حِوَارٌ حَوْلَ حُكْمِ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدٍ فِيهِ قَبْرٌ

(النُّسخةُ 1.76 - الجُزءُ الخامِسُ)

 

جَمعُ وتَرتِيبُ

أَبِي ذَرٍّ التَّوحِيدِيِّ

AbuDharrAlTawhidi@protonmail.comانقر هنا للتواصل عبر البريد الإلكتروني

 

حُقوقُ النَّشرِ والبَيعِ مَكفولةٌ لِكُلِّ أحَدٍ

 

اِنتَقِلْ إلى المُقَدِّمةِ أو إلى الجُزءِ:

 

 

تَتِمَّةُ المسألة الثامنة والعشرين

 

زيد: رُبَّما قالَ لك البعضُ {الواقعون في المُكَفِّراتِ الصريحةِ يُكَفَّرُ أَنْواعُهم لا أَعْيَانُهم}؟.

 

عمرو: سبق أن ذَكَرتُ أنَّ الشيخَ ابنَ باز سُئلَ: بعضُ الناسِ يقولُ {المُعَيَّنُ لا يُكفَّرُ}؟. فأجابَ الشيخُ: هذا [أَيِ القولُ بأنَّ المُعَيَّنَ لا يُكفَّرُ] مِنَ الجَهْلِ، إذا أَتَى بمُكَفِّرٍ يُكَفَّرُ. انتهى.

 

وقال الشيخُ أحمدُ الخالدي في (التِّبْيَان لِمَا وَقَعَ في "الضوابط" منسوبًا لأهل السُّنَّةِ بلا برهان، بِتَقدِيمِ الشيخَين حمود الشعيبي، وعَلِيِّ بْنِ خضير الخضير): قالَ الشيخُ محمد بنُ عبدالوهاب [في (الدُّرَر السَّنِيَّة في الأجوبة النَّجْدِيَّة)] في أثناءِ رَدِّه على مَنِ اِمتَنَعَ مِن تَعْيِينِ مَن عَبَدَ غيرَ اللهِ، بالكُفْرِ {هَلْ قالَ واحدٌ مِن هؤلاء، مِنَ الصحابةِ إلى زَمَنِ منصور [هو الشيخُ منصور البُهُوتِيُّ مُؤَلِّفُ كِتابِ (الروض المربع)، وقد تُوُفِّيَ عامَ 1051هـ] (إنَّ هؤلاء يُكَفَّرُ أنواعُهم لا أَعْيَانُهم)؟!}. انتهى باختصار. وقد عَلَّقَ الشيخُ عَلِيُّ بْنُ خضير الخضير (المُتَخَرِّجُ مِن كُلِّيَّةِ أُصولِ الدِّينِ بـ "جامعة الإمام" بالقصيم عامَ 1403هـ) في (المُتَمِّمَةُ لكلامِ أئمَّةِ الدعوةِ) على قولِ الشيخِ محمد بنِ عبدالوهاب المذكورِ، فقالَ: أَيْ أنَّ الشيخَ محمد [بنَ عبدالوهاب] لا يُفَرِّقُ بين النَّوعِ والعَينِ في مسائلِ الشركِ الأكبرِ والأُمورِ الظاهِرةِ، وهنا نَقَلَ إجماعَ المسلمِين عليه مِن لَدُنِ الصحابةِ إلى عَصْرِ البُهُوتِيِّ. انتهى.

 

زيد: رُبَّما قالَ لك البعضُ {أنا أُصَلِّي خَلْفَ القُبُورِيِّ فُلَانٍ، لِأنِّي لا أعَلَمُ أَحَدًا مِنَ العُلَماءِ كَفَّرَه بِعَيْنِه، وأنا لَسْتُ عالِما، فَلا يَحِقُّ لي أنْ أُكَفِّر أَحَدًا}؟.

 

عمرو: الجوابُ على سؤالِك هذا يَتَبَيَّنُ مِنَ الآتِي:

 

(1)في هذا الرابط يقولُ مركزُ الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوِزَارةِ الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: وقد سُئِلَ الشيخُ ابنُ باز في شَرْحِه لِـ (كَشْفُ الشُّبُهاتِ) عِدَّةُ أسئلةٍ عن مَسأَلةِ العُذرِ بِالجَهلِ، منها؛ (س){هل يَجِبُ على العامِّيِّ أنْ يُكفِّرَ مَن قامَ كُفْرُه، أو قامَ فيه الكُفْرُ؟}، (ج){إذا ثَبَتَ عليه ما يُوجِبُ الكُفْرَ كَفَّرَه، ما المانعُ؟!، إذا ثبَتَ عنده ما يُوجِبُ الكُفْرَ كَفَّرَه، مِثْلَمَا نُكَفِّرُ أَبَا جَهْلٍ، وأَبَا طَالِبٍ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، والدَّلِيلُ على كُفْرِهم أنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم قاتَلَهم يَوْمَ بَدْرٍ}؛ (س){يَا شَيْخُ، العامِّيُّ يُمنَعُ مِنَ التكفيرِ؟}، (ج){العامِّيُّ لا يُكَفِّرُ إلَّا بِالدَّلِيلِ، العامِّيُّ ما عنده عِلْمٌ، هذا المُشْكِلُ، لَكِنَّ الذي عنده عِلْمٌ بِشَيءٍ مُعَيَّنٍ مِثْلِ مَن جَحَدَ تَحرِيمَ الزِّنَى، هذا يَكفُرُ عند العامَّةِ والخاصَّةِ، هذا ما فيه شُبْهَةٌ، ولو قالَ واحِدٌ (إنَّ الزِّنَى حلالٌ)، كَفَرَ عند الجَمِيعِ، هذا ما يَحْتاجُ أدِلَّةً، أو قالَ (إنَّ الشِّركَ جائزٌ)، يُجِيزُ لِلنَّاسِ أنْ يَعبُدوا غَيرَ اللهِ، هَلْ أَحَدٌ يَشُكُّ في هذا؟!، هذا ما يَحْتاجُ أدِلَّةً، لو قالَ (إنَّ الشِّركَ جائزٌ)، يُجَوِّزُ لِلنَّاسِ أنْ يَعبُدوا الأصنامَ والنُّجومَ والجِنَّ، كَفَرَ، التَّوَقُّفُ يَكونُ في الأشياءِ المُشكِلةِ التي قد تَخْفَى على العامِّيِّ}. انتهى باختصار.

 

(2)في فيديو بعنوان (تكفير مَن أظهرَ الشِّركَ ليس خاصًّا بأهلِ العلمِ) للشيخِ صالح الفوزان، سُئِلَ الشيخُ: هَلِ التكفيرُ حُكْمٌ لكُلِّ أَحَدٍ مِن صِغارِ طُلَّابِ العِلْمِ أَمْ أنَّه خاصٌّ بأهْلِ العِلْمِ الكِبارِ والقُضاةِ؟. فأجابَ الشيخُ: مَن يَظْهَر منه الشِّركُ، يَذبَحُ لغيرِ اللهِ أو يَنْذُرُ لغيرِ اللهِ، يَظْهَرُ ظهورًا واضحًا، يَذبَحُ لغيرِ اللهِ، يَنْذُرُ لغيرِ اللهِ، يَستغيثُ بغيرِ اللهِ مِنَ الأمواتِ، يَدعو الأمواتَ، هذا شِركُه ظاهرٌ، هذا شِركُه ظاهرٌ، فمَن سَمِعَهُ يَحْكُمُ بكُفْرِه وشِرْكِه، أَمَّا الأمورُ الخَفِيَّةُ التي تَحتاجُ إلى عِلْمٍ وإلى بَصيرةٍ هذه تُوكَلُ إلى أهلِ العلمِ، تُوكَلُ إلى أهلِ العلمِ. انتهى.

 

(3)في هذا الرابط على موقعِ الشيخِ صالح الفوزان، سُئِلَ الشيخُ: هل لكُلِّ شخصٍ أنْ يُكفِّرَ مَعَيَّنًا كائِنا مَن كان؟. فأجابَ الشيخُ: إذا صَدَرَ منه ما يَقتضِي التكفيرَ يُكَفَّرُ، إذا صَدَرَ منه ما يَقتضِي التكفيرَ مِن قَولٍ أو فِعلٍ أو اعتقادٍ يُكفَّرُ بمُوجِبِ ما صَدَرَ منه حتى يَتُوبَ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، لماذا يَقْتُلون المُرْتَدَّ؟ إذا صَدَرَ منه ما يَقتضِي الرِّدَّةَ استتابوه، فإنْ تابَ وإلَّا قَتَلُوه، لماذا يَقْتُلُونه؟ إلَّا أنَّهم حَكَمُوا عليه بأنَّه كافرٌ، عَمَلًا بقولِه صلى الله عليه وسلم مَن بَدَّلَ دِينَه فاقتلوه، ما نحن بمُرجِئَةٍ، يقولون لازِمٌ نَعْرِفُ اللِّي في قَلْبِه، ولو قالَ ولو فَعَلَ ما يُكَفَّرُ [به] حتى يُعْرَفَ ما... هذا قولُ المُرجِئةِ، ما هو قولُ أهلِ السُّنَّةِ، القلوبُ لا يَعْلَمُها إلَّا اللهُ، لكنْ نَحْكُمُ على الظاهرِ. انتهى.

 

(4)في هذا الرابط تَفرِيغٌ لفتوى صَوتِيَّةٍ للشيخِ صالح الفوزان، وفيها أنَّ الشيخَ سُئِلَ {هل الحُكْمُ على الشخصِ بأنَّه مُشركٌ هو للعلماءِ فَقَطْ، أَمْ أنَّ للعَوَامِّ إذا رَأَوْا مَن يَقَعُ في الشركِ أنْ يقولوا عنه (إنَّه كافِرٌ مُشرِكٌ)؟}، فأجاب الشيخُ {مَن أظْهَرَ الشِّركَ فهو مُشرِكٌ، مَن دَعا غيرَ اللهِ، ذَبَحَ لغيرِ اللهِ، نَذَرَ لغيرِ اللهِ، فهذا مُشرِكٌ عند العَوَامِّ وعند العلماءِ، مَن قالَ (يَا عَلِيُّ، يَا حُسَيْنُ)، هذا مُشرِكٌ، كُلٌّ يَعْرِفُ أنَّه مُشرِكٌ}؛ فَسُئِلَ الشيخُ {أَحَدُ طَلَبَةِ العلمِ وهو يُبَيِّنُ أنَّ مَن وَقَعَ في الشركِ فهو كافِرٌ، قالَ (لكِنَّ الذي يَحْكُمُ عليه بالكُفرِ والرِّدَّةِ ليس هو لأَيِّ أَحَدٍ، حتى العالِمِ والإمامِ في العِلْمِ، وإنَّما ذلك للقاضي، لِأنَّ هذا...)}، فَرَدَّ الشيخُ مُقاطِعًا {الحُكْمُ بالرِّدَّةِ، هذا عند القاضِي لِأنَّه يُقْتَلُ، لكنْ أَنَّه يُقالُ (هذا شِركٌ)، هذا كُلُّ يَقُولُه، كُلُّ مَن عنده إيمانٌ يَقُولُ (هذا شِركٌ)، ما يَحتاجُ أنْ يَرُوحَ إلى القاضِي}. انتهى.

 

(5)في فيديو بعنوان (الحكمُ بالكفرِ على مَن تَلَبَّسَ بناقضٍ للإسلامِ ليس خاصًّا بالعلماءِ) للشيخِ صالح الفوزان، سُئِلَ الشيخُ: عندما نَقولُ {إنَّ تطبيقَ وتنزيلَ النواقضِ على الناسِ هو للعلماءِ الكِبارِ وليس لطَلَبَةِ العِلْمِ} يَقولون [لَنَا] {أنتم مُرجئةٌ}، هَلْ هذا صحيحٌ؟. فأجابَ الشيخُ: إنَّ ما عَلَيْنا [هو أنْ] نُطَبِّقَ النواقضَ على مَنِ اِتَّصَفَ بها لِأجْلِ يَتُوبَ إلى اللهِ ويَرْتَدِعَ عمَّا هو عليه، مَنِ اِنْطَبَقَتْ عليه النواقضُ يُعْطَى حُكْمَها، وليس هذا خاصٌّ بِالعُلَماءِ، هذا يَرجِعُ إلى اِنطِباقِها عليه، إذا اِنْطَبَقَتْ عليه يُعْطَى حُكْمَها. انتهى.

 

(6)في هذا الرابط تفريغ لفتوى صوتية للشيخ عبدالعزيز الراجحي (الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود في كلية أصول الدين، قسم العقيدة)، وفيها أنَّ الشيخَ سُئِلَ {عندما نَرَى شخصًا مَدَّعِيًا الإسلامَ يَشْتُمُ اللهَ أو رسولَه أو دِينَه أو يَعبُدُ قبرًا أو سَجَدَ له أو لِصَنَمٍ أو يُحلِّلُ الزِّنَى أو يُنكِرُ الصلاةَ، هَلْ يُمْكِنُ أنْ نُكَفِّرَه عَلَى عَيْنٍ نحن الصِّغارُ بِغَيْرِ أنْ نسألَ عالِمًا أو لا بُدَّ أنْ يَحْكُمَ عليه عالِمٌ؟}، فَأجابَ الشيخُ {لا، يُكَفَّرُ بِعَيْنِهِ هذا، هذا يُكَفَّرُ بِعَيْنِهِ، مُرْتَدٌّ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ، مَن سَبَّ اللهَ أو سَبَّ الرسولَ أو أَنْكَرَ ما هو معلومٌ مِنَ الدِّينِ بالضرورةِ، هذا يُكَفَّرُ بِعَيْنِهِ لِأنَّها أُمُورٌ ظاهرةٌ واضحةٌ معلومةٌ مِنَ الدِّينِ بالضرورةِ}؛ فَسُئِلَ الشيخُ {يَعْنِي لا نحتاجُ إلى أنْ نَسألَ عالمًا في ذلك؟}، فَأجابَ الشيخُ {لِأنَّ هذا أَمْرٌ واضحٌ لا إشكالَ فيه}. انتهى باختصار.

 

(7)في هذا الرابط تفريغ لفتوى صوتية للشيخ صالح السحيمي (رئيس قسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية)، وفيه سُئِلَ الشيخُ: أنا طالبٌ صغيرٌ أو عامِّيٌّ، يُمكِنُ أنْ أُكفِّرَ الذي يَسْجُدُ للصَّنَمِ إذا رَأَيْتُه يَسْجُدُ للصَّنَمِ؟. فأجابَ الشيخُ: أنت اِنْصَحْهُ، أنت لا تَقُلْ له {أنت مُشرِكٌ}، لِأنَّ... لَنْ يَقْبَلَ منك إذا جِئْتَه بهذا الأُسْلُوبِ، لكنْ إذا رَأَيْتَه يَسجُدُ للصَّنَمِ أو يَذبَحُ له أو يَنْذُرُ له فيُحْكَمَ عليه بالكُفرِ، لكنْ عليك أنْ تُناصِحَه وأنْ تُوجِّهَه فإنْ رَجَعَ وقَبِلَ فالحمدُ للهِ وإلَّا فهو مُشرِكٌ. انتهى. قلتُ: قولُ الشيخِ {لا تَقُلْ له (أنت مُشرِكٌ)}، هذا في مَقامِ الدعوةِ. وقد قالَ الشيخُ عبدُالعزيز بن صالح الجربوع في (الأُنُوثة الفِكرِيَّة ومَآسِيها): فإنَّ مِنَ الظُّروفِ لا يَصْلُحُ فيها إلَّا اللِّينُ، ومنها ما لا يَصْلُحُ فيها إلَّا الشِّدةُ والقَسوةُ، وباطلٌ كُلَّ البُطلانِ التعميمُ مِن غيرِ دليلٍ، وإلَّا فما مَعْنَى قَطْعِ يَدِ السارِقِ وجَلْدِ الزَّانِي والقاذِفِ ورَجْمِ المُحصَنِ وجَلْدِ شارِبِ الخَمرِ وقِتالِ البُغاةِ وصَلْبِ قُطَّاعِ الطريقِ و... و... و...، هذا في حَقِّ المسلمِين؛ وفي حَقِّ الكافِرِين شُرِّعَ قِتالُهم وجِهادُهم ومُنابَذَتُهم، وعَدَمُ مُجالَسَتِهم أو بَدْئِهم بالسَّلامِ، بَلْ إذا رَأَيْناهم في طريقٍ نَضْطَرُّهم إلى أَضْيَقِه [قالَ الشَّوْكَانِيُّ في (نيل الأوطار): لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَتْرُكَ لِلذِّمِّيِّ صَدْرَ الطَّرِيقِ، وَذَلِكَ نَوْعٌ مِنْ إنْزَالِ الصَّغَارِ بِهِمْ وَالإِذْلَالِ لَهُمْ؛ قَالَ النَّوَوِيُّ {وَلْيَكُنِ التَّضْيِيقُ بِحَيْثُ لَا يَقَعُ فِي وَهْدَةٍ [أَيْ حُفْرَةٍ أو هُوَّةٍ] وَلَا يَصْدِمُهُ جِدَارٌ وَنَحْوُهُ}. انتهى. وقالَ اِبْنُ الْقَيِّمِ فِي (إغَاثَةُ اللَّهْفَانِ مِنْ مَصَايِدِ الشَّيْطَانِ): إنَّ الشُّروطَ المَضرُوبَةَ على أهلِ الذِّمَّةِ تَضَمَّنَتْ تَميِيزَهم عنِ المُسلِمِين في اللِّباسِ والمَراكِبِ [(المَراكِبُ) جَمْعُ (مَركَبٍ) وهو ما يُرْكَبُ عليه]، لِئَلَّا تُفْضي مُشابَهَتُهم لِلمُسلِمِين في ذلك إلى مُعامَلَتِهم مُعامَلةَ المُسلِمِين في الإكرامِ والاحتِرامِ، فَفِي إلزامِهم بِتَمَيُّزِهم عنهم [أيْ عنِ المُسلِمِين] سَدٌّ لِهذه الذَّرِيعةِ [أيْ ذَرِيعةِ مُشابَهَتِهم المُفضِيَةِ إلى إكرامِهم واحتِرامِهم]. انتهى باختصار] ونُحاوِلُ أنْ نُذِلَّهم قَدْرَ المُستَطاعِ. انتهى. وقالَ الشيخُ أحمدُ الحازمي في (شرح رسالة أصل دين الإسلام وقاعدته): لا بُدَّ مِنَ التَّصرِيحِ وبَيَانِ ذلك، أنَّهم كفارٌ وأنَّهم مُشرِكون، وأنَّ آلِهَتَهم باطلةٌ لا تَصْلُحُ أنْ تكونَ آلِهةً... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الحازمي-: لا بُدَّ مِنْ مُعاداةٍ، والمعاداةُ تَقتَضِي ماذا؟ التَّصرِيحَ، يا كُفَّارُ يا مشركون، هذا الأصلُ، أنتم كفارٌ وأنتم مشركون. انتهى. وقالَ الشيخُ محمد بنُ سعيد القحطاني (أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى) في (الولاء والبراء في الإسلام، بتقديمِ الشيخِ عبدالرزاق عفيفي "نائبِ مفتي المملكة العربية السعودية، وعضوِ هيئة كبار العلماء، ونائبِ رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء"): مِنَ الأُمورِ التي يَجِبُ أنْ نَتَدَبَّرَها برَوِيَّةٍ -مِن نواقضِ الإسلامِ- مُظاهرةُ المشركِين ومُعاوَنَتُهم على المسلمِين، والدليلُ قولُه تعالَى {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، وهذا مِن أعظمِ النواقضِ التي وَقَعَ فيها سَوَادُ الناسِ اليومَ في الأرضِ، وهُمْ بعدَ ذلك يُحسَبون على الإسلامِ ويَتَسَمَّوْنَ بأسماءٍ إسلامِيَّةٍ، فلقد صِرْنَا في عَصْرٍ يُسْتَحَى فيه أنْ يُقالَ للكافرِ {يَا كَافِرُ}!، بَلْ زادَ الأَمْرُ عُتُوًّا بِنَظْرةِ الإعجابِ والإكبارِ والتعظيمِ والمَهَابةِ لأعداءِ اللهِ، وأَصبَحوا مَوْضِعَ القُدْوَةِ والأُسْوَةِ. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (أجوبة أسئلة اللقاء المفتوح لأعضاء شبكة شموخ الإسلام): إذا كنتَ تَعلَمُ أنَّ هذا الرافِضِيَّ يقولُ بالعقائدِ المُكَفِّرةِ الصَّرِيحةِ عندهم، كالقولِ بتحريفِ القرآنِ والزِّيادةِ فيه والنُّقصانِ، أو بطَعْنِهم بعِرْضِ عائشةَ أُمِّ المؤمنِين، ونحوِ ذلك مِنَ المُكَفِّراتِ الصَّرِيحةِ التي تَقتَضِي تَكذِيبَ نُصوصِ القرآنِ، فَلَكَ أنْ تقولَ له {يَا كَافِرُ}، بَلْ قد يُستَحَبُّ ذلك إنْ كان فيه إنكارٌ عليه وزَجْرٌ ورَدْعٌ له. انتهى. وقالَ الشيخُ حَمَدُ بن عَتِيقٍ (ت1301هـ) في (سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين والأتراك): الرَّجُلُ لا يكونُ مُظْهِرًا لدِينِه حتى يَتَبَرَّأَ مِن أهلِ الكُفْرِ الذي هو بَيْنَ أَظْهُرِهم، ويُصَرِّحَ لهم بأنَّهم كفارٌ، وأنَّه عَدُوٌّ لهم، فإنْ لم يَحْصُلْ ذلك لم يَكُنْ إظهارُ الدِّينِ حاصِلًا. انتهى. وفي هذا الرابط على موقعِ الشيخِ مُقْبِلٍ الوادِعِيِّ، سُئِلَ الشيخُ: هل يَجوزُ أنْ نُكَفِّرَ شَخصًا بعَينِه إذا كان لا يُصَلِّي، ونَقولُ له {يَا كَافِرُ}؟. فأجابَ الشيخُ: لا مانِعَ مِن ذلك، أنْ يُكَفَّرَ شَخصٌ بعَينِه إذا كانَ لا يُصَلِّي. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو بصير الطرطوسي في (قواعِدُ في التَّكفِيرِ): فَكَما أنَّ تَكفير المُسلِمِ بِغَيرِ مُوجِبٍ أمرٌ جَلَلٌ، كذلك عَدَمُ تَكفِيرِ الكافِرِ أو الشَّكُّ في كُفرِه يُعتَبَرُ أمرًا جَلَلَا وخَطِيرًا جِدًّا، لِذا يَتَعَيَّنُ على المُسلِمِ كَما يَحتاطُ لِنَفسِه مِن أنْ يَقَعَ في مَزالِقِ تَكفِيرِ المُسلِمِ مِن غَيرِ مُوجِبٍ، أنْ يَحتاطَ كذلك ويَحذَرَ أشَدَّ الحَذَرِ مِن أنْ يَقَعَ في مَزالِقِ ومَحاذِيرِ عَدَمِ تَكفِيرِ الكافِرِ؛ قالَ تَعالَى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} فَلا بُدَّ مِن مُخاطَبَتِهم بِهذا الخِطابِ القُرآنِيِّ القاطِعِ مِن غَيرِ تَلَجلُجٍ ولا ضَعفٍ ولا مُوارَبةٍ {يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}؛ وقالَ تَعالَى {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} فَلا بُدَّ مِن مُصارَحَتِهم بِهذا القَولِ وبِكُلِّ وُضوحٍ وظُهورٍ {إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}. انتهى باختصار.

 

(8)في فتوى للشيخِ ناصرِ بنِ حمد الفهد (المُتَخَرِّجِ مِن كُلِّيَّةِ الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، والمُعِيدِ في كُلِّيَّةِ أصول الدين "قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة") على هذا الرابط، سُئِلَ الشيخُ: مَن له الحقُّ في تَكفِيرِ المُعَيَّنِ؟، وهل للعامَّةِ الحَقُّ في تكفيرِ الأَعْيَانِ؟. فأجابَ الشيخُ: كُلُّ مَن لَدَيْهِ عِلْمٌ بمسألةٍ فَلَهُ أنْ يَحْكُمَ فيها، حتى لو كان مِنَ العامَّةِ، وذلك مِثْلُ الذي يَعْلَمُ أنَّ تارِكَ الصلاةِ كافرٌ ثم يَرَى مَن لا يُصَلِّي فَلَهُ أنْ يُكَفِّرَه، ومِثْلُ الذي يَسْمَعُ مَن يَستهزئُ بالدِّينِ، ونَحْوُ ذلك. انتهى.

 

(9)قالَ الشيخُ عبدُالرحمن الحجي في (شرح رسالة الكفر بالطاغوت) عند شرحِ قولِ الشيخِ محمد بنِ عبدالوهاب {واعلمْ أنَّ الإنسانَ ما يَصيرُ مؤمنًا بالله، إلَّا بالكُفرِ بالطاغوتِ، والدليلُ قولُه تعالَى (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا، وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)}: ما يستقيمُ لك إسلامٌ حتى تَكْفُرَ بالطاغوتِ وتُؤمِنَ بالله، حتى يَخْرُجَ الشركُ مِن قلبِك وأَهْلُه، وتُكَفِّرَهم وتُعادِيَهم وتَعتقِدَ بُطلانَ ما هُمْ عليه وتُبْغِضَ ما هُمْ عليه وتُبْغِضَهم هُمْ، ما تَكونُ مُسلمًا إلَّا بهذا، كيفَ يُتَصَوَّرُ أنك مسلمٌ، تَقُولُ {واللهِ يُوجدُ في قَلبِي اللهُ، وأيضًا لا أُبْغِضُ أعداءَ اللهِ والمشركِين}؟!، ما تَكونُ مُسلمًا حتى تُبغضَ المُشرِكَ وتُكَفِّرَه وتَعتقدَ أنَّه كافرٌ ومشركٌ؛ ولذلك الشيخُ ابنُ باز اللهُ يَرْحَمُه، قِيلَ له في مسائلِ التوحيدِ {يُكَفِّرُ العَامِّيُّ؟}، قالَ {يُكَفِّرُ العَامِّيُّ}، كُلُّ مسلمٍ، كُلُّ عاقلٍ يَرَى عُبَّادَ القُبورِ يَعتقدُ كُفْرَهم، ما يَحتاجُ [ذلك] إلى عالِمٍ تَأْتِيه تَقُولُ له {إِيشْ رَأْيُكَ بهؤلاءِ}، لِأنَّ كُلَّ القرآنِ -كُلَّهُ، مِن أَوَّلِه لِآخِرِه- وكُلَّ ما في الدُّنيا يَدُلُّ على أنَّ هذا مشركٌ كافرٌ، مَسائلُ واضِحةٌ وُضُوحَ الشمسِ، كُلُّ أفرادِ أُمَّةِ محمدٍ تَعتقدُ أنَّ هؤلاء كفارٌ، لِأنَّ هذا يَمَسُّك أنت، ما تَقُولُ {أنا غيرُ مسئولٍ عنِ الناسِ}، لا، يَمَسُّك أنت، إنْ لم تَكْفُرْ بالطاغوتِ ما آمَنْتَ باللهِ، ولذلك كلمةُ التوحيدِ أَوَّلُها نَفْيٌ قَبْلَ الإثباتِ، (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) لا طاغوتَ أُؤْمِنُ به ولكنِّي أُؤْمِنُ باللهِ الواحدِ الأَحَدِ. انتهى.

 

(10)قالَ الشيخُ أحمدُ الحازمي في مَقطَعٍ صَوتِيٍّ موجودٌ على هذا الرابط: مِن مسائلِ تنزيلِ الحُكْمِ بالكُفْرِ على فاعِلِه ما لا يَحتاجُ إلى عالِمٍ، كما الأَمْرُ فيما يَتَعَلَّقُ بمسائلِ الشركِ الواضحِ الكِبَارِ، كالاستغاثةِ بغيرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وصَرْفِ العباداتِ لغيرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، مِن ذَبْحٍ ونَذْرٍ وطَوَافٍ ونحوِ ذلك ودُعَاءٍ، وكذلك كسُجودٍ لِصَنَمٍ ونحوِ ذلك، كلُّ ذلك لا يَحتاجُ إلى عالِمٍ، لأنَّه لو قِيلَ بأنَّ المُسْلِمَ المُوَحِّدَ لا يُحْسِنُ أنَّ هذا النَّوعَ مِنَ الكُفْرِ الأكبرِ ومِنَ الشِّرْكِ الأكبرِ، حينئذٍ كيفَ تَحَقَّقَ له الكُفْرُ بالطاغوتِ؟!، إِذِ الكُفْرُ بالطاغوتِ ليس المُرادُ به مُجَرَّدَ لَفْظٍ، وإنما المرادُ به مَعَانٍ لا بُدَّ أنْ يَتَحَقَّقَ بها العَبْدُ، فإذا كان لا يُحْسِنُ أنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الدُّعاءِ الذي يُصْرَفُ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ وإلى غيرِه، وكَوْنِ الأَوَّلِ عِبادةً للهِ عزَّ وجلَّ وكَوْنِ الثاني شِركًا باللهِ تعالَى، كيف ثَبَتَ له التوحيدُ؟!، لا يُمْكِنُ أنْ يَثْبُتَ له التوحيدُ إلَّا إذا عَلِمَ مُقْتَضَاه، إلَّا إذا عَلِمَ مَعْنَى (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) وهو أنَّه لَا مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا اللَّهُ، لازِمُ ذلك أو مَعْنَى ذلك أنَّ صَرْفَ العبادةِ لغيرِ اللهِ تعالَى يُعْتَبَرُ مِنَ الشركِ الأكبرِ، وهذا مِنَ الأُمُورِ المعلومةِ مِنَ الدِّينِ بالضرورةِ، يَعْنِي مِمَّا يَسْتَوِي فيها العامَّةُ والخاصَّةُ، حينئذٍ مِثْلُ هذه المسائلِ لا يَحتاجُ فيها إلى فَتْوَى عالِمٍ أو إلى أنْ يَسألَ عنها، بَلْ كُلُّ مَن رَأَى مَنِ استغاثَ بغيرِ اللهِ تعالَى وَجَبَ عليه عَيْنًا أنْ يَعتقدَ كُفْرَه، وكذلك كُلُّ مَن رَأَى مَن صَرَفَ عبادةً لغيرِ اللهِ تعالَى، وتَحَقَّقَ أنَّ هذا مِنَ العِبادةِ وأنَّ المصروفَ له ذلك المعبودُ مِن دُونِ اللهِ تعالَى، وَجَبَ عليه شَرْعًا أنْ يَعتَقِدَ كُفْرَ ذلك الفاعلِ دُونَ نَظَرٍ إلى شُروطٍ وانتفاءِ مَوَانِعَ، إذَنْ هذه المسألةُ على الوجهِ المذكورِ لا تَختصُّ بطُلَّابِ العِلْمِ، بَلْ هي لكُلِّ مسلمٍ مُوَحِّدٍ عَرَفَ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) ونَطَقَ بها وعَلِمَ مَدلولَها. انتهى باختصار.

 

(11)قالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (سِلْسِلَةُ مَقالاتٍ في الرَّدِّ على الدُّكْتُورِ طارق عبدالحليم): فالعامِّيُّ كالعالِمِ في الضَّرورِيَّاتِ والمَسائلِ الظاهِرةِ، فَيَجوزُ له التَّكفِيرُ فيها، ويَشهَدُ لِهذا قاعِدةُ الأمرِ بِالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ، لِأنَّ شَرْطَ الآمِرِ والناهِي العِلمُ بِما يَأْمُرُ به أو يَنهَى عنه مِن كَونِه مَعروفًا أو مُنكَرًا، وليس مِن شَرطِه أنْ يَكونَ فَقِيهًا عالِمًا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: لِلتَّكفِيرِ رُكنٌ واحِدٌ، وشَرطان [قالَ الشيخُ تركي البنعلي في (شَرحُ شُروطِ ومَوانِعِ التَّكفِيرِ): إذا كانَ ثُبوتُ أمرٍ مُعَيَّنٍ مانِعًا فانتِفاؤه شَرطٌ وإذا كانَ انتِفاؤه مانِعا فَثُبوتُه شَرطٌ، والعَكسُ بِالعَكسِ، إذَنِ الشُّروطُ في الفاعِلِ هي بِعَكسِ المَوانِعِ، فَمَثَلًا لو تَكَلَّمنا بِأنَّه مِنَ المَوانِعِ الشَّرعِيَّةِ الإكراهُ فَ[يَكونُ] مِنَ الشُّروطِ في الفاعِلِ الاختِيارُ، أنَّه يَكونُ مُختارًا في فِعْلِه هذا الفِعلَ -أو قَولِه هذا القَولَ- المُكَفِّرَ، أمَّا إنْ كانَ مُكرَهًا فَهذا مانِعٌ مِن مَوانِع التَّكفِيرِ. انتهى] عند أكثَرِ العُلَماءِ؛ أمَّا الرُّكنُ فَجَرَيانُ السَّبَبِ [أَيْ سَبَبِ الكُفرِ] مِنَ العاقِلِ، والفَرْضُ [أَيْ (والمُقَدَّرُ) أو (والمُتَصَوَّرُ)] أنَّه [أَيِ السَّبَبَ] قَدْ جَرَى مِن فاعِلِه بِالبَيِّنةِ الشَّرعِيَّةِ؛ وأمَّا الشَّرطان فَهُما العَقلُ والاختِيارُ، والأصلُ في الناسِ العَقلُ والاختِيارُ؛ وأمَّا المانِعان فَعَدَمُ العَقلِ والإكراهُ، والأصلُ عَدَمُهما حتى يَثبُتَ العَكْسُ؛ فَثَبَتَ أنَّ العامِّيَّ يَكفِيه في التَّكفِيرِ في الضَّرورِيَّاتِ العِلمُ بِكَونِ السَّبَبِ كُفرًا مَعلومًا مِنَ الدِّينِ، وعَدَمُ العِلْمِ بِالمانِعِ، وبِهذا تَتِمُّ له شُروطُ التَّكفِيرِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: لا يُتَوَقَّفُ في تَكفِيرِ المُعَيَّنِ عند وُقوعِه في الكُفرِ وثُبوتِه شَرعًا إذا لم يُعلَمْ وُجودُ مانِعٍ، لِأنَّ الحُكمَ يَثبُتُ بِسَبَبِه [أَيْ لِأنَّ الأصلَ تَرَتُّبُ الحُكْمِ على السَبَبِ]، فإذا تَحَقَّقَ [أَيِ السَبَبُ] لم يُترَكْ [أَيِ الحُكْمُ] لِاحتِمالِ المانِعِ، لِأنَّ الأصلَ العَدَمُ [أَيْ عَدَمُ وُجودِ المانِعِ] فَيُكتَفَى بِالأصلِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: لا يَجوزُ تَرْكُ العَمَلِ بِالسَّبَبِ المَعلومِ لِاحتِمالِ المانِعِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الأسبابُ الشَّرعِيَّةُ لا يَجوزُ إهمالُها بِدَعوَى الاحتِمالِ، والدَّلِيلُ أنَّ ما كانَ ثابِتًا بِقَطْعٍ أو بِغَلَبةِ ظَنٍّ لا يُعارَضُ بِوَهمٍ واحتِمالٍ، فَلا عِبرةَ بِالاحتِمالِ في مُقابِلِ المَعلومِ مِنَ الأسبابِ، فالمُحتَمَلُ مَشكوكٌ فيه والمَعلومُ ثابِتٌ، وعند التَّعارُضِ لا يَنبَغِي الالتِفاتُ إلى المَشكوكِ، فالقاعِدةُ الشَّرعِيَّةُ هي إلغاءُ كُلِّ مَشكوكٍ فيه والعَمَلُ بِالمُتَحَقِّقِ مِنَ الأسبابِ [جاءَ في الموسوعةِ الفقهيةِ الكُوَيْتِيَّةِ: فَإِذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي الْمَانِعِ فَهَلْ يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ؟، اِنْعَقَدَ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ {الشَّكَّ فِي الْمَانِعِ لا أَثَرَ لَهُ}. انتهى]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: قالَ الإمامُ شهابُ الدِّينِ الْقَرَافِيُّ (ت684هـ) [في (نفائس الأصول في شرح المحصول)] {والشَّكُّ في المانِعِ لا يَمنَعُ تَرَتُّبَ الحُكمِ، لِأنَّ القاعِدةَ أنَّ المَشكوكاتِ كالمَعدوماتِ، فَكُلُّ شَيءٍ شَكَكنا في وُجودِه أو عَدَمِه جَعَلناه مَعدومًا}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ المانِعَ يَمنَعُ الحُكمَ بِوُجودِه لا بِاحتِمالِه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ اِحتمالَ المانِعِ لا يَمنَعُ تَرْتِيبَ الحُكمِ على السَّبَبِ، وإنَّ الأصلَ عَدَمُ المانِعِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: وقالَ تاجُ الدِّينِ السبكِيُّ (ت771هـ) [في (الإبهاج في شرح المنهاج)] {والشَّكُّ في المانِعِ لا يَقتَضِي الشَّكَّ في الحُكمِ، لِأنَّ الأصلَ عَدَمُه [أَيْ عَدَمُ وُجودِ المانِعِ]}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ يُوسُفُ بْنُ الْجَوْزِيِّ (ت656هـ) [في (الإيضاح لقوانين الاصطلاح)] {الشُّبهةُ إنَّما تُسقِطُ الحُدودَ إذا كانَتْ مُتَحَقِّقةَ الوُجودِ لا مُتَوَهَّمةً}، وقَالَ في المانِعِ {الأصلُ عَدَمُ المانِعِ، فَمَنِ اِدَّعَى وُجودَه كانَ عليه البَيانُ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: قالَ أبو الفضل الجيزاوي [شيخ الأزهر] (ت1346هـ) [في (حاشية الجيزاوي على شرح العضد لمختصر ابن الحاجب)] {العُلَماءُ والعُقَلاءُ على أنَّه إذا تَمَّ المُقتَضِي [أَيْ سَبَبُ الحُكمِ] لا يَتَوَقَّفون إلى أنْ يَظُنُّوا [أَيْ يَغْلِبَ على ظَنِّهم] عَدَمَ المانِعِ، بَلِ المَدارُ على عَدَمِ ظُهورِ المانِعِ} [قالَ صالح بن مهدي المقبلي (ت1108هـ) في (نجاح الطالب على مختصر ابن الحاجب، بعناية الشيخ وليد بن عبدالرحمن الربيعي): وهذه اِستِدلالاتُ العُلَماءِ والعُقَلاءِ، إذا تَمَّ المُقتَضِي لا يَتَوَقَّفون إلى أنْ يَظهَرَ لهم عَدَمُ المانِعِ، بَلْ يَكفِيهم أنْ لا يَظهَرَ المانِعُ. انتهى]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ المانِعَ الأصلُ فيه العَدَمُ، وإنَّ السَّبَبَ يَستَقِلُّ بِالحُكمِ، ولا أثَرَ لِلمانِعِ حتى يُعلَمَ يَقِينًا أو يُظَنُّ [أَيْ يَغْلِبَ على الظَّنِّ وُجودُه] بِأمارةٍ شَرعِيَّةٍ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ عَدَمَ المانِعِ ليس جُزْءًا مِنَ المُقتَضِي، بِل وُجودُه [أَيِ المانِعِ] مانِعٌ لِلحُكمِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ الحُكمَ يَثبُتُ بِسَبَبِه [لِأنَّ الأصلَ تَرَتُّبُ الحُكْمِ على السَبَبِ]، ووُجودَ المانَعِ يَدفَعُه [أَيْ يَدفَعُ الحُكْمَ]، فإذا لم يُعلَمْ [أَيِ المانَعُ] اِستَقَلَّ السَّبَبُ بِالحُكمِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: مُرادُ الفُقَهاءِ بِانتِفاء المانِعِ عَدَمُ العِلْمِ بِوُجودِ المانِعِ عند الحُكمِ، ولا يَعنون بِانتِفاء المانِعِ العِلمَ بِانتِفائه حَقِيقةً، بَلِ المَقصودُ أنْ لا يَظهَرَ المانِعُ أو يُظَنَّ [أَيْ أنْ لا يَظهَرَ المانِعُ ولا يَغْلِبَ على الظَّنِّ وُجودُه] في المَحِلِّ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الأصلُ تَرَتُّبُ الحُكمِ على سَبَبِه، وهذا مَذهَبُ السَّلَفِ الصالِحِ، بينما يَرَى آخَرون في عَصرِنا عَدَمَ الاعتِمادِ على السَّبَبِ لِاحتِمالِ المانِعِ، فَيُوجِبون البَحْثَ عنه [أَيْ عنِ المانِعِ]، ثم بَعْدَ التَّحَقُّقِ مِن عَدَمِه [أَيْ مِن عَدَمِ وُجودِ المانِعِ] يَأْتِي الحُكْمُ، وحَقِيقةُ مَذهَبِهم (رَبطُ عَدَمِ الحُكمِ بِاحتِمالِ المانِعِ)، وهذا خُروجٌ مِن مَذاهِبِ أهلِ العِلْمِ، ولا دَلِيلَ إلَّا الهَوَى، لِأنَّ مانِعِيَّةَ المانِعِ [عند أهلِ العِلْمِ] رَبْطُ عَدَمِ الحُكمِ بِوُجودِ المانِعِ لا بِاحتِمالِه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: ويَلزَمُ المانِعِين مِنَ الحُكمِ لِمُجَرَّدِ اِحتِمال المانِعِ الخُروجُ مِنَ الدِّينِ، لِأنَّ حَقِيقةَ مَذهَبِهم رَدُّ العَمَلِ بِالظَّواهِرِ مِن عُمومِ الكِتابِ، وأخبارِ الآحادِ، وشَهادةِ العُدولِ، وأخبارِ الثِّقاتِ، لِاحتِمالِ النَّسخِ والتَّخصِيصِ، و[احتِمالِ] الفِسقِ المانِعِ مِن قَبُولِ الشَّهادةِ، واحتِمالِ الكَذِبِ والكُفرِ والفِسقِ المانِعِ مِن قَبُولِ الأخبارِ، بَلْ يَلزَمُهم أنْ لا يُصَحِّحوا نِكَاحَ اِمرَأَةٍ ولا حِلَّ ذَبِيحةِ مُسلِمٍ، لِاحتِمالِ أنْ تَكونَ المَرأةُ مَحْرَمًا له أو مُعْتَدَّةً مِنْ غَيْرِهِ أو كافِرةً، و[احتِمالِ] أنْ يَكونَ الذَّابِحُ مُشرِكًا أو مُرتَدًّا... إلى آخِرِ القائمةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: فالمَسألةُ [أَيْ مَسأَلةُ التَّكفِيرِ] شَرعِيَّةٌ تُؤخَذُ مِنَ الشَّرعِ، ويَجرِي فيها الظَّنُّ [أَيْ غَلَبةُ الظَّنِّ] كَسائرِ الأحكامِ، وهو [أَيِ الظَّنُّ] في وُجوبِ الاعتِمادِ عليه كالعِلْمِ، ومَن قالَ غَيْرَ هذا فَهو إمَّا جاهِلٌ يَهْرِفُ [أَيْ يَهْذُي] بِما لا يَعرِفُ، أو به رَدْغٌ [أَيْ وَحْلٌ شَدِيدٌ] مِن تَجَهُّمٍ أوِ اِعتِزالٍ ونَحوِه مِن بِدَعِ المُتَكَلِّمِين... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: قال الإمامُ اِبنُ رشد (ت520هـ) [في (البيان والتحصيل)] {فَلا يَعلَمُ أَحَدٌ كُفْرَ أَحَدٍ ولا إيمانَه قَطْعًا، لِاحتِمالِ أنْ يَظُنُّ [أَيْ يَعتَقِدَ] خِلافَ ما يُظهِرُ، إلَّا بِالنَّصِّ مِن صاحِبِ الشَّرعِ على كُفرِ أَحَدٍ أو إيمانِه، أو بِأَنْ يَظهَرَ منه عند المُناظَرةِ والمُجادَلةِ والمُباحَثةِ لِمَن ناظَرَه أو باحَثَه ما يَقَعُ به العِلْمُ الضَّرورِيُّ أنَّه مُعتَقِدٌ لِمَا يُجادِلُ عليه مِن كُفرٍ، إلَّا أنَّ أحكامَه تَجرِي على الظاهِرِ مِن حالِه، فَمَن ظَهَرَ منه ما يَدُلُّ على الكُفرِ حُكِمَ له بِأحكامِ الكُفرِ، ومَن ظَهَرَ منه ما يَدُلُّ على الإيمانِ حُكِمَ له بِأحكامِ الإيمانِ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ أهلَ العِلْمِ أجمَعوا على عَدَمِ الاستِصحابِ عند قِيامِ الدَّلِيلِ الناقِلِ [عنِ الاستِصحابِ] مِن نَصٍّ أو سُنَّةٍ أو إجماعٍ أو قِياسٍ مُخالِفٍ له [أَيْ مُخالِفٍ لِلاستِصحابِ. قُلْتُ: يُشِيرُ هنا الشَّيخُ إلى بُطلانِ اِستِصحابِ حالِ الإسلامِ لِمَنِ اِقتَرَفَ سَبَبًا دَلَّ الكِتابُ أوِ السُّنَّةُ أوِ الإجماعُ أوِ القِياسُ على أنَّه كُفْرٌ]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: لا يَصِحُّ الاعتِمادُ بِالاستِصحابِ على مَنعِ حُكمِ السَّبَبِ، لِأنَّ الاستِصحابَ قَدْ بَطَلَ بِقِيامِ السَّبَبِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: لا يَصِحُّ الاستِدلال بِالاستِصحابِ عند قِيامِ السَّبَبِ [قُلْتُ: إنَّ اليَقِينَ لا يَزولُ بِالشكِّ، وإنَّما يَزُولُ اليَقِينُ بِيَقِينٍ مِثْلِه أو ظَنٍّ غالِبٍ. وقد قالَ الشيخُ محمدٌ الزحيلي (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابِه (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة): وقَرَّرَ الفُقَهاءُ أنَّ الظَّنَّ الغالِبَ يَنْزِلُ مَنزِلةَ اليَقِينِ، وأنَّ اليَقِينَ لا يَزُولُ بِالشَّكِّ بَلْ لَا بُدَّ مِن يَقِينٍ مِثْلِه أو ظَنٍّ غالِبٍ، كَمَن سافَرَ في سَفِينةٍ مَثَلًا، وثَبَتَ غَرَقُها، فيُحْكَمَ بِمَوْتِ هذا الإنسانِ، لِأنَّ مَوْتَه ظَنٌّ غالِبٌ، والظَّنُّ الغالِبُ بِمَنزِلةِ اليَقِينِ. انتهى. وجاءَ في كِتابِ (فَتاوَى اللَّجنةِ الدائمةِ) أنَّ اللَّجنةَ الدائمةَ لِلبُحوثِ العِلمِيَّةِ والإِفتاءِ (عبدَالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدَالرزاق عفيفي وعبدَالله بن غديان وعبدَالله بن قعود) قالَتْ: الأصْلُ في المُسلِمِين أنْ تُؤْكَلَ ذَبائحُهم، فَلا يُعدَلُ عنه إلَّا بِيَقِينٍ أو غَلَبةِ ظَنٍّ أنَّ الذي تَوَلَّى الذَّبحَ اِرتَدَّ عنِ الإسلامِ بِارتِكابِ ما يُوجِبُ الحُكْمَ عليه بِالرِّدَّةِ، ومِن ذلك تَرْكُ الصَّلاةِ جَحْدًا لها أو تَرْكُها كَسَلًا. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (سِلْسِلَةُ مَقالاتٍ في الرَّدِّ على الدُّكْتُورِ طارق عبدالحليم): إنَّ الاستِصحابَ مِن أَضعَفِ الأدِلَّةِ إذا لم يُعارِضْه دَلِيلٌ مِن كِتابٍ، أو سُنَّةٍ، أو أَصلٍ آخَرَ، أو ظاهِرٍ [يَعنِي {فَكَيفَ إذا تَحَقَّقَ المُعارِضُ الناقِلُ عنِ الأصلِ؟}]، يَقولُ ابنُ تيميةَ [في (جامع المسائل)] {وَبِالْجُمْلَةِ، الاسْتِصْحَابُ لَا يَجُوزُ الاسْتِدْلَال بِهِ إلَّا إذَا اعْتَقَدَ انْتِفَاءَ النَّاقِلِ}؛ [وَإنَّ] الأصْلَ إذا اِنفَرَدَ ولم يُعارِضْه دَلِيلٌ، ولا أَصلٌ آخَرُ، ولا ظاهِرٌ، كانَ دَلِيلًا يَجِبُ التَّعوِيلُ عليه، فَإنْ عارَضَه دَلِيلٌ آخَرُ مِن كِتابٍ، أو سُنَّةٍ، أو ظاهِرٍ مُعتَبَرٍ شَرعًا، بَطَلَ حُكْمُه، وإنْ عارَضَه أَصلٌ آخَرُ فَإنْ أمكَنَ الجَمْعُ بينهما وَجَبَ الجَمْعُ بينهما كالدَّلِيلَين اللَّفظِيَّين، وإنْ لم يُمْكِنِ الجَمْعُ بينهما فَمَحَلُّ اِجتِهادٍ وتَرجِيحٍ عند العُلَماءِ [قالَ الشيخُ خالِدٌ المشيقح (الأستاذ بقسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم) في (الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا): وَأَمَّا الاسْتِصْحَابُ، فَهُوَ فِي أَصْلِهِ أَضْعَفُ الأدِلَّةِ، وَلَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِهَا، وَلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ إِذَا وُجِدَ مَا يُخَالِفُهُ. انتهى باختصار]. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (المباحث المشرقية "الجزء الأول"): بَعضُ ضُعَفاءِ النَّظَرِ اِستَعجَمَ الفَهْمُ عليه فَتَراه يَحمِلُ اليَقِينَ هُنا [أيْ في مَقولةِ {مَن ثَبَتَ إسلامُه بِيَقِينٍ لم يَزُلْ عنه إلَّا بِيَقِينٍ}] على الاصطِلاحِيِّ، والتَّحقِيقُ أنَّ المُرادَ هو الظَّنُّ الراجِحُ لا اليَقِينُ الاصطِلاحِيُّ كَما بَيَّنَه الأئمَّةُ في كُتُبِ الفِقْهِ والأُصولِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: بَلِ العُمدةُ، الاستِصحابُ لِلإسلامِ ظَنًّا حتى يَثبُتَ الكُفْرُ بِسَبَبِه، وكذلك نَستَصحِبُ الكُفرَ لِلْكافِرِ ظَنًّا حتى يَثبُتَ الإسلامُ بِدَلِيلِه. انتهى]، وإنَّما يَحسُنُ التَّمَسُّكُ به عند اِنتِفاءِ السَّبَبِ، وإلَّا فالأصلُ المُستَصحَبُ اِنفَسَخَ بِقِيامِ ما يَقتَضِي التَّكفِيرَ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: أجمَعَ أهلُ العِلْمِ أنَّ الأصلَ لا يَكونُ دَلِيلِ تَقرِيرٍ عند وُجودِ الناقِلِ [عن هذا الأصلِ]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: حَكَمَ العُلَماءُ بِكُفرِ جاهِلِ مَعنَى الشَّهَادَتَيْنِ وأَجْرُوا عليه أحكامَ الكُفَّارِ إلَّا في القَتلِ، فَإنَّه لا يُقتَلُ إلَّا إذا اِمتَنَعَ عنِ التَّعلِيمِ والإرشادِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: اِحتِمالُ وُجودِ المانِعِ لا أَثَرَ له إجماعًا، والعِبرةُ بِوُجودِه عِلْمًا أو ظَنًّا [أَيْ غَلَبةَ ظَنٍّ]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: لم يَصِحَّ عنِ الشَّيخَين [اِبنِ تيميةَ، ومحمد بنِ عبدالوهاب] وأَئمَّةِ الدَّعوةِ [النَّجدِيَّةِ] الحُكْمُ بِإسلامِ المُشرِكِ الجاهِلِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (الجواب المسبوك "المجموعة الأولى"): الأصلُ فِيمَن أظهَرَ الكُفْرَ أنَّه كافِرٌ رَبطًا لِلحُكمِ بِسَبَبِه، وهو أصلٌ مُتَّفَقٌ عليه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: قالَ الإمامُ الْقَرَافِيُّ (ت684هـ) [في (شرح تنقيح الفصول)] {القاعِدةُ أنَّ النِّيَّةَ إنَّما يُحتاجُ إليها إذا كانَ اللَّفظُ مُتَرَدِّدًا بين الإفادةِ وعَدَمِها، أمَّا ما يُفِيدُ مَعناه أو مُقتَضاه قَطعًا أو ظاهِرًا فَلا يَحتاجُ لِلنِّيَّةِ، ولِذلك أجمَعَ الفُقَهاءُ على أنَّ صَرائحَ الألفاظِ لا تَحتاجُ إلى نِيَّةٍ لِدَلالَتِها إمَّا قَطْعًا، أو ظاهِرًا وهو الأكثَرُ... والمُعتَمَدُ في ذلك كُلِّه أنَّ الظُّهورَ مُغْنٍ عنِ القَصدِ والتَّعيِينِ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: قالَ اِبْنُ حَجَرٍ [يَعنِي الْهَيْتَمِيَّ في (الإعلام بقواطع الإسلام)] {المَدارُ في الحُكمِ بِالكُفرِ [يَكُونُ] على الظَّواهِرِ، ولا نَظَرَ بِالمَقصودِ والنِّيَّاتِ}، [وقالَ الْهَيْتَمِيُّ أيضًا] {... هذا اللَّفظُ ظاهِرٌ في الكُفرِ، وعند ظُهورِ اللَّفظِ فيه [أَيْ في الكُفرِ] لا يَحتاجُ إلى نِيَّةٍ كَما عُلِمَ مِن فُروعٍ كَثِيرةٍ مَرَّتْ وتَأْتِي} [قالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (الفتاوي الشرعية عن الأسئلة الجيبوتية): القَولُ إذا كانَ صَرِيحًا أو ظاهِرًا في مَعناه فَلا حاجةَ إلى القُصودِ والنِّيَّاتِ بِإجماعِ الفُقَهاءِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: وقالَ العلامة عبدُاللطيف بنُ عبدالرحمن [بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب] (ت1293هـ) [في (منهاج التأسيس والتقديس)] {قد قَرَّرَ الفُقَهاءُ وأهلُ العِلْمِ في بابِ الرِّدَّةِ وغَيرِها أنَّ الألفاظَ الصَّرِيحةَ يَجرِي حُكْمُها وما تَقتَضِيه، وإنْ زَعَمَ المُتَكَلِّمُ بِها أنَّه قَصَدَ ما يُخالِفُ ظاهِرَها، وهذا صَرِيحٌ في كَلاِمهم يَعرِفُه كُلُّ مُمارِسٍ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ قَصْدَ الكُفرِ بِاللَّهِ لا يُشتَرَطُ [أيْ في تَكفِيرِ المُتَلَبِّسِ بِالكُفرِ]، بَلْ يُشتَرَطُ القَصدُ إلى القَولِ والفِعلِ الكُفرِيَّين، لِأنَّ قَصْدَ الفِعْلِ يَتَضَمَّنُ قَصْدَ مَعناه إذا كانَ الفِعلُ (أوِ القَولُ) صَرِيحًا، أو ظاهِرًا في مَعناه، وتَرَتُّبُ الأحكامِ على الأسبابِ لِلشَّارِعِ لا لِلْمُكَلَّفِ فإذا أتَى بِالسَّبَبِ لَزِمَه حُكْمُه شاءَ أو أبَى... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: تَرَتُّبُ الأحكامِ على الأسبابِ لِلشَّارِعِ لا لِلْمُكَلَّفِ، فإذا أتَى المُكَلَّفُ بِالسَّبَبِ لَزِمَه حُكْمُ السَّبَبِ شاءَ أو أبَى، ومِن أجلِ هذا الأصلِ يُكَفَّرُ الهازِلُ بِالكُفرِ وإنْ لم يَقصِدِ الكُفرَ وأرادَ مَعنًى آخَرَ غَيْرَ الكُفرِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الحُكْمُ بِالظاهِرِ على الناسِ هو قاعِدةُ الشَّرِيعةِ؛ قالَ اِبْنُ حَزمٍ (ت456هـ) [في (الفِصَلُ في المِلَلِ والأهواءِ والنِّحَلِ)] {فَلَو أَنَّ إنْسَانًا قَالَ (أَنَّ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَافِرٌ وكُلُّ مَن تَبِعَه كَافِرٌ) وَسَكَتَ، وَهُوَ يُرِيدُ (كافِرون بِالطاغوتِ) كَمَا قَالَ تَعَالَى (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا) لَمَا اِختَلَفَ أحَدٌ مِن أهلِ الإسلامِ في أَنَّ قَائِلَ هَذَا مَحْكُومٌ لَهُ بِالكُفْرِ؛ وَكَذَلِكَ لَو قَالَ (أَنَّ إِبْلِيسَ وَفِرْعَوْنَ وَأَبا جَهلٍ مُؤمِنُونَ) لَمَا اِختَلَفَ أحَدٌ مِن أهلِ الإسلامِ في أَنَّ قَائِلَ هَذَا مَحْكُومٌ لَهُ بِالكُفْرِ وَهُوَ يُرِيدُ (مُؤمِنُونَ بِدِينِ الكُفْرِ)}. انتهى باختصار]. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (الفصل الأول من أجوبة اللقاء المفتوح): المُكَفِّرُ هو كُلُّ مَن له عِلمٌ بِما يُكَفَّرُ به، ومنهم العامِّيُّ في المَسائلِ المَعلومةِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرورةِ وفي المَسائلِ التي اِستَوعَبَها إذْ لا مانِعَ مِن ذلك شَرعًا والشَّرطُ [أيْ في مَن يُكَفِّرُ] العِلمُ والعِرفانُ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (الفتاوي الشرعية عن الأسئلة الجيبوتية) رادًّا على سُؤَالِ (ما هو رَأيُكم فِيمَن يَقولُ "لم يُكَلِّفْني اللهُ بِتَكفِيرِ مَن وَقَعَ في الكُفرِ الأكبَرِ، أو تَبدِيعِ مَن وَقَعَ في بِدعةٍ"، هَلْ هذا القَولُ صَحِيحٌ؟): هذا باطِلٌ مِنَ القَولِ، بَلْ تَكفِيرُ مَن وَقَعَ في الكُفرِ الأكبَرِ واجِبٌ شَرعِيٌّ ومِمَّا كُلِّفْنا به، إنَّ مَعرِفةَ مَسائلِ التَّكفِيرِ واجِبةٌ، وقد جاءَ في الكِتابِ العَزِيزِ الإنكارُ الشَّدِيدُ على مَن لم يُكَفِّرْ مَن أظهَرَ الكُفرَ (وإنْ كانَ أصلُه الإسلامَ)، كَما في قَولِه تَعالَى {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا، أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ}، وفي الصَّحِيحِ مِن حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللهُ عنه {رَجَعَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أُحُدٍ، فَكَانَ النَّاسُ فِيهِمْ فِرْقَتَيْنِ، فَرِيقٌ يَقُولُ (اقْتُلْهُمْ)، وَفَرِيقٌ يَقُولُ (لَا)، فَنَزَلَتِ هذه الْآيَةُ (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ)}، وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِنَّهَا طَيْبَةُ [يَعْنِي الْمَدِينَةَ]} وقَالَ {إِنَّهَا [أيِ الْمَدِينَةَ] تَنْفِي الْخَبِيثَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ} [جاءَ في الموسوعةِ الحَدِيثِيَّةِ (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ عَلوي بن عبدالقادر السَّقَّاف: {لَمَّا خَرَجَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى أُحُدٍ رَجَعَ نَاسٌ مِن أصْحَابِهِ، فَقالَتْ فِرْقَةٌ (نَقْتُلُهُمْ)، وقالَتْ فِرْقَةٌ (لا نَقْتُلُهُمْ)، فَنَزَلَتْ (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ)}، في هذا الحَدِيثِ يَحكِي زَيدُ بنُ ثابِتٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه لَمَّا خَرَجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى غَزوةِ أُحُدٍ سَنةَ ثَلاثٍ مِنَ الهِجرةِ، بَعْدَما اِستَشارَ النَّاسَ في الخُروجِ، فأشارَ عليه الصَّحابةُ بِالخُروجِ لِمُلاقاةِ العَدُوِّ خارِجَ المَدِينةِ، وأشارَ عبدُاللهِ بنُ أُبَيِّ بنِ سَلُولَ -رَأْسُ المُنافِقِينَ- بِالبَقاءِ في المَدِينةِ والقِتالِ فيها، ولم يَكُنْ هذا نُصحًا، بَلْ حتَّى يَستَطِيعَ التَّهَرُّبَ أثناءَ القِتالِ، فلَمَّا أخَذَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ بِرَأْيِ مَن قالوا بِالخُروجِ، تَحَيَّنَ اِبنُ سَلُولَ فُرصةً أثناءَ سَيرِ الجَيشِ، ثمَّ رَجَعَ بِمَن معه مِنَ المُنافِقِين، وكانوا حَوَالَيْ ثَلاثِ مِئَةٍ، بِما يُعادِلُ ثُلُثَ الجَيشِ تَقرِيبًا، فَلَمَّا فَعَلوا ذلك قالَتْ فِرقةٌ مِنَ الصَّحابةِ {نَقتُلُ الراجِعِينَ}، وقالَتْ فِرقةٌ أُخرَى {لا نَقتُلُهم} لِأنَّهم مُسلِمونَ حَسَبَ ظاهِرِهم، فَأَنزَلَ اللَهُ عزَّ وجَلَّ قَولَه {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُوا، أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ، وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} مُنكِرًا عليهم اِختِلافَهم إلى فِرقَتَين في الَّذِينَ أرْكَسَهُم اللهُ (أيْ أوقَعَهم في الخَطَأِ وأضَلَّهم ورَدَّهم إلى الكُفْرِ بَعْدَ الإيمانِ) والمعْنى {ما لَكُمُ اِختَلَفْتُم في شَأنِ قَومٍ نافَقوا نِفاقًا ظاهِرًا وتَفَرَّقْتُم فيه فِرقَتَين؟!، وما لَكُمْ لم تُثبِتوا القَولَ في كُفْرِهم؟!}. انتهى باختصار]، فَأنكَرَ سُبحانَه على مَن لم يُكَفِّرْهم، واعتُبِرَ [أيِ الذي لم يُكَفِّرْ] حاكِمًا بِإسلامِ مَن حَكَمَ اللهُ بِكُفرِه وضَلالِه، وفيه مِنَ الخُطورةِ والمُعارَضةِ لِأمرِ اللهِ ما لا يَخفَى؛ وعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عنه قَالَ قَالَ رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَا تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يَكُ سَيِّدَكُمْ فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ} وفي رِوايَةٍ {إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلْمُنَافِقِ يَا سَيِّدِي فَقَدْ أَغْضَبَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ}، وإذا كانَ تَلقِيبُ المُنافِقِ بِالسِّيَادةِ -وهو يُعلِنُ الإسلامَ مع ظُهورِ سِيما النِّفاقِ بَيْنَ الْفَيْنَةِ وَالأُخْرَى- إسخاطًا لِلرَّبِ سُبحانَه، فَكَيْفَ بِتَسمِيَةِ الكافِرِ المُجاهِرِ مُسلِمًا ومُؤمِنًا بِاللَّهِ واليَومِ الآخِرِ، والجامِعُ بينهما وَضعُ الاسمِ الشَّرِيفِ الشَّرعِيِّ في غَيرِ مَوضِعِه، فالمُنافِقُ لا يَستَحِقُّ السِّيَادةَ لِانتِفاءِ مُقَوِّماتِها عنه، والكافِرُ لا يَستَحِقُّ اِسمَ (الإيمانِ) و(الإسلامِ) لِانتِفاءِ شُروطِه؛ ومِنَ الدَّلائلِ على أنَّنا كُلِّفْنا بِتَكفِيرِ مَن وَقَع في الكُفرِ الأكبَرِ، أنَّ أهلَ القِبلةِ سُنِّيَّهم وبِدعِيَّهم أجمَعوا على تَكفِيرِ مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ أو شَكَّ في كُفرِه [قُلْتُ: قاعِدةُ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ أو شَكَّ في كُفرِه أو صَحَّحَ مَذهَبَه فَقَدْ كَفَرَ} لَيْسَتْ على إطلاقِها، بَلْ لَها ضَوابِطُ، وهو ما سَيَأتِيك بَيَانُه لاحِقًا في سُؤالِ زَيدٍ لِعَمرٍو (الذي يَقولُ أنَّه يُكَفِّرُ القُبورِيَّ التَّكفِيرَ المُطلَقَ، وأنَّه لا يُكَفِّرُه التَّكفِيرَ العَينِيَّ إلَّا بَعْدَ إقامةِ الحُجَّةِ لِوُجود مانِعِ الجَهلِ؛ هَلْ يَكفُرُ هذا القائلُ بِسَبَبِ اِمتِناعِه عنِ التَّكفِيرِ العَينِيِّ إعذارًا لِلْقُبورِيِّ بِالجَهلِ حتى قِيامِ الحُجَّةِ؟)]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: قالَ الشيخُ اِبنُ عثيمين (ت1421هـ) [في (شَرحُ القَوَاعِدِ المُثْلَى)] {هذه مَسأَلةٌ يَجِبُ على طالِبِ العِلْمِ العِنايَةُ بِها وأنْ يَتَّقِيَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ، فَلا يُقدِمُ على تَكفِيرِ أحَدٍ بِدونِ بَيِّنةٍ، ولا يُحجِمُ عن تَكفِيرِ أحَدٍ مع وُجودِ البَيِّنةِ، لِأنَّ مِنَ الناسِ مَن يَتَهاوَنُ في التَّكفِيرِ ولا يُكَفِّرُ مَن قامَتِ الأدِلَّةُ على تَكفِيرِه، كَمَسألةِ تارِكِ الصَّلاةِ مَثَلًا... فَتَجِدُه يَستَغرِبُ أنْ يُقالَ لِشَخصٍ يَقولُ (أشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ) ولا يُصَلِّي، يَستَغرِبُ أنْ نَقولَ عليه (إنَّه كافِرٌ)، فَلا يُكَفِّرُه، وهذا خَطَأٌ وإحجامٌ وجُبْنٍ، فالواجِبُ الإقدامُ في مَوضِعِ الإقدامِ، والإحجامُ في مَوضِعِ الإحجامِ، لا نَتَهَوَّرُ فَنُطلِقُ الكُفرَ على مَن لم يُكَفِّرْه اللهُ ورَسولُه كالخَوارِجِ، ولا نَتَدَهوَرُ فَنَمنَعُ الكُفرَ عَمَّن كَفَّرَه اللهُ ورَسولُه كالمُرجِئةِ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: وَجَبَتْ مَعرِفةُ أحكامِ التَّكفِيرِ، لِأنَّ الشارِعَ تَعَبَّدْنا بِأحكامٍ في حَقِّ المُؤْمنِ، وبِأحكامٍ أُخرَى في حَقِّ الكافِرِ (أصلِيًّا كانَ أو مُرتَدًّا)، ومِن تلك الأحكامِ المُتَرَتِّبةِ على مَسائلِ التَّكفِيرِ؛ (أ)ما يَتَعَلَّقُ بِالسِّيَاسةِ الشَّرعِيَّةِ، مِثلَ وُجوبِ طاعةِ الحاكِمِ المُسلِمِ، وتَحرِيمِ طاعةِ الحاكِمِ الكافِرِ ووُجوبِ الخُروجِ عليه وخَلْعِه، وتَحرِيمِ مُبايَعةِ الحُكَّامِ العَلْمَانِيِّين المُرتَدِّين وعَدَمِ الانخِراطِ في جُيوشِهم أو أجهِزَتِهم التي تُعِينُهم على كُفرِهم وظُلمِهم، والحُكمِ على دِيَارِهم [أيْ دِيَارِ الحُكَّامِ العَلْمَانِيِّين] بِأَنَّها دارُ كُفرٍ ورِدَّةٍ؛ (ب)ومنها يَعودُ إلى أحكامِ الْوِلَايَةِ، فَلا وِلايَةَ لِكافِرٍ على مُسلِمٍ، ولا يَكونُ الكافِرُ حاكِمًا ولا قاضِيًا لِلْمُسلِمِين، ولا تَصِحُّ إمامةُ كافِرٍ في الصَّلاةِ، ولا تَنعَقِدُ وِلايَةُ كافِرٍ لِمُسلِمةٍ في النِّكاحِ ولا يَكونُ مَحْرَمًا لها، ولا يَكونُ وَصِيًّا على مُسلِمٍ؛ (ت)وفي أحكامِ النِّكاحِ والمَوارِيثِ، يَحرُمُ نِكاحُ الكافِرِ لِمُسلِمةٍ، والمُسلِمِ لِكافِرةٍ (وَثَنِيَّةٍ أو مُرتَدَّةٍ)، وفي المَوارِيثِ اِختِلافُ الدِّينِ يَمنَعُ التَّوارُثَ، فَلا يَرِثُ الكافِرُ المُسلِمَ ولا يَرِثُ المُسلِمُ الكافِرَ؛ (ث)وفي بابِ العِصمةِ، فَإنَّ المُسلِمَ مَعصومُ الدَّمِ والمالِ والعِرْضِ بِخِلافِ الكافِرِ الذي لا عِصمةَ له في الأصلِ، فَإنَّ دَمَ الإنسانِ لا يُعصَمُ إلَّا بِإيمانٍ أو أمانٍ وعَهدٍ؛ (ج)وفي أحكامِ الجَنائزِ، فَإنَّ الكافِرَ المُرتَدَّ لا يُغَسَّلُ ولا يُصَّلَى عليه ولا يُدفَنُ في مَقابِرِ المُسلِمِين ولا يُستَغفَرُ له ولا يُتَرَحَّمُ عليه؛ (ح)وفي أحكامِ الوَلاءِ والبَراءِ، يُوالَى المُؤمِنُ، وتَحرُمُ مُوالاةُ الكافِرِ المُرتَدِّ وتَجِبُ البَراءةُ منه وبُغْضُه، وإظهارُ العَداوةِ له على حَسَبِ القُدرةِ؛ (خ)وفي بابِ الهِجرةِ، يَجِبُ على المُؤمِنِ ألَّا يُقِيمَ بَيْنَ الكافِرِين ما أَمكَنَه ذلك إلَّا لِمَصلَحةٍ شَرعِيَّةٍ، ويَجِبُ عليه الهِجرةُ مِن دارِهم إلى دارِ المُسلِمِين حتى لا يُكَثِّرَ سَوادَهم [أيْ سَوادَ الكافِرِين]؛ (د)وفي بابِ الجِهادِ، فَإنَّ المُسلِمَ يُجاهِدُ مع الإمامِ المُسلِمِ سَواءٌ كانَ بَرًّا أَوْ فَاجِرًا، ولا يَجوزُ له القِتالُ مع إمامٍ كافِرٍ أو مُرتَدٍّ، لِأنَّه يُشتَرَطُ في الجِهادِ رايَةٌ شَرعِيَّةٌ لِيَكونَ الجِهادُ في سَبِيلِ اللهِ وإعلاءِ كَلِمَتِه وتَحكِيمِ شَرعِه وأنْ يَكونَ الدِّينُ كُلٌّه لِلَّهِ، ومِن أجلِ إزالةِ الباطِلِ وإحقاقِ الحَقِّ وسَحقِ كُلِّ رايَاتِ الكُفرِ والإلحادِ؛ (ذ)وفي أحكامِ الدِّيَارِ -فَإنَّ هذه الأحكامَ مَبنِيَّةٌ على مَسائلِ الكُفرِ والإيمانِ- مِن تَحرِيمِ السَّفَرِ لِلْمُسلِمِ إلى دارِ الكُفرِ إلَّا لِحاجةٍ وبِالشُّروطِ التي ذَكَرَها العُلَماءُ، كَما لا يَجوزُ لِكافِرٍ أنْ يَدخُلَ دارَ الإسلامِ إلَّا بِعَهدٍ أو أمانٍ ولا يُقِيمُ بِها إلَّا بِجِزيَةٍ؛ ومع هذه الأحكامِ المَقطوعةِ في الدِّينِ كَيْفَ يَقولُ مُسلِمٌ {إنَّه لم يُكَلَّفْ بِتَكفِيرِ مَن وَقَعَ في الكُفرِ الأكبَرِ}!، ولو تَأَمَّلَ ما يَؤَدِّيه إليه قَولُه هذا لَمَا قالَه قَطعًا، لِأنَّ مُقتَضَى قَولِه أنَّ اللهَ لم يُكَلِّفْنا بِالتَّميِيزِ بَيْنَ المُؤمِنِ وبَيْنَ الكافِرِ!، ورَبُّ العِزَّةِ يَقولُ {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ، مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا، لَّا يَسْتَوُونَ} {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}؛ والغايَةُ والثَّمَرةُ مِن مَسألةِ الإيمانِ والكُفرِ في الدُّنيَا هي تَميِيزُ المُؤمِنِ مِنَ الكافِرِ لِمُعامَلةِ كُلٍّ منهما بِما يَستَحِقُّه في شَرعِ اللهِ تَعالَى وهذا واجِبٌ على كُلِّ مُسلِمٍ، ومِن مَصلَحةِ الكافِرِ المُرتَدِّ أنْ يَعْلَمَ أنَّه كافِرٌ في شَرعِ اللهِ فَيُبادِرُ بِالتَّوبةِ أو بِتَجدِيدِ إسلامِه فَيَكونُ هذا خَيرًا له في الدَّارَين فَكَثِيرٌ مِنَ الكُفَّارِ هُمْ مِنَ {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}؛ وإذا كانَتْ تلك مَسألةَ التَّكفِيرِ، وتَبَيَّنَ بَعضُ آثارِها في المُوالاةِ والمُعاداةِ والتَّناكُحِ والتَّوارُثِ ونَحوِها، وَجَبَ على المُلتَزِمِ بِدِينِ اللهِ مَعرِفَتُها لِيَتَمَكَّنَ مِن تَأدِيَةِ ما كُلِّفَ به مِنَ الأحكامِ المُتَفَرِّعةِ عليها، ولا يُقالُ {إنَّما يَلْزَمُ المُكَلَّفَ إجراءَ تلك الأحكامِ بِشَرطِ مَعرِفَتِهم [أيْ مَعرِفةِ المُسلِمِين والكافِرِين والتَّميِيزِ بينهم]، ومَهْمَا لم يُعرَفوا [أيْ لم يُعرَفِ المُسلِمون والكافِرون ولم يُمَيَّزْ بينهم] لا تَلزَمُ مَعرِفةُ أحكامِهم، وتَحصِيلُ شَرطِ الواجِبِ لِيَجِبَ [أيْ تَحصِيلُ مَعرِفةِ المُسلِمِين والكافِرِين لِيَتَوَجَّبَ مُعامَلةُ كُلٍّ منهم بِما يَستَحِقُّه في شَرعِ اللهِ تَعالَى] لا يَجِبُ}، لِأنَّا نَقولُ، إنَّ اللهَ قد عَرَّفَنا أنَّ في أفعالِنا ما هو طاعةٌ وما هو مَعصِيَةٌ -وفي المَعصِيَةِ ما هو كُفْرٌ- ولِكُلِّ واحِدٍ منهما أحكامٌ يَجِبُ العَمَلُ بها، وقد عَرَّفَنا وُقوعَ الطاعاتِ والمَعاصِي مِنَ العِبادِ، ومَكَّنَنا مِن تَميِيزِ بَعضِها مِن بَعضٍ، وأَمَرَنا في المُطِيعِ بِأَحكامٍ وفي العاصِي بِأَحكامٍ، أمرًا مُطلَقًا بِغَيرِ شَرطٍ، ألا تَرَى إلى قَولِه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} {لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}، وقالَ في قِصَّةِ إبراهِيمَ عليه السَّلامُ {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ}، وقد أَمَرَنا بِالتَّأَسِّي بِإبراهِيمَ والذِين معه فَوَجَبَ علينا مَعرِفةُ مَن هو المُطِيعُ المُؤْمِنُ لِنَتَّبِعَ سَبِيلَه [أيْ سَبِيلَ إبراهِيمَ عليه السَّلامُ]، وما يَصِيرُ به المُكَلَّفُ عَدُوًّا لِنَتَبَرَّأَ منه ونَحوِ ذلك، وإلَّا لم نَأْمَنْ مِن مُوالاةِ أعداءِ اللهِ، والتَّبَرِّي مِن أولِياءِ اللهِ، وكذلك إذا عَلِمْنا وُقوعَ مَعصِيَةٍ مِن عَبدٍ وَجَبَ النَّظَرُ في شَأْنِها، هَلْ تُوجِبُ الكُفرَ أو الفِسقَ أو لا، لِيُمكِنَ إجْراءُ حُكمِها على صاحِبِها، فَوَجَبَ مَعرِفةُ ذلك لِأجْلِ الأمرِ المُطلَقِ، وأمْرٌ آخَرُ، وهو أنَّ أهلَ العِلْمِ أجمَعوا على أنَّه لا يَجوزُ لِلْمُكَلَّفِ أنْ يُقدِمَ على فِعْلٍ أو قَولٍ حتى يَعرِفَ حُكمَ اللهِ فيه، إمَّا بِالاستِدلالِ أو بِالتَّقلِيدِ، لِأنَّ إقدامَه على شَيءٍ لم يَعْلَمْ هَلْ يَجوزُ فِعلُه أو لا يَجوزُ فيه جُرأةٌ على اللهِ وعلى رَسولِه وعلى العُلَماءِ، لِكَونِه لم يَسأَلْ أو لم يَبحَثْ، ولِأنَّه ضم جَهْلًا إلى فِسقٍ، فَمَن تَوَلَّى مَن شاءَ، أو تَبَرَّأَ مِمَّن شاءَ، فَقَدْ خالَفَ الكِتابَ والسُّنَّةَ والإجماعَ، قالَ الْقَرَافِيُّ (ت684هـ) [في (الذخيرة)] {قاعِدَةٌ، كُلُّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا، أَوْ قَالَ قَوْلًا، لَا يَجُوزُ لَهُ الإقْدَامُ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ، فَإِنْ تَعَلَّمَ وَعَمِلَ أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى طَاعَتَيْنِ، بِالتَّعَلُّمِ الْوَاجِبِ، وَبِالْعَمَلِ إِنْ كَانَ قُرْبَةً، وَإِلَّا فَبِالتَّعَلُّمِ فَقَطْ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ وَلَمْ يَعْمَلْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ مَعْصِيَتَيْنِ، بِتَرْكِ التَّعَلُّمِ، وَبِتَرْكِ الْعَمَلِ إِنْ كَانَ وَاجِبًا، وَإِلَّا فَبِتَرْكِ التَّعَلُّمِ فَقَطْ، وَإِنْ تَعَلَّمَ وَلَمْ يَعْمَلْ، أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى بِالتَّعَلُّمِ الْوَاجِبِ، وَعَصَى بِتَرْكِ الْعَمَلِ إِنْ كَانَ وَاجِبًا وَإِلَّا فَلَا، وَنَقَلَ الإجْمَاعَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي (رِسَالَتِهِ)، وَالْغَزَالِيُّ فِي (إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ)، وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ مِنَ الْعِلْمِ فَرْضُ عَيْنٍ، وَهُوَ عِلْمُكَ بِحَالَتِكَ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِم)، وَمَا عَدَا هَذَا الْقِسْمَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ حُرِّمَ عَلَى الْجَاهِلِ [يَعنِي لِتَفرِيطِه في تَحصِيلِ ما فُرِضَ عليه تَعَلُّمُه] كَسْبُهُ الْحَرَامُ كَالْعَامِدِ}؛ وبِالجُملةِ، فالكُفرُ والتَّكفِيرُ حُكْمٌ شرعِيٌّ يَجِبُ على المُسلِمِ مَعرِفَتُه في الجُملةِ، ومَن لم يُكَفِّرْ مَن عَرَفَ كُفرَه مِن غَيرِ عُذرٍ ولا شُبهةٍ فَهو كافِرٌ مِثلَه؛ قالَ الشَّيخُ محمد بن عبدالوهاب(ت1206هـ) [في (الدُّرَرُ السَّنِيَّةُ في الأَجْوِبةِ النَّجْدِيَّةِ] {وأنتَ يا مَن مَنَّ اللهُ عليه بِالإسلامِ، وعَرَفَ أنَّ (مَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ)، لا تَظُنُّ أنَّك إذا قُلتَ (هذا هو الحَقُّ، وأنا تارِكٌ ما سِواه، لَكْنْ لا أتَعرَّضُ لِلْمُشرِكِين ولا أقُولُ فيهم شَيْئًا)، لا تَظُنُّ أنَّ ذلك يَحصُلُ لك به الدُّخولُ في الإسلامِ، بَلْ لا بُدَّ مِن بُغضِهم وبُغضِ مَن يُحِبُّهم، ومَسَبَّتِهم ومُعاداتِهم، كَما قالَ أبوك إبراهِيمُ، والذِين معه (إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)، وقالَ تَعالَى (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)، وقالَ تَعالَى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)، ولو يَقولُ رَجُلٌ (أنَا أَتَّبِعُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَمَّ وهو على الحَقِّ، لَكِنْ لا أَتَعَرَّضُ اللَّاتَ والعُزَّى، ولا أَتَعَرَّضُ أبا جَهلٍ وأمثالَه، مَا عَلَيَّ مِنْهُمْ) لم يَصِحَّ إسلامُه} [قالَ الشيخُ محمدُ بنُ عبدالوهاب في (الدُّرَرُ السَّنِيَّةُ في الأَجْوِبةِ النَّجْدِيَّةِ): ومَعْنَى الكُفرِ بِالطاغوتِ أنْ تَبْرَأَ مِن كُلِّ ما يُعتَقَدُ فيه غَيرِ اللهِ مِن جِنِّيٍّ أو إنسِيٍّ أو شَجَرٍ أو حَجَرٍ أو غَيرِ ذلك، وتَشهَدَ عليه بِالكُفرِ والضَّلالِ، وتُبغِضَه ولو كانَ أباك أو أخاك؛ فَأمَّا مَن قالَ {أنا لا أعبُدُ إلَّا اللهَ، وأنا لا أتَعَرَّضُ السَّادةَ والقِبابَ على القُبورِ} وأمثالَ ذلك، فَهذا كاذِبٌ في قَولِ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) ولم يُؤمِنْ بِاللَّهِ ولم يَكفُرْ بِالطاغوتِ. انتهى. وقالَ الشيخُ محمد بنُ محمد المختار الشنقيطي (عضو هيئة كِبار العلماء بالديار السعودية) في (دروس للشيخ محمد المختار الشنقيطي): ... فَمَزِّقْ مِن قَلبِك حُبَّه، وانْزِعْ مِن قَلبِك وَلاءَه، واجعَلْ حُبَّك لِلَّهِ ولو كانَ أقرَبَ الناسِ منك، ولو كانَ أباك أو أُمَّك، ولو كانَ أقرَبَ الناسِ إليك، فَعَدُوُّ اللهِ عَدُوُّك، ووَلِيُّ اللهِ وَلِيُّك. انتهى. وقالَ صِدِّيق حَسَن خَان (ت1307هـ) في (الدين الخالص): وَأَسَاسُ هَذَا الدِّينِ وَرَأْسُهُ وَنِبْرَاسُهُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ -أَيْ لَا مَعْبُودَ- إِلَّا اللَّهُ، اِعْرَفُوا مَعْنَاهَا، وَاسْتَقِيمُوا عَلَيْهَا، وَادْعُوا النَّاسَ تَبَعًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا، وَاجْعَلُوهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي أَبْنَاءِ زَمَانِكُمْ، إِتْمَامًا لِلْمَحَجَّةِ وَإِيضَاحًا لِلْمَحَجَّةِ، وَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا، وَأَحِبُّوا أَهْلَهَا، وَاجْعَلُوهُمْ إِخْوَانَكُمْ فِي الدِّينِ وَلَوْ كَانُوا بَعِيدِينَ، وَاكْفُرُوا بِالطَّوَاغِيتِ، وَعَادُوهُمْ، وَأَبْغِضُوهُمْ، وَأَبْغِضُوا مَنْ أَحَبَّهُمْ أَوْ جَادَلَ عَنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُكَفِّرْهُمْ أَوْ قَالَ {مَا عَلَيَّ مِنْهُمْ} أَوْ قَالَ {مَا كَلَّفَكَ اللَّهُ بِهِمْ} فَقَدْ كَذَبَ هَذَا عَلَى اللَّهِ وَافْتَرَى، فَقَدْ كَلَّفَهُ اللَّهُ بِهِمْ، وَفَرَضَ عَلَيْهِ الْكُفْرَ بِهِمْ، وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُمْ وَلَوْ كَانُوا إِخْوَانَهُمْ، وَأَوْلَادَهُمْ، فَاللَّهَ اللَّهَ، تَمَسَّكُوا بِذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئًا. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ عبدُالله الغليفي في كِتابِه (حَقِيقةُ الإيمانِ، ومَنزِلةُ الأعمالِ وحُكمُ تارِكِها): ولا نَكونُ مُغالِين إذا قُلْنا أنَّ مَوضوعَ الإيمانِ والكُفرِ هو أهَمُّ مَوضوعاتِ الدِّيَانةِ كُلِّها لِكَثرةِ الأحكامِ المُتَرَتِّبةِ عليه في الدُّنيَا والآخِرةِ؛ أمَّا في الآخِرةِ، فَإنَّ مَصائرَ الخَلقِ إلى الجَنَّةِ أوِ النارِ مُتَوَقِّفةٌ على الإيمانِ والكُفرِ؛ وأمَّا في الدُّنيَا فالأحكامُ المُتَرَتِّبةُ على ذلك كَثِيرةٌ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الغليفي-: فَإنْ قُلتَ {فَما ثَمَرةُ التَّفرِيقِ بَيْنَ المُؤمِنِ والكافِرِ؟} فالجَوابُ، إنَّ ثَمَرةَ هذا المَوضوعِ هي تَمْيِيزُ المُؤمِنِ والكافِرِ، لِمُعامَلةِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِما يَستَحِقُّه في شَرعِ اللهِ تَعالَى، وهذا واجِبٌ على كُلِّ مُسلِمٍ، ثم إنَّ مِن مَصلَحةِ الكافِرِ (أوِ المُرتَدِّ) أنْ يَعْلَمَ أنَّه كافِرٌ، فَقَدْ يُبادِرُ بِالتَّوبةِ أو بِتَجدِيدِ إسلامِه، فَيَكونُ هذا خَيرًا له في الدُّنيَا والآخِرةِ، أَمَّا أنْ نَكْتُمَ عنه حُكْمَه ولا نُخْبِرَه بِكُفرِه أو رِدَّتِه بِحُجَّةِ أنَّ الخَوضَ في هذه المَسائلِ غَيرُ مَأْمونِ العَواقِبِ، فَهذا فَضْلًا عَمَّا فيه مِن كِتمانٍ لِلْحَقِّ وهَدْمٍ لِأركانِ الدِّينِ، فَهذا ظُلْمٌ لِهذا الكافِرِ وخِداعٌ له بِحِرمانِه مِن فُرصةِ التَّوبةِ إذا عَلِمَ بِكُفرِه، فَكَثِيرٌ مِنَ الكُفَّارِ هُمْ مِنَ {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}... ثم قال -أَيِ الشيخُ الغليفي-: قالَ اِبْنُ الْقَيِّمِ [فِي (إعْلَامُ الْمُوَقِّعِينَ)] في حَدِيثِه عن وُرودِ الشَّرِيعةِ بِسَدِّ ذَرائعِ الشَّرِّ والفَسادِ فَذَكَرَ مِن أمثِلةِ ذلك {إنَّ الشُّرُوطَ الْمَضْرُوبَةَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ تَضَمَّنَتْ تَمْيِيزَهُمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي اللِّبَاسِ وَالْمَرَاكِبِ [(المَراكِبُ) جَمْعُ (مَركَبٍ) وهو ما يُرْكَبُ عليه] وَغَيْرِهَا لِئَلَّا تُفْضِيَ مُشَابَهَتُهُمْ [أيْ لِلْمُسلمين] إلَى أَنْ يُعَامَلَ الْكَافِرُ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِ، فَسُدَّتْ هَذِهِ الذَّرِيعَةُ [أيْ ذَرِيعةُ مُشابَهَتِهم المُفضِيَةِ إلى إكرامِهم واحتِرامِهم] بِإِلْزَامِهِمُ التَّمَيُّزَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ}... ثم قال -أَيِ الشيخُ الغليفي-: وإنَّ الخَلْطَ (أوِ الجَهْلَ) بِهذه المَسائلِ قد ضَلَّ بِسَبَبِه أقوامٌ نَسَبوا مَن يَتَمَسَّكُ بِعَقِيدةِ السَّلَفِ وأهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ إلى البِدعةِ، بَلِ اِتَّهَموهم بِالخُروجِ وعادَوْهُمْ، وأَدخَلوا في هذا الدِّينِ مَن حَرَّضَتِ الشَّرِيعةُ بِتَكفِيرِه وأجمَعَ العُلَماءُ على كُفرِهم، بَلْ وبايَعَهم هؤلاء [أيْ وبايَعَ الذِين ضَلُّوا مَن حَرَّضَتِ الشَّرِيعةُ بِتَكفِيرِه وأجمَعَ العُلَماءُ على كُفرِهم] ونَصَروهم بِالأقوالِ والأفعالِ، كُلُّ ذلك بِسَبَبِ جَهلِهم أو إعراضِهم عن تَعَلُّمِ هذه المَسائلِ، وَ[كانَ] إضلالُهم بِسَبَبِ إعراضِهم جَزاءً وِفَاقًا ولا يَظلِمُ رَبُّك أحَدًا. انتهى باختصار]. انتهى باختصار.

 

(12)جاءَ في كِتابِ فَتاوَى الشَّبَكةِ الإسلامِيَّةِ (وهو كِتابٌ جامِعٌ للفَتاوَى التي أَصْدَرَها مَرْكَزُ الفَتْوَى بموقعِ إسلام ويب -التابعِ لإدارةِ الدعوةِ والإرشادِ الدينيِّ بوِزَارةِ الأوقافِ والشؤونِ الإسلاميةِ بدولةِ قطر- حتى 1 ذِي الْحِجَّةِ 1430هـ) أنَّ مَرْكَزَ الفَتْوَى سُئِلَ: ما مَعْنَى دارِ حَرْبٍ ودارِ السِّلْمِ؟ وهَلْ لُبْنَانُ يُعتبرُ دارَ حَرْبٍ؟. فأجابَ المَرْكَزُ: عَرَّفَ الفُقهاءُ دارَ الإسلامِ ودارَ الحَرْبِ بتَعرِيفاتٍ وضَوابطَ مُتَعَدِّدةٍ يُمْكِنُ تلخيصُها فيما يَلِي؛ دارُ الإسلامِ هي الدارُ التي تَجْرِي فيها الأحكامُ الإسلاميَّةُ، وتُحْكَمُ بسُلطانِ المسلمِين، وتَكُونُ المَنَعَةُ والقُوَّةُ فيها للمسلمِين؛ ودارُ الحربِ هي الدارُ التي تَجْرِي فيها أحكامُ الكُفرِ، أو تَعْلُوها أحكامُ الكُفرِ، ولا يَكُونُ فيها السُّلطانُ والمَنَعَةُ بِيَدِ المسلمِين؛ إذا عَرَفْتَ هذا استطعتَ التَّمْيِيزَ بين دَوْلةٍ وأُخْرَى مِن حَيْثُ كَونُها دارَ إسلامٍ أو دارَ حَرْبٍ [قالَ الشيخُ محمد بن موسى الدالي على موقعِه في هذا الرابط: فَدَارُ الكُفْرِ، إذا أُطْلِقَ عليها (دارُ الحَرْبِ) فَباعتِبارِ مَآلِها وتَوَقُّعِ الحَرْبِ منها، حتى ولو لم يكنْ هناك حَرْبٌ فِعلِيَّةٌ مع دارِ الإسلامِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ عبدُالله الغليفي في كتابِه (أحكام الديار وأنواعها وأحوال ساكنيها): الأصْلُ في (دارِ الكُفْرِ) أنَّها (دارُ حَرْبٍ) ما لم تَرْتَبِطْ مع دارِ الإسلامِ بعُهودٍ ومَواثِيقَ، فإنِ اِرتَبَطَتْ فتُصْبِحَ (دارَ كُفْرٍ مُعاهَدةً)، وهذه العُهودُ والمَواثِيقُ لا تُغَيِّرُ مِن حَقِيقةِ دارِ الكُفْرِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ مشهور فوّاز محاجنة (عضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين) في (الاقتِراض مِنَ البُنوكِ الرِّبَوِيَّةِ القائمةِ خارِجَ دِيَارِ الإسلامِ): ويُلاحَظُ أنَّ مُصطَلَحَ (دارِ الحَرْبِ) يَتَداخَلُ مع مُصطَلَحِ (دارِ الكُفْرِ) في اِستِعمالاتِ أَكثَرِ الفُقَهاءِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ محاجنة-: كُلُّ دارِ حَرْبٍ هي دارُ كُفْرٍ ولَيسَتْ كُلُّ دارِ كُفْرٍ هي دارَ حَرْبٍ. انتهى. وجاءَ في الموسوعةِ الفقهيةِ الكُوَيْتِيَّةِ: أَهْلُ الحَرْبِ أو الحَرْبِيُّون، هُمْ غيرُ المُسلِمِين، الذِين لم يَدْخُلوا في عَقْدِ الذِّمَّةِ، ولا يَتَمَتَّعون بأَمَانِ المُسلِمِين ولا عَهْدِهم. انتهى. وقالَ مركزُ الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: أمَّا مَعْنَى الكافِرِ الحَرْبِيِّ، فهو الذي ليس بَيْنَه وبين المُسلِمِين عَهْدٌ ولا أَمَانٌ ولا عَقْدُ ذِمَّةٍ. انتهى. وقالَ الشيخُ حسينُ بنُ محمود في مَقالةٍ له على هذا الرابط: ولا عِبْرةَ بقَولِ بعضِهم {هؤلاء مَدَنِيُّون}، فليس في شَرْعِنا شيءٌ اسْمُهُ (مَدَنِيٌّ وعَسْكَرِيٌّ)، وإنَّما هو (كافرٌ حَرْبِيٌّ ومُعاهَدٌ)، فكُلُّ كافرٍ يُحارِبُنا، أو لم يَكُنْ بيننا وبينه عَهْدٌ، فهو حَرْبِيٌّ حَلَالُ المالِ والدَّمِ والّذُرِّيَّةِ [قالَ الْمَاوَرْدِيُّ (ت450هـ) في (الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي) في بَابِ (تَفْرِيقِ الْغَنِيمَةِ): فَأَمَّا الذُّرِّيَّةُ فَهُمُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، يَصِيرُونَ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ مَرْقُوقِينَ. انتهى باختصار]. انتهى. وقالَ الشيخُ محمدُ بنُ رزق الطرهوني (الباحث بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والمدرس الخاص للأمير عبدالله بن فيصل بن مساعد بن سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود) في كتابِه (هلْ هناك كُفَّارٌ مَدَنِيُّون؟ أو أَبْرِيَاءُ؟): لا يُوجَدُ شَرْعًا كافرٌ بَرِيءٌ، كما لا يُوجَدُ شَرْعًا مُصْطَلَحُ (مَدَنِيّ) وليس له حَظٌّ في مُفْرَداتِ الفقهِ الإسلاميِّ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الطرهوني-: الأصلَ حِلُّ دَمِ الكافِرِ ومالِه -وأنَّه لا يُوجَدُ كافرٌ بَرِيءٌ ولا يُوجَدُ شيءٌ يُسَمَّى (كافِر مَدَنِيّ)- إلَّا ما اِستَثناه الشارِعُ في شَرِيعَتِنا. انتهى. وقالَ الْمَاوَرْدِيُّ (ت450هـ) في (الأحكام السلطانية): وَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَقْتُلَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْ مُقَاتِلَةِ [المُقَاتِلَةُ هُمْ مَن كانوا أَهْلًا للمُقاتَلةِ أو لِتَدبِيرِها، سَوَاءٌ كانوا عَسْكَرِيِّين أو مَدَنِيِّين؛ وأمَّا غيرُ المُقاتِلةِ فَهُمُ المرأةُ، والطِّفْلُ، وَالشَّيْخُ الهَرِمُ، وَالرَّاهِبُ، وَالزَّمِنُ (وهو الإنسانُ المُبْتَلَى بعاهةٍ أو آفةٍ جَسَدِيَّةٍ مُستمِرَّةٍ تُعْجِزُه عنِ القتالِ، كَالْمَعْتُوهُ وَالأَعْمَى والأَعْرَجُ والمَفْلُوجُ "وهو المُصابُ بالشَّلَلِ النِّصْفِيِّ" والْمَجْذُومُ "وهو المُصابُ بالْجُذَامِ وهو داءٌ تَتَساقَطُ أعضاءُ مَن يُصابُ به" والأَشَلُّ وما شابَهَ)، وَنَحْوُهِمْ] الْمُشْرِكِينَ مُحَارِبًا وَغَيْرَ مُحَارِبٍ [أَيْ سَوَاءٌ قاتَلَ أم لم يُقاتِلْ]. انتهى. وقالَ الشيخُ يوسف العييري في (حقيقة الحرب الصليبية الجديدة): فالدُّوَلُ تَنقَسِمُ إلى قِسمَين، قِسمٌ حَرْبِيٌّ (وهذا الأصلُ فيها)، وقِسمٌ مُعاهَدٌ؛ قالَ ابنُ القيم في (زاد المعاد) واصِفًا حالَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم بعدَ الهجرةِ، قالَ {ثُمَّ كَانَ الْكُفَّارُ مَعَهُ بَعْدَ الأَمْرِ بِالْجِهَادِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ، أَهْلُ صُلْحٍ وَهُدْنَةٍ، وَأَهْلُ حَرْبٍ، وَأَهْلُ ذِمَّةٍ}، والدُّوَلُ لا تكونُ ذِمِّيَّةً، بَلْ تكونُ إمَّا حَرْبِيَّةً أو مُعاهَدةً، والذِّمَّةُ هي في حَقِّ الأفرادِ في دارِ الإسلامِ، وإذا لم يَكُنِ الكافرُ مُعاهَدًا ولا ذِمِّيًّا فإنَّ الأصلَ فيه أنَّه حَرْبِيٌّ حَلَالُ الدَمِ، والمالِ، والعِرْضِ [بِالسَّبْيِ]. انتهى]. انتهى باختصار. قلتُ: لُبْنَانُ إِحْدَى الدُّوَلِ الأعضاءِ في مُنَظَّمَةِ التَّعاوُنِ الإسلامِيِّ التي تَقُولُ في هذا الرابط على مَوْقِعِها {تُعَدُّ مُنَظَّمَةِ التَّعاوُنِ الإسلامِيِّ ثانِي أكبرِ مُنَظَّمَةٍ حُكُومِيَّةٍ دُوَلِيَّةٍ بعدَ الأُمَمِ المُتَّحِدةِ، حَيْثُ تَضُمُّ في عُضْوِيَّتِها سَبْعًا وَخَمْسِينَ دَوْلةً مُوَزَّعةً على أَرْبَعِ قارَّاتٍ، وتُمَثِّلُ المُنَظَّمَةُ الصَّوْتَ الجَمَاعِيَّ للعالَمِ الإسلامِيِّ، وتَسْعَى لِحِمَايَةِ مَصالِحِه والتَّعبِيرِ عنها}. قلتُ أيضًا: الشاهِدُ مِنَ الفَتْوَى المذكورةِ أَنَّ مركزَ الفَتْوَى لم يُفْتِ السائلَ في حُكْمِ الدَّوْلةِ اللُّبْنَانِيَّةِ بعَيْنِها، بَلْ وَجَّهَهُ -بِدُونِ التَّعَرُّفِ على مَدَى حَصِيلتِه العِلْمِيَّةِ- إلى أَنْ يُفْتِي نَفْسَه بِكُفْرِ الدَّوْلةِ.

 

(13)قالَ الشيخُ ابنُ عثيمين في (تفسير القرآن الكريم) أثناءَ تفسيرِ قولِه تعالَى (الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ): إذا قالَ قائلٌ {أَلَسْنَا مَأْمُورِين بأنْ نَأْخُذَ الناسَ بظَواهِرِهم؟}، الجوابُ، بَلَى، نحن مأمورون بهذا، لكنْ مَن تَبَيَّنَ نِفاقُه فإنَّنا نُعامِلُه بما تَقْتَضِي حالُه كما لو كان مُعلِنًا للنِّفاقِ، فهذا لا نَسْكُتُ عليه، أمَّا مَن لم يُعْلِنْ نِفاقَه فإنَّه ليس لنا إلَّا الظاهرُ، والباطِنُ إلى اللهِ، كما أنَّنا لو رَأَيْنا رَجُلًا كافِرًا فإنَّنا نُعامِلُه مُعامَلةَ الكافِرِ، ولا نَقولُ {إنَّنا لا نُكَفِّرُه بعَيْنِه}، كما اشْتُبِهَ على بعضِ الطَّلَبةِ الآنَ، يقولون {إذا رَأَيتَ الذي لا يُصَلِّي لا تُكَفِّرْه بعَيْنِه}، كيفَ لا أَكُفِّرُه بعَيْنِه؟!، [يقولون] {إذا رَأَيتَ الذي يَسْجُدُ للصَّنَمِ لا تُكَفِّرْه بعَيْنِه، لأنَّه رُبَّما يكونُ قَلْبُه مُطْمَئِنًّا بالإيمانِ}، هذا غَلَطٌ عظيمٌ، نحن نَحْكُمُ بالظاهرِ فإذا وَجَدْنا شَخْصًا لا يُصَلِّي قُلْنا {هذا كافرٌ} بِمِلْءِ أَفْواهِنا [قالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (الأجوبة البرهانية عن الأسئلة اللبنانية): التَّركُ للصَّلاةِ كُفْرٌ، وهذا الرَّجُلُ تارِكٌ للصَّلاةِ فهو كافِرٌ، واعتِقادُ [الشَّخْصِ] تارِكِ الصَّلاةِ بعَدَمِ التَّكفِيرِ بالتَّرْكِ لا يُؤَثِّرُ في حُكمِنا عليه، لأنَّنا نُعامِلُه باعتِقادِنا وهو كُفْرُه بتَرْكِ الصَّلاةِ، كما قالَ صلى الله عليه وسلم {إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ}، فجَعَلَ الرُّؤْيَةَ إلى الرَّائِي [لا الْمَرْئِيِّ]، وبَيَّنَ صلى الله عليه وسلم ثُبُوتَ الكُفْرِ بدونِ اعتِقادِ [الشَّخْصِ] المُكَّفَرِ، وهذا قد رَأَيْناه يَتْرُكُ الصَّلاةَ، والتَّرْكُ كُفْرٌ بنَفْسِه بالدَّلِيلِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ تركي البنعلي في (شرح شروط وموانع التكفير): نحن لا نُحاكِمُ الناسَ بِاعتِقاداتِ النَّاسِ، وإنَّما نُحاكِمُهم بِاعتِقاداتِنا، لو أنَّ شَخصًا فَعَلَ فِعلًا أو قالَ قَولًا وهو لا يَعتَقِدُ أصلًا أنَّه مِنَ المُكَفِّراتِ، هل نَقولُ {بِما أنَّه يَعتَقِدُ أنَّ هذا الفِعلَ ليس بِمُكَفِّرٍ هو ليس بِكافِرٍ}؟، لا، وإنَّما بِما تَرَجَّحَ عندنا، فَشَخصٌ مَثَلًا يَرَى بِأنَّ تَرْكَ الصَّلاةِ ليس بِكُفرٍ ثم تَرَكَ هو الصَّلاةَ واعتَرَفَ على نَفسِه بِأنَّه تارِكٌ لِلصَّلاةِ فَهَلْ هو كافِرٌ؟، نَعَمْ، كافِرٌ، ولا يُشتَرَطُ أنْ يَعتَرِفَ هو على نَفسِه بِالكُفرِ. انتهى باختصار]، إذا رَأَيْنا مَن يَسْجُدُ للصَّنَمِ قُلْنا {هذا كافرٌ}، ونُعَيِّنُه ونُلْزِمُه بأحكامِ الإسلامِ فإنْ لم يَفْعَلْ قَتَلْناه. انتهى.

 

(14)قالَ الشيخُ صالح الفوزان (عضوُ هيئةِ كِبار العلماءِ بالدِّيَارِ السعوديةِ، وعضوُ اللجنةِ الدائمةِ للبحوثِ العلميةِ والإفتاءِ) في (شَرحِ نَواقِضِ الإسلامِ): وهذه المسألة خطيرة جدًّا، يَقَعُ فيها كثيرٌ مِنَ المُنتَسِبِين للإسلام، (مَن لم يُكَفِّرِ المُشرِكِين) يَقولُ {أنَا -والحَمدُ لِلَّهِ- ما عندي شِركٌ، ولا أَشرَكْتُ بِاللَّهِ، ولَكِنَّ الناسَ لا أُكَفِّرُهم}، نَقولُ له، أنت ما عَرَفتَ الدِّينَ، يَجِبُ أن تُكَفِّرَ مَن كَفَّرَه اللهُ، ومَن أشرَكَ بِاللهِ عَزَّ وجَلَّ، وتَتَبَرَّأُ منه كَما تَبَرَّأَ إبراهيمُ مِن أبيه وقومِه وقالَ {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الفوزانُ-: كَونُك مُسلِمًا وتابِعًا لِلرَّسولِ صلى الله عليه وسلم، [فَ]الرَّسولُ جاء بتكفيرِ المُشرِكِين وقِتالِهم واستِباحةِ أموالِهم ودِمائهم وقالَ {أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ لِيَقُولُوا (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)}، {بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ}، [وقال تعالى] {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ [(فِتْنَةٌ) يَعنِي (شِرْكٌ)] وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}. انتهى باختصار.

 

زيد: رُبَّما قالَ لك البعضُ {وهل يَحِقُّ تكفيرُ القُبورِيِّ إذا كان يُنْسَبُ لأهلِ العِلْمِ ويَظْهَرُ بمَظْهَرِ العَبْدِ الصالحِ صادِقِ الدِّيَانةِ المُحِبِّ للإسلامِ؟}.

 

عمرو: قالَ الشيخُ محمد بنُ عبدالوهاب في (مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد): فانْظُرْ رَحِمَك اللهُ إلى هذا الإمامِ [يعني الشيخَ ابنَ تيميةَ] كيفَ ذَكَرَ عن مِثْلِ الْفَخْرِ الرَّازِيِّ [صاحبِ كتابِ (السِّرِّ الْمَكْتُومِ فِي السِّحْرِ وَمُخَاطَبَةِ النُّجُومِ)] (وهو مِن أكابرِ أَئِمَّةِ الشافِعِيَّةِ)، ومِثْلِ أبي مَعْشَرٍ (وهو مِن أكابرِ المشهورِين مِنَ المُصَنِّفِين) [قالَ عنه الذَّهَبِيُّ في (سير أعلام النبلاء): كَانَ مُحَدِّثًا، فَمُكِرَ بِهِ، وَدَخَلَ فِي النُّجُومِ]، وغيرِهما، أنَّهم كَفَرُوا وارْتَدُّوا عنِ الإسلامِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (الفتاوي الشرعية عن الأسئلة الجيبوتية): أبو مَعْشَرٍ البَلخِيُّ والرَّازِيُّ، كَفَّرَهما اِبنُ تَيمِيَّةَ. انتهى باختصار.

 

وقالَ الشيخُ عبدُاللطيف بنُ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب (ت1293هـ): ولكنَّ هذا الجاهِلُ يَظُنُّ أنَّ مَن زَعَمَ أنَّه يَعْرِفُ شَيئًا مِن أَحكامِ الفُروعِ وتَسَمَّى بالعِلمِ وانْتَسَبَ إليه يَصِيرُ بذلك مِنَ العُلماءِ ولو فَعَلَ ما فَعَلَ، ولم يَدْرِ هذا الجاهِلُ أنَّ اللهَ كَفَّرَ عُلماءَ أَهْلِ الكِتابِ والتَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ بِأَيْدِيهِمْ [يُشِيرُ إلى قَولِه تَعالَى {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا، فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ}]، وكَفَّرَهم رسولُه لَمَّا أَبَوْا أنْ يُؤمِنُوا بما جاءَ به محمدٌ صَلَى اللهُ عليه وسَلَّمَ مِنَ الهُدَى ودِينِ الحَقِّ. انتهى من (الإتحاف في الرد على الصحاف).

 

وفي هذا الرابط على موقعِ الشيخِ عبدِالرحمن البرَّاك (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية)، سُئِلَ الشيخُ: هَلْ مِن موانعِ التَّكفيرِ عندَ أهلِ السُّنَّةِ العِلْمُ بصِدْقِ دِيَانةِ مُرتكِبِ النَّاقضِ وحُبِّهِ الصَّادقِ للإسلامِ؟. فأجابَ الشيخُ: ما عَلِمْتُ هذا ولا سَمِعْتُ بهِ، ما سَمِعْتُ بهذا، مَن ارتكبَ ناقضًا وتُحُقِّقَ مِنْهُ ذلكَ، حُكِمَ عليه بمُقتضَى الظَّاهِرِ، هذا هوَ الأَصْلُ. انتهى.

 

وقالَ الشيخُ محمد بنُ عبدالوهاب في (الرسائل الشخصية): واعلموا أنَّ الأدِلةَ على تكفيرِ المسلمِ الصالحِ إذا أشركَ باللهِ، أو صارَ مع المشركِين على المُوَحِّدِين ولو لم يُشْرِكْ، أكثرُ مِن أنْ تُحْصَرَ مِن كلامِ اللهِ وكلامِ رسولِه وكلامِ أهلِ العلمِ كُلِّهم. انتهى.

 

وقالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (إمتاع النظر في كشف شبهات مرجئة العصر): وقد ثَبَتَ بِأَسَانِيدَ صِحَاحٍ في (تارِيخ بَغْدَادَ [للخطيب البغدادي]) و("المجروحون" لابن حبان) و("المعرفة والتاريخ" للفسوي [ت277هـ])، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وغيرِه، أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ اُسْتُتِيبَ مِنَ الْكُفْرِ مَرَّتَيْنِ. انتهى. وقالَ الشيخُ عبدُالله الخليفي في (التَّرجِيحُ بَيْنَ أقوالِ المُعَدِّلِين والجارِحِين في أبِي حَنِيفةَ): وأمَّا الاستِتابةُ [أيِ اِستِتابةُ أبِي حَنِيفةَ] مِنَ الكُفرِ فَحادِثةٌ مُتَواتِرةٌ تارِيخِيًّا رَدُّها مُجازَفةٌ بارِدةٌ. انتهى. وقالَ الشيخُ عبدُالله الغليفي في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): وقد اسْتُتِيبَ أبو حَنِيفَةَ مَرَّتَين مع عِلْمِه وجلالةِ قَدْرِه، واستتابتُه أَمْرٌ مشهورٌ اِمتَلَأتْ به كُتُبُ أهلِ العلمِ، وَقَدِ اِختَلفتْ أسبابُ اِستِتابَتِه فَقِيلَ {لِقَولِه بِالكُفْرِ}، وقِيلَ {لِلمَذهَبِ الدَّهْرِيِّ}، وقِيلَ {لِلقَوْلِ بِخَلْقِ القُرآنِ}، وقِيلَ {لِلتَّجَهُّمِ والإرجاءِ} [جاءَ في (شَرحُ "عَقِيدةِ السَّلَفِ وأصحابِ الحَدِيثِ") لِلشيخِ عبدِالعزيز الراجحي (الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود في كلية أصول الدين، قسم العقيدة)، أنَّ الشَّيخَ سُئِلَ {ما نُسِبَ إلى الإمامِ أبِي حَنِيفَةَ في قَولِه في الإيمانِ، هَلْ رَجَعَ عنه أَمْ لا؟}؛ فَأجابَ الشيخُ: لم يَرجِعْ عنه، فَأبُو حَنِيفَةَ له رِوَايَتَان؛ الرِّوايَةُ الأُولَى، أنَّ الإيمانَ -وهو الذي عليه جُمهورُ أصحابِه- شَيْئان (قَولٌ بِاللِّسانِ وتَصدِيقٌ بِالقَلبِ فَقَطْ)، وأمَّا الأعمالُ فَلَيسَتْ مِنَ الإيمانِ؛ والرِّوايَةُ الثانِيَةُ، أنَّ الإيمانَ (تَصدِيقٌ بِالقَلبِ فَقَطْ، وأمَّا الإقرارُ بِاللِّسانِ فَهو مَطلوبٌ ولَكِنْ ليس مِنَ الإيمانِ)، وهذه الرِّوايَةُ الثانِيَةُ تُوافِقُ مَذهَبَ الأَشاعِرةِ والمَاتُرِيدِيَّةِ؛ وأوَّلُ مَن قالَ بِالإرجاء حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ شَيخُ الإمامِ أبِي حَنِيفَةَ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (سِلْسِلَةُ مَقالاتٍ في الرَّدِّ على الدُّكْتُورِ طارق عبدالحليم): لم يَثبُتْ رُجوعُ أبِي حَنِيفَةَ عن بِدعةِ الإرجاءِ على التَّحقِيقِ. انتهى]، واللهُ أعلمُ، واستِتابةُ أَبِي حَنِيفَةَ مُثْبَتةٌ في كتابِ ("السُّنَّة" لعبدِاللهِ بنِ أحمدَ)، و("تارِيخ بَغْدَادَ" للخطيب)، و(العِلَل ومَعرِفة الرِّجالِ [لأحمدَ بنِ حنبل])، و("الضُّعَفاء" للعُقَيْليِّ). انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ مُقْبِلٌ الوادِعِيُّ على موقِعِه في هذا الرابط: فالمُهِمُّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كان ضَعِيفًا في الحديثِ، وأَدْخَلَ على الإسلامِ شَرًّا بسَبَبِ إغْراقِه في الرَّأْيِ، وأَنَا -يَعْلَمُ اللهُ- قَلْبِي نافِرٌ مِن أَبِي حَنِيفَةَ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ مُقْبِلٌ الوادِعِيُّ أيضا على موقِعِه في هذا الرابط: الغالِبُ أنَّ الْحَنَفِيَّةَ إذا خالَفوا الأئمَّةَ الآخَرِين يَكونُ النَّصُ مع الآخَرِين، حتى قالَ بَعضُهم {إذا أَرَدْتَ أنْ تُوافِقَ الحَقَّ فَخالِفْ أَبَا حَنِيفَةَ}. انتهى. وقالَ الشيخُ مُقْبِلٌ الوادِعِيُّ أيضا على موقِعِه في هذا الرابط: وأنتَ تَعرِفُ أنَّ أَبَا حَنِيفَةَ ومَن تابَعَه رائِيُّون. انتهى. وجاءَ في مَوسوعةِ الفِرَقِ المُنتَسِبةِ لِلإسلامِ (إعداد مَجموعةٍ مِنَ الباحِثِين، بِإشرافِ الشيخِ عَلوي بنِ عبدِالقادرِ السَّقَّاف): يَقولُ الْحُمَيْدِيُّ [ت219هـ] {وَأُخْبِرْت أَنَّ نَاسًا يَقُولُونَ (مَنْ أَقَرَّ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَلَمْ يَفْعَلْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا حَتَّى يَمُوتَ، أو يُصَلِّيَ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ حَتَّى يَمُوتَ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ مَا لَمْ يَكُنْ جَاحِدًا، إذَا عَلِمَ أَنَّ تَرْكَهُ ذَلِكَ فِيهِ إيمَانُهُ، إذَا كَانَ مُقِرًّا بِالْفَرَائِضِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ)، فَقُلْت (هَذَا الْكُفْرُ الصُّرَاحُ، وَخِلَافُ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ)}، وَقَالَ حَنْبَلُ [بْنُ إِسْحَاقَ] {سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ (مَنْ قَالَ هَذَا [يَعنِي القَولَ السَّابِقَ ذِكْرُهُ {فَهُوَ مُؤْمِنٌ مَا لَمْ يَكُنْ جَاحِدًا...}] فَقَدَ كَفَرَ بِاللَّهِ، وَرَدَّ عَلَى أَمْرِهِ، وَعَلَى الرَّسُولِ مَا جَاءَ بِهِ عَنِ اللَّهِ)}. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (سِلْسِلَةُ مَقالاتٍ في الرَّدِّ على الدُّكْتُورِ طارق عبدالحليم): إنَّ تَكفِيرَ القائلِين بِأَنَّ {الإيمانَ قَولٌ} مَشهورٌ عن بَعضِ أهلِ الحَدِيثِ، ولا رَيبَ أنَّه يَشمَلُ الْحَنَفِيَّةَ [يَعنِي مُتَقَدِّمِي الحَنَفِيَّةِ] إنْ لم يَكونوا المَعنِيّين، [فَقَدْ] نَقَلَ بَعضُ أهلِ العِلمِ تَكفِيرَ أهلِ الحَدِيثِ لِلقائلِين أنَّ {الإيمانَ قَولٌ}، [وَهُمْ] مُرجِئةُ الفُقَهاءِ ومَن قالَ بِقَولِهم، نَعَمْ، كَفَّرَهم الإمامُ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ [ت197هـ]، وَالْحُمَيْدِيُّ عَبْدُاللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ [ت219هـ]، وأبو مُصْعَبٍ أحمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْريُّ الْمَدَنِيُّ [ت242هـ]، واِبْنُ بَطَّةَ [ت387هـ]، والآجُرِّيُّ [ت360هـ]؛ قالَ الإمامُ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ رَحِمَه اللهُ {الْقَدَرِيَّةُ يَقُولُونَ (الأَمْرُ مُسْتَقْبَلٌ، إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُقَدِّرِ الْمَصَائِبَ وَالأَعْمَالَ) [قالَ الشيخُ حسن أبو الأشبال الزهيري في (شرح كتاب الإبانة): أَيْ أنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لم يَكتُبْ أعمالَ العِبادِ إلَّا بَعْدَ أنْ وَقَعَتْ، القَدَرِيَّةُ يَقولون {اللهُ تَعالَى لا يَعلَمُ الأعمالَ إلَّا بَعْدَ وُقوعِها، أمَّا قَبْلَ وُقوعِها فَهِيَ لَيسَتْ مَكتوبةً ولا مُقَدَّرةً ولا يَعلَمُها اللهُ}، وهو قَولُ كُفرٍ مُخرِجٌ مِنَ المِلَّةِ. انتهى باختصار]، وَالْمُرْجِئَةُ يَقُولُونَ (الْقَوْلُ يُجْزِئُ مِنَ الْعَمَلِ) [قالَ الشيخُ حسن أبو الأشبال الزهيري في (شرح كتاب الإبانة): يَعنِي {النُّطقُ بِاللِّسانِ يَكفِي، أمَّا العَمَلُ فَلَيسَ بِشَرطٍ}. انتهى]، وَالْجَهْمِيَّةُ يَقُولُونَ (الْمَعْرِفَةُ تُجْزِئُ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ)، وَهُوَ كُلُّهُ كُفْرٌ [قالَ الشيخُ حسن أبو الأشبال الزهيري في (شرح كتاب الإبانة): يَعنِي {كُلُّ هذه الأقوالِ كُفرٌ}. انتهى]} [الإبانة الكبرى لِابْنِ بَطَّةَ]؛ وقال الإمام التِّرْمِذِيُّ (ت279هـ) رَحِمَه اللهُ {سَمِعْت أَبَا مُصْعَبٍ الْمَدَنِيَّ يَقُولُ (مَنْ قَالَ "الإِيمَانُ قَوْلٌ" يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ)} [الجامع الكبير، تحقيق بشّار عواد]؛ وقالَ الإمامُ الآجُرِّيُّ رَحِمَه اللهُ {مَن قالَ (الإيمانُ قَولٌ دُونَ العَمَلِ)، يُقالُ له (رَدَدْتَ القُرآنَ والسُّنَّةَ وما عليه جَمِيعُ العُلَماءِ، وخَرَجْتَ مِن قَولِ المُسلِمِين، وكَفَرتَ بِاللهِ العَظِيمِ)}، وقالَ رَحِمَه اللهُ أيضًا {وأنَا بَعْدَ هذا أَذكُرُ ما رُوِيَ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وعن جَماعةٍ مِنَ الصَّحابةِ وعن كَثِيرٍ مِنَ التابِعِين أنَّ (الإيمانَ تَصدِيقٌ بِالقَلبِ وقَولٌ بِاللِّسانِ وعَمَلٌ بِالجَوارِحِ)، ومَن لم يَقُلْ عندهم بِهذا فَقَدْ كَفَرَ)} [الشريعة للآجُرِّيِّ]؛ وقالَ الإمامُ أبو عَبدِاللهِ بْنُ بَطَّةَ رَحِمَه اللهُ {اِحذَروا رَحِمَكم اللهُ مُجالَسةَ قَومٍ مَرَقوا مِنَ الدِّينِ، فَإنَّهم جَحَدوا التَّنزِيلَ، وخالَفوا الرَّسولَ، وخَرَجوا عن إجماعِ عُلَماءِ المُسلِمِين، وهم قَومٌ يَقولون (الإيمانُ قَولٌ بِلا عَمَلٍ)... وكُلُّ هذا كُفرٌ وضَلالٌ، وخارِجٌ بِأَهلِه عن شَرِيعةِ الإسلامِ، وَقَدْ أَكفَرَ اللهُ القائلَ بِهذه المَقالاتِ في كِتابِه، والرَّسولُ في سُنَّتِه، وجَماعةُ العُلَماءِ بِاتِّفاقِهم} [الإبانة الكبرى لِابْنِ بَطَّةَ]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ المُرجِئةَ، في الإطلاقِ، هُمُ القائلون بِأنَّ الإيمانَ قَولٌ، وإنَّهم [هُم] الذِين اِشتَدَّ عليهم النَّكِيرُ [أَيْ نَكِيرُ السَّلَفِ]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: اِختِلافُ العُلَماءِ في تَكفِيرِ مُرجِئةِ الفُقَهاءِ [وَهُمْ مُتَقَدِّمُو الحَنَفِيَّةِ] ثابِتٌ ولا مَعنَى لِإنكارِه. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (الانتصار للأئمة الأبرار): وقَدِ اِختَلَفَ أهلُ العِلْمِ في تَكفِيرِ تارِكِ الصَّلاةِ، وَ[تارِكِ] الزَّكاةِ، وَ[تارِكِ] الصَّومِ، وَ[تارِكِ] الحَجِّ، والساحِرِ، والسَّكرانِ [جاءَ في الموسوعةِ الفقهيةِ الكُوَيْتِيَّةِ: اِتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ السَّكْرَانَ غَيْرُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ [وهو الذي تَناوَلَ المُسكِرَ اِضْطِرارًا أو إكراهًا] لا يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ إِذَا صَدَرَ مِنْهُ مَا هُوَ مُكَفِّرٌ؛ وَاخْتَلَفُوا فِي السَّكْرَانِ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) إِلَى تَكْفِيرِهِ إِذَا صَدَرَ مِنْهُ مَا هُوَ مُكَفِّرٌ. انتهى]، والكاذِبِ على رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، والصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، ومُرجِئةِ الفُقَهاءِ. انتهى. وقالَ الشيخُ مُقْبِلٌ الوادِعِيُّ في (نَشرُ الصَّحِيفةِ في ذِكرِ الصَّحِيحِ مِن أقوالِ أئمَّةِ الجَرْحِ والتَّعدِيلِ في أبِي حَنِيفةَ): وقد حَكَى اِبْنُ أَبِي دَاوُدَ [ت230هـ] في تَرجَمَتِه [أيْ تَرجَمةِ أبِي حَنِيفةَ] أنَّ المُحَدِّثِين أجمَعوا على جَرْحِه. انتهى. وقالَ الشيخُ عبدُالله الخليفي في مَقالةٍ له على مَوقِعِه في هذا الرابط: فَإنَّ لَدَينا نُقُولًا ثاِبتةً ثُبوتَ الجِبالِ عن أئمَّةِ المُسلِمِين ومُحَدِّثِيهم على خَمْسِ أَوْ سِتِّ طَبَقاتٍ كُلُّها تَذُمُّ أبا حَنِيفةَ بِأَبلَغِ الذَّمِّ، بَلْ وتَحكِي الإجماعَ على ذَمِّه والوَقِيعةِ في عَقِيدَتِه ورَأْيِه الفِقهِيِّ ورِوايَتِه لِلْحدَيثِ ودِيَانَتِه، فَلَوْ سَلَّمْنا أنَّ هناك مَن حَكَى الإجماعَ على إمامَتِه فَهو مُعارَضٌ بِمَن حَكَى الإجماعَ على ضَلالِه، والإجماعاتُ لا تَتَعارَضُ فَلَزِمَ أنْ يَكونَ أحَدُ الإجماعَينِ غَلَطًا فعندها نَنظُرُ إلى مَكانةِ مَن حَكَى الإجماعَين مِن العِلْمِ وَسَعَةِ الإطِّلاع والأمانةِ العِلمِيَّةِ فَأَيُّهما كانَ أعلَمَ كانَتْ دَعْواه أصَحَّ، ونَنظُرُ فِيما يَدعَمُ دَعْوَى الإجماعِ مِنَ النُّقولِ الصَّحِيحةِ التي لا مُعارِضَ لَها مِثلَها فَمَن دَعَمَ دَعْواه بِالنُّقولِ الصَّحِيحةِ كانَتْ دَعْواه هي الصَّحِيحةَ... ثم قال -أَيِ الشيخُ الخليفي- في أبِي حَنِيفةَ: أجمَعَ أئمَّةُ العِلْمِ والفِقهِ بِحَقٍّ على ذَمِّ رَأْيِه (أيْ مَذهَبِه الفِقْهِيِّ) كَما حَكاه سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وأَسْوَدُ بْنُ سَالِمٍ وإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وعُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ والْبُخَارِيُّ... ثم قال -أَيِ الشيخُ الخليفي-: فَإنَّ عامَّةَ ما رُوِيَ في عَيبِ أبِي حَنِيفةَ ثابِتٌ عنه ثُبوتَ الجِبالِ الراسِيَاتِ، وعامَّةُ ما رُوِيَ في فَضائلِه كَذِبٌ أصلَعُ لا يَروِيه إلَّا كُلُّ صاحِبِ رَأْيٍ مُرجِئٍ كَذَّابٍ أو مَجموعةٌ مِنَ المَجاهِيلِ لا يُدرَى مَن هُمْ، والبَحثُ العِلمِيُّ المُنصِفُ يُبَيِّنُ هذا لا الدَّعاوَى العَرِيضةُ التي لا بُرهانَ عليها ولا الكَلامُ الإنشائيُّ الذي يُحسِنُه كُلُّ ثَرثارٍ... ثم قال -أَيِ الشيخُ الخليفي-: قالَ اِبنُ تَيمِيَّةَ رَحِمَه اللهُ [في (الرَّدُّ على السُّبْكِيِّ في مَسألةِ "تَعلِيقِ الطَّلاقِ")] {وأكثَرُ أهلِ الحَدِيثِ طَعَنوا في أبِي حَنِيفةَ وأصحابِه طَعنًا مَشهورًا اِمتَلَأتْ به الكُتُبُ، وبَلَغَ الأمرُ بِهم إلى أنَّهم لم يَروُوا عنهم في كُتُبِ الحَدِيثِ شَيئًا فَلا ذِكْرَ لَهم في الصَحِيحَين والسُّنَنِ}، أقولُ، إنَّ هذا [أيِ الذي ذَكَرَه اِبْنُ تَيمِيَّةَ] مِن أواخِرِ تآلِيفِ اِبْنِ تَيمِيَّةَ، وهو نَفسُه [أيِ اِبْنُ تَيمِيَّةَ] يُقَرِّرُ دائمًا أنَّ الحَقَّ لا يَخرُجُ عن أهلِ الحَدِيثِ، وعَرَّفَ الفِرقةَ الناجِيَةَ والطائفةَ المَنصورةَ في (الواسِطِيَّةِ [يَعنِي كِتابَ (العَقِيدةُ الواسِطِيَّةُ)]) بِأَنَّهم أهلُ الحَدِيثِ، وهذا النَّصِّ مِنِ اِبْنِ تَيمِيَّةَ رَحِمَه اللهُ يُستَفادُ منه عِدَّةُ أُمورٍ؛ الأوَّلُ، أنَّ الطَّعنَ في أبِي حَنِيفةَ وأصحابِه هو مَذهَبُ أكثَرِ أهلِ الحَدِيثِ، والواقِعُ أنَّه مَذهَبُهم كُلِّهم؛ الثانِي، أنَّ مِن ضِمْنِ هؤلاء الطاعِنِين أصحابَ الصِّحَاحِ وَالسُّنَنِ، وأنَّ اِجتِنابَهم لِتَخرِيجِ حَدِيثِ أبِي حَنِيفةَ وأصحابِه لِعِلَّةِ المُنافَرةِ والبُغضِ والطَّعنِ، فالبُخارِيُّ ومُسلِمٌ وأبو داوُدَ والنَّسَائِيُّ والتِّرْمِذِيُّ وابْنُ مَاجَهْ مِمَّن يِطعَنُ في أبِي حَنِيفةَ وأصحابِه؛ الثالِثُ، أنَّ هذا طَعنٌ مَشهورٌ اِمتَلَأتْ به الكُتُبُ، فَكَيفَ يَستَطِيعُ أحَدٌ أنْ يَكتُمَه؟!. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ عبدُالله الخليفي أيضًا في مَقالةٍ له بِعُنوانِ (تَحرِيرُ مَوقِفِ شَيخِ الإسلامِ اِبْنِ تَيمِيَّةَ مِن أهلِ الرَّأيِ) على مَوقِعِه في هذا الرابط: إنَّ الرِّوايَةَ لا تَختَلِفُ عن أئمَّةِ الحَدِيثِ في تَركِ الإفتاءِ بِقَولِ أهلِ الرَّأيِ، فَضلًا عنِ التَّسوِيَةِ بينهم وبَيْنَ أهلِ الحَدِيثِ. انتهى. وقالَ الشيخُ عبدُالله الخليفي أيضًا في (التَّرجِيحُ بَيْنَ أقوالِ المُعَدِّلِين والجارِحِين في أبِي حَنِيفةَ): ولا شَكَّ أنَّنا إذا حَكَمْنا بِخُروجِ فِئةٍ مُعَيَّنةٍ [يُشِيرُ إلى الأحنافِ] مِنَ السُّنَّةِ فَإنَّه يَتَرَتَّبُ على ذلك الإجراءاتُ المَعروفةُ عن أئمَّةِ الإسلامِ في وِقايَةِ المُجتَمَعِ مِن خَطَرِهم... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخليفي-: وقَبْلَ الدُّخولِ في البَحثِ [أيْ بَحثِ مَسأَلةِ (ما قِيلَ في أبِي حَنِيفةَ جَرحًا وتَعدِيلًا)] أَوَدُّ التَّنبِيهَ على أنَّنِي لَنْ آلُوَ [أيْ لَنْ أَدَعَ] جُهدًا في اِستِقصاءِ عامَّةِ ما قِيلَ في الجَرحِ والتَّعدِيلِ [أيْ فِيما يَخُصُّ أبِي حَنِيفةَ] مع النَّظَرِ في الأسانِيدِ وتَحلِيلِ المُتونِ مُستَعِيذًا بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الهَوَى ومُستَعِدًّا تَمامَ الاستِعدادِ لِلتَّراجُعِ عن أيِّ مُقَدِّمةٍ أو نَتِيجةٍ عِلمِيَّةٍ اِعتَقَدتُها في يَومٍ مِنَ الأيَّامِ وثَبَتَ لي بَعْدَ البَحثِ الخَطَأُ فيها، وقَبْلَ الشُّروعِ في أصلِ البَحثِ لا بُدَّ مِن ذِكرِ عِدَّةِ مُقَدِّماتٍ عِلمِيَّةٍ لِضَبطِ المَسأَلةِ [أيْ ما قِيلَ في أبِي حَنِيفةَ جَرحًا وتَعدِيلًا] عِلْمِيًّا؛ المُقَدِّمةُ العِلمِيَّةُ الأُولَى، الجَرحُ المُفَسَّرُ مُقَدَّمٌ على التَّعدِيلِ المُجمَلِ، قالَ محمد عجاج الخطيب في كِتابِه (أُصولُ الحَدِيثِ) وهو يُعَدِّدُ أقوالَ أهلِ العِلْمِ في حالِ تَعارُضِ الجَرحِ والتَّعدِيلِ {القَولُ الأوَّلُ، تَقدِيمُ الجَرحِ على التَّعدِيلِ ولو كانَ المُعَدِّلون أكثَرَ، لِأنَّ الجارِحَ اِطَّلَعَ على ما لم يَطَّلِعْ عليه المُعَدِّلُ، وهذا قَولُ جُمهورِ أهلِ العِلْمِ، وهو الذي ذَهَبَ إليه المُحَدِّثون المُتَقَدِّمون والمُتَأَخِّرون}، [وَ]بنت الشاطيء في تَعلِيقِها على (مُقَدِّمَةُ اِبْنِ الصَّلَاحِ) قالَتْ {قالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ (في بابِ الخَبَرِ والشَّهادةِ إذا عَدَّلَ مُعَدِّلون رَجُلًا وجَرَحَه آخَرون، فالجَرحُ أَولَى، والحُجَّةُ في أنَّ المُجَرِّحَ زادَ ما لم يَعْلَمِ المُعَدِّلُ)}، [وَ]قالَ الألبانِيُّ في (سِلسِلةُ الأحادِيثِ الضَّعِيفةِ) {القاعِدةُ المَعروفةُ عند المُحَدِّثِين (الجَرحُ المُبَيَّنُ مُقَدَّمٌ على التَّعدِيلِ)}؛ المُقَدِّمةُ العِلمِيَّةُ الثانِيَةُ، يَلزَمُ مِن رَدِّ الجَرحِ المُفَسَّرِ بِدُونِ بِيِّنةٍ الطَّعنُ في الجارِحِ، ولا يَلزَمُ مِن رَدِّ التَّعدِيلِ المُجمَلِ الطَّعنُ في المُعَدِّلِ، قالَ السَّخَاوِيُّ في (فَتحُ المُغِيثِ) {وَغَايَةُ قَوْلِ الْمُعَدِّلِ أنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ فِسْقًا وَلَمْ يَظُنَّهُ فَظَنَّ عَدَالَتَهُ، إِذِ الْعِلْمُ بِالْعَدَمِ لَا يُتَصَوَّرُ، وَالْجَارِحُ يَقُولُ (أَنَا عَلِمْتُ فِسْقَهُ)، فَلَوْ حَكَمْنَا بِعَدَمِ فِسْقِهِ كَانَ الْجَارِحُ كَاذِبًا، وَلَوْ حَكَمْنَا بِفِسْقِهِ كَانَا صَادِقَيْنِ [أيِ المُعَدِّلَ والجارِحَ] فِيمَا أَخْبَرَا بِهِ}، فالمَسأَلةُ التي بَيْنَ أَيْدِينا خَطِيرةٌ، وَلْيَحذَرِ المَرْءُ مِن أنْ يَقولَ قَولًا يَتَرَتَّبُ عليه تَفِسيقُ أئمَّةِ الإسلامِ، وجَعلُ قَبُولِ الجارِحِ طَعنًا في المُعَدِّلِ، [فَإنَّ ذلك] عَكْسٌ لِلْقَواعِدِ العِلمِيَّةِ وتَلاعُبٌ بَيِّنٌ؛ المُقَدِّمةُ العِلمِيَّةُ الثالِثةُ، إذا اِختَلَفَ كَلامُ العُلَماءِ لم يَكُنْ قَولُ أحَدِهم حُجَّةً على الآخَرِ إلَّا بِبَيِّنةٍ؛ المُقَدِّمةُ العِلمِيَّةُ الرابِعةُ، الإجماعاتُ لا تَتَعارَضُ، قالَ شَيخُ الإسلامِ في (اِقتِضاءُ الصِّراطِ المُستَقِيمِ) {إنَّه مِنَ المُمتَنِعِ أنْ تَتَّفِقَ الأُمَّةُ على اِستِحسانِ فِعلٍ لَوْ كانَ حَسَنًا لَفَعَلَه المُتَقَدِّمون ولم يَفْعَلوه، فَإنَّ هذا مِن بابِ تَناقُضِ الإجماعاتِ، وهي لا تَتَناقَضُ، وإذا اِختَلَفَ فيه المُتَأَخِّرون فالفاصِلُ بينهم هو الكِتابُ والسُّنَّةُ، وإجماعُ المُتَقَدِّمِين نَصًّا واستِنباطًا}، وعلى هذا إذا رَأَينا مَنِ اِدَّعَى الإجماعَ على جَرْحِ أبِي حَنِيفةَ كَما اِدَّعاه اِبْنُ أَبِي دَاوُدَ وَحَرْبٌ الْكَرْمَانِيُّ وَابْنُ عَبْدِالْبَرِّ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ كانَ مِنَ المُمتَنِعِ إذا صَحَّحْنا هذا الإجماعَ أنْ يَنعَقِدَ إجماعٌ على خِلافِ هذا الإجماعِ، وإجماعُ المُتَقَدِّمِين مُقَدَّمٌ على إجماعِ المُتَأَخِّرِين (الذي يَكونُ مُتَوَهَّمًا في العادةِ)؛ وهذه المُقَدِّماتُ العِلمِيَّةُ نَبَّهتُ عليها لِأنَّ عامَّةَ مَن يَبحَثُ في هذه المَسأَلةِ يَتَجاهَلُها بِشَكلٍ غَرِيبٍ!، مع أنَّه رُبَّما لو بَحَثَ مَسأَلةً أُخرَى لَرَأَيتَه يَقولُ بها!... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخليفي-: وفي الحَقِيقةِ لم أَجِدْ أحَدًا في كُتُبِ المَجروحِين اِجتَمَعَ فيه مِن أسبابِ الجَرحِ ما اِجتَمَعَ في هذا الرَّجُلِ [يَعنِي أبا حَنِيفةَ]، بَلْ لم أجِدْ مَن تَكَلَّمَ فيه هذا العَدَدُ الهائلُ مِنَ الأئمَّةِ الذِين أوصَلَهم الشَّيخُ الوادِعِيُّ [يَعنِي الشَّيخَ مُقْبِلًا الوادِعِيَّ] إلى قُرابةِ المِائَةِ إلَّا هذا الرَّجُلَ، بَلْ لم أرَ أحَدًا اِجتَمَعَ عليه مالِكٌ والسُّفْيَانَانِ [أيْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ (ت161هـ)، وسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ (ت198هـ)] وَالْحَمَّادَانِ [أي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ (ت167هـ)، وحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ (ت179هـ)] والأَوْزَاعِيُّ وابْنُ الْمُبَارَكِ وأَحْمَدُ والشَّافِعِيُّ والْبُخَارِيُّ إلَّا هذا الرَّجُلَ... ثم قال -أَيِ الشيخُ الخليفي-: أبو حَنِيفةَ الذي نَتَحَدَّثُ عنه له الكَثِيرُ مِنَ المَقالاتِ الضَّعِيفةِ التي خالَفَ فيها الأحادِيثَ الصَّحِيحةَ، ومع ذلك نَجِدُها [أيْ هذه المَقالاتِ الضَّعِيفةَ] مُنتَشِرةً بَيْنَ مَلايِينَ المُسلِمِين الذين يَتَمَذهَبون بِمَذهَبِه، فَما السِّرُّ في اِختِفاءِ أو اِنحِسارِ الكَلامِ [أيِ التَّجرِيحِ] فيه فَتْرَةً مِنَ الزَّمَنِ؟، السِّرُّ هو سَطْوةُ أهلِ الرَّأيِ وتَقَلُّدُ كَثِيرٍ منهم لِمَنصِبِ القضاءِ فَصاروا يُؤْذُون كُلَّ مَن يَذكُرُ شَيئًا مِن مَثالِبِه [أيْ مَثالِبِ أبِي حَنِيفةَ] وقد سَجَّلَ التارِيخُ عِدَّةَ حَوادِثَ في هذا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخليفي-: وقالَ الوادِعِيُّ [يَعنِي الشَّيخَ مُقْبِلًا الوادِعِيَّ] في (نَشرُ الصَّحِيفةِ) {وبِما أنَّ الحَنَفِيَّةَ لَهم سُلطةُ القَضاءِ في كَثِيرٍ مِنَ الأزمِنةِ تَجِدُ كَثِيرًا مِن أهلِ العِلْمِ لا يَستَطِيعون أنْ يُصَرِّحوا بِالطَّعنِ في أبِي حَنِيفةَ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخليفي-: فَإنَّ جَرْحَ أبِي حَنِيفةَ مَوجودٌ في العَشَراتِ مِنَ الكُتُبِ منها تَارِيخُ الْبُخَارِيِّ الْكَبِيرُ، والْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، والْمَعْرِفَةُ التَّارِيخُ لِيَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ، وحِلْيَةُ الأوْلِيَاءِ [لِأبِي نُعَيْمٍ]، وتَارِيخُ بَغْدَادَ [لِلْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ]، والعِلَلُ لِلْمَرُّوذِيِّ، والعِلَلُ لعَبدِاللهِ بْنِ أحمَدَ، وأَحْوَالُ الرِّجَالِ لِلْجُوزَجَانِيِّ، والسُّنَّةُ لعَبدِاللهِ بْنِ أحمَدَ، والسُّنَّةُ لِلَّالَكَائِيِّ، وغَيرُها مِنَ الكُتُبِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخليفي-: وكَثِيرٌ مِن أهلِ العِلْمِ اِكتَفَى مِن جَرْحِ أبِي حَنِيفةَ بِقَولِه {مُرجِيءٌ} وهذا مِن أبلَغِ الطَّعنِ لو تَأَمَّلْتَ فالإرجاءُ بِدعةٌ ونِسبَتُه إلى الإرجاءِ تَبدِيعٌ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخليفي-: ومَن أرادَ أنْ يُلزِمَنا بِالطَّعنِ في مُعَدِّلِ أبِي حَنِيفةَ [أيْ عندما نُجَرِّحُ أبا حَنِيفةَ] ألزَمناه بِالطَّعنِ في جارِحِ أبِي حَنِيفةَ وهُمْ أكبَرُ وأجَلُّ [أيْ والجارِحون أكبَرُ وأجَلُّ مِنَ المُعَدِّلِين] والطَّعنُ فيه [أيْ في الجارِحِ] ألزَمُ فَإنَّ المُعَدِّلَ إنَّما قالَ ما قالَ بِتَأوِيلٍ ولَكِنَّ بَعْضَ الجَرحِ لا سَبِيلَ إلى رَدِّه إلَّا بِتَكذِيبِ الجارِحِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخليفي-: جاءَ في أشرِطةِ فَتاوَى جُدَّةَ لِلْألبانِيِّ {اِتَّفَقَ جَماهِيرُ عُلَماءِ الحَدِيثِ على تَضعِيفِ أبِي حَنِيفةَ، سَوَاءٌ مَن كانَ منهم مُعاصِرًا له، أو كانَ مِمَّن جاءَ بَعْدَه}، أقولُ، وكذلك الكَلامُ في عَقِيدَتِه وفِقْهِه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخليفي-: إنَّ قَواعِدَ أهلِ الرَّأيِ المُحْدَثةَ هي التي فَتَحَتِ البابَ لِأهلِ التَّجَهُّمِ، فَمَثَلًا قاعِدَتُهم بِأنَّ خَبَرَ الواحِدِ لا يُقبَلُ فِيما تَعُمُّ به البَلْوَى هي التي فَتَحَتِ البابَ لِرَدِّ أخبارِ الآحادِ في العَقِيدةِ، ورَدُّهم لِرِوايَةِ الصَّحابِيِّ غَيرِ الفَقِيهِ فَتَحَتْ بابَ الطَّعنِ في مَروِيَّاتِ الصَّحابةِ في بابِ الصِّفاتِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخليفي-: هذا ما أمكَنَنِي كِتابَتَه في هذه المَسأَلةِ، وعندي كَثِيرٌ لم يُكتَبْ، غَيْرَ أنَّ المُنصِفَ يَكفِيه دَلِيلٌ، والجاهِلُ الظالِمُ لا يَكفِيه ألْفُ دَلِيلٍ، ومَن أرادَ مُناقَشةَ شَيءٍ مِنَ البَحثِ فَلْيَتَفَضَّلْ بِدُونِ تَشَنُّجٍ، فَإنَّ إحاطةَ البَحثِ بِهالةٍ مِنَ التَّشَنُّجِ لِرَدِّ الحُجَّةِ العِلمِيَّةِ سَبِيلُ الضُّعَفاءِ، والحَقُّ الذي أَتَدَيَّنُ به -بَعْدَ بَحثِي لِهذه المَسأَلةِ فَترةً لَيسَتْ قَصِيرةً مِنَ الزَّمَنِ- أنَّ هذا الرَّجُلَ [أيْ أبا حَنِيفةَ] قَدِ اِجتَمَعَ فيه مِن أسبابِ الجَرحِ ما لم يَجتَمِعْ في غَيرِه وأنَّك لا تَجِدُ في كُتُبِ المَجروحِين رَجُلًا تَكَلَّمَ فيه هذا العَدَدُ الهائلُ مِنَ الأئمَّةِ على تَباعُدِ الأقطارِ إلَّا هذا الرَّجُلَ، ولو ثَبَتَ عنه سَبَبٌ واحِدٌ منها فَقَطْ لَكَفَى، وإذا شِئتَ أنْ تَراهم مُتَكَلِّمِين في عَقِيدَتِه وَجَدتَهم مُتَكَلِّمِين بِأشَدِّ الكَلامِ، وإذا شِئتَ أنْ تَراهم مُتَكَلِّمِين في فقهه وَجَدتَهم مُتَكَلِّمِين بِأشَدِّ الكَلامِ، وإذا شِئتَ أنْ تَراهم مُتَكَلِّمِين في حَدِيثِه وَجَدتَهم مُتَكَلِّمِين بِأَغلَظِ الكَلامِ، وعامَّةُ الدِّفاعاتِ عنه فيها تَكَلُّفٌ ومُجانَبةٌ لِلْقَواعِدِ العِلمِيَّةِ، والمُدافِعُ تَنزَلِقُ رِجلُه مِن حَيثُ لا يَشعُرُ إلى الحَطِّ على مَن تَكَلَّمَ به [أيْ بِأبِي حَنِيفةَ] مِنَ الأئمَّةِ أو على الأقَلِّ فَتَحَ البابَ لذلك، والذي أعتَقِدُه أنَّ أئمَّةَ الجَرحِ والتَّعدِيلِ هم أعدَلُ الناسِ وأعلَمُ الناسِ فَلَوْ تَتابَعوا على جَرحِ رَجُلٍ ولم يُفَسِّروا الجَرحَ لم أرَ بُدًّا مِن مُتابَعَتِهم فَكَيفَ وقد فُسِّرَ لك الجَرحُ بِما فُسِّرَ. انتهى باختصار. وقالَ اِبنُ تَيمِيَّةَ في (الاستِقامةُ): أهلُ النُّصُوصِ دَائِما أقدَرُ على الإفتَاءِ وأنفَعُ لِلْمُسِلمِين مِن أهلِ الرَّأيِ المُحدَثِ [يَعنِي أبا حَنِيفةَ ومَن تابَعَه]، فَإِنَّ الذي رَأَيْنَاهُ دَائِما أنَّ أهلَ رَأْيِ الْكُوفَةِ [يَعنِي أبا حَنِيفةَ ومَن تابَعَه] مِن أقَلِّ النَّاسِ عِلمًا بِالفُتْيَا، وَأَقلِّهمْ مَنْفَعَةً لِلْمُسلِمِين مَعَ كَثْرَةِ عَدَدِهمْ وَمَا لَهُم مِن سُلْطَانٍ وَكَثْرَةِ مَا يَتَناوَلونه مِنَ الأموالِ الوَقفِيَّةِ والسُّلطانِيَّةِ وَغَيرِ ذَلِك [قالَ مَوقِعُ (الإسلامُ سؤالٌ وجَوابٌ) الذي يُشْرِفُ عليه الشيخ محمد صالح المنجد في فَتْوَى بِعُنوانِ (أسبابُ اِنتِشارِ المَذهَبِ الحَنَفِيِّ) في هذا الرابط: أمَّا عن أسبابِ اِنتِشارِ المَذهَبِ الحَنَفِيِّ في كَثِيرٍ مِن أرجاءِ الأرضِ، فَيُمكِنُ تَلخِيصُ الأسبابِ بِسَبَبٍ واحِدْ وهو (السِّيَاسةُ)!، ونَعنِي به تَبَنِّي دُوَلٍ إسلامِيَّةٍ كَثِيرةٍ لِهذا المَذهَبِ حتى فَرَضَتْه على قُضاتِها ومَدارِسِها، فَصار له ذلك الانتِشارُ الكَبِيرُ، وقد اِبتَدَأَ ذلك بِالدَّولةِ العَبِّاسِيَّةِ. انتهى. وقالَ الشيخُ محمد العزازي في تَحقِيقِه لكِتابِ (إعلاءُ السُّنَنِ "للشيخ ظفر أحمد العثمانى"): ولَمَّا فَتَحَ العُثمانِيُّون مِصْرَ حَصَروا القَضاء في الحَنَفِيَّةِ، وأصبَحَ المَذهَبُ الحَنَفِيُّ مَذهَبَ أُمَراءِ الدَّولةِ وخاصَّتِها... ثم قالَ -أيِ الشيخُ العزازي-: اِرتَبَطَ المَذهَبُ بِأهلِ السُّلطةِ والدَّولةِ وهو ما أدَّى إلى اِنتِشارِه في مَواطِنَ كَثِيرةٍ ذاتَ أعرافٍ مُختَلِفةٍ ومُتَعَدِّدةٍ من خِلالِ تَبَنِّي دُوَلٍ إسلامِيَّةٍ كَثِيرةٍ لِهذا المَذهَبِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ العزازي-: لِينُ المَذهَبِ وعَدَمُ تَشَدُّدِه ساعَدَ على اِنتِشارِه وارتِباطِه بِالحُكَّامِ والسُّلطةِ، على خِلافِ المَذهَبِ الحَنبَلِيِّ الذي عُرِفَ بِشِدَّتِه على أهلِ البِدَعِ والضَّلالاتِ. انتهى. وقالَ الشيخُ مُقْبِلٌ الوادِعِيُّ في (إجابةُ السائلِ على أهَمِّ المَسائلِ): قالَ عَلَّامةُ اليَمَنِ محمدُ بنُ إسماعيل الأمير الصَّنْعَانِيُّ رَحِمَه اللهُ تَعالَى في (تَطهِيرُ الاعتِقادِ) {وأنتم تَعرِفون أنَّ المُلوكَ لا يَتَقَيَّدون بِكِتابٍ ولا سُنَّةٍ، بَلْ يَعْمَلون ما اِستَحسَنوا}. انتهى باختصار. وقالَ اِبْنُ عَبْدِالْبَرِّ في (الاستِذكارُ): فَالنَّاسُ عَلَى دِينِ الْمُلُوكِ. انتهى. وقالَ عَبْدُالرّحمن المُعَلِّمِيّ اليَمَانِي (الذي لُقِّبَ بـ (شَيخِ الإسلامِ)، وبـ (ذَهَبِيِّ العَصْرِ) نِسبةً إلى الإمامِ الحافِظِ مُحَدِّثِ عَصْرِه مُؤَرِّخِ الإسلامِ شَمْسِ الدِّينِ الذَّهَبِيِّ الْمُتَوَفَّى عامَ 748هـ، وَتَوَلَّى رِئاسةَ الْقَضَاءِ في "عسير"، وتُوُفِّيَ عامَ 1386هـ) في (التَّنكِيلُ بِما في تَأْنِيبِ الكوثري مِنَ الأباطِيلِ) رادًّا على محمَّد زاهد الكوثري الحنفي (ت1371هـ): وقد عَلِمْنا كَيفَ اِنتَشَرَ مَذهَبُكم؛ أوَّلًا، أُولِعَ الناسُ به لِمَا فيه مِن تَقرِيبِ الحُصولِ على الرِّئاسةِ بِدونِ تَعَبٍ في طَلَبِ الأحادِيثِ وسَماعِها وحِفْظِها والبَحثِ عن رُواتِها وعِلَلِها وغَيرِ ذلك، إذْ رَأَوا أنَّه يَكفِي الرَّجُلَ أنْ يَحصُلَ له طَرَفٌ يَسِيرٌ مِن ذلك ثم يَتَصَرَّفَ بِرَأيِه، فإذا به قد صارَ رَئيسًا!؛ ثانِيًا، وُلِّيَ أصحابُكم قَضاءَ القُضاةِ فكانوا يَحرِصون على أنْ لا يُوَلُّوا قاضِيًا في بَلَدٍ مِن بُلدانِ الإسلامِ إلَّا على رَأْيِهم، فرَغِبَ الناسُ فيه لِيَتَوَلُّوا القَضاءَ، ثم كانَ القُضاةُ يَسعَون في نَشرِ المَذهَبِ في جَمِيعِ البُلدانِ؛ ثالِثًا، كانَتْ قُوَى الدَّولةِ كُلُّها تحت إشارَتِهم فَسَعَوا في نَشرِ مَذهَبِهم في الاعتِقادِ وفي الفِقْهِ في جَمِيعِ الأقطارِ، وعَمَدُوا إلى مَن يُخالِفُهم في الفِقْهِ فَقَصَدوه بِأَنواع الأذَى، وفي كِتابِ (قُضاةُ مِصْرَ) طَرَفٌ مِمَّا صَنَعُوه بِمِصْرَ؛ رابِعًا، غَلَبَتِ الأعاجِمُ على الدَّولةِ فَتَعَصَّبوا لِما فيه مِنَ التَّوَسُّعِ في الرُّخَصِ!. انتهى باختصار. وقالَ مَوقِعُ (الإسلامُ سؤالٌ وجَوابٌ) الذي يُشْرِفُ عليه الشيخ محمد صالح المنجد في فتوى بعنوان (هَلْ يَجِبُ اِتِّباعُ أحَدِ المَذاهِبِ) في هذا الرابط: ومَذَهَبُ أبِي حَنِيفةَ قد يَكونُ أكثَرَ المَذاهِبِ اِنتِشارًا بَيْنَ المُسلِمِين، ولَعَلَّ مِن أسبابِ ذلك تَبَنِّي الخُلَفاءِ العُثمانِيِّين لِهذا المَذهَبِ، وقد حَكَموا البِلادَ الإسلامِيَّةَ أكثَرَ مِن سِتَّةِ قُرونٍ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ ناصرُ بنُ حمد الفهد (المُتَخَرِّجُ مِن كُلِّيَّةِ الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، والمُعِيدُ في كُلِّيَّةِ أصول الدين "قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة") في (الدَّولةُ العُثمانِيَّةُ ومَوقِفُ دَعوةِ الشَّيخِ مُحَمَّدِ بٍنِ عَبدِالوَهَّابِ منها): أمَّا حَربُ العُثمانِيِّين لِلتَّوحِيدِ فَمَشهورٌ جِدًّا، فَقَدْ حارَبوا دَعوةَ الشَّيخِ مُحَمَّدِ بٍنِ عَبدِالوَهَّابِ رَحِمَه اللهُ كَما [هو] مَعروفٌ {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}؛ وأَرسَلوا الحَمَلَاتِ تِلْوَ الحَمَلَاتِ لمُحارَبةِ أهلِ التَّوحِيدِ، حتى تَوَّجُوا حَرْبَهم هذه بِهَدْمِ الدِّرْعِيَّةِ عاصِمةِ الدَّعوةِ السَّلَفِيَّةِ عامَ 1233هـ، وقد كانَ العُثمانِيُّون في حَرْبِهم لِلتَّوحِيدِ يَطْلُبون المَعُونةَ مِن إخوانِهم النَّصارَى، ومِن جَرائمِهم أنَّهم قاموا بِسَبْيِ النِّساءِ والغِلْمانِ -مِن أهلِ التَّوحِيدِ- وبَيْعِهم... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الفهدُ-: فَهذه عَداوَتُهم لِلتَّوحِيدِ وأهلِه، وهذا نَشْرُهم لِلشِّركِ والكُفرِ، فَكَيفَ يُزْعَمُ أنَّ هذه الدَّولةَ الكاِفرةَ الفاجِرةَ (خِلَافةٌ إسلامِيَّةٌ)؟!... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الفهدُ-: مَنِ اِدَّعَى أنَّ الدَّولةَ العُثمانِيَّةَ دَولةٌ مُسلِمةٌ فَقَدْ كَذَبَ وافْتَرَى، وأعظَمُ فِرْيَةٍ في هذا البابِ أنَّها (خِلَافةٌ إسلامِيَّةٌ). انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ حامد العطار (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والباحث الشرعي بموقع إسلام أون لاين) في مَقالةٍ له بِعُنوانِ (أضرارُ شُيوعِ الفِكْرِ الإرجائِيِّ) على هذا الرابط: فَإنَّ الإرجاءَ يَجْعَلُ الحاكِمَ المُستَبِدَّ مَهْمَا اِستَبَدَّ وظَلَمَ وطَغَى وبَدَّلَ في دِينِ اللهِ، يَجْعَلُه في أَمَانٍ مِنَ الكُفْرِ بِدَعْوَى عَدَمِ الاستِحلالِ، ولِذلك قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ [ت 204هـ] {الإِرْجَاءُ دِينٌ يُوَافِقُ الْمُلُوكَ، يُصِيبُونَ بِهِ مِنْ دُنْيَاهُمْ، وَيَنْقُصُونَ مِنْ دِينِهِمْ}. انتهى. وقالَ الشيخُ طارق عبدالحليم في (أحداث الشام، بتقديم الشيخ هاني السباعي): فَقَدْ قامَتْ مِن قَبْلُ دُوَلٌ اِعتِزالِيَّةٌ كَدَوْلةِ الْمَأْمُونِ وَالْمُعْتَصِمِ وَالْوَاثِقِ [وثَلَاثَتُهُمْ مِن حُكَّامِ الدَّولةِ العَبَّاسِيَّةِ]، ثم بادَتْ [أَيْ سَقَطَتْ] على يَدِ الْمُتَوَكِّلِ [عاشِرِ حُكَّامِ الدَّولةِ العَبَّاسِيَّةِ]، وقامَتْ دُوَلٌ على يَدِ الروافِضِ، والتي قَضَتْ [أَيْ سَقَطَتْ] على يَدِ نُورِ الدِّينِ [مَحْمُودِ بْنِ] زَنْكِي وصَلَاحِ الدِّينِ الأَيُّوبِيِّ [هو يُوسُفُ بْنُ أَيُّوب]، وقامَتْ دُوَلٌ على مَذْهَبِ الإرجاءِ، بَلْ كافَّةُ الدُّوَلِ التي قامَتْ [أَيْ بَعْدَ مَرْحَلَةِ الخِلَافةِ الراشدةِ] كانَتْ على مَذْهَبِ الإرجاءِ [وهو المَذهبُ الذي ظَهَرَ في عَصْرِ الدَّوْلَةِ الأُمَوِيَّةِ التي بِقِيَامِها قامَتْ مَرْحَلَةُ الْمُلْكِ الْعَاضِّ]، إِذْ هو دِينُ المُلوكِ كَما قِيلَ، لِتَساهُلِه وإفساحِه المَجَالَ لِلْفِسْقِ والعَرْبَدةِ. انتهى باختصار]، ثم إِنَّهُم فِي الْفَتْوَى مِن أقَلِّ النَّاسِ مَنْفَعَةً، قَلَّ أنْ يُجِيبوا فِيهَا، وَإِن أجابوا فَقَلَّ أَنْ يُجِيبوا بِجَوَاب شافٍ، وَأمَّا كَونُهم يُجِيبون بِحُجَّةٍ فَهُمْ مِن أبعَدِ النَّاسِ عَن ذَلِك، وَسَبَبُ هَذَا أن الأعْمَالَ الْوَاقِعَةَ يَحْتَاجُ الْمُسلمُونَ فِيهَا إِلَى مَعرِفَةٍ بِالنُّصوصِ، ثم إِنَّ لَهُم [أَيْ لِأبِي حَنِيفةَ ومَن تابَعَه] أُصولًا كَثِيرَةً تُخَالِفُ النُّصُوصَ، وَالَّذِي عِنْدهم مِنَ الْفُرُوعِ الَّتِي لَا تُوجَدُ عِنْد غَيرِهم فَهِيَ مَعَ مَا فِيهَا مِنَ الْمُخَالفَةِ لِلنُّصوصِ الَّتِي لم يُخَالِفْهَا أحَدٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَكثَرَ مِنْهُم عامَّتُها إِمَّا فُروعٌ مُقَدَّرَةٌ غَيرُ وَاقِعَةٍ [قالَ الشيخُ وهبة الزحيلي (رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه بكلية الشريعة بجامعة دمشق) في (كِتابِ "مَجَلَّةُ مَجْمَعِ الفِقهِ الإسلامِيِّ" التي تَصْدُرُ عَنِ مُنَظَّمَةِ المُؤتَمَرِ الإسلامِيِّ بِجُدَّةَ): الفارِقُ المُتَمَيِّزُ بَيْنَ مَدرَسةِ أهلِ الرَّأيِ بِالكُوفةِ (أو العِراقِ) بِزَعامةِ الإمامِ أبِي حَنِيفةَ، وبَيْنَ مَدرَسةِ أهلِ الحَدِيثِ في المَدِينةِ (أو الحِجازِ) بِزَعامةِ الإمامِ مالِكٍ، هو أنَّ فِقهَ المَدرَسةِ الأُولَى يَعنِي بِبَحثِ الاحتِمالاتِ أو الافتِراضاتِ النَّظَرِيَّةِ التي شَعَبَّتِ الفِقهَ وضَخَّمَتْه وعَقَّدَتْه، وأعيَتِ المُقَلِّدِين والأتباعَ بِحِفظِ أَجْوِبةِ المَسائلِ والحَوادِثِ التي تَتَجاوَزُ عَشَرَاتُ الآلَافِ، وأمَّا فِقهُ أهلِ الحَدِيثِ فَيَقتَصِرُ على بَحثِ الحالاتِ الواقِعِيَّةِ والمَسائلِ المُستَجِدَّةِ. انتهى باختصار] وَإِمَّا فُروعٌ مُتَقَرِّرةٌ على أُصُولٍ فَاسِدَةٍ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (نَصْبُ الْمَنْجَنِيقِ): وقد ذَكَرَ شَيخُ الإسلامِ [اِبْنُ تَيمِيَّةَ] رَحِمَه اللهُ أنَّ أكثَرَ أهلِ الحَدِيثِ لا يَعتَبِرون خِلافَ أبِي حَنِيفةَ خِلافًا في المَسائلِ. انتهى. وقالَ الشيخُ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في مَقالةٍ له على موقِعه في هذا الرابط: كُلُّ ذَمٍّ وَرَدَ في كلامِ السَّلَفِ الصالحِ للمُرجِئةِ أو الإرجاءِ فالمَقصودُ به الفُقَهاءُ الْحَنَفِيَّةُ [يَعنِي مُتَقَدِّمِي الفُقَهاءِالحَنَفِيَّةِ]. انتهى. وقالَ الشيخُ الحوالي أيضًا في مَقالةٍ له على موقِعه في هذا الرابط: ما وَرَدَ عن كَثِيرٍ مِنَ التابِعِين وتَلامِذَتِهم في ذَمِّ الإرجاءِ وأَهلِه والتحذيرِ مِن بِدعَتِهم، إنَّما المقصودُ به هؤلاء المُرجِئةُ الفُقَهاءُ [وَهُمْ مُتَقَدِّمُو الحَنَفِيَّةِ]، فَإِنَّ (جَهْمًا) لم يَكُنْ قد ظَهَرَ بَعْدُ، وحتى بَعْدَ ظُهورِه كانَ بخُرَاسَانَ ولم يَعْلَمْ عن عقيدتِه بَعضُ مَن ذَمَّ الإرجاءَ مِن عُلَماءِ العِراقِ وغَيرِه، الذِين كانوا لا يَعرِفون إلَّا إرجاءَ فُقَهاءِ الكُوفَةِ ومَنِ اِتَّبَعَهم، حتى إنَّ بَعضَ عُلَماء المَغْرِبِ كابْنِ عَبْدِالْبَرِّ لم يَذْكُرْ إرجاءَ الجَهْمِيَّةِ بالمَرَّةِ. انتهى. وقالَ الشيخُ محمد بنُ عبدالله الخُضَيري (الأستاذ المساعد بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود) في (تفسير التابعين): جاءَ عن مُجَاهِدٍ أنَّ الإرجاءَ أَوَّلُ سُلَّمِ الزَّنْدَقةِ. انتهى. وجاء في موسوعةِ الفِرَقِ المنتسبة للإسلام (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ عَلوي بن عبدالقادر السَّقَّاف): سُئِلَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الإِرْجَاءِ فَقَالَ {الْمُرْجِئَةُ الْيَوْمَ يَقُولُونَ (الإِيمَانُ قَوْلٌ بِلَا عَمِلٍ)، فَلَا تُجَالِسُوهُمْ وَلَا تُؤَاكِلُوهُمْ وَلَا تُشَارِبُوهُمْ وَلَا تُصَلُّوا مَعَهُمْ وَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهِمْ}... ثم جاءَ -أَيْ في الموسوعةِ-: قَالَ الزُّهْرِيُّ {مَا اُبْتُدِعَتْ فِي الإِسْلَامِ بِدْعَةٌ أَضَرُّ عَلَى أَهْلِهِ مِنَ الإِرْجَاءِ}، وقال شَرِيكٌ الْقَاضِي وَذَكَرَ الْمُرْجِئَةَ فَقَالَ {هُمْ أَخْبَثُ قَوْمٍ}... ثم جاءَ -أَيْ في الموسوعةِ-: جاءَتِ المُرجِئةُ بعُقولِهم العاجِزةِ عن فَهْمِ أُسُسِ العَقِيدةِ وثَوابِتِها أمامَ الفِتَنِ والأحداثِ الجِسَامِ، فَجَنَحُوا إلى فَصْلِ الإيمانِ عنِ العَمَلِ، واتَّسَعَتْ دائرةُ هذا الابتداعِ لِيَجِدَ فيه أتباعُ الفِرَقِ المُنحَرِفةِ مَخْرَجًا لِانسِلاخِهم وبُعْدِهم عنِ الدِّينِ الحَقِّ؛ وبِسَبَبِ هذا الواقِعِ الألِيمِ، أَنْكَرَ عُلَماءُ السَّلَفِ على المُرجِئةِ مَقالَتَهم الضَّالَّةَ، واعتَبَروها مِنَ البِدَعِ الخَطِرَةِ؛ وكانَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ يَقولُ عنهم {الشَّرُّ مِن أَمْرِهم كَبِيرٌ، فَإيَّاك وإيَّاهم}، وذُكِرَ عنده الْمُرْجِئَةُ فَقَالَ {وَاللَّهِ، إنَّهم أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}، ورَوَى عَبدُاللهِ بْنُ أَحمَدَ أنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ كانَ يَقولُ عنِ المُرجِئةِ {إنَّهم يَهُودُ الْقِبْلَةِ} [قالَ الشيخُ عبدُالله الخليفي في مقالة على موقعه في هذا الرابط: وَلْيُعْلَمْ أنَّه [أَيْ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ] إنَّما أرادَ مُرجِئةَ الفُقَهاءِ [وَهُمْ مُتَقَدِّمُو الحَنَفِيَّةِ]، وذلك أنَّه لم يُدرِكْ أَصْنافَ المُرجِئةِ الأُخرَى، وإذا كانَ أخَفُّ أَصْنافِ المُرجِئةِ داخِلِين في هذا فَمِن بابٍ أَوْلَى الغُلَاةُ كَمُرجِئةِ الأَشْعَرِيَّةِ والمَاتُرِيدِيَّةِ. انتهى]، وكانَ السَّلَفُ لا يُسَلِّمون عليهم ولا يُجالِسونهم، ويَنْهَوْنَ عن ذلك، ولا يَحْضُرون جَنَائزَهم ولا يُصَلُّون عليهم إذا ماتُوا. انتهى باختصار.

 

وقالَ الشيخُ مُقْبِلٌ الوادِعِيُّ في (إسكاتُ الكَلْبِ العاوِي يُوسُفَ بْنِ عبدالله القرضاوي): كَفَرْتَ يَا قرضاوي [هو يوسفُ القرضاوي عضوُ هيئة كبار العلماء بالأزهر (زَمَنَ حُكْمِ الرئيسِ الإخوانيِّ محمد مرسي)، ورئيس الاتحاد العالمي لعُلماءِ المسلمِين (الذي يُوصَفُ بأنه أكبرُ تَجَمُّع للعلماءِ في العالَمِ الإسلامِيِّ)، ويُعتَبَرُ الأَبَ الرُّوحِيَّ لجماعةِ الإخوانِ المُسلِمِين على مُستَوَى العالَمِ] أو قارَبْتَ. انتهى. وقالَ الشيخُ ياسر برهامي (نائبُ رئيسِ الدعوةِ السَّلَفِيَّةِ بالإِسْكَنْدَرِيَّةِ) في مقالةٍ على موقعِه في هذا الرابط: يَوْمَ أنْ أَفْتَى الدُّكْتُورُ يُوسُفُ القرضاوي بِأنَّه يَجوزُ لِلمُجَنَّدِ الأَمْرِيكِيِّ أنْ يُقاتِلَ مع الجَيشِ الأَمْرِيكِيِّ ضِدَّ دَولةِ أفغانِسْتانَ المُسلِمةِ لم يَنعَقِدِ اِتِّحادُ عُلَماءِ المُسلِمِين [يَعْنِي (الاتِّحادَ العالَمِيَّ لِعُلَماءِ المُسلِمِين) الذي يَرْأَسُه القرضاوي] لِيُبَيِّنَ حُرمةَ مُوالَاة الكُفَّارِ، ولم تَنْطَلِقِ الأَلْسِنةُ مُكَفِّرةً ومُضَلِّلةً وحاكِمةً بالنِّفاقِ!، مع أنَّ القِتالَ والنُّصرةَ أَعْظَمُ صُوَرِ المُوالَاةِ ظُهورًا، ودَولةُ أفغانِسْتانَ كانَتْ تُطَبِّقُ الحُدودَ وتُعلِنُ مَرجِعِيَّةَ الإسلامِ. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (تَكفِيرُ القرضاوي "بِتَصوِيبِ المُجتَهِدِ مِن أهلِ الأديانِ"): خُلاصةُ رَأْيِ القرضاوي أنَّ مَن بَحَثَ في الأديانِ وانتَهَى به البَحثُ إلى أنَّ هناك دِينًا خَيرًا وأفْضَلَ مِن دِينِ الإسلامِ -كالوَثَنِيَّةِ والإلحادِيَّةِ واليَهُودِيَّةِ والنَّصرانِيَّةِ- فاعتَنَقَه، فَهُوَ مَعذورٌ ناجٍ في الآخِرةِ ولا يَدخُلُ النارَ، لِأنَّه لا يَدخُلُ النارَ إلَّا الجاحِدُ المُعانِدُ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: يَجِبُ تَكفِيرُ القرضاوي في قَولِه {أنَّ المُجتَهِدَ في الأديانِ، إذا انتَهَى به البَحْثُ إلى دِينٍ يُخالِفُ الإسلامَ -كالوَثَنِيَّةِ والإلحادِيَّةِ- فهو مَعذورٌ ناجٍ مِنَ النارِ في الآخِرةِ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: ظاهِرُ كَلامِ القرضاوي اِقتَضَى أنَّ الباحِثَ في الأديانِ إذا اِنْتَهَى إلى اِعتِقادِ الوَثَنِيَّةِ والإلحادِيَّةِ والمَجُوسِيَّةِ، فَإنَّه ليس كافِرًا ولا مُشرِكًا عند اللهِ وعند المُسلِمِين، لِأنَّه -في زَعْمِ القرضاوي- أتَى بِما أَمَرَه الشارِعُ مِنَ الاجتِهادِ والاستِنارةِ بِنورِ العَقلِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: المُسلِمون أجمَعوا على أنَّ مُخالِفَ مِلَّةِ الإسلامِ مُخطِئٌ آثِمٌ كافِرٌ، اِجتَهَدَ في تَحصِيلِ الهُدَى أو لم يَجتَهِدْ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: والقائلُ بِما قالَ القرضاوي كافِرٌ بالإجماعِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: يُوسُفُ القرضاوي كافِرٌ بِمُقتَضَى كَلامِه، ومَن لم يُكَفِّرْه بَعْدَ العِلْمِ فَهُوَ كافِرٌ مِثْلَه. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو بصير الطرطوسي في مقالة له بعنوان (لماذا كَفَّرْتُ يُوسُفَ القرضاوي) على موقعِه في هذا الرابط: مُنْذُ سَنَوَاتٍ قد أَصْدَرْتُ فَتْوَى -هي مَبْثوثةٌ ضِمْنَ الفَتَاوَى المَنشورةِ في مَوقِعِي على الإنترنت- بِكُفرِ ورِدَّةِ يوسفَ القرضاوي. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو بصير الطرطوسي أيضًا في فَتْوَى له بعنوان (تَكفِيرُ القرضاوي) على موقعِه في هذا الرابط: واعْلَمْ أنَّ الرَّجُلَ [يَعْنِي القرضاوي] لو لَمَسْنا منه ما يُوجِبُ التَّوَقُّفَ عن تَكْفِيرِه شَرْعًا، فلَنْ نَتَرَدَّدَ حِينَئِذٍ لَحظَةً عن فِعْلِ ذلك، ولنْ نَستَأذِنَ أَحَدًا في فِعْلِ ذلك. انتهى.

 

وقالَ الشيخُ مُقْبِلٌ الوادِعِيُّ في (قمع المعاند) رادًّا على (جَماعةِ الإخوانِ المسلمِين) في ادِّعائهم {أنَّهم هُمُ الفِرْقةُ الناجِيَةُ}: وهَلِ الفِرْقةُ الناجِيَةُ هُمُ الذِين يُمَجِّدون (محمد الغزالي [الذي تُوُفِّيَ عامَ 1996م، وكانَ يَعْمَلُ وَكِيلًا لوِزَارةِ الأوْقافِ بمِصْرَ]) الضالَّ المُلْحِدَ؟!. انتهى.

 

وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (الإعانة لطالب الإفادة): إنَّه لا ضَيْرَ في تَكفِيرِ العَوَامِّ والعُلَماءِ إذا جَرَى سَبَبُ التَّكفِيرِ. انتهى.

 

وقالَ الشيخُ عَلِيٌّ بْنُ خضير الخضير في (إجابة فضيلة الشيخ علي الخضير على أسئلة اللقاء الذي أُجْرِيَ مع فضيلته في مُنْتَدَى "السلفيون"): وهناك مَوانِعُ [أيْ مِنَ التَّكفِيرِ] غَيرُ مُعتَبَرةِ لَكِنْ يَظُنُّها بَعضُهم أنَّها مانِعٌ وليست بِمانِعٍ، مِثلُ كَونُه [أيِ المُتَلَبِّسِ بِالكُفرِ] مِنَ الحُكَّامِ أو العُلَماءِ أو الدُّعاةِ أوِ المُجاهِدِين، فَيُمنَعُ مِن تَكفِيرِه ولو جاءَ بِكُفرٍ صَرِيحٍ بَوَاحٍ!. انتهى باختصار.

 

وقالَ الشيخُ أبو بصير الطرطوسي في (قواعِدُ في التَّكفِيرِ): إنَّ الحَسَناتِ مَهْمَا عَظُمَتْ لا يُمكِنُ أنْ تَمنَعَ عن صاحِبِها الكُفرَ لو وَقَعَ فيه، ويَطالُه وَعِيدُ الكُفرِ وآثارُه في الدُّنيَا والآخِرةِ ولا بُدَّ، فالحَسَناتُ تُكَفِّرُ السَّيِّئاتِ التي هي دُونَ الكُفرِ والشِّركِ، أمَّا الكُفرُ والشِّركُ لا طاقَةَ لها [أَيْ لِلحَسَناتِ] به، لِقَولِه تَعالَى {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ}، ولِقَولِه تَعالَى {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، ولِقَولِه تَعالَى {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، ولِقَولِه تَعالَى {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا}. انتهى.

 

وقالَ الشيخُ تركي البنعلي في (شَرحُ شُروطِ ومَوانِعِ التَّكفِيرِ): فُلانٌ مِنَ الناسِ اِرتَكَبَ الكُفرَ البَوَاحَ والشِّركَ الصُّراحَ، يَقولُ [أيِ البَعضُ] لك {لا نَستَطِيعُ أنْ نُكَفِّرَه}، لِمَ؟، {لِأنَّه مِن حَفَظَةِ القُرآنِ}!، هَلْ هذا مانِعٌ مِن مَوانِعِ التَّكفِيرِ؟!، ليس مِن مَوانِعِ التَّكفِيرِ في شَيءٍ، النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أخبَرَنا كَما عند مُسلِمٍ {وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ}، إذَنْ إذا عَمِلَ به فَهو حُجَّةٌ له، وإنْ لم يَعمَلْ به وعَمِلَ بِخِلافِه، أو ناقَضه أو كَفَرَ به أو اِستَهزَأَ به، وإنْ كانَ حافِظًا له، فَهو حُجَّةٌ عليه وليس بِحُجَّةٍ له. انتهى.

 

زيد: رُبَّما قالَ لك البَعضُ {إذا كَفَّرتُ أَحَدَ القُبُورِيِّين فَما الذي يَضْمَنُ لي ألَّا أَبُوأَ أَنَا بِالكُفرِ؟}.

 

عمرو: الجَوابُ على سُؤَالِك هذا يَتبيَّنُ مِنَ الآتِي:

 

(1)قالَ النوويُّ في (شرح صحيح مسلم): قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا}، وَفِي الرِّوَايَةِ الأُخْرَى {أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأخِيهِ (يَا كَافِرُ) فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ}، وَفِي الرِّوَايَةِ الأُخْرَى {... وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ (عَدُوَّ اللَّهِ) وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ}، هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا عَدَّهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْمُشْكِلَاتِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُ مُرَادٍ [قالَ الشيخُ أبو بكر القحطاني في (شَرحُ قاعِدةِ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ") في هذا الحَدِيثِ: هذا الحَدِيثُ، بِالإجماعِ ليس على ظاهِرِه. انتهى]، وَذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّهُ لَا يَكْفُرَ الْمُسْلِمُ بِالْمَعَاصِي كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا، وَكَذَا قَوْلِهِ لِأخِيهِ {يَا كَافِرُ} مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ بُطْلَانِ دِينِ الإِسْلَامِ، وَإِذَا عُرِفَ مَا ذَكَرْنَاهُ، فَقِيلَ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ أَوْجُهٌ؛ أَحَدُهَا، أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ لِذَلِكَ، وَهَذَا يُكَفَّرُ، فَعَلَى هَذَا مَعْنَى (بَاءَ بِهَا) أَيْ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ -وَكَذَا (حَارَ عَلَيْهِ)، وَهُوَ مَعْنَى (رَجَعَتْ عَلَيْهِ)- أَيْ رَجَعَ عَلَيْهِ [أيْ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ] الْكُفْرُ، فَبَاءَ وَحَارَ وَرَجَعَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ وَالْوَجْهُ الثَّانِي، مَعْنَاهُ رَجَعَتْ عَلَيْهِ نَقِيصَتُهُ لِأخِيهِ وَمَعْصِيَةُ تَكْفِيرِهِ؛ وَالثَّالِثُ، أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْخَوَارِجِ الْمُكَفِّرِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ [قالَ الشيخُ عبدُالرحمن البرَّاك (أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في (إجابات الشيخ عبدالرحمن البراك على أسئلة أعضاء ملتقى أهل الحديث): وأصلُ مَذهَبِهم [أيْ مَذهَبِ الخَوارِجِ] التَّكفِيرُ بِالكَبائرِ مِنَ الذُّنوبِ؛ وقد يَعُدُّون ما ليس بِذَنبٍ ذَنبًا فَيُكَفِّرون به، كَما قالوا في التَّحكِيمِ بَيْنَ عَلِيٍّ ومُعاوِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فَكَفَّروا الحَكَمَيْنِ [وهما أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا] وكَفَّروا عَلِيًّا ومُعاوِيَةَ ومَن معهما؛ ثم صاروا [أيِ الخَوارِجُ] بَعْدَ ذلك فِرَقًا، ومِنَ الأُصولِ المَشهورةِ عنهم إنكارُ السُّنَّةِ؛ والذي يَظهَرُ أنَّه لا يُعَدُّ مِنَ الخَوارِجِ إلَّا مَن قالَ بِهَذَين الأصلَين، وهما التَّكفِيرُ بِالذُّنوبِ، وإنكارُ الاحتِجاجِ والعَمَلِ بالسُّنَّةِ؛ وأمَّا تَفاصِيلُ الفَرقِ بَيْنَ فِرَقِهم [أي فِرَقِ الخوارج] فَيُرجَعُ فيه إلى كُتُبِ الفِرَقِ. انتهى باختصار. وفي فتوى صَوْتِيَّةٍ مُفَرَّغةٍ للشيخِ صالح الفوزان (عضوُ هيئةِ كِبار العلماءِ بالدِّيَارِ السعوديةِ، وعضوُ اللجنةِ الدائمةِ للبحوثِ العلميةِ والإفتاءِ) على موقعِه في هذا الرابط، قالَ الشيخُ: الخَوَارِجُ هُمُ الذِين يَخرُجون عن طاعةِ وَلِيِّ أَمْرِ المسلمِين، يَشُقُّون عَصَا الطاعةِ، ويُقاتِلون المسلمِين، ويُكَفِّرون المسلمَ بالمَعصِيَةِ التي دُونَ الشِّركِ، الكبيرةِ التي دُونَ الشِّرْكِ يُكَفِّرونه بها، فَهُمْ يَجْمَعون بين جَرِيمَتَين، جَرِيمةُ التَّكفيرِ بالكبائرِ التي دُونَ الشِّرْكِ، وجَرِيمةُ شَقِّ عَصَا الطاعةِ وتَفرِيقِ الجَمَاعةِ، وجَرِيمةٌ ثالثة وهي قَتْلُ المسلمِين، أَخْبَرَ صلى اللهُ عليه وسلمَ أنَّ الخوارجَ يُقَاتِلُونَ أَهْلَ الإيمانِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ. انتهى. وقالَ الشيخُ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في مَقالةٍ له على موقِعِه في هذا الرابط: والخَوارجُ هُمُ الفِرَقُ التي تُكَفِّرُ المسلمِين بمُجَرَّدِ الذُّنوبِ، بالأُمورِ التي لم يُكَفِّرْ بها اللهُ ورسولُه صلى الله عليه وسلم، وعليه فلَفْظُ (الخَوَارِج) عَلَمٌ على هذه الفِرقةِ، تحت أَيِّ اسمٍ وفي أَيِّ مَكانٍ أو زَمانٍ كانوا، وسَوَاءً خَرَجُوا على الإمامِ أَمْ لم يَخْرُجوا؛ وليس كُلُّ مَن خَرَجَ على الإمامِ يكونُ خارِجِيًّا، فقد يكونون غيرَ خَوارِجَ مِن حيث العقيدةُ فيُسَمَّون (بُغَاة)... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الحوالي-: ليس كُلُّ مَن خَرَجَ على عليٍّ رضِيَ اللهُ عنه يُقالُ {إنَّه مِنَ الخَوَارِجِ}، فَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -مَثَلًا- ومَن كان معه مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم أَجْمَعِينَ خَرَجوا عن طاعةِ عليٍّ رضِيَ اللهُ عنه، فهل سَمَّاهم خَوَارِجَ؟ أو اعتَبَرَهم خَوَارِجَ؟، لا [أَيْ أنَّ عَلِيًّا رضِيَ اللهُ عنه لم يُسَمِّهم ولم يَعْتَبِرْهم خَوَارِجَ]. انتهى. وفي هذا الرابط قال مَركزُ الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوِزَارةِ الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: الحاكِمُ الكافرُ والمُرْتَدُّ، وفي حُكْمِه تاركُ الصلاةِ ونحوُه، فهؤلاء يَجِبُ الخُروجُ عليهم -ولو بالسَّيْفِ- إذا كان غالِبُ الظَّنِّ القُدْرَةَ عليهم؛ أمَّا إذا لم يَكُنْ هناك قُدْرةٌ على الخُروجِ عليه فَعَلَى الأُمَّةِ أنْ تَسْعَى لإِعْدَادِ القُدْرَةِ والتَّخَلُّصِ مِن شَرِّه. انتهى باختصار. وفي (شرح العقيدة الواسطية) للشيخ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد)، سُئِلَ الشيخُ {هَلِ الثُّوَّارُ الذِين في الجَزَائِرِ، هَلْ يُعْتَبَرون مِنَ الخَوَارِجِ؟}؛ فأجابَ الشيخُ {لا يُعْتَبَرون مِنَ الخَوَارِجِ، لِأنَّ دَوْلَتَهم هناك دَوْلةٌ غيرُ مُسْلِمةٍ، فلَيْسُوا مِنَ الخَوَارِجِ وَلَا مِنَ البُغاةِ}. انتهى. وقالَ الشيخُ حسين بنُ محمود في مقالة له بعنوان (الدَّولةُ الإسلامِيَّةُ الخارِجِيَّةُ): فمِنَ المعلومِ أنَّ جَيْشَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَتَلُوا [في مَوْقِعَةِ الْجَمَلِ] طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِاللهِ والزُّبَيْرَ بْنَ العَوَّامِ وَهُمَا مِنَ الْعَشَرَةِ المُبَشَّرِين بالجَنَّةِ، وجَيْشُ عَلِيٍّ ليس خارِجِيًّا اتِّفاقًا، [وأيضًا] جَيْشُ مُعَاوِيَةَ قَتَلَ [في مَوْقِعَةِ صِفِّينَ] عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، [فَقَدِ] اقْتَتَلَ الصَّحابةُ في الْجَمَلِ وصِفِّينَ فقُتِلَ عَشَرَاتُ الآلَافِ مِن خِيرَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَهَلِ الصَّحابةُ والتابِعون خَوَارِجُ؟!... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ حسين-: مَن ثَبَتَ عليه أنَّه قَتَلَ أهلَ الإسلامِ فَقَطْ ولم يُقاتِلْ أهلَ الأَوْثانِ، لا نَحْكُمُ عليه بالخارِجِيَّةِ حتى تَنْطَبِقَ عليه بَقِيَّةُ الصِّفاتِ، فهذا عَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَكَمَ بِلَادِ الإسلامِ لِسَنَواتٍ، وكان قِتَالُه كُلُّه ضِدَّ المسلمِين، وعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَكَمَ قُرَابَةَ خَمْسِ سَنَوَاتٍ قاتَلَ فيها المسلمِين فَقَطْ، ولا يَقولُ مُسلِمٌ بخارِجِيَّتِهما، ومُعَاوِيَةَ قاتَلَ المُسلِمِين والكفارَ في خِلَافَتِه، ولا يَقولُ مُسلِمٌ بأنَّ مُعَاوِيَةَ أَفْضَلُ مِن عَلِيّ، رَضِيَ اللَّهُ عنِ الصَّحابةِ أَجْمَعِين؛ بَلْ حتى الذي يَسْفِكُ دَمَ آلَافِ المسلمِين، بلْ مِئَاتِ الآلَافِ مِنَ المسلمِين، لا يكونُ خارِجِيًّا إِلَّا أنْ تَنْطَبِقَ عليه [بَقِيَّةُ] صِفَاتُ الخَوَارِجِ، فقد قِيلَ بأنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ الثَّقَفِيَّ قَتَلَ أَلْفَ أَلْفِ نَفْسٍ ([أَيْ] مِلْيُونًا)، ولم يَرْمِه أَحَدٌ بالخارِجِيَّةِ!، وقِيلَ بأنَّ بَنُو العَبَّاسِ كانوا يُخرِجون جُثَثَ بَنِي أُمَيَّةَ مِنَ القُبورِ وَيَحْرِقُونهَا، ولم يَقُلْ أَحَدٌ بأنَّهم خَوَارِجُ و[قد] قَتَلُوا كُلَّ مَن وَجَدوا مِن بَنِي أُمَيَّةَ في الشَّامِ، وأَسْرَفوا في القَتْلِ حتى قِيلَ بأنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عَلِيٍّ (عَمَّ السَّفَّاحِ [هو عَبْدُاللَّهِ بنُ محمد بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ بن عبدالمطلب]) قَتَلَ في الشَّامِ خِلَالَ ثَلَاثِ سَاعَاتٍ خَمْسِيْنَ أَلْفًا مِن جُنودِ بَنِي أُمَيَّةَ وأُمَرائهم وأَهْلِيهم وأَنصارِهم وَفَرَّ البَاقُون إلى الْمَغْرِبِ والأَنْدَلُسِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ ممدوح جابر في مقالة له بعنوان (حَوْلَ أحداثِ الثَّوْرةِ) على هذا الرابط: خَرَجَ سَيِّدُ شَبَابِ أهلِ الجَنَّةِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، رِضْوَانُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، عَلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ [بْنِ أَبِي سُفْيَانَ]، وبايَعَه ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا [مِن أهلِ الكُوفَةِ]، ولم يَقُلْ أَحَدٌ في التاريخِ أنَّ الْحُسَيْنَ -رِضْوَانُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ- وأهلَ الكُوفَةِ كانوا يَوْمَئِذٍ فِرْقَةً مِنَ الفِرَقِ الضَّالَّةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ ممدوح-: خَرَجَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ الأَشْعَثِ على الْحَجَّاجِ ثم على الخَلِيفةِ عَبْدِالْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وكان مع ابْنِ الأَشْعَثِ خِيَارُ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، والإمامُ المُفَسِّرُ الكبيرُ مُجَاهِدٌ، والإمامُ الشَّعْبِيُّ، وغيرُهم. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ محمد بنُ رزق الطرهوني (الباحث بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والمدرس الخاص للأمير عبدالله بن فيصل بن مساعد بن سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود) في مقالةٍ له على موقعِه في هذا الرابط: وَمَا أَجْمَلَ كَلَامَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ حيث يقولُ [فِي كِتَابِهِ (السِّرُّ الْمَصُونُ)] {مِنَ الاعْتِقَادَاتِ الْعَامِّيَّةِ الَّتِي غَلَبَتْ عَلَى جَمَاعَةٍ مُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ، أَنْ يَقُولُوا (إنَّ يَزِيدَ [بْنَ مُعَاوِيَةَ] كَانَ عَلَى الصَّوَابِ، وَأَنَّ الْحُسَيْنَ [بْنَ عَلِيٍّ] أَخْطَأَ فِي الْخُرُوجِ عَلَيْهِ)، وَلَوْ نَظَرُوا فِي السِّيَرِ لَعَلِمُوا كَيْفَ عُقِدَتْ لَهُ الْبَيْعَةُ وَأُلْزِمَ النَّاسُ بِهَا، وَلَقَدْ فَعَلَ فِي ذَلِكَ كُلَّ قَبِيحٍ، ثُمَّ لَوْ قَدَّرْنَا صِحَّةَ خِلَافَتِهِ فَقَدْ بَدَرَتْ مِنْهُ بَوَادِرُ وَكُلُّهَا تُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ}؛ وهذا [الذي قالَه ابْنُ الْجَوْزِيِّ] في الخَلِيفةِ المُحَكِّمِ لِشَرعِ اللهِ، المُقِيمِ للجِهادِ، فكيف بهؤلاء الهَمَلِ، حُثَالةِ البَشَرِ، الرِّعَاعِ، قَتَلةِ الأَوْلِيَاءِ، حُلَفَاءِ الشَّيَاطِينِ، باعةِ البلادِ والعِرْضِ والدِّينِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (الفصل الأول من أجوبة اللقاء المفتوح): إنَّ اِتِّهامَ أهلِ التَّوحِيدِ والجِهادِ [يَعنِي التَّيَّارَ السَّلَفِيَّ الجِهادِيَّ المُعاصِرَ] بِالخارِجِيَّةِ والتَّكفِيرِ بِغَيرِ حَقٍّ داءٌ قَدِيمٌ اِكتَوَى بِنارِه كَثِيرٌ مِن أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ، تُهمةٌ لا قِيمةَ لها ولا رَصِيدَ مِنَ الواقِعِ، حِيلةُ الضُّعَفاءِ وسِلاحَ العَجَزةِ عنِ البَراهِينِ، وهذا الصَّنِيعُ مِنَ الخُصوم ليس وَلِيدَ اليَومَ، فَقَدْ كانَ قَدِيمًا مِن سِلاحِ العاجِزِ عنِ الدَّلِيلِ الاعتِمادُ على هذه الفِرْيَةِ في مُحارَبةِ أهلِ الحَقِّ والدِّينِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: اِعتادَ أهلُ الإرجاءِ وشُيوخُ مُكافَحةِ الإرهابِ رَمْيَ المُجاهِدِين بِالخارِجِيَّةِ والتَّكفِيرِ، تُهمةٌ ساذِجةٌ زائفةٌ مَبنِيَّةٌ على غَيرِ أساسٍ، بَلْ على فَهْمٍ مَنكوسٍ ورَأْيٍ مَعكوسٍ لِمَسائلِ الإيمانِ والكُفرانِ والأسماءِ والأحكامِ [قالَ الشيخُ عبدُالله الغليفي في كِتابِه (العُذرُ بِالجَهلِ، أسماءٌ وأحكامٌ): مَسائلُ الإيمانِ والكُفرِ مِن أعظَمِ المَسائلِ في الشَّرِيعةِ، وسُمِّيَتْ بـ (مَسائلُ الأسماءِ والأحكامِ) لِأنَّ الإنسانَ إمَّا أنْ يُسَمَّى بـ (المُسلِم) أو يُسَمَّى بـ (الكافِر)، والأحكامُ مُرَتَّبةٌ على أهلِ هذه الأسماءِ في الدُّنيَا والآخِرةِ؛ أمَّا في الدُّنيَا فإنَّ المُسلِمَ مَعصومُ الدَّمِ والمالِ، وتَجِبُ مُوالاتُه والجِهادُ معه ضِدَّ الكافِرِين، وتَثبُتْ له بَعدَ مَماتِه أحكامُ التَّوارُثِ، وأحكامُ الجَنائزِ مِن تَغسِيلٍ وتَكفِينٍ، ويُتَرَّحَمُ عليه وتُسأَلُ له المَغفِرةُ، إلى غَيرِ ذلك مِنَ الأحكامِ؛ والكافِرُ على العَكسِ مِن ذلك، حيث تَجِبُ مُعاداتُه، وتَوَلِّيه كُفْرٌ وخُروجٌ مِنَ المِلَّةِ، والقِتالُ معه ضِدَّ المُسلِمِين كذلك، إلى غَيرِ ذلك مِنَ الأحكامِ (التَّوارُثِ والجَنائزِ وغَيرِ ذلك). انتهى باختصار]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الناسُ اليَومَ مَن دَعاهم إلى جِلَادِ ومُقاومةِ الأعداءِ، وتَحرِيرِ الأراضِي الإسلامِيَّةِ، ووَضْعِ الأسماءِ على مُسَمَّيَاتِها مِنَ المُرتَدِّين والمُنافِقِين، قالوا {خارِجِيٌّ تَكفِيرِيٌّ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: ويَقولُ العَلَّامةُ عبدالرحمن بن حسن [بن محمد بن عبدالوهاب] رَحِمَه اللهُ [في (الدُّرَرُ السَّنِيَّةُ في الأَجْوِبةِ النَّجْدِيَّةِ)] {إذا قُلنا (لا يُعبَدُ إلَّا اللهُ، ولا يُدعَى إلَّا هو، ولا يُرجَى سِوَاه، ولا يُتَوَكَّلُ إلَّا عليه، ونَحْوَ ذلك مِن أنواعِ العِبادة التي لا تَصلُحُ إلَّا لِلَّهِ وأنَّ مَن تَوَجَّهَ بها لِغَيرِ اللهِ فَهو كافِرٌ مُشرِكٌ)، قالَ (اِبتَدَعتُم وكَفَّرتُم أُمَّةَ محمد صلى الله عليه وسلم، أنتم خَوارِجُ، أنتم مُبتَدِعةٌ)} [قُلْتُ: الظاهِرُ أنَّ هذا القائلَ يَنْسُبُ لِلشَّيخِ (لَازِمَ قَوْلِه) لا (قَوْلَه)، وذلك لَمَّا رَأَى أنَّ المُكَفِّراتِ -التي يُكَفِّرُ الشيخُ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب بها- مُتَفَشِّيَةٌ بَيْنَ أكثَرِ المُنتَسِبِين لِلإسلامِ مِن أَهْلِ زَمَانِهِ، فِيما عَدَا المُجتَمَعاتِ التي أَحْكَمَتِ الدَّعوةُ النَّجْدِيَّةُ السَّلَفِيةُ سَيْطَرَتَها عليها؛ وعلى ذلك يَكونُ المُرادُ مِن لَفظِ (أُمَّةَ) هو (أَكْثَرَ أُمَّةِ)، وذلك على ما سَبَقَ بَيَانُه في مَسْأَلَةِ (هَلْ يَصِحُّ إطلاقُ الكُلِّ على الأَكْثَرِ؟ وهَلِ الحُكْمُ لِلغالِبِ، والنَّادِرُ لا حُكْمَ له؟)]؛ ولقد أحسَنَ الشَّيخُ العَلَّامةُ عبداللطيف بن عبدالرحمن [بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب] رَحِمَه اللهُ في قَولِه [في (منهاج التأسيس والتقديس)] {هذا داءٌ قَدِيمٌ في أهلِ الشِّركِ والتَّعطِيلِ، مَن كَفَّرَهم بِعِبادَتِهم غَيرَ اللهِ، وتَعطِيلِ أوصافِه وحَقائقِ أسمائه، قالوا له (أنت مِثلُ الخَوارِجِ يُكَفِّرون بِالذُّنوبِ ويَأخُذون بِظَواهرِ الآيَاتِ)}؛ ويَقولُ صالح الفوزان [في (أضواء مِن فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية)] {لَمَّا كانَتْ حَقِيقةُ الخَوارِجِ أنَّهم يُكَفِّرون مِنَ المُسلِمِين مَنِ اِرتَكَبَ كَبِيرةً دُونَ الشِّركِ، فَإنَّه قد وُجِدَ في هذا الزَّمانِ مَن يُطلِقُ هذا اللَّقَبَ -لَقَبَ الخَوارِجِ- على مَن حَكَمَ بِالكُفرِ على مَن يَستَحِقُّه مِن أهلِ الرِّدَّةِ ونَواقِضِ الإسلامِ كَعُبَّادِ القُبورِ، وأصحابِ المَبادِئِ الهَدَّامةِ كالبَعْثِيَّةِ والعَلْمانِيَّةِ وغَيرِها، ويَقولون (أنتم تُكَفِّرون المُسلِمِين فَأنْتُم خَوارِجُ)، لِأنَّ هؤلاء لا يَعرِفون حَقِيقةَ الإسلامِ ولا يَعرِفون نَواقِضَه، ولا يَعرِفون حَقِيقةَ مَذهَبِ الخَوارِجِ بِأنَّه الحُكْمُ بِالكُفرِ على مَن لا يَستَحِقُّه مِنَ المُسلِمِين، وأنَّ الحُكمَ بِالكُفرِ على مَن يَستَحِقُّه بِأَنِ اِرتَكَبَ ناقِضًا مِن نَواقِضِ الإسلامِ هو مَذهَبُ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: اِكتَوَى بِنَارِ هذه الفِرْيَةِ النَّكْراءِ والكَذْبةِ الخَرْقَاءِ كَثِيرٌ مِن عُلَماءِ التَّوحِيدِ والسُّنَّةِ، ومِن أبرَزِ من تَجَرَّعَ كَأْسَ الافِتِراءِ والنَّبزِ بِالتَّكفِيرِ؛ (أ)التابِعِيُّ الجَلِيلُ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ الْعَنْبَرِيُّ [قالَ الذَّهَبِيُّ في (سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ): عَامِرُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ القُدْوَةُ الوَلِيُّ الزَّاهِدُ، قِيْلَ {تُوُفِّيَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ}. انتهى باختصار]؛ (ب)الإمامُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشِيرٍ الْقَاضِي (ت198هـ) رَحِمَه اللهُ، تِلمِيذُ الإمامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ [قالَ الزِّرِكْلِيُّ في (الأعلام): مُحَمَّدُ بْنُ بَشِيرٍ، قاضٍ وُلِّيَ القَضاءَ بِقُرْطُبَةَ في أيَّامِ الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ، وكانَ صُلبًا في القَضاءِ، وضُرِبَ المَثَلُ بِعَدلِه. انتهى باختصار]؛ (ت)الإمامُ أحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إمامُ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ؛ (ث)الإمامُ الحافِظُ العَلَّامةُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو عُمَرَ الطَّلَمَنْكِيُّ رَحِمَه اللهُ (ت429هـ) [قالَ الذَّهَبِيُّ في (سِيَرُ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ): الإِمَامُ الْمُقْرِئُ الْمُحَقِّقُ الْمُحَدِّثُ الحَافِظُ الأَثَرِيُّ أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلَمَنْكِيُّ، كَانَ مِنْ بُحُورِ الْعِلْمِ. انتهى باختصار]؛ (ج)شَيْخُ الإسلامِ اِبنُ تَيمِيَّةَ رَحِمَه اللهُ؛ (ح)العَلَّامةُ شَمسُ الدِّينِ اِبْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَه اللهُ؛ (خ)شَيْخُ المُحَدِّثِين الإمامُ أبو عَبدِاللهِ الذَّهَبِيُّ [ت748هـ] رَحِمَه اللهُ؛ (د)شَيْخُ الإسلامِ مُحَمَّدُ بنُ عَبدِالوَهَّابِ وأتباعُه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: ويَنبَغِي في هذا المَقامِ ذِكرُ الأُصولِ التي يَنبَغِي أنْ يَنطَلِقَ منها أهلُ التَّوحِيدِ والجِهادِ في هذا العَصرِ بِالنِّسبةِ لِمَسأَلةِ الكُفرِ والتَّكفِيرِ لِأنَّها [أيْ هذه الأُصولَ] مَردُّ الجُزْئِيَّاتِ وأعيَانِ المَسائلِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الأصلُ الأوَّلُ [أَيْ مِنَ الأُصولِ التي يَنبَغِي أنْ يَنطَلِقَ منها أهلُ التَّوحِيدِ والجِهادِ في هذا العَصرِ بِالنِّسبةِ لِمَسأَلةِ الكُفرِ والتَّكفِيرِ]، الكُفْرُ مَدْرَكُهُ شَرْعِيٌّ؛ فالكُفرُ ما جَعَلَه اللهُ ورَسولُه كُفرًا، والكافِرُ مَن كَفَّرَه اللهُ ورَسولُه [قالَ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ في (منهاج السنة النبوية): فَإِنَّ الْكُفْرَ وَالْفِسْقَ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ، لَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الأَحْكَامِ الَّتِي يَسْتَقِلُّ بِهَا الْعَقْلُ، فَالْكَافِرُ مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ كَافِرًا، وَالْفَاسِقُ مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَاسِقًا، كَمَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ وَالْمُسْلِمَ مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مُؤْمِنًا وَمُسْلِمًا، وَالْعَدْلُ مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَدْلًا، وَالْمَعْصُومُ الدَّمِ مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَعْصُومَ الدَّمِ، وَالْوَاجِبُ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَالْمُسْتَحِقُّونَ لِمِيرَاثِ الْمَيِّتِ مَنْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَارِثِينَ، وَالَّذِي يُقْتَلُ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مُبَاحَ الدَّمِ بِذَلِكَ، وَالْمُسْتَحِقُّ لِلْمُوَالَاةِ وَالْمُعَادَاةِ مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مُسْتَحِقًّا لِلْمُوَالَاةِ وَالْمُعَادَاةِ، وَالْحَلَالُ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَالدِّينُ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا ثَابِتَةٌ بِالشَّرْعِ؛ وَأَمَّا الأُمُورُ الَّتِي يَسْتَقِلُّ بِهَا الْعَقْلُ فَمِثْلُ الأُمُورِ الطَّبِيعِيَّةِ، مِثْلَ كَوْنِ هَذَا الْمَرَضِ يَنْفَعُ فِيهِ الدَّوَاءُ الْفُلَانِيُّ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا يُعْلَمُ بِالتَّجْرِبَةِ وَالْقِيَاسِ وَتَقْلِيدِ الأَطِبَّاءِ الَّذِينَ عَلِمُوا ذَلِكَ بِقِيَاسٍ أَوْ تَجْرِبَةٍ، وَكَذَلِكَ مَسَائِلُ الْحِسَابِ وَالْهَنْدَسَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، هَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ؛ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَوْنُ الرَّجُلِ مُؤْمِنًا وَكَافِرًا وَعَدْلًا وَفَاسِقًا هُوَ مِنَ الْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ لَا مِنَ الْمَسَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ... ثم قالَ -أيِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ-: فَإِنْ قِيلَ {هَؤُلَاءِ لَا يُكَفِّرُونَ كُلَّ مَنْ خَالَفَ مَسْأَلَةً عَقْلِيَّةً، لَكِنْ يُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَ الْمَسَائِلَ الْعَقْلِيَّةَ الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا صِدْقُ الرَّسُولِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ بِصِدْقِ الرَّسُولِ مَبْنِيٌّ عَلَيْهَا، فَإِذَا أَخْطَأَ فِيهَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِصِدْقِ الرَّسُولِ فَيَكُونُ كَافِرًا}، قِيلَ تَصْدِيقُ الرَّسُولِ مَبْنِيًّا [عندهم] عَلَى مَا جَعَلَهُ أَهْلُ الْكَلَامِ الْمُحْدَثِ أَصْلًا لِلْعِلْمِ بِصِدْقِ الرَّسُولِ، كَقَوْلِ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ {إِنَّهُ لَا يُعْلَمُ صِدْقُ الرَّسُولِ إِلَّا بِأَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْعَالَمَ حَادِثٌ} وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تَزْعُمُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ أَنَّهَا أُصُولٌ لِتَصْدِيقِ الرَّسُولِ لَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ بِدُونِهَا، هِيَ [أيْ هذه الأُمُورُ] مِمَّا يُعْلَمُ بِالاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الرَّسُولِ أَنَّهُ [أيِ الرَّسُولَ] لَمْ يَكُنْ يَجْعَلُ إِيمَانَ النَّاسِ مَوْقُوفًا عَلَيْهَا، بَلْ وَلَا دَعَا النَّاسَ إِلَيْهَا، وَلَا ذُكِرَتْ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا ذَكَرَهَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، لَكِنَّ الأُصُولَ الَّتِي بِهَا يُعْلَمُ صِدْقُ الرَّسُولِ مَذْكُورَةٌ فِي الْقُرْآنِ، وَهِيَ غَيْرُ هَذِهِ، كَمَا قَدْ بُيِّنَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ اِبْتَدَعُوا أُصُولًا زَعَمُوا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْدِيقُ الرَّسُولِ إِلَّا بِهَا، وَأَنَّ مَعْرِفَتَهَا شَرْطٌ فِي الإِيمَانِ، أَوْ وَاجِبَةٌ عَلَى الأَعْيَانِ، هُمْ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ عِنْدَ السَّلَفِ وَالأَئِمَّةِ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَعْلَمُونَ أَنَّ أُصُولَهُمْ بِدْعَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ، لَكِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فِي الْعَقْلِ، وَأَمَّا الْحُذَّاقُ مِنَ الأَئِمَّةِ وَمَنِ اِتَّبَعَهُمْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ فِي الْعَقْلِ، مُبْتَدَعَةٌ فِي الشَّرْعِ، وَأَنَّهَا تُنَاقِضُ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول... ثم قالَ -أيِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ-: وَلَكِنْ مِنْ شَأْنِ أَهْلِ الْبِدَعِ أَنَّهُمْ يَبْتَدِعُونَ أَقْوَالًا يَجْعَلُونَهَا وَاجِبَةً فِي الدِّينِ، بَلْ يَجْعَلُونَهَا مِنَ الإِيمَانِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ وَيُكَفِّرُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهَا وَيَسْتَحِلُّونَ دَمَهُ، كَفِعْلِ الْخَوَارِجِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالرَّافِضَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ. انتهى باختصار. وقالَ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ أيضًا في (مجموع الفتاوى): وَالْكُفْرُ هُوَ مِنَ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ خَالَفَ شَيْئًا عُلِمَ بِنَظَرِ الْعَقْلِ يَكُونُ كَافِرًا، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ جَحَدَ بَعْضَ صَرَائِحِ الْعُقُولِ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ حَتَّى يَكُونَ قَوْلُهُ كُفْرًا فِي الشَّرِيعَةِ. انتهى. وقالَ ابنُ الوَزِير (ت840هـ) في (العَواصِمُ والقَواصِمُ في الذَّبِّ عن سُنَّةِ أبِي القاسِمِ): لا يُكَفَّرُ بِمُخالَفةِ الأدِلَّةِ العَقلِيَّةِ وإنْ كانَتْ ضَرورِيَّةً، فَلَوْ قالَ بَعضُ المُجَّانِ وأهلُ الخَلاعةِ {إنَّ الكُلَّ أقَلُّ مِنَ البَعضِ} لَكانَتْ هذه كَذْبةً، ولم يَحكُمْ أحَدٌ مِنَ المُسلِمِين بِرِدَّتِه مع أنَّه خالَفَ ما هو مَعلومٌ بِالضَّرورةِ مِنَ العَقلِ؛ وَ[أَمَّا] لو قالَ {إنَّ صَلاةَ الظُّهرِ أقَلُّ مِن صَلاةِ الفَجرِ} لَكَفَرَ بِإجماعِ المُسلِمِين. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ محمد صالح المنجد في مُحاضَرةٍ بِعُنْوانِ (ضَوابِطُ التَّكفِيرِ "1") مُفَرَّغَةٍ على موقِعِه في هذا الرابط: التَّكفِيرُ حُكمٌ شَرعِيٌّ، وحَقٌّ خالِصٌ لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ، هو الذي يُكفِّرُ سُبحانَه، ويُبَيِّنُ مَن الذي يَكفُرُ ومَن الذي لا يَكفُرُ، ونحن علينا أنْ نَتَّبِعَه فِيما أنزَلَ علينا، وسَمِعنَا وأطَعنَا فَنُكَفِّرُ مَن كَفَّرَه، ونَمتَنِعُ عن تَكفِيرِ مَن لم يُكَفِّرْه سُبحانَه وحَكَمَ له بِالإسلامِ أو بِالإيمانِ. انتهى باختصار]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الأصلُ الثانِي [أَيْ مِنَ الأُصولِ التي يَنبَغِي أنْ يَنطَلِقَ منها أهلُ التَّوحِيدِ والجِهادِ في هذا العَصرِ بِالنِّسبةِ لِمَسأَلةِ الكُفرِ والتَّكفِيرِ]، الكُفْرُ يُؤخَذُ مِن حيث تُؤخَذُ الأحكامُ الشَّرعِيَّةُ، فَيُؤخَذُ مِن دَلِيلِ الكِتابِ سَواءٌ كانَ قَطعِيَّ الدَّلالةِ أو ظَنِّيَّ الدَّلالةِ؛ ومِنَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ الثابِتةِ سَواءٌ كانَتْ قَطعِيَّةَ الثُّبوتِ والدَّلالةِ، أو ظَنِّيَّةَ الثُّبوتِ والدَّلالةِ، أو قَطعِيَّةَ الثُّبوتِ ظَنِّيَّةَ الدَّلالةِ أو العَكْسَ؛ والإجماعِ الصَّحِيحِ؛ والقِيَاسِ على المَنصوصِ؛ يَقولُ أبو حامد الغزالي [في (فَيْصَلُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الإسْلَامِ وَالزَّنْدَقَةِ) تحتَ عُنْوانِ (بَيَانُ مَن يَجِبُ تَكفِيرُه مِنَ الفِرَقِ)] {إنَّ الْكُفْرَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، كَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ مَثَلًا، إِذْ مَعْنَاهُ إِبَاحَةُ الدَّمِ وَالْحُكْمُ بِالْخُلُودِ فِي النَّارِ، وَمَدْرَكُهُ شَرْعِيٌّ فَيُدْرَكُ إِمَّا بِنَصٍّ وَإِمَّا بِقِيَاسٍ عَلَى مَنْصُوصٍ}، ولِهذا قد يَكونُ دَلِيلُ الكُفرِ والتَّكفِيرِ ظَنِّيًّا كَأخبارِ الآحادِ والأقْيِسةِ وظواهِرِ العُمومِ وتُناطُ به المُوالاةُ والمُعاداةُ؛ قالَ الإمامُ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ [في (التمهيد)] رَحِمَه اللهُ في مَسأَلةِ العَمَلِ بِأخبارِ الآحادِ {الَّذِي نَقُولُ بِهِ، إِنَّهُ [أيْ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ] يُوجِبُ الْعَمَلَ دُونَ الْعِلْمِ [أيْ دُونَ التَيَقُّنِ]، كَشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ، وَعَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالأَثَرِ، وَكُلُّهُمْ يَدِينُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِي الاعْتِقَادَاتِ وَيُعَادِي وَيُوَالِي عَلَيْهَا وَيَجْعَلُهَا شَرْعًا وَدِينًا فِي مُعْتَقَدِهِ، عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَهُمْ فِي الأَحْكَامِ مَا ذَكَرْنَا [أيْ أنَّ جَمَاعَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ يَدِينون بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِي (الأَحْكَامِ) كَما دانُوا به في (الاعْتِقَادَاتِ)]}، إجماعٌ صَحِيحٌ على أنَّ أهلَ الفِقهِ والأثَرِ يَعتَمِدون على خَبَرِ الواحِدِ العَدلِ في الأحكامِ وفي الاعْتِقَادَاتِ ويُنِيطُونَ به المُعاداةَ والمُوالاةَ في الدِّينِ؛ وقد يَكونُ دَلِيلُ الكُفرِ قَطعِيًّا، ولا دَلِيلَ لِاشتِراطِ القَطعِ واليَقِينِ في دَلِيلِ الكُفرِ والتَّكفِيرِ، خِلافًا لِأهلِ البِدَعِ مِنَ الجَهمِيَّةِ، والمُعتَزِلةِ، والأشعَرِيَّةِ، وأكثَرِ المُتَكَلِّمِين، ومَن تَأَثَّرَ بِهم وإنِ اِنتَسَبَ إلى السَّلَفِ [قالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (الفتاوي الشرعية عن الأسئلة الجيبوتية): إنَّ التَّفرِيقَ بَيْنَ الأدِلَّةَ، في الاحتِجاجِ بِها بَيْنَ بابٍ وبابٍ، مُخالِفٌ لِمَا أجمَعَ عليه أهلُ الأثَرِ والفِقْهِ مِن عَدَمِ التَّفرِيقِ، كَما حَكاه اِبْنُ عَبْدِالْبَرِّ وابْنُ تَيْمِيَّةَ، فَلا رَيْبَ في أنَّه بِدعةٌ في الدِّينِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: شُبهةُ (إسلامُ المَرءِ مَقطوعٌ به، فَلا يَجوزُ رَفعُه بِمَظنونٍ) شُبهةٌ زائفةٌ لِأنَّهم [أيِ المُبتَدِعةَ أصحابَ هذه الشُّبهةِ] أبطَلوها بِالاعتِمادِ على قَبُولِ الشَّهادةِ الظَّنِّيَّةِ [أيْ على كُفرِ فُلانٍ]، وهو تَناقُضٌ منهم صارِخٌ، على أنَّنا نَمنَعُ الأصلَ وهو كَونُ الإسلامِ مَقطوعًا به، لِأنَّنا لَسْنا على يَقِينٍ مِن إسلامِ فُلانٍ المُعَيَّنِ، بَلِ الغالِبُ أنَّ إسلامَه وكُفرَه مَظنونٌ، والقَطعُ نادِرٌ، بَلْ لا يُوجَدُ القَطعُ إلَّا فيمن نَصَّ الشارِعُ على إيمانِه عَينًا أو أجمَعَتِ الأُمَّةُ على إيمانِه، ولِهذا لا يُعتَمَدُ في المَقامَين [أيْ في الحُكمِ بإسلامِ أو كُفرِ فُلانٍ] إلَّا على الظاهِرِ مِن حالِ العِبادِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: شُبهةُ (التّكفِيرُ إضرارٌ بِالغَيرِ، ولا يَجوزُ إلَّا بِقاطِعٍ، لِأنَّ دَمَ المُسلِمِ ومالَه وعِرضَه مُحَرَّمٌ قَطعًا فَلا يَرتَفِعُ إلَّا بِقاطِعٍ) شُبهةٌ مَردودةٌ، لِأنَّ القِصاصَ والحُدودَ يَثبُتُ بِشَهادةِ العُدولِ وهي إضرارٌ بِالغَيرِ اِتِّفاقًا، وشَهادةُ العَدلَين لا تُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ، وَكذلك قَبُولُ عُلَماءِ الأُمَّةِ الجَرْحَ بِالواحِدِ وهو إضرارٌ بِالمَجروحِ لِسَلْبِ أهلِيَّةِ قَبُولِ رِوايَتِه وشَهادَتِه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ إسلامَ المُعَيَّنِ مَظنونٌ، وليس بِمَقطوعٍ في الأصلِ، وحُرمةُ مالِه ودَمِه وعِرْضِه مَبنِيٌّ على ذلك، والمَبنِيُّ على المَظنونِ مَظنونٌ، فَإذا وَقَعَ المُسلِمُ في كُفرٍ فَتَكفِيرُه واجِبٌ شَرعًا بِظَنٍّ أو بِقَطعٍ، ولِلأسَفِ هذه الشُّبهةُ الفاسِدةُ [يَعنِي شُبهةَ (التّكفِيرُ إضرارٌ بِالغَيرِ، ولا يَجوزُ إلَّا بِقاطِعٍ، لِأنَّ دَمَ المُسلِمِ ومالَه وعِرضَه مُحَرَّمٌ قَطعًا فَلا يَرتَفِعُ إلَّا بِقاطِعٍ)] مُنتَشِرةٌ في كِتاباتِ المُنتَسِبِين إلى السُّنَّةِ، بَلْ وفي كُتُبِ مُنَظِّرِي الجِهادِيِّين الذِين يُفتَرَضُ أنَّهم أقعَدُ في البابِ لِاعتِنائهم بِأبحاثِ التَّكفِيرِ والحُكمِ على الأعيَانِ والطَّوائفِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: والإجماعُ أحَدُ الأدِلةِ التي يَثبُتُ بِها التَّكفِيرِ كَنَصِّ الكِتابِ والسُّنَّةِ والقِيَاسِ الصَّحِيحِ على المَنصوصِ؛ وعلى هذا، فالقَولُ في أنَّه {لا تَكِفيرَ إلَّا في مُجمَعٍ عليه} أصلُه مِنَ المُرجِئةِ، وليس عليه أَثَارَةٌ مِّنْ عِلْمٍ أو نَظَرٌ مِن عَقلٍ. انتهى باختصار]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الأصلُ الثالِثُ [أَيْ مِنَ الأُصولِ التي يَنبَغِي أنْ يَنطَلِقَ منها أهلُ التَّوحِيدِ والجِهادِ في هذا العَصرِ بِالنِّسبةِ لِمَسأَلةِ الكُفرِ والتَّكفِيرِ]، أدِلَّةُ وُقوعِ الكُفرِ (الأسبابُ المُوجِبةُ لِلْكُفرِ) قد تَكونُ ظَنِّيَّةً، وقد تَكونُ قَطعِيَّةً [قالَ الْقَرَافِيُّ (ت684هـ) في (الذخيرة): الرِّدَّةُ فِي حَقِيقَتِهَا هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ الإِسْلَامِ، إِمَّا بِاللَّفْظِ أَو بِالْفِعْلِ، وَلِكِلَيْهِمَا مَرَاتِبُ فِي الظُّهُورِ وَالْخَفَاءِ. انتهى باختصار]، فَقَدْ تَكونُ أقوالُ المَرءِ وأفعالُه دالَّةً على الكُفرِ على سَبِيلِ الظَّنِّ أو القَطعِ، ونَرَى اِشتِراطَ القَطعِ واليَقِينِ في دَلالةِ الأفعالِ والأقوالِ على الكُفرِ باطِلًا مِنَ القَولِ لا يَقومُ عليه دَلِيلٌ صَحِيحٌ؛ قالَ العَلَّامةُ عَبْدُالرّحمن المُعَلِّمِيّ اليَمَانِي [الذي لُقِّبَ بـ (شَيخِ الإسلامِ)، وبـ (ذَهَبِيِّ العَصْرِ) نِسبةً إلى الإمامِ الحافِظِ مُحَدِّثِ عَصْرِه مُؤَرِّخِ الإسلامِ شَمْسِ الدِّينِ الذَّهَبِيِّ الْمُتَوَفَّى عامَ 748هـ، وَتَوَلَّى رِئاسةَ الْقَضَاءِ في (عسير)، وتُوُفِّيَ عامَ 1386هـ] رَحِمَه اللهُ في كِتابِ (العِبَادةُ) {وقد جَرَى العُلَماءُ في الحُكمِ بِالرِّدَّة على أُمورٍ، منها ما هو قَطعِيٌّ، ومنها ما هو ظَنِّيٌّ، ولِذلك اِختَلَفوا في بَعضِها، ولا وَجْهَ لِمَا يَتَوَهَّمُه بَعضُهم أنَّه لا يُكَفَّرُ إلَّا بِأَمرٍ مُجمَعٍ عليه، وكذلك مَن تَكَلَّمَ بِكَلِمةِ كُفرٍ وليست هناك قَرِينةٌ ظاهِرةٌ تَصْرِفُ تلك الكَلِمةَ عنِ المَعْنَى الذي هو كُفرٌ إلى مَعنًى ليس بِكُفرٍ فَإنَّه يَكْفُرُ، ولا أثَرَ لِلاحتِمالِ الضَّعِيفِ أنَّه أرادَ مَعنًى آخَرَ} [قالَ الشيخُ محمد بنُ محمد المختار الشنقيطي (عضو هيئة كِبار العلماء بالديار السعودية) في (شرحُ زاد المستقنع): مَراتِبُ العِلْمِ تَنقَسِمُ إلى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ؛ الوَهْمُ، والشَّكُّ، والظَّنُّ (أو ما يُعبِّرُ عنه العُلَماءُ بـ "غالِبِ الظَّنِّ")، واليَقِينُ؛ فالمَرْتَبةُ الأُولَى [هي] الوَهْمُ، وهو أَقَلُّ العِلْمِ وأَضْعَفُه، وتَقدِيرُه مِن (1%) إلى (49%)، فَما كانَ على هذه الأعدادِ يُعتَبَرُ وَهْمًا؛ والمَرْتَبةُ الثانِيَةُ [هي] الشَّكُّ، وتَكونُ (50%)، فَبَعْدَ الوَهْمِ الشَّكُّ، فالوَهْمُ لا يُكلَّفُ به، أَيْ ما يَرِدُ التَّكلِيفُ بِالظُّنُونِ الفاسِدةِ، وقد قَرَّرَ ذلك الإمامُ الِعزُّ بْنُ عَبدِالسَّلامِ رَحِمَه اللهُ في كِتابِه النَّفِيسِ (قَواعِدُ الأحكامِ)، فَقالَ {إنَّ الشَّرِيعةَ لا تَعْتَبِرُ الظُّنُونَ الفاسِدةَ}، والمُرادُ بِالظُّنُونِ الفاسِدةِ [الظُّنُونُ] الضَّعِيفةُ المَرجوحةُ، ثم بَعْدَ ذلك الشَّكُّ، وهو أنْ يَسْتَوِيَ عندك الأَمْران، فَهذا تُسَمِّيه شَكًّا؛ والمَرْتَبَةُ الثالِثةُ [هي] غالِبُ الظَّنِّ (أو الظَّنُّ الراجِحُ)، وهذا يَكونُ مِن (51%) إلى (99%)، بِمَعنَى أنَّ عندك اِحتِمالَين أَحَدُهما أَقْوَى مِنَ الآخَرِ، فَحِينَئذٍ تَقولُ {أَغْلَبُ ظَنِّي}؛ والمَرْتَبَةُ الرابِعةُ [هي] اليَقِينُ، وتَكونُ (100%)... ثم قالَ -أيِ الشيخُ الشنقيطي-: إنَّ الشَّرعَ عَلَّقَ الأحكامَ على غَلَبَةِ الظَّنِّ، وقد قَرَّرَ ذلك العُلَماءُ رَحمةُ اللهِ عليهم، ولِذلك قالوا في القاعِدةِ {الغالِبُ كالمُحَقَّقِ}، أَيِ الشَّيْءُ إذا غَلَبَ على ظَنِّك ووُجِدَتْ دَلَائلُه وأَمَاراتُه التي لا تَصِلُ إلى القَطْعِ لَكِنَّها تَرْفَعُ الظُّنُونَ [مِن مَرْتَبةِ الوَهْمِ والشَّكِّ إلى مَرْتَبةِ غالِبِ الظَّنِّ] فإنه كَأنَّك قد قَطَعْتَ به، وقالوا في القاعِدةِ {الحُكْمُ لِلغالِبِ، والنادِرُ لا حُكْمَ له}، فالشَّيءُ الغالِبُ الذي يَكونُ في الظُّنونِ -أو غَيرِها- هذا الذي به يُناطُ الحُكمُ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ الشنقيطي-: الإمامُ الِعزُّ بْنُ عَبدِالسَّلامِ رَحِمَه اللهُ قَرَّرَ في كِتابِه النَّفِيسِ (قَواعِدُ الأحكامِ) وقالَ {إنَّ الشَّرِيعةَ تُبْنَي على الظَّنِّ الراجِحِ، وأكثَرُ مَسائلِ الشَّرِيعةِ على الظُّنُونِ الراجِحةِ} يَعْنِي (على غَلَبةِ الظَّنِّ)، والظُّنُونُ الضَّعِيفةُ -مِن حَيْثُ الأَصْلُ- والاحتِمالاتُ الضَّعِيفةُ لا يُلْتَفَتُ إليها الْبَتَّةَ. انتهى باختصار. وقالَ أبو حامد الغزالي (ت505هـ) في (فَيْصَلُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الإِسْلَامِ وَالزَّنْدَقَةِ): ولا يَنبَغِي أنْ يُظَنَّ أنَّ التَّكفِيرَ ونَفْيَه يَنبَغِي أنْ يُدرَكَ قَطْعًا في كُلِّ مَقَامٍ، بَلِ التَّكفِيرُ حُكْمٌ شَرعِيٌّ يَرجِعُ إلى إباحةِ المالِ وسَفْكِ الدَّمِ والحُكْمِ بِالخُلودِ في النارِ، فَمَأْخَذُه كَمَأْخَذِ سائرِ الأحكامِ الشَّرعِيَّةِ، فَتَارةً يُدرَكُ بِيَقِينٍ، وتارةً بِظَنٍّ غالِبٍ، وتارةً يُتَرَدَّدُ فيه. انتهى]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الأصلُ الرابِعُ [أَيْ مِنَ الأُصولِ التي يَنبَغِي أنْ يَنطَلِقَ منها أهلُ التَّوحِيدِ والجِهادِ في هذا العَصرِ بِالنِّسبةِ لِمَسأَلةِ الكُفرِ والتَّكفِيرِ]، أدِلَّةُ الحِجَاجِ (وَسائلُ الإثباتِ) التي يَقضِي بها القُضاةُ والحُكَّامُ قد تَكونُ ظَنِّيَّةً (وهو الغالِبُ) مِثلَ الشَّهادةِ والاعتِرافِ، قالَ العلامةُ المُعَلِّمِيّ اليَمَانِي [في كِتابِه (العبادة) بتقديمِ الشيخِ المُحَدِّثِ عبدِالله السعد] {إنَّ مَدارَ الحُكمِ الظاهِرِ على الأمرِ الظاهِرِ، ولِذلك يَكفِي في ثُبوتِ الرِّدَّةِ شاهِدان، فَلو شَهِدا أنَّ فُلانًا ماتَ مُرتَدًّا وَجَبَ الحُكْمُ بِذلك، فَلا يُصَلَّى عليه، ولا يُدْفَنُ في مَقابِرِ المُسلِمِين، ويُعامَلُ مُعامَلةَ المُرتَدِّ في جَمِيعِ الأحكامِ}؛ وقد تَكونُ [أيْ وَسائلُ الإثباتِ] قَطعِيَّةً أيضًا (وهو قَلِيلٌ)... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الأصلُ الخامِسُ [أَيْ مِنَ الأُصولِ التي يَنبَغِي أنْ يَنطَلِقَ منها أهلُ التَّوحِيدِ والجِهادِ في هذا العَصرِ بِالنِّسبةِ لِمَسأَلةِ الكُفرِ والتَّكفِيرِ]، الأصلُ فِيمَن وَقَعَ في الكُفرِ مِنَ المُكَلَّفِين الكُفرُ، لِقِيَامِ السَّبَبِ [أيْ سَبَبِ كُفْرِه]، والأصلُ تَرتِيبُ الأحكامِ على أسبابِها إلَّا لِمانِعٍ [قالَ الشيخُ عصمت الله عنايت الله في (قَواعِدُ شرعيَّةٌ في التَّكفِيرِ): ومَوانِعُ التَّكفِيرِ تَكونُ بِانتِفاءِ شَرطٍ مِن شُروطِه، فَعَكسُ كُلِّ شَرطٍ مانِعٌ. انتهى. وقالَ اِبْنُ الْقَيِّمِ في (بدائع الفوائد): فَإنَّ الشَّكَّ في عَدَمِ المانِعِ إنَّما لم يُؤَثِّرْ إذا كانَ عَدَمُه مُستَصْحَبًا بِالأصلِ، فَيَكونُ الشَّكُّ في وُجودِه مُلْغًى بِالأصلِ فَلا يُؤَثِّرُ الشَّكُّ [أيْ في عَدَمِ وُجودِ المانِعِ]، ولا فَرْقَ بَيْنَه [أيْ بَيْنَ المانِعِ] وبَيْنَ الشَّرطِ في ذلك، فَلَوْ شَكَكْنا في إسلامِ الكافِرِ عندَ المَوتِ لم نُوَرِّثْ قَرِيبَهُ المُسلِمَ منه، إذِ الأَصلُ بَقاءُ الكُفرِ وقد شَكَكْنا في ثُبوتِ شَرطِ التَّوريثِ، وهكذا إذا شَكَكْنا في الرِّدَّةِ أوِ الطَّلاقِ لم يَمنَعِ [أيِ الشَّكُّ] المِيراثَ لِأنَّ الأصلَ عَدَمُهُما، ولا يَمنَعُ كَونُ عَدَمِهما شَرطًا تَرَتُّبَ الحُكمِ مع الشَّكِّ فيه [أيْ في الرِّدَّةِ أوِ الطَّلاقِ] لِأنَّه [أيِ المَنعَ] مُستَنِدٌ إلى الأصلِ [وهو العَدَمُ]، كَما لم يَمنَعِ الشَّكُّ في إسلامِ المَيِّتِ [المُسلِمِ] الذي هو شَرطٌ التَّورِيثَ مِنه [أيْ مِنَ المَيِّتِ المُسلِمِ] لِأنَّ بَقاءَهُ [أيْ بَقاءَ إسلامِ المَيِّتِ المُسلِمِ] مُستَنِدٌ إلى الأصلِ، فَلا يمنعُ الشَّكُّ فيه مِن تَرَتُّبِ الحُكمِ، فالضابِطُ، أنَّ الشَّكَّ في بَقاءِ الوَصفِ على أصلِه أو خُروجِه عنه لا يُؤَثِّرُ في الحُكمِ اِستِنادًا إلى الأصلِ، سَواءٌ كانَ [أيِ الوَصفُ] شَرطًا أو عَدَمَ مانِعٍ، فَكَما لا يَمنَعُ الشَّكُّ في بَقاءِ الشَّرطِ مِن تَرَتُّبِ الحُكمِ، فَكذلك لا يَمنَعُ الشَّكُّ [في] اِستِمرارِ عَدَمِ المانِعِ مِن تَرَتُّبِ الحُكمِ، فَإذا شَكَكْنا هل وُجِدَ مانِعُ الحُكمِ أمْ لا لم يَمنَعْ [أيِ الشَّكُّ] مِن تَرَتُّبِ الحُكمِ ولا مِن كَونِ عَدَمِهِ [أيْ عَدَمِ المانِعِ] شَرطًا، لِأنَّ اِستمرارَهُ [أيِ اِستِمرارَ عَدَمِ المانِعِ] على النَّفيِ الأصلِيِّ يَجعَلُه بِمَنزِلةِ العَدَمِ المُحَقَّقِ في الشَّرْعِ وإنْ أمكَنَ خِلافُه، كَما أنَّ اِستِمرارَ الشَّرطِ على ثُبوتِه الأصلِيِّ يَجعَلُه بِمَنزِلةِ الثابِتِ المُحَقَّقِ شَرعًا وإنْ أمكَنَ خِلافُه... ثم قالَ -أيِ اِبْنُ الْقَيِّمِ-: اِتَّفَقَ النَّاسُ على أنَّ الشَّرطَ يَنقَسِمُ إلى وُجودِيٍّ وعَدَمِيٍّ، يَعنِي أنَّ وُجودَ كَذا شَرطٌ في الحُكمِ، وعَدَمَ كَذا شَرطٌ فيه، وهذا مُتَّفَقٌ عليه بَيْنَ الفُقَهاءِ والأُصولِيِّين والمُتَكَلِّمِين وسائرِ الطَّوائفِ، وما كانَ عَدَمُهُ شَرطًا فَوُجودُهُ مانِعٌ، كَما أنَّ ما وجُودُه شَرطٌ فَعَدَمُه مانِعٌ، فَعَدُمُ الشَّرطِ ماِنعٌ مِن مَوانِعِ الحُكمِ، وعَدَمُ المانِع شَرطٌ مِن شُروطِه. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (سِلْسِلَةُ مَقالاتٍ في الرَّدِّ على الدُّكْتُورِ طارق عبدالحليم): إنَّ الشَّرطَ العَدَمِيَّ والمانِع شَيءٌ واحِدٌ، والأصلُ فيه العَدَمُ. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (الفتاوي الشرعية عن الأسئلة الجيبوتية): الشَّرطُ الوُجودِيُّ، يَنتَفِي الحُكْمُ لِانتِفائه، وكذلك [يَنتَفِي الحُكْمُ] لِلشَّكِّ في تَحَقُّقِه لِأنَّ الأصلَ عَدَمُ حُصولِ الشَّرطِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: والظاهِرُ في الفَرقِ بينهما [أيْ بَيْنَ الشَّرطِ (أوِ الشَّرطِ الوُجودِيِّ)، وبَيْنَ المانِعِ (أوِ الشَّرطِ العَدَمِيِّ)] أنَّ الشَّرطَ لا بُدَّ أنْ يَكونَ وَصفًا وُجودِيًّا كالطَّهارةِ لِلصَّلاةِ، والإسلامِ لِلنِّكاحِ والتَّورِيثِ؛ أمَّا المانِعُ فَوَصفٌ عَدَمِيٌّ كالحَدَثِ [أيْ لِلصَّلاةِ]، والكُفرِ [أيْ لِلنِّكاحِ والتَّورِيثِ]، وليس هو جُزءًا مِنَ المُقتَضِي (السَّبَبِ أوِ العِلَّةِ)... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: قالَ الْقَرَافِيُّ (ت684هـ) [في (نفائس الأصول في شرح المحصول)] {القاعِدةُ أنَّ الشَّكَ [أيْ في الشَّرطِ] يَمنَعُ مِن تَرتِيبِ الحُكمِ، والشَّكُّ في المانِعِ لا يَمنَعُ [أيْ مِن تَرتِيبِ الحُكمِ]}. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ تركي البنعلي في (شَرحُ شُروطِ ومَوانِعِ التَّكفِيرِ): إذا كانَ ثُبوتُ أمرٍ مُعَيَّنٍ مانِعًا فانتِفاؤه شَرطٌ وإذا كانَ انتِفاؤه مانِعا فَثُبوتُه شَرطٌ، والعَكسُ بِالعَكسِ، إذَنِ الشُّروطُ في الفاعِلِ هي بِعَكسِ المَوانِعِ، فَمَثَلًا لو تَكَلَّمنا بِأنَّه مِنَ المَوانِعِ الشَّرعِيَّةِ الإكراهُ فَ[يَكونُ] مِنَ الشُّروطِ في الفاعِلِ الاختِيارُ، أنَّه يَكونُ مُختارًا في فِعْلِه هذا الفِعلَ -أو قَولِه هذا القَولَ- المُكَفِّرَ، أمَّا إنْ كانَ مُكرَهًا فَهذا مانِعٌ مِن مَوانِع التَّكفِيرِ. انتهى. قُلْتُ: ولو تَكَلَّمنا بِأنَّه مِنَ المَوانِعِ الشَّرعِيَّةِ الجُنونُ فَيَكونُ مِنَ الشُّروطِ في الفاعِلِ العَقلُ، ولو تَكَلَّمنا بِأنَّه مِنَ المَوانِعِ الشَّرعِيَّةِ اِنتِفاءُ قَصدِ الفِعْلِ (أو القَولِ) المُكَفِّرِ فَيَكونُ مِنَ الشُّروطِ في الفاعِلِ قَصدُ الفِعْلِ (أو القَولِ) المُكَفِّرِ، ولو تَكَلَّمنا بِأنَّه مِنَ المَوانِعِ الشَّرعِيَّةِ الجَهلُ الناتِجُ عن غَيرِ تَفرِيطٍ (وذلك في غَيرِ مَسائلِ الشِّرْكِ الأكْبَرِ، وفي غَيرِ الصِّفاتِ التي لا تَتِمُّ الرُّبوبِيَّةُ إلَّا بِها) فَيَكونُ مِنَ الشُّروطِ في الفاعِلِ التَّمَكُّنُ مِنَ العِلْمِ (وذلك في غَيرِ مَسائلِ الشِّرْكِ الأكْبَرِ، وفي غَيرِ الصِّفاتِ التي لا تَتِمُّ الرُّبوبِيَّةُ إلَّا بِها)]، وإذا قامَ السَّبَبُ في المَحِلِّ فَلا يَخرُجُ الحالُ مِنَ الأُمورِ الآتِيَةِ؛ الأَوَّلُ، أنْ يَظُنُّ المُكَفِّرُ وُجودَ مانِعٍ مُعَيَّنٍ فَلا يَجوزُ التَّكفِيرُ حِينَئذٍ لِأنَّ أثَرَ المانِعِ يُضَادُّ أثَرَ السَّبَبِ، وهذا لَا نِزاعَ فيه مِن حيث الجُملةُ [قالَ الشيخُ تركي البنعلي في (شَرحُ شُروطِ ومَوانِعِ التَّكفِيرِ): وتَأَمَّلوا في قَولِ أهلِ الأُصولِ حِينَما قَرَّروا وعَرَّفوا واصطَلَحوا على أنَّ {المانِعَ هو وَصفٌ ظاهِرٌ مُنضَبِطٌ}، وبِذلك تَحُجُّ المُرجِئةَ وتُفحِمُ أولئك الطَّوائفَ الذِين اِبتَكَروا شُروطًا ومَوانِعَ مِن مَوانِعِ التَّكفِيرِ، اِبتَكَروا عَدَدًا مِنَ المَوانِعِ ما أنزَلَ اللهُ بها مِن سُلطانٍ، كَأَنْ يَقولوا {مِن مَوانِعِ التَّكفِيرِ أنْ لا يَكونَ المَرءُ مُستَحِلًّا أو جاحِدًا}، نَقولُ، هَلِ الاستِحلالُ هو وَصفٌ ظاهِرٌ مُنضَبِطٌ أو ليس بِمُنضَبِطٍ ولا ظاهِرٍ؟، هو وَصفٌ، نَعَمْ، لَكِنَّه ليس بِظاهِرٍ، الاستِحلالُ مَحِلُّه القَلبُ ولا يَعلَمُ ما في القُلوبِ إلَّا عَلَّامُ الغُيوبِ سُبحانَه وتَعالَى، إذَنِ الاستِحلالُ ليس بِوَصفٍ ظاهِرٍ مُنضَبِطٍ، وكَيفَ يُضبَطُ الاستِحلالُ؟! كَيفَ السَّبِيلُ إلى ضَبطِ الجُحودِ؟!، لا سَبِيلَ لِضَبطِ ذلك، إذَنْ هذه لا يُلتَفَتُ إليها بِأَنَّها مِنَ المَوانِعِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ البنعلي- عنِ مانِعِ (اِنتِفاءِ قَصدِ الفِعلِ أو القَولِ المُكَفِّرِ): وقد يَقولُ قائلٌ {القَصدُ مِن أعمالِ القُلوبِ، مَحِلُّه القَلبُ، فَكَيفَ السَّبِيلُ إلى ذلك؟ كَيفَ نُمَحِصُّ بين القاصِدِ مِن عَدَمِه؟}، يُقالُ، إنَّ ذلك يَرجِعُ لِلقَرائنِ، فَهناك أُمورٌ عَدِيدةٌ مَحِلُّها القَلبُ ولَكِنْ تُعرَفُ بِالقَرائنِ، كالحُبِّ والبُغضِ -مَثَلًا- مِن أعمالِ القُلوبِ، ولَكِنْ ذلك يَرجِعُ ويُعرَفُ بِالقَرائنِ؛ فَمَثَلًا، الشِّيعِيُّ الرافِضِيُّ عندما يَسُبُّ أبا بَكرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أو يُكَفِّرُ عامَّةَ أصحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وأُمَّهاتِ المُؤمِنِين، ثم يَزعُمُ أنَّه يُحِبُّ أصحابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -مَثَلًا- فَهذا نُكَذِّبُه في دَعواه أنَّه يُحِبُّ أصحابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كَيفَ عَلِمنا ذلك والحُبُّ مِن أعمالِ القُلوبِ؟، نَقولُ، بِالقَرائنِ، [لِأنَّه] لا يَصِحُّ أنَّه يُكَفِّرُ أو يَسُبُّ الصَّحابَةَ ثم يَزعُمُ أنَّه يُحِبُّ الصَّحابَةَ، فَهذه القَرائنُ تَدُلُّ على كَذِبِه فِيما قالَ؛ كَذلك في مَسأَلةِ القِصاصِ عند القَتلِ -أو الجِراحةِ- الخَطَأِ والمُتَعَمَّدِ، يُرجَعُ في ذلك إلى القَصدِ مِن عَدَمِه، كَيفَ يُعرَفُ القَصدُ بِالقَرائنِ، رَجُلٌ ضَرَبَ رَجُلًا بِالمُسَدَّسِ على رَأْسِه ثم يَقولُ {إنَّه لم يَقصِدْ إلى قَتلِه}، فَقَرائنُ الحالِ تَدُلُّ على أنَّه قاصِدٌ لِقَتلِه، لَكِنَّه لو ضَرَبَه بِالمُسَدَّسِ على قَدَمِه فَماتَ، نَعَمْ، قد تَصِحُّ القَرِينةُ هنا أنَّه لم يَقصِدْ إلى قَتلِه، ضَرَبَه بِالعَصا فَماتَ، نعم، قد تَصِحُّ القَرِينةُ هنا أنَّه لم يَقصِدْ إلى قَتلِه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ البنعلي-: فُلانٌ مِنَ الناسِ اِرتَكَبَ الكُفرَ البَوَاحَ والشِّركَ الصُّراحَ، يَقولُ [أيِ البَعضُ] لك {لا نَستَطِيعُ أنْ نُكَفِّرَه}، لِمَ؟، {لِأنَّه مِن حَفَظَةِ القُرآنِ}!، هَلْ هذا مانِعٌ مِن مَوانِعِ التَّكفِيرِ؟!، ليس مِن مَوانِعِ التَّكفِيرِ في شَيءٍ، النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أخبَرَنا كَما عند مُسلِمٍ {وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ}، إذَنْ إذا عَمِلَ به فَهو حُجَّةٌ له، وإنْ لم يَعمَلْ به وعَمِلَ بِخِلافِه، أو ناقَضه أو كَفَرَ به أو اِستَهزَأَ به، وإنْ كانَ حافِظًا له، فَهو حُجَّةٌ عليه وليس بِحُجَّةٍ له... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ البنعلي-: ليس كُلُّ ما يُقالُ عنه أنَّه مِن مَوانِعِ التَّكفِيرِ يُسلَّمُ له، بِلْ لا بُدَّ أنْ يَكونَ هذا المانِعُ قد جاءَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ وقَرَّرَه أهلُ السُّنَّةِ، أمَّا أنْ يَكونَ مِن وَضعِ المُبتَدِعةِ كالمُرجِئةِ ونَحوِهم فَهذا لا يُلتَفَتُ له ولا يُرفَعُ به رَأْسًا. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (التنبيهات على ما في الإشارات والدلائل من الأغلوطات): إنَّ مِن أُصولِ الشَّرِيعةِ الإسلامِيَّةِ أنَّ الحِكمةَ إذا كانَتْ خَفِيَّةً أو مُنتَشِرةً [أيْ غَيرَ مُنضَبِطةٍ] يُناطُ الحُكْمُ بِالوَصفِ الظاهِرِ المُنضَبِطِ. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (تأييد ومناصرة للبيان الختامي لعلماء الولايات الإسلامية في الصومال): والحُكْمُ الشَّرعِيُّ يُدارُ على المَظَنَّةِ الظاهِرةِ المُنضَبِطةِ لا على الحِكَمِ الخَفِيَّةِ [أَوِ] المُنتَشِرةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: قَصْرُ الصَّلَاةِ في السَّفَرِ إنَّما كانَ لِلمَشَقَّةِ، ومَشاقُّ المُسافِرِين تَختَلِفُ، فَضُبِطَ بِمَسافةٍ مُعَيَّنةٍ هي مَظَنَّةِ المَشَقَّةِ غالِبًا. انتهى. وقالَ الشيخُ عَلِيٌّ بْنُ خضير الخضير في (إجابة فضيلة الشيخ علي الخضير على أسئلة اللقاء الذي أُجْرِيَ مع فضيلته في مُنْتَدَى "السلفيون"): وهناك مَوانِعُ غَيرُ مُعتَبَرةِ لَكِنْ يَظُنُّها بَعضُهم أنَّها مانِعٌ وليست بِمانِعٍ، مِثلُ؛ (أ)قَصدُ الكُفرِ!؛ (ب)كَونُه مِنَ الحُكَّامِ أو العُلَماءِ أو الدُّعاةِ أوِ المُجاهِدِين، فَيُمنَعُ مِن تَكفِيرِه ولو جاءَ بِكُفرٍ صَرِيحٍ بَوَاحٍ!؛ (ت)مَصلَحةُ الدَّعوةِ أو المَصالِحُ، فَما دامَ أنَّه يَقصِدُ المَصلَحةَ فَلو فَعَلَ الكُفرَ فَلا يُكَفَّرُ!؛ (ث)الهَزلُ وعَدَمُ الجِدِّ فَلا يُكَفَّرُ إلَّا الجادُّ!؛ (ج)عَدَمُ تَرَتُّبُ الأحكامِ أو العُقوبةِ، فَبَعضُهم يَجعَلُ ذلك مانِعًا لِمَن أتَى بِكُفرٍ بَوَاحٍ، فَيَقولُ {لا يُكَفَّرُ، لِأنَّك إذا كَفَّرتَه لن تَقتُلَه ولن تَخرُجَ عليه، ومَعنَى كُفرِه عَدَمُ إرْثِه وفُراقُ زَوجَتِه، فَلَمَّا لم يَحصُلْ ذلك فَلا تَكفِيرَ}!، ونحن نَقولُ، هناك فَرْقٌ بين الأسماءِ والأحكامِ ولا يَعنِي عَدَمُ القُدرةِ على الأحكامِ مَنْعَ إلحاقِ الأسماءِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ الخضير-: وكَفَّرَ جَمعٌ مِنَ السَّلَفِ الحَجَّاجَ؛ وتَكَلَّمَ الإمام أحمَدُ على (المَأْمونِ) وكَفَّرَه، فَقَدْ ثَبَتَ تَكفِيرُ أحمَدَ لِلُمَأْمونِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ الخضير-: مَن مات على الكُفرِ -وهو كافِرٌ أصلِيٌّ- فَهذا يُشهَدُ عليه بِالنارِ، وإنْ كانَ مُرتَدًّا وماتَ على رِدَّتِه فَهذا يُشهَدُ له بِالنارِ كَما صَحَّ عن أبِي بَكرٍ في قَتلَى المُرتَدِّين وأنَّه صالَحَهم [أيِ المُرتَدِّين] على أنْ يَشهَدوا أنَّ قَتلاهم مِنَ المُرتَدِّين في النارِ، وهو إجماعُ الصَّحابةِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ الخضير- رَدًّا على سؤال {هَلْ لك أنْ تَنصَحَ بِكُتُبٍ تُبَيِّنُ القَواعِدَ في التَّكفِيرِ؟}: كُتُبُ أَئِمَّةِ الدَّعوةِ النَّجْدِيَّةِ. انتهى باختصار]؛ الثانِي، أنْ يَظُنَّ أو يَعْلَمَ عَدَمَ المانِعِ فَيَجِبُ التَّكفِيرُ لِقِيَامِ السَّبَبِ بِدونِ مُعارِضٍ ولا خِلافَ فيه أيضًا على الجُملةِ؛ الثالِثُ، أنْ لا يَظُنُّ عَدَمَ المانِعِ أو وُجُودَه، [أيْ] مع اِحتِمالِ العَدَمِ والوُجودِ، ومَذهَبُ الفُقَهاءِ وأهلِ الأَثَرِ في هذه الصُّورةِ جَوازُ العَمَلِ بِالمُقتَضِي لِعَدَمِ المُعارِضِ وعَدَمِ وُجوبِ البَحثِ عنِ المانِعِ [جاءَ في الموسوعةِ الفقهيةِ الكُوَيْتِيَّةِ: فَإِذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي الْمَانِعِ فَهَلْ يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ؟، اِنْعَقَدَ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ {الشَّكَّ فِي الْمَانِعِ لا أَثَرَ لَهُ}. انتهى. وقالَ صالح بن مهدي المقبلي (ت1108هـ) في (نجاح الطالب على مختصر ابن الحاجب، بعناية الشيخ وليد بن عبدالرحمن الربيعي): وهذه اِستِدلالاتُ العُلَماءِ والعُقَلاءِ، إذا تَمَّ المُقتَضِي لا يَتَوَقَّفون إلى أنْ يَظهَرَ لهم عَدَمُ المانِعِ، بَلْ يَكفِيهم أنْ لا يَظهَرَ المانِعُ. انتهى. وقالَ الْقَرَافِيُّ (ت684هـ) في (نفائس الأصول في شرح المحصول): والشَّكُّ في المانِعِ لا يَمنَعُ تَرَتُّبَ الحُكمِ، لِأنَّ القاعِدةَ أنَّ المَشكوكاتِ كالمَعدوماتِ، فَكُلُّ شَيءٍ شَكَكنا في وُجودِه أو عَدَمِه جَعَلناه مَعدومًا. انتهى. وقَالَ يُوسُفُ بنُ عبدالرحمن بْنِ الْجَوْزِيِّ (ت656هـ) في (الإيضاح لقوانين الاصطلاح): الأصلُ عَدَمُ المانِعِ، فَمَنِ اِدَّعَى وُجودَه كانَ عليه البَيانُ... ثم قالَ -أيِ اِبْنُ الْجَوْزِيِّ-: وأَمَّا الشُّبهةُ فَإنَّما تُسقِطُ الحُدودَ إذا كانَتْ مُتَحَقِّقةَ الوُجودِ لا مُتَوَهَّمةً. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (سِلْسِلَةُ مَقالاتٍ في الرَّدِّ على الدُّكْتُورِ طارق عبدالحليم): لا يَجوزُ تَرْكُ العَمَلِ بِالسَّبَبِ المَعلومِ لِاحتِمالِ المانِعِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الأسبابُ الشَّرعِيَّةُ لا يَجوزُ إهمالُها بِدَعوَى الاحتِمالِ، والدَّلِيلُ أنَّ ما كانَ ثابِتًا بِقَطْعٍ أو بِغَلَبةِ ظَنٍّ لا يُعارَضُ بِوَهمٍ واحتِمالٍ، فَلا عِبرةَ بِالاحتِمالِ في مُقابِلِ المَعلومِ مِنَ الأسبابِ، فالمُحتَمَلُ مَشكوكٌ فيه والمَعلومُ ثابِتٌ، وعند التَّعارُضِ لا يَنبَغِي الالتِفاتُ إلى المَشكوكِ، فالقاعِدةُ الشَّرعِيَّةُ هي إلغاءُ كُلِّ مَشكوكٍ فيه والعَمَلُ بِالمُتَحَقِّقِ مِنَ الأسبابِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ المانِعَ يَمنَعُ الحُكمَ بِوُجودِه لا بِاحتِمالِه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ اِحتمالَ المانِعِ لا يَمنَعُ تَرْتِيبَ الحُكمِ على السَّبَبِ، وإنَّ الأصلَ عَدَمُ المانِعِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الأصلُ تَرَتُّبُ الحُكمِ على سَبَبِه، وهذا مَذهَبُ السَّلَفِ الصالِحِ، بينما يَرَى آخَرون في عَصرِنا عَدَمَ الاعتِمادِ على السَّبَبِ لِاحتِمالِ المانِعِ، فَيُوجِبون البَحْثَ عنه [أَيْ عنِ المانِعِ]، ثم بَعْدَ التَّحَقُّقِ مِن عَدَمِه [أَيْ مِن عَدَمِ وُجودِ المانِعِ] يَأْتِي الحُكْمُ، وحَقِيقةُ مَذهَبِهم (رَبطُ عَدَمِ الحُكمِ بِاحتِمالِ المانِعِ)، وهذا خُروجٌ مِن مَذاهِبِ أهلِ العِلْمِ، ولا دَلِيلَ إلَّا الهَوَى، لِأنَّ مانِعِيَّةَ المانِعِ [عند أهلِ العِلْمِ] رَبْطُ عَدَمِ الحُكمِ بِوُجودِ المانِعِ لا بِاحتِمالِه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: ويَلزَمُ المانِعِين مِنَ الحُكمِ لِمُجَرَّدِ اِحتِمال المانِعِ الخُروجُ مِنَ الدِّينِ، لِأنَّ حَقِيقةَ مَذهَبِهم رَدُّ العَمَلِ بِالظَّواهِرِ مِن عُمومِ الكِتابِ، وأخبارِ الآحادِ، وشَهادةِ العُدولِ، وأخبارِ الثِّقاتِ، لِاحتِمالِ النَّسخِ والتَّخصِيصِ، و[احتِمالِ] الفِسقِ المانِعِ مِن قَبُولِ الشَّهادةِ، واحتِمالِ الكَذِبِ والكُفرِ والفِسقِ المانِعِ مِن قَبُولِ الأخبارِ، بَلْ يَلزَمُهم أنْ لا يُصَحِّحوا نِكَاحَ اِمرَأَةٍ ولا حِلَّ ذَبِيحةِ مُسلِمٍ، لِاحتِمالِ أنْ تَكونَ المَرأةُ مَحْرَمًا له أو مُعْتَدَّةً مِنْ غَيْرِهِ أو كافِرةً، و[احتِمالِ] أنْ يَكونَ الذَّابِحُ مُشرِكًا أو مُرتَدًّا... إلى آخِرِ القائمةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: لا يَصِحُّ الاعتِمادُ بِالاستِصحابِ على مَنعِ حُكمِ السَّبَبِ، لِأنَّ الاستِصحابَ قَدْ بَطَلَ بِقِيامِ السَّبَبِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: لا يَصِحُّ الاستِدلال بِالاستِصحابِ عند قِيامِ السَّبَبِ، وإنَّما يَحسُنُ التَّمَسُّكُ به عند اِنتِفاءِ السَّبَبِ، وإلَّا فالأصلُ المُستَصحَبُ اِنفَسَخَ بِقِيامِ ما يَقتَضِي التَّكفِيرَ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (الجواب المسبوك "المجموعة الثانية"): الأصلُ فِيمَن أظهَرَ الكُفْرَ أنَّه كافِرٌ رَبطًا لِلحُكمِ بِسَبَبِه، وهو أصلٌ مُتَّفَقٌ عليه. انتهى]؛ ولِكَيْ تَتَّضِحَ الصُّورةُ أكثَرَ فَلنَضرِبُ مِثالًا في أحَدِ المَوانِعِ المُجمَعِ عليها ألا وهو الإكراهُ، يَقولُ الإمامُ اِبْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ ورَبِيعَةُ بْنُ أبِي عبدالرحمن في مَسأْلةِ الأسِيرِ الذي اِرتَدَّ ولا يُعلَمُ أَمُكرَها كانَ أمْ لا {إنْ تَنَصَّرَ وَلَا يُعْلَمُ أَمُكْرَهٌ أَوْ غَيْرُهُ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ} [حَكاه الإمامُ مالِكٌ في (الْمُدَوَّنَةُ)]، وقالَ الإمامُ مالِكُ بنُ أنس [في (الْمُدَوَّنَةُ)] رَحِمَه اللهُ {إذَا تَنَصَّرَ الأَسِيرُ، فَإِنْ عُرِفَ أَنَّهُ تَنَصَّرَ طَائِعًا فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، وَإِنْ أُكْرِه لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ تَنَصَّرَ مُكْرَهًا أَوْ طَائِعًا فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ}، ألَا تَرَى تَطبِيقَ الأَئمَّةِ لِلأصلِ الخامِسِ في أنَّ الواقِعَ في الكُفرِ، فَإمَّا أنْ يُعلَمَ له مانِعٌ مِنَ الحُكمِ فَلا يَكفُرُ، وإمَّا أنْ لا يُعلَمَ له مانِعٌ فَيَكفُرُ لِقِيَامِ السَّبَبِ وعَدَمِ المانِعِ، وإمَّا أنْ لا يُعلَمَ بِقِيَامِ المانِعِ ولا بِانتِفائه مِنَ المَحِلِّ فَيُعمَلُ بِالمُقتَضِي ولا عِبرةَ بِالاحتِمالاتِ [قالَ خليل بن إسحاق الجندي المالكي (ت776هـ) في (التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب):إذا تَنَصَّرَ الأسِيرُ فَإنْ عُلِمَ إكراهُه فَكالمُسلِمِ [أيْ في جَمِيعِ أحكامِه]، وإنْ عُلِمَ طَوعُه فَكالمُرتَدِّ [أيْ في جَمِيعِ أحكامِه]، وإنْ لم يُعلَمْ طَوعُه مِن إكراهِه فالمَشهورُ أنَّه مَحمولٌ على الطَّوعِ لِأنَّه الأصلُ في الأفعالِ الواقِعةِ مِنَ العُقلاءِ والغالِبُ أيضًا، ورُوِيَ عن مالِكٍ أنَّه مَحمولٌ على الإكراهِ لِأنَّه الغالِبُ مِن حالِ المُسلِمِ... ثم قالَ -أيْ خليل بن إسحاق-: وَمَنْ تَنَصَّرَ مِنْ أَسِيرٍ حُمِلَ عَلَى الاخْتِيَارِ حَتَّى يَثْبُتَ إِكْرَاهٌ، هذا هو المَشهورُ، ووَجهُه أنَّ الغالِبَ في أحوالِ المُكَلَّفِ الاختِيارُ وهذا صَحِيحٌ، إلَّا أْن يَشتَهِرَ عن جِهةٍ مِن جِهاتِ الكُفَّارِ أنَّهم يُكرِهون الأسِيرِ على الدُّخولِ في دِينِهم ويُكثِرون مِنَ الإساءةِ إليه فَإذا تَنَصَّرَ خُفِّفَ عنه، فَيَنبَغِي عندي أنْ يُتَوَقَّفَ في إجراءِ حُكمِ المُرتَدِّ عليه حتى يَثبُتَ ذلك، وقِيلَ {بَلْ يُحمَلُ على الإكراهِ لِأنَّه الغالِبُ مِن حالِ المُسلِمِ}. انتهى باختصار. وقالَ بهرام الدميري (ت805هـ) في (تحبير المختصر): مَن تَنَصَّرَ مِن أسِيرٍ ونَحوِه مِمَّن دَخَلَ بِلادَ الحَربِ فَإنَّه يُحمَلُ على أنَّه فَعَلَ ذلك اِختِيارًا منه لِأنَّ أفعالَ المُكَلَّفِ مَحمولةٌ على ذلك، إلَّا أنْ تَقومَ بَيِّنةٌ على إكراهِه، وهذا هو المَشهورُ، وقِيلَ {يُحمَلُ على إكراهِه لِأنَّه الغالِبُ مِن حالِ المُسلِمِ}. انتهى. وقالَ محمد بن محمد سالم المجلسي الشنقيطي (ت1302هـ) في (لوامع الدرر في هتك أستار المختصر): المُسلِمُ إذا أَسَرَه العَدُوُّ ثم ثَبَتَ أنَّه تَنَصَّرَ أو تَهَوَّدَ أو تَمَجَّسَ، فَإنَّه يُحمَلُ في حُكمِ الشَّرعِ عند جَهلِ حالِه على أنَّه كَفَرَ طائعًا، قالَ الشَّبْرَخِيتِيُّ [ت1106هـ] {وهو مُقَيَّدٌ بِما إذا لم يَكُنْ مَن أَسَرَه مِمَّن اشْتُهِرَ عَنْهُمْ أنَّهم يُكرِهون الأسِيرَ المُسلِمَ على الكُفرِ، وإلَّا حُمِلَ على الإكراهِ، وهو تَقيِيدٌ مُتَّجَهٌ}، وإنَّما حُمِلَ على الطَّوعِ مع جَهلِ الحالِ لِأنَّه الأصلُ فِيما يَصدُرُ مِنَ العُقلاءِ في الأفعالِ والأقوالِ، وعن مالِكٍ أنَّه مَحمولٌ على الإكراهِ لِأنَّه الغالِبُ مِن حالِ المُسلِمِ؛ أمَّا إذا عُلِمَ طَوعُه أو إكراهُه عُمِلَ على ذلك بِلا إشكالٍ. انتهى باختصار]؛ ومع وُضوحِ القاعِدةِ يُصِيبُ بَعضُ الإِخْوَةِ سُوءَ فَهْمٍ لِلمَقصودِ مِنِ اِنتِفاءِ المَوانِعِ عند تَكفِيرِ المُعَيَّنِ، فَيَظُنُّون أنَّ المُرادَ اِنتِفاءُ المانِعِ بَعْدَ البَحثِ عنه، والتَّحقِيقُ أنَّ المَقصودَ مِنِ اِنتِفاءِ المانِعِ أنْ لا يَعلَمَ المُكَفِّرُ مانِعًا في المَحِلِّ، ولا عِبرةَ بِالاحتِمالِ المُجَرَّدِ لِأنَّ الحُكمَ الشَّرعِيَّ يَثبُتُ بِسَبَبِه [أيْ بِسَبَبِ الحُكمِ] وانتِفاءِ مانِعِه، والمُعتَبَرُ أنْ لا يَظُنُّ المُكَفِّرُ عند التَّكفِيرِ مانِعًا في المَحِلِّ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الأصلُ السادِسُ [أَيْ مِنَ الأُصولِ التي يَنبَغِي أنْ يَنطَلِقَ منها أهلُ التَّوحِيدِ والجِهادِ في هذا العَصرِ بِالنِّسبةِ لِمَسأَلةِ الكُفرِ والتَّكفِيرِ]، المُكَفِّرُ هو كُلُّ مَن له عِلمٌ بِما يُكَفَّرُ به، ومنهم العامِّيُّ في المَسائلِ المَعلومةِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرورةِ وفي المَسائلِ التي اِستَوعَبَها، إذ لا مانِعَ مِن ذلك شَرعًا والشَّرطُ [أيْ في مَن يُكَفِّرُ] العِلمُ والعِرفانُ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الأصلُ السابِعُ [أَيْ مِنَ الأُصولِ التي يَنبَغِي أنْ يَنطَلِقَ منها أهلُ التَّوحِيدِ والجِهادِ في هذا العَصرِ بِالنِّسبةِ لِمَسأَلةِ الكُفرِ والتَّكفِيرِ]، أمَّا المُكَفَّرُ فَيَصِحُّ تَكفِيرُ العاقِلِ المُختارِ بِمُوجِبِه [أيْ بِالسَّبَبِ الذي أوجَبَ تَكفِيرَه] وإنْ لم يَكُنْ بالِغًا، وهو مَذهَبُ جُمهورِ أهلِ العِلْمِ، يَقولُ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَه اللهُ [في (درء تعارض العقل والنقل)] {كُفْرُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ صَحِيحٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، فَإِذَا اِرْتَدَّ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ صَارَ مُرْتَدًّا وَإِنْ كَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ، وَيُؤَدَّبُ عَلَى ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ أَعْظَمُ مِمَّا يُؤَدَّبُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ، لَكِنْ لَا يُقْتَلُ فِي شَرِيعَتِنَا حَتَّى يَبْلُغَ}، وقالَ اِبْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَه اللهُ [في (أحكام أهل الذمة)] {كُفْرُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، فَإِذَا اِرْتَدَّ عِنْدَهُمْ صَارَ مُرْتَدًّا لَهُ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ وَإِنْ كَانَ لَا يُقْتَلُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَثْبُتُ عَلَيْهِ كُفْرُهُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُضْرَبُ وَيُؤَدَّبُ عَلَى كُفْرِهِ أَعْظَمَ مِمَّا يُؤَدَّبُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ}، فالصَّبِيُّ المُمَيِّزُ تَجرِي عليه أحكامُ المُرتَدِّين مِنِ اِنفِساخِ النِّكاحِ والمَنعِ مِنَ المِيراثِ وعَدَمِ الدَّفنِ في مَقابِرِ المُسلِمِين، إلَّا أَّنه لا يُقتَلُ عند الأكثَرِين فَتُؤَجَّلُ العُقوبةُ إلى حين البُلوغِ، ورَأَتْ طائفةٌ منهم جَرَيَانَ أحكامِ البالِغِين عليه [أيْ على الصَّبِيِّ] في الإسلامِ والرِّدَّة والحُدودِ، والكَلامُ في الأحكامِ الدُّنيَوِيَّةِ، قالَ الفَقِيهُ عُثْمَانُ بْنُ مُسْلِمٍ الْبَتِّيُّ (ت143هـ) رَحِمَه اللهُ {اِرتِدادُه اِرتِدادٌ، وعليه ما على المُرتَدِّ، ويُقامُ عليه الحُدودُ، وإسلامُه إسلامٌ} [حَكاه الجَصَّاصُ (ت370هـ) في (مختصر اختلاف العلماء)]، وقالَ الإمامُ اِبْنُ مُفْلِحٍ رَحِمَه اللهُ {وَفِي الرَّوْضَةِ (تَصِحُّ رِدَّةُ مُمَيِّزٍ فَيُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَيَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْبُلَّغِ)}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الأصلُ الثامِنُ [أَيْ مِنَ الأُصولِ التي يَنبَغِي أنْ يَنطَلِقَ منها أهلُ التَّوحِيدِ والجِهادِ في هذا العَصرِ بِالنِّسبةِ لِمَسأَلةِ الكُفرِ والتَّكفِيرِ]، ونَعتَبِرُ عند التَّكفِيرِ ما يَعتَبِرُه أهلُ العِلْمِ مِنَ الشُّروطِ (كالعَقلِ والاختِيارِ) وكَذلك المَوانِعِ (كالجُنونِ والإكراهِ) [قالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (مُناظَرةٌ في حُكمِ مَن لا يُكَفِّرُ المُشرِكِين): ونَعتَبِرُ عند التَّكفِيرِ ما يَعتَبِرُه أهلُ العِلْمِ مِنَ الشُّروطِ والمَوانِعِ؛ كالعَقلِ والاختِيَارِ وقَصدِ الفِعْلِ والتَّمَكُّنِ مِنَ العِلْمِ [فِي الشُّروطِ]؛ وفي المَوانِعِ الجُنونُ والإكراهُ والخَطَأُ والجَهلُ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: أصلُ الدِّينِ لا يُعذَرُ فيه أحَدٌ بِجَهلٍ أو تَأوِيلٍ، [وأصلُ الدِّينِ] هو ما يَدخُلُ به المَرءُ في الإسلامِ (الشَّهادَتان وما يَدخُلُ في مَعنَى الشَّهادَتَين)، وما لا يَدخُلُ في مَعنَى الشَّهادَتَين لا يَدخُلُ في أصلِ الدِّينِ الذي لا عُذرَ فيه لِأحَدٍ إلَّا بِإكراهٍ أو اِنتِفاءِ قَصدٍ. انتهى باختصار]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الأصلُ التاسِعُ [أَيْ مِنَ الأُصولِ التي يَنبَغِي أنْ يَنطَلِقَ منها أهلُ التَّوحِيدِ والجِهادِ في هذا العَصرِ بِالنِّسبةِ لِمَسأَلةِ الكُفرِ والتَّكفِيرِ]، لا أعلَمُ المُجاهِدِين [يَعنِي التَّيَّارَ السَّلَفِيَّ الجِهادِيَّ المُعاصِرَ] وافَقوا الخَوارِجَ في أصلٍ مِن أُصولِهم المَعروفةِ التي قامَ على بُطلانِها الدَّلِيلُ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ وإجماعِ السَّلَفِ الصالِحِ مِثْلِ التَّكفِيرِ بِالذُّنوبِ والمَعاصي... واعلَمْ أنَّ مَذهَبَ الخَوارِجِ هو ما تَختَصُّ [أيِ الخَوارِجُ] به، ولا يُقالُ لِشَيءٍ {إنَّه مَذهَبُ الخَوارِجِ} إلَّا إذا اِختَصُّوا به... وقد طالَبْنا شُيوخَ مُكافَحةِ الإرهابِ وأذنابَهم في أكثَرِ مِن مَقَامٍ ومَجلِسٍ أنْ يُثبِتوا أصلًا واحِدًا مِن أُصولِ الخَوارِجِ الخاصَّةِ بِهم ثم إقامةَ الدَّلِيلِ على أنَّه مَذهَبٌ لِلتَّيَّارِ السَّلَفِيِّ الجِهادِيِّ المُعاصِرِ فَلم يَقدِروا عليه ولن يَقدِروا إنْ شاءَ اللهُ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (الانتصار للأئمة الأبرار): وقَدِ اِختَلَفَ أهلُ العِلْمِ في تَكفِيرِ تارِكِ الصَّلاةِ، وَ[تارِكِ] الزَّكاةِ، وَ[تارِكِ] الصَّومِ، وَ[تارِكِ] الحَجِّ، والساحِرِ، والسَّكرانِ [جاءَ في الموسوعةِ الفقهيةِ الكُوَيْتِيَّةِ: اِتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ السَّكْرَانَ غَيْرُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ [وهو الذي تَناوَلَ المُسكِرَ اِضْطِرارًا أو إكراهًا] لا يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ إِذَا صَدَرَ مِنْهُ مَا هُوَ مُكَفِّرٌ؛ وَاخْتَلَفُوا فِي السَّكْرَانِ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) إِلَى تَكْفِيرِهِ إِذَا صَدَرَ مِنْهُ مَا هُوَ مُكَفِّرٌ. انتهى]، والكاذِبِ على رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، والصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، ومُرجِئةِ الفُقَهاءِ... ثم قالَ -أَيِ الشَّيخُ الصومالي-: والضابِطُ [أيْ في التَّكفِيرِ] تَحَقُّقُ السَّبَبِ المُكَفِّرِ مِنَ العاقِلِ المُختارِ، ثم تَختَلِفُ المَذاهِبُ في الشُّروطِ والمَوانِعِ [أيْ في المُتَبَقِّي منها، بَعْدَمَا اِتَّفَقوا على اِعتِبارِ شَرْطَيِ العَقلِ والاختِيَارِ، ومانِعَيِ الجُنونِ والإكراهِ]. انتهى. وقالَ الشَّيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (سِلْسِلَةُ مَقالاتٍ في الرَّدِّ على الدُّكْتُورِ طارق عبدالحليم): فَمَنْ بَدَّعَ أو حَكَمَ بِالغُلُوِّ لِعَدَمِ اِعتِبارٍ لِبَعضِ الشُّروطِ [يَعنِي شُروطَ ومَوانِعَ التَّكفِيرِ] فَهُوَ الغالِي في البابِ، لِأنَّ أهلَ السُّنَّةِ اِختَلَفوا في اِعتِبارِ بَعضِها فَلَمْ يُبَدِّعْ بَعضُهم بَعضًا، ومِن ذلك؛ (أ)أنَّ أكثَرَ عُلَماءِ السَّلَفِ لا يَعتَبِرون البُلوغَ شَرطًا مِن شُروطِ التَّكفِيرِ ولا عَدَمَ البُلوغِ مانِعًا؛ (ب)وكذلك جُمهورُ الحَنَفِيَّةِ والمالِكِيَّةِ لا يَعتَبِرون الجَهْلَ مانِعًا مِنَ التَّكفِيرِ؛ (ت)وتَصِحُّ رِدَّةُ السَّكرانِ عند الجُمهورِ، والسُّكْرُ مانِعٌ مِنَ التَّكفِيرِ عند الحَنَفِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عند الحَنابِلةِ؛ ولا تَراهُمْ يَحكُمون بِالغُلُوِّ على المَذاهِبِ المُخالِفةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: اِتَّفَقَ الناسُ [يَعنِي في شُروطِ ومَوانِعِ التَّكفِيرِ] على اِعتِبارِ الاختِيارِ والعَقلِ والجُنونِ والإكراهِ، واختَلفوا في غَيرِها. انتهى باختصار]، وَهَذَا الْوَجْهُ نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنِ الإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، لِأنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ الَّذِي قَالَهُ الأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ أَنَّ الْخَوَارِجَ لَا يُكَفَّرُونَ [قالَ ابنُ تيميةَ في (مجموع الفتاوى): وَالْخَوَارِجُ كَانُوا مِنْ أَظْهَرِ النَّاسِ بِدْعَةً وَقِتَالًا لِلأُمَّةِ وَتَكْفِيرًا لَهَا وَلَمْ يَكُنْ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ يُكَفِّرُهُمْ لَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَلَا غَيْرُهُ بَلْ حَكَمُوا فِيهِمْ بِحُكْمِهِمْ فِي الْمُسْلِمِينَ الظَّالِمِينَ الْمُعْتَدِينَ. انتهى. وقالَ -أَيِ ابنُ تيميةَ- أيضًا في (مجموع الفتاوى): وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ قِتَالَ الصِّدِّيقِ لِمَانِعِي الزَّكَاةِ وَقِتَالَ عَلِيٍّ لِلْخَوَارِجِ، لَيْسَ مِثْلَ الْقِتَالِ يَوْمَ الْجَمَلِ وصِفِّينَ، فَكَلَامُ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ فِي الْخَوَارِجِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَيْسُوا كُفَّارًا كَالْمُرْتَدِّينَ عَنْ أَصْلِ الإِسْلَامِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنِ الأَئِمَّةِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَلَيْسُوا مَعَ ذَلِكَ حُكْمُهُمْ كَحُكْمِ أَهْلِ الْجَمَلِ وصِفِّينَ، بَلْ هُمْ نَوْعٌ ثَالِثٌ وَهَذَا أَصَحُّ الأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِيهِمْ... ثم قالَ -أَيِ ابنُ تيميةَ-: وَقَدِ اِتَّفَقَ الصَّحَابَةُ، وَالأَئِمَّةُ بَعْدَهُمْ، عَلَى قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانُوا يُصَلُّونَ الْخَمْسَ وَيَصُومُونَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُبْهَةٌ سَائِغَةٌ فَلِهَذَا كَانُوا مُرْتَدِّينَ وَهُمْ يُقَاتَلُونَ عَلَى مَنْعِهَا -وَإِنْ أَقَرُّوا بِالْوُجُوبِ- كَمَا أَمَرَ اللَّهُ [قالَ الشيخُ مدحت بن حسن آل فراج في (العذر بالجهل تحت المجهر الشرعي، بتقديمِ الشيوخِ ابنِ جبرين "عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء"، وعبدِالله الغنيمان "رئيس قسم العقيدة بالدراسات العليا بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة"، والشيخِ المُحَدِّثِ عبدِالله السعد): فهذه الطائفةُ التي مَنَعَتْ زَكاةَ مالِها بشُبهةٍ وتَأْوِيلٍ فاسدٍ -مع استِمساكِهم بالشَّهادَتَين والقِيَامِ بالصَّلاةِ وبَقِيَّةِ الفَرائضِ- فقد اِتَّفَقَ الصَّحابةُ على قِتالِهم ورِدَّتِهم وغَنِيمةِ أمْوالِهم وسَبْيِ ذَرَارِيِّهم [(ذَرَارِيّ) جَمْعُ (ذُرِّيَّة)] والشَّهادةِ على قَتْلاهم بالنَّارِ، مُستَنِدِين في ذلك إلى الكِتابِ والسُّنَّةِ. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (نَظَراتٌ نَقدِيَّةٌ في أخبارٍ نَبَوِيَّةٍ "الجُزءُ الثاني"): أجمَعَ الصَّحابةُ على تَكفِيرِ مانِعِي الزَّكاةِ كَما حَكاه الإمامُ أبو عُبَيْدٍ [ت224هـ]، وأبو بَكرٍ الْجَصَّاصُ [ت370هـ]، والْقَاضِي أَبُو يَعْلَى [ت458هـ]، والحافظُ اِبْنُ عَبْدِالْبَرِّ، وأَبُو الْفَرَجِ الْمَقْدِسِيُّ [ت486هـ]، وشَيخُ الإسلامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ. انتهى. وقالَ ابنُ تيميةَ في (مجموع الفتاوى): كُلُّ طَائِفَةٍ مُمْتَنِعَةٍ عَنِ الْتِزَامِ شَرِيعَةٍ مِنْ شَرَائِعِ الإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ قِتَالُهُمْ حَتَّى يَلْتَزِمُوا شَرَائِعَهُ وَإِنْ كَانُوا مَعَ ذَلِكَ نَاطِقِينَ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَمُلْتَزِمِينَ بَعْضَ شَرَائِعِهِ، كَمَا قَاتَلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَانِعِي الزَّكَاةَ، وَعَلَى ذَلِكَ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ بَعْدَهُمْ بَعْدَ سَابِقَةِ مُنَاظَرَةِ عُمَرَ لِأبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَاتَّفَقَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى الْقِتَالِ عَلَى حُقُوقِ الإِسْلَامِ عَمَلًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَعُلِمَ أَنَّ مُجَرَّدَ الاعْتِصَامِ بِالإِسْلَامِ مَعَ عَدَمِ الْتِزَامِ شَرَائِعِهِ لَيْسَ بِمُسْقِطٍ لِلْقِتَالِ... ثم قالَ -أَيِ ابنُ تيميةَ-: فَأَيُّمَا طَائِفَةٍ اِمْتَنَعَتْ مِنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ أَوِ الصِّيَامِ أَوِ الْحَجِّ أَوْ عَنِ الْتِزَامِ تَحْرِيمِ الدِّمَاءِ وَالأَمْوَالِ وَالْخَمْرِ وَالزِّنَا وَالْمَيْسِرِ أَوْ عَنْ نِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ أَوْ عَنِ الْتِزَامِ جِهَادِ الْكُفَّارِ أَوْ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وَاجِبَاتِ الدِّينِ وَمُحَرَّمَاتِهِ، الَّتِي لَا عُذْرَ لِأحَدٍ فِي جُحُودِهَا وَتَرْكِهَا، الَّتِي يَكْفُرُ الْجَاحِدُ لِوُجُوبِهَا، فَإِنَّ الطَّائِفَةَ الْمُمْتَنِعَةَ تُقَاتَلُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ مُقِرَّةً بِهَا، وَهَذَا مَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ؛ وَإِنَّمَا اِخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الطَّائِفَةِ الْمُمْتَنِعَةِ إذَا أَصَرَّتْ عَلَى تَرْكِ بَعْضِ السُّنَنِ، كَرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَالأَذَانِ، وَالإِقَامَةِ عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِهَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الشَّعَائِرِ، هَلْ تُقَاتَلُ الطَّائِفَةُ الْمُمْتَنِعَةُ عَلَى تَرْكِهَا أَمْ لَا؟؛ فَأَمَّا الْوَاجِبَاتُ وَالْمُحَرَّمَاتُ الْمَذْكُورَةُ وَنَحْوُهَا فَلَا خِلَافَ فِي الْقِتَالِ عَلَيْهَا، وَهَؤُلَاءِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْعُلَمَاءِ لَيْسُوا بِمَنْزِلَةِ الْبُغَاةِ الْخَارِجِينَ عَلَى الإِمَامِ أَوِ الْخَارِجِينَ عَنْ طَاعَتِهِ كَأَهْلِ الشَّامِ [أنصارِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّ أُولَئِكَ خَارِجُونَ عَنْ طَاعَةِ إمَامٍ مُعَيَّنٍ أَوْ خَارِجُونَ عَلَيْهِ لِإزَالَةِ وِلَايَتِهِ، وَأَمَّا الْمَذْكُورُونَ فَهُمْ خَارِجُونَ عَنِ الإِسْلَامِ بِمَنْزِلَةِ مَانِعِي الزَّكَاةِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ محمد بنُ عبدالوهاب في (مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد): وقد رُوِيَ أنَّ طَوائفَ مِنهم [أَيْ مِن مانِعِي الزَّكاةِ] كانوا يُقِرُّون بالوُجوبِ لَكِنْ بَخِلوا بها، ومع هذا فَسِيرةُ الخُلَفاءِ فيهم جَمِيعًا سِيرةٌ واحِدةٌ، وهي قَتْلُ مُقَاتِلَتِهم، وسَبْيُ ذَرَارِيِّهم، وغَنِيمةُ أمْوالِهم، والشَّهادةِ على قَتْلاهم بالنَّارِ، وسَمَّوْهم جَمِيعًا أهلَ الرِّدَّة. انتهى. وقَالَ أبو العباس القُرْطُبي (ت656هـ) في (الْمُفْهِمُ لِمَا أَشْكَلَ مِنْ تَلْخِيصِ كِتَابِ مُسْلِمٍ): قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ عِيَاضٌ {كانَ أهلُ الرِّدَّةِ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ؛ فَصِنْفٌ كَفَرَ بَعْدَ إسلامِه، وعادَ لِجاهِلِيَّتِه، واتَّبَعَ مُسَيْلِمَةَ وَالْعَنْسِيَّ وصَدَّقَ بهما؛ وصِنْفٌ أَقَرَّ بالإسلامِ إلَّا الزكاةَ فَجَحَدَها (وتَأَوَّلَ بَعضُهم أنَّ ذلك كانَ خاصًّا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِقَولِه تَعالَى "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ، إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ، وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ")؛ وصِنْفٌ اِعتَرَفَ بِوُجوبِها ولَكِنِ اِمتَنَعَ مِن دَفعِها إلى أَبِي بَكْرٍ فَقالَ (إنَّما كانَ قَبْضُها لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خاصَّةً لا لِغَيرِه) وفَرَّقوا صَدَقاتِهم بِأَيْدِيهِمْ؛ فَرَأَى أبو بَكْرٍ والصَّحابةُ قِتالَ جَمِيعِهم (الصِّنْفان الأَوَّلَانِ لِكُفرِهم، والثالثُ لِامتِناعِهم)}؛ وهذا الصِّنْفُ الثالثُ هُمُ الذِين أَشْكَلَ أَمْرُهُمْ على عُمَرَ فَبَاحَثَ أبا بَكْرٍ في ذلك حتى ظَهَرَ له الحَقُّ الذي كانَ ظاهِرًا لأَبِي بَكْرٍ فَوافَقَه على ذلك. انتهى. وقالَ الشيخُ محمد الأمين الهرري (المدرس بالمسجد الحرام) في (الكوكب الوهاج): قالَ الخطابي {كانَ أهلُ الرِّدَّةِ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ؛ صِنْفٌ اِرتَدَّ ولم يَتَمَسَّكْ مِنَ الإسلامِ بِشَيءٍ (ثم مِن هؤلاء مَن عادَ إلى جاهِلِيَّتِه، ومنهم مَنِ اِدَّعَى نُبُوَّةَ غَيرِه صلى الله عليه وسلم وصَدَّقَه كأتْباعِ مُسَيْلِمَةَ بِالْيَمَامَةِ والأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ بِصَنْعَاءَ)؛ وصِنْفٌ تَمَسَّكَ بالإسلامِ إلَّا أنَّه أنكَرَ وُجوبَ الزَّكاةِ وقالَ (إنَّما كانَتْ واجِبةً في زَمانِه صلى الله عليه وسلم) وتَأَوَّلَ في ذلك قَولَه تَعالَى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ، إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ، وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)؛ وصِنْفٌ تَمَسَّكَ به [أَيْ بِالإسلامِ] واعتَرَفَ بِوُجوبِها [أَيْ بِوُجوبِ الزَّكاةِ] إلَّا أنَّه اِمتَنَعَ مِن دَفْعِها لأَبِي بَكْرٍ وَفَرَّقَها بِنَفْسِه، قالَ (وإنَّما كانَتْ تَفْرِقَتُهَا لِرَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم)، فاتَّفَقَ الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم على قِتالِ الصِّنْفَين الأَوَّلَينِ}؛ وأَمَّا الصِّنْفُ الثالثُ، أَعنِي بهم الذِين اعتَرَفوا بِوُجوبِها ولَكِنِ اِمتَنَعوا مِن دَفْعِها إلى أَبِي بَكْرٍ، فَهُمُ الذِين أَشْكَلَ أَمْرُهُمْ على عُمَرَ فَبَاحَثَ أبا بَكْرٍ في ذلك حتى ظَهَرَ له الحَقُّ الذي كانَ ظاهِرًا لأَبِي بَكْرٍ فَوافَقَه على ذلك. انتهى باختصار. وقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي (فَتْحُ الباري): وَصِنْفٌ جَحَدُوا الزَّكَاةَ وَتَأَوَّلُوا بِأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِزَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمُ الَّذِينَ نَاظَرَ عُمَرُ أَبَا بَكْرٍ فِي قِتَالِهِمْ. انتهى باختصار. قلتُ: ومِمَّا ذُكِرَ يُعلَمُ اختِلافُ العُلَماءِ في الذِين أَشْكَلَ أَمْرُهُمْ على عُمَرَ، هَلْ هُمُ الذِين قالوا عنِ الزَّكَاةِ {إنَّما كانَتْ واجِبةً في زَمانِه صلى الله عليه وسلم}، أَمْ هُمُ الذِين اِمتَنَعوا مِن دَفْعِها لأَبِي بَكْرٍ وَفَرَّقوها بِأَنفُسِهِمْ]، وَقَدْ حُكِيَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا {إنَّ اللَّهَ أَمَرَ نَبِيَّهُ بِأَخْذِ الزَّكَاةِ بِقَوْلِهِ (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً)، وَقَدْ سَقَطَتْ بِمَوْتِهِ}. انتهى. وقالَ -أَيِ ابنُ تيميةَ- أيضًا في (منهاج السنة النبوية): وَأَصْحَابُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرُهُ) لَمْ يُكَفِّرُوا الْخَوَارِجَ الَّذِينَ قَاتَلُوهُمْ... ثم قالَ -أَيِ ابنُ تيميةَ-: لَمْ يَسْبِ [أَيْ عَلِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] لَهُمْ ذُرِّيَّةً، وَلَا غَنِمَ لَهُمْ مَالًا، وَلَا سَارَ فِيهِمْ سِيرَةَ الصَّحَابَةِ فِي الْمُرْتَدِّينَ (كَمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَأَمْثَالِهِ)، بَلْ كَانَتْ سِيرَةُ عَلِيٍّ وَالصَّحَابَةِ فِي الْخَوَارِجِ مُخَالِفَةً لِسِيرَةِ الصَّحَابَةِ فِي أَهْلِ الرِّدَّةِ، وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ عَلَى عَلِيٍّ ذَلِكَ، فَعُلِمَ اتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُرْتَدِّينَ عَنْ دِينِ الإِسْلَامِ... ثم قالَ -أَيِ ابنُ تيميةَ-: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُكَفِّرُوا الْخَوَارِجَ، أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ خَلْفَهُمْ، وَكَانُوا أَيْضًا يُحَدِّثُونَهُمْ وَيُفْتُونَهُمْ وَيُخَاطِبُونَهُمْ كَمَا يُخَاطِبُ الْمُسْلِمُ الْمُسْلِمَ، وَمَا زَالَتْ سِيرَةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا، مَا جَعَلُوهُمْ مُرْتَدِّينَ كَالَّذِينَ قَاتَلَهُمُ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ هَذَا مَعَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِهِمْ فِي الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُمْ {شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، خَيْرُ قَتِيلٍ مَنْ قَتَلُوهُ} أَيْ أَنَّهُمْ شَرٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ شَرًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ، لَا الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى، فَإِنَّهُمْ كَانُوا مُجْتَهِدِينَ فِي قَتْلِ كُلِّ مُسْلِمٍ لَمْ يُوَافِقُهُمْ، مُسْتَحِلِّينَ لِدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ وَقَتْلِ أَوْلَادِهِمْ، مُكَفِّرِينَ لَهُمْ، وَكَانُوا مُتَدَيِّنِينَ بِذَلِكَ لِعَظْمِ جَهْلِهِمْ وَبِدْعَتِهِمُ الْمُضِلَّةِ؛ وَمَعَ هَذَا فَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ لَمْ يُكَفِّرُوهُمْ، وَلَا جَعَلُوهُمْ مُرْتَدِّينَ، وَلَا اعْتَدَوْا عَلَيْهِمْ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ، بَلِ اتَّقَوُا اللَّهَ فِيهِمْ، وَسَارُوا فِيهِمُ السِّيرَةِ الْعَادِلَةِ. انتهى باختصار]؛ وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ، مَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ يَئُولُ بِهِ إِلَى الْكُفْرِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعَاصِيَ -كَمَا قَالُوا- بَرِيدُ الْكُفْرِ، وَيُخَافُ عَلَى الْمُكْثِرِ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ عَاقِبَةَ شُؤْمِهَا الْمَصِيرُ إِلَى الْكُفْرِ؛ وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ، مَعْنَاهُ فَقَدْ رَجَعَ عَلَيْهِ تَكْفِيرُهُ، فَلَيْسَ الرَّاجِعُ حَقِيقَةُ الْكُفْرِ بَلِ التَّكْفِيرُ، لِكَوْنِهِ جَعَلَ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ كَافِرًا، فَكَأَنَّهُ كَفَّرَ نَفْسَهُ، إِمَّا لِأنَّهُ كَفَّرَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ، وَإِمَّا لِأنَّهُ كَفَّرَ مَنْ لَا يُكَفِّرُهُ إِلَّا كَافِرٌ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ دِينِ الإِسْلَامِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. انتهى باختصار.

 

(2)في مقالةٍ على هذا الرابط للشيخِ عبدِالله بن حمود الفريح (عضو الجمعية السعودية الدعوية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية)، قالَ عن حديثِ {أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأخِيهِ (يَا كَافِرُ) فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ}: ظاهرُ حديثِ البابِ أنَّ مَن قالَ لأخِيه {يا كافر}، ولم يَكُنْ مُستَحِقًّا لكلمةِ الكُفْرِ، رَجَعَ وصْفُ الكُفرِ على القائلِ، ولكنَّ هذا الظاهرَ غيرُ مُرادٍ، لأنَّ مذهبَ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ أنَّ المُسْلِمَ لا يَكْفُرُ بالمعاصِي، كالزِّنَى والقَتْلِ، وكذلك قولِه لأخِيه {يا كافر}. انتهى.

 

(3)في هذا الرابط سُئِل مَركزُ الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوِزَارةِ الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: كُنْتُ أَتَحَدَّثُ مع شخصٍ عَبْرَ موقعٍ للتَّواصُلِ الاجتماعيِّ، فقالَ لي نَصًّا {أَنَا إلهُ بَابِلَ}، فَرَدَدْتُ عليه قائلًا {أنت كافِرٌ}، فهَلْ أَخطَأْتُ؟ وهَلْ أَبُوءُ بالكُفْرِ في هذه الحالةِ؟ أَمْ أنَّه كافِرٌ فِعْلًا؟. فكان مِمَّا أجابَ به مركزُ الفتوى: وأَمَّا السؤالُ عن بَوْء السائلِ بالكفرِ بسببِ قولِه لِصاحِبِه {أنت كافِرٌ}، فجَوابُه، أنَّه لا يَكْفُرُ بذلك على أيَّةِ حالٍ، فإنْ كان صاحِبُه كافِرًا بالفِعْلِ فالأمْرُ واضحٌ، وإنْ لم يَكُنْ كذلك فقد قالَ له ما قالَ مُتَأَوِّلًا أو جاهِلًا بحقيقةِ حالِه وعُذْرِه، وقد بَوَّبَ الإمامُ الْبُخَارِيُّ في كِتَابِ الأَدَبِ مِن صحيحِه (بَاب مَنْ كَفَّرَ أَخَاهُ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ، فَهُوَ كَمَا قَالَ) ثم أرْدَفَه بـ (بَاب مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَارَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا أَوْ جَاهِلًا)، وقال [أَيِ الْبُخَارِيُّ] {وَقَالَ عُمَرُ لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ (إِنَّهُ مُنَافِقٌ)، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اِطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ "قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ")} [قالَ الشيخُ عبدُاللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب في (عيون الرسائل والأجوبة على المسائل): ولا يُقالُ {قَولُه صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ (مَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ "اِعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ") هو المانِعُ مِن تَكفِيرِه}، لِأنَّا نَقولُ، لو كَفَرَ لَمَا بَقِيَ مِن حَسَناتِه ما يَمنَعُ مِن إلحاقِ الكُفرِ وأحكامِه، فإنَّ الكُفرَ يَهْدِمُ ما قَبْلَه، لِقَولِه تَعالَى {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ}، وقَولِه {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، والكُفرُ مُحبِطٌ لِلحَسَناتِ والإيمانِ بالإجماعِ، فَلا يُظَنُّ هذا. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو بصير الطرطوسي في (أعمالٌ تُخرِجُ صاحِبَها مِنَ المِلَّةِ): عَلِمَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم، عن طَرِيقِ الوَحْيِ، بسَلَامةِ قَصْدِ وباطِنِ حاطِبِ [بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ]، لذلك قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلم {قَدْ صَدَقَكُمْ}، وهذه لَيْسَتْ لِأحَدٍ بَعْدَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم؛ فَإنْ قِيلَ {هَلْ لِأحَدٍ بَعْدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنْ يُقِيلَ عَثَراتٍ تَرْقَى إلى دَرَجةِ الكُفْرِ، بِنَاءً على سَلَامةِ قَصْدِ وباطِنِ أصحابِها؟}، أقولُ لا، لِانقِطاعِ الوَحْيِ، وهذا الذي يَقْصِدُه عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِن قَولِه {إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدِ اِنْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ [أَيْ أَصْبَحَ في أَمَانٍ، وصارَ عندنا أَمِينًا] وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ}، وقَولُه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ} يُرِيدُ في جانِبِ إقالةِ العَثَراتِ، وليس في جانِبِ تَطبِيقِ الحُدودِ وإنزالِ العُقوباتِ [قُلْتُ: وَلِذلك لم يَقتُلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَاللَّهِ بْنَ أُبَيِّ بْنِ سَلُولَ وأصحابَه]، فَتَنَبَّهْ لِذَلك. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو بصير الطرطوسي أيضًا في (قواعدُ في التكفير): إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يُقِيلُ عَثَراتِ بَعضِ الناسِ الظاهِرةَ لِعِلْمِه -عن طَرِيقِ الوَحْيِ- بِسَلَامةِ عَقَدِهم [أَيِ اِعتِقادِهم] وباطِنِهم، وهذا ليس لِأحَدٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (مصلحة التأليف وخشية التنفير، في الميزان، بِتَقدِيمِ الشَّيخِ أبي محمد المقدسي): وحَكَمَ به [أيْ بِالنِّفاقِ] عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ على حاطِبٍ، وَرَدَّ عنه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالوَحْيِ. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (القَولُ الصائبُ في قِصَّةِ حاطِبٍ): لا اِعتِداءَ في حُكمِ عُمَرَ على حاطِبٍ -قَبْلَ العِلْمِ بِالحالِ- بِناءً على ما ظَهَرَ له [أيْ لِعُمَرَ] مِن أَمَارةِ النِّفاقِ، والأصلُ تَرتِيبُ الحُكمِ على سَبَبِه، ومَن رَتَّبَه عليه [أيْ ومَن رَتَّبَ الحُكمَ على سَبَبِه] ولم يَعلَمْ بِالمانِعِ فَلا مَلامَ عليه، لِأنَّ الأصلَ عَدَمُ المانِعِ واستِقلالُ السَّبَبِ بالحُكمِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: وأمَّا تَصدِيقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له [أيْ لِحاطِبٍ]، ذَهَبَ أكثَرُ الشارِحِين إلى أنَّه تَصدِيقٌ بِالوَحيِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: [قالَ] الكَرْماني [في (الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري)] {وهو [أيْ حاطِبٌ] مِمَّن شَهِدَ بَدرًا، فَلا يَصِحُّ منه النِّفاقُ أصلًا}؛ وقالَ شمس الدين البرماوي [في (اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح)] {فَيَنبَغِي أنْ يُحمَلَ الغُفرانُ في المُستَقبَلِ على أنَّهم [أيْ أهلَ بَدرٍ] لا يقَع منهم ذَنبٌ يُنافِي عَقِيدةَ الدِّينِ}؛ وقالَ الإمامُ محمد بن علي بن غريب (ت1209هـ) [في (التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق)] {إنَّ أهلَها [أيْ أهلَ بَدرٍ] لا يُمكِنُ أنْ يَتَّصِفوا أو بَعضَهم بِرِدَّةٍ، لِأنَّ اللهَ قالَ [أيْ فِي أَهْلِ بَدْرٍ] (اِعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ) وهو تَعالَى لا يَغفِرُ إلَّا ذُنوبَ المُؤْمِنِين، بِخِلافِ غَيرِهم [أيْ غَيرِ أَهْلِ بَدْرٍ] فَقَدْ يَتَّصِفُ بِرِدَّةٍ بَعْدَ إيمانٍ}. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (الشِّهَابُ الثَّاقِبُ في الرَّدِّ على مَنِ اِفتَرَى على الصَّحَابِيِّ حاطِبٍ): فَهَلْ في المُهَوِّنِين مِن شَأْنِ مُوَالَاةِ الكُفَّارِ والمُشرِكِين ونُصْرةِ عَبِيدِ الْيَاسِقِ والدَّساتِيرِ، المُتَنَطِّعِين بِقِصَّةِ حاطِبٍ، هَلْ فيهم أو فيمَن يُجادِلون عنهم اليَومَ على وَجْهِ الأرضِ بَدْرِيٌّ اطَّلَعَ اللهُ على قَلْبِه وأَخْبَرَ أنَّه لن يَكْفُرَ أو يَرْتَدَّ، وأَطْلَعَنا أنَّ انْحِيَازَه إلى شِقِّ الكُفَّارِ وعُدْوَةِ المُشرِكِين وحَدِّ المُرْتَدِّين [الشِّقُّ هو الناحِيَةُ، وَكَذَلِكَ العُدْوَةُ والحَدُّ] ليس نُصْرةً لهم ولا مُشَاقَّةً لِلمُسلِمِين ومُحَادَّةً لدِينِهم؟!، ومِن ثَمَّ يُقالُ لهم {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فإنَّ كُلَّ ما ستَعْمَلُونه مَغفورٌ لَكُمْ}، لِأنَّه لن يَصِلَ بِحالٍ إلى الكُفرِ؟!، ولا نَسأَلُهم مِثْلَ ذلك السُّؤَالِ إلَّا بعدَ أنْ يكونوا مِمَّن يَطَّلِعُون على السَّرائرِ، ويَمْلِكُون الشَّقَّ عن قُلوبِ الناسِ والتَّنقِيبَ عن بَوَاطِنِهم، فيُمَيِّزُون بين مَن يَفْعَلُها رِدًّةً وكُفرًا (كَيْدًا وإضرارًا بالمسلمِين)، وبين مَن قامَ في قَلْبِه مانِعٌ لِلتَّكفِيرِ كمانِعِ حاطِبٍ رِضِيَ اللهُ عنه (وهو صِدْقُ الإيمانِ واليَقِينِ بنَصْرِ المُسلِمِين، الدَّافعُ لِتَأَوُّلِه بأنَّ فِعْلَه لن يَضُرَّ الإسلامَ والمُسلِمِين بِحالٍ)، وَدُونَ ذَلِكَ خَرْطُ الْقَتَادِ، فمِن أَيْنَ لهم أنْ يَعْلَموا بَعْدَ اِنقِطاعِ الوَحْيِ بِصِدْقِ السَّرائرِ والبَوَاطِنِ مِن كَذِبِهَا؟!، ومَنْ يُزَكِّي لَنا القُلوبَ ويَشهَدُ لها بعدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟!. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ عبدُالعزيز بنُ أحمد الحُمَيدي (الأستاذ المساعد بقسم العقيدة بجامعة أم القرى) في كِتابِه (تقرير القرآن العظيم لحُكْمِ مُوَالَاةِ الكافرِين): اِعتَرَفَ [أَيْ حَاطِبٌ] بالصِّدقِ، وأَخْبَرَ عمَّا في نَفْسِه وعنِ الدَّافعِ له على فِعْلِه وعن تَأوِيلِه الذي تَأَوَّلَه، فَصَدَّقَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وهذا التَّصدِيقُ النَّبَوِيُّ لا يُحْسِنُه في هذه الحالةِ ولا يَصِلُ إليه ولا يَعْلَمُه أَحَدٌ مِنَ الخَلْقِ إلَّا النبيُّ صلى الله عليه وسلم، لأنَّه يَلْزَمُ منه الإطِّلاعُ على ما قامَ في قَلْبَ وباطِنِ حاطِبٍ، وهذا مِن عِلْمِ الغَيبِ، فَلا يَعْلَمُه إلَّا النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن طَرِيقِ الوَحيِ، وقد أشارَ إلى ذلك الإمامُ أبو جعفر الطبري [فيما حَكَاه عنه ابنُ حجر في (فَتْحُ الباري)] {بِأَنَّهُ إِنَّمَا صَفَحَ عَنْهُ لِمَا أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ صِدْقِهِ فِي اعْتِذَارِهِ، فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُ كَذَلِكَ}... ثم قالَ -أيِ الشيخُ الحُمَيدي-: النبيُّ صلى الله عليه وسلم قالَ بعدَ سَمَاعِه لِعُذْرِ حاطِبٍ {إنَّه قد صَدَقَ}، وهذا إخبارٌ بالباطِنِ، وهو مِن عِلْمِ الغَيبِ عن طَرِيقِ الوَحيِ، كَما عَلِمَ بِشَأْنِ الكِتَابِ أَصْلًا عن طَرِيقِ الوَحيِ، فإنِ اِعتَذَرَ جاسوسٌ بعدَ ذلك فمَن يَعْلَمُ صِدْقَه مِن كَذِبِه؟!، أَوَحْيٌ بَعْدَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟!، قالَ العلَّامةُ الْمَازِرِيُّ [في (المُعْلِمُ بِفَوَائِدِ مُسْلِمٍ)] {حاطِبٌ اِعتَذَرَ عن نَفْسِه بِالعُذرِ الذي ذَكَرَ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم (صَدَقَ)، فقُطِعَ على صِدْقِ حاطِبٍ لِتَصدِيقِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم له، وغَيرُه مِمَّن يَتَجَسَّسُ لا يُقطَعُ على سَلامةِ باطِنِهِ، ولا يُتَيَقَّنُ صِدقُه فيما يَعْتَذِرُ به، فصارَ ما وَقَعَ في الحَدِيثِ قَضِيَّةً مَقصورةً، لا تَجْرِي فيما سِوَاها إذْ لم يُعْلَمِ الصِّدْقُ فيها، كما عُلِمَ فيها}. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ عبدُالله بنُ صالح العجيري في مَقَالةٍ له بعُنْوانِ (نَظَراتٌ نَقْدِيَّةٌ حَوْلَ بعضِ ما كُتِبَ في تَحقِيقِ مَنَاطِ الكُفْرِ في بابِ الوَلَاءِ والبَرَاءِ) على هذا الرابط: فَمِمَّا يَنبَغِي مُراعاتُه ومُلاحَظَتُه في قِصَّةِ حاطِبٍ رِضِيَ اللهُ عنه ما يَلِي؛ (أ)أنَّ حاطِبًا قَدْ ناصَرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم على أعدائه بِنَفْسِه ومالِه فِيما سَبَقَ هذه الحادِثةَ، وهو ما زالَ على نُصْرَتِه هذه، مُظاهِرًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم على أعدائه، طالِبًا رِضَا رَبِّه بِالخُروجِ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم لِفَتحِ مَكَّةَ، فَلَهُ مِن نُصرةِ المُؤمِنِين على الكافِرِين نَصِيبٌ وافِرٌ؛ (ب)أنَّ غايَةَ ما بَدَرَ مِن حاطِبٍ مِن مُوالاةٍ مُحَرَّمةٍ أنْ خابَرَ قُرَيشًا بِخَبَرِ مَسِيرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إليهم، وكانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ رَغِبَ أنْ يَظَلَّ أمرُ خُرُوجِه سِرًّا، وإفشاؤه في هذه الحالةِ لا شَكَّ أنَّه ذَنْبٌ ومَعصِيَةٌ، لَكِنَّه رِضِيَ اللهُ عنه لم يَتَجاوَزْ ذلك الإخبارَ [الذي ظَنَّ فيه مَصلَحةً له، وأنَّه لا ضَيْرَ فيه على المُسلِمِين. وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي (فَتْحُ الباري): وَعُذرُ حَاطِبٍ مَا ذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ صَنَعَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا أَنْ لا ضَرَرَ فِيهِ. انتهى] بِقَولٍ أو فِعلٍ زائدٍ يَكونُ فيه مُظاهَرةٌ لهم على النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ (ت)أنَّ حاطِبًا قَدْ فَعَلَ فِعلًا ظَنَّ فيه مَصلَحةً له، وأنَّه لا ضَيْرَ فيه على المُسلِمِين، إذْ أنَّه ما فَعَلَ ما فَعَلَ إلَّا وهو مُعتَقِدٌ أنَّ اللهَ ناصِرٌ نَبِيَّه صلى الله عليه وسلم، مُظْهِرٌ لِدِينِه، مُعْلٍ لِكَلِمَتِه، وهو ما صَرَّحَ به رِضِيَ اللهُ عنه [حَيْثُ قالَ رِضِيَ اللهُ عنه {أَمَا إِنِّي لَمْ أَفْعَلْهُ غِشًّا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نِفَاقًا، وَلَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ سَيُظْهِرُ رَسُولَهُ وَيُتِمُّ أَمْرَهُ، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ غَرِيبًا [يَعنِي أنَّه لَمْ يَكُنْ مِنْ قُرَيْشٍ] بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، وَكَانَتْ أَهْلِي مَعَهُمْ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَّخِذَهَا [أَيْ هذه المُخَابَرَةَ] عِنْدَهُمْ يَدًا} صَحَّحَه الألبانِيُّ في صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان]؛ (ث)وبِالوَجهِ السابِقِ يَتَبَيَّنُ أنَّ حاطِبًا ما قَصَدَ الفِعلَ المُكَفِّرَ وَلَا واقَعَه (أَعنِي مُظاهَرةَ المُشرِكِين على المُؤمِنِين)، بَلْ قَصَدَ فِعلًا لا يَكونُ فيه ظُهورٌ لِلمُشرِكِين على المُؤمِنِين. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو بصير الطرطوسي في (أعمالٌ تُخرِجُ صاحِبَها مِنَ المِلَّةِ): اِعلَمْ أنَّ مَن يَتَجَسَّسُ على عَوراتِ المُسلِمِين وأحوالِهم الخاصَّةِ -وبخاصَّةٍ مِنْهُمُ المُجاهِدِين- لِيَنقُلَها إلى أعدائهم مِنَ الكَفَرةِ المُجرِمِين، سَوَاءٌ كانَ كُفرُهم كُفرًا أصلِيًّا أم كانَ كُفْرَ رِدَّةٍ، فهو كافِرٌ مِثلَهم، ومُوالٍ لهم المُوالاةَ الكُبرَى التي تُخرِجُه مِن دائرةِ الإسلامِ، يُقتَلُ كُفرًا ولا بُدَّ؛ فالتَّجَسُّسُ على عَوراتِ المُسلِمِين وخُصوصِيَّاتِهم لِصالِحِ أعدائهم مِنَ المُشرِكِين المُجرِمِين، لا يُمكِنُ أنْ يَمتَهِنَها إلَّا كُلُّ مُنافِقٍ خَسِيسٍ عَرِيقٍ في النِّفاقِ والخِداعِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو المنذر الحربي في كتابِه (عون الحكيم الخبير، بتقديم الشيخ أبي محمد المقدسي): قَولُ عُمَرَ {دَعْنِي أَضْرِبُ هَذَا الْمُنَافِقِ}، وَفِي رِوَايَةٍ {فَقَدْ كَفَرَ}، وَفِي رِوَايَةٍ -بعدَ أنْ قالَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم {أَوَ لَيْسَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا؟}- قالَ عُمَرُ {بَلَى، وَلَكِنَّهُ نَكَثَ وَظَاهَرَ أَعْدَاءَكَ عَلَيْكَ}، فهذا يَدُلُّ على أنَّ المُتَقَرِّرَ عند عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه والصَّحابةِ أنَّ مُظاهَرةَ الكُفَّارِ وإعانَتَهم كُفْرٌ وَرِدَّةٌ عنِ الإسلامِ، ولم يَقُلْ [أَيْ عُمَرُ] هذا الكَلامَ إلَّا لَمَّا رَأَى أمرًا ظاهِرُه الكُفْرُ، ولو لم يَكُنِ المُتَقَرِّرُ عند الصَّحابةِ كُفْرَ المُظاهِرِ لَمَا اِحتاجَ حاطِبٌ أنْ يَنفِيَه [أَيْ يَنفِيَ الكُفْرَ] عن نَفْسِه، كَما لو شَرِبَ الخَمْرَ فَسُئلَ عن سَبَبِ شُربِها فإنَّه لا يَقولُ {لم أفعَلْه كُفرًا ولا رِدَّةً}، فَلَمَّا نَفَى الكُفرَ والرِّدَّةَ عن نَفْسِه تَبَيَّنَ أنَّ المُقَرَّرَ عنده كُفْرُ وَرِدَّةُ مَن ظاهَرَ الكُفَّارَ على المُسلِمِين [قالَ الشيخُ ابنُ باز في (مجموع فتاوى ومقالات ابن باز): وقد أجمَعَ عُلَماءُ الإسلامِ على أنَّ مَن ظاهَرَ الكُفَّارَ على المُسلِمِين وساعَدَهم عليهم بِأَيِّ نَوعٍ مِنَ المُساعَدةِ، فهو كَافِرٌ مِثْلَهُمْ. انتهى]. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو يحيى الليبي في (المُعلِمُ في حُكْمِ الجَاسُوسِ المُسْلمِ، بتقديم الشيخ أيمن الظواهري): فَمِنَ المَعلومِ أنَّ مُظاهَرةَ الكُفَّارِ وإعانَتَهم على المُسلِمِين مُشتَمِلةٌ على مُضارَّتِهم [أَيِ الإضرارِ بِهِمْ] ولا بُدَّ، فَبِمُجَرَّدِ أنْ يَكونَ المُسلِمُ مُعِينًا لِأهلِ الكُفْرِ على أهلِ الإسلامِ بِنَفْسٍ أو مالٍ أو رَأْيٍ أو كِتابةٍ فإنَّه بتلك (الإعانةِ) قد صارَ مُضِرًّا لِلدِّينِ وأهلِه، فهذا الإضرارُ الذي تَتَضَمَّنُه (المُظاهَرةُ) هو الذي نَفَاه حاطِبٌ عن كِتابِه، فَقالَ {فَكَتَبْتُ كِتَابًا لا يَضُرُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ شَيْئًا، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لأَهْلِي} [صَحَّحَه الشيخُ مُقْبِلٌ الوادِعِيُّ في (الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)]؛ وَكَذَلِكَ فإنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه قَدْ بادَرَ بِالحُكمِ على حاطِبٍ بِأنَّه {قَدْ كَفَرَ} وأنَّه {نَافَقَ} وأنَّه {نَكَثَ وَظَاهَرَ أَعْدَاءَكَ عَلَيْكَ}، وغَيْرِ ذلك مِنَ العِباراتِ التي تَدُلُّ على أنَّ المُتَقَرِّرَ عند الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم هو أنَّ هذا الجِنسَ مِنَ الأعمالِ هو مِمَّا يُكَفَّرُ به. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ عَلوي بن عبدالقادر السَّقَّاف في مقالة له بعنوان (مَسْأَلَةُ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ رَضِيَ اللهُ عنه) على هذا الرابط: أمَّا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه فَقَدْ كَفَّرَ حاطِبًا أمامَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولم يَقُلْ له رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم {إنَّ حاطِبًا لم يَفعَلِ الكُفرَ}، بَلْ بَيَّنَ له أنَّ حاطِبًا كانَ صادِقًا ولم يَكفُرْ، وقد وَصَفَ عُمَرُ حاطِبًا -رَضِيَ اللهُ عنهما- بِأوصافٍ ثَلاثَةٍ يَكفِي الواحِدُ منها لِلقَولِ بأنَّه كَفَّرَه، فَوَصَفَه بأنَّه {مُنافِقٌ، كَفَرَ، خانَ اللهَ وَرَسولَه}، وعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه حَكَمَ بِالظاهِرِ، وهذا هو الواجِبُ على المُسلِمِ، ولم يُكَلِّفْنا اللهُ بِالبَواطِنِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ السَّقَّاف-: أمَّا تَصدِيقُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لِحاطِبٍ فَلَيسَ فيه دَلَالةٌ على أنَّه لم يَفعَلِ الكُفرَ، بَلْ فيه أنَّه لم يَكفُرْ ولم يَرتَدَّ، لِأنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه قالَ عنه أنَّه كَفَرَ ونافَقَ وخانَ اللهَ ورسولَه، وحاطِبٌ يَقولُ {لم أكفُرْ ولم أرتَدَّ، وما غَيَّرْتُ وما بَدَّلْتُ [أَيْ دِينِي]}، فَصَدَّقَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في أنَّه لم يَكفُرْ ولم يَرتَدَّ. انتهى باختصار. وقالَ اِبنُ فرحون المالكي في (تبصرة الحكام): وَقَالَ سَحْنُونٌ [ت240هـ] فِي الْمُسْلِمِ يَكْتُبُ لِأهْلِ الْحَرْبِ بِأَخْبَارِنَا {يُقْتَلُ وَلَا يُسْتَتَابُ وَلَا دِيَةَ لِوَرَثَتِهِ}. انتهى. وَقَالَ اِبنُ أبي زيد القيرواني المالكي (ت386هـ) في (النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات): قالَ اِبنُ القاسم {يُقْتَلُ الجاسوس، وَلَا تُعْرَفُ لِهَذَا تَوْبَةٌ}. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو بصير الطرطوسي في (أعمالٌ تُخرِجُ صاحِبَها مِنَ المِلَّةِ): إنَّ مِمَّا أعانَ على إقالةِ عَثْرةِ حاطِبٍ كذلك أنَّه مِن أهلِ بَدْرٍ، وبَدْرٌ حَسَنةٌ عَظِيمةٌ تُذهِبُ السَّيِّئاتِ، وتُقِيلُ العَثَراتِ، وتَستَدعِي تَحسِينَ الظَّنِّ بِأهلِها، وتَوسِيعَ دائرةِ التَّأوِيلِ لهم لو عَثَروا أو زَلُّوا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الطرطوسي-: إنَّ المَرءَ كُلَّما كَبُرَتْ وكَثُرَتْ حَسَناتُه وكانَتْ له سابِقةُ بَلاءٍ في اللهِ، كُلَّما يَنبَغِي أنْ تَتَوَسَّعَ بِحَقِّه ساحةُ التَّأوِيلِ وإقالةِ العَثَراتِ، عند وُرودِ الشُّبُهاتِ وحُصولِ الكَبَواتِ [قالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في كِتابِه (نصائح وتهنئة): والعَدلُ في الأقوالِ أنْ لا تُخاطِبَ الفاضِلَ بِخِطابِ المَفضولِ، ولا العالِمَ بِخِطابِ الجَهولِ، ولا المُجاهِدَ المُدافِعَ عنِ المِلَّةِ وكَرامةِ الأُمَّةِ بِخِطابِ الدَّارِيِّ المُتَكَحِّلِ. انتهى]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الطرطوسي-: هناك فَرقٌ بين مَن يَقَعُ في الخَطَأِ مَرَّةً وبين مَن يَقَعُ في الخَطَأِ مِرارًا، مِنْ حَيْثُ دَلالَتُه على صِفةِ وحَقِيقةِ فاعِلِه. انتهى. وجاءَ في الموسوعةِ الحَدِيثِيَّةِ (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ عَلوي بن عبدالقادر السَّقَّاف): العَفْوُ عنِ الزَّلَّاتِ التي تَصدُرُ مِنَ الناسِ مِن مَحاسِنِ الشَّرِيعَةِ الإسْلامِيَّةِ، لا سِيَّمَا إذا كانَ مَنْ صَدَرَتْ مِنه مَعْروفًا بين الناسِ بِالفَضْلِ والخَيْرِ، فَمِثْلُ هذا يَكونُ السَّتْرُ في حَقِّهِ أَوْلَى، حتى لا يذْهَبَ خيْرُهُم في الناسِ، وحتى لا تَنْعدِمَ قُدْوتُهُم بين الناسِ؛ وفي هذا الحَدِيثِ [يَعنِي قَولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم {أَقِيلُوا ذَوِي الهَيْئاتِ عَثَرَاتِهم إلَّا الحُدودَ}] يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم {أَقِيلُوا} [وهو] أَمْرٌ مِنَ الإقالَةِ، أَيِ اُعْفُوا عن، {ذَوِي الهَيْئاتِ} أَيْ أصْحابِ المُرُوءاتِ والخِصالِ الحَمِيدَةِ مِمَّنْ لم يَظهَرْ منهم رِيبَةٌ، وَقِيلَ (ذَوِي الوُجوهِ بين الناسِ ممَّنْ ليس مَعْروفًا بِالفَسادِ)، {عَثَراتِهِمْ} أَيْ زَلَّاتِهِم وما يَصدُرُ عنهم مِنَ الخَطَايَا، وهذا في سَتْرِ مَعْصِيةٍ وَقَعَتْ وانْقَضَتْ، {إلَّا الحُدودَ} أَيْ إلَّا أنْ يَكونَ حَدًّا مِن حُدودِ اللهِ، فإنَّه يَتَعَيَّنُ اِستِيفاؤُهُ مِنَ الشَّرِيفِ كَما يتعيَّنُ أخْذُهُ مِنَ الوَضِيعِ، فَإنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالَ {لو أنَّ فاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها} مُتَّفقٌ عليه، وقالَ {إنَّ بَنِي إسْرائِيلَ، كانَ إذا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ قَطَعُوهُ} مُتَّفقٌ عليه؛ وهذا بابٌ عَظِيمٌ مِن أبوابِ مَحاسِنِ هذه الشَّرِيعَةِ الكامِلَةِ، فإنَّ الإنْسانَ الذي يُعلَمُ مِن غَالِبِ أحْوالِهِ الاسْتِقامَةُ والخَيْرُ، إذا زَلَّ ما لم يَكُنْ حَدًّا مِن حُدودِ اللهِ تَغاضُوا عنه ولا تَأْخُذوهُ به، لِأنَّ الغالِبَ عليه الخيْرُ؛ وفي الحَدِيثِ مَشْروعِيَّةُ تَرْكِ التَّعْزيرِ، وأنَّه ليس كالحَدِّ، وإلَّا لَاسْتَوَى فيه ذُو الهَيئةِ وغيرُهُ. انتهى]، ثم أَسْنَدَ [أَيِ الْبُخَارِيُّ] فيه حَدِيثَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ {أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمُ الصَّلَاةَ، فَقَرَأَ بِهِمُ الْبَقَرَةَ، قَالَ [أَيْ جَابِرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ] فَتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا فَقَالَ (إِنَّهُ مُنَافِقٌ)، فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ (يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَوْمٌ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا وَنَسْقِي بِنَوَاضِحِنَا، وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى بِنَا الْبَارِحَةَ فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ، فَتَجَوَّزْتُ، فَزَعَمَ أَنِّي مُنَافِقٌ)، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ "ثَلَاثًا"، اقْرَأْ "وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا" وَ"سَبِّحِ اِسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى" وَنَحْوَهَا)}... ثم قالَ -أَيْ مركزُ الفتوى-: قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ في شرحِ صحيحِ الْبُخَارِيِّ {قالَ الْمُهَلَّبُ (مَعْنَى هذا البابِ أنَّ المُتَأَوِّلَ مَعذورٌ غَيْرُ مَأْثُومٍ، أَلَا تَرَى أنَّ عُمَرَ بنَ الخطابِ قالَ لحاطِبٍ لمَّا كاتَبَ المشركِين بِخَبَرِ النبيِّ "إنَّه مُنافِقٌ"، فعَذَرَ النبيُّ عليه السلامُ عُمَرَ لَمَّا نَسَبَه إلى النِّفاقِ، وهو أسْوَأُ الكُفْرِ، ولم يَكْفُرْ عُمَرُ بذلك، مِن أَجْلِ ما جَنَاهُ حاطِبٌ، وكذلك عَذَرَ عليه السلامُ مُعَاذًا حين قالَ للذي خفَّفَ الصلاةَ وَقَطَعَها خَلْفَه "إنَّه مُنافِقٌ"، لأنَّه كان مُتَأَوِّلًا، فلَمْ يَكْفُرْ مُعَاذٌ بذلك)}... ثم قالَ -أَيْ مركزُ الفتوى-: وقالَ محمد أنور شاه الكشميري في فيضِ الباري {هذه مِنَ التَّراجِمِ المُهِمَّةِ جِدًّا، ومَعْنَى قولِه (مُتَأَوِّلًا) [يعني مِن قَوْلِ الْبُخَارِيِّ {بَاب مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَارَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا أَوْ جَاهِلًا}] أَيْ كان عنده وَجْهٌ لِإكْفَارِه؛ قولُه (أَوْ جَاهِلًا) أَيْ بِحُكْمِ ما قالَ، أو بِحالِ المَقُولِ فيه؛ والفَتْوَى على أنَّه لا يَكْفُرُ، كما أطْلَقَه عُمَرُ في صحابِيٍّ شَهِدَ بَدْرًا، فإنَّه كان له عنده وَجْهٌ}... ثم قالَ -أَيْ مركزُ الفتوى-: وقال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في (مجموع الفتاوى) {إِذَا كَانَ الْمُسْلِمُ مُتَأَوِّلًا فِي التَّكْفِيرِ لَمْ يُكَفَّرْ بِذَلِكَ}، ثم استدَلَّ بقِصَّةِ حاطِبٍ، ثم قالَ [أَيِ ابنُ تيميةَ] {وَهَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَفِيهِمَا أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الإِفْكِ أَنَّ أُسَيْدَ بنَ الحُضَيْرِ قَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ (إنَّك مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ)، وَاخْتَصَمَ الْفَرِيقَانِ، فَأَصْلَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ، فَهَؤُلَاءِ الْبَدْرِيُّونَ فِيهِمْ مَنْ قَالَ لِآخَرَ مِنْهُمْ (إنَّك مُنَافِقٌ) وَلَمْ يُكَفِّرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا هَذَا وَلَا هَذَا، بَلْ شَهِدَ لِلْجَمِيعِ بِالْجَنَّةِ}. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ عبدالرحمن الهرفي (الداعية بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) جَوابًا على سُؤالِ {مُكَلَّفٌ ماتَ، وظاهِرُه أنَّه كافِرٌ أصلِيٌّ أو مُرتَدٌّ، هَل نَحكُمُ أنَّه بِعَينِه في النارِ؟} في فَتوَى مَوجودةٍ على هذا الرابط: نَشهَدُ لِمَن ماتَ -وظاهِرُه أنَّه ماتَ كافِرًا- بِالنارِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ الهرفي-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم {حَيثُمَا مَرَرْتَ بِقَبْرِ مُشرِكٍ، فَبَشِّرْهُ بِالنَّارِ}... ثم قالَ -أيِ الشيخُ الهرفي-: نحن لا نَحكُمُ لِلمُسلِمِ بِالجَنَّةِ لِأنَّه قد يَدخُل النارَ وإنْ كُنَّا نَرجوا له الجَنَّةَ، ويَزدادُ هذا الرَّجاءُ كُلَّما زادَ صَلاحُه... ثم قالَ -أيِ الشيخُ الهرفي-: لو حَكَمنا على مُعَيَّنٍ بِالكُفرِ وجَزَمنا له بِالنارِ ثم ظَهَرَ خِلافُ ذلك لا نَأْثمُ، كَقَولِ عُمَرَ لِحاطِبٍ [يَعنِي قَولَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ}]، وأُسَيْدٍ مع سَعْدٍ في حادِثةِ الإفكِ [يَعنِي قَولَ أُسَيْدِ بنِ الحُضَيْرِ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ (إنَّك مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ)]، وهذا مُستَفِيضٌ في الشَّرِيعة. انتهى.

 

(4)قالَ الْبَيْهَقِيُّ في (السُّنَن الكُبْرَى): وَمَنْ كَفَّرَ مُسْلِمًا عَلَى الإِطْلَاقِ بِتَأْوِيلٍ لَمْ يَخْرُجْ بِتَكْفِيرِهِ إِيَّاهُ بِالتَّأْوِيلِ عَنِ الْمِلَّةِ، فَقَدْ مَضَى فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ فِي قِصَّةِ الرَّجُلِ الَّذِي خَرَجَ مِنْ صَلَاةِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا، فَقَالَ {مُنَافِقٌ}، ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ ذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزِدْ مُعَاذًا عَلَى أَنْ أَمَرَهُ بِتَخْفِيفِ الصَّلَاةِ، وَقَالَ {أَفَتَّانٌ أَنْتَ} لِتَطْوِيلِهِ الصَّلَاةَ، وَرُوِّينَا فِي قِصَّةِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ -حَيْثُ كَتَبَ إِلَى قُرَيْشٍ بِمَسِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ عَامَ الْفَتْحِ- أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ {يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ}، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا}، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَسْمِيَتَهُ بِذَلِكَ، إِذْ كَانَ مَا فَعَلَ عَلَامَةً ظَاهِرَةً عَلَى النِّفَاقِ، وَإِنَّمَا يَكْفُرُ مَنْ كَفَّرَ مُسْلِمًا بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (الانتصار للأئمة الأبرار): فَإنَّ مَن كَفَّرَ أهلَ التَّوحِيدِ مِن غَيرِ جَهلٍ [أيْ مِن غَيرِ جَهلٍ بِالحُكمِ وبِحالِ المَقُولِ فِيه]، ولا تَأوِيلٍ سائغٍ، فَهو كافِرٌ على التَّحقِيقِ. انتهى.

 

(5)قالَ الْبَيْهَقِيُّ في (شُعَبِ الإِيمَانِ): قَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ {دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقَ}، فَسَمَّاهُ عُمَرُ مُنَافِقًا، وَلَمْ يَكُنْ مُنَافِقًا فَقَدْ صَدَّقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَصِرْ بِهِ عُمَرُ كَافِرًا، لِأنَّهُ أكْفَرَهُ بِالتَّأْوِيلِ، وَكَانَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ يُحْتَمَلُ [قالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (مُناظَرةٌ في حُكمِ مَن لا يُكَفِّرُ المُشرِكِين): وقد أجمَعَ المُسلمون أنَّ مَن كَفَّرَ بَعْضَ المُسلِمِين لِتَأوِيلٍ يُحتَمَلُ، أنَّه [أيِ المُكَفِّرَ] ليس بِكافِرٍ. انتهى]. انتهى باختصار.

 

(6)قالَ اِبنُ القيم في (زاد المعاد): إنَّ الرَّجُلَ إِذَا نَسَبَ الْمُسْلِمَ إِلَى النِّفَاقِ وَالْكُفْرِ مُتَأَوِّلًا وَغَضَبًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَدِينِهِ، لَا لِهَوَاهُ وَحَظِّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِذَلِكَ، بَلْ لَا يَأْثَمُ بِهِ، بَلْ يُثَابُ عَلَى نِيَّتِهِ وَقَصْدِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ أَهْلِ الأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ، فَإِنَّهُمْ يُكَفِّرُونَ وَيُبَدِّعُونَ لِمُخَالَفَةِ أَهْوَائِهِمْ وَنِحَلِهِمْ، وَهُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِمَّنْ كَفَّرُوهُ وَبَدَّعُوهُ. انتهى.

 

(7)جاءَ في (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية) ما يَلِي: سُئِلَ الشّيخُ عبدُالله بنُ عبدالرّحمن أبو بُطَين [مُفْتِي الدِّيَارِ النَّجْدِيَّةِ ت1282هـ]، رَحِمَه اللهُ وعَفا عنه، عنِ الذي يُروَى {مَن كَفَّرَ مُسلِمًا فقد كَفَرَ}؛ فأجابَ عَفا اللهُ عنه {لا أصْلَ لهذا اللَّفْظِ فيما نَعْلَمُ عنِ النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم، وإنَّما الحديثُ المعروفُ (مَنْ قَالَ لِأخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا)، ومَن كَفَّرَ إنسانًا أو فَسَّقَه أو نَفَّقَه مُتَأَوِّلًا غَضَبًا للهِ تعالَى فيُرجَى العَفْوُ عنه، كما قالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه في شَأْنِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ أنَّه مُنافِقٌ، وكذا جَرَى مِن غيرِه مِنَ الصَّحابةِ وغيرِهم، وأمَّا مَن كَفَّرَ شخصًا أو نفَّقَه غَضَبًا لِنَفْسِه أو بغَيرِ تأويلٍ فهذا يُخافُ عليه}. انتهى.

 

(8)قالَ الشيخُ عبدُاللطيف بنُ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب في (الإتحاف في الرَّدِّ على الصحاف): وأمَّا إنْ كانَ المُكفِّرُ لأَحَدٍ مِن هذه الأُمَّةِ يَستنِدُ في تكفيرِه له إلى نَصٍّ وبُرْهانٍ مِن كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِه، وقد رَأَى كُفْرًا بَوَاحًا، كالشِّركِ باللهِ وعِبَادةِ ما سِوَاه، والاستهزاءِ به تعالَى أو بآياتِه أو رُسُلِه أو تكذيبِهم، أو كَراهةِ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الهُدَى ودِينِ الحَقِّ، أو جُحودِ الحَقِّ، أو جَحْدِ صفاتِ اللهِ تعالَى ونُعُوتِ جَلَالِه، ونحوِ ذلك، فالمُكَفِّرُ بهذا وأَمْثالِه مُصِيبٌ مأجورٌ، مُطِيعٌ للهِ ورسولِه، قالَ اللهُ تعالَى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ}، فمَن لم يَكُنْ مِن أَهْلِ عِبَادةِ اللهِ تعالَى وإثباتِ صِفاتِ كَمالِه ونُعُوتِ جَلَالِه مُؤْمِنًا بما جاءَتْ به رُسُلُه مُجْتَنِبًا لِكُلِّ طاغوتٍ، يَدْعُو إلى خِلافِ ما جاءَتْ به الرُّسُلُ، فهو مِمِّن حَقَّتْ عليه الضلالةُ، وليس مِمِّن هَدَى اللهُ للإيمانِ به وبما جاءَتْ به الرُّسُلُ عنه، والتكفيرُ بتَرْكِ هذه الأُصولِ وعَدَمِ الإيمانِ بها مِن أَعْظَمِ دَعائمِ الدِّينِ، يَعْرِفُه كُلُّ مَن كانتْ له نَهْمَةٌ في مَعرِفةِ دِينِ الإسلامِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ عبدُاللطيف-: وقد غَلَطَ كثيرٌ مِنَ المُشرِكِين في هذه الأَعْصارِ، وظَنُّوا أنَّ مَن كَفَّرَ مَن تَلَفَّظَ بالشَّهَادَتَين فهو مِن الخَوَارِجِ، وليس كذلك، بَلِ التَّلَفُّظُ بالشَّهَادَتَين لا يكونُ مانِعًا مِنَ التكفيرِ إلَّا لِمَن عَرَفَ مَعْناهما، وعَمِلَ بِمُقْتَضاهما، وأخْلَصَ العبادةَ للهِ، ولم يُشْرِكْ به سِوَاه، فهذا تَنْفَعُه الشَّهادَتان، وأَمَّا مَن قالَهما، ولم يَحْصُلْ منه انقيادٌ لِمُقْتَضاهما، بَلْ أشْرَكَ باللهِ، واتَّخَذَ الوَسَائطَ والشُّفَعاءَ مِن دُونِ اللهِ، وطَلَبَ منهم ما لا يَقدِرُ عليه إلَّا اللهُ، وقَرَّبَ لهم القَرَابِين، وفَعَلَ لهم ما يَفْعَلُه أهْلُ الجاهِليَّةِ مِن المُشرِكِين، فهذا لا تَنْفَعُه الشَّهادَتان بَلْ هو كاذِبٌ في شَهادَتِه، كما قالَ تعالَى {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}، ومَعنَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ هو عبادةُ اللهِ وتَرْكُ عبادةِ ما سِوَاه، فمَنِ استكبرَ عن عِبادَتِه ولم يَعبُدْه فليس مِمِّن يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ومَن عَبَدَه وعَبَدَ معه غيْرَه فليس هو مِمِّن يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. انتهى.

 

(9)قالَ أبو حامد الغزالي (ت505هـ) في (فضائحِ الباطِنِيَّةِ): فإنْ قِيلَ {فَلَوْ صَرَّحَ مُصَرِّحٌ بِكُفرِ أَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، يَنبَغِي أنْ يُنَزَّلَ مَنْزِلَةَ مَن لو كَفَّرَ شخصًا آخَرَ مِن آحادِ المسلمِين أو القُضاةِ والأَئِمَّة مِن بعدِهم؟}، قُلْنا هكذا {نقولُ، فلا يُفارِقُ تكفيرُهم تكفيرَ غيرِهم مِن آحادِ الأُمَّةِ والقُضاةِ بَلْ أفرادِ المسلمِين المعروفِين بالإسلامِ إلَّا في شَيْئَين، أَحَدُهما في مُخالَفةِ الإجماعِ وخَرْقِه، فإنَّ مُكفِّرَ غيرِهم رُبَّما لا يكونُ خارِقًا لإجماعٍ مُعْتَدٍّ به، الثاني أنَّه وَرَدَ في حَقِّهم مِنَ الوَعْدِ بالجَنَّةِ والثَّناءِ عليهم والحُكْمِ بصِحَّةِ دِينِهم وثَباتِ يَقِينِهم وتَقَدُّمِهم على سائرِ الخَلْقِ أخبارٌ كثيرةٌ، فقائلُ ذلك إنْ بَلَغَتْه الأخبارُ واعتَقدَ مع ذلك كُفْرَهم فهو كافِرٌ، لا بتكفيرِه إيَّاهم ولكنْ بتكذيبِه رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فمَنْ كذَّبَه [أَيْ مَن كَذَّبَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم] بِكَلِمةٍ مِن أقاوِيلِه فهو كافِرٌ بِالإجماعِ، ومَهْمَا قُطِعَ النَّظَرُ عنِ التكذِيبِ في هذه الأخبارِ وعن خَرْقِ الإجماعِ نَزَلَ تَكفِيرُهم [أَيْ أنَّه لو صُرِفَ النَّظَرُ عن تكذِيبِ النُّصوصِ وخَرْقِ الإجماعِ لَنَزَلَ تَكفِيرُ أَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما] مَنْزِلَةَ سائرِ القُضاةِ والأَئِمَّةِ وآحادِ المُسلِمِين}، فَإنْ قِيلَ {فَما قَولُكم فِيمَن يُكفِّرُ مُسلِمًا، أَهُوَ كافرٌ أَمْ لا؟}، قُلْنا {إنْ كانَ يَعْرِفُ أنَّ مُعتَقَدَه التَّوحِيدُ وتَصدِيقُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم إلى سائرِ المُعتَقَداتِ الصَّحِيحةِ، فمَهْمَا كَفَّرَه بِهذه المُعتَقَداتِ فهو كافِرٌ لِأنَّه رَأَى الدِّينَ الحَقَّ كُفْرًا وباطِلًا، فأَمَّا إذا ظَنَّ أنَّه يَعتقِدُ تَكذِيبَ الرسولِ أو نَفْيَ الصانِعِ أو تَثْنِيَتَه أو شَيْئًا مِمَّا يُوجِبُ التَّكفِيرَ فكَفَّرَه بِناءً على هذا الظَّنِّ، فهو مُخْطِئٌ في ظَنِّه المَخْصوصِ بِالشَّخصِ، صادِقٌ في تَكفِيرِ مَن يَعتَقِدُ ما يَظُنُّ أنَّه مُعْتَقَدُ هذا الشَّخصِ، وظَنُّ الكُفْرِ بِمُسْلِمٍ ليس بِكُفْرٍ، كَما أنَّ ظَنَّ الإسلامِ بِكافِرٍ ليس بِكُفْرٍ، فَمِثلُ هذه الظُّنونِ قد تُخْطِئُ وتُصِيبُ}. انتهى. وقالَ أبو حامد الغزالي أيضًا في (الاقْتِصَادُ فِي الاعتِقادِ) تحتَ عُنْوانِ (بَيَانُ مَن يَجِبُ تَكفِيرُه مِنَ الفِرَقِ): اِعلَمْ أنَّ لِلفِرَقِ في هذا مُبالَغاتٍ وتَعَصُّباتٍ، فَرُبَّما اِنتَهَى بَعضُ الطَّوائفِ إلى تَكفِيرِ كُلِّ فِرْقةٍ سِوَى الفِرْقةِ التي يَعْتَزِي [أي يَنتَسِبُ] إليها، فَإذا أَرَدتَ أنْ تَعرِفَ سَبِيلَ الحَقِّ فيه فاعلَمْ قَبْلَ كُلِّ شَيءٍ أنَّ هذه مَسألَةٌ فِقهِيَّةٌ، أعنِي الحُكمَ بِتَكفِيرِ مَن قالَ قَولًا وتَعاطَى فِعْلًا، فإنَّها تارَةً تَكونُ مَعلومةً بِأدِلَّةٍ سَمعِيَّةٍ وتارَةً تَكونُ مَظنونةً بِالاجتِهادِ، ولا مَجالَ لِدَلِيلِ العَقلِ فيها الْبَتَّةَ... ثم قالَ -أَيِ الغزالي-: قَولُنا {إنَّ هذا الشَّخصَ كافِرٌ} يَرجِعُ إلى الإخبارِ عن مُستَقَرِّه في الدارِ الآخِرةِ وأنَّه في النارِ على التَّأبِيدِ، وعن حُكمِه في الدُّنيَا وأنَّه لا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتلِه [يَعنِي أنْ لَا قِصَاصَ عَلَى قَاتِلِهِ] ولا يُمَكَّنُ مِن نِكاحِ مُسلِمةٍ ولا عِصمةَ لِدَمِه ومالِه إلى غَيرِ ذلك مِنَ الأحكامِ... ثم قالَ -أَيِ الغزالي-: ويَجوزُ الفَتوَى في ذلك بِالقَطعِ مَرَّةً وبِالظَّنِّ والاجتِهادِ أُخرَى، فَإذا تَقَرَّرَ هذا الأصلُ فَقَدْ قَرَّرنا في أُصولِ الفِقهِ وفُروعِه أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ شَرعِيٍّ يَدَّعِيه مُدَّعٍ فَإمَّا أنْ يَعرِفَه بِأَصلٍ مِن أُصولِ الشَّرعِ مِن إجماعٍ أو نَقلٍ أو بِقِياسٍ على أَصلٍ، وكَذَلِكَ كَوْنُ الشَّخصِ كافرًا إمَّا أنْ يُدرَكَ بِأَصلٍ أو بِقِياسٍ على ذلك الأَصلِ. انتهى باختصار. وقالَ أبو حامد الغزالي أيضًا في (فَيْصَلُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الإِسْلَامِ وَالزَّنْدَقَةِ) تحتَ عُنْوانِ (بَيَانُ مَن يَجِبُ تَكفِيرُه مِنَ الفِرَقِ): الْكُفْرُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، كَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ مَثَلًا، إِذْ مَعْنَاهُ إِبَاحَةُ الدَّمِ وَالْحُكْمُ بِالْخُلُودِ فِي النَّارِ، وَمَدْرَكُهُ شَرْعِيٌّ فَيُدْرَكُ إِمَّا بِنَصٍّ وَإِمَّا بِقِيَاسٍ عَلَى مَنْصُوصٍ... ثم قالَ -أَيِ الغزالي-: ولا يَنبَغِي أنْ يُظَنَّ أنَّ التَّكفِيرَ ونَفْيَه يَنبَغِي أنْ يُدرَكَ قَطْعًا في كُلِّ مَقَامٍ، بَلِ التَّكفِيرُ حُكْمٌ شَرعِيٌّ يَرجِعُ إلى إباحةِ المالِ وسَفْكِ الدَّمِ والحُكْمِ بِالخُلودِ في النارِ، فَمَأخَذُه كَمَأخَذِ سائرِ الأحكامِ الشَّرعِيَّةِ، فَتَارةً يُدرَكُ بِيَقِينٍ، وتارةً بِظَنٍّ غالِبٍ، وتارةً يُتَرَدَّدُ فيه. انتهى.

 

(10)قالَ الزَّرْكَشِيُّ (ت794هـ) في (المنثور في القواعد): قَالَ الزَّنْجَانِيُّ فِي (شَرْحِ الْوَجِيزِ) {وَلَا يَخْفَى أَنَّ بَعْضَ الأَقْوَالِ صَرِيحٌ فِي الْكُفْرِ، وَبَعْضَهَا فِي مَحِلِّ الاِجْتِهَادِ}... ثم قالَ -أَيِ الزَّرْكَشِيُّ-: لَا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ (أَيْ لَا نُكَفِّرُهُمْ بِالذُّنُوبِ الَّتِي هِيَ الْمَعَاصِي كَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ)، خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ حَيْثُ كَفَّرُوهُمْ بِهَا؛ أَمَّا تَكْفِيرُ بَعْضِ الْمُبْتَدَعَةِ لِعَقِيدَةٍ تَقْتَضِي كُفْرَهُ، حَيْثُ يَقْتَضِي الْحَالُ الْقَطْعَ بِذَلِكَ أَوْ تَرْجِيحَهُ فَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ خَارِجٌ بِقَوْلِنَا {بِذَنْبٍ} [يُشِيرُ إلى قَولِه {لَا نُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ}]. انتهى باختصار.

 

(11)قالَ الْقَرَافِيُّ (ت684هـ) في (الذخيرة): الرِّدَّةُ فِي حَقِيقَتِهَا هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ قَطْعِ الإِسْلَامِ، إِمَّا بِاللَّفْظِ أَو بِالْفِعْلِ، وَلِكِلَيْهِمَا مَرَاتِبُ فِي الظُّهُورِ وَالْخَفَاءِ. انتهى باختصار.

 

(12)قالَ عُثْمَانُ بنُ فُودُي (ت1232هـ) في (الجامع الحاوي لفتاوى الشيخ عُثْمَانَ بْنِ فُودُي): إنَّ التَّكفِيرَ في ظاهِرِ حُكمِ الشَّرعِ لا يَطلُبُ القَطْعَ بَلْ ما يَدُلُّ على الكُفرِ فَقَطْ ولو ظَنًّا، ولِذلك يَختَلِفُ العُلَماءُ فيه في بَعضِ الوَقائعِ. انتهى.

 

(13)قالَ الشَّيخُ أبو سلمان الصومالي في (سِلْسِلَةُ مَقالاتٍ في الرَّدِّ على الدُّكْتُورِ طارق عبدالحليم): اِشتِراطُ القَطعِ [أيْ في التَّكفِيرِ] مِن مَذاهِبِ المَنسوبِين إلى البِدعةِ كالمُعتَزِلةِ، والزَّيْدِيَّةِ، والمُتَكَلِّمِين مِنَ الأشَعرِيَّةِ وغَيرِهم ومَن تَأَثَّرَ بهم... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: التَّكفِيرَ حُكمٌ شَرعِيٌّ يُؤْخَذُ مِن حيث تُؤخَذُ الأحكامُ، ويَجرِي القَطْعُ والظَّنُّ في دَلِيلِه كَما يَجرِي [أَيِ القَطْعُ والظَّنُّ] في دَلَالَةِ الأقوالِ والأفعالِ على المَعانِي الكُفرِيَّةِ، واشتِراطُ القَطعِ داخِلٌ في مَذاهِبِ أهلِ الأهواءِ والبِدَعِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: وأمَّا دَلالةُ الأفعالِ والأقوالِ على الكُفرِ، فَقَدْ يَكونُ بَعضُها صَرِيحا فيه، وبَعضُها ظاهِرًا، وشَرْطُ الدَّلِيلِ أنْ يَكونَ صَرِيحًا في المُرادِ أو ظاهِرًا وإلَّا فَلَيسَ بِدَلِيلٍ أَصْلًا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: قَالَ الزَّنْجَانِيُّ [وذلك على ما حَكاه الزَّرْكَشِيُّ (ت794هـ) في (المنثور في القواعد)] {وَلَا يَخْفَى أَنَّ بَعْضَ الأَقْوَالِ صَرِيحٌ فِي الْكُفْرِ، وَبَعْضَهَا فِي مَحِلِّ الاِجْتِهَادِ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: ولا يَخفَى أنَّ اِشتِراطَ القَطعِ في التَّكفِيرِ يُسقِطُ الأدِلَّةَ الظَّنِّيَّةَ، كالاحتِجاجِ بِظَواهِرِ الكِتابِ وأخبارِ الآحادِ، والاعتِمادِ بِظَواهِرِ أفعالِ العِبادِ، وهذا يَقتَضِي الخُروجَ عن مَذاهِبِ أهلِ العِلمِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: لا فَرْقَ [أيْ في القِيَاسِ] بَيْنَ الأصلِ [وهو عابِدُ الصَّنَمِ] والفَرعِ [وهو عابِدُ القَبرِ] إلَّا أنْ يَكونَ صَنَمُ أحَدِهما مِن حِجارةٍ ونُحاسٍ وصَنَمُ الآخَرِ مِن سُلالةٍ مِن طِينٍ كَما قالَ الإمامُ الصنعاني (ت1182هـ) [في (الإنصاف في حقيقة الأولياء)] رَحِمَه اللهُ {غايَةُ الفَرقِ أنَّ صَنَمَه مِن حِجارةٍ أو خَشَبٍ، وصَنَمَك مِن سُلالةٍ مِن طِينٍ} وهو فَرقٌ غَيرُ مُؤَثِّرٍ في الحُكمِ؛ فإنْ قِيلَ {هُنا فَرقٌ مُؤَثِّرٌ بَيْنَ الأصلِ والفَرعِ، وهو أنَّ مَن يَدعو صاحِبَ القَبرِ يُستَصحَبُ له الإسلامُ، وعابِدُ الأوثانِ ليس له أصلٌ آخَرُ إلَّا الكُفْرُ}، أُجِيبَ مِن وُجوهٍ؛ (أ)يُستَصحَبُ لِلْكافِرِ الأصلُ [وهو الكُفرُ] حتى يُظهِرَ الإسلامَ، كَما يُستَصحَبُ الإيمانُ لِلمُسلِمِ حتى يُظهِرَ الكُفرَ، وهذا [أَيِ الذي يَدعو صاحِبَ القَبرِ] قد أظهَرَ الشِّركَ فَهُوَ مُشرِكٌ مَعلومُ الكُفرِ بِالضَّرورةِ مِن دِينِ الإسلامِ فَلا يُستَصحَبُ الأصلُ [وهو الإسلامُ] كَما لا يُستَصحَبُ الكُفْرُ لِلذِّي أظهَرَ الإيمانَ، وإلَّا كَيفَ يُستَصحَبُ الإسلامُ مع إظهارِ الشِّركِ الأكبَرِ؟!؛ (ب)إنَّ الاِستِصحابَ مِن أَضعَفِ الأدِلَّةِ إذا لم يُعارِضْه دَلِيلٌ مِن كِتابٍ، أو سُنَّةٍ، أو أَصلٍ آخَرَ، أو ظاهِرٍ [يَعنِي {فَكَيفَ إذا تَحَقَّقَ المُعارِضُ الناقِلُ عنِ الأصلِ؟!}]، يَقولُ ابنُ تيميةَ [في (جامع المسائل)] {وَبِالْجُمْلَةِ، الاسْتِصْحَابُ لَا يَجُوزُ الاسْتِدْلَال بِهِ إلَّا إذَا اِعْتَقَدَ اِنْتِفَاءَ النَّاقِلِ} [قالَ الشيخُ خالِدٌ المشيقح (الأستاذ بقسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم) في (الجامع لأحكام الوقف والهبات والوصايا): وَأَمَّا الاسْتِصْحَابُ، فَهُوَ فِي أَصْلِهِ أَضْعَفُ الأدِلَّةِ، وَلَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِهَا، وَلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ إِذَا وُجِدَ مَا يُخَالِفُهُ. انتهى باختصار]؛ (ت)الأصْلُ إذا اِنفَرَدَ ولم يُعارِضْه دَلِيلٌ، ولا أَصلٌ آخَرُ، ولا ظاهِرٌ، كانَ دَلِيلًا يَجِبُ التَّعوِيلُ عليه، فَإنْ عارَضَه دَلِيلٌ آخَرُ مِن كِتابٍ، أو سُنَّةٍ، أو ظاهِرٍ مُعتَبَرٍ شَرعًا، بَطَلَ حُكْمُه [جاءَ في كِتابِ (فَتاوَى اللَّجنةِ الدائمةِ) أنَّ اللَّجنةَ الدائمةَ لِلبُحوثِ العِلمِيَّةِ والإِفتاءِ (عبدَالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدَالرزاق عفيفي وعبدَالله بن غديان وعبدَالله بن قعود) قالَتْ: الأصْلُ في المُسلِمِين أنْ تُؤْكَلَ ذَبائحُهم، فَلا يُعدَلُ عنه إلَّا بِيَقِينٍ أو غَلَبةِ ظَنٍّ أنَّ الذي تَوَلَّى الذَّبحَ اِرتَدَّ عنِ الإسلامِ بِارتِكابِ ما يُوجِبُ الحُكْمَ عليه بِالرِّدَّةِ، ومِن ذلك تَرْكُ الصَّلاةِ جَحْدًا لها أو تَرْكُها كَسَلًا. انتهى باختصار]، وإنْ عارَضَه أَصلٌ آخَرُ فَإنْ أمكَنَ الجَمْعُ بينهما وَجَبَ الجَمْعُ بينهما، وإنْ لم يُمْكِنِ الجَمْعُ بينهما فَمَحَلُّ اِجتِهادٍ وتَرجِيحٍ عند العُلَماءِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: فالمَسألةُ [أيْ مَسألةُ كُفْرِ عُبَّادِ القُبورِ] مِن ضَرورِيَّات الدِّين، ومِنَ المُجمَعِ على تَكفِيرِ أصحابِها... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: لا خِلافَ بَيْنَ أهلِ العِلْمِ في عَدَمِ الاستِدلالِ بِالأصلِ عند قِيامِ المُزِيلِ [أيْ مُزِيلِ الأصلِ] مِن نَصٍّ أو إجماعٍ أو قِياسٍ على خِلافِه [أيْ خِلافِ الأصلَ]، لِأنَّه [أيِ المُزِيلَ] آخِرُ المَدارِكِ، وقد قامَ دَلِيلُ الكِتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ والقِياسِ المُزِيلِ لِحُكمِ الأصلِ، ولا رَيبَ أنَّ واحِدًا مِن هذه الأدِلَّةِ يَدفَعُه [أيْ يَدفَعُ الأصلَ] عن حَيِّزِ الاعتِبارِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: كُفْرُ عابِدِ القَبرِ مَعلومٌ بِالضَّرورةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: وكُفْرُ عُبَّادِ القُبورِ مَنصوصٌ بِالكِتابِ والسُّنَّةِ المُتَواتِرةِ والإجماعِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنِّي بِحَمدِ اللهِ أَجْزِمُ أنَّ اِشتِراطَ القَطعِ في التَّكفِيرِ والمَنْعَ مِن جَرَيَانِ الظَّنِّ فيه -كَما يَجرِي في الأحكامِ الشَّرعِيَّةِ- مِن مَذاهِبِ أهلِ البِدَعِ والأهواءِ، فَهَلْ يَستَطِيعُ [أيِ الخَصْمُ] ولَوِ اِستَعانَ بِمَن شاءَ مِنَ الثَّقَلَين نَقْضَ هذه الحَقِيقةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: ولا رَيْبَ أنَّ المُستَفادَ مِنَ الاستِصحابِ [هو] مِن أضعَفِ الظُّنونِ، والمُستَفادَ مِنَ الأسبابِ الظاهِرةِ [هو] مِن أقواها [أيْ مِن أقوَى الظُّنونِ]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ النِّزاعَ في الاستِدلالِ بِالاستِصحابِ في مَوضِعٍ سُلِّمَ [فيه] قَيَامُ سَبَبِ التَّكفِيرِ هو خَطَأٌ في قَوانِين الاستِدلالِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: أمَّا الاشتِغالُ بِالاستِصحابِ فَلا قِيمةَ له في المِيزانِ بَعْدَ التَّسلِيمِ بِالنَّاقِلِ. انتهى باختصار.

 

 

تَمَّ الجُزءُ الخامِسُ بِحَمدِ اللَّهِ وَتَوفِيقِهِ

الفَقِيرُ إلى عَفْوِ رَبِّهِ

أَبُو ذَرٍّ التَّوحِيدِي

AbuDharrAlTawhidi@protonmail.comانقر هنا للتواصل عبر البريد الإلكتروني

تابع الشيخ أبا سلمان الصومالي على:
فيسبوك
تويتر
يوتيوب
tgstat

 

 

 

 

Free Web Hosting