرِيخِ أَسْطُرًا مِنَ التضحيَةِ لِتَرِثَها الأجيالُ المُسلِمةُ المُتَعاقِبةُ، تُحْيِي فيها القِيَمَ الربَّانِيَّةَ السَّامِيَةَ، وتُقولُ لها اضْرِبُوا بسُيوفِ العقيدةِ رأسَ كُلِّ طاغُوتٍ، وكَسِّرُوا بمَطارِقِ الجِهادِ كُلَّ القُيودِ، وحَرِّرُوا بالاستعلاءِ الإيمانيِّ البَشريَّةَ مِن كُلِّ ما سِوَى اللهِ مِن معبودٍ، وأعْلِنُوا في الأرضِ (اللهُ أكبرُ) إرهابًا لأعداءِ اللهِ وإرغامًا لكُلِّ حَسُودٍ، ولا تَتَوَقَّفُوا عنِ الزَّحْفِ حتى تَلْقَوُا اللهَ وقد تَقَطَّعَتْ أَشْلَاؤكم وسُفِكَتْ دِمَاؤكم، عَلَّه يَرْضَى عنكم، فَرِضَا اللهِ لا يُنَالُ بالسُّكُونِ، فَلَا بُدَّ مِنَ الحَرَكَةِ، والحياةُ الحَقَّةُ في طَلَبِ المَنُونِ [أَيِ المَوْتِ]. انتهى باختصار. وأَثْنَى على الشيخِ سيد قطب أيضًا الشيخُ محمد سرور زين العابدين (مُؤَسِّسُ تَيَّارِ الصَّحْوَةِ "أَكْبَرِ التَّيَّاراتِ الدِّينِيَّةِ في السُّعُودِيَّةِ"، والذي مِن رُمُوزِه الشُّيُوخُ سفر الحوالي وناصر العُمَر وسلمان العودة وعائض القرني وعوض القرني ومحمد العريفي وسعد البريك وعبدالوهاب الطريري ومحسن العواجي)، حيث قالَ في كتابِه (دراسات في السيرة النبوية): ما مِن عالِمٍ مِن علماء المسلمِين إلَّا قد رَدَّ أو رُدَّ عليه، كما قالَ الإمامُ مَالِكٌ رحمه اللهُ، وكان سيد قطب رحمه اللهُ أَوَّابًا إلى الحقِّ عندما يَتَبَيَّنَ له، وقد تَراجعَ في الطَّبْعَةِ الثانِيَةِ مِنَ (الظِّلَال) عن آرَاءٍ ومَواقِفَ وَرَدَتْ في الطَّبْعَةِ الأُولَى... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ محمد سرور-: واجتمعَ في أُسلوبِه [يَعْنِي الشيخَ (سيد قطب)] الصِّفاتُ والمَزَايَا التاليَةُ، كان رحمه اللهُ جَرِيئًا لا يَخشَى في اللهِ لَوْمَةَ لائمٍ، وكان الطاغُوتُ يَتَرَبَّصُ به الدوائرَ ويُقَدِّمُ له العُرُوضَ والإغراءات، فأَعْرَضَ رحمه اللهُ عنِ المَناصِبِ الرَّفِيعةِ والجَاهِ العريضِ ابتغاءَ مَرْضَاة الله سبحانه وتعالى وطَمَعًا بجَنَّتِه، [وَ]كان مُتَجَرِّدًا لا يَتعصَّبُ لمذهبٍ مِن المذاهب أو حزبٍ مِن الأحزاب، وما كان يَتحدَّثُ عن نَفْسِه، [وَ]لا أَعْرِفُ كاتبًا في العصر الحديث عَرَضَ مشكلات العصر كسَيِّدٍ رحمه الله، فقد كان أَمِينًا في عَرْضِها وفي وَضْعِ الحُلُول المُناسِبة لعلاجها، [وَ]كان بعيدًا عن الغُلُوِّ، وكانت أَدِلَّتُه مِن الكتابِ والسُّنَّةِ وأقوالِ الأئمَّة، [وَ]كانت له جَوَلَاتٌ وجَوَلَاتٌ في شَرْحِ مَعانِي (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وتوضيحِ مدلولات الألوهية والتحذيرِ مِن الشِّركِ والنفاقِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ محمد سرور-: ولم يكن [أَيِ الشيخُ (سيد قطب)] صوفيًا، وقد رَدَّ على الصوفيِّين في مواضعَ كثيرةٍ مِنَ الظلالِ؛ ولم يكن مِنَ المؤمنِين بمنهج الخوارج، وكُتُبُه تشهد على ذلك؛ ولم يكن من فلول المدرسة الإصلاحية [يعني (المدرسةَ العقليَّةَ الاعتزاليَّةَ) والتي هي نَفْسُها (مَدرَسةُ فِقْهِ التَّيسِيرِ والوَسَطِيَّةِ). قلتُ: وقد ذَكَرَ الشيخُ عبدُالله الطريقي (وكيل كلية الشريعة بالرياض) في مقالة له بعنوان (منهج المدرسة العقلية الحديثة وتقويمها في الإصلاح المعاصر) على هذا الرابط أنَّ الشيخَ سيد قطب مِن أَقْدَمِ مَن نَقَدوا هذه المدرسةَ]، وقد رَدَّ عليهم في كتابِه (خصائصُ التَّصَوُّرِ الإسلاميِّ). انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ ربيع المدخلي (رئيسُ قسمِ السُّنَّةِ بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (التوضيح لِمَا في خطابِ محمد قطب عن كُتُبِ أَخِيه مِنَ التصريحِ): فلقد شاء اللهُ تبارك وتعالى أن أَقِفَ على خِطابٍ للشيخِ محمد قطب [الحاصلِ على (جائزة الملكِ فَيْصَلٍ العالَمِيَّة في الدِّراساتِ الإسلامِيَّةِ)] أخي سيد قطب، وهو جَوابٌ وَجَّهَه إلى عبدِالرحمن بنِ محمد الهرفي الذي يَبْدُو أنَّه سألَه عن ([كتابِ] العدالة الاجتماعِيَّة) لشقيقِه سيد قطب، وهذا نَصُّه {الأخُ الفاضلُ عبدُالرحمن بنُ محمد الهرفي حَفِظَه اللهُ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ سَأَلْتَنِي عن كِتابِ (العدالة الاجتماعية)، فأُخْبِرُكَ أنَّ هذا أَوَّلُ كِتابٍ ألَّفَه بَعْدَ أنْ كانتِ اهتِماماتُه في السابقِ مُتَّجِهَةً إلى الأدَبِ والنَّقْدِ الأدَبِيِّ، وهذا الكتابُ لا يُمَثِّلُ فِكْرَه بعدَ أنْ نَضِجَ تفكيرُه وصار بِحَوْلِ اللهِ أَرْسَخَ قَدَمًا في الإسلام، وهو لم يُوصِ بقِراءَتِه؛ إنِّما الكُتُبُ التي أَوْصَى بقِراءَتِها قُبَيْلَ وَفَاتِهِ هي (الظِّلَالُ "وبصِفَةٍ خاصَّةٍ الأجزاءُ الاثْنَا عَشَرَ الأُولَى المُعادَةُ المُنَقَّحَةُ وهي آخِرُ ما كَتَبَ مِنَ الظِّلالِ على وَجْهِ التَّقرِيبِ"، [وَ]مَعالِمُ في الطريقِ، وهذا الدِّينُ، والمُستَقبَلُ لهذا الدِّينِ، [وَ]خصائصُ التَّصَوُّرِ الإسلاميِّ، ومُقَوِّماتُ التَّصَوُّرِ الإسلاميِّ، والإسلامُ ومُشكِلَاتُ الحَضارةِ)؛ أَمَّا الكُتُبُ التي أَوصَى بعدمِ قراءتِها فهي كل ما كَتَبَه قبلَ (الظِّلَال)، ومِن بينها (العدالة الاجتماعية)؛ أَمَّا كِتَابُ (لماذا أعدموني) فهو ليس كِتَابًا، إنَّما هو مَحاضِرُ التَّحقِيقِ التي أجُرْيَتْ معه في السِّجْنِ الحَربِيِّ، حُذِفَتْ منها الأسئلةُ التي وَجَّهَها إليه المُحَقِّقُ وبَقِيَتِ الأَجوِبةُ، وقد استَخْرَجَها محمد حسنين هيكل [قلتُ: (محمد حسنين هيكل) المقصودُ هنا ليس (محمد حسنين هيكل) الأَدِيبَ صاحبَ كتابِ (حياة محمد)، بَلْ (محمد حسنين هيكل) الصِّحَافِيَّ الذي كان يُوصَفُ بأنَّه (كاتبُ السُّلطةِ)، و(صَدِيقُ الحُكَّامِ)، و(صانعُ الرُّؤَساءِ)، و(مُؤَرِّخُ تاريخِ مِصْرَ الحَدِيثِ)!!!، و(الأَقرَبُ للرئيسِ المِصْرِيِّ جمال عبدالناصر)] مِن مَلَفَّاتِ السِّجْنِ، وباعَها لِجَرِيدةِ (الشرق الأوسط) فنَشَرَتْها في جَرِيدةِ (المُسلِمون [التي كانت تُصْدَرُ عن نَفْسِ الجِهَةِ التي تُصْدِرُ جَرِيدةَ الشرق الأوسط]) مُجَزَأَّةً، ثم نَشَرَتْها في صُورةِ كِتابٍ، ولَمَّا كُنَّا لم نَطَّلِعْ على أُصُولها فلا نستطيعُ أنْ نَحْكُمَ على مَدَى صِحَّتِها، ومِنَ المُؤَكَّدِ أنَّهم حَذَفوا منها ما يَخْتَصُّ بالتعذيبِ -وقد اعْتَرَفَتِ الجَرِيدةُ بذلك- أَمَّا الباقِي فيُحْتَمَلُ صُدورُه عنه ولكنْ لا يُمْكِنُ القَطْعُ بذلك، وفَضْلًا عن ذلك فهذه التحقيقاتُ كُلُّها كانت تَجْرِي في ظِلِّ التَّعذِيبِ}. انتهى باختصار. وقال الشيخ القرضاوي في مقالة له بعنوان (وقفة مع سيد قطب) على هذا الرابط: وقد حَدَّثَنِي الأخُ د/محمد المهدي البدري أنَّ أَحَدَ الإخوةِ المُقَرَّبِين مِن سيد قطب -وكان معه مُعتقَلًا في مِحْنَةِ 1965م- أَخْبَرَه أنَّ الأستاذَ (سيد قطب) عليه رحمة الله، قال له إنَّ الذي يُمَثِّلُ فِكْرِي هو كُتُبِي الأَخِيرَةُ، المعالمُ [أَيْ كتابُ (معالم في الطريق)]، والأجزاءُ الأخيرةُ مِنَ الظلال، والطبعةُ الثانية مِنَ الأجزاء الأولى [يعني مِنَ الظلال]، وخصائصُ التصور الإسلامي، ومقوماتُه [يعني كتاب (مُقَوِّمَات التصوُّر الإسلامي)]، والإسلامُ ومشكلات الحضارة، ونَحْوُها ممَّا صَدَرَ له وهو في السجنِ، أمَّا كُتُبُه القديمةُ فهو لا يَتَبَنَّاها، فهي تُمَثِّلُ تارِيخًا لا أكثرَ. انتهى.

 

زيد: هَلْ مِنَ الكُفرِ اِشتِراطُ التَّحاكُمِ إلى القَوانِينِ الوَضعِيَّةِ في العُقودِ التِّجارِيَّةِ؟.

 

عمرو: قالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (النصائح المنجية): الأعمالُ الظاهِرةُ عَلامةٌ على ما في الباطِنِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: وقَدْ تَقَرَّرَ عند أهلِ العِلْمِ أنَّ الرِّضَا بِالكُفرِ كُفرٌ ورِدَّةٌ عنِ الإسلامِ [قالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (القَولُ الصائبُ في قِصَّةِ حاطِبٍ): وكذلك لو فَعَلَ الرَّجُلُ بِما يَظُنُّه كُفرًا كَفَرَ بِذلك، وإنْ لم يَكُنْ ما فَعَلَ في حَقِيقةِ الأمرِ كُفرًا، لِرِضاه بِالكُفرِ. انتهى]، ولا شَكَّ أنَّ الدَّساتِيرَ الوَضعِيَّةَ دَساتِيرُ شَيطانِيَّةٌ جاهِلِيَّةٌ كُفرِيَّةٌ ومِنَ الكُفرِ البَواحِ التَّوقِيعُ على المُوافَقةِ عليها والقُبول لها... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: فَمَن وَضَعَ القَوانِينَ الجاهِلِيَّةَ في البِلادِ الإسلامِيَّةِ فَهو كافِرٌ، ومَن سَمِعَ بها فَرَضِيَها، أو قَبِلَها ووافَقَ عليها، فَهو كافِرٌ، ومَن كانَ أمَرَ بِوَضعِها فَهو كافِرٌ، ومَن كانَتْ عنده أو في بَيتِه لِيَأمُرَ بها أو لِيَعمَلَ بها يَومًا ما فَهو كافِرٌ، أو صَوَّبَها وسَوَّغَها ولم يَأمُرْ بها فَهو كافِرٌ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: المَجالِسُ التَّشرِيعِيَّةُ الوَضعِيَّةُ كَفَرةٌ مُرتَدُّون... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ قَضِيَّةَ رَدِّ النِّزاعِ إلى غَيرِ شَرعِ اللهِ ليس مِن بابِ المُحرَّماتِ فَيَجوزُ بِالضَّرورةِ، وإنَّما هي مِن بابِ الكُفرِ بِاللَّهِ والإشراكِ فَلا يَجوزُ إلَّا بِالإكراهِ. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (تأييد ومناصرة للبيان الختامي لعلماء الولايات الإسلامية في الصومال): المُتَحاكِمُ إلى القانونِ الوَضعِيِّ طَوعًا كافِرٌ، يُستَثنَى مِن هذا الحُكمِ عند بَعضِ المُعاصِرِين المُتَحاكِمُ إليه اِضْطِرارًا ولَيْسَ بِشَيءٍ، لِأنَّ قَضِيَّةَ التَّحاكُمِ إلى غَيرِ شَرعِ اللهِ ليس مِن بابِ المُحَرمَّاتِ التي تَجوزُ بِالضَّرورةِ، وإنَّما هي مِن بابِ الكُفرِ بِاللَّهِ والإشراكِ به فَلا يَجوزُ إلَّا بِالإكراهِ الشَّرعِيِّ}. انتهى باختصار.

 

وقالَ القاسمي (ت1332هـ) في (مَحاسِنُ التَّأوِيلِ): قَالَ الْحَاكِمُ {إِذَا تَحَاكَمَ رَجُلَانِ فِي أَمْرٍ، فَرَضِيَ أَحَدُهُمَا بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَبَى الثَّانِي وَطَلَبَ الْمُحَاكَمَةَ إِلَى حَاكِمِ الْمَلَاحِدَةِ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ، لِأنَّ فِي ذَلِكَ رِضًا بِشِعَارِ الْكَفَرَةِ}. انتهى باختصار.

 

وسُئِلَ مَوقِعُ (الإسلامُ سؤالٌ وجَوابٌ) الذي يُشْرِفُ عليه الشيخُ محمد صالح المنجد في هذا الرابط {هناك بَعضُ الصَّفَقاتِ التي تَجرِي عن طَرِيقِ بَعضِ المَواقِعِ التِّجارِيَّةِ عَبْرَ الإنترنتِ، وتَنُصُّ الشُّروطُ أنَّه إذا حَصَلَ أيُّ اِختِلافٍ أو نِزاعٍ فَإنَّ القَضِيَّةَ سَتُحالُ إلى المَحكَمةِ وتُحَلُّ وَفْقًا لِلقانونِ (قانونِ تلك البِلادِ، والتي قد تَكونُ دَولةً غَيْرَ مُسلِمةٍ أو لا يُطَبَّقُ فيها شَرعُ اللهِ)، فَما الحُكمُ هنا، هَلْ يَجوزُ الانخِراطُ في مِثلِ هذه الصَّفَقاتِ؟}؛ فأجابَ المَوقِعُ: لا يَجوزُ التَّحاكُمُ لِغَيرِ شَرعِ اللهِ، ولا التَّحاكُمُ إلى هَيئَةٍ قد تَحكُمُ بِشَرِيعةِ اللهِ أو بِغَيرِها، فَإنَّ مِن مُقتَضَى الإيمانِ بِاللَّهِ تَعالَى وعِبادَتِه الخُضوعَ لِحُكمِه والرِّضَا بِشَرعِه والرُّجوعَ إلى كِتابِه وسُنَّةِ رَسولِه عند الاختِلافِ في الأقوالِ وفي الخُصوماتِ وفي الدِّماءِ والأموالِ وسائرِ الحُقوقِ، فَإنَّ الله هو الحَكَمُ وإليه الحُكْمُ، فَيَجِبُ على الحُكَّامِ أنْ يَحكُموا بِما أنزَلَ اللهُ، ووَجَبَ على الرَّعِيَّةِ أنْ يَتَحاكَموا إلى ما أنزَلَ اللهُ في كِتابِه وسُنَّةِ رَسولِه، قالَ تَعالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}، وقالَ في حَقِّ الرَّعِيَّةِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنكُمْ، فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}، ثم بَيَّنَ أنَّه لا يَجتَمِعُ الإيمانُ مع التَّحاكُمِ إلى غَيْرِ ما أنزَلَ اللهُ، فَقالَ تَعالَى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} إلى قَولِه تَعالَى {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، فَنَفَى سُبحانَه -نَفيًا مُؤَكَّدًا بِالقَسَمِ- الإيمانَ عَمَّن لم يَتَحاكَمْ إلى الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم ويَرْضَ بِحُكمِه ويُسَلِّمْ له، كَما أنَّه حَكَمَ بِكُفرِ الوُلاةِ الذِين لا يَحكُمون بِما أنزَلَ اللهُ وبِظُلمِهم وفِسقِهم، قالَ تَعالَى {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}؛ ولا بُدَّ مِنَ الحُكمِ بِما أنزَلَ اللهُ والتَّحاكُمِ إليه في جَمِيعِ مَوادِّ النِّزاعِ في الأقوالِ الاجتِهادِيَّةِ بين العُلَماءِ فَلا يُقبَلُ مِنها [أيْ مِنَ الأقوالِ الاجتِهادِيَّةِ] إلَّا ما دَلَّ عليه الكِتابُ والسُّنَّةُ مِن غَيرِ تَعصُّبٍ لِمَذهَبٍ ولا تَحَيُّزٍ لِإمامٍ، وفي المُرافَعاتِ والخُصوماتِ في سائرِ الحُقوقِ لا في الأحوالِ الشَّخصِيَّةِ فَقَطْ كَما في بَعضِ الدُّوَلِ التي تَنتَسِبُ إلى الإسلامِ، فإنَّ الإسلامَ كُلٌّ لا يَتَجَزَّأُ، قالَ تَعالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}، وقال تعالى {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}، فَمَن خالَفَ ما أمَرَ اللهُ به ورَسولُه صلى الله عليه وسلم بِأنْ حَكَمَ بين الناسِ بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ، أو طَلَبَ ذلك اِتِّباعًا لِما يَهواه ويُرِيدُه، فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإسلامِ والإيمانِ مِن عُنُقِه وإنْ زَعَمَ أنَّه مُؤمِنٌ... ثم قالَ -أَيْ مَوقِعُ (الإسلامُ سؤالٌ وجَوابٌ)-: وقالَ شيخُ الإسلامِ اِبنُ تَيمِيَّةَ رَحِمَه اللهُ [في (منهاج السنة النبوية)] {وَالْحُكْمُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ أَكْمَلُ أَنْوَاعِ الْعَدْلِ وَأَحْسَنُهَا، وَالْحُكْمُ بِهِ وَاجِبٌ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكُلِّ مَنِ اِتَّبَعَهُ، وَمَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى الأُمَّةِ فِي كُلِّ مَا تَنَازَعَتْ فِيهِ مِنَ الأُمُورِ الاعْتِقَادِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ}... ثم قالَ -أَيْ مَوقِعُ (الإسلامُ سؤالٌ وجَوابٌ)-: وقالَ اِبْنُ الْقَيِّمِ في (إعلام الموقعين) {أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ مَنْ تَحَاكَمَ أَوْ حَاكَمَ إلَى غَيْرِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَقَدْ حَكَّمَ الطَّاغُوتَ وَتَحَاكَمَ إلَيْهِ، وَالطَّاغُوتُ كُلُّ مَا تَجَاوَزَ بِهِ الْعَبْدُ حَدَّهُ مِنْ مَعْبُودٍ أَوْ مَتْبُوعٍ أَوْ مُطَاعٍ، فَطَاغُوتُ كُلِّ قَوْمٍ مِنْ يَتَحَاكَمُونَ إلَيْهِ غَيْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، أَوْ يَعْبُدُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَوْ يَتْبَعُونَهُ عَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ مِنَ اللَّهِ، أَوْ يُطِيعُونَهُ فِيمَا لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ طَاعَةٌ لِلَّهِ، فَهَذِهِ طَوَاغِيتُ الْعَالَمِ إذَا تَأَمَّلْتَهَا وَتَأَمَّلْتَ أَحْوَالَ النَّاسِ مَعَهَا رَأَيْت أَكْثَرَهُمْ عَدَلُوا مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ إلَى عِبَادَةِ الطَّاغُوتِ، وَعَنِ التَّحَاكُمِ إلَى اللَّهِ وَإِلَى الرَّسُولِ إلَى التَّحَاكُمِ إلَى الطَّاغُوتِ، وَعَنْ طَاعَتِهِ وَمُتَابَعَةِ رَسُولِهِ إلَى طَاعَةِ الطَّاغُوتِ وَمُتَابَعَتِهِ}... ثم قالَ -أَيْ مَوقِعُ (الإسلامُ سؤالٌ وجَوابٌ)-: وقالَ الشيخُ محمدُ بنُ إبراهيم [رَئيسُ القُضاةِ ومُفتِي الدِّيَارِ السُّعودِيَّةِ ت1389هـ] رَحِمَه اللهُ [في (فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم)] {إنَّ مِن أقبَحِ السَّيِّئاتِ وأعظَمِ المُنكَراتِ التَّحاكُمَ إلى غَيرِ شَرِيعةِ اللهِ مِنَ القَوانِينِ الوَضعِيَّةِ والنُّظُمِ البَشَرِيَّةِ وعاداتِ الأسلافِ والأجدادِ، التي قد وَقَعَ فيها كَثِيرُ مِنَ الناسِ اليَومَ وارتَضاها بَدَلًا مِن شَرِيعةِ اللهِ التي بَعَثَ بها رَسولَه محمدًا صلى الله عليه وسلم، ولا رَيبَ أنَّ ذلك مِن أعظَمِ النِّفاقِ ومِن أكبَرِ شَعائرِ الكُفرِ والظُّلمِ والفُسوقِ وأحكامِ الجاهِلِيَّةِ التي أبطَلَها القُرآنُ وحَذَّرَ عنها الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم}... ثم قالَ -أَيْ مَوقِعُ (الإسلامُ سؤالٌ وجَوابٌ)-: وقالَ عُلَماءُ اللَّجنةِ الدائمةِ لِلإفتاءِ [عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالله بن غديان وصالح الفوزان وعبدالعزيز آل الشيخ وبكر أبو زيد] {الواجِبُ على المُسلِمِين أنْ يَتَحاكَموا إلى الشَّرِيعةِ الإسلامِيَّةِ؛ ويَحرُمُ على المُسلِمِين التَّحاكُمُ إلى الأحكامِ العُرفِيَّةِ والمَبادِئِ القَبَلِيَّةِ والقَوانِينِ الوَضعِيَّةِ، لِأنَّها مِنَ التَّحاكُمِ إلى الطاغوتِ الذي نُهِينا أنْ نَتَحاكَمَ إليه، وقد أمَرَنا اللهُ بِالكُفرِ به في قَولِه تَعالَى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا}... ثم قالَ -أَيْ مَوقِعُ (الإسلامُ سؤالٌ وجَوابٌ)-: وقالَ الشيخُ ابنُ باز رَحِمَه اللهُ [في (مجموع فتاوى ومقالات ابن باز)] {يَجِبُ على المُسلِمِين أنْ يَتَحاكَموا إلى كِتابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسولِه صلى الله عليه وسلم في كُلِّ شَيءٍ، لا إلى القَوانِينِ الوَضعِيَّةِ والأعرافِ والعاداتِ القَبَلِيَّةِ}... ثم قالَ -أَيْ مَوقِعُ (الإسلامُ سؤالٌ وجَوابٌ)-: وعلى هذا، فالشَّرطُ الذي ذَكَرَه السائلُ، وهو إحالةُ المَسائلِ المُتَنازَعِ فيها إلى المَحكَمةِ وتُحَلُّ وَفْقًا لِلقانونِ الوَضعِيِّ، هذا الشَّرطُ باطِلٌ لا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أنْ يَرضَى به. انتهى باختصار.

 

وجاءَ على مَوقِعِ جَرِيدةِ الرياض السُّعودِيَّةِ تَحْتَ عُنوانِ (مُجَمَّعُ الفِقهِ الإسلامِيِّ يَبحَثُ اِشتِراطَ التَّحاكُمِ إلى القَوانِينِ الوَضعِيَّةِ في العُقودِ التِّجارِيَّةِ) في هذا الرابط: اِفتَتَحَ سَمَاحةُ الشَّيخِ عبدِالعزيزِ بنِ عبدِاللهِ آل الشيخ (مُفتِي عامِّ المَملَكةِ، ورَئيسِ المَجلِسِ التَّأْسِيسِيِّ لِرابِطةِ العالَمِ الإسلامِيِّ) في مَقَرِّ الرابِطةِ بِمَكَّةَ المُكَرَّمةِ أَمْسِ الدَّورةَ العِشرِين لِلمُجَمَّعِ الفِقهِيِّ الإسلامِيِّ، التي تُعقَدُ في الفَترةِ مِن 19 [إلى] 23/1/1432هـ، وذلك بِحُضورِ مَعالِي الشيخِ الدكتور عبدِالله بنِ عبدِالمحسن التركي الأمِينِ العامِّ لِلرابِطةِ [وعضو هيئة كبار العلماء]، وفَضِيلةِ الشيخِ الدكتور صالحِ بنِ زابنِ المرزوقي البقمي الأمِينِ العامِّ لِلمُجَمَّعِ الفِقهِيِّ في الرابِطةِ، وبِمُشارَكةِ أصحابِ السَّماحةِ والفَضِيلةِ والمَعالِي العُلَماءِ والفُقَهاءِ أعضاءِ المَجلِسِ الذِين تَوافَدوا إلى مَكَّةَ المُكَرَّمةِ مِن مُخْتَلَفِ البُلدانِ والمُجتَمَعاتِ الإسلامِيَّةِ... ثم قالَ -أيْ مَوقِعُ جَرِيدةِ الرياض-: بَعْدَ ذلك بِدَأَ أصحابُ الفَضِيلةِ العُلَماءِ والفُقَهاءِ اِستِعراضَ البُحوثِ التي أُعِدَّتْ لِلمُناقَشةِ في الجَلسةِ الأُولَى مِنَ الدَّورةِ العِشرِين وذلك بِعُنوانِ (اِشتِراطُ التَّحاكُمِ في العُقودِ المَالِيَّةِ إلى قانونٍ وَضعِيٍّ)... ثم قالَ -أيْ مَوقِعُ جَرِيدةِ الرياض-: وبَيَّنَ الباحِثون شُروطَ القاضِي، وهي أنْ يَكونَ القاضِي مُسلِمًا (فَلا يَجوزُ رَفعُ القَضِيَّةِ المُتَنازَعِ فيها إلى غَيرِ مُسلِمٍ)، وأنْ يَكونَ ذَكَرًا (فَلا يَجوزُ تَقلِيدُ المَرأةِ لِلقَضاءِ مَهْما كانَتْ عالِمةَ وخَبِيرةً)، وأنْ يَكونَ فَقِيهَ النَّفسِ بِالأحكامِ الشَّرعِيَّةِ، وأنْ يَكونَ عَدْلًا (فَلا يَجوزُ تَقلِيدُ الفاسِقِ)... ثم قالَ -أيْ مَوقِعُ جَرِيدةِ الرياض-: وبَيَّنَ الباحِثون أنَّ التَّحاكُمَ هو رَفعُ الخُصومةِ لِلقاضِي لِيَحكُمَ فيها، وأنَّ الاستِعانةَ بِمَن يَدفَعُ عنِ الشَّخصِ ظُلمًا أو يَرفَعُه عنه [فَهذا] مِن بابِ الاستِنصارِ وليس مِن بابِ التَّحاكُمِ، وأنَّ التَّحاكُمَ يَجِبُ أنْ يَكونَ إلى كِتابِ اللهِ أو صَحِيحِ سُنَّةِ نَبِيِّه صلى الله عليه وسلم وقَدْ جاءَتِ الأوامِرُ بِذلك مِنَ اللهِ في كِتابِه وفي صَحِيحِ سُنَّةِ نَبِيِّه صلى الله عليه وسلم... ثم قالَ -أيْ مَوقِعُ جَرِيدةِ الرياض-: وأكَّدَ الباحِثون على دَعوةِ المُسلِمِين جَمِيعًا إلى الاستِكثارِ مِن مَراكِزِ التَّحكِيمِ المُنضَبِطةِ بِضَوابِطِ الشَّرعِ، والحِرصِ على النَّصِّ على اللُّجوءِ إليها [أيْ عند التَّنازُعِ] في العُقودِ والمُعامَلاتِ التِّجارِيَّةِ ما أمكَنَ، والحِرصِ مَهْما أمكَنَ إذا اُضْطُرُّوا إلى القُبولِ بِاللُّجوءِ إلى قانونٍ وَضعِيٍّ مُعَيَّنٍ أنْ يُضِيفوا إليه [أيْ إلى القُبولِ بِاللُّجوءِ إلى قانونٍ وَضعِيٍّ مُعَيَّنٍ] شَرْطَ عَدَمِ مُخالَفةِ الشَّرِيعةِ الإسلامِيَّةِ. انتهى باختصار.

 

زيد: هناك مَن يَزعُمُ أنَّ مِنَ الكُفرِ حَمْلَ الأوراقِ الثُّبُوتِيَّةِ التي تُصدِرُها الدَّولةُ الكافِرةُ (مِثلَ بِطاقةِ الهُوِيَّةِ وجَوَازِ السَّفَرِ ورُخْصَةِ القِيادةِ وشَهادةِ المِيلادِ)، ويَرَى أنَّ مَناطَ التَّكفِيرِ هُنا هو الرِّضَا بِالبَلَدِ الذي يَحكُمُ بِالكُفرِ وحَمْلُ أوراقٍ بِها شِعاراتُ الدَّولةِ الطاغوتِيَّةِ؛ فَهَلْ هذا صَحِيحٌ؟.

 

عمرو: قالَ الشَّيخُ أبو مالك التميمي (المُتَخَرِّجُ مِن قسم الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بتقدير امتياز، والحاصل على الماجستير من المعهد العالي للقضاء في الفقه المقارن، وتَمَّ تَرشِيحُه لِلْعَمَلِ قاضِيًا في المحاكمِ التابعةِ لوزارةِ العدلِ السعوديةِ ولَكِنَّه رَفَضَ) في (السُّؤَالاتُ النَّيجِيرِيَّةُ) رادًّا على مِثْلِ هذا السُّؤالِ: الذي يَظهَرُ أنَّ المَناطَ المَذكورَ في كُفرِ حامِلِ الأوراقِ الثُّبوتِيَّةِ تَكفِيرٌ بِاللازِمِ، وهو غَيرُ مُنضَبِطٌ لِأنَّ كَثِيرًا مِمَّن يَحمِلُ هذه الأوراقَ لا يَعتَرِفُ بِالبَلَدِ التي أصدَرَتْها بَلْ يَكفُرُ بِها ويُنكِرُ شِعاراتِها؛ ولَكِنَّ المَناطَ المُؤَثِّرَ هو فِيما تُملِيه الدَّولةُ المانِحةُ لِهذه الأوراقِ على طالَبِيها، فَإنِ اِشتَرَطَتْ عليهم ما يُوجِبُ الكُفرَ كالالتِزامِ بِالوَلاءِ والنُّصرةِ لِلدَّولةِ المانِحةِ والنُّزولِ تحت حُكمِها كانَ ذلك كُفرًا والعِياذُ بِاللَّهِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: وإذا خَلَتْ هذه الأوراقُ الحُكومِيَّةُ مِن مُوجِباتِ الكُفرِ، وكانَتْ مِن قَبِيلِ الأوراقِ الثُّبوتِيَّةِ البَحتةِ التي تُتَّخَذُ لِمُجَرَّدِ التَّوثِيقِ والتَّنظِيمِ الإدارِيِّ البَحْتِ فَهي دُونَ الكُفرِ. انتهى.

 

زيد: لقد ذَكَرْتَ أنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ، فهَلْ يَعنِي ذلك أنَّ أَكْثَرَ الرَّعِيَّةِ الكافِرةِ تُسلِمُ فَوْرَ إسلامِ الحاكِمِ الكافِرِ، وأَكْثَرَ الرَّعِيَّةِ المُسلِمةِ تَكْفُرُ فَوْرَ كُفْرِ الحاكِمِ المُسْلِمِ؟.

 

عمرو: الرَّعِيَّةِ المُسلِمةِ لا تَكْفُرُ فَوْرَ كُفْرِ الحاكِمِ؛ ولكنْ إذا كَفَرَ الحاكِمُ وَجَبَ عَلَى الرَّعِيَّةِ المُسلِمةِ الْقِيَامُ عَلَيْهِ وَخَلْعُهُ وَنَصْبُ إِمَامٍ عَادِلٍ، فإن عجزوا عن ذلك فسيترتب على هذا العجز -كما نَرَى بأَعْيُنِنا في الواقِعِ المُشاهَدِ وكما مر على مدار العصور والتجارب التاريخية- أنْ يقومَ هذا الحاكمُ باستخدام أدواته السلطوية في نشر ما صار به كافرا بَيْنَ الرَّعِيَّةِ المُسلِمةِ، وأنْ تَضْعُفَ عَقِيدةُ الرعية (تَدْرِيجِيًّا)، وأنْ تتفشى فيهم عَقِيدة الحاكم (تَدْرِيجِيًّا) وأنْ يُتابِعُ أفرادُ الرَّعِيَّةِ -فَرْدًا تِلْوَ الآخَرِ- الحاكِمَ (تَدْرِيجِيًّا) على كفره حتى ينتهي الأمر إلى أن يكون المتابعون للحاكم على كفره هُمْ أَكْثَرَ الرَّعِيَّةِ، وعندئذ تتحقق مقولة {النَّاسُ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ} والتي يراد بها كما مر بيانه {أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ}؛ وهنا ينبغي الانتباه إلى أنه عندما كَفَرَ الحاكمُ فإن الدارَ ما زالت دارَ إسلامٍ والرَّعِيَّةَ ما زالت مُسلِمةً، ولكن بعد استخدام هذا الحاكمِ نِظامًا يُشَرَّعُ فيه ما يخالف مَعلومًا مِنَ الدِّين بالضرورة أو نظامًا يُعادِي المُسلِمِين ويُوالِي الكُفَّارَ، فإن الدار عندئذ تصبح دارَ كُفرٍ، وأما الرَّعِيَّةُ فلا تزال مُسلِمةً في عُمومِها ما دام أن أَكْثَرَ الرَّعِيَّةِ يَتَبَرَّأُونَ مِن هذا الحاكِمِ ونِظَامِه مِن أجلِ كُفرِهما، ويَفِرَّون مِنَ التَّحاكُمِ إليه (بأن يتحاكموا فيما بينهم إلى شريعة الرحمن)، وعندئذ لا يُحكَمُ على أحدٍ مِنَ الرَّعِيَّةِ بالكفرِ إلَّا مَن عُلِمَ أنَّه يُتابِعُ -أو يُعِينُ- الحاكِمَ على كُفرِه، فإذا لم يَتَبَرَّأْ أَكْثَرُ الرَّعِيَّةِ مِن هذا الحاكِمَ ونِظَامَه مِن أجلِ كُفرِهما، أو تَرَكوا (التَّحاكُمَ فيما بينهم إلى شريعةِ الرحمن) مُلْتَجِئِينَ إلى (التَّحاكُمِ إلى شريعة الحاكِمِ الكافرِ ونِظَامِه)، فعندئذ تُصبِحُ الرَّعِيَّةُ كافرةً في عمومها، وعندئذ لا يُحْكَمُ لِأحَدٍ مِنَ الرَّعِيَّةِ بالإسلام إلَّا مَن عُلِمَ أنَّه مُتَبَرِّئٌ مما به كَفَرَتِ الرَّعِيَّةُ؛ كما ينبغي هنا الانتباه أيضا إلى أنه قد يكون الحاكِمُ مُسلِمًا والدارُ دارَ كُفرٍ والرعيةُ كافرةً في عمومها، كَأَنْ يكونَ الحاكمُ أَسْلَمَ تَوًّا ولم يتمكن بَعْدُ مِنِ اِستبدالِ شرائع الكفر بشرائع الإسلام، وقد يكون الحاكِمُ مُسلِمًا والدارُ دارَ إسلام والرَّعِيَّةُ كافرةً في عمومها، كَما في دارِ الإسلام التي كُلُّ مَن فيها أو أكثَرُهم أهلَ ذِمَّةٍ؛ كما ينبغي هنا الانتباه أيضا إلى أنه عندما يَسْتَوْلِي الكُفَّارُ على دار الإسلام ولا يتمكنون من إجراء أحكام الكفر فيها فإن هذا الاستيلاء يوصف بأنه (استيلاء ناقص)، أما إذا تمكنوا من إجراء أحكام الكفر فيها فإن هذا الاستيلاء يوصف بأنه (استيلاء تام)، وَلْيُعْلَمْ أنَّه على مدار العصور كان عُمُرُ حالة (الاستيلاءِ الناقصِ) قَصِيرًا جِدًّا بالنِّسبةِ إلى عُمُرِ حالة (الاستيلاء التام) لأن حالةَ (الاستيلاءِ الناقصِ) حالةُ تَرَبُّصٍ ومُدافَعةٍ لا حالةُ تَعايُشٍ، ولِأنَّ الجميعَ (الحاكِمَ الكافِرَ، والرَّعِيَّةَ المُسلِمةَ) يحاولون التَّخَلُّصَ مِن هذه الحالة، فالحاكم الكافر لا يَرْضَى بالاستيلاءِ الناقصِ الذي يُعَكِّرُ صَفْوَ بَقاءِ وتثبيت عَرْشِه، وأيضًا الرَّعِيَّةُ المُسلِمة لا تَرْضَى بِأَقَلِّ مِن خَلْعِ هذا الحاكمِ الكافرِ، وهي في هذا الوقت في حالةِ مُدافَعةٍ وإعدادٍ وتَأَهُّبٍ، ولديها مِنَ القوة والشوكة ما مَنَعَ مِن تَمكِين هذا الحاكِمِ الكافِرِ مِنَ الاستِيلاءِ التامِّ حَتَّى اللَّحْظَةِ؛ ومِمَّا ذُكِرَ يُعرَفُ أنَّ دارَ الكُفرِ قد تَكونُ دارَ مُسلِمِين لِأنَّ أكثَرَ أهلِها مُسلِمون، وأنَّ دارَ الإسلامِ قد تكونُ دارَ كافِرِين لِأنَّ أكثَرَ أهلِها كافِرون؛ وإليك بعضُ أقوالِ العلماءِ فِيما ذُكِرَ:

 

(1)قالَ الشيخُ أبو عبدالرحمن الصومالي في (رَدُّ التَّحرِيفِ عن مَبادِئِ الدِّينِ الحَنِيفِ): مَتَى يَكُونُ الأصلُ في التَّعامُلِ مع الأفرادِ والطَّوائفِ إسلامًا، ومَتَى يَكُونُ كُفرًا؟، يُعامَلُ الفَردُ على ما أظهَرَهُ، فَمَن أظهَرَ إسلامًا وتَوبةً مِنَ الشِّركِ يُعامَلُ على هذا الأصلِ ولا يَجُوزُ تَكفِيرُهُ أو الظَّنُّ بِه شَرًّا وكُفرًا، ويُقالُ {الأصلُ في التَّعامُلِ مع هذا أنَّهُ مُسلِمٌ}، وهذا ما يُسَمَّى بِاستِصحابِ الحالِ أو اِستِصحابِ البَراءةِ الأصلِيَّةِ؛ وكذلك مَن أظهَرَ كُفرًا وشِركًا يُعامَلُ على هذا الأصلِ ولا يَجُوزُ الحُكْمُ بِإسلامِه أو الظَّنُّ بِه خَيرًا وإسلامًا، ويُقالُ {الأصلُ في التَّعامُل مع هذا أنَّهُ مُشرِكٌ}، وهو اِستِصحابُ لِآخِرِ حالِه... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ الصومالي-: وتُعامَلُ الطائفةُ على ما أظهَرَتْهُ، فَإنْ أظهَرَتْ إسلامًا وتَوبةً مِنَ الشِّركِِ تُعامَلُ على هذا الأصلِ ولا يَجُوزُ تَكفِيرُها أو الظَّنُّ بِها شَرًّا وكُفرًا، ويُقالُ {الأصلُ في التَّعامُلِ مع هذه الطائفةِ أنَّها مُسلِمةٌ}، وهو اِستِصحابٌ لِآخِرِ حالِها؛ وإنْ أظهَرَتْ كُفرًا وشِركًا تُعامَلُ على هذا الأصلِ ولا يجُوزُ الحُكْمُ بِإسلامِها أو الظَّنُّ بِها خَيرًا وإسلامًا، ويُقالُ {الأصلُ في التَّعامُلِ مع هذه الطائفةِ أنَّها مُشرِكةٌ}، وهو اِستِصحابٌ لِآخِرِ حالِها... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ الصومالي-: وإذا دَخَلَ المُسلِمُ دارَ طائفةٍ أو قَبِيلةٍ عَلِمَ بِإسلامِها فَإنَّهُ يُعامِلُ أفرادَها على أصلِ الإسلامِ، ولا يَمتَحِنُ الأفرادَ، ويُصَلِّي خَلْفَ إمامِهم دُونَ أنْ يَسْأَلَ عنِ اِعتِقادِه، لِأنَّ الأصلَ أنَّ الطائفةَ الواحِدةَ كَشَخصٍ واحِدٍ ما لم يَظهَرِ الخِلافُ، فَإنْ ظَهَرَ فِيها مَن هو على الكُفرِ عَلِمَ أنَّهُ ليس مِنَ الطائفةِ المُسلِمةِ في الدِّينِ؛ وإذا دَخَلَ المُسلِمُ دارَ طائفةٍ أو قَبِيلةٍ عَلِمَ بِكُفرِها فَإنَّهُ يُعامِلُ أفرادَها على أصلِ الكُفرِ، فَلا يَأْكُلُ ذَبائحَ أفرادِها، ولا يُصَلِّي خَلْفَ إمامِها، ولا يَنكِحُ نِساءَها، لِأنَّ الأصلَ أنَّ الطائفةَ الواحِدةَ كَشَخصٍ واحِدٍ ما لم يَظهَرِ الخِلافُ، فَإنْ ظَهَرَ فِيها مَن هو على الإسلامِ والبَراءةِ مِنَ الشِّركِ وأهلِه عَلِمَ أنَّهُ ليس مِنَ الطائفةِ المُشرِكةِ في الدِّينِ... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ الصومالي-: إنَّهُ كَما أنَّ الإسلامَ جَعَلَ لِكُلِّ فرْدٍ حُكمًا شَرعِيًّا يُلحِقُهُ بِأحَدِ الدِّينَين (الكُفرِ أوِ الإسلامِ)، فَيَكُونُ فَردٌ كافِرًا وفَردٌ مُسلِمًا، فَكذلك جَعَلَ الإسلامُ لِكُلِّ طائفةٍ أو قَبِيلةٍ أو مَمْلَكةٍ أو دَولةٍ حُكمًا شَرعِيًّا يُلحِقُها بِأحَدِ الدِّينَين (الكُفرِ أوِ الإسلامِ)، فَتَكُونُ إمَّا كافِرةً وإمَّا مُسلِمةً، ويُرجَعُ في أمرِ الكُفرِ والإسلامِ إلى الكِتابِ والسُّنَّة، لا إلَى عُرفِ النَّاسِ وتَصَوُّراتِ البِيئةِ وأهواءِ المَشايِخِ المَفتُونِين بِالدُّنيَا؛ وإذا صارَتْ طائفةٌ -أو قَبِيلةٌ أو دَولةٌ- كافِرةً فَإنَّ دارَها تُضافُ إلى الكُفرِ فَيُقالُ {إنَّها دارُ كُفرٍ}، أو تُضافُ إلى ساكِنِيها فَيُقالُ {إنَّها دارُ الكافِرِين}، وكذلك إذا صارَتْ طائفةٌ -أو قَبِيلةٌ أو دَولةٌ- مُسلِمةً فَإنَّ دارَها تُضافُ إلى الإسلامِ فَيُقالُ {إنَّها دارُ إسلامٍ}، أو تُضافُ إلى ساكِنِيها فَيُقالُ {إنَّها دارُ المُسلِمِين}... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ الصومالي-: الطّائفةُ المُمتَنِعةُ التي تُظهِرُ الكُفرَ وتَكُونُ لَهم الغَلَبةُ في بِلادِها فَإنَّ دارَها دارُ كُفرٍ، ويَجِبُ على المُسلِمِ القادِرِ أنْ يُهاجِرَ منها إذا لم يَقدِرْ على إظهارِ دِينِه [قالَ الشيخُ إسحاقُ بنُ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب (ت1319هـ): قال في الإقناع [للْحَجَّاوِيِّ (ت968هـ)] وشرحه [للبُهُوتِيِّ (ت1051هـ)] {وَتَجِبُ الْهِجْرَةُ عَلَى مَنْ يَعْجِزُ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَهِيَ مَا يَغْلِبُ فِيهَا حُكْمُ الْكُفْرِ، زَادَ جَمَاعَةٌ [أَيْ مِنَ العلماءِ] وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى [يعني (منتهى الإرادات) لابن النجار] (أَوْ بَلَدِ بُغَاةٍ، أَوْ بِدَعٍ مُضِلَّةٍ كرفض واعتزال)، فَيَخْرُجُ مِنْهَا إلَى دَارِ أَهْلِ السُّنَّةِ وُجُوبًا إنْ عَجَزَ عَنْ إظْهَارِ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِيهَا}... ثم قال -أَيِ الشيخُ إسحاقُ-: وقال الشيخ العلامة حَمَدُ بن عَتِيقٍ رحمه الله [في (سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين والأتراك)] {وأما مسألة إظهار الدين، فكثير من الناس قد ظَنَّ أنه إذا قَدِرَ أن يتلفظ بالشهادتين، وأن يصلي الصلوات الخمس ولا يُرَدُّ عن المساجد، فقد أَظْهَرَ دينَه وإن كان ببلد المشركِين، وقد غَلَطَ في ذلك أَقْبَحَ الغَلَطِ}، قال [أَيِ الشيخُ حَمَدُ] {ولا يكون المسلمُ مُظِهرًا للدين، حتى يُخالِف كلَّ طائفة بما اُشْتُهِرَ عنها، ويُصَرِّحَ لها بعداوته، فمَن كان كُفْرُه بالشركِ فإظهارُ الدين عنده أن يُصَرِّحَ بالتوحيد، والنَّهْيِ عن الشرك والتحذيرِ منه، ومَن كان كُفْرُه بجحد الرسالة فإظهارُ الدِّين عنده التصريح بأنَّ محمدا رسولُ اللهِ، ومَن كان كُفْرُه بترك الصلاة فإظهار الدين عنده بفعل الصلاة، ومَن كان كُفْرُه بموالاة المشركِين والدخول في طاعتهم فإظهارُ الدين عنده التصريح بعداوته والبراءة منه ومِن المشركِين}... إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى؛ فالحاصل هو ما قَدَّمناه، مِن أنَّ إظهارَ الدين الذي تبرأ به الذمةُ، هو الامتيازُ عن عُبَّادِ الأَوْثانِ بإظهار المعتقد، والتصريحُ بما هو عليه [أي وتصريحُ المُوَحِّدِ بما هو عليه مِمَّا يُخالِفُ فيه المشركين]، والبُعْدُ عنِ الشرك ووسائله، فمَن كان بهذه المثابةِ إنْ عَرَفَ الدينَ بدليلِه وأَمِنَ الفتنةَ، جاز له الإقامةُ؛ بَقِيَ مسألةُ العاجزِ عنِ الهجرة، ما يَصْنَعُ؟، قال الوالدُ [الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ (ت1285هـ)] رحمه الله لَمَّا سُئِلَ عنه {وأما إذا كان المُوَحِّدُ بين ظهراني أناسٍ مِنَ المبتدعةِ والمشركِين، ويعجزُ عنِ الهجرةِ، فعليه بتقوى الله ويعتزلُهم ما استطاعَ، ويَعْمَلُ بما وَجَبَ عليه في نَفْسِه، ومع مَن يُوافِقُه على دِينِه، وعليهم أنْ يَصْبِروا على أَذَى مَن يُؤذِيهم في الدينِ، ومَن قَدِرَ على الهجرة وَجَبَتْ عليه}. انتهى باختصار من (الأجوبة السَّمعيَّات لحلِّ الأسئلة الروَّافيَّات، بعناية الشيخ عادل المرشدي)]، ومِثلُ هذه الطّائفةِ لا يُقالُ {يَجِبُ تَطبِيقُ قاعِدةِ (تَوَفُّرِ شُروطِ التَّكفِيرِ وانتِفاءِ مَوانِعِه) [يَعنِي إذا كانَتِ الطَّائفةُ تَنْتَسِبُ لِلإسلامِ] في حَقِّ كُلِّ فَردٍ مِنها}، ولم يَقُلْ بِها [أيْ بِالقاعِدةِ المَذكورةِ] الصَّحابةُ في حُروبِ أهلِ الرِّدَّةِ المُنتَسِبِين إلى الإسلامِ، ولم يَكُونُوا [أيِ الصَّحابةُ] يَقُولون {يَجِبُ سُؤالُ كُلِّ شَخصٍ بِعَينِه (هَلِ اِرتَدَّ أَمْ لا؟)}، وإنَّما كانَ يَكفِيهم إعلانُ السَّادةِ والرُّؤَساءِ. انتهى باختصار.

 

(2)وقالَ الشيخُ أحمدُ شاكر (نائب رئيس المحكمة الشرعية العليا، الْمُتَوَفَّى عامَ 1377هـ/1958م) في (حُكْمُ الجاهِلِيَّةِ): أيَجُوزُ في شَرعِ اللهِ أنْ يُحكَمَ المُسلمون في بِلادِهم بِتَشرِيعٍ مُقتَبَسٍ عن تَشرِيعاتِ أُورُوبَّا الوَثَنِيَّةِ المُلحِدةِ، بَلْ بِتَشرِيعٍ لا يُبالِي واضِعُه (أَوَافَقَ شِرْعَةَ الإسلامِ أَمْ خالَفَها؟)، إنَّ المُسلِمِين لم يُبْلَوا بِهذا قَطُّ -فِيما نَعْلَمُ مِن تارِيخِهم- إلَّا في عَهدٍ مِن أَسوَأِ عُهودِ الظُّلمِ والظَّلامِ، في عَهدِ التَّتَارِ، ومع هذا فَإنَّهم لم يَخضَعوا له، بَلْ غَلَبَ الإسلامُ التَّتَارَ، ثم مَزَجَهم [أيْ مَزَجَ الإسلامُ التَّتَارَ] فَأدخَلَهم في شِرعَتِه، وزالَ أثَرَ ما صَنَعوا [أيِ التَّتَارُ] مِن سُوءٍ، بِثَباتِ المُسلِمِين على دِينِهم وشَرِيعَتِهم؛ وإنَّ هذا الحُكمَ السَّيِّئَ الجائرَ كانَ مَصْدَرُه الفَرِيقُ الحاكِمُ إذ ذاك، لم يَنْدَمِجْ فيه أحَدٌ مِن أفرادِ الأُمَّةِ الإسلامِيَّةِ المَحكُومةِ، ولم يَتَعَلَّموه ولم يُعَلِّموه أبناءَهم، فَمَا أَسْرَعَ ما زالَ أثَرُه، ولِذلك لا نَجِدُ له في التارِيخِ الإسلامِيِّ -فِيما أعلَمُ أنَا- أثَرًا مُفَصَّلًا واضِحًا، إلَّا إشارًة عالِيةً مُحكَمةً دَقِيقةً مِنَ العَلَّامِة الحافِظِ اِبنِ كَثِيرٍ المُتَوَفَّى سَنةَ 774هـ، [فَ]قَدْ ذَكَرَ في تَفسِيرِه، عند تَفسِيرِ قَولِه تَعالَى (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) فَقالَ {يُنْكِرُ تَعَالَى عَلَى مَنْ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ، النَّاهِي عَنْ كُلِّ شَرٍّ، وَعَدَلَ إِلَى مَا سِوَاهُ مِنَ الآرَاءِ وَالأهْوَاءِ وَالاصطِلَاحَاتِ الَّتِي وَضَعَهَا الرِّجَالُ بِلَا مُسْتَنَدٍ مِنْ شَرِيعَةِ اللَّهِ، كَمَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَحْكُمُونَ بِهِ مِنَ الضَّلَالَاتِ وَالْجَهَالَاتِ مِمَّا يَضَعُونَهَا بِآرَائِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ، وَكَمَا يَحْكُمُ بِهِ التَّتَارُ مِنَ السِّيَاسَاتِ الْمَلَكِيَّةِ الْمَأْخُوذَةِ عَنْ مَلِكِهِمْ جَنْكِيزْخَان الَّذِي وَضَعَ لَهُمُ (الْيَاسِقَ)، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كِتَابٍ مَجْمُوعٍ مِنْ أَحْكَامٍ قَدِ اِقْتَبَسَهَا عن شَرَائِعَ شَتَّى، مِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَالْمِلَّةِ الإسْلَامِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَفِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الأحكَامِ أَخَذَهَا مِنْ مُجَرَّدِ نَظَرِهِ وَهَوَاهُ، فَصَارَتْ فِي بَنِيهِ شَرْعًا مُتَّبَعًا يُقَدِّمُونَهُ [أيْ بَعْدَ ما أَعْلَنوا إسلامَهم] عَلَى الْحُكْمِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ يَجِبُ قِتَالُهُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَلَا يُحَكِّمُ سِوَاهُ فِي قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ}؛ أرَأيْتُم هذا الوَصفَ القَوِيَّ مِنِ اِبنِ كَثِيرٍ في القَرنِ الثامِنِ؟، ألَستُم تَرَوْنَه يَصِفُ حالَ المُسلِمِين في هذا العَصرِ في القَرنِ الرَّابِعَ عَشَرَ؟ إلَّا في فَرْقٍ واحِدٍ -أشَرْنا إليه آنِفًا- أنَّ ذلك كانَ في طَبَقةٍ خاصَّةٍ مِنَ الحُكَّامِ أتَى عليها الزَّمَنُ سَرِيعًا فاندَمَجَتْ في الأُمَّةِ الإسلامِيَّةِ، وزالَ أثَرُ ما صَنَعَتْ، ثم كانَ المُسلِمون الآنَ أسوَأَ حالًا منهم، لِأنَّ الأُمَّةَ كُلَّها الآنَ تَكادُ تَندَمِجُ في هذه القَوانِينِ المُخالِفةِ لِلشَّرِيعةِ [قالَ الشيخُ عبدُالله الغليفي في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): فانْظُرْ رَحِمَك اللهُ ورَعَاكَ، أَلَيْسَتْ دَساتِيرُ العَصْرِ في حُكْمِ (الْيَاسِقِ). انتهى. وقالَ الشيخُ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإِسْكَنْدَرِيَّةِ) في مُحاضَرة مُفَرَّغَةٍ على هذا الرابط: ما نَعِيشُه اليَومَ أَقْبَحُ وأَفْحَشُ مِن مُجَرَّدِ اِمتِناعِ طائفةٍ عن شَيْءٍ مِن أحكامِ الشَّرِيعةِ، فَما نحن فيه أَشَدُّ مِن ذلك، لِأنَّه ليس مُجَرَّدَ اِمتِناعٍ عن شَرِيعةٍ بَلْ نَبْذًا لِلدِّينِ... ثم قال -أَيِ الشيخُ المقدم-: والتَّتارُ أَفْضَلُ مِمَّن يَحْكُموننا الآنَ مِنْ حَيْثُ مَوْقِفُهم مِنَ الدِّينِ. انتهى]، والتي هي أشبَهُ شَيءٍ بِالياسِقِ الذي اِصطَنَعَه جَنْكِيزْخَان. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أحمدُ شاكر أيضًا في (حُكْمُ الجاهِلِيَّةِ): إنَّ الأمْرَ في هذه القَوانِينِ الوَضعِيَّةِ واضِحٌ وُضوحَ الشَّمسِ، هي كُفْرٌ بَوَاحٌ، لا خَفاءَ فيه ولا مُداراةَ، ولا عُذرَ لِأحَدٍ مِمَّن يَنتَسِبُ لِلإسلامِ -كائنًا مَن كانَ- في العَمَلِ بِها أو الخُضوعِ لَها أو إقرارِها، فَلْيَحذَرِ اِمْرُؤٌ لِنَفسِه، و{كُلُّ اِمْرِئٍ حَسِيبُ نَفْسِهِ}؛ ألا فَلْيَصْدَعِ العُلَماءُ بِالحَقِّ غَيْرَ هَيَّابِينَ، ولْيُبَلِّغوا ما أُمِرُوا بِتَبلِيغِه غَيْرَ مُوانِين [أيْ غَيْرَ مَفتُورِين] ولا مُقَصِّرِين؛ سَيَقولُ عَنِّي عَبِيدُ هذا (الياسق العصري [يَعنِي القَوانِينَ الوَضعِيَّةَ]) وناصِرُوه، أنِّي جامِدٌ، وأنِّي رَجْعِيٌّ، وما إلى ذلك مِنَ الأقاوِيلِ، ألا فَلْيَقولوا ما شاءُوا، فَما عَبَأْتُ يَومًا ما بِما يُقالُ عَنِّي، ولَكِنِّي قُلْتُ ما يَجِبُ أنْ أقُولَ. انتهى. وقالَ الشيخُ محمد بن إبراهيم (رئيس القضاة ومفتى الديار السعودية ت1389هـ) في (فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم): فَلِهذه المَحاكِمِ مَراجِعُ، هي القانونُ المُلَفَّقُ مِن شَرائعَ شَتَّى وقَوانِينَ كَثِيرةٍ، كالقانونِ الفَرَنْسِيِّ والقانونِ الأَمْرِيكِيِّ والقانونِ البِرِيطانِيِّ، وغَيرِها مِنَ القَوانِينِ، ومِن مَذاهِبِ بَعضِ المُدَّعِينَ المُنتَسِبِين إلى الشَّرِيعةِ، وغَيرِ ذلك، فَهذه المَحاكِمُ الآنَ في كَثِيرٍ مِن أمصارِ الإسلامِ مُهَيَّأَةٌ مُكَمَّلةُ، مَفتوحةُ الأبوابِ والناسُ إليها أسرابٌ إثْرَ أسرابٍ، يَحكُمُ حُكَّامُها بينهم بِما يُخالِفُ حُكمَ السُّنَّةِ والكِتابِ مِن أحكامِ ذلك القانونِ، وتُلْزِمُهم به وتُقِرُّهم عليه وتُحَتِّمُه عليهم، فَأَيُّ كُفرٍ فَوْقَ هذا الكُفرِ، وأَيُّ مُناقَضةٍ لِلشَّهادةِ بِأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ بَعْدَ هذه المُناقَضةِ. انتهى.

 

(3)وقالَ الشيخُ سيد قطب في كِتابِه (مَعالِمُ في الطريق): الشأنُ الدائمُ أنْ لا يَتَعايَشَ الحقُّ والباطلُ في هذه الأرضِ. انتهى. وقالَ الشيخُ سيد قطب أيضًا في كِتابِه (في ظلال القرآن): {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}، وَهَذَا التَّقْرِيرُ الصَّادِقُ مِنَ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ يَكْشِفُ عَنِ الإصْرَارِ الْخَبِيثِ عَلَى الشَّرِّ، وَعَلَى فِتْنَةِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ دِينِهِمْ بِوَصْفِهَا الْهَدَفَ الثَّابِتَ الْمُسْتَقِرَّ لِأعْدَائِهِمْ، وَهُوَ الْهَدَفُ الَّذِي لَا يَتَغَيَّرُ لِأعْدَاءِ الْجَمَاعَةِ الْمُسْلِمَةِ فِي كُلِّ أَرْضٍ وَفِي كُلِّ جِيلٍ؛ إِنَّ وُجُودَ الإسْلَامِ فِي الأرْضِ هُوَ بِذَاتِهِ غَيْظٌ وَرُعْبٌ لِأعْدَاءِ هَذَا الدِّينِ وَلِأعْدَاءِ الْجَمَاعَةِ الْمُسْلِمَةِ فِي كُلٍّ حِينٍ؛ إِنَّ الإسْلَامَ بِذَاتِهِ يُؤْذِيهِمْ وَيَغِيظُهُمْ وَيُخِيفُهُمْ، فَهُوَ مِنَ الْقُوَّةِ وَمِنَ الْمَتَانَةِ بِحَيْثُ يَخْشَاهُ كُلُّ مُبْطِلٍ وَيَرْهَبُهُ كُلُّ بَاغٍ وَيَكْرَهُهُ كُلُّ مُفْسِدٍ، إِنَّهُ حَرْبٌ بِذَاتِهِ وَبِمَا فِيهِ مِنْ حَقٍّ أَبْلَجَ وَمِنْ مَنْهَجٍ قَوِيمٍ وَمِنْ نِظَامٍ سَلِيمٍ، إِنَّهُ بِهَذَا كُلِّهِ حَرْبٌ عَلَى الْبَاطِلِ وَالْبَغْيِ وَالْفَسَادِ، وَمِنْ ثَمَّ لَا يُطِيقُهُ الْمُبْطِلُونَ الْبُغَاةُ الْمُفْسِدُونَ، وَمِنْ ثَمَّ يَرْصُدُونَ لِأهْلِهِ لِيَفْتِنُوهُمْ عَنْهُ وَيَرُدُّوهُمْ كُفَّارًا فِي صُورَةٍ مِنْ صُوَرِ الْكُفْرِ الْكَثِيرَةِ، ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَأْمَنُونَ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَبَغْيِهِمْ وَفَسَادِهِمْ وَفِي الأرْضِ جَمَاعَةٌ مُسْلِمَةٌ تُؤْمِنُ بِهَذَا الدِّينِ وَتَتَّبِعُ هَذَا الْمَنْهَجَ وَتَعِيشُ بِهَذَا النِّظَامِ؛ وَتَتَنَوَّعُ وَسَائِلُ قِتَالِ هَؤُلَاءِ الأعْدَاءِ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَدَوَاتِهِ، وَلَكِنَّ الْهَدَفَ يَظَلُّ ثَابِتًا أَنْ يَرُدُّوا الْمُسْلِمِينَ الصَّادِقِينَ عَنْ دِينِهِمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا، وَكُلَّمَا انْكَسَرَ فِي يَدِهِمْ سِلَاحٌ انْتَضَوْا [أيْ أخرَجوا] سِلَاحًا غَيْرَهُ، وَكُلَّمَا كَلَّتْ [أيْ ضَعُفَتْ] فِي أَيْدِيهِمْ أَدَاةٌ شَحَذُوا [أيْ سَنُّوا وَأَحَدُّوا] أَدَاةً غَيْرَهَا، وَالْخَبَرُ الصَّادِقُ مِنَ الْعَلِيمِ الْخَبِيرِ قَائِمٌ يُحَذِّرُ الْجَمَاعَةَ الْمُسْلِمَةَ مِنَ الاسْتِسْلَامِ وَيُنَبِّهُهَا إِلَى الْخَطَرِ وَيَدْعُوهَا إِلَى الصَّبْرِ عَلَى الْكَيْدِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْحَرْبِ وَإِلَّا فَهِيَ خَسَارَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْعَذَابُ الَّذِي لَا يَدْفَعُهُ عُذْرٌ وَلَا مُبَرِّرٌ. انتهى.

 

(4)وقالَ الشيخُ أبو مصعب الزرقاوي في مَقالةٍ له بِعُنوانِ (القِتالُ قَدَرُ الطائفةِ المَنصُورةِ) نَشَرَتْها صحيفةُ النَّبَأِ (العَدَدُ 267 الصادِرُ بِتارِيخِ 16 جمادى الأولى 1442هـ): إنَّ اللهَ سُبحانَه وتَعالَى خَلَقَ الخَلقَ لِعِبادَتِه واتِّباعِ شَرِيعَتِه، ولم يَترُكْهم هَمَلًا [أيْ سُدًى بِلا ثَوابٍ ولا عِقابٍ]، بَلْ أرسَلَ إليهم رُسُلًا يَدعونَهم إليه ويَدُلُّونَهم عليه، فانقَسَمَ العِبادُ إلى فَرِيقَين، فَرِيقٌ هَداهُ اللهُ بِفَضلِه ورَحمَتِه، وفَرِيقٌ أضَلَّهُ اللهُ بِعِلمِه وعَدلِه، ومَضَى قَدَرُ اللهِ وجَرَتْ سُنَّتُه أنْ يَقَعَ التَّدافُعُ والصِّراعُ بين هَذَين الفَرِيفَين (الحَقُّ وأنصارُه، والباطِلُ وأعوانُه)، وذلك على مَرِّ الْعُصُورِ وَكَرِّ الدُّهُورِ وإلى أنْ يَرِثَ اللهُ الأرضَ ومَن عليها {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ، وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}، وذلك أنَّ الحَقَّ والباطِلَ ضِدَّانِ لا يَجتَمِعان أبَدًا، فَوُجودُ أحَدِهما على أرضِ الواقِعِ يَستَلزِمُ -ولا بُدَّ- مَحْوَ الآخَرِ، أو إضعافَه بِتَجرِيدِه مِنَ الأُسُسِ التي يَرتَكِزُ عليها والمَبادِئِ التي قِيامُه بها، فَلا يُتَصَوَّرُ في مَيدانِ الواقِعِ أنْ يَتَعايَشَ الحَقُّ والباطِلُ مَعًا على أرضٍ واحِدةٍ مِن دُونِ غَلَبةٍ لِأحَدِهما على الآخَرِ، أو سَعْيٍ لِتَحقِيقِ هذه الغَلَبةِ، ولو فُرِضَ أنَّ الحَقَّ اِستَكانَ حِقبةً مِنَ الزَّمَنِ وأحجَمَ عن مُزاحَمةِ الباطِلِ ومُدافَعَتِه، فَإنَّ الباطِلَ لن يُقابِلَ هذه الاستِكانةَ إلَّا بِصَولةٍ يَستَعلِي بها على الحَقِّ وأهلِه، يَرُومُ مِن خِلالِها النَّيْلَ منهم والقَضاءَ عليهم، أو على الأقَلِّ تَجرِيدَهم مِن أهَمِّ ما يُمَيِّزُهم عَنِ الباطِلِ وأهلِه، عَبْرَ سِلْسِلَةٍ مِنَ التَّنازُلاتِ والتي لا تُبْقِي لهم مِنَ الحَقِّ غَيْرَ اِسمِه، ومِن مَنهَجِه غَيْرَ رَسمِه، لِيَغدُو [أيْ أهلُ الحَقِّ] في نِهايَةِ المَطافِ جُزْءًا مِنَ مَملَكةِ الباطِلِ وذَيلًا مِن أذيالِه وَبِئْسَتِ النِّهايَةُ؛ والقُرآنُ الكَرِيمُ يَزْخَرُ بِالآيَاتِ التي تُقَرِّرُ هذه الحَقِيقةَ وتُؤَصِّلُها، يَقولُ اللهُ سُبحانَه وتَعالَى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [وقَالَ تَعَالَى أيضًا حِكَايَةً عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا}]، إنَّها حَقِيقةُ المَعرَكةِ بَيْنَ الحَقِّ والباطِلِ، حَقِيقةٌ ثابِتةٌ مُستَقِرَّةٌ لا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الزَّمانِ ولا تَتَبَدَّلُ بِتَبَدُّلِ المَكانِ، فَلَيسَ لِأهْلِ الإيمانِ مِنَ الرُّسُلِ وأتباعِهم عند مِلَلِ الكُفرِ قاطِبَةً إلَّا أحَدُ سَبِيلَين، إمَّا أنْ يُخْلُوا لهم الأرضَ -بِالقَتلِ والتَّصفِيةِ والتَّشرِيدِ والطَّردِ والإبعادِ- لِيَعِيثوا فيها كُفرًا وفَسادًا، وإمَّا أنْ يَتَنازَلوا عنِ الحَقِّ الذي معهم ويَستَسلِموا لِلباطِلِ وحِزبِه ويَذوبوا في مُجتَمَعِهم وهذا ما تَأْباه طَبِيعةُ هذا الدِّينِ لِأتباعِه... ثم قال -أي الشيخ الزرقاوي-: قالَ اللهُ تَعالَى حِكايَةً عن شُعَيْبٍ عليه السَّلامُ {وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَّمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا، وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ، قَالَ الْمَلَأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا، قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ}، فالباطِلُ لا يُطِيقُ وُجودَ فِئَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وبِرِسالَتِه في دِيارِهم وإنْ كانَتْ هذه الفِئةُ فِئَةً ضَعِيفةً مُجَرَّدةً مِن كُلِّ أسبابِ القُوَّةِ المادِّيَّةِ... ثم قالَ -أي الشيخ الزرقاوي-: وإذا كانَ قد سَبَقَ في قَضاءِ اللهِ مُعاداةُ الباطِلِ لِلحَقِّ وأهلِه وتَسَلُّطُهم عليهم بِأنواعِ الأذَى وألوانِ العَذابِ [قالَ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ في (منهاج السنة النبوية): وَاللَّهُ تَعَالَى إِذَا أَرْسَلَ الْكَافِرِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْنَا أَنْ نَرْضَى بِقَضَاءِ اللَّهِ فِي إِرْسَالِهِمْ وَعَلَيْنَا أَنْ نَجْتَهِدَ فِي دَفْعِهِمْ وَقِتَالِهِمْ، وَأَحَدُ الأمْرَيْنِ لَا يُنَافِي الْآخَرَ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْفَأْرَةَ وَالْحَيَّةَ وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ وَأَمَرَنَا بِقَتْلِ ذَلِكَ، فَنَحْنُ نَرْضَى عَنِ اللَّهِ إِذْ خَلَقَ ذَلِكَ وَنَعْلَمُ أَنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ حِكْمَةً وَنَقْتُلُهُمْ كَمَا أَمَرَنَا فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ذَلِكَ وَيَرْضَاهُ. انتهى]، فَقَدْ أمَرَ سُبحانَه أوْلِيَاءَه بِإشهارِ سَيفِ العَداوةِ والبَغضاءِ في وَجْهِ الباطِلِ وأهلِه، ورَفْعِ لِوَاءِ البَراءَةِ مِنَ الكُفرِ وحِزبِه، قالَ سُبحانَه {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}، قالَ الشَّيخُ حَمَدُ بنُ عَتِيقٍ [ت1301هـ] رَحِمَه اللهُ [في (سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين والأتراك)] {وهَا هُنَا نُكتةٌ بَدِيعةٌ في قَولِه تَعالَى (إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ)، وهي أنَّ اللهَ تَعالَى قَدَّمَ البَراءةَ مِنَ المُشرِكِين العابِدِين غَيرَ اللهِ، على البَرَاءةِ مِنَ الأوثانِ المَعبودةِ مِن دُونِ اللهِ، لِأنَّ الأوَّلَ أَهَمُّ مِنَ الثانِي، فَإنَّه قد يَتَبَرَّأُ مِنَ الأوثانِ ولا يَتَبَرَّأُ مِمَّن عَبَدَها فَلا يَكونُ آتِيًا بِالواجِبِ عليه، وأَمَّا إذا تَبَرَّأَ مِنَ المُشرِكِين فَإنَّ هذا يَستَلزِمُ البَراءةَ مِنَ مَعبوداتِهم} إلى أنْ قالَ [أيِ الشَّيخُ اِبنُ عَتِيقٍ] {فَعَلَيكَ بِهذه النُّكتةِ، فَإنَّها تَفتَحُ [لَكَ] بابًا إلى عَداوةِ أعداءِ اللهِ، فَكَمْ [مِنْ] إنسانٍ لا يَقَعُ منه الشِّركُ ولَكِنَّه لا يُعادِي أهلَه [أَيْ أهلَ الشِّركِ]، فلا يكونُ مُسلِمًا بذلك إذْ تَرَكَ دِينَ جَمِيعِ المُرسَلِين؛ ثم قالَ تَعالَى (كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)، فَقَولُه (بَدَا) أيْ ظَهَرَ وبانَ، وتَأَمَّلْ تَقدِيمَ العَداوةِ على البَغضاءِ، لِأنَّ الأُولَى أَهَمُّ مِنَ الثانِيَةِ، فَإنَّ الإنسانُ قد يُبغِضُ المُشرِكِين ولا يُعادِيهم، فَلا يَكونُ آتِيًا بِالواجِبِ عليه حتى تَحصُلَ منه العَداوةُ والبَغضاءُ، ولا بُدَّ أيضًا مِن أنْ تَكونَ العَداوةُ والبَغضاءُ بادِيَتَين ظاهِرَتَين بَيِّنَتَين}. انتهى.

 

(5)وقالَ مصطفى صبري (آخِرُ مَن تَوَلَّى مَنْصِبَ "شيخ الإسلام" في الدولةِ العثمانيةِ، وكان صاحبُ هذا المَنْصِبِ هو المُفْتِي الأكْبَرَ في الدولةِ) في (مَوقِفُ العَقلِ والعِلمِ والعالَم مِن رَبِّ العالَمِين وَعِبادِه المُرسَلِين): هذا الفَصْلُ [أَيْ فَصْلُ الدِّينِ عنِ السِّيَاسةِ] مُؤامَرةٌ بِالدِّينِ لِلقَضاءِ عليه، وقد كان في كُلِّ بِدعةٍ أحدَثَها المِصرِّيون الْمُتَفَرْنِجونَ في البلاد الإسلامية كَيْدٌ لِلدِّينِ ومُحاوَلةُ الخُروجِ عليه، لكنَّ كَيْدَهم في فَصلِه عنِ السياسةِ أدهَى وأشَدُّ مِن كُلِّ كَيْدٍ في غيرِه، فهو اِرتِدادٌ عنه، مِنَ الحُكومةِ أَوَّلًا ومِنَ الأُمَّةِ ثانِيًا، إنْ لم يَكُنْ بِارتِدادِ الداخِلِين في حَوزةِ تلك الحُكومةِ [حَوزةُ الحُكومةِ هي جَمِيعُ الأراضِي التي تَحكُمُها] بِاعتِبارِهم أفرادًا، فَبِاعتِبارهِم جَماعةً وهو أقصَرُ طَرِيقٍ إلى الكُفرِ مِنِ اِرتِدادِ الأفرادِ، بَلْ إنَّه يَتَضَمَّنُ اِرتِدادَ الأفرادِ أيضًا لِقُبولِهم الطاعةَ لتلك الحُكومةِ المُرتَدَّةِ... ثم قالَ -أَيْ مصطفى صبري-: وماذا الفَرْقُ بين أنْ تَتَوَلَّى الأمرَ في البِلادِ الإسلامِيَّةِ حُكومةٌ مُرتَدَّةٌ عنِ الإسلامِ وبين أنْ تَحتَلَّها حُكومةٌ أَجْنَبِيَّةٌ عنِ الإسلامِ [قالَ مصطفى صبري هُنَا مُعَلِّقًا: مَدَارُ الفَرْقِ بين دارِ الإسلامِ ودارِ الحَربِ على القانونِ الجارِي أحكامُه في تلك الدِّيَارِ، كَما أنَّ فَصْلَ الدِّينِ عنِ السِّيَاسةِ مَعناه أنْ لا تكونَ الحُكومةُ مُقَيَّدةً في قَوانِينِها بِقَواعِدِ الدِّينِ. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (إعدادُ القادةِ الفوارسِ بهجرِ فسادِ المدارسِ): فَمَا الفَرْقُ بين طاغوتٍ إِنْجِلِيزِيٍّ وآخَرَ عَرَبِيٍّ؟!. انتهى]، بَلِ المُرتَدُّ أَبعَدُ عنِ الإسلامِ مِن غَيرِه وأَشَدُّ، وتَأثِيرُه الضارُّ في دِينِ الأُمَّةِ أكثَرُ، مِن حيث أنَّ الحُكومةَ الأَجْنَبِيَّةَ لا تَتَدَخَّلُ في شُؤونِ الشَّعبِ الدِّينِيَّةِ وتَترُكُ لهم جَماعةً فيما بينهم تَتَوَلَّى الفَصْلَ في تلك الشُّؤونِ [قالَ الشَّوْكَانِيُّ في (السيل الجرار): ودارُ الإسلامِ ما ظَهَرَتْ فيها الشَّهَادَتَانِ والصَّلاةُ، ولم تَظهَرْ فيها خَصلةٌ كُفرِيَّةٌ ولو تَأوِيلًا إلَّا بِجِوارٍ [أَيْ إلَّا بِذِمَّةٍ وأمانٍ. قالَه حسين بن عبدالله العَمّري في كِتابِه (الإمام الشوكاني رائد عصره). وقالَ الشيخُ صِدِّيق حَسَن خَان (ت1307هـ) في (العبرة مما جاء في الغزو والشهادة والهجرة): كإظهارِ اليَهودِ والنَّصارَى دِينَهم في أمصارِ المُسلِمِين. انتهى] وإلَّا فَدارُ كُفْرٍ... ثم قالَ -أَيِ الشَّوْكَانِيُّ-: الاعتِبارُ [أَيْ في الدارِ] بِظُهورِ الكَلِمةِ، فإنْ كانَتِ الأوامِرُ والنَّواهِي في الدارِ لِأهلِ الإسلامِ بحيث لا يَستَطِيعُ مَن فيها مِنَ الكُفَّارِ أنْ يَتَظاهَرَ بِكُفرِه إلَّا لِكَونِه مَأذونًا له بذلك مِن أهلِ الإسلامِ فهذه دارُ إسلامٍ، ولا يَضُرُّ ظُهورُ الخِصالِ الكُفرِيَّةِ فيها، لِأنَّها لم تَظهَرْ بِقُوَّةِ الكُفَّارِ ولا بِصَولَتِهم كَما هو مُشاهَدٌ في أهلِ الذِّمَّةِ مِنَ اليَهودِ والنَّصارَى والْمُعَاهَدِينَ الساكِنِين في المَدائنِ الإسلامِيَّةِ، وإذا كانَ الأمرُ العَكْسَ فالدارُ بِالعَكْسِ. انتهى]، ومِن حيث أنَّ الأُمَّةَ لا تزال تَعتَبِرُ الحُكومةَ المُرتَدَّةَ عن دِينِها مِن نَفْسِها [أَيْ مِن نَفْسِ الأُمَّةِ] فَتَرْتَدَّ [أَيِ الأُمَّةُ] هي أيضًّا معها تَدرِيجِيًّا؛ وربما يَعِيبُ هذا القَولَ [أَيِ القَولَ بِأَنَّ الحُكومةَ المُرتَدَّةَ أَضَرُّ على دِينِ الأُمَّةِ مِنَ الحُكومةِ الأَجْنَبِيَّةِ المُحْتَلَّةِ] عَلَيَّ مَن لا خَلَاقَ له في الإسلامِ الصَّمِيمِ، والعائبُ يَرَى الوَطَنَ فَقَطْ فَوقَ كلِّ شَيءٍ، مع أن المُسلِمَ يَرَى الوطنَ مع الإسلام فهو يَتَوَطَّنُ مع الإسلامِ ويُهاجِرُ معه... ثم قالَ -أَيْ مصطفى صبري-: فتُرْكِيَا كُلُّها ببلادِها وسُكَّانِها خَرَجَتْ بَعْدَ حُكومةِ الْكَمَالِيِّينَ [نِسْبَةً إلى مصطفى كمال أتاتُورك، قائدِ الحركةِ التُّرْكِيَّةِ الوَطَنِيَّةِ، ومُؤَسِّسِ الجُمْهُورِيَّةِ التُّرْكِيَّةِ، الْمُتَوَفَّى عامَ 1938م). وقد جاء في موسوعة المذاهب الفكرية المعاصرة (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ عَلوي بن عبدالقادر السَّقَّاف): الحكومة الْكَمَالِيَّةُ أَلْغَتِ الخلافةَ العثمانيةَ سنةَ 1924م. انتهى باختصار] مِن يَدِ الاسلامِ... ثم قالَ -أَيْ مصطفى صبري-: نَرَى فضيلةَ الأستاذَ الأكبرَ المراغي شيخ الجامع الأزهر يقول في كلمةٍ منشورةٍ عنه في الجرائد ما مَعناه {إنَّ في إمكانِ أَيِّ حُكومةٍ إسلاميَّةٍ أنْ تَخرُجَ عن دِينِها فَتُصبِحَ حُكومةً لا دِينِيَّةً، وليس في هذا مانِعٌ مِن أنْ يَبْقَى الشعبُ على إسلامِه كما هو الحالُ في تُرْكِيَا الجَدِيدةِ [يَعنِي بَعْدَ إعلانِ قِيَامِ الجُمْهُورِيَّةِ التُّرْكِيَّةِ وإعلانِ إلغاءِ الخِلافةِ العثمانيةِ]}، والأستاذُ الأكبرُ ليس في حاجةٍ إلى الفَحصِ عنِ النَّشْءِ الجَدِيدِ التُّرْكِيِّ المُتَخَرِّجِ على مَبادئِ الحُكومةِ الْكَمَالِيَّةِ التي اِعتَرَفَ الأستاذُ الآنَ بأنَّها حُكومةٌ لا دِينِيَّةٌ، ولا في حاجةٍ إلى التَّفكِيرِ في كَونِ الشَّعبِ التُّرْكِيِّ القَدِيمِ المُسلِمِ يَفنَي يَومًا عن يَومٍ ويَخْلُفُه هذا النَّشْءُ الجَدِيدُ اللادِينِيُّ، ليس فَضِيلَتُه في حاجةٍ إلى الفَحصِ عن هذه الحَقِيقةِ المُرَّةِ إذْ لا يَعْنِيهِ حالَ التُّرْكِ ومَآلِهم مُسلِمِين أو غَيْرَ مُسلِمِين ولا حالَ الإسلامِ المُتَقَلِّصِ ظِلُّه عن بلادِهم بِسُرعةٍ فَوْقَ التَّدرِيجِ، حتى أنَّ الأُسْتَاذَ لا يَعْنِيهِ تَبِعَةُ الفَتْوَى التي تَضَمَّنَها تَعَزِّيه بِبَقاءِ الشَّعْبِ على إسلامِه مع اِرتِدادِ الحُكومةِ في تُرْكِيَا، والتي تَفتَحُ البابَ لِأنْ يَقولَ قائلٌ {إنَّ الحُكومةَ ما دامَتْ يَنحَصِرُ كُفْرُها في نَفسِها ولا يُعْدِي الشَّعْبَ، فَلا مانِعَ مِن أنْ تَفعَلَ حُكومةُ مِصرَ -مَثَلًا- ما فَعَلَتْه حُكومةُ تُرْكِيَا مِن فَصْلِ الدِّينِ عنِ السِّيَاسةِ، بِمَعنَى أنَّه لا يُخافُ مِنْه [أَيْ مِنَ الفَصْلِ] على دِينِ الشَّعْبِ}، كَأَنَّ الدِّينَ لازِمٌ لِلشَّعْبِ فَقَطْ لا لِلحُكومةِ، مع أنَّ الحُكومةَ لَيْسَتْ إلَّا مُمَثِّلةَ الشَّعْبِ -أو وَكِيلَتَه- التي لا تَفعَلُ غَيْرَ ما يَرضاه، فإذا أَخرَجَها أفعالُها عنِ الدِّينِ فَلَا مَنْدُوحَةَ [أَيْ فَلَا مَفَرَّ] مِن أنْ يَخرُجَ مُوَكِّلُها أيضًا لِأنَّ الرِّضَا بالكُفْرِ كُفْرٌ، وهذا ما يَعودُ إلى الشَّعْبِ مِن فِعْلِ الحكومةِ فَحَسْبُ، فَضْلًا عَمَّا يَفعَلُ الشَّعْبُ نَفْسُه بَعْدَ فِعْلِ الحُكومةِ الفاصِلِ بين الدِّينِ والسِّيَاسةِ ويَخرُجُ به عنِ الدِّينِ -وَلَوْ في صُورةِ التَّدرِيجِ- اِقتِداءً بِحُكومَتِه التي يَعُدُّها مِن نَفْسِه. انتهى باختصار.

 

(6)وقالَ النوويُّ في (شرح صحيح مسلم): قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الإِمَامَةَ لَا تَنْعَقِدُ لِكَافِرٍ، وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ اِنْعَزَلَ، قَالَ [أَيِ الْقَاضِي عِيَاضٌ] {وَكَذَا لَوْ تَرَكَ إِقَامَةَ الصَّلَوَاتِ وَالدُّعَاءَ إِلَيْهَا}، قَالَ {وَكَذَلِكَ عِنْدَ جُمْهُورِهِمُ الْبِدْعَةُ}، قَالَ {فَلَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ كُفْرٌ وَتَغْيِيرٌ لِلشَّرْعِ، أَوْ بِدْعَةٌ، خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْوِلَايَةِ، وَسَقَطَتْ طَاعَتُهُ، وَوَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ عَلَيْهِ وَخَلْعُهُ وَنَصْبُ إِمَامٍ عَادِلٍ، إِنْ أَمْكَنَهُمْ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ إِلَّا لِطَائِفَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِمُ الْقِيَامُ بِخَلْعِ الْكَافِرِ، وَلَا يَجِبُ فِي الْمُبْتَدِعِ إِلَّا إِذَا ظَنُّوا الْقُدْرَةَ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَحَقَّقُوا الْعَجْزَ لَمْ يَجِبِ الْقِيَامُ وَلْيُهَاجِرِ الْمُسْلِمُ عَنْ أَرْضِهِ إِلَى غَيْرِهَا وَيَفِرَّ بِدِينِهِ. انتهى باختصار.

 

(7)وقالَ بسام ناصر في مقالة له على هذا الرابط: {النَّاسُ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ} مِن العِباراتِ الشائعةِ والمُتداوَلةِ بين الناسِ، وهي تُعَبِّرُ بِدِقَّةٍ وعُمْقٍ عن مَدَى قُدرةِ السُّلطةِ السِّيَاسِيَّةِ على تَشْكِيلِ دِينِ رَعَايَاهَا، أو إشاعةِ نَسَقِ التَّدَيُّنِ الذي تُرِيدُه، إمَّا لِقَنَاعةِ السُّلطةِ به، أو لِأنَّه اِختِيارُها الأنسَبُ -بِحَسَبِ تَقدِيراتِها- لِتَحقِيقِ سِيَاساتِها وَرُؤَاهَا... ثم قالَ -أَيْ بسام ناصر-: الناسُ يَمِيلون إلى هَوَى السُّلطانِ واختِيارِه، فيَفْشُوَ فيهم ذلك الاختِيارُ والتَّوَجُّهُ حتى يُصْبِحَ هو الأكثَرَ حُضُورًا في حَيَاتِهم، والأمرُ كذلك إذا ما أرادَ السُّلطانُ أنْ يُشِيعَ في المُجتَمَعِ نَسَقًا مُعَيَّنًا مِنَ التَّدَيُّنِ، أو مَذْهَبًا مِنَ المَذاهِبِ العَقَدِيَّةِ أو الفِقهِيَّةِ، فَإنَّه بِتَبَنِّيهِ له سَيُوَظِّفُ كُلَّ أجهِزةِ ورِجَالَاتِ دَوْلَتِه لِإشاعةِ ذلك المَذهَبِ وتَرسِيخِه بين الناسِ؛ لِذَا فإنَّ مِنَ المُتَسَالَمِ عليه [أَيْ مِنَ المُسَلَّمِ به] بَيْنَ دَارِسِي تارِيخِ الفِرَقِ والمَذاهِبِ، أنَّ مِن عَوامِلِ اِنتِشارِ مَذهَبٍ دِينِيٍّ ما، وعُلُوِّ صَوْتِه على غَيرِه مِنَ المَذاهِبِ الأُخْرَى في مَرحَلةٍ تارِيخِيَّةٍ ما، تَبَنِّي السُّلْطَةِ له، وفَرْضُه على الرَّعِيَّةِ بِاعتِبارِه نَسَقِ التَّدَيُّنِ الرَّسْمِيِّ الذي تُريدُ شُيُوعَه بين رَعَايَاهَا، ما يُوَفِّرُ له [أَيْ لِلمَذهَبِ] مِساحاتٍ أَوْسَعَ مِنَ الانتِشارِ والنُّمُوِّ والازدِهارِ؛ ومِنَ المُؤَكَّدِ أنَّ السُّلطةَ السياسيَّةَ تَمْلِكُ مِن أدَواتِ فَرْضِ اِختِيارِها الدِّينِيِّ ما يُمَكِّنُها بالفِعلِ مِن تَحقِيقِ ذلك، ويَأْتِي في مُقَدِّمَةِ تلك الأدَواتِ تَوْجِيهُ العُلَماءِ والفُقَهاءِ والدُّعاةِ لِلقِيامِ بذلك الدَّوْرِ... ثم قالَ -أَيْ بسام ناصر-: حِينَما تَجِدُ السُّلطةُ السِّياسِيَّةُ -أَيَّةُ سُلْطَةٍ- حامِلِي لِوَاءِ الدِّينِ والشَّرِيعةِ يُسارِعون إلى تَقدِيمِ فُرُوضِ الطاعةِ لِحُكَّامِها، ويُبادِرون في كُلِّ حَدَثٍ ومُناسَبةٍ إلى إعْلانِ الوَلَاءِ لهم بِاعتِبارِهم وُلَاةَ الأَمْرِ الشَّرعِيِّين، فَإنَّها سَتَعَضُّ على ذلك النَّسَقِ مِنَ التَّدَيُّنِ بِنَوَاجِذِها، وسَتُغْدِقُ على رِجالاتِه مِنَ الأُعْطَيَاتِ والهِبَاتِ والامتِيازاتِ ما يُدِيمُ طاعَتَهم لِأولِياءِ الأُمورِ، ويَجْعَلُهم الحُرَّاسَ الأَوفِيَاءَ له [أَيْ لَوَلِيِّ أَمْرِهم]، المُسارِعِين إلى خِدْمَتِه، والمُدافِعِين عنه في كُلِّ حِينٍ؛ وحِينَما يُجِيلُ المُرَاقِبُ نَظَرَه في واقِعِ الأَنْظِمةِ السِّيَاسِيَّةِ المُعاصِرةِ التي تَحْرِصُ على أنْ تَظْهَرَ في الناسِ بِمَظْهَرِ الدَّولةِ الدِّينِيَّةِ، فإنَّه سَيَجِدُ مَصَادِيقَ ذلك كُلِّه، مِن نَجاحِ تلك السُّلطةِ في تَشكِيلِ نَسَقِ تَدَيُّنِ الناسِ على الوَجْهِ الذي تُرِيدُ له أنْ يَسُودَ في المُجتَمَعِ، مع كَبْتِ [أَيْ قَهْرِ] كُلِّ الأَنْساقِ الأُخرَى والتَّضْيِيقِ عليها، وتَوْظِيفِ العُلَماءِ والفُقَهاءِ والدُّعاةِ لِيَكُونوا أَلْسِنةَ الدِّفاعِ عنها [أَيْ عنِ السُّلطةِ] والتَّروِيجِ لها والدَّعوةِ إلى شَرعِيَّتِها؛ ومِن عَجائبِ مَصَادِيقِ تلك المَقُولةِ {النَّاسُ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ} أنَّ السُّلطةَ قادِرةٌ على تَطْوِيعِ غالِبِ عُلَمائها وفُقَهائها ودُعاتِها إلى كافَّةِ سِيَاساتِها واختِياراتِها، فَما كانَ في قاموسِهم الفِقهِيِّ حَرامًا ومَمنوعًا، باتَ مع قَراراتِ وَلِيِّ الأمرِ حَلَالًا ومَسموحًا، وَلَنْ يَعْجَزَ أولئك القَومُ عنِ اِستِخدامِ الأدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ وتَطْوِيعِها بِما يَتوافَقُ مع تَوَجُّهاتِ السُّلطةِ، لِإنْفاذِ سِيَاساتِها وقَراراتِها. انتهى باختصار.

 

(8)وقالَ المراغي (ت1371هـ) في تفسيرِه: {فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} أيْ فقالَ الأتْباعُ لِقادَتِهم وسادَتِهم الذِين اِسْتَكْبَرُوا عن عبادة الله وحده وعنِ اِتِّباعِ قولِ الرُّسُلِ (إِنَّا كُنَّا تابعِين لكم، تَأْمُرونَنا فَنَأْتَمِرَ وتَنْهَوْنَنَا فَنَنْتَهِيَ)، {فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ} أي فهل تدفعون عنا اليوم شيئا من ذلك العذاب كما كنتم تَعِدُونَنا وتُمَنُّونَنا في الدنيا، وقد حَكَى اللهُ رَدَّ أولئك السادةِ عليهم {قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ} أي لو أرشدنا الله تعالى وأضاء أنوار بصائرنا وأفاض علينا من توفيقه ومعونته، لأرشدناكم ودعوناكم إلى سُبُلِ الهُدَى ووَجَّهْنا أنظارَكم إلى طريق الخير والفلاح، ولكنه لم يهدنا فَضَلَلْنا السَّبِيلَ فأَضْلَلْناكم... ثم قالَ -أَيِ المراغي-: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} أَيِ اذْهَبَا معا إلى فِرْعَوْنَ، وناضِلاه الحُجَّةَ بالحُجَّةِ، وقارِعاه البُرهانَ بالبُرهانِ، لأنَّه طَغَى وتجبَّر وتَمَرَّد حتى اِدَّعَى الربوبيةَ {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}، وتخصيصُ فِرْعَوْنَ بالدعوة [هُوَ] مِن قِبَلِ أنَّه إذا صادَفَتِ الدَّعوةُ مِن فِرْعَوْنَ أُذُنًا صاغِيَةً واستَجابَ لِدَعوَتِهما وآمَن بهما تَبِعَه المِصْرِيُّون قاطِبةً كما قِيلَ {النَّاسُ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ}. انتهى باختصار.

 

(9)وقالَ الشيخُ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإِسْكَنْدَرِيَّةِ) في مُحاضَرة مُفَرَّغَةٍ على هذا الرابط: مصرُ في زمن الفتح الإسلامي المبارك، كان عامة المصريين قبطًا نصارى، لكنها [أَيْ مِصْرَ] محكومة بشرع الله تابعة للخلافة الإسلامية لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، ففي هذه الحالة صارت مصر دار إسلام لأن الأحكام التي علتها أحكام الإسلام بغض النظر عن نوعية الشعب الذي فيها. انتهى باختصار. قلتُ: قول الشيخ {مصرُ في زمن الفتح الإسلامي المبارك، كان عامة المصريين قبطًا نصارى}، هذا صحيح، ثم تَحَوَّلَ عامَّةُ المصريين (تَدْرِيجِيًّا) إلى الإسلام، وعندئذ تحققت مقولة {النَّاسُ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ} والتي يراد بها كما مر بيانه {أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ}.

 

(10)وقالَ الشيخُ أنور بن قاسم الخضري (رئيس مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث) في مقالةٍ له على هذا الرابط: وجَرَتْ سُنَّةُ المُجتَمَعِ الإنسانيِّ بأنَّ النّاس تبع لكبرائهم وساداتهم رغم كلّ ما يعانونه منهم، وهذه حقيقة تاريخيّة [قالَ المُؤَرِّخُ محمد إلهامي في مقالة له بعنوان (5 خُلَاصاتٍ وعِبَرٍ مِن دروس التاريخ تساعدك على فهم واقعنا الآن) على هذا الرابط: التاريخ نستفيد منه جميعا -كما أي تجربة شخصية- وقد عَلَّمَنا رسولُ الله صلي الله عليه وسلم فقال {لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ}، أَيُّ إنسانٍ ناجح لا يُكَرِّرُ خَطَأَه مَرَّتّين، مَعناه أنَّ التجربة التاريخية مؤثرةٌ في حياة الإنسان، حتي الشركات تُحِبُّ أنْ تُوَظِّفَ ذوي الخبرات السابقة، الحياة الإنسانية بها تجارب أكبر مِن عُمُرِ الإنسانِ، لذلك قِيلَ {مَن وَعَى التاريخَ في صدرِه أضافَ أعمارًا إلى عُمُرِه}، فيجب علي البشرية أن تنظر في تاريخ الأمة أو تواريخ الأمم السابقة، لِتَخْرُجَ منها بخُلَاصاتٍ لمشاكلِها الحَالِيَّةِ... ثم قالَ -أَيْ إلهامي-: فالتجربة التاريخية لا يقوم مَقامَها التَّفَوُّقُ العقلي أبدا، فالتاريخ يعطينا علمًا قد لا يمكن تحصيله بالنبوغ العقلي، ونضرب علي ذلك مثال؛ لَمَّا النبيُّ صلي الله عليه وسلم أرسل إلى هِرَقْلَ رسالةً تقول {مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ}، هِرَقْلُ أرسلَ جُنْدَه كي يأتوه بأحد هؤلاء العرب الذِين منهم النبي صلي الله عليه وسلم، فأتوا له بأَبِي سُفْيَانَ، كان [أَيْ أَبُو سُفْيَانَ] في تجارة وقتَها لِلشَّامِ، هِرَقْلُ -ولأنه يدرك التجارب التاريخية للأنبياء- سأل أسئلة محددة جدًا، وبعد هذه الأسئلة استطاع أن يحكم (هل هذا نبيٌّ فِعْلًا مُرسَلٌ مِن عند الله أم أنه غير صادق)، سَأَلَه 11 سؤالًا مُحَدَّدِين، قال له {كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ؟... هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ؟... هَلْ قَالَ بِهَذَا الذي قالَ به أَحَدٌ قَبْلَهُ؟... هَلْ يَكْذِبُ؟... هَلْ يَغْدِرُ؟... مَنِ اِتَّبَعَه مِنَ الناسِ، ضُعَفَاؤُهُمْ أَمْ أَشْرَافُهُمْ؟، يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟، هَلْ يَرْتَدُّ مِنْهُمْ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ؟، هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟، كَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟، وبمَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟}، هذه الأسئلة المُحَدَّدةُ، لَمَّا أجابَه عليها أَبُو سُفْيَانَ، أَيْقَنَ هِرَقْلُ أنها رسالة مِن رسول الله حَقًّا، وقال لأَبِي سُفْيَانَ {لو أنك صدقتني فيما تقول فإنه سَيَمْلِكُ مَا تحت قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ}؛ مَهْمَا كان هِرَقْلُ عَبْقَرِيًّا ونابِغةً، لو لم يَكُنْ عنده هذا العِلْمُ بالتاريخِ، ما كان بإمكانِه أنْ يَطْرَحَ هذه الأسئلةَ المُحَدَّدةَ، وما كان بإمكانِه أن يُدرِكَ مِن الإجاباتِ (هل هذا نبيٌّ حَقًّا أم ماذا). انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ الخضر سالم بن حليس في (مجلة البيان، التي يَرْأَسُ تحريرَها الشيخُ أحمد بن عبدالرحمن الصويان "رئيس رابطة الصحافة الإسلامية العالمية") تحت عنوان (استدعاء التاريخ): إن التجارب التاريخية تلتهم في جوفها كميات هائلة من الأساليب والتصرفات ورود الأفعال، وهو ما يجعلها تغطي مساحات هائلة من المناطق المجهولة للإنسان، وتعطي رصيدًا جيدًا لطريقة التصرف ومآلات الأفعال. انتهى. وقالَ الشيخُ راغب السرجاني (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في مُحاضَرةٍ مُفَرَّغَةٍ على هذا الرابط: وعندما تَقرَأُ التاريخَ وتُقَلِّبُ في صفحاته تُشاهِدُ سُنَنَ اللهِ سبحانه وتعالى في التَّغيِيرِ، فالتاريخُ يُكَرِّرُ نفسَه بصورة عجيبةٍ، وحين تقرأ أحداثًا حَدَثَتْ منذ ألف عام أو أكثر فإنك تشعر وكأنَّها هي نفسُ الأحداث التي تَحْدُثُ في هذا الزمن مع اختلاف في الأسماء فقط، وعندما تَقْرَأُ التاريخَ كأنك تَقْرَأُ المُستَقبَلَ، فاللهُ سبحانه وتعالى بسُنَنِه الثَّوابِتِ قَرَأَ لك المُستَقبَلَ وحَدَّدَ لك كيف ستكون العواقبُ، والمؤمن الحصيف لا يقع في أخطاء السابقِين، والمؤمن الناجح العاقل يُكَرِّرُ ما فَعَلَه السابقون ونَجَحَ معهم. انتهى] تُلَخِّصُها ملاحظةُ الأوَّلين في الحكمة القائلة {النَّاسُ عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ}، وتؤسّس لصحّتها الآيات المحكمات -من القرآن الكريم- والأحاديث النبويّة الشريفة، يقول الله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا، يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا، وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا، رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}، وهي صورة واضحة وشهادة من لسان القوم، بل يُسجِّل القرآن الكريم هذه المحاورة العجيبة بين الطّائفتَين {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ، قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُم، بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ، وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا، وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا، هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}؛ وهؤلاء الذِين استكبروا صِفَتُهم كما جاء في الآيات {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ، وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}، إذن فهم المترفون الذين تمكّنهم أموالهم وأولادهم من تحقيق واجهة اجتماعيّة يصلون معها إلى صنع القرار والتّوجيه، كما ربط القرآن الكريم بين هذَين المعنَيَين [أي معنى الترف، ومعنى صنع القرار والتّوجيه] بقوله {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}، إنّهم الملأ [أَيِ الأَشرافُ والوُجوهُ والرُّؤَساءُ والمُقَدَّمون] على مرِّ التّاريخ، يقفون أمام رسالة الإصلاح ومشاريع التّغيير التي يتصدّرُ لها الأنبياء {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ، وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخضري-: وقال عليه الصّلاة والسّلام وهو يرجو إسلامَ أحَدِ ساداتِ قريش {اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ بِأَحَبِّ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ أَوْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ}، فلمَّا أسلم عُمَرُ كان إسلامُه فتحًا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخضري-: بَلْ إنّ معرفة النّبيّ صلّى الله عليه وسلم بهذه السُّنَّةِ الاجتِماعِيَّةِ، و[التي هي] أنَّ النّاسَ تبع لكبرائهم وساداتهم، جعلته يتلطّف بهؤلاء الزّعماء والكبراء طمعًا في تَحيِيدِهم عن مواجهة الدّعوة... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخضري-: وهذه السُّنَّةُ الاجتماعِيَّةُ عَرَفَها أصحابُ محمد عليه الصّلاة والسّلام وهم يُبَشِّرون بدعوته... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخضري-: إنَّ السِّياسةَ مُحَرِّكُ الحَيَاةِ العامَّةِ لأيِّ مُجتَمَعٍ، فهي مَصدَرُ القَوَانِين، والمَناهِجِ التَّرْبَوِيَّةِ، والرِّسالةِ الإعلامِيَّةِ، التي يَتَحاكَمُ النّاسُ إليها، ويَتَرَبَّوْنَ عليها، ويَتَلَقَّفُونها، وهي [أَيِ السِّياسةُ] صائغةُ الوَعْيِ والثَّقافةِ. انتهى باختصار.

 

(11)وقالَ الشيخُ عليُّ بنُ محمد الصلابي (عضو الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (الدولة العثمانية، عوامل النهوض وأسباب السقوط): إنَّ فِئةَ سَلاطِينِ الدَّولةِ العُثمانِيَّةِ وباشَوَاتِها أَمْعَنُوا في مُوَالَاةِ الكافِرِين وأَلْقَوْا إليهم بِالمَوَدَّةِ ورَكَنُوا إليهم واتَّخَذوهم بِطَانةً مِن دُونِ المُؤمِنِين، وعَمِلُوا على إضعافِ عَقِيدةِ الوَلَاءِ والبَرَاءِ في الأُمَّةِ وأصابُوها في الصَّمِيمِ، وبذلك تَمَيَّعَتْ شَخصِيَّةُ الدَّولةِ العُثمانِيَّةِ وهُوِيَّتُها وفَقَدَتْ أَبْرَزَ مُقَوِّمَاتِها، وسَهُلَ بَعْدَ ذلك على أعدائها أنْ يَحْتَوُوها ثم مَزَّقُوها شَرَّ مُمَزَّقٍ. انتهى.

 

(12)وقالَ اِبنُ تيميةَ في (مجموع الفَتَاوَى): تَطْهِيرُ سَبِيلِ اللَّهِ وَدِينِهِ وَمِنْهَاجِهِ وَشِرْعَتِهِ وَدَفْعِ بَغْيِ هَؤُلَاءِ [أَيْ أَهْلِ الْبِدَعِ] وَعُدْوَانِهِمْ عَلَى ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْلَا مَنْ يُقِيمُهُ اللَّهُ لِدَفْعِ ضَرَرِ هَؤُلَاءِ لَفَسَدَ الدِّينُ وَكَانَ فَسَادُهُ أَعْظَمَ مِنْ فَسَادِ اِسْتِيلَاءِ الْعَدُوِّ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ [أَيْ أَهْلَ الْحَرْبِ] إذَا اِسْتَوْلَوْا يُفْسِدُوا الْقُلُوبَ وَمَا فِيهَا مِنَ الدِّينِ تَبَعًا، وَأَمَّا أُولَئِكَ فَهُمْ يُفْسِدُونَ الْقُلُوبَ اِبْتِدَاءً. انتهى باختصار.

 

(13)وقالَ الشيخُ أبو قَتَادَةَ الفلسطينيُّ في (الجِهادُ والاجتِهادُ): إنَّ الدولةَ حِينَ تَكُونُ على غيرِ الإسلامِ فإنَّها ستعملُ جاهدةً لإزالةِ مَوانعِ بَقائِها، وسَتَنْشُرُ أفكارَها ومَناهِجَها، والأَعْظَمُ مِن ذلك أنَّها سَتَفْرِضُ على الناسِ دِينًا ومِنْهاجًا وقَضاءً يَتَلاءَمُ مع تَصَوُّرِها لِلْكَوْنِ والحَيَاةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ أبو قتادة-: فلَوْ نَظَرْتَ إلى عَدَدِ المُسلِمِين الذِين دَخَلُوا في دِينِ اللهِ تَعالَى في زَمَنِ دعوةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم في مَكَّةَ المُكَرَّمةِ لَرَأَيْتَه عَدَدًا قَلِيلًا جِدًّا، وأمَّا مَن آمَنَ برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في المدينةِ المنورةِ زَمَنَ عِزَّةِ الإسلامِ فَسَتَجِدُ الآلافَ منهم قدِ اِلتَحَقُوا بِقافِلةِ الإسلامِ... ثم قال -أَيِ الشيخُ أبو قتادة-: فَقَدْ قَرَنَ اللهُ تعالى نَصْرَه وفَتْحَه مع دُخُولِ الناسِ [أَفْوَاجًا] في دِينِ اللهِ تعالى [وذلك في قولِه تعالى {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا}]، لأنَّه إنْ لم يَتِمَّ النَّصْرُ والفتحُ فلَنْ يَتِمَّ دُخولُ الناسِ في دِينِ اللهِ تَعالَى [أَفْوَاجًا]، بَلْ إنَّ عُلَماءَنا الأوائلَ بفَهْمِهم وثاقِبِ فِكْرِهم جَعَلُوا اِنتِشارَ الفِكْرةِ مَنُوطًا بِالقُوَّةِ والشَّوْكةِ، كَقَولِ اِبنُ خَلْدُونَ [في (مُقَدِّمَتِهِ)] {إنَّ المَغْلُوبَ مُولَعٌ بالاقتداءِ بالغالِبِ}، فجَعَلَ ظاهرةَ التَّلَقِّي مُقَيَّدةً بالقُوَّةِ والغَلَبةِ. انتهى باختصار.

 

(14)وقالَ الشيخُ تركي البنعلي في (الكوكب الدري المنير، بتقديم الشيخ أبي محمد المقدسي): قالت العَرَبُ {النَّاسُ [أَيْ أَكْثَرُ النَّاسِ، وذلك على ما سَبَقَ بَيَانُه في مَسْأَلَةِ (هَلْ يَصِحُّ إطلاقُ الكُلِّ على الأَكْثَرِ؟ وهَلِ الحُكْمُ لِلغالِبِ، والنَّادِرُ لا حُكْمَ له؟)] عَلَى دِينِ مُلُوكِهِمْ}... ثم قال -أَيِ الشيخُ البنعلي-: يَخْدَعُ سَحَرَةُ المُرْجِئةِ المُرِيدِين [يَعْنِي أَنَّ المُرْجِئةَ يَخْدَعُون أَتْباعَهم] بِقَوْلِهم {لَمَّا كانَتْ قُرَيْشٌ في الشِّرْكِ كان الذي يَحْكُمُهم هو أَبُو جَهْلٍ، ولَمَّا دَخَلَتْ قُرَيْشٌ في دِينِ اللهِ صارَ الذي يَحْكُمُهم هو أَبُو القاسِمِ صلى الله عليه وسلم}، والصَّوَابُ أنَّ هذه العِبارةَ مَعْكُوسةٌ رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ، والصَّحِيحُ أنْ يُقالَ {لَمَّا كانَ الذي يَحْكُمُ قُرَيْشًا هو أَبُو جَهْلٍ كانَتْ قُرَيْشٌ في الشِّرْكِ، ولَمَّا صارَ الذي يَحْكُمُهم هو أَبُو القاسِمِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَتْ قُرَيْشٌ في دِينِ اللهِ}، فاللهُ سُبحانَه وتَعالَى لم يَقُلْ {إِذَا دَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، وَرَأَيْتَ نَصْرَ اللَّهِ وَالْفَتْحَ جَاءَ}!، بَلْ قالَ اللهُ سُبْحانَه وتَعالَى {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا}، فَدُخُولُ الناسِ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا هو بَعْدَ الْفَتْحِ والحُكْمِ الإسلامِيِّ لا قَبْلَه. انتهى.

 

(15)وقالَ الشَّيخُ أبو بكر القحطاني في (شَرحُ قاعِدةِ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ"): ... ولَكِنِ اليَومَ بَعْدَ فَرضِ المَحاكِمِ [أيْ في الدَّولةِ الإسلامِيَّةِ (التي يُسَمِّيها أهلُ البِدَعِ والضَّلالِ "داعش")]، والأمرِ بِالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ، والدَّوراتِ الشَّرعِيَّةِ، والدَّعوةِ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، عَرَفَ الناسُ التَّوحِيدَ، ودَخَلوا فيه أفواجًا كَما خَرَجوا منه مِن قَبْلُ أفواجًا، وهذا أمرٌ ظاهِرٌ. انتهى باختصار.

 

(16)وقالَ الشَّيخُ عطية فياض (أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة بجامعة الأزهر) في مَقالةٍ له على المَوقِعِ الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين (إخوان أونلاين) بعنوان (التدرج في تطبيق الشريعة الإسلامية) في هذا الرابط: هناك واقِعٌ مَرِيرٌ لِلأُمَّةِ في عَلاقَتِها بِالشَّرِيعةِ الإسلامِيَّةِ ليس وَلِيدَ اليَومِ، وإنَّما اِبتَدَأَ مُنْذُ أكثَرَ مِن قَرنَين، واشتَدَّ بَأْسُه مع سُقوطِ الخِلافةِ الإسلامِيَّةِ على أَيدِي العَلْمانِيِّين الذِين حَرَصوا مِن خِلالِ تَرَبُّعِهم على عَرشِ كَثِيرٍ مِنَ الحُكوماتِ العَرَبِيَّةِ والإسلامِيَّةِ أنْ يُحدِثوا خَلَلًا في البِنيَةِ الفَكرِيَّةِ لِلشُّعوبِ الإسلامِيَّةِ. انتهى. وقالَ الشَّيخُ يُوسُفُ القرضاوي (عُضوُ هَيْئةِ كِبارِ العُلَماءِ بالأزهَرِ زَمَنَ حُكْمِ الرَّئيسِ الإخوانِيِّ محمد مرسي، ورَئيسُ الاتِّحادِ العالَمِيِّ لِعُلَماءِ المُسلِمِين الذي يُوصَفُ بِأنَّه أكبَرُ تَجَمُّعٍ لِلعُلَماءِ في العالَمِ الإسلامِيِّ، ويُعتَبَرُ الأَبَ الرُّوحِيَّ لِجَماعةِ الإخوانِ المُسلِمِين على مُستَوَى العالَمِ) على مَوقِعِ قَناةِ الجزيرةِ الفَضائيَّةِ (القَطَرِيَّة) تحت عنوان (التدرج في تطبيق الشريعة وتغيير المنكر) في هذا الرابط: الإخوةُ السَّلَفِيُّون في (مِصرَ) كانوا مُستَعجِلِين [يَعنِي بَعْدَما فازَ الإخوانِيُّ (محمد مرسي) بِرِئاسةِ مِصرَ]، يُرِيدوا أنْ يَفرِضوا كُلَّ شَيءٍ [يَعنِي أنَّهم أرادوا تَطبِيقَ الشَّرِيعةِ الإسلامِيَّةِ بِالكامِلِ]، ولَكِنْ لَمَّا اِختَلَطوا بِالواقِعِ ورَأَوُا الناسَ كَيْفَ مَوقِفُهم وكَيْفَ تَعامُلُهم [يَعنِي رَأَوْا كَيْفَ مَوقِفُ الناسِ وتَعامُلُهم مع مَسْأَلةِ تَطبِيقِ الشَّرِيعةِ الإسلامِيَّةِ بِالكامِلِ] وَجَدوا أنَّ الأمْرَ -ليس كَما كانوا يَظُنُّون- أنَّهم لا بُدَّ أنْ يُعامِلوا النَّاسَ على واقِعِهم، لِأنَّه ليس بِالمَعقولِ أنَّك تُمسِكُ السَّيْفَ وتُحارِبُ النَّاسَ جَمِيعًا. انتهى باختصار.

 

 

تَمَّ الجُزءُ التاسِعُ بِحَمدِ اللَّهِ وَتَوفِيقِهِ

الفَقِيرُ إلى عَفْوِ رَبِّهِ

أَبُو ذَرٍّ التَّوحِيدِي

AbuDharrAlTawhidi@protonmail.comانقر هنا للتواصل عبر البريد الإلكتروني

تابع الشيخ أبا سلمان الصومالي على:
فيسبوك
تويتر
يوتيوب
tgstat

 

 

 

 

Free Web Hosting