حِوَارٌ حَوْلَ حُكْمِ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدٍ فِيهِ قَبْرٌ

(النُّسخةُ 1.76 - الجُزءُ الثامِنُ)

 

جَمعُ وتَرتِيبُ

أَبِي ذَرٍّ التَّوحِيدِيِّ

AbuDharrAlTawhidi@protonmail.comانقر هنا للتواصل عبر البريد الإلكتروني

 

حُقوقُ النَّشرِ والبَيعِ مَكفولةٌ لِكُلِّ أحَدٍ

 

اِنتَقِلْ إلى المُقَدِّمةِ أو إلى الجُزءِ:

 

 

تَتِمَّةُ المسألة الثامنة والعشرين

 

(11)وقالَ الشيخُ وهبة الزحيلي (رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه بكلية الشريعة بجامعة دمشق) في كتابِه (أصول الفقه الإسلامي وأدلته): العامِّيُّ في اصطلاحِ الأُصُولِيِّين هو كُلُّ مَن ليس أَهْلًا للاجتِهادِ، وإن كانَ عالِمًا بفَنٍّ غيرِ فَنِّ اِستِنباطِ الأحكامِ مِن أَدِلَّتِها. انتهى. وقالَ الحطاب الرُّعيني المالكي (ت954هـ) في (مواهب الجليل في شرح مختصر خليل): التَّقْلِيدُ هُوَ الأَخْذُ بِقَوْلِ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ. انتهى. وقالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ في (مجموع الفتاوى): الْعَامِّيُّ إذَا أَمْكَنَهُ الاجْتِهَادُ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ جَازَ لَهُ الاجْتِهَادُ، فَإِنَّ الاجْتِهَادَ مَنْصِبٌ يَقْبَلُ التَّجَزِّيَ وَالانْقِسَامَ، فَالْعِبْرَةُ بِالْقُدْرَةِ وَالْعَجْزِ، وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ قَادِرًا فِي بَعْضٍ عَاجِزًا فِي بَعْضٍ... وقالَ -أَيِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ- أيضًا: وَالاجْتِهَادُ لَيْسَ هُوَ أَمْرًا وَاحِدًا لَا يَقْبَلُ التَّجَزِّيَ وَالانْقِسَامَ، بَلْ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ مُجْتَهِدًا فِي فَنٍّ أَوْ بَابٍ أَوْ مَسْأَلَةٍ دُونَ فَنٍّ وَبَابٍ وَمَسْأَلَةٍ. انتهى. وقالَ الشيخُ ابنُ عثيمين في (شرح الأصول من علم الأصول): إنَّ التَّقلِيدَ عند الضَّرورةِ واجبٌ، لأنَّ اللهَ يقولُ {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، فهذا المُقَلِّدُ، الذي ليس عنده أداةٌ للاجتِهادِ يستطيعُ بها أنْ يَستَخْلِصَ الأحكامَ مِن أَدِلَّتِها بنَفْسِه، ماذا يَعمَلُ؟... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ ابنُ عثيمين-: التَّقلِيدُ جائزٌ للضَّرورةِ، بمَنْزِلةِ أَكْلِ المَيْتةِ لا يَجُوزُ إلَّا عند عَدَمِ وُجودِ المُذَكَّاةِ، والقائلُ بالدَّلِيلِ كآكِلِ المُذَكَّاةِ يَأْكُلُ طَيِّبًا، والمُقَلِّدُ كآكِلِ المَيْتةِ فيَجوزُ أنْ يُقَلِّدَ عند الضَّرورةِ، وهذا هو الشَّرطُ الذي ذَكَرَه اللهُ عَزَّ وَجَلَّ في قولِه {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} مَتَى؟ {إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، أَمَّا إنْ كنتم تعلمون فلا تَسألُوا، وأنتَ مُخاطَبٌ يومَ القِيَامةِ ومُحاسَبٌ على حَسَبِ عِلْمِك لا على حَسَبِ عِلْمِ غَيرِكَ. انتهى. وقالَ الشنقيطي في (أضواء البيان): وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْمُضْطَرَّ لِلتَّقْلِيدِ الأعْمَى اِضْطِرَارًا حَقِيقِيًّا، بِحَيْثُ يَكُونُ لَا قُدْرَةَ لَهُ الْبَتَّةَ عَلَى غَيْرِهِ [أيْ عَلَى غَيْرِ التَّقلِيدِ] مَعَ عَدَمِ التَّفْرِيطِ لِكَوْنِهِ لَا قُدْرَةَ لَهُ أَصْلًا عَلَى الْفَهْمِ، أَوْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْفَهْمِ وَقَدْ عَاقَتْهُ عَوَائِقُ قَاهِرَةٌ عَنِ التَّعَلُّمِ، أَوْ هُوَ فِي أَثْنَاءِ التَّعَلُّمِ وَلَكِنَّهُ يَتَعَلَّمُ تَدْرِيجًا لِأنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَعَلُّمِ كُلِّ مَا يَحْتَاجُهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، أَوْ لَمْ يَجِدْ كُفْئًا يَتَعَلَّمُ مِنْهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي التَّقْلِيدِ الْمَذْكُورِ لِلضَّرُورَةِ لِأنَّهُ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ عَنْهُ؛ أَمَّا الْقَادِرُ عَلَى التَّعَلُّمِ الْمُفَرِّطُ فِيهِ، وَالْمُقَدِّمُ آرَاءَ الرِّجَالِ عَلَى مَا عَلِمَ مِنَ الْوَحْيِ، فَهَذَا الَّذِي لَيْسَ بِمَعْذُورٍ. انتهى. وقالَ مركزُ الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: قالَ الخطيبُ البغدادي في (الفقيه والمتفقه) {فإنْ قالَ قائلٌ (فكَيْفَ [تَقُولُ] في المُستَفتِي مِنَ العامَّةِ إذا أَفْتاه الرَّجُلان واخْتَلَفا، فهَلْ له التَّقلِيدُ؟) قِيلَ [له]، إنْ كانَ العامِّيُّ يَتَّسِّعُ عَقْلُه ويَكْمُلُ فَهْمُه (إذا عُقِّلَ أنْ يَعْقِلَ، وإذا فُهِّمَ أنْ يَفهَمَ)، فعليه أنْ يَسألَ المُختَلِفَين عن مذاهبِهم (عن حُجَجِهم)، فَيَأْخُذُ بأَرْجَحِها عنده، فإنْ كان عَقْلُه يَقْصُرُ عن هذا وفَهْمُه لا يَكْمُلُ له، وَسِعَه التَّقلِيدُ لأفْضَلِهما عنده}. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ فركوس في مقالة على موقعه في هذا الرابط: والمُرادُ بالمُجتَهِدِ المُطْلَقِ هو مَن تَوَفَّرَتْ فيه شُروطُ الاجتهادِ وبَلَغَ رُتْبَتَه، بحيث يُمْكِنُه النَّظَرُ في جميعِ المسائلِ؛ بينما المُجتَهِدُ الجُزْئِيُّ هو الذي لم يَبْلُغُ رُتبةَ الاجتهادِ في جميعِ المسائلِ، وإنَّما بَلَغَ هذه الرُّتبةَ في بابٍ مُعَيَّنٍ أو مَسائلَ مُعَيَّنةٍ أو فَنٍّ مُعَيَّنٍ، وهو جاهِلٌ لِمَا عدا ذلك. انتهى. وقالَ الشنقيطي في (أضواء البيان): يَصِحُّ عِلْمُ حَدِيثٍ وَالْعَمَلُ بِهِ، وَعِلْمُ آيَةٍ وَالْعَمَلُ بِهَا، وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى تَحْصِيلِ جَمِيعِ شُرُوطِ الاجْتِهَادِ. انتهى. وقالَ الشيخُ محمد صالح المنجد في هذا الرابط على مَوقِعُ (الإسلامُ سؤالٌ وجَوابٌ) الذي يُشْرِفُ عليه: الشُّروطُ التي يَجِبُ أنْ تَتَوَفَّرَ في المُفْتِي حتى يكونَ مِن أهلِ العِلمِ الذِين تُعتَبَرُ أقوالُهم، ويُعَدُّ خِلَافُه خِلَافًا بين العُلماءِ، تَرجِعُ في النِّهايَةِ إلى شَرطَين اِثْنَين وهما؛ (أ)العِلمُ، لأنَّ المُفْتِي سوف يُخْبِرُ عن حُكْمِ اللهِ تَعالَى، ولا يُمْكِنُ أنْ يُخبِرَ عن حُكْمِ اللهِ وهو جاهِلٌ به [قالَ الشيخُ محمد بنُ الأمين الدمشقي في مقالةٍ له بعنوان (الحوار الهادي مع الشيخ القرضاوي) على موقعه في هذا الرابط: إنَّ أَحَدَ اِنتِكاساتِ المَفاهِيمِ في هذا العصرِ -إضافةً لغيرِها مِنَ الاِنتِكاساتِ- انتِكاسةُ مَفْهومِ (ميزان الرجال)، فقد أَصبَحَ الرَّجُلُ يُوزَنُ بكَثْرةِ عَمَلِه لا بصِحَّتِه، وبضَخامةِ مُؤَلَّفاتِه لا بمُوافَقَتِها للسُّنَّةِ، فلم يَعُدْ يُوزَنُ الرَّجُلُ بمِيزانِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ بَلْ بمِيزانِ الأهواءِ، والله المستعان؛ وقد قالَ عبدُالله بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {اِقتِصادٌ في سُنَّةٍ، خَيْرٌ مِنِ اِجتِهادٍ في بِدْعةٍ}. انتهى]؛ (ب)العَدالةُ، بأنْ يكونَ مُستَقِيمًا في أحوالِه، وَرِعًا عَفِيفًا عن كُلِّ ما يَخْدِشُ الأمَانةَ، و[قد] أجمَعَ العلماءُ على أنَّ الفاسِقَ لا تُقبَلُ منه الفَتْوَى ولو كانَ مِن أهلِ العِلمِ [قالَ الشيخُ سيد إمام في (الجامع في طلب العلم الشريف): يَجِبُ على كُلِّ مُسلِمٍ مَعرِفةُ حالِ مَن يَستَفتِيه مِن جِهَةِ العَدالةِ، خاصَّةً مع تَغَيُّرِ الأحوالِ وكَثْرةِ عُلَماءِ السُّوءِ. انتهى]؛ فمَن تَوَفَّر فيه هذان الشَّرطانِ فهو العالِمُ الذي يُعتَبَرُ قَولُه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المنجد-: فما هو مَوقِفُ المُسلِمِ مِنِ اختِلافِ العلماءِ الذِين سَبَقَتْ صِفَتُهم؟؛ إذا كان المسلمُ عنده مِنَ العِلمِ ما يستطيعُ به أنْ يُقارِنَ بين أقوالِ العلماءِ بالأدِلَّة والتَّرجِيحَ بينها ومَعرِفةَ الأصَحِّ والأرْجَحِ وَجَبَ عليه ذلك، لأنَّ اللهَ تَعالَى أَمَرَ برَدِّ الْمَسَائِلِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا إلى الكِتابِ والسُّنَّةِ، فقال {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}، فيَرُدُّ المَسائلَ المُختَلَفَ فيها للكِتَابِ والسُّنَّةِ، فما ظَهَرَ له رُجْحانُه بالدَّلِيلِ أَخَذَ به، لأنَّ الواجِبَ هو اتِّباعُ الدَّلِيلِ، وأقوالُ العُلماءِ يُستَعانُ بها على فَهْمِ الأدِلَّةِ؛ وأما إذا كان المسلمُ ليس عنده مِنَ العِلمِ ما يستطيعُ به التَّرجِيحَ بين أقوالِ العلماءِ، فهذا عليه أنْ يَسألَ أهلَ العِلمِ (الذِين يُوثَقُ بعِلمِهم ودِينِهم) ويَعْمَلَ بما يُفْتُونه به، قالَ اللهُ تَعالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، وقد نَصَّ العلماءُ على أنْ مَذهَبَ العامِّيِّ مَذهَبُ مُفْتِيه، فإذا اِخْتَلَفَتْ أقوالُهم فإنه يَتَّبِعُ منهم الأوْثَقَ والأعْلَمَ، ولا يَجُوزُ للمسلمِ أنْ يَأخَذَ مِن أقوالِ العلماءِ (ما يُوافِقُ هَوَاه ولو خالَفَ الدَّلِيلَ)، ولا أنْ يَستَفْتِي مَن يَرَى أنَّهم يَتَساهَلون في الفَتْوَى، بل عليه أنْ يَحتاطَ لِدِينِه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المنجد-: مِنَ الناسِ -وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ- مَن يَسألُ عالِمًا، فإذا لم تُوافِقْ فَتْواه هَوَاه سألَ آخَرَ، وهكذا حتى يَصِلَ إلى شَخصٍ يُفتِيه بما يَهْوَى وما يُرِيدُ!؛ وما مِن عالِمٍ مِنَ العُلَماءِ إلَّا وله مسائلُ اِجتَهَدَ فيها ولم يُوَفَّقْ إلى مَعرِفةِ الصَّوابِ، وهو في ذلك مَعذورٌ وله أَجْرٌ على اِجتِهادِه، كما قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم {إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ}؛ فلا يَجوزُ لِمُسلمٍ أنْ يَتَتَبَّعَ زَلَّاتِ العلماءِ وأخطاءَهم، فإنَّه بذلك يَجتمِعُ فيه الشَّرُّ كُلُّه، ولهذا قالَ العلماءُ {مَنْ تَتَبَّعَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ، وَأَخَذَ بِالرُّخَصِ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ، تَزَنْدَقَ أَوْ كَادَ}، والزَّندَقةُ هي النِّفاقُ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ وليد السعيدان في فيديو بعنوان (حكم استفتاء أهل البدع): استفتاؤك للمُبتَدِعِ مُحَرَّمٌ، إلَّا في بابِ الضَّروراتِ، فإذا كنتَ تَجِدُ مَن يُفْتِيك في مَسألَتِك مِن المَوصوفِين بالسُّنَّةِ والاستقامةِ على مَنهَجِ الحَقِّ، فلا يَجوزُ لك أنْ تَترُكَ هؤلاء إلى المُبتَدِعةِ فتَسألُهم أو تَستَفسِرُ عن دِينِك منهم، لكنْ إنْ لم يُوجَدْ عندك في بِلَادِك أَحَدٌ إلَّا هذا واستَفتَيتَه في مَسألةٍ لا تَتَعَلَّقُ ببِدعَتِه، وقَرَنَ فُتْيَاه بالدَّلِيلِ الظاهرِ المُتَّفِقِ مع الحَقِّ، فحِينَئِذٍ لك أنْ تَقْبَلَ فُتْيَاه لأنَّها حَقٌّ والحَقُّ يُقبَلُ مِمَّن جاءَ به [قلتُ: وبذلك يُعْلَمُ أنَّه لا يَجُوزُ -إلَّا عند الضَّرورةِ- أنْ تَستَفْتِيَ أَدْعِيَاءَ السَّلَفِيَّةِ (الذِين يَحمِلُون فِكْرَ المُرْجِئَةِ) أو الأَزْهَرِيِّين (الذِين يَحمِلُون فِكْرَ الأَشَاعِرةِ) أو الإخْوانَ المُسلِمِين (الذِين يَحمِلُون فِكْرَ المَدْرَسَةِ العَقْلِيَّةِ الاعْتِزالِيَّةِ)]. انتهى. وقالَ الشيخُ سعدُ بن ناصر الشثري (عضو هيئة كبار العلماء) في (الاجتهاد والفتوى): لو فُرِضَ أنَّ البَلَدَ فيه أكثرُ مِن عالِمٍ، فماذا نَفعَلُ؟؛ نقولُ، يَجوزُ للإنسانِ [يَعْنِي العامِّيِّ] أنْ يَكْتَفِي بِسؤالِ عالِمٍ مِن هؤلاء العُلماءِ، ما دامَ أنَّه مِن أهلِ الاجتِهادِ، لماذا؟ لأنَّ اللهَ قالَ {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، واسْتُدِلَّ [أيضًا] على هذا بإجماعِ الصَّحابةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فقد كانَ في عَهْدِ الصَّحابةِ يُسألُ الفاضِلُ ويُسألُ المَفْضولُ، ولا يَجِدون [أَيِ الصَّحَابةُ] في ذلك غَضَاضةً، ولا يَعتَرِضون عليه؛ إذَنْ، هذا دَلِيلٌ على أنَّه إذا تَعَدَّدَ المُجتَهِدون فإنَّه يَجوزُ سؤالُ أَيِّ عالِمٍ منهم، وهذه المسألةُ في ما إذا لم يَعْلَمْ [أَيِ العامِّيُّ] بَعْدُ بأقوالِ الفُقَهاءِ؛ لكنْ لو قُدِّرَ أنَّ الفُقَهاءَ اِختَلَفوا، فرَأَى بعضُهم قَولًا، ورَأَى آخَرون قَولًا آخَرَ، فماذا يَفعَلُ هذا العامِّيُّ [إذا عَلِمَ بالخِلَافِ]؟، نقولُ، إذا اِختَلَفَ العلماءُ على قَولَين [أَوْ أكثرَ] فحِينَئِذٍ يُرَجِّحُ [أَيِ العامِّيُّ] بينهم بحَسَبِ ثَلَاثِ صِفاتٍ؛ الصِّفةُ الأُولَى، العِلْمُ، لأنَّ مَن كان أَعلَمَ، فهو أَغْلَبُ على الظَّنِّ أنْ يَصِلَ إلى شَرعِ رَبِّ العِزَّةِ والجَلَالِ؛ والصِّفةُ الثانيَةُ، الوَرَعُ، إذا تَساوَى العالِمان في العِلمِ اِنْتَقَلْنا للوَرَعِ فنَأخُذُ بالأكثرِ وَرَعًا؛ الصِّفةُ الثالثةُ، الأكْثَرِيَّةُ، فإذا لم يَستَطِعِ المَرْءُ المُستَفْتِي أنْ يُرَجِّحَ بين أَعْيانِهم بحَسَبِ هاتَين الصِّفَتَين [العِلْمِ والوَرَعِ] فحِينَئِذٍ يَنْظُرُ إلى صِفةٍ ثالِثةٍ وهي الأكْثَرِيَّةُ، فيَعْمَلُ بقولِ الأكثرِ لأنَّه أَغْلَبُ على الظَّنِّ أنَّه سَيُوَصِّلُكَ إلى شَرعِ رَبِّ العِزَّةِ والجَلَالِ. انتهى باختصار. وقالَ التُّسُولي المالكي (ت1258هـ) في (البهجة في شرح التحفة): قولُه تَعالَى {رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ} يَعْنِي أنَّ الكُفَّارَ يقولون يومَ القِيَامةِ {رَبَّنَا، هؤلاء الأحْبارُ والرُّؤَساءُ أَضَلُّونَا، وزَعَمُوا أنَّ ما يَدْعُوننا إليه مِن عِبَادةِ الأوْثانِ واتِّباعِ الشَّهواتِ ومُخالَفةِ الأنْبِياءِ هو الطَّرِيقُ الحَقُّ، فاعْتَقَدْنا ذلك، ونحن لا نَعْلَمُ فاعْذُرْنا، وَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ}، قالَ تَعالَى [رَادًّا عليهم] {لِكُلٍّ ضِعْفٌ}، فَسَوَّى بين المَتْبُوعِ والتَّابِعِ في مُضاعَفةِ العَذابِ، ولم يُعْذَرِ التَّابِعُ بخَطَئِه في اعتقادِه؛ وقولُهم {مَن قَلَّدَ عالِمًا لَقِيَ اللهَ سالِمًا} مَعْناه إذا كانَ العالِمُ مشهورًا بالعِلمِ والتَّقْوَى، فالتَّقْوَى تَمنَعُه مِن أنْ يقولَ باطِلًا، والعِلْمُ يَعْرِفُ به ما يَقولُ، وإن لم يَكُنْ كذلك فلا يَجُوزُ استفتاؤه ولا تَقلِيدُه ومُقَلِّدُه مَغرُورٌ لاحِقٌ له الوَعِيدُ المَذكُورُ [يُشِيرُ إلى ما وَرَدَ في الآيَةِ {رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ، قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ}]. انتهى باختصار. وقالَ الشَّاطِبِيُّ فِي (الْمُوَافَقَاتِ): فَتَعَارُضُ الْفَتْوَيَيْنِ عَلَيْهِ [أَيْ على العامِّيِّ] كَتَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ عَلَى الْمُجْتَهِدِ، فَكَمَا أَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يَجُوزُ فِي حَقِّهِ اتِّبَاعُ الدَّلِيلَيْنِ مَعًا، وَلَا اتِّبَاعُ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ وَلَا تَرْجِيحٍ، كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ اتِّبَاعُ الْمُفْتِيَيْنِ مَعًا، وَلَا أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ وَلَا تَرْجِيحٍ... ثم قالَ -أَيِ الشَّاطِبِيُّ-: فَالْمُجْتَهِدَانِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَامِّيِّ، كَالدَّلِيلَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُجْتَهِدِ، فَكَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ التَّرْجِيحُ أَوِ التَّوَقُّفُ، كَذَلِكَ الْمُقَلِّدُ. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو المنذر المنياوي في (التمهيد): الواجبُ على المُستَفْتِي إذا تَعارَضَتِ الفَتَاوَى أنْ يَأخُذَ بفَتْوَى الأعْلَمِ مِنَ المُفْتِين، فَإِنْ تَسَاوَوْا أَخَذَ بقولِ الأتقَى والأوْرَعِ، فإنْ جَهِلَ الأعْلَمَ أو الأوْرَعَ سَأَلَ العارِفِين بهم عن ذلك، ثم أخَذَ بمَن يَغْلِبُ على ظَنِّه أنَّه الأعلَمُ أو الأتْقَى... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المنياوي-: فَتْوَى العالِمِ عند العامِّيِّ كالدَّلِيلِ عند المُجتَهِدِ، وإذا تَعارَضَتِ الأدِلَّةُ عند المُجتَهِدِ وَجَبَ عليه طَلَبُ التَّرجِيحِ، فكذلك العامِّيُّ إذا تَعارَضَتْ عنده الفَتَاوَى). انتهى. وقالَ ابْنُ عَقِيلٍ الحنبلي (ت513هـ) في (الواضح في اصول الفقه): لا يَتَخَيَّرُ العامِّيُّ بين المُفْتِين فَيُقَلِّدُ مَن شاءَ منهم، بَلْ يَلْزَمُه الاجتِهادُ في أَعْيَانِ المُفْتِين، الأدْيَنِ والأوْرَعِ ومَن يُشارُ إليه أنَّه الأعْلَمُ. انتهى. وقالَ مَوقِعُ (الإسلامُ سؤالٌ وجَوابٌ) الذي يُشْرِفُ عليه الشيخُ محمد صالح المنجد في هذا الرابط: الناسُ ثلاثةُ أقسامٍ؛ القِسمُ الأوَّلُ، العالِمُ المُجتَهِدُ، وهو مَن عنده القُدرةُ على استِنباطِ الأحكامِ مِن نُصوصِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ مُباشَرةً، فهذا لا يَجوزُ له أنْ يُقَلِّدَ أَحَدًا مِنَ العلماءِ، بَلْ يَتَّبِعُ ما أدَّاه إليه اِجتِهادُه، وافَقَ عُلَماءَ عَصْرِه أَمْ خالَفَهم؛ القسمُ الثاني، طالِبُ العِلمِ المُتَمَرِّسُ في طَلَبِ العِلمِ حتى صارَ لَدَيْه القُدْرةُ على التَّرجِيحِ بين أقوالِ العلماءِ، وإن كان لم يَصِلْ إلى دَرَجةِ الاِجتِهادِ، فهذا لا يَلْزَمُه أنْ يُقَلِّدَ أَحَدًا مِنَ العلماءِ، بَلْ يُقارِنُ بين أقوالِ العلماءِ وأَدِلَّتِها ويَتَّبِعُ ما ظَهَرَ له أنَّه القولُ الراجِحُ؛ القسمُ الثالثُ، العَوَامُّ وَهُمْ مَن ليس عندهم حَصِيلةٌ مِنَ العِلمِ الشَّرعِيِّ تُؤَهِّلُهم للتَّرجِيحِ بين أقوالِ العلماءِ، فهؤلاء لا يُمْكِنُهم استنباطُ الأحكامِ مِن نُصوصِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ، ولا يستطيعون التَّرجِيحَ بين أقوالِ العلماءِ، وَلِذَا فالواجِبُ عليهم سُؤَالُ العلماءِ واتِّباعُ أقوالِهم، ويَلْزَمُهم أنْ يُقَلِّدوا علماءَ عَصْرِهم. انتهى. وفي (سلسلة لقاءات الباب المفتوح) سُئِلَ الشيخُ ابنُ عثيمين {بعضُ أهلِ العِلمِ يُقَسِّمُ الناسَ مِن حيث التَّلَقِّي إلى ثلاثِ مَراتِبَ (مَرتَبةُ الاجتِهادِ وَهُمُ العلماءُ، ومَرتَبةُ الاتِّباعِ وهُمْ طَلَبةُ العِلمِ، ومَرتَبةُ التَّقْلِيدِ وهُمُ العَوَامُّ)، فما رَأْيُ فَضِيلَتِكم في هذه القِسْمَةِ؟}؛ فأجابَ الشيخُ: نَعَمْ، الناسُ يَختِلِفون، فمنهم مَن يَصِلُ إلى دَرَجةِ الاجتِهادِ، ومنهم دُونَ ذلك؛ ومنهم مَن يكون مُجتَهِدًا في مسألةٍ مِنَ المَسائلِ، يُحَقِّقُها ويَبحَثُ فيها ويَعْرِفُ الحَقَّ فيها دُونَ غيرِه، ومِنَ الناسِ مَن لا يَعْرِفُ شَيئًا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ ابنُ عثيمين-: العامَّةُ مَذهَبُهم مَذهُبُ عُلمائهم. انتهى. وقالَ الشيخُ ابنُ عثيمين أيضًا في (الشرح الممتع على زاد المستقنع): طالِبُ العِلمِ يَجِبُ عليه أنْ يَتَلَقَّى المسائلَ بدَلائلِها، وهذا هو الذي يُنْجِيه عند اللهِ سُبْحانَهُ وتَعالَى، لأنَّ اللهَ سيقولُ له يومَ القِيَامةِ {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ}، ولن يقولَ {مَاذَا أَجَبْتُمُ المُؤَلِّفَ الفُلَانِيَّ}. انتهى. وفي هذا الرابط قالَ مركزُ الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: فإنْ كان أَحَدٌ مِن أهلِ العِلمِ هو الأوْثَقَ في نَفْسِكَ مُطْلَقًا، فَقَلِّدْه مُطْلَقًا عند التَّعارُضِ، وإنْ كان أَوْثَقَ في بابٍ مِن أبوابِ العِلمِ كالحَدِيثِ أو الفِقْهِ أو العَقِيدةِ ونحوِ ذلك، وغيرُه أَوْثَقُ منه في بابٍ آخَرَ، فَقَلِّدْ في كُلِّ بابٍ الأوْثَقَ فيه في اِعتِقادِكَ، وهكذا، ويَبْقَى بعدَ ذلك حالُ الاِشْتِباهِ، وهي حالُ تَسَاوِي المُفْتِين في العِلمِ والوَرَعِ، والمَخْرَجُ عندئذٍ يكونُ في الاِحتِياطِ والاِستِبراء للدِّينِ والعِرْضِ [وذلك لقَوْلِه صلى الله عليه وسلم {الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ}]. انتهى. وقالتْ إيمانُ بنت سلامة الطويرش (عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة الإمام) في مقالةٍ لها على موقعِ المسلم (الذي يُشرِفُ عليه الشيخُ ناصر العُمَر) في هذا الرابط: مَوقِفُ العامِّيِّ [عند اختلافِ العُلماءِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قَوْلٍ] هو التَّرجِيحُ، ويكونُ ذلك بالنِّسبةِ له باتِّباعِ الأقْوَى دَلِيلًا فيما يَظْهَرُ له، فإنْ لم يَتَّضِحِ اِتَّبَعِ الأعْلَمَ، ثم الأتْقَى (الأكْثَرَ دِينًا)، مِنَ العُلماءِ. انتهى. وقالَ الشيخُ أحمد غاوش (الأستاذ بجامعة القاضي عياض بمراكش) في (الاجتهاد الفقهي بين الانقطاع والاستمرار): اِخْتَلَفَ الأُصُولِيُّون والفُقَهاءُ في مَسألةِ جَوازِ تَقْلِيدِ المُجتَهِدِ المَيِّتِ على عَدَدٍ مِنَ الأقوالِ، تَرجِعُ كُلُّها بعدَ التَّأَمُّلِ إلى مَذهَبَيْنِ رَئِيسَيْنِ، هُما؛ (أ)الأَوَّلُ، جَوازُ تَقْلِيدِ المُجتَهِدِ الْمَيِّتِ، وهو مَذهَبُ طائفةٍ مِن أهلِ الفِقهِ والأُصُولِ رَأَوْا جَوازَ الأخْذِ بقَولِ الْمَيِّتِ وتَقْلِيدِه في اِجتِهادِه؛ (ب)الثاني، مَنْعُ تَقْلِيدِ المُجتَهِدِينَ المَوْتَى [قالَ الشيخُ محمد مصطفى الزحيلي (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في (الوجيز في أصول الفقه الإسلامي): لاِحتِمالِ عُدُولِه عنِ اِجتِهادِه لو كان حَيًّا [قلتُ: كَأَنْ يُناقِشَه أَحَدٌ، فيَظْهَرَ له أنَّ الأَثَرَ الذي استَنَدَ إليه ضَعِيفٌ، أو أنَّ الأَثَرَ الذي أَهْمَلَه صحيحٌ بمَجْمُوعِ طُرُقِه، فَيَعْدِلَ عن قَوْلِه]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الزحيلي-: الحَيُّ أَعرَفُ بالوقائعِ والقَضايَا. انتهى باختصار. وقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي (الْبَحْرِ الْمُحِيطِ): صَاحِبُ الْمَحْصُولِ [يَعْنِي الرَّازِيَّ] قَالَ {الإِجْمَاعُ لَا يَنْعَقِدُ مَعَ خِلَافِهِ حَيًّا، وَيَنْعَقِدُ مَعَ مَوْتِهِ [يَعْنِي أنَّ قَوْلَ المُجتَهِدِ المَيِّتِ يُعتَبَرُ في إجْمَاعِ أَهْلِ عَصْرِه، لا في إجْمَاعِ أَهْلِ عَصْرٍ مِنَ العُصُورِ التي تَلِي عَصْرَه]}. انتهى. وقالَ الشوكاني في (إرشاد الفحول): قَالَ الرَّازِيُّ فِي الْمَحْصُولِ {فَإِنْ قُلْتَ (لِمَ صُنِّفَتْ كُتُبُ الْفِقْهِ مَعَ فَنَاءِ أَرْبَابِهَا؟)، قُلْتُ (لِفَائِدَتَيْنِ؛ إِحْدَاهُمَا، اسْتِفَادَةُ طُرُقِ الاجْتِهَادِ مِنْ تَصَرُّفِهِمْ فِي الْحَوَادِثِ، وَكَيْفَ بُنِيَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ؛ وَالثَّانِيَةُ، مَعْرِفَةُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنَ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، فَلَا يُفْتَى بِغَيْرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ [يَعْنِي (حتى لا يُخْرَقَ إجْمَاعٌ سابِقٌ)])}. انتهى باختصار]، أفادَ أصحابُ هذا المَذهَبِ بعَدَمِ جَوازِ تَقْلِيدِ الْمَيِّتِ أو الأخْذِ بمَذاهِبِ المَوْتَى، مِنَ الفُقَهاءِ -وإليه ذَهَبَتْ طائفةٌ مِن أكابِرِ أهلِ الأُصولِ، أشْهَرُهم الْجُوَيْنِيُّ والباقلاني وأبو حامد الغزالي والعز بن عبدالسلام- بَلْ يُستَغْنَى عنه بالمُجتَهِدِ الحَيِّ، وقد نَقَلَ عَدَدٌ مِنَ الأُصولِيِّينَ المُتَقَدِّمِينَ والمُتَأخِّرِينَ الإجماعَ على هذا الرَّأْيَ، وفي طَلِيعَتِهم الغزالي [ت505هـ] ثُمَّ الصنعاني [ت1182هـ]، ونَقَلَ الشوكاني [ت1250هـ] عنِ ابنِ الوزير [ت840هـ] إجماعَ سائرِ علماءِ المسلمِين عليه، فإذا اُعْتُرِض عليهم في دَعْوَى الإجماعِ بالقَوْلِ الأوَّلِ، وهو مَذهَبُ التَّجوِيزِ، قالوا {إنّه محمولٌ على عَدَمِ مُجتَهِدِ العَصْرِ}، فيكونَ تَقْلِيدُ الْمَيِّتِ على هذا نَوْعًا مِنَ الضَّروراتِ التي تُقَدَّرُ بقَدْرِها، ويُحْكَمُ بارتكابِها إذا تَرَجَّحَ الظَّنُّ بأنّ مَصلَحةَ تَقْلِيدِ الإمامِ الْمَيِّتِ والأخْذِ بما حَكَمَ به، خَيْرٌ مِن تَرْكِ الناسِ هَمَلًا، وأنّ الوُقوعَ في الَّتقلِيدِ خَيْرٌ مِن تَضْيِيعِ الشَّرِيعةِ [قالَ الشيخُ صالح الفُلَّاني المالكي (ت1218هـ) في (إيقاظ همم أولي الأبصار): وإنْ قَلَّدَ مَيِّتًا فهو أَوْلَى مِن اتِّبَاعِ هَوَاه بغَيرِ عِلْمٍ. انتهى]. انتهى باختصار.

 

(12)وقالَ الشيخُ ابنُ عثيمين في (سلسلة لقاءات الباب المفتوح): ليس كُلُّ عالِمٍ يكونُ ثِقَةً، فالعلماءُ ثلاثةٌ، علماءُ مِلَّةٍ، وعلماءُ دَوْلةٍ، وعلماءُ أُمَّةٍ؛ أمَّا علماءُ المِلَّةِ -جَعَلَنا اللهُ وإيَّاكم منهم- فهؤلاء يَأخُذون بمِلَّةِ الإسلامِ، وبحُكمِ اللهِ ورسولِه، ولا يُبَالُون بأحَدٍ كائنًا مَن كانَ؛ وأَمَّا علماءُ الدَّولةِ فيَنظُرون ماذا يُرِيدُ الحاكِمُ، يُصدِرون الأحكامَ على هَوَاه، ويُحاوِلون أنْ يَلْوُوا أَعنَاقَ النُّصوصِ مِنَ الكتابِ والسُّنَّةِ حتى تَتَّفِقَ مع هَوَى هذا الحاكِمِ، وهؤلاء علماءُ دَولةٍ خاسِرون؛ وأَمَّا علماءُ الأُمَّةِ فَهَمُ الذِين يَنْظُرون إلى اِتِّجاهِ الناسِ، هَلْ يَتَّجِهٌ الناسُ إلى تَحلِيلِ هذا الشيءِ فَيُحِلُّونَهُ، أو إلى تَحرِيمِه فيُحَرِّمُونه، ويُحاوِلون -أيضًا- أنْ يَلْوُوا أَعنَاقَ النُّصوصِ إلى ما يُوافِقُ هَوَى النَّاسِ. انتهى. وقالَ الشيخُ ابنُ عثيمين أيضًا في مُحاضَرةٍ بِعُنْوانِ (وقفة محاسبة) مُفَرَّغَةٍ على موقِعِه في هذا الرابط: إذا تَدَبَّرْتَ أحوالَ العلماءِ وَجَدْتَ أنَّهم ثلاثةُ أقسامٍ؛ الأوَّلُ عالِمُ مِلَّةٍ، وهو الذي يَنْشُرُ المِلَّةَ ويُبَيِّنُها للناسِ ويَعمَلُ بها، ولا تَأخُذُه في اللهِ لَوْمةُ لائمٍ، هو يُرِيدُ إقامةَ المِلَّةِ لا غَيرُ، حتى إنَّه لَيُفتِي أَبَاه فيقولُ {يَا أَبَتِ، هذا حَرامٌ، يَا أَبَتِ، هذا واجِبٌ}، ويُفُتِي السُّلْطانَ ويقولُ {هذا حَرامٌ، وهذا حَلَالٌ}؛ الثاني عالِمُ دَولةٍ، يَنْظُرُ ما تَشتَهِيه الدَّولةُ فيَحْكُمُ به ويُفُتِي به حتى لو خالَفَ نَصَّ الكِتابِ والسُّنَّةِ، وإذا خالَفَ نَصَّ الكِتابِ والسُّنَّةِ شَرَعَ في تَحرِيفِه، وقالَ {المرادُ بكذا كذا وكذا}، فحَرَّفَ الكتابَ والسُّنَّةَ، لإرضاءِ الدَّولةِ؛ الثالثُ، عالِمُ أُمَّةٍ، يَنْظُرُ ماذا يُرِيدُ الناسُ (العامَّةُ) فيُفْتِيهم بما يَستَرِيحون إليه، حتى ولو كان على حِسَابِ نُصوصِ الكتابِ والسُّنَّةِ، ولذلك تَجِدُه يَتَتَبَّعُ الرُّخَصَ لإرضاءِ العامَّةِ، ويقولُ {هذه مَسألةٌ خِلَافِيَّةٌ والأمْرُ واسِعٌ}، سُبْحانَ اللهِ! الأمْرُ واسِعٌ! واللهُ يقولُ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}، كيف تقولُ {هذه فيها خِلَافٌ وأَمْرُها واسِعٌ}؟!، واللهِ إنَّ الأمْرَ ضَيِّقٌ، وإذا وُجِدَ الخِلَافُ يَجِبُ أنْ يُحَقِّقَ الإنسانُ [يَعْنِي العالِمَ] في المسألةِ أكثرَ وأكثرَ حتى يَتَبَيَّنَ له الصَّوابُ، أَمَّا كونُه يَستَرخِي ويقولُ {هذه مَسألةٌ خِلَافِيَّةٌ، والأمْرُ واسِعٌ، وبابُ الاجتِهادِ مَفتُوحٌ} وما أَشْبَهَ ذلك، فهذا خَطَأٌ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ ابنُ عثيمين-: الواجِبُ أنْ يَتَّبِعَ الإنسانُ [يَعْنِي العالِمَ] ما دَلَّ عليه الكتابُ والسُّنَّةُ، سَوَاءٌ أَرْضَى الأُمَّةَ أَمْ أَسْخَطَها، واللهُ عَزَّ وَجَلَّ يقولُ {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ}، ما قالَ {مَاذَا أَجَبْتُمُ العامَّةَ؟، مَاذَا أَجَبْتُمُ الدَّولةَ؟} [وإنَّما قالَ] {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ}؛ العالِمُ إذا نُوقِشَ في مَسألةٍ قالَ فيها بخَطَأٍ، لِيَتَّقِ اللهَ وَلْيَتَّبِعِ الحَقَّ، وَلْيَعلَمْ أنَّه إذا تَبِعَ الحَقَّ بعدَما تَبَيَّنَ [لَهُ] فإنَّ ذلك واللهِ رِفْعةٌ له، وليس كما يُخَيِّلُه الشَّيْطانُ أنَّه إضاعةٌ له، بعضُ الناسِ يقولُ {إذا رَجَعْتُ إلى فُلَانٍ وفُلَانٍ في المُناقَشةِ يَعْنِي أنَّني مَهزُومٌ ومَغْلوبٌ}، ولكنَّ الواقعَ أنَّه [فِي حَالَةِ رُجُوعِهِ إلى الحَقِّ] هازِمٌ نَفْسَه غالِبٌ على نَفْسِه الأمَّارةِ بالسُّوءِ، ارْجِعْ إلى الحَقِّ أَيْنَما كانَ، وخُذْه مِن أَيِّ مَصدَرٍ، أَلَمْ تَعلَموا أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو أَرْجَحُ الناسِ عَقْلًا وأَصْوَبُهم صَوابًا، أُمِرَ أنْ يَستَشِيرَ الناسَ، فقالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}، وهو الرسولُ صلى الله عليه وسلم، ومعلومٌ أنَّه إذا شَاوَرَ سوف يَرجِعُ إلى الرَّأيِ الصَّوابِ، سَوَاءٌ كانَ رَأْيَه أو رَأْيَ غيرِه، فَعَلَى المُسلِمِ أنْ يَتَّقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وأنْ يَتَّبِعَ الحَقَّ أَيْنَما كانَ، وأنْ يَعْلَمَ أنَّه بتَواضُعِه ورُجوعِه إلى الحَقِّ يَزِيدُهُ اللهُ تَبارَكَ وتَعالَى رِفْعةً وعِزَّةً في الدُّنْيا والآخِرةِ. انتهى باختصار.

 

(13)وقالَ الشيخُ عبدُالكريم الخضير (عضو هيئة كِبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في مُحاضَرةٍ بِعُنْوانِ (دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ) مُفَرَّغَةٍ على موقِعِه في هذا الرابط: وعَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ {أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ (جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ)، قُلْتُ (نَعَمْ)، قَالَ (اسْتَفْتِ قَلْبَكَ)} [قالَ الشيخُ ابنُ عثيمين في (شرح الأربعين النووية): الخِطَابُ هنا لِرَجُلٍ صَحَابِيٍّ حَرِيصٍ على تَطبِيقِ الشَّرِيعةِ، فمِثْلُ هذا يُؤَيِّدُه اللهُ عَزَّ وجَلَّ ويَهْدِي قَلْبَه، حتى لا يَطْمَئِنَّ إلَّا إلى أَمْرٍ مَحبوبٍ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ. انتهى. وقالَ مَوقِعُ (الإسلامُ سؤالٌ وجَوابٌ) الذي يُشْرِفُ عليه الشيخُ محمد صالح المنجد في هذا الرابط: فالذي يَستَفتِي قَلْبَه ويَعْمَلُ بما أَفْتاه به هو صاحِبُ القَلْبِ السَّلِيمِ لا القَلْبِ المَرِيضِ، فإنَّ صاحِبَ القَلْبِ المَرِيضِ لو استَفتَى قَلْبَه عنِ الْمُوبِقَاتِ والكَبائرِ لَأفْتاه أنَّها حَلَالٌ لا شُبْهةَ فيها!. انتهى. وقالَ الشيخُ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في (شرح الأربعين النووية): لا يَجوزُ للعامِّيِّ أنْ يَأْخُذَ بقَولِ نَفْسِه مع وُجودِ عالِمٍ يَستَفتِيه. انتهى]؛ لكنْ أَيُّ قلبٍ يُمْكِنُ أنْ يُستَفْتَى؟، القَلْبُ السَّلِيمُ مِنَ الشَّهَواتِ والشُّبُهاتِ، نَعَمْ، مِثْلُ هذا القَلْبِ السَّلِيمِ مِنَ الشَّهَواتِ والشُّبُهاتِ يُستَفْتَى، {اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ} رَوَاه أحمدُ والدارمي بإسنادٍ لا بَأَسَ به [قالَ الشيخُ ابنُ عثيمين في (شرح رياض الصالحين): إذا عَلِمْتَ أنَّ في نَفْسِك مَرَضًا مِنَ الْوَسْوَاسِ والشَّكِّ والتَّرَدُّدِ فيما أَحَلَّ اللهُ، فلا تَلْتَفِتْ لهذا، والنبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ إنَّما يَتَكَلَّمُ على الوَجْهِ الذي ليس فيه أَمْراضٌ، أَيْ ليس في قَلْبِ صاحِبِه مَرَضٌ. انتهى باختصار]، {وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ}، عَمِلْتَ عَمَلًا تَوَقَّعَتَ أنَّ فيه جَزَاءً أو كَفَّارةً، ثم ذَهَبْتَ تَسألُ، فَبَانَ لك بقَرائنَ أنَّ هذا الشَّخْصَ الذي اِستَفتَيتَه مِنَ المُتَساهِلِين في الفَتْوَى [وقد] قالَ {لا شيءَ عليك}، ما زالَتِ النَّفْسُ يَتَرَدَّدُ فيها هذا الأمْرُ؛ لكنْ لو سَأَلْتَ شَخصًا مِن أهلِ التَّحَرِّي، وأنتَ مِنَ العَوَامِّ فَرْضُكَ التَّقلِيدُ وتَبَرَأُ ذِمَّتُكَ بتَقلِيدِ أهلِ العِلْمِ، إذا اِستَفتَيتَ مَن تَبَرَأُ الذِّمَّةُ بتَقلِيدِه يَكْفِي؛ لكنْ كَوْنُكَ تَذهَبُ إلى هذا المُتَساهِلِ ثم يُفْتِيكَ أنَّه لا شَيْءَ عليك، لا بُدَّ أنْ يَبْقَى في نَفْسِكَ ما يَبْقَى، فَضْلًا عن كَوْنِكَ تَسألُ أهلَ التَّحَرِّي والتَّثَبُّتِ فَيُلْزِمونكَ بالكَفَّارةِ ثم تَذهَبُ إلى المُتساهِلِين لِكَيْ يُعفُوكَ منها، واللهُ المُستَعانُ؛ وبعضُ الناسِ، لِيَطْمَئِنَّ قَلْبُه، اِستَفْتَى فَقِيلَ له {ما عليك شيءٌ}، فما اِرْتَاحَ، ذَهَبَ لِيَطْمَئِنَّ، يَسألُ ثانِيًا وثالثًا، عَشَان [أَيْ لِكَيْ] يَطْمَئِنَّ؛ لكنْ إذا قِيلَ له عليك كَفَّارةٌ، ثم ذَهَبَ لِيَسألَ، لَعَلَّهُ يَجِدُ مِن أهلِ التَّسامُحِ والتَّساهُلِ مَن يُعفِيه مِن هذه الكَفَّارةِ، هذا هو الإثْمُ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخضير-: تَتَبُّعُ الرُّخَصِ، قالَ أهلُ العِلْمِ فيه {مَن تَتَبَّعَ الرُّخَصَ فقد تَزَنْدَقَ}، كيف يتَزَنْدَقُ مُسلِمٌ يَقتَدِي بإمامٍ مِن أَئِمَّةِ المسلمِين؟، نقولُ، نَعْمْ، يَخْرُجُ مِنَ الدِّينِ بالكُلِّيَّةِ وهو لا يَشعُرُ، كَونُكَ تَبْحَثُ عنِ الذي يُعفِيكَ في جميعِ المَسائلِ مَعْناه أنَّك تَخْرُجُ مِنَ الدِّينِ بالكُلِّيَّةِ، تَبْحَثُ عَمَّا يُعفِيكَ في جميعِ مَسائلِ الدِّينِ، إذَنْ، ما تَدَيَّنْتَ بدِينٍ، ولم تَتَّبِعْ ما جاءَ عن اللهِ وعن رسولِه، ولم يكنْ هَوَاكَ تَبَعًا لِمَا جَاءَ بِهِ النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ، إنَّما الذي يَسُوقُكَ ويُشَرِّعُ لك هَوَاكَ، هذا وَجْهُ قَولِهم {مَن تَتَبَّعَ الرُّخَصَ فَقَدْ تَزَنْدَقَ} [قالَ الشيخُ إبراهيمُ بنُ عمر السكران (المُتَخَرِّجُ مِن كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والحاصل على الماجستير من المعهد العالي للقضاء في السياسة الشرعية): في مَقالةٍ له بِعُنوانِ (تَلخِيصُ فَوائدِ وأفكارِ كِتابِ "سُلطةُ الثَّقافةِ الغالِبةِ") على هذا الرابط: مَضْمونُ (تَتَبُّعُ الرُّخَصِ) بِكُلِّ وُضوحٍ وإيجازٍ هو أنَّه إذا اِختَلَفَ العُلَماءُ في مَسأَلةٍ فَيَجوزُ الأخذُ بِالأهوَنِ على النَّفسِ ولا يَجِبُ الأخذُ بِالأرجَحِ دَلِيلًا!، فَصارَ المُرَجَّحُ في المَسائلِ الخِلافِيَّةِ ليس الدَّلِيلَ وإنَّما الأهوَنُ والأشهَى والأخَفُّ على الذَّاتِ!، بِمَعنَى أنَّ المُكَلَّفَ صارَ مُخَيَّرًا في المَسائلِ الخِلافِيَّةِ بِأَخذِ ما تَهْوَاه نَفسُه ولم يَعُدْ مُكَلَّفًا بِالبَحثِ عنِ الأرجَحِ!، ولا شَكَّ أنَّ هذا باطِلٌ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ إبراهيم-: قالَ اِبنُ عَبْدِالْبَرِّ {لا يَجوزُ لِلْعامِيِّ تَتَبُّعُ الرُّخَصِ إجماعًا}. انتهى]، وأنتم تَسمَعون مِمَّا يُطرَحُ الآنَ وبقُوَّةٍ على الساحةِ مِنَ التَّساهُلِ في الفَتْوَى والتَّيسِيرِ، (فِقْهُ التَّيسِير على الناسِ) مِن هذا البابِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخضير-: مَن فَرْضُه التَّقلِيدُ عليه أنْ يَسألَ أهلَ العِلمِ المَوثوقِين، أهلَ العِلْمِ والتَّحَرِّي والتَّثَبُّتِ والوَرَعِ، لا يَبحَثُ عنِ الرُّخَصِ وعنِ المُتَساهِلِين. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في (شرح الأربعين النووية): قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ {وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ}، يَعْنِي، قد تَذهَبُ إلى مُفْتٍ تَستَفتِيه في شَأْنٍ، ويُفتِيكَ بأنَّ هذا لا بَأَسَ به، ولكنْ يَبْقَى في صَدْرِك التَّرَدُّدُ، والمُفْتِي إنَّما يَتَكَلَّمُ بحَسَبِ الظاهِرِ، يُفْتِي بحَسَبِ ما يَظهَرُ له مِنَ السُّؤَالِ، وقد يكونُ عند السائلِ أشْياءٌ في نَفْسِه لم يُبْدِها، أو لم يَستطِعْ أنْ يُبْدِيَها بوُضُوحٍ، فيَبْقَى هو الحَكَمُ على نَفْسِه، والتَّكلِيفُ مُعَلَّقٌ به، وإناطةُ الثَّوَابِ والعِقَابِ مُعَلَّقةٌ بعَمَلِه هو، فإذا بَقِيَ في نَفْسِه تَرَدُّدٌ وَلَمْ تَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ إلى إبَاحةِ مَن أَبَاحَ له الفِعْلَ، فعليه أنْ يَأخُذَ بما جاءَ في نَفْسِه، مِن جِهةِ أنَّه يَمتَنِعُ عنِ المُشْتَبِهَاتِ أو عَمَّا تَردَّدَ في الصَّدرِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ صالح-: ما يَتَرَدَّدُ في الصَّدرِ ويَحِيكُ فيه ولا يَطْمَئِنُّ إليه القَلْبُ، فيه تَفصِيلٌ؛ (أ)الحالةُ الأُولَى، أنْ يكونَ التَّرَدُّدُ الذي في النَّفْسِ، في شيءٍ جاءَ النَّصُّ بحُسْنِه أو بإباحَتِه أو بالأمْرِ به، هذا من الشَّيْطانِ، لا اعتبارَ لهذا النَّوعِ، شيءٌ دَلَّ القرآنُ الكريمُ أو السُّنَّةُ، على مَشرُوعِيَّتِه، ثم هو يَبْقَى في نَفْسِه تَرَدُّدٌ، فهذا لم يَستَسلِمْ، أو لم يَعْلَمْ حُكْمَ اللهِ جَلَّ وعَلَا، فلا قِيمةَ لهذا النَّوعِ؛ (ب)الحالةُ الثانِيةُ، أنْ يَقَعَ التَّرَدُّدُ مِن جِهَةِ اِختِلافِ المُفْتِين، اِختِلافِ المُجتَهِدِين في مَسألةٍ، فمنهم مَن أَفْتَاه بكذا، ومنهم مَن أَفْتَاه بكذا، فإنَّه يَأخُذُ بفَتْوَى الأعْلَمِ الأفْقَهِ بحالِه؛ (ت)الحالةُ الثالثةُ، وهي التي يَنْزِلُ عليها هذا الحديثُ [أَيْ حديثُ {وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ}]، وهي أنَّه يَستَفْتِي المُفْتِي، فيُفْتِي بشيءٍ لا تَطْمَئِنُّ نَفْسُه لِصَوابِه فيما يَتَعَلَّقُ بحالَتِه، فيَبْقَى مُتَرَدِّدًا، يَخْشَى أنَّه [أَيِ المُفْتِيَ] لم يَفْهَمْ، يقولُ {هذا أَفْتَانِي، لكنَّ المَسألةَ فيها أشياءٌ أُخَرُ لم يَستَبِنْها}، يقولُ {المُفْتِي لم يَستَفصِلْ مِنِّي}، يقولُ {المُفْتِي ما اِستَوعَبَ المَسألةَ مِن جِهاتِها}، فإفْتاءُ المُفْتِي للمُكَلَّفِ لا يَرفَعُ التَّكْلِيفَ عنه في مِثْلِ هذه الحالةِ، وإنَّما يَنْجُو بالفَتْوَى إذا أَوضَحَ مُرادَه بدُونِ الْتبِاسٍ فَوَفَّى، فإنَّه يكونُ قد أَدَّى الذي عليه بسُؤَالِ أهلِ العلمِ امتِثالًا لقولِ اللهِ جَلَّ وعَلَا {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، وأَمَّا إذا لم يُفَصِّلْ [أَيِ المُستَفْتِي]، أو لم يَستَفصِلِ المُفْتِي أو لم يُحسِنْ [أَيِ المُفْتِي] فَهْمَ المَسألةِ فاستَعجَلَ وأَفْتَى، وبَقِي في قَلْبِ المُستَفتِي شيءٌ مِنَ الرَّيْبِ مِنْ جِهَةِ أنَّ المُفْتِيَ لم يَفْهَمْ كَلَامَه، أو لم يَفْهَمْ حالَه، أو أنَّ هناك مِن حالِه ما لم يَستَطِعْ بَيَانَه، فإنَّ هذا يَدْخُلُ في هذا الحديثِ بوُضُوحٍ {فَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ}. انتهى باختصار.

 

(14)وقالَتْ نهى عدنان القاطرجي (الأستاذة في كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية في بيروت) في مقالة لها بعنوان (أساليب التبشير في المدارس وأثرها على الطفل المسلم) على هذا الرابط: يقولُ تَعالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ {إنَّ وِقَايَة الأبناءِ تكونُ بتعليمِهم (الدِّينَ وَالْخَيْرَ وَمَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ مِنَ الأَدَبِ)}، ويُشَدِّدُ الرسولُ عليه الصلاة والسلام على هذه المسؤوليَّةِ بقولِه {كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ}، وهذه المسؤوليَّةُ مُمْكِنٌ أنْ تكونَ بصُورةٍ مُبَاشِرةٍ إذا عَلَّماه اليهوديَّةَ أو النصرانيَّةَ أو المجوسيَّةَ حتى يَدِينَ بها، وتكونُ مسؤوليتُهما غيرَ مُبَاشِرةٍ إذا تَرَكَا تَعْلِيمَه عقيدةَ الإسلامِ ومَعانِيه وتَرَكَاه فَرِيسةً للمُجتَمَعِ الفاسدِ الضَّالِّ الذي تَشِيعُ فيه عَقائدُ الكُفرِ والضلالِ مِن يَهُودِيَّةٍ أو نَصْرَانِيَّةٍ أو مَجُوسِيَّةٍ وغيرِها فيُؤْمِن بها أو يَدِين بها [قلتُ: وكذلك إذا تَرَكَاه فَرِيسةً للمُجتَمَعِ الذي يَشِيعُ فيه شِرْكُ العَلْمَنَةِ والتَّشْرِيعِ والتَّحَاكُمِ، أو شِرْكُ القُبورِ، أو كُفْرُ تَرْكِ الصلاةِ، أو فِكْرُ المُرْجِئَةِ والأَشَاعِرةِ والمَدْرَسَةِ العَقْلِيَّةِ الاعْتِزالِيَّةِ، أو الاسْتِخفافُ بالشريعةِ والاسْتَهْزِاءُ بالمُوَحِّدِين (أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعةِ، الفِرْقةِ الناجِيَةِ، الطائفةِ المَنْصُورةِ، الغُرَبَاءِ، النُّزَّاعِ مِنَ القبائلِ، الْفَرَّارِينَ بِدِينِهِمْ، القابضِين على الجَمْرِ) ومُعَادَاتُهم]... ثم قالت -أَيِ القاطرجي-: وهذه المسؤوليَّةُ التي تَغافَلَ عنها بعضُ الآباءِ، إمَّا بسببِ جَهْلِهم بها، أو مُواكَبَةً للعَصْرِ وتَقلِيدًا للآخَرِين، أَدْرَكَ حَقِيقَتَها علماءُ النَّصارَى فعَمَدُوا إلى إنشاءِ المَدَارِسِ الإرسالِيَّةِ [مَدارِسُ الإرسالِيَّاتِ هي مُؤْسَّساتٌ تعليميَّةٌ (مدارسُ وجامعاتٌ) يُدِيرُها النَّصارَى في العالَمِ الإسلامِيِّ بصُورةٍ مُباشِرةٍ، ومِن أَمْثِلَتِها في مِصْرَ الجامعةُ الأَمْرِيكِيَّةُ ومدارسُ (الفرير، وسانت فاتيما، والفرنسيسكان، والراعي الصالح)] بُغْيَةَ غَرْسِ التعاليمِ النصرانيَّةِ في عُقولِ أطفالِ المسلمِين منذ الصِّغَرِ، وقد أَفْصَحَ مُبَشِّرُوهم في عِدَّةِ مُنَاسَباتٍ عن أهدافِهم هذه، ومِن هؤلاء (جون موط) المُبَشِّرُ النَّصرانِيُّ الذي قالَ {إنَّ الأَثَرَ المُفسِدَ في الإسلامِ يَبْدَأُ باكِرًا جِدًّا، مِن أَجْلِ ذلك يَجِبُ أنْ يُحْمَلَ الأطفالُ الصِّغارُ إلى المَسِيحِ قَبْلَ بُلُوغِهم الرُّشْدَ، قَبْلَ أنْ تَأْخُذَ طَبَائعُهم أَشْكالَها الإسلامِيَّةَ}، ولم يَكْتَفِ هؤلاء بالمَدَارِسِ الإرسالِيَّةِ بَلْ عَمَدُوا إلى فَتْحِ المَدَارِسِ العَلْمانِيَّةِ، بُغْيَةَ إحكامِ السَّيطَرةِ على تَرْبِيَةِ أبناءِ المسلمِين، وتَدْمِيرِ عقيدَتِهم، ذلك لأنَّهم إذا فَشِلُوا في جَذْبِ أبناءِ المسلمِين إلى مدارسِهم وتَلقِينِهم المَبَادِئَ النَّصرانِيَّةَ، فإنهم يكونون على الأَقَلِّ قد حَطَّمُوا مَبَادِئَهم مِنَ الداخِلِ، وهذا ما جاءَ في كلامِ المُبَشِّرِ (زويمر) الذي قالَ {ما دامَ المسلمون يَنْفِرون مِنَ المدارسِ المَسِيحِيَّةِ، فلا بُدَّ أنْ نُنْشِئَ لهم المَدَارِسَ العَلْمانِيَّةَ، ونُسَهِّلَ التِحاقَهم بها، هذه المدارسُ التي تُساعِدُنا على القَضَاءِ على الرُّوحِ الإسلامِيَّةِ عند الطُّلَّابِ}... ثم قالت -أَيِ القاطرجي-: ويَتَحَجَّجُ كثيرٌ مِنَ الآباءِ الذِين يُرسِلُون أبناءَهم إلى الإرسالِيَّاتِ بأنَّ التَّعلِيمَ الدِّينِيَّ في هذه المدارسِ ليس إلزامِيًّا، وأنَّ المسئولِين يَجعلون للطالبِ الحُرِّيَّةَ الكاملةَ في دُخولِ الكنيسةِ أو عدمِ الدُّخولِ، وهذا الأَمْرُ قد يكون صحيحًا، إلَّا أنَّ ما سَهَا عن بالِ هؤلاء الأَهْلِ أنَّ ما يُخَطِّطُ له هؤلاء في تدميرِ عقيدةِ المسلمِ يُمْكِنُ أنْ يَحْصُلوا عليه بوسائلَ مُتَعَدِّدةٍ، ومِن هذه الوسائلِ؛ أَوَّلًا، صِلَةُ الأطفالِ بمُعَلِّمِيهم، إذْ إنَّ المَعروفَ أنَّ الطِّفلَ يَتَأَثَّرُ بالكِبَارِ مِن مُعَلِّمِين وأَهْلٍ، وهذا الأَثَرُ قد يَبْقَى لِفَتْرةٍ طويلةٍ، قد تَمْتَدُّ طَوَالَ عُمُرِه، والطِّفْلُ يُؤْمِنُ بكُلِّ ما يَقُولُه مُعَلِّمُه، لذلك مِنَ الطَّبِيعِيِّ أنَّ قِيَمَ المُعَلِّمِ واتِّجاهاتِه تَتَناقَلُ للتِّلْمِيذِ [قلتُ: وكذلك إذا كان المُعَلِّمُ يَحمِلُ فِكْرَ أَهْلِ البِدَعِ المُنتَسِبِين للإسلامِ -كفِكْرِ المُرْجِئَةِ والأَشَاعِرةِ والمَدْرَسَةِ العَقْلِيَّةِ الاعْتِزالِيَّةِ- فسيَتَناقَلُ فِكْرُه للتلميذِ] بطَرِيقٍ مُباشِرٍ خلالَ المُناقَشاتِ والتَّفسِيراتِ أو التَّعلِيقاتِ والأَوَامِرِ، و[يَكُونُ] أَقَلَّ أَهَمِّيَّةٍ أحيانًا (ما يَقُوله) المُدَرِّسُ بالقِيَاسِ إلى (ما يَفْعَلُه)، فالمُدَرِّسُ يُؤَدِّي وَظِيفةَ القُدْوَةِ أو المِثَالِ النَّمُوذَجِيِّ للصِّغَارِ، إنَّهم يَتَمَثَّلونه ويُحاكُونه ويُحاوِلون الانطِباعَ به؛ ثانيًا، تَعَلُّمُ الأطفالِ مِنْ بَعْضِهِمُ الْبَعْضِ، إذْ يُشَكِّلُ الرِّفَاقُ وَسِيلةً مِنَ الوسائلِ التعليميَّةِ المُهِمَّةِ [قلتُ: وكذلك إذا كان هؤلاء الرِّفَاقُ يَتَرَبَّوْنَ في بِيئَةٍ تَحمِلُ فِكْرَ أَهْلِ البِدَعِ المُنتَسِبِين للإسلامِ، كَفِكْرِ المُرْجِئَةِ (الذي يَبُثُّه "أَدْعِيَاءُ السلفيَّةِ" في مَساجِدِهم ومَدارِسِهم وقَنَواتِهم ومَواقِعِهم) وَفِكْرِ الأَشَاعِرةِ (الذي يَبُثُّه "الأَزْهَرِيُّون" في مَساجِدِهم ومَدارِسِهم وقَنَواتِهم ومَواقِعِهم) وَفِكْرِ المَدْرَسَةِ العَقْلِيَّةِ الاعْتِزالِيَّةِ (الذي يَبُثُّه "الإخْوانُ المُسلِمون" في مَساجِدِهم ومَدارِسِهم وقَنَواتِهم ومَواقِعِهم)، فسيَحْمِلُ هؤلاء الرِّفَاقُ هذا الفِكْرَ وسيَنتَقِلُ فِكْرُهم للتلميذِ، مِمَّا سَيُساهِمُ في تَكْثِيرِ سَوَادِ أَهْلِ الضَّلَالِ وتَقْوِيَةِ قُلُوبِهم في مُوَاجَهَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعةِ (الفِرْقةِ الناجِيَةِ، الطائفةِ المَنْصُورةِ، الغُرَبَاءِ، النُّزَّاعِ مِنَ القبائلِ، الْفَرَّارِينَ بِدِينِهِمْ، القابضِين على الجَمْرِ)]؛ ثالثًا، استغلالُ الوسائلِ كافَّةً مِن أَجْلِ بَثِّ التَّعالِيمِ الدِّينِيَّةِ، ومِن هذه الوسائلِ (الطابُورُ الصَّبَاحِيُّ)، حيث يَجتَمِعُ الأطفالُ في باحَةِ المَلْعَبِ قبلَ الصُّعودِ إلى الصَّفِّ، ويَستمعون إلى تَوجِيهاتِ الراهِبةِ أو الكاهِنِ، حيث يقومُ هؤلاء باستغلال بعضِ المُناسَباتِ الدِّينِيَّةِ مِن أَجْلِ التَّعرِيفِ بالدِّينِ المَسِيحِيِّ وبَثِّ أفكارِهم؛ رابِعًا، استغلالُ النَّشاطاتِ المدرسيَّةِ مِن أَجْلِ القِيَامِ ببَثِّ الأفكارِ المسيحِيَّةِ في أَذْهانِ الطُّلَّابِ، ومِن هذه النَّشاطاتِ الرِّحْلَاتُ المدرسيَّةُ إلى الأماكِنِ الدِّينِيَّةِ، كمَزَارِ (سَيِّدَةِ حريصا) في لُبْنَانَ مَثَلًا، حيث تُبَثُّ هناك بعضُ التعاليمِ المُخالِفةِ للدِّينِ الإسلامِيِّ، كالحدِيثِ عنِ السِّيرةِ المُحَرَّفةِ للسَيِّدةِ مَرْيَمَ العَذْراءِ عليها السلامُ، وقد تَجعَلُ الطِّفلَ يَعتَقِدُ أنَّها قادرةٌ على جَلْبِ المَنفَعةِ أو دَفْعِ الضَّرَرِ، ومِن هذه النَّشاطاتِ أيضًا الأَفْلَامُ السِّينَمائِيَّةُ التي تَتَحَدَّثُ عن سِيرةِ المسيحِ عليه السلامُ ومُعجِزاتِه؛ خامِسًا، جَهْلُ الآباءِ بالعقيدةِ الإسلامِيَّةِ الصحيحةِ وبالتالي انصِرافُهم عن تعليمِها لأبنائهم، يَجعَلُ الطِّفلَ يُصَدِّقُ كُلَّ ما يُخْبِرُه به الطَّرَفُ الآخَرُ، لِسُهولةِ حُصُولِه عنده على أَجْوِبَةِ الأسئلةِ التي لا يَجِدُها عند أَهْلِه... ثم قالَتْ -أَيِ القاطرجي-: إلى هؤلاء [أَيِ الذِين يُرسِلُون أبناءَهم إلى المدارسِ النَّصرانِيَّةِ] نقولُ، قد حَذَّرَ اللهُ تعالى مِن هذا الفِعْلِ بقولِه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ}، وقالَ تَعالَى {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}. انتهى باختصار.

 

(15)وقالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في مقالة له على هذا الرابط: فمَعلومٌ أنَّ الدُّوَلَ وطَواغِيتَها لا يُنْشِئُون المدارسَ كعَمَلٍ صالحٍ أو كصَدَقةٍ جارِيَةٍ أو لِهَدَفِ التعليمِ المُجَرَّدِ والبَرِيءِ، بَلْ جَمِيعُ الأَنْظِمةِ في العالَمِ تَتَوَّلَى أَمْرَ التعليمِ لِتُحَقِّقَ مِن خِلَالِه ما تُرِيدُه مِن أهدافٍ. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي أيضًا في (إعدادُ القادةِ الفوارسِ بهجرِ فسادِ المدارسِ): مِنَ الأُمُورِ المَشهورةِ عند كِبَارِ التَّربَوِيِّين، أنَّ المناهجَ- ليس في هذه الدُّوَيلةِ [يَعْنِي دَولةَ الكُوَيْتِ] فَقَطْ، بَلْ وعلى مُستَوَى العالَمِ كُلِّه- دائمًا تُستَغَلُّ استِغلالًا كبيرًا في تحقيقِ مَآرِبِ الحُكوماتِ وأهدافِها ورَغَباتِها؛ يقولُ الدكتورُ أبو الفتوح رضوان (وهو مِنَ القُدامَى العامِلِين في مَجَالِ التَّربِيَةِ والتعليمِ)، في مقالٍ له بعنوان (الكتابُ المَدرَسِيُّ بين القَومِيَّةِ والعالَمِيَّةِ) {تَنَبَّهَتْ كُلُّ الأُمَمِ تقريبًا مِن زَمَنٍ طويلٍ إلى أَهَمِيَّةِ الكتابِ المَدرَسِيِّ، واعتَبَرَتْه مِن أَقْوَى الوسائلِ في تَشكِيلِ عَقلِيَّةِ التلاميذِ، ولَجَأتْ إلى استخدامِه في تحقيقِ مَفاهِيمِها القَومِيَّةِ في عُقولِ المُواطِنِين، وبِنَاءِ العَواطِفِ الوَطَنِيَّةِ في قُلوبِهم، ولَيْتَ الأَمْرَ اقتَصَرَ على ذلك، بَلْ إنَّ مِنَ الأُمَمِ مَن عَمِلَتْ على بَدْءِ المَعرَكةِ بينها وبين أعدائها مِن الدُّوَلِ، في مَيدانِ الكِتابِ المَدرَسِيِّ أَوَّلًا، فعَمِلَتْ على استخدامِه لإشاعةِ الكُرْهِ والبُغْضِ في نُفوسِ مُواطِنِيها ضِدَّ مَن تُعادِيهم مِنَ الأُمَمِ}، ومَضَى [أَيْ أبو الفتوح رضوان] يُعَدِّدُ الأَمْثِلةَ على ذلك مِن دُوَلٍ عديدةٍ في حُروبِها، ثم قالَ {وحتى حينما يَتَغَيَّرُ نِظَامُ حُكْمٍ ما في بَلَدٍ، أو عند غِيَابِ حاكمٍ وقُدومِ آخَرَ، فإنَّ هذه المناهجَ تَتَعَدَّلُ للمَدحِ والثَّناءِ على الحُكْمِ والحاكِمِ الحالِيِّ وللطَّعْنِ في العَهدِ السابقِ واتِّهامِه بالرَّجْعِيَّةِ وغيرِ ذلك}؛ ويَذْكُرُ الشيخُ أبو الحسن الندوي [عضوُ المجلس الاستشاري الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وقد تُوُفِّيَ عامَ 1420هـ] وهو يَتَكَلَّمُ حولَ موضوعِ التَّربِيَةِ والمَدرَسةِ [في كتابِه (كيف ينظر المسلمون إلى الحجاز وجزيرة العرب)] أنَّ {كُلَّ شَعْبٍ مِن شُعوبِ العالَمِ، إنَّما يَصُوغُ نِظَامَه التعلِيمِيَّ وَفْقَ نَظَرِيَّةِ الحَيَاةِ التي يُؤْمِنُ بها}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: ويَقولُ عجيل النشمي [عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت] في كتاب له [بعنوان (سمات التربية الإسلامية وطرقها)] {إنَّ المناهجَ الأرضِيَّةَ التَّربَوِيَّةَ -شَرقِيَّةً كانت أَمْ غَربِيَّةً- تَتَّفِقُ على هَدَفٍ واحدٍ في مناهجِها، وهو إعدادُ (المُواطِنِ الصالحِ)، وذلك على اختلافِ هذه المناهجِ في صِيغةِ هذا المُواطِنِ وصِبغَتِه؛ فقد يكونُ هو الإنسانَ الذي يُقَدِّسُ العَمَلَ والإنتاجَ؛ وقد يكونُ [هو] الإنسانَ الذي يَكْفُرُ برَبِّه ويُؤْمِنُ ويُقَدِّسُ حِزْبَه، فإذا صارَ إلى عَكْسِ ذلك أَصبَحَ مُجْرِمًا لا يَستَحِقُّ صِفةَ المُوَاطِنِيَّةِ الصالِحةِ؛ وقد يكونُ هو الإنسانَ الذي يَتَعَصَّبُ لِجِنسِه وأَصْلِه، فَيَرَى غيرَه واطِيًا دَنِيًّا [لا يَستَحِقُّ سِوَى أَنْ يَكُونَ خادِمًا ومُسَخَّرًا له]؛ وهكذا تَتَنَوَّعُ المُوَاطِنِيَّةُ الصالِحةُ حَسَبَ رَغْبةِ وأهواءِ تلك العُقُولِ الْمُرَبِّيَةِ، وعلى ذلك فالذي يَقُومُ بِالفَتْكِ بالآخَرِين واتِّباعِ كُلِّ سُبُلِ الإجْرامِ والظُّلمِ والطُّغيَانِ على غيرِه مِنَ الأفرادِ والجَماعاتِ أو حتى الشُّعوبِ يُعتَبَرُ مُواطِنًا صالِحًا في نَظَرِ دَولَتِه ما دامَ يُحَقِّقُ نَفْعًا وصَلاحًا لتلك الدَّولةِ [قلتُ: انْظُرْ مَثَلًا إلى صِفاتِ مَن تُسَمِّيهِمُ الحكوماتُ العَرَبِيَّةُ في وسائلِ إعلامِها بـ (المُواطِنِين الشُّرَفاءِ)، فهذه الصِّفاتُ هي نَفْسُها الصِّفاتُ التي تَعْمَلُ هذه الحكوماتُ على صِبْغَةِ طُلَّابِ المَدارسِ بها]، وقِسْ على هذا أُمَمَ الأرضِ اليومَ، فكُلُّها تَشْتَرِكُ في هذا}؛ فالمناهجُ المَدرَسِيَّةُ إذَنْ مِرْآةٌ تَعْكِسُ وتَنْقُلُ فَسَادَ النِّظامِ الحاكِمِ وانحرافاتِه وباطِلَه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: يَقولُ المُرَبِّي الشيخُ محمد أمين المصري [رئيس الدراسات العليا في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة] رَحِمَه اللهُ تعالَى {غَرَضُ التَّربِيَةِ الحديثةِ إنشاءُ أَتْباعٍ أَقْوِيَاءَ يَتَعَصَّبون لحُكوماتِهم، إنَّ التَّربِيَةَ الحديثةَ تَمُدُّ الفَرْدَ بكُلِّ ما تَستَطِيعُ أنْ تَمُدَّه، وتُنَمِّي كُلَّ ما لَدَيهِ مِن استعداداتٍ، ولكنَّ ذلك ليس في سَبِيلِه [أَيْ سَبِيلِ الفَرْدِ] وَحْدَه بَلْ في سَبِيلِ المُجتمَعِ الذي يَعِيشُ فيه، وهكذا يَتَرَبَّى الفَرْدُ في المُجتمَعِ الشُّيُوعِيِّ وتُنَمَّى كُلُّ استعداداتِه لِخِدمةِ المُجتمَعِ الشُّيُوعِيِّ، ويَتَرَبَّى الفَرْدُ في المُجتمَعِ الدِّيمُقْراطِيِّ وتُنَمَّى كُلُّ استعداداتِه لِخِدمةِ المُجتمَعِ الدِّيمُقْراطِيِّ} [قالَ الشيخُ أنور بن قاسم الخضري (رئيس مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث) في مقالةٍ له على هذا الرابط: إنَّ السِّياسةَ مُحَرِّكُ الحَيَاةِ العامَّةِ لأيِّ مُجتَمَعٍ، فهي مَصدَرُ القَوَانِين، والمَناهِجِ التَّرْبَوِيَّةِ، والرِّسالةِ الإعلامِيَّةِ، التي يَتَحاكَمُ النّاسُ إليها، ويَتَرَبَّوْنَ عليها، ويَتَلَقَّفُونها، وهي [أَيِ السِّياسةُ] صائغةُ الوَعْيِ والثَّقافةِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ معتز الخطيب (أستاذ فلسفة الأخلاق في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة) في مقالة بعنوان (المَناهِجُ الدِّراسِيَّةُ بين السِّيَاسةِ والأَيْدِيُولُوجْيَا، والمَعرِفةِ) على موقعِ قناة الجزيرة الفضائية (القَطَرِيَّة) في هذا الرابط: يَتَرَدَّدُ بين الحينِ والآخَرِ الحَدِيثُ عن تَعدِيلِ أو تَغيِيرِ أو تَصحِيحِ المَناهِجِ الدراسيةِ، وخاصة في ظِلِّ التَّحَوُّلاتِ أو التَّقَلُّباتِ السِّياسيةِ، وهذا المَلَفُّ [أَيِ المَوضوعُ] يثير السؤالَ عنِ العَلَاقَةِ بين المناهج الدراسية ومُتَطَلَّباتِ التعليم والمعرِفة مِن جِهةٍ وتَفاعُلاتِ كُلٍّ مِنَ السياسةِ والأَيْدِيُولُوجْيَا [أَيْ مَجموعةِ الآراءِ والأفكارِ والعقائدِ التي يُؤْمِنُ بها شَعْبٌ أو أُمَّةٌ أو حِزبٌ أو جَماعةٌ] مِن جِهةٍ أُخرَى، وعن أثَرِ نظامِ الحكم والتَّغَيُّراتِ السياسيةِ في المناهج الدراسية؛ وبَعِيدًا عنِ الصِّيَاغاتِ المُتَخَصِّصةِ لِلمُقَرَّراتِ الدراسيةِ التي تَتِمُّ لأغراضٍ مَعرِفِيَّةٍ أو تعليمية وتربوية، يَتَّخِذُّ التَّدَخُّلُ في المُقَرَّراتِ الدراسية إمَّا صِيغةَ التَّدَخُّلِ السِّيَاسِيِّ أو التَّدَخُّلِ الأَيْدِيُولُوجِيِّ (قَومِيٍّ، أو إسلامِيٍّ، أو عَلْمَانِيٍّ)... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخطيب-: فَبَعْدَ الثَّوْراتِ [يَعنِي ما سُمِّيَ بـ (ثَوْراتِ الرَّبِيعِ العَرَبِي)] أُنشِئَتْ في بعض الدُّوَلِ مُقَرَّراتٌ [دِراسِيَّةٌ] مُستَقِلَّةٌ عنِ النِّظامِ الرَّسمِيِّ [الذي سَبَقَ الثَّورةَ]، بحيث تُعَبِّرُ [أَيْ تلك المُقَرَّراتُ] عن حالة الانفِصالِ والقَطِيعةِ مع النِّظامِ السابِقِ، ففي المَناطِقِ السُّورِيَّةِ المُحَرَّرةِ [أَيْ مِن قَبضةِ نِظامِ (بشار الأسد) البَعْثِيِّ] مَثَلًا تَمَّتِ القَطِيعةُ مع كُلِّ ما يَمُتُّ إلى نظام (البَعْثِ) بِصِلَةٍ [في] المُقَرَّراتِ التعليميةِ، وذلك رَدٌّ على الصِّياغةِ (القَومِيَّةِ البَعثِيَّةِ) للمناهج التعليمية، وكانت هناك دَعواتٌ في السُّودانِ لِتَغيِيرِ المناهج، بِحُجَّةِ تَنقِيَتِها مِنَ الآثارِ (الإخوانِيَّةِ) التي وَقَعَتْ خِلالَ فترة حُكمِ الرئيسِ (عُمَرَ البشير)... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخطيب-: ويُمكِنُ أنْ نَذكُرَ هنا سَعْيَ نِظامِ الرئيسِ (السيسي [حاكِمِ مِصْرَ]) لِتَعدِيلِ المناهج -وذلك في سِيَاقِ مُحارَبَتِه لِلإخوانِ المُسلِمِين وقَمْعِ أَيِّ مُعارَضةٍ مُمكِنةٍ- ولِصِيَاغةِ مُقَرَّراتٍ دِراسِيَّةٍ على صُورَتِه، كَما أنَّ (قُوَّاتِ سُورِيَا الدِّيمُقْراطِيَّةِ "قسد") وَجَدَتْ فُرصةً لِلتَّدَخُّلِ في المُقَرَّراتِ الدِّراسِيَّةِ لِلمَناطِقِ الواقِعةِ تحت سَيطَرَتِها، لِتَثبِيتِ أَيْدِيُولُوجِيَّتِها القَومِيَّةِ الْكُرْدِيَّةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخطيب-: وتَتِمُّ التَّدَخُّلاتُ السياسيةُ في المُقَرَّراتِ [الدِّراسِيَّةِ] لِخِدمةِ هَدَفَين رَئيسَين، ما يُسَمَّى الإرهابَ والتَّطَرُّفَ مِن جِهةٍ، وإسرائيلَ خاصَّةً واليَهودَ عامَّةً مِن جِهةٍ أُخرَى... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخطيب-: إنَّ القائمِين على عَمَلِيَّات تَغيِير المناهج أو مَن يُصَرِّحون بِشَأْنِها، بَعضَهم يَنتَمِي إلى لَجنةِ الدِّفاعِ كما في مِصرَ والإماراتِ مَثَلًا، وبَعضَهم وُزَراءُ داخِلِيَّةٍ كما [في] العراق مَثَلًا، أَيْ إنَّ المَسأَلةَ أمنِيَّةٌ مِن مَنظورِ هذه الأنظِمةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخطيب-: والمَسأَلَتان السابِقَتان [يَعنِي الهَدَفَين الرَّئيسَين السابِقَ ذِكرُهما] (ما يُسَمَّى الإرهابَ، وإسرائيلُ) تَتَقاطَعان مع مَجالاتٍ عِدَّةٍ، فِقهِيَّةٍ (كَمَسائلِ الجِهادِ)، وعَقَدِيَّةٍ (كَمَسائلِ الكُفرِ والإيمانِ، والوَلاءِ والبَراءِ)، وتارِيخِيَّةٍ (كَوقائعَ مِنَ السِّيرةِ النَّبَوِيَّةِ)، فهنا لا يَتِمُّ التَّدَخُّلُ لِصِيَاغةِ مُواطِنٍ صاحِبِ حُقوقٍ، ولا لِتَعزِيزِ الحُرِّيَّاتِ أو التَّفكِيرِ النَّقدِيِّ، أو ما شابَهَ، لِأنَّ هذه مَسائلُ تَصُبُّ في مَصلَحةِ المُتَعَلِّمِين أوَّلًا، وتَضُرُّ بِمَصالِحِ النِّظامِ الحاكِمِ مِن جِهةٍ، وبِمَصالِحِ القُوَى المُهَيْمِنةِ مِن جِهةٍ أُخرَى والتي تَسعَى لِوَأدِ مُقاوَمةِ الشُّعوبِ أو أنْ يَكونَ لها [أَيْ لِلشُّعوبِ] مَصالِحُ مُستَقِلَّةٌ بحيث تَخرُجُ مِن دائرةِ التَّبَعِيَّةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخطيب-: نَجِدُ أنَّ الدَّولةَ الوَطَنِيَّةَ بِالمفهومِ الحديثِ تَسعَى إلى بِناءِ إنسانِ الحُقوقِ والواجِباتِ، والتعليمُ هو الفَضاءُ الذي يَستَكشِفُ ويُنَمِّي طاقاتِ المُواطِنِ ويَصُوغُه لِيَكونَ فَردًا صالِحًا في هذه الدَّولةِ؛ في حين أنَّ الأنظِمةَ الاستِبدادِيَّةَ مَحكومةٌ بأَيْدِيُولُوجْيَا الحِزبِ الحاكِمِ التي يَتِمُّ فَرضُها على المُقَرَّرِ الدِّراسِيِّ، كَما أنَّ التعليمَ يَتَحَوَّلُ تحت هذه الأنظِمةِ إلى فَضاءٍ لِلسَّيطَرةِ وصِيَاغةِ المُواطِنِ الخاضِعِ والمُدَجَّنِ [أَيِ المُستَأنَسِ الألِيفِ المُرَوَّضِ]، لِأنَّ التعليمَ يَتَحَوَّلُ إلى جُزءٍ مِنَ المَنظومةِ الأمنِيَّةِ لِلنِّظامِ الحاكِمِ، ومِن هنا يَحرِصُ [أَيِ النِّظامُ الحاكِمُ] على السَّيطَرةِ على مُؤَسَّساتِ الدَّولةِ (وخاصَّةً وِزاراتِ التَّربِيَةِ والتَّعلِيمِ، والأوقافِ) التي تَعمَلُ رَدِيفًا لِوِزاراتِ الداخِلِيَّةِ ومُؤَسَّساتِ الأمنِ، وكُلُّها تَهدِفُ إلى تَأمِينِ أمنِ النِّظامِ بِوَسِيلَتَين، وَسائلِ القُوَّةِ المادِّيَّةِ والتَّخوِيفِ بها، ووَسائلِ القُوَّةِ الرَّمزِيَّةِ المُتَمَثِّلةِ في المُؤَسَّساتِ الدِّينِيَّةِ والتَّعلِيمِيَّةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخطيب-: إنَّ نِظامَ التَّعلِيمِ في الأنظِمةِ الدِّيمُقْراطِيَّةِ هو نِظامُ رِعايَةٍ وتَربِيَةٍ لِصِيَاغةِ مُواطِنِ الحُقوقِ والواجِباتِ، أَيْ مُواطِنٍ له كَينُونةٌ وصاحِبِ حُقوقٍ، وتَربِطُه عَلاقةٌ وُدِّيَّةٌ بِالمؤسسةِ التعليميةِ لِأنَّها تَستَخرِجُ طاقاتِه ويَجِدُ فيها مُتعَتَه ويُمارِسُ هِواياتِه؛ في حين أنَّ نِظامَ التعليمِ في الأنظِمةِ الاستِبدادِيَّةِ هو نِظامُ ضَبطٍ وتَحَكُّمٍ لِصِيَاغةِ المُواطِنِ الخاضِعِ. انتهى باختصار]؛ وهذا هو تمامًا ما يَحدُثُ في مَدارِسِ هذه الحُكوماتِ، فإنَّ هَدَفَ هذه المَناهجِ الأَسْمَى وغايَتَها العُلْيَا إعدادُ جِيلٍ مِنَ الناسِ المُخلِصِين لِحُكوماتِهم المُوَالِين لِطَوَاغِيتِها المُعتَرِفِين بأَفْضالِها المَزعومةِ، الخانِعِين الخاضِعِين لِقَوَانِينِها. انتهى باختصار.

 

(16)قالَ مصطفى صبري (آخِرُ مَن تَوَلَّى مَنْصِبَ "شيخ الإسلام" في الدولةِ العثمانيةِ، وكان صاحبُ هذا المَنْصِبِ هو المُفْتِي الأكْبَرَ في الدولةِ) في (مَوقِفُ العَقلِ والعِلمِ والعالَم مِن رَبِّ العالَمِين وَعِبادِه المُرسَلِين): هذا الفَصْلُ [أَيْ فَصْلُ الدِّينِ عنِ السِّيَاسةِ] مُؤامَرةٌ بِالدِّينِ لِلقَضاءِ عليه، وقد كان في كُلِّ بِدعةٍ أحدَثَها المِصرِّيون الْمُتَفَرْنِجونَ في البلاد الإسلامية كَيْدٌ لِلدِّينِ ومُحاوَلةُ الخُروجِ عليه، لكنَّ كَيْدَهم في فَصلِه عنِ السياسةِ أدهَى وأشَدُّ مِن كُلِّ كَيْدٍ في غيرِه، فهو اِرتِدادٌ عنه، مِنَ الحكومة أَوَّلًا ومِنَ الأُمَّةِ ثانِيًا، إنْ لم يَكُنْ بِارتِدادِ الداخِلِين في حَوزةِ تلك الحُكومةِ [حَوزةُ الحُكومةِ هي جَمِيعُ الأراضِي التي تَحكُمُها] بِاعتِبارِهم أفرادًا، فَبِاعتِبارهِم جَماعةً وهو أقصَرُ طَرِيقٍ إلى الكُفرِ مِنِ اِرتِدادِ الأفرادِ، بَلْ إنَّه يَتَضَمَّنُ اِرتِدادَ الأفرادِ أيضًا لِقُبولِهم الطاعةَ لتلك الحُكومةِ المُرتَدَّةِ... ثم قالَ -أَيْ مصطفى صبري-: وماذا الفَرْقُ بين أنْ تَتَوَلَّى الأمرَ في البِلادِ الإسلامِيَّةِ حُكومةٌ مُرتَدَّةٌ عنِ الإسلامِ وبين أنْ تَحتَلَّها حُكومةٌ أَجْنَبِيَّةٌ عنِ الإسلامِ [قالَ مصطفى صبري هُنَا مُعَلِّقًا: مَدَارُ الفَرْقِ بين دارِ الإسلامِ ودارِ الحَربِ على القانونِ الجارِي أحكامُه في تلك الدِّيَارِ، كَما أنَّ فَصْلَ الدِّينِ عنِ السِّيَاسةِ مَعناه أنْ لا تكونَ الحُكومةُ مُقَيَّدةً في قَوانِينِها بِقَواعِدِ الدِّينِ. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (إعدادُ القادةِ الفوارسِ بهجرِ فسادِ المدارسِ): فَمَا الفَرْقُ بين طاغوتٍ إِنْجِلِيزِيٍّ وآخَرَ عَرَبِيٍّ؟!. انتهى]، بَلِ المُرتَدُّ أَبعَدُ عنِ الإسلامِ مِن غَيرِه وأَشَدُّ، وتَأثِيرُه الضارُّ في دِينِ الأُمَّةِ أكثَرُ، مِن حيث أنَّ الحُكومةَ الأَجْنَبِيَّةَ لا تَتَدَخَّلُ في شُؤونِ الشَّعبِ الدِّينِيَّةِ وتَترُكُ لهم جَماعةً فيما بينهم تَتَوَلَّى الفَصْلَ في تلك الشُّؤونِ [قالَ الشَّوْكَانِيُّ في (السيل الجرار): ودارُ الإسلامِ ما ظَهَرَتْ فيها الشَّهَادَتَانِ والصَّلاةُ، ولم تَظهَرْ فيها خَصلةٌ كُفرِيَّةٌ ولو تَأوِيلًا إلَّا بِجِوارٍ [أَيْ إلَّا بِذِمَّةٍ وأمانٍ. قالَه حسين بن عبدالله العَمّري في كِتابِه (الإمام الشوكاني رائد عصره). وقالَ الشيخُ صِدِّيق حَسَن خَان (ت1307هـ) في (العبرة مما جاء في الغزو والشهادة والهجرة): كإظهارِ اليَهودِ والنَّصارَى دِينَهم في أمصارِ المُسلِمِين. انتهى] وإلَّا فَدارُ كُفْرٍ... ثم قالَ -أَيِ الشَّوْكَانِيُّ-: الاعتِبارُ [أَيْ في الدارِ] بِظُهورِ الكَلِمةِ، فإنْ كانَتِ الأوامِرُ والنَّواهِي في الدارِ لِأهلِ الإسلامِ بحيث لا يَستَطِيعُ مَن فيها مِنَ الكُفَّارِ أنْ يَتَظاهَرَ بِكُفرِه إلَّا لِكَونِه مَأذونًا له بذلك مِن أهلِ الإسلامِ فهذه دارُ إسلامٍ، ولا يَضُرُّ ظُهورُ الخِصالِ الكُفرِيَّةِ فيها، لِأنَّها لم تَظهَرْ بِقُوَّةِ الكُفَّارِ ولا بِصَولَتِهم كَما هو مُشاهَدٌ في أهلِ الذِّمَّةِ مِنَ اليَهودِ والنَّصارَى والْمُعَاهَدِينَ الساكِنِين في المَدائنِ الإسلامِيَّةِ، وإذا كانَ الأمرُ العَكْسَ فالدارُ بِالعَكْسِ. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (التنبيهات على ما في الإشارات والدلائل من الأغلوطات): إنَّ مَناطَ الحُكمِ على الدَّارِ راجِعٌ عند الجَمهورِ إلى الأحكامِ المُطَبَّقةِ فيها والمُنَفِّذِ لها... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: لا بُدَّ عند وَصفِ دارِ الإسلامِ مِن أنْ يَكونَ نِظامُ الحُكمِ فيها إسلامِيًّا [وَ]أنْ تَكونَ سُلطةُ الحُكمِ فيها لِلمُسلِمِين، فَإذا كانَتِ السُّلطةُ والأحكامُ المُطَبَّقةُ لِلكُفَّارِ كانَتِ الدَّارُ دارَ كُفرٍ، وإنْ كانَ حُكمُ المُسلِمِين هو النَّافِذَ كانَتْ دارَ إسلامٍ، ولا عِبرةَ بِكَثرةِ المُسلِمِين ولا المُشرِكِين في الدَّارِ لِأنَّ الحُكمَ [أيْ على الدَّارِ] تَبَعٌ لِلحاكِمِ والأحكامِ النافِذةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ ظُهورَ الكُفرِ في دارِ الإسلامِ بِجِوارٍ لا يُغَيِّرُ مِن حُكمِ الدَّارِ شَيئًا، كَما أنَّ ظُهورَ شعائرِ الإسلامِ في دارٍ بِيَدِ الكُفرِ بِجِوارٍ منهم أو لِعَدَمِ تَعَصُّبٍ (كَما هو الحالُ الآنَ في كَثِيرٍ مِنَ البُلدانِ) لا يُغَيِّرُ مِن حُكمِ الدَّارِ أيضًا. انتهى باختصار]، ومِن حيث أنَّ الأُمَّةَ لا تزال تَعتَبِرُ الحُكومةَ المُرتَدَّةَ عن دِينِها مِن نَفْسِها [أَيْ مِن نَفْسِ الأُمَّةِ] فَتَرْتَدَّ [أَيِ الأُمَّةُ] هي أيضًّا معها تَدرِيجِيًّا؛ وربما يَعِيبُ هذا القَولَ [أَيِ القَولَ بِأَنَّ الحُكومةَ المُرتَدَّةَ أَضَرُّ على دِينِ الأُمَّةِ مِنَ الحُكومةِ الأَجْنَبِيَّةِ المُحْتَلَّةِ] عَلَيَّ مَن لا خَلَاقَ له في الإسلامِ الصَّمِيمِ، والعائبُ يَرَى الوَطَنَ فَقَطْ فَوقَ كلِّ شَيءٍ، مع أن المُسلِمَ يَرَى الوطنَ مع الإسلام فهو يَتَوَطَّنُ مع الإسلامِ ويُهاجِرُ معه... ثم قالَ -أَيْ مصطفى صبري-: فتُرْكِيَا كُلُّها ببلادِها وسُكَّانِها خَرَجَتْ بَعْدَ حُكومةِ الْكَمَالِيِّينَ [نِسْبَةً إلى مصطفى كمال أتاتُورك، قائدِ الحركةِ التُّرْكِيَّةِ الوَطَنِيَّةِ، ومُؤَسِّسِ الجُمْهُورِيَّةِ التُّرْكِيَّةِ، الْمُتَوَفَّى عامَ 1938م). وقد جاء في موسوعة المذاهب الفكرية المعاصرة (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ عَلوي بن عبدالقادر السَّقَّاف): الحكومة الْكَمَالِيَّةُ أَلْغَتِ الخلافةَ العثمانيةَ سنةَ 1924م. انتهى باختصار] مِن يَدِ الاسلامِ... ثم قالَ -أَيْ مصطفى صبري-: نَرَى فضيلةَ الأستاذَ الأكبرَ المراغي شيخ الجامع الأزهر يقول في كلمةٍ منشورةٍ عنه في الجرائد ما مَعناه {إنَّ في إمكانِ أَيِّ حُكومةٍ إسلاميَّةٍ أنْ تَخرُجَ عن دِينِها فَتُصبِحَ حُكومةً لا دِينِيَّةً، وليس في هذا مانِعٌ مِن أنْ يَبْقَى الشعبُ على إسلامِه كما هو الحالُ في تُرْكِيَا الجَدِيدةِ [يَعنِي بَعْدَ إعلانِ قِيَامِ الجُمْهُورِيَّةِ التُّرْكِيَّةِ وإعلانِ إلغاءِ الخِلافةِ العثمانيةِ]}، والأستاذُ الأكبرُ ليس في حاجةٍ إلى الفَحصِ عنِ النَّشْءِ الجَدِيدِ التُّرْكِيِّ المُتَخَرِّجِ على مَبادئِ الحُكومةِ الْكَمَالِيَّةِ التي اِعتَرَفَ الأستاذُ الآنَ بأنَّها حُكومةٌ لا دِينِيَّةٌ، ولا في حاجةٍ إلى التَّفكِيرِ في كَونِ الشَّعبِ التُّرْكِيِّ القَدِيمِ المُسلِمِ يَفنَي يَومًا عن يَومٍ ويَخْلُفُه هذا النَّشْءُ الجَدِيدُ اللادِينِيُّ، ليس فَضِيلَتُه في حاجةٍ إلى الفَحصِ عن هذه الحَقِيقةِ المُرَّةِ إذْ لا يَعْنِيهِ حالَ التُّرْكِ ومَآلِهم مُسلِمِين أو غَيْرَ مُسلِمِين ولا حالَ الإسلامِ المُتَقَلِّصِ ظِلُّه عن بلادِهم بِسُرعةٍ فَوْقَ التَّدرِيجِ، حتى أنَّ الأُسْتَاذَ لا يَعْنِيهِ تَبِعَةُ الفَتْوَى التي تَضَمَّنَها تَعَزِّيه بِبَقاءِ الشَّعْبِ على إسلامِه مع اِرتِدادِ الحُكومةِ في تُرْكِيَا، والتي تَفتَحُ البابَ لِأنْ يَقولَ قائلٌ {إنَّ الحُكومةَ ما دامَتْ يَنحَصِرُ كُفْرُها في نَفسِها ولا يُعْدِي الشَّعْبَ، فَلا مانِعَ مِن أنْ تَفعَلَ حُكومةُ مِصرَ -مَثَلًا- ما فَعَلَتْه حُكومةُ تُرْكِيَا مِن فَصْلِ الدِّينِ عنِ السِّيَاسةِ، بِمَعنَى أنَّه لا يُخافُ مِنْه [أَيْ مِنَ الفَصْلِ] على دِينِ الشَّعْبِ}، كَأَنَّ الدِّينَ لازِمٌ لِلشَّعْبِ فَقَطْ لا لِلحُكومةِ، مع أنَّ الحُكومةَ لَيْسَتْ إلَّا مُمَثِّلةَ الشَّعْبِ -أو وَكِيلَتَه- التي لا تَفعَلُ غَيْرَ ما يَرضاه، فإذا أَخرَجَها أفعالُها عنِ الدِّينِ فَلَا مَنْدُوحَةَ [أَيْ فَلَا مَفَرَّ] مِن أنْ يَخرُجَ مُوَكِّلُها أيضًا لِأنَّ الرِّضَا بالكُفْرِ كُفْرٌ، وهذا ما يَعودُ إلى الشَّعْبِ مِن فِعْلِ الحكومةِ فَحَسْبُ، فَضْلًا عَمَّا يَفعَلُ الشَّعْبُ نَفْسُه بَعْدَ فِعْلِ الحُكومةِ الفاصِلِ بين الدِّينِ والسِّيَاسةِ ويَخرُجُ به عنِ الدِّينِ -وَلَوْ في صُورةِ التَّدرِيجِ- اِقتِداءً بِحُكومَتِه التي يَعُدُّها مِن نَفْسِه. انتهى باختصار.

 

(17)وقالَ الشيخُ سعيد بن مسفر (الحاصل على "الدُّكْتُورَاة" في العقيدة من جامعة أم القرى بمكة المكرمة) في كتابِ (دروس للشيخ سعيد بن مسفر): يَقُولُ أَحَدُ العُلماءِ {إلى اللهِ نَشْكُوا جُهُودًا نَبْذُلُها في تَربِيَةِ أبنائنا، تَذْهَبُ بها المَدْرسَةُ والشارِعُ والأَفْلَامِ}. انتهى.

 

(18)جاءَ على موقعِ جريدةِ النَّبَأِ المصريةِ في مقالة بِعُنْوانِ (بِالمُستَنَداتِ، النَّبَأُ تَدُقُّ ناقُوسَ الخَطَرِ) في هذا الرابط: اِنتَشَرَتِ الانحِرافاتُ الجِنْسِيَّةُ (الشُّذوذُ الجِنْسِيُّ) بِشَكْلٍ كَبِيرٍ في الآوِنَةِ الأخِيرةِ... وتَتَمَثَّلُ الطَّامةُ الكُبرَى في انتشارِ ظاهرةِ الشُّذوذِ الجِنْسِيِّ بين فَتَيَاتٍ في عُمُرِ الزُّهورِ، يُفتَرَضُ أنَّهن أُمَّهاتُ المُستَقبَلِ!، وهو ما تَكْشِفُه الواقعةُ التي نَسْرِدُ تَفاصِيلَها بالمُستَنَداتِ؛ بَدَأَتْ تَفاصِيلُ الواقِعةِ عندما تَقَدَّمَ بعضُ أَوْلِياءِ أُمورِ طالِباتِ إحْدَى المَدارِسِ الإعْدادِيَّةِ (بَنَات) الواقِعةِ [أَيِ الكائِنةِ] بمَدِينةِ التَّحرِيرِ في إمبابةَ [بمُحافَظةِ الْجِيزَةِ بمِصْرَ]، بمُذَكِّرةٍ إلى إدَارةِ المَدرَسةِ تُفِيدُ بِتَعَرُّضِ بَنَاتِهم للتَّحَرُّشِ مِن قِبَلِ زَمِيلاتِهن؛ بدَورِها استَدْعَتِ الإدَارةُ الطالباتِ المَشْكُو في حَقِّهن لاستِجوَابِهن، وكانتِ الكارِثَةُ أنَّهن اعْتَرَفْنَ بمُمَارَسةِ الشُّذوذِ الجِنْسِيِّ (السِّحَاقِ) في الحَمَّاماتِ أو في الأماكِنِ المَهجورةِ، بالمَدرَسةِ، وأنَّهن يَقُمْنَ بِتَقْبِيلِ بَعْضٍ بطَرِيقةٍ مُثِيرةٍ أمامَ زَمِيلاتِهن الأُخْرَيَاتِ في الفَصْلِ لِتَحرِيضِهن على فِعْلِ تلك المُمارَساتِ، كما سَرَدَتْ إحْدَى الطالِباتِ في أثناءِ اسْتِجْوَابِ إدَارةِ المَدرَسةِ لها بعضَ المُمارَساتِ التي يَقُمْنَ بها، إذْ تَقُومُ إحداهُن بِرَفْعِ (الجِيبةِ) لِيُشاهِدَ الأُخْرَيَاتُ مَلَابِسَها الدَّاخِلِيَّةَ، فِيما تَتَحَدَّثُ أُخرَى عنِ (الدُّخْلَةِ "البَلَدِيِّ")، مُؤَكِّدَةً [أَيِ الطالِبةُ السَّارِدةُ أَثْناءَ الاسْتِجْوَابِ] أنَّ هناك مُمارَساتٍ أُخرَى تَتِمُّ بينهن سَوَاءً في حَمَّاماتِ المَدرَسةِ، أو في بُيُوتِهن دُونَ عِلْمِ الأَهْلِ مِن خِلَالِ مَواقِعِ التَّوَاصُلِ الاجْتِماعِيِّ... ويُطالِبُ مَوْقِعُ (النَّبَأ) وِزَارةَ التَّربِيَةِ والتَّعلِيمِ بالتَّحقِيقِ في تلك الوقائعِ التي اِنتَشَرَتْ بِأَغْلَبِ المَدارِسِ في الآوِنَةِ الأخيرةِ. انتهى. وجاءَ على موقعِ دوت مصر (المملوك للمخابرات العامة المصرية) في مقالة بعنوان (جرائمُ تَقْشَعِرُّ لها الأبدانُ، أطفالٌ فَقَدوا بَرَاءَتَهم فتَحَوَلُّوا إلى مُغْتَصِبِين): في سِيَاق تَنَامِي مُعَدَّلاتِ العُنْفِ في المجتمعِ المِصْرِيِّ، ارتَفَعَتْ حوادِثُ اغتصابِ الأطفالِ، وتَسَبَّبَ انتشارُها في المَدارِسِ في هَلَعِ أَوْلِيَاءِ الأُمورِ، بعدَ أنْ أَضْحَى عادِيًّا أنْ يَحْدُثَ في فِنَاءِ المَدرَسةِ أو دَوْراتِ المِيَاهِ أو حتى دَاخلِ الفُصولِ الدِّراسِيَّةِ. انتهى. وجاءَ على موقعِ جريدةِ (الوفد) المصريةِ في مقالة بعنوان (شُذوذٌ في مَدرَسةِ أبنائي، كيف أَحْمِي صَغِيرِي؟): ويُؤَكِّدُ د/شحاتة محروس (أستاذ علم النفس التربوي بجامعة عين شمس) أنَّ الانحِرافَ السُّلُوكِيَّ بَدَأَ يَنتَشِرُ في المَدارسِ في الآوِنَةِ الأخيرةِ بين الأطفالِ الذِين لم يَبْلُغُوا بَعْدُ، ويَتَحَوَّلُ [أَيِ الانحِرافُ المَذكورُ] بَعْدَ ذلك لِشُذوذٍ جِنسِيٍّ، مُنَوِّهًا أنَّ عِلَاجَه في غايَةِ السُّهولةِ في البِدَايَةِ، لكنْ بَعْدَ البُلُوغِ يُصِبِحُ في مُنْتَهَى الخُطورةِ. انتهى باختصار. وجاءَ على موقعِ جريدةِ الشروق المصريةِ في مقالة بعنوان (انتشارُ ظاهِرةِ الشُّذوذِ الجِنسِيِّ بين الطُّلَّابِ) في هذا الرابط: فُوجِئَ وَزِيرُ التَّربِيَةِ والتَّعليمِ الدكتور الهلالي الشربيني بشَكْوَى أَوْلِيَاءِ أُمورِ مَدرَسةٍ بفَيْصَلٍ [بمُحافَظةِ الْجِيزَةِ بمِصْرَ]، مِن انتشارِ ظاهِرةِ الشُّذوذِ الجِنسِيِّ بين الطُّلَّابِ داخِلَ دَوْراتِ المِيَاهِ، وأضافَ أَوْلِيَاءُ الأُمُورِ أنَّ المَدرَسةَ لا يُوجَدُ بها أَقْفالٌ على أبوابِ الحَمَّاماتِ، وعندما اعتَرَضَ أَوْلِيَاءُ الأُمورِ على ذلك أَكَّدَ العامِلون أنَّهم اُضْطُرُّوا لذلك حتى يَستَطِيعوا ضَبْطَ الطُّلَّابِ في حالاتِ تَلَبُّسٍ بمُمارَسةِ الشُّذوذِ داخِلَ الحَمَّاماتِ. انتهى باختصار.

 

(19)وقالَ الشيخُ وليد السناني (أَحَدُ أشهرِ المُعْتَقَلِين السياسِيِّين في السعودية، ووُصِفَ بأنَّه "أحمدُ بنُ حنبل هذا العَصْرِ") في فيديو بعنوان (لقاءُ دَاوُودَ الشريان مع وليد السناني): وَصَلْتُ بالجامعة [يَعْنِي جامعةَ الإمام محمد بن سعود الإسلامية] بكُلِّيَّةِ أصول الدين (منتسبا)، ثم لِأجْلِ ملاحظاتٍ على بعضِ المَنَاهِجِ [قالَ الشيخُ مُقْبِلٌ الوادِعِيُّ في (إجابة السائل على أهم المسائل): نحن دَرَسْنا في الجامِعةِ الإسلامِيَّةِ [بالمَدِينةِ المُنَوَّرةِ] التي تُعتبَرُ في ذلك الوَقتِ أَحسَنَ مُؤَسَّسةٍ فيما أَعْلَمُ، الأكثرُ يَتَخَرَّجون جُهَّالًا، ما تَنفَعُكَ الجامِعةُ الإسلامِيَّةُ، ولا يَنفَعُكَ إلَّا اللهُ سُبْحانَهُ وتَعالَى ثم نَفْسُك إذا اِجتَهَدْتَ لِنَفْسِكَ، إذا أرَدْتَ أنْ تَأْتِيَ بفائدةِ للإسلامِ والمُسلِمِين. انتهى باختصار] التي عندهم انقطعتُ عنِ الدِّراسةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ السناني-: الوضعُ العامُّ الآنَ القائم في جميع الدول التي تزعم أنها إسلامية -ليس في السعودية فقط- إلغاء شيء اسمُه عداوةُ الكفار، أَيًّا كانوا، يهودا أو نصارى حتى الشيوعيين، النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء والرسل كانوا مأمورِين بالتكفير والعداوة في وقت لم يكونوا فيه مأمورِين بالقتال... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ السناني-: رُحْتُ [للشيخ ابن عثيمين] أُبَيِّنُ له تكفير الدولة [يعني الدولة السعودية الثالثة]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ السناني-: كنت أتكلم في بعض المجالس عن تكفير الدولة، كنت أتكلم في مجالس عديدة عنِ القوانينِ الكفرية والشريعة الطاغوتية وأن هذه فتنة العصر ليست مقصورة على هذه الدولة [يعني الدولة السعودية الثالثة] فقط بل هي فتنة جميع الدول الموجودة، وَهُمْ فيها ما بين مُقِلٍّ ومُستكثِرٍ [قالَ الشيخُ مُقْبِل الوادِعِي في فتوى صوتية مُفرَّغة على موقعه في هذا الرابط: فالشَّعبُ اليَمَنِيُّ حُكُومَتُه تُعتَبَرُ أحْسَنَ مِن غيرِها، وكذلك الشَّعبُ السُّعودِيُّ حُكُومَتُه أيضًا تُعتَبَرُ مِن أحْسَنِ الحُكُوماتِ، ونحن مَسئُولون عن هذا الكلامِ الذي نَقُولُه. انتهى باختصار]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ السناني-: ما علَّمتُ عِيالِي [يعني أنه لم يُدخِلْهم المدارسَ] لِأنَّ عندي على التعليم [أَيِ المدارسِ] ملاحظاتٍ كبيرةٍ وخطيرةٍ، [أعني] التعليمَ الموجودَ [حالِيًّا]، رزقني الله البصيرة وتبصرت (عَرَفْتُ خُطورتَه [أَيْ خطورةَ التعليمِ في المدارسِ])... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ السناني- رادًّا على سؤال (كم عندك مِنَ العيال؟): البَنُونَ ثَلَاثةٌ والبَناتُ سِتٌّ، كلُّهم مِنَ الصالحِين بفضل رب العالمين... ثم سُئِلَ -أَيِ الشيخُ السناني- عن عدمِ إدخالِه أولادَه المدارسَ، فقالَ: الآنَ كُلُّهم يَدْعُون لي، يقولون {جزاك الله خيرا أنك أَبْعَدْتَنا عنِ المدارسِ}، المدارسُ تَشتَمِلُ على شَرٍّ [قالَ الشيخُ مُقْبِلٌ الوادِعِيُّ في (إجابة السائل على أهم المسائل): المَدارِسُ في السُّعودِيَّةِ وعندنا [أَيْ في اليَمَنِ]، غالِبُ المُدَرِّسِين فَسَقةٌ، منهم مَن يَأْتِي ويُرِيدُ أنْ يُعَلِّم أبناءَنا الشُّيُوعِيَّةَ، ومنهم مَن يَأْتِي ويُرِيدُ أنْ يُعَلِّم أبناءَنا البَعْثِيَّةَ، ومنهم مَن يَأْتِي ويُرِيدُ أنْ يُعَلِّم أبناءَنا الناصِرِيَّةَ، ومنهم مَن يَأْتِي ويُرِيدُ أنْ يُعَلِّم أبناءَنا الرَّفْضَ، ومنهم مَن يَأْتِي ويُرِيدُ أنْ يُعَلِّم أبناءَنا الصُّوفِيَّةَ، وَهَكَذَا يَا إِخْوَانَنَا، أفكارٌ وبَلَايَا دَخَلَتْ على المُسلِمِين، وبعدَها الطِّفلُ المِسكِينُ إذا سَلَّمْتَه للمُدَرِّسِ الفاسِقِ يَرَى أنَّ هذا المُدَرِّسَ ليس مِثْلَه أَحَدٌ، إذا قالَ له {الأَغَانِي حَلَالٌ}، قالَ [أَيِ الطِّفلُ] {حَلَالٌ، قد قالَ المُدَرِّسُ}، إذا قالَ له بِأَيِّ شيءٍ، يقولُ [أَيِ الطِّفلُ] {قد قالَ المُدَرِّسُ}، لأنَّه لا يَرَى أَحَدًا مِثْلَ مُدَرِّسِه، يَظُنُّ أنَّ مُدَرِّسَه هو أعلَمُ الناسِ، فمِن أَجْلِ هذا يَجِبُ أنْ نَتَّقِيَ اللهَ في أبناءِ المُسلِمِين. انتهى. وقالَ الشيخُ الوادِعِيُّ أيضًا في شَرِيطٍ صَوتيٍّ مُفَرَّغٍ على هذا الرابط بعنوان (الجزءُ الأَوَّلُ مِن "تحذير الدارِسِ مِن فِتنةِ المدارسِ"): ورُبَّما يُصَوِّرُكَ المُدَرِّسُ، يُصَوِّرُكَ أَيُّها الأبُ، في صِفةِ أو في صُورةِ المُتَخَلِّفِ المُنْحَطِّ الكَرْتُونِ، الذي لا يَعْرِفُ شَيئًا عنِ الحَضارةِ وعن كذا وعن كذا، هَكَذَا يَا إِخْوَانَنَا، أمْرٌ خَطِيرٌ، في شَأْنِ الجَلِيسِ، وأنْ نُسْلِمَ أبناءَنا لأُناسٍ لا نَعْرِفُ مُعتَقَداتِهم. انتهى. وقالَ الشيخُ عبدُالله بنُ سليمان بن حميد (رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة القصيم، الْمُتَوَفَّى عامَ 1404هـ): فإنَّ التِّلمِيذَ على عَقِيدةِ أُستاذِه ودِينِه وأخْلاقِه. انتهى من (الدُّرَرُ السَّنِيَّةُ في الأَجْوِبةِ النَّجْدِيَّةِ). وقالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (إعدادُ القادةِ الفوارسِ بهجرِ فسادِ المدارسِ): يَقولُ عبدُالله علوان [في كتابِه (تربية الأولاد في الإسلام)] وهو واحِدٌ مِنَ الذِين عايَشوا العَمَلَ في مَجَالِ التَّربِيَةِ والتعليمِ في هذا الزَّمانِ [وهو أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبدالعزيز] {إنَّ الكُتُبَ المَدرَسِيَّةَ التي يَدرُسُها الطُلَّابُ في مَدارِسِهم مَلِيئَةٌ بالدَّسِّ والتَّشكِيكِ والطَّعْنِ بالأديَانِ والدَّعوةِ إلى الكُفْرِ والإلْحادِ}. انتهى] وتشتمل على خير، إذا جاءك الحقُّ خالصًا ما في [أي ما يوجد] إشكالٌ، وإذا جاءك الباطلُ خالصًا ما في إشكالٌ، لكنَّ الشيءَ الخطيرَ إذا لُبِّسَ الحَقُّ بالباطلِ، إذا خُلِطَ الحقُّ بالباطلِ قَلَّ مِنَ الناسِ مَن يَهتدِي [قالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ في (مجموع الفتاوى): وَلَا يَشْتَبِهُ عَلَى النَّاسِ الْبَاطِلُ الْمَحْضُ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُشَابَ بِشَيْءِ مِنَ الْحَقِّ. انتهى. وقالَ ابنُ القيم في (الصواعق المرسلة): وَهَذَا مَنْشَأُ ضَلَالِ مَنْ ضَلَّ مِنَ الأُمَمِ قَبْلَنَا، وَهُوَ مَنْشَأُ الْبِدَعِ كُلِّهَا، فَإِنَّ الْبِدَعَ لَوْ كَانَتْ بَاطِلًا مَحْضًا لَمَا قُبِلَتْ، وَلَبَادَرَ كُلُّ أَحَدٍ إِلَى رَدِّهَا وَإِنْكَارِهَا، وَلَكِنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. انتهى باختصار]، اللهُ تعالى قال {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}، المناهج التعليمية في المدارس تُرَكِّزُ على بعض الأمور العلمانية مثل الوطنية [قالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (إعدادُ القادةِ الفوارسِ بهجرِ فسادِ المدارسِ): لاحِظْ أنَّهم يُرَكِّزون على جانِبِ (الوَطَن) و(الوَطَنِيَّة)، وَهُمْ يَعْنُون بحُبِّ الوَطَنِ والوَلَاءِ له الوَلَاءَ للأَنْظِمةِ العَرَبِيَّةِ الحاكِمةِ. انتهى باختصار]، المناهج هذه فيها تمجيد ومدح الهيئات الطاغوتية الدولية (الأُمَمِ المُتَّحِدةِ، ومجلسِ الزَّنادِقةِ المَلاعِينِ طواغيتِ العَرَبِ "الجامعة العربية"، ومجلسِ الزَّنادِقةِ الطواغيتِ "مجلس التَّعاوُن" على الإثم والعدوان) [قالَ الشيخُ مُقْبِل الوادِعِي في (تحفة المجيب): إنَّ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن تحت الأقدام، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول {كُلُّ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمَيَّ}. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (إعدادُ القادةِ الفوارسِ بهجرِ فسادِ المدارسِ): أَمَّا عنِ القَومِيَّةِ والعُروبةِ والخَلِيجِيَّةِ والوَطَنِيَّةِ والنَّعَراتِ الجاهِلِيَّةِ النَتِنَةِ وطَوَاغِيتِ العَرَبِ وجامعةِ الدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ ومَجْلِسِ التَّعاوُنِ وغيرِ ذلك مِن مُؤَسَّساتِهم، فهو في مَناهِجِهم [يَعْنِي المَناهِجَ الكُوَيْتِيَّةَ، كمِثَالٍ للمَناهِجِ في الأَنْظِمةِ الطَّاغُوتِيَّةِ] أَشْهَرُ مِن أنْ يُجادِلَ فيه أو يَرُدَّه أَحَدٌ. انتهى]، هذا فضلا عن الإنسانية بإطارها العلماني، كُنَّا نُدَرَّسُ ونحن صغار أن مِنَ الأشياء التي تُمْدَحُ بها المملكةُ أنها دَعَتْ إلى إلغاء كافة جميع العداوات بين الدول والشعوب، وأنَّ العلاقات بين الدولِ والشعوبِ تقوم على الصداقة وعلى الإخاء وعلى الاحترامِ المُتَبادَلِ [جاءَ في أَحَدِ الكُتُبِ المَدرَسِيَّةِ الكُوَيْتِيَّةِ: الكُوَيْتُ عُضْوٌ في الأُسْرةِ الدُّوَلِيَّةِ مُلْتَزِمةٌ بمَبادِئِ الأُمَمِ المُتَّحِدةِ... تَحْتَلُّ دُوَلُ الخليجِ مَكانةً هامَّةً على المُستَوَى العالَمِيِّ، فهى تَتَعاوَن بكُلِّ إخلاصٍ وتَبْذُلُ كُلَّ جَهْدٍ مُمْكِنٍ في مُسايَرةِ المُنَظَّماتِ الدُوَلِيَّةِ لإقرارِ العَدْلِ والسَّلامِ العالَمِيِّ. ذَكَرَه الشيخُ أبو محمد المقدسي في (إعدادُ القادةِ الفوارسِ بهجرِ فسادِ المدارسِ)]... ثم سُئِلَ -أَيِ الشيخُ السناني- عمَّا إذا كان يريدُ أن يحارِبَ الكَوْنَ، فقال: كُتُبُ اللهِ -ورُسُلُه- جميعا، مِن أَوَّلِها إلى آخِرِها، مِن أعظم الأُصول التي جاءت بها تكفيرُ الكفار وعداوتُهم والبراءةُ منهم وجِهادُهم، ولو كانوا أَقْرَبَ قريبٍ [قالَ الشيخُ ابنُ جبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء) على موقعه في هذا الرابط: فكُلُّ مَن كَفَرَ بالله وكُلُّ مَن خَرَجَ عن دِينِ الإسلام، فإننا نُقاطِعُه ونبتعدُ عنه ولو كان من أقاربنا ولو كان أقربَ قريبٍ. انتهى]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ السناني-: التقسيماتُ السياسيَّةُ الموجودةُ التي يُبْنَى عليها مسألةُ الجنسيةِ هذه كُلُّها أَصْلًا باطلةٌ ما أَنْزَلَ اللهُ بها مِن سُلطان ومَبْنِيَّةٌ على شريعةِ الطاغوتِ الدُوَلِيَّةِ، مسألةُ المُوَاطَنَةِ التي تُبْنَى على الجنسيةِ، هذا المُواطِنُ يُعْطَى الحُقُوقَ حتى لو كان رافِضِيًّا! حتى لو كان إِسْمَاعِيلِيًّا باطِنِيًّا! حتى لو كان نَصْرانِيًّا! حتى لو كان أكثرَ شيءٍ! إذا صار مواطنا فَلَهُ الحقوقُ كاملةً! [جاءَ في كِتابِ (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) أنَّ اللجنةَ (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود) قالَتْ: مَن لم يُفَرِّقْ بين اليَهودِ والنَّصارَى وسائرِ الكَفَرةِ، وبين المُسلِمِين، إلَّا بِالوَطَنِ، وجَعَلَ أحكامَهم واحِدةً، فَهو كافِرٌ. انتهى. قلتُ: الدَّولةُ السعوديةُ الأُولَى كانتْ مُلْتَزِمةً بتَطْبِيقِ الشَّرِيعةِ، فكانتْ رابِطةُ الدِّينِ هي الأساسُ الذي يَرْبِطُ بين الفردِ والدولةِ، وأمَّا مع الدَّولةِ السعوديةِ الثالثةِ فرابِطةُ المُوَاطَنَةِ -المقتبسة مِنَ القوانِينِ الأُورُوبِّيَّةِ- هي الأساسُ الذي يَرْبِطُ بين الفردِ والدولةِ. وَقَدْ قالَ الشيخُ أحمد شاكر (نائبُ رئيس المحكمة الشرعية العليا، الْمُتَوَفَّى عامَ 1377هـ/1958م) في كتابِه (كلمة الحق): فإنَّ الإسلامَ جِنْسِيَّةٌ واحدةٌ (بتَعْبِيرِ هذا العَصْرِ)، وهو يُلْغِي الفَوَارِقَ الجِنْسِيَّةَ والقَومِيَّةَ بين مُتَّبِعِيه، كما قالَ تعالَى {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}. انتهى. وقال الشيخ سيد قطب في كتابه (مَعالِمُ في الطريق): الجنسية التي يريدها الإسلامُ للناس هي جنسيةُ العقيدةِ، التي يَتَساوَى فيها العربي والروماني والفارسي وسائر الأجناس والألوان تحت راية الله. انتهى. وقالَ الشَّيخُ إيهاب كمال أحمد في مَقالةِ بِعُنوانِ (الرَّدُّ المُبِينُ على مَن أجازَ وِلَايَةَ الكافِرِ على المُسلِمِين) على هذا الرابط: فَإنَّ مُشارَكةَ المُسلِمِين لِلكُفَّارِ في وَطَنٍ واحِدٍ لا تَعنِي بِالضَّرورةِ تَساوِيَهم في الحُقوقِ والواجِباتِ، وإنَّما تُوجِبُ إقامةَ العَدلِ والقِسطِ على الجَمِيعِ، والعَدلُ لا يَعنِي المُساواةَ في كُلِّ شَيءٍ، وإنَّما يَعنِي إعطاءَ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّه، ومُطالَبَتَه بِأداءِ ما عليه مِن واجِباتٍ، والمَرجِعُ في تَحدِيدِ الحُقوقِ والواجِباتِ هو شَرعُ اللهِ لا غَيرُ. انتهى]... ثم وَصَفَ -أَيِ الشيخُ السناني- هيئةَ كِبَارِ العُلَمَاءِ بقولِه: هَيْئَةُ كِبارِ العُمَلَاءِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ السناني-: المملكةُ العربيَّةُ السعوديَّةُ (العلمانيةُ الأَمْرِيكِيَّةُ) عَلَاقتُها بأمريكا عَلَاقةٌ إِسْتِرَاتِجِيَّةٌ وقديمةٌ وخِدْمةٌ لها، {شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ} يفتخِرون [أي بهذه العلاقة الإِسْتِرَاتِجِيَّةِ القديمةِ] وبلا خجلٍ ولا حَيَاءٍ، ولو أنَّ مشايخَهم فيهم خيرٌ كانوا يَلْعَنونهم ويَكْفُرون بِهِمْ [قالَ الشيخُ محمد بنُ رزق الطرهوني (الباحث بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والمدرس الخاص للأمير عبدالله بن فيصل بن مساعد بن سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود) في مقالةٍ له بعنوان (أَطْعِمِ الفَمَ تَسْتَحِ العَينُ تَسْتَحْيِي العَينُ "المؤسسة الرسمية الدينية") على موقعِه في هذا الرابط: [هناك] تَحذِيراتٌ كثيرةٌ مِن عُلماءِ السَّلَفِ الصالحِ مِنَ الدُّخولِ على السلاطِينِ والوُلاةِ، ونِبْراسُهم في ذلك حديثُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم {وَمَنْ أَتَى أَبْوَابَ السُّلْطَانِ افْتُتِنَ}، فكيف بمَن يُعَيِّنُه السلطانُ ويُضْفِي عليه الألقابَ ويَخْلَعُ عليه الخُلَعَ ويُتَوِّجُه المَناصِبَ؟، وأَخِيرًا يُطْعِمُه ويُطْعِمُ أولادَه، فهلْ يستطيعُ أنْ يُخالِفَه؟؛ ولذلك نسألُ أَنْفُسَنا عنِ المُؤَسَّساتِ الدِّينِيَّةِ الرَّسمِيَّةِ في عَصْرِنا، هَلْ سَمِعْتم في يومٍ مِنَ الأيامِ بمُخالَفةِ هذه المُؤَسَّساتِ لِتَوَجُّهاتِ الدُّوَلِ وقراراتِ الرؤساءِ، أَمِ الحالُ (أَنَّها مِنْ غَزِيَّةَ، فَإِنْ غَوَتْ غَزِيَّةُ غَوَتْ، وَإِنْ رَشِدَتْ غَزِيَّةُ تَرْشَدْ [يُشِيرُ إلى قولِ الشاعرِ {وَمَا أَنَا إِلَّا مِنْ غَزِيَّةَ، إِنْ غَوَتْ *** غَوَيْتُ، وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشَدُ}])؟؛ وحالُها في أَحْسَنِ أحوالِها ما يلي؛ (أ)إنْ رَأَتْ صَوابًا، ولو صغيرا، ضَخَّمَتْه وحَشَدَتْ له حُشودَ الأَدِلَّةِ الشرعِيَّةِ؛ (ب)وإنْ رَأَتْ باطلًا، إمَّا سَكَتَتْ، وهذا أقوى ما تستطيعُ، وإمَّا تَلَمَّسَتْ له تَخرِيجاتٍ واهِيَةً لا قِيمةَ لها عِلْمِيًّا حتى تَعْذُرَ بها صاحِبَها ووَلِيَّ نِعْمَتِها؛ فكيف بمَن يَتَلَوَّنُ بِتَلَوُّنِ الحاكمِ، وتَتَغَيَّرُ فَتْوَاه بتَغَيُّرِ تَوَجُّهِه، ويَلْوِي أعناقَ النُّصوصِ لِتُوافِقَ القراراتِ الجديدةَ، ويَعتَقِدُ قَبْلَ الاستدلالِ [أَهْلُ السُّنَّةِ يَستَدِلُّون ثم يَعتَقِدون، وأمَّا أَهْلُ البِدَعِ يَعتَقِدون ثم يَستَدِلُّون]، ويُغَرْبِلُ المُتَشابِهاتِ، لِيَفُوزَ بِشُبَهٍ يَنْصُرُ بها سَيِّدَه ومَوْلَاه، لِيَفُوزَ ويَنْعَمَ برُفْقَتِه. انتهى. وبحسب ما جاء على إحدى صفحات موقع قناة الجزيرة الفضائية (القَطَرِيَّة) تحت عنوان (النص الكامل لخطبة العيد لأُسَامَةَ بْنِ لَادِن)، قالَ الشيخُ أُسَامَةُ بْنُ لَادِن: فخِلَافُنا مع الحُكَّامِ ليس خلافًا فَرْعِيًّا يُمْكِنُ حَلُّه، وإنَّما نَتَحَدَّثُ عن رأسِ الإسلامِ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فهؤلاء الحُكَّامُ قد نَقَضوها مِن أساسِها بمُوالَاتِهم للكفارِ، وبتشريعِهم للقوانِينِ الوَضْعِيَّةِ، وإقرارِهم واحتكامِهم لقوانينِ الأُمَمِ المتحدةِ المُلْحِدَةِ، فوِلَايَتُهم قد سقطتْ شَرْعًا مُنْذُ زَمَنٍ بعيدٍ... ثم قال -أَيِ الشيخ أسامة بن لادن-: هل يُمْكِنُ لمسلمٍ أنْ يقولَ للمسلمِين {ضَعُوا أَيْدِيَكم في يَدِ كرزاي [هو حامد كرزاي (حاكم أفغانستان)] للتَّعَاوُنِ في إقامةِ الإسلامِ، ورفعِ الظلمِ، وعَدَمِ تَمْكِينِ أميركا مِن مُخَطَّطاتِها}، فهذا لا يُمْكِنُ ولا يُعْقَلُ، لأنَّ كرزاي عميلٌ جاءت به أميركا، ومُنَاصَرَتُه على المسلمِين ناقِضٌ مِن نَوَاقِضِ الإسلامِ العَشْرَةِ، مُخْرِجٌ مِنَ المِلَّةِ، وهنا لنا أنْ نَتَساءَلَ، ما الفرقُ بين كرزايِ العَجَمِ [يعني حامد كرزاي (حاكم أفغانستان)] وكرزايِ العَرَبِ؟، مَنِ الذي ثَبَّتَ ونَصَّبَ حُكَّامَ دولِ الخليجِ؟، إنهم الصليبيون، فالذِين نَصَبُّوا كرزايَ كابول [يعني حامد كرزاي (حاكم أفغانستان)] وثَبَّتُوا كرزايَ باكستان [يعني حاكم باكستان]، هُمُ الذِين نَصَبُّوا كرزايَ الكُوَيْتِ، وكرزايَ البحرَينِ، وكرزايَ قَطَرَ، وغيرِها، ومَنِ الذِين نَصَبُّوا كرزايَ الرياضِ [يعني مُؤَسِّس الدولة السعودية الثالثة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود] وجاءُوا به بعدَ أنْ كان لاجِئًا في الكُوَيْتِ [الواقِعةِ آنَذَاكَ تحتَ الاحتلالِ البِرِيطانيِّ، وذلك بعدَ فِرَارِه مع أبيه مِنَ الرياض وإقامتِهما في الكُوَيْتِ عِدَّةَ سِنِين، وكان ذلك بعدَ سُقوطِ الدولةِ السعوديةِ الثانيةِ إِثْرَ هزيمةِ جيشِ أبيه أمامَ جيش محمد بن عبدالله بن علي بن رشيد في عامِ 1309هـ] قَبْلَ قَرْنٍ مِنَ الزَّمَانِ ليُقاتِلَ معهم ضِدَّ الدولةِ العثمانيةِ ووَالِيها ابْنِ الرشيد [في معركةِ الرياض في (5 شوال 1319هـ - 15 يناير 1902م)]؟، إنَّهم الصليبِيُّون، وما زالوا يَرْعَوْنَ هذه الأُسَرَ [يعني الأُسَرَ الحاكمةَ في الدُّوَلِ سالِفةِ الذِّكْرِ] إلى اليومِ، فلا فَرْقَ بين كرزايِ الرياضِ وكرزايِ كابول، {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ}، ويَجِبُ على المسلمِين أنْ يَتَبَرَّءُوا مِن هؤلاء الطواغيتِ، ولا يَخْفَى أنَّ التَبَرُّؤَ مِنَ الطاغوتِ ليس مِن نوافلِ الأعمالِ، وإنَّما هو أَحَدُ رُكْنَيِ التوحيدِ، فلا يَقُومُ الإيمانُ بغيرهِما، قال تعالى {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا، وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}؛ وأمَّا علماءُ السُّوءِ ووُزَراءُ البَلَاطِ [البَلَاطُ قَصْرُ الحاكمِ ومَجْلِسُه وحاشِيَتُه] وأصحابُ الأقلام المأجورة وأشباهُهم، فكما قِيلَ {لِكُلِّ زَمَنٍ دَوْلَةٌ ورِجَالٌ}، فهؤلاء هُمْ مِن رجالِ الدولةِ الذِين يُحَرِّفون الحَقَّ ويَشْهَدُون بالزُّورِ، حتى في البلدِ الحرامِ، في البيتِ الحرامِ، في الشهرِ الحرامِ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويَزْعُمون أنَّ الحُكَّامَ الخائِنِينَ وُلَاةُ أَمْرٍ لنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فهؤلاء قد ضَلُّوا سواءَ السبيلِ، فيَجِبُ هَجْرُهم والتحذيرُ منهم، وإنَّما تُرَكِّزُ الدولةُ على عُلمائِها، وتُظْهِرُهم في بَرَامِجَ دِينِيَّةٍ للفَتْوَى مِن أَجْلِ دَقَائِقَ معدودةٍ يَحْتَاجُهم فيها النِّظامُ كُلَّ مُدَّةٍ لإضفاءِ الشرعيَّةَ عليه وعلى تَصَرُّفاتِه؛ ومَن قَرَأَ سِيرةَ الأئمةِ الصادِقِين في أيَّامِ المِحَنِ كسِيرةِ الإمامِ أحمدَ بْنِ حنبل وغيرِه -رحمهم الله- عَلِمَ الفَرْقَ بين العُلَماءِ العامِلِين والعُلَماءِ المُدَاهِنِين... ثم قال -أَيِ الشيخ أسامة بن لادن-: الإنسانُ لا يستطيعُ أنْ يَتَّخِذَ القرارَ الصحيحَ في ظِلِّ أوضاعٍ غيرِ صحيحةٍ، وخاصَّةً مِنَ الناحِيَةِ الأَمْنِيَّةِ، قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم {لا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ}، هذا إذا كان غَضْبَانَ، فكيف إذا كان خائفًا؟!، فالتخويفُ الذي تُمارِسُه الدُّوَلُ العربيةُ على الشَّعْبِ، قد دَمَّرَ جميعَ مَنَاحِي الحياةِ بما فيها أُمُورِ الدِّينِ، إِذِ الدِّينُ النَّصِيحةُ، ولا نَصِيحةَ بغيرِ أَمْنٍ، وقد قَسَّمَ الخوفُ الناسَ إلى أقسامٍ، فقِسْمٌ انْتَكَسَ والْتَحَقَ بالدولةِ ووَالَاها، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقِسْمٌ بَدَا له أنَّه لَنْ يستطيعَ أنْ يستمرَّ في الدعوةِ والتدريسِ، ويُؤَمِّنَ مَعْهَدَه أو جَمْعِيَّتَه أو جَمَاعَتَه، ويُؤَمِّنَ نَفْسَه وجاهَه ومالَه، إنْ لم يَمْدَحِ الطاغوتَ ويُدَاهِنْه، فتَأَوَّلَ تَأَؤُّلًا فاسِدًا فَضَلَّ ضلالًا مُبِينًا وأَضَلَّ خَلْقًا كثيرًا. انتهى باختصار. وجاءَ في كتابِ (إجابة فضيلة الشيخ عَلِيّ الخضير على أسئلة اللقاء الذي أُجْرِيَ مع فضيلته في مُنْتَدَى "السلفيون") أنَّ الشيخَ قالَ: الشيخُ أسامةُ بْنُ لادن -حَفِظه اللهُ ونَصَرَه- مِن أهلِ الجهادِ والعِلْمِ، وهو مِن أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، ونَحْسَبُه إنْ شاءَ اللهُ مِنَ الطائفةِ المنصورةِ، ولا نُزَكِّي على اللهِ أحدًا، ولا نَعْلَمُ عنه إلَّا خيرًا، أَمْضَى حياتَه في الجهادِ، وباعَ دُنْياه للهِ ورسولِه، نسألُ اللهَ أَنْ يُرْبِحَ له البَيْعَ، وَقَدِ اسْتَفاضَ الثَّنَاءُ عليه بين أهلِ الخيرِ والعامَّةِ، وفي الحديثِ {أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ}، وكان شَيْخُنا حمودٌ العقلاء الشعيبي [الأستاذ بكلية الشريعة وأصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية] رَحِمَه اللهُ يُثْنِي عليه كثيرًا ثَنَاءً عاطِرًا، ويَمْدَحُه ويَذُبُّ عنه ويَدْعُو له، وسَمِعْتُ شَيْخَنا حمودًا رَحِمَه اللهُ يقولُ عنه {إنَّه مِمَّن أَعَزَّ اللهُ به الإسلامَ في هذا الزمانِ، وهو اليومَ غُصَّةٌ في حُلُوقِ أعداءِ هذا الدِّينِ}. انتهى]... ثم قالَ المُحاوِرُ للشيخِ السناني {فيه [أَيْ يُوجَدُ] أَقْرَبُ مِنَ الوَلَدِ؟!، أنتَ ما دَرَّسْتَه، لا يَقْرَأُ ولا يَكْتُبُ وَلَدُكَ [هذا استنتاجٌ مِنَ المُحاوِرِ مُخالِفٌ للواقعِ]}، فَرَدَّ الشيخُ قائلًا: عنده مِنَ الإتقان والحفظ للدِّينِ أَكْثَرُ مِنِّي، وما دَرَسوا في المَدارِسِ... ثم قالَ المحاورُ للشيخِ السناني {[وَلَدُكَ] ما يَكْتُبُ}، فَرَدَّ الشيخُ قائلًا: أنتَ ما تَقْدِرُ تَكْتُبُ كِتَابَتَه [المرادُ بالكِتَابةِ هنا حُسْنُ الْخَطِّ]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ السناني-: الدولة السعودية الأولى دولة إسلامية، ولو خَرَجَ [أَيْ إلى الدُّنْيَا مَرَّةً أُخْرَى] حُكَّامُها، لو أدركوا هؤلاء [أَيْ حُكَّامَ الدولةِ السعوديةِ الثالثةِ] كانوا كَفَّرُوهم وتَبَرَّؤُوا منهم [قالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في فتوى له على هذا الرابط: فلَيْسَ عَداؤنا لِآلِ سُعودٍ وتَكفِيرُنا لهم مِن جِنْسِ ما يَفعَلُه مِمَّن لا يُفَرِّقُون في كَلامِهم بين آلِ سُعودٍ الأوائلِ الذِين نَصَرُوا دَعوةَ الشَّيخِ محمد بنِ عبدالوهاب، وبين الخَوَالِفِ منهم الذِين حَكَّمُوا الْقَوَانِينَ الوَضْعِيَّةَ وتَحَاكَمُوا إليها وتَوَلَّوْا أَرْبَابَها وظاهَرُوا المُشرِكِين على المُسلِمِين، لا وَحاشَا. انتهى باختصار. وقالَ الشَّيخُ أبو بكر القحطاني في (شَرحُ قاعِدةِ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ"): هذه [يَعنِي أرضَ جَزِيرَةِ العَرَبِ، والتي تَشْمَلُ عُمَانَ والبَحْرَيْنِ والكُوَيْتَ وقَطَرَ والسُّعودِيَّةَ واليَمَنَ والإماراتِ العَرَبِيَّةَ المُتَّحِدةَ] دارُ كُفرٍ بِاتِّفاقٍ، فالأحكامُ الظاهِرةُ فيها هي أحكامُ كُفرٍ (القَوانِينُ الوَضعِيَّةُ)، فَبِالتالِي هي دارُ كُفرٍ. انتهى باختصار. وقالَ حافظ وهبة (الذي كانَ يَعمَلُ مُستَشارًا لِلمَلِكِ في الشُّؤونِ الخارِجِيَّة في عَهْدِ مُؤَسِّسِ الدَّولةِ السُّعودِيَّةِ الثالثةِ المَلِكِ عبدِالعزيز) في كِتابِه (جَزِيرةُ العَرَبِ في القَرنِ العِشرِين): والنَّجْدِيُّون يَحرِصون أَشَدَّ الحِرصِ على تَنفِيذِ أحكامِ الشَّرِيعةِ في تَحرِيمِ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِلرِّجالِ وتَحَلِّيهم بِالذَّهَبِ، كما يُحَرِّمُون التَّدخِينَ، ويَجْلِدون المُدَخِّنَ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً، ومِمَّا لا شَكَّ فيه أنَّ حُكومَتَهم الأُولَى [يَعنِي الدَّولةَ السُّعودِيَّةَ الأُولَى] كانَتْ أَصْرَمَ في هذا مِنَ الحُكومةِ الحالِيَّةِ [يَعنِي الدَّولةَ السُّعودِيَّةَ الثالِثةَ]. انتهى. وقالَ الشيخُ عبدُالله بنُ أحمد الرائد في كِتابِه (دَولةُ التَّوحِيدِ بين الوَهمِ والحَقِيقةِ): قامَتِ الدَّولةُ السُّعودِيَّةُ الأُولَى على التَّوحِيدِ والسُّنَّةِ، والجِهادِ في سَبِيلِ اللهِ، والبَراءةِ مِن أعداءِ اللهِ، وإنْ كانَ مِن مُنْكَرٍ يُنْتَقَدُ على تلك الدَّولةِ فهو تَوَارُثُ المُلْكِ دُونَ بَحْثٍ عَمَّن يَجْمَعُ الشُّروطَ الشَّرْعِيَّةَ، على أنَّ كُلَّ حُكَّامِها كانوا فُضَلَاءَ عادِلِين -فِيما نَحْسَبُ واللهُ حَسِيبُهم- على ما بَلَغَنا مِنَ التارِيخِ؛ وحاوَلَتِ الدَّولةُ السُّعودِيَّةُ الثانِيَةُ القِيامَ، ولَكِنَّها سُرْعَانَ ما سَقَطَتْ بَعْدَ اِنغِماس المُتَنازِعِين [يَعنِي مِن آلِ سُعودٍ. وَقَدْ قالَ الشيخُ عبدُاللطيف بنُ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب (ت1293هـ): ثم إنَّ حَمُولةَ [أَيْ أُسْرَةَ] آلِ سُعودٍ صارَتْ بينهم شَحْنَاءُ وعَدَاوةٌ، والكُلُّ يَرَى له الأَوْلَوِيَّةَ بِالوِلَايَةِ، وصِرْنا نَتَوَقَّعُ كُلَّ يَومٍ فِتْنَةً وكُلَّ ساعةٍ مِحْنَةً. انتهى من (الدُّرَر السَّنِيَّة في الأجوبة النَّجْدِيَّة)] عليها في الكُفْرِ مِن تَوَلِّي الكافِرِين، و[في] أنواعٍ مِنَ الفُسُوقِ والجَوْرِ والظُّلْمِ والفَسادِ؛ وقامَتِ الدَّولةُ السُّعودِيَّةُ الثالِثةُ، ولَكِنَّها اِستَشعَرَتْ شِعَارَ الدَّولةِ الأُولَى [يَعنِي اِتَّخَذُوا شِعارَ الدَّولةِ الأُولَى (الذي هو الدَّعوةُ إلى التَّوحِيدِ والسُّنَّةِ، والجِهادُ في سَبِيلِ اللهِ، والبَراءةُ مِن أعداءِ اللهِ) شِعارًا لهم]، وَتَدَثَّرَتْ [أَيْ وَرَكِبَتْ] أنواعَ الكُفْرِ التي كانَتْ في آخِرِ الدَّولةِ الثانِيَةِ، وأضافَتْ عليها ألوانًا مِنَ الكُفْرِ والرِّدَّةِ، مع أَثْوَابٍ مِنَ التَّلبِيسِ والإضلالِ لم يَشْهَدِ التارِيخُ تَلْبِيسًا مِثْلَه. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو أحمد عبدالرحمن المصري في مقالةٍ له على هذا الرابط: ومِنَ المَعلومِ أنَّ الدَّولةَ الإسلامِيَّةَ التي قامَتْ على يَدِ الشيخِ محمدِ بنِ عبدالوهاب، كانتْ تُمَثِّلُ الطائفةَ الظاهِرةَ [قالَ الشيخُ حسام الدين عفانة: صَحَّ عنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أحادِيثَ كَثِيرةٍ ذِكْرُ الطائفةِ الظاهِرةِ التي تَبْقَى في هذه الأُمَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ مُتَمَسِّكةً بِدِينِها وقائمةً على أَمرِ اللهِ حتى قِيامِ الساعةِ. انتهى مِن (فتاوى يسألونك)] التي تَمَّ القَضاءُ عليها عن طَرِيقِ دَولةِ محمد عَلِيّ [هو وَالِي مِصْرَ] العَلْمَانِيَّةِ، [فَقَدْ] صَدَرَتِ الفَتَاوَى مِنَ الهَيْئَاتِ الدِّينِيَّةِ في مِصْرَ بِوُجُوبِ قِتالِهم لِأنَّهم خَوارِجُ، وَهَكَذا خَرَجَ جَيْشُ محمد عَلِيّ لِيَقْضِيَ على الدَّولةِ السُّعودِيَّةِ الأُولَى، فَكانَ له ما أرادَ؛ وقامَتِ الدَّولةُ الثانِيَةُ وفيها كانَتِ الخِلَافاتُ على المُلْكِ مُسْتَمِرَّةً ومُسْتَعِرَةً، مِمَّا دَفَعَهم إلى الاستِعانةِ بِمُشْرِكِي الأَمْسِ في قِتالِ إخوانِهم، بَعْدَ ما كانَ مِنَ الأُمُورِ المُسَلَّمةِ عندهم أنَّ الاستِعانةَ بِالكُفَّارِ في حَرْبِ المُسلِمِين كُفْرٌ، وقد عانَى عُلَماءُ نَجْدٍ مِن هذا الوَضْعِ كَثِيرًا، فَقَدْ كانوا يَسْتَتِيبُون الأَمِيرَ بِالأمْسِ مِن هذا الكُفْرِ، فيَقَعُ فيه في اليَومِ الثانِي، إلى أَنْ قُضِيَ عليها [أَيْ على الدَّولةِ السُّعودِيَّةِ الثانِيَةِ] كما قُضِيَ على الأُولَى؛ ثم جاءَتِ الدَّولةُ السُّعودِيَّةُ الثالِثةُ على أنقاضِ الثانِيَةِ، وقامَتْ عَلَى أُسُسٍ عَلْمَانِيَّةٍ بِمَعُونةٍ صَلِيبِيَّةٍ وتَحَدَّدَتْ حُدُودُها بِاتِّفاقاتٍ. انتهى باختصار. قُلْتُ: تَنَبَّهْ إلى أنَّ عُلَماءَ الدَّعوةِ النَّجدِيَّةِ في الدَّولةِ السُّعودِيَّة الأُولَى غَيْرُ عُلَماءِ الدَّعوةِ النَّجدِيَّةِ في الدَّولةِ السُّعودِيَّة الثالِثةِ، فَفي الأُولَى كانوا عُلماءَ رَبَّانِيِّين، أمَّا في الثالِثةِ فَكُلُّ مَن رَضِيَ منهم عنِ المَلِكِ وعائلَتِه أو رَضِيَ عنه المَلِكُ وعائلَتُه، فهو لا يَزِيدُ عن كَوْنِه أَحَدَ عُلَماءِ السَّلَاطِين، يُنافِقُ ويَتَمَلَّقُ كُلَّ ذِي سُلطةٍ، يَأْكُلُ على كُلِّ المَوائدِ، يَبِيعُ آخِرَتَه بِدُنْيَاه]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ السناني-: المملكةُ العربيةُ السعوديةُ [وهي الدولة السعودية الثالثة]، هذه علمانيةٌ أَمْرِيكِيَّةٌ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ السناني-: مسألةُ الخُروجِ مِنَ السِّجْنِ، طَبْعًا ما في أَحَدٌ يَرْفُضُ أنْ يَخْرُجُ مِنَ السِّجْنِ، لا أنا ولا غَيْرِي، لكنَّ البَوَّابةَ التي يضعونها لي وهي الخُرُوجُ مُقَابِلَ أَيِّ تَعَهُّدٍ، كبيرٍ أو صغيرٍ، حَتَّى وَلَوْ شَفَهِيًّا، لن يَظْفَرُوا به مِنِّي ما دامَتِ الرُّوحُ في الجَسَدِ. انتهى باختصار.

 

(20)وقالَ الشيخُ تركي البنعلي في (كُلُّنَا أبْناؤُكَ): جاءَ في الحِوَارِ مع شيخِنا أبي محمد المقدسي (حفظه الله) الذي أَجْرَتْه مجلةُ الوسط، قال شيخُنا (حفظه الله) حين تَكَلَّمَ عن مفاسد ومنكرات المدارس النظامية {ولا أريد هذا لأبنائي؛ ابني محمد عمره عشر سنوات ويحفظ كتاب الله عز وجل كاملًا، وأغلب قراءاته (البداية والنهاية) لابن كثير، و(الكامل) لابن الأثير [أبي السعادات]؛ وابني عمر أصغر منه بسنتين، يحفظ 26 جُزْءًا؛ ولم أُدْخِلْهما مدرسةً، ولن أفعلَ؛ لي كِتَابٌ أَلَّفْتُه في الكُوَيْتِ قديمًا سَمَّيْتُه (إعدادُ القادةِ الفوارسِ بهجرِ فسادِ المدارسِ)، وكان مُوَجَّهًا إلى الدعاة الذين يَكْفُرون بالطاغوت ويَعْجَزون عن إقامة شرع الله في بيوتهم وأولادهم؛ دعوتنا ليست دعوة إلى الأُمِّيَّةِ، أبنائي يَقْرَؤُون ويًكْتُبون وأعمارُهم في الرابعة بفضل الله}. انتهى باختصار.

 

(21)وقالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (إعدادُ القادةِ الفوارسِ بهجرِ فسادِ المدارسِ): أَهْلُ بَيْتِي، لم أُدْخِلْ أحدًا منهم إلى هذه المدارسِ الفاسدةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: الطواغيت لا يرضون -ولن يرضوا- أبدًا بإقامة مدارس على منهاج النبوة في بلادنا التي يَحْكُمُونها بقوانينِهم الكافرةِ ويَتَحَكَّمون بسياساتِها ويَتَسَلُّطون على شعوبِها ويُطَوِّعُونهم لخدمةِ أسيادِهم مِنَ الغَربِيِّين الكَفَرةِ؛ ولذا فإنَّ مُحاوَلةَ إقامة مدارس بصورة رسمية على منهاج السلف في واقع الطواغيت ودُوَلِهم اليومَ أَمْرٌ يَكَادُ يكونُ مَيْئُوسًا منه، اللهم إلَّا في ظُرُوفٍ خاصَّةٍ وحالاتٍ نادرةٍ في بعض الدُّوَلِ الفقيرةِ التي تعيش أنظمتُها حالةً مِنَ الفَوْضَى واللَّامَبَالاةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: إن مُشارَكةَ المسلمِ في هذه المدارس وزَجَّه بأولادِه وفَلَذَاتِ كَبِدِه فيها أَمْرٌ يَتَعارَضُ مع عقيدتِه وتوحيدِه وشرعِه، وكلُّ مسلمٍ راعٍ ومسؤولٍ عن ذُرِّيَّتِه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: المسلمون تَكَالَبُوا على مدارسِ الطواغيتِ، وأَسْلَمُوا لهم ذَرَارِيَّهم [(ذَرَارِيّ) جَمْعُ (ذُرِّيَّة)، والّذُرِّيَّةُ هُمُ الصِّبْيَانُ أوِ النِّسَاءُ أَوْ كِلَاهُمَا] يُنَشِّئُونهم ويُوَجِّهُونهم كما يَحْلُو لهم وكما يَشْتَهون، فصارتْ حالُنا وحالُ أُمَّتِنا إلى هذا الواقع المريرِ المُخْزِي الذي لا يَخْفَى على كلِّ ذِي عَيْنَين... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: إن هذه الصفحات [يعني صفحاتِ كِتَابِ (إعدادُ القادةِ الفوارسِ بهجرِ فسادِ المدارسِ)] ما هي إلَّا صَرْخَةُ مُشْفِقٍ على قَومِه يَتَأَلَّمُ لأحوالِهم وأوضاعِهم وهَوَانِهم بَيْنَ الأُمَمِ وتَسَلُّطِ الطواغيتِ، يُرْسِلُها في صُفُوفِهم عَلَّهَا تُنَبِّهُهُمْ مِن غفلتِهم وتُوقِظُهُمْ مِن سُبَاتِهم العَمِيقِ، فيَتَحَرَّكوا جادِّين لِيَنْبَعِثَ فيهم جِيلٌ قُرْآنِيٌّ مُشْرِقٌ فَرِيدٌ، يَنْفُضُ عنهم غُبَارَ الذُّلِّ والهَوَانِ، ويُعِيدُ للأُمَّةِ أمجادَها ويُبِيدُ ظُلُماتِ الطواغيتِ، وهى ما خُطَّتْ [أَيْ هذه الصَّفَحاتُ] ابتداءً لِتُخاطِبَ عَوَامَّ الناسِ ورِعَاعَهم ولا سُفَهاءَهم الذِين اِسْتَحَبُّوا الحياةَ الدنيا على الآخِرةِ، وانْسَلَخُوا [الانسلاخُ هو الانقطاعُ والانفصالُ والتَّجَرُّدُ] عن هذا الدِّين وجعلوه وراءَهم ظِهْرِيًّا، بل خُطَّتْ لِتُخاطِبَ -أولًا- أولئك المُنْتَسِبِين للدعوةِ والعلمِ والجهادِ والإيمانِ، أولئك الذِين يَتَحَرَّقون صادقِين ويَتألَّمون مُشْفِقِين، لِمَا وَصَلَتْ إليه أحوالُ أُمَّتِهم مِن تَرَدٍّ وفسادٍ، ويُؤَرِّقُهم تَدَاعِي الأعداءِ مِن طواغيتِ الحُكَّامِ وغيرهِم عليها وعلى حُرُماتِها، ويَسْعَون لِيُجَدِّدوا لهذه الأُمَّةِ أَمْرَها؛ فهي [أَيْ هذه الصَّفَحاتُ] لِأجْلِ ذلك ما صُنِّفَتْ حَوْلَ هذه المدارسِ التي لم تُؤَسَّسْ على تَقْوَى مِنَ اللَّهِ ورضوانٍ لِتُقَدِّمَ في الدراسةِ أو التدريسِ فيها حُكْمًا فِقْهِيًّا مُحَدَّدًا كالحُرْمةِ أو البُطْلَانِ (وإنْ كانتْ يَقِينًا تَمْتَلِئُ بالباطلِ والحرامِ، بَلْ فيها ما هو أَطَمُّ وأَعْظَمُ من ذلك، فيها الكُفْرُ والزندقةُ والإلحادُ والشركُ الصُّراحُ)؛ وإنما صُنِّفَتْ لِتُنَبِّهَ كثيرًا مِنَ العاملِين في الحقلِ الإسلاميِّ إلى سَلْبِيَّاتٍ وعَقَبَاتٍ تَعْتَرِضُهم، وخُطَّتْ لِتَكونَ أيضًا شَوْكةً وشَجًّا في حُلُوقِ الطُّغاةِ وقَذًى في عُيُونِهم، تَكْشِفُ كثيرًا مِن أساليبِهم وأَلَاعِيبِهم، وتَفْضَحُ نَوَايَاهُمُ الخَبِيثةَ وحَبَائِلَهم المُدَمِّرةَ، وتُبَيِّنُ أن هذه المدارس ما هي إلَّا شيءٌ مِن ذلك، أَسَّسوها للفساد والإفساد والصد عن سبيل اللَّه القويم وصراطه المستقيم... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: ومِنَ الفتن والمُنكَراتِ التي دَخَلَتْ قلوبَ كثيرٍ مِنَ الناس، بل قلوبَ مَن ينتسبون للعلم والدعوة منهم، اِتَّخَذوها سُنَّةً وعادةً ومَعْروفًا، بل ودِينًا، وما عادوا يُمَيِّزُونها، مُنكَراتُ مدارسِ الطواغيتِ وفِتَنُها، أُشْرِبَتْهَا واللَّهِ القُلُوبُ، حتى ما عُدْتَ تَرَى لها مُنْكِرًا إلا قليلًا، أصبحَ دخولُها عند أكثر أهل زماننا معروفًا -بلْ واجبًا عند عامَّتِهم- وتركُها وهِجْرانُها باطلًا وضلالًا، مع ما فيها مِنَ الضلال العظيم والإفك المُبِين الذي لا يَخْفَى -واللَّهِ- إلا على مَن أَعْمَاه اللهُ وطَمَسَ بصيرتَه وحَرَمَه مِن نورِ الفُرقانِ بما كَسَبَتْ يَدَاه، وبرغم وضوح باطل هذه المدارس واشتهار فسادها، فإنك لا تكادُ تَرَى مَن يُنقِذُ أولادَه منها أو يُنْجِيهم مِن شَرِّها، بل ما يزداد أكثر الناس يومًا بعد يوم فيها إلا تَشَبُّثًا، وبباطلها المُبِين ومنكراتِها العظيمةِ وما فيها من خَطَرٍ على الأبناء والذرية إلا استهانةً واستخفافًا، ذلك الاستخفاف وتلك الاستهانة التي جَرَّتْ وتَجُرُّ على الكثيرِين منهم ومِن أولادهم دَمَارًا وفسادًا عظيمًا، وليس ذلك مُقتَصِرًا على عَوَامِّ الناسِ وسُفَهائهم، بل يَشْعُرُ بذلك الدَّمَارِ حتى الدُّعاةِ والخاصَّةِ مِنَ المُلتَزِمِين بتعاليم الدِّين منهم، ويُصِرُّون مع ذلك على إبقاء أبنائهم في هذه المدارس العَفِنَةِ إصرارًا يَجعَلُ الحَلِيمَ بأَمْرِهم مُتَحَيِّرًا؛ ولقد جَمَعَتْنِي مَجَالِسُ مع كثيرٍ مِن هؤلاء الأفاضلِ المُتَتَبِّعِين لِسُنَّةِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ، الحريصِين على أمرِ دِينِهم ودِينِ أبنائهم، بل وممن أنعمَ اللَّهُ عليهم بنعمةِ تطهيرِ بُيوتِهم مِن رِجْسِ التلفزيوناتِ ونحوِها مِن فِتَنِ العَصْرِ (وما أقَلَّهم!)، [فَوَجَدْتُهم] يَشْكُون ويَتَذَمَّرُون مِن فَسادِ الذُّرِّيَّةِ مِنَ الأبناء والبناتِ، وتَحَمُّلِهم لألفاظٍ وكلماتٍ وعاداتٍ وأحوالٍ غَرِيبةٍ على أبائهم وأُمَّهاتِهم ما رَبَّوْهم ولا عَوَّدُوهم عليها؛ وما زلت أَذْكُرُ أَحَدَ أولئك الإخوةِ الأفاضلِ، يومَ أنْ جَلَسْتُ إليه وهو يَذْرِفُ الدُّموعَ ويَبْكِي حَزَنًا على أحوالِ أبنائه، وأَتَذَكَّرُه جيدًا وهو يدعو على الحكومة الفاسدة والمُجتمَعِ المُنْحَرِفِ، ويَتَحَسَّرُ على انْفِلَاتِ الأُمورِ مِن يديه بعدَ أنْ شَبَّ الأبناءُ على تلك الألفاظِ والعاداتِ وما عادوا يَستمِعون لإرشاداتِه أو يَكْتَرِثون بِتَوجِيهاتِه، وأَذْكُرُ أنني قلتُ له يومَها فيما قلتُ {إن مُصِيبَتَنا أن هذه المدارس أُشْرِبَتْهَا قُلُوبٌ، وأصبح أَمْرُنا معها كأَمْرِ العَوَامِّ، لا نستطيعُ التفريطَ بها أو التَّضْحِيَةَ بشهاداتِها وبهَجْرِها في سبيلِ حِفْظِ دِينِنا ودِينِ أبنائنا، والحقُّ يُقال، إن أَكْثَرَنا أصبحَ أَمْرُ هذه المدارس ونجاحُ أبنائه فيها أَهَمَّ عنده مِن أَمْرِ دِينِ اللَّهِ وسُلوكِ صِراطِه المستقيمِ، وإنني لأعجب أين غَيْرَتُنا على دِينِنا ودِينِ أبنائنا، كيف نقذفُ بهم في أيدي أولياءِ الشيطانِ ثم نأتي ونتباكَى بعدَ فواتِ الأوانِ ونعض أصابعَ الندمِ على انحرافِ ذُرِّيَّاتِنا، بل أين مِنَّا غَيْرةُ أبي سلمان الفارسي، ذلك المجوسيُّ الذي كان يَغَارُ على دِينِه الباطلِ، حتى قامَ برَبْطِ ابْنِه بالسلاسلِ في بَيْتِه مَخَافةَ أنْ يُبَدِّلَ دِينَه بالنصرانيةِ}، وقلتُ له أيضًا {حقًّا إن الحكومات فاسدة مُفسدة لا يَهُمُّها أَمْرُ الدِّينِ وأهلِه، بل هي في زماننا حَرْبٌ على الدينِ ومِن أَلَدِّ أعدائه، لذا فهي حقًّا سَبَبٌ عظيم مِن أسباب فسادِ المجتمعِ، ولكنَّ المسؤولَ الأولَ عن مصائب الأبناء هو نحن الآباءُ، إذ ألقينا بأبنائنا وأسلمناهم لمدارسهم المنحرفة فساهمنا بذلك في إفسادهم من حيث لا نشعر، وما ذلك إلا بسبب تَهاوُنِنا بفسادِها وانحرافاتِها، وكان أَهْوَنُ علينا أنّْ نُلْقِي بهم بين براثن وُحُوشٍ كاسرةٍ فَتُمَزِّقُ أبدانَهم وأجسادَهم ويَمُوتُون على إسلامِهم، مِن أَنْ يُمَزِّقَ الطواغيتُ -بمنهاجِهم ومدارسِهم هذه- عقيدتَهم ويُدَمِّرُون أخلاقَهم ووَلَاءَهم للدينِ وأهلِه}، ورَحِمَ اللَّهُ ابنَ القيم إذ يقول [في تحفة المودود] {فما أَفْسَدَ الأَبْنَاءَ مِثلُ تَغفُّلِ الآبَاءِ وإهمالِهم واستسهالِهم شررَ النَّار بَيْنَ الثِّيَابِ!، فَأَكْثَرُ الآبَاءِ يعتمدون مع أَوْلَادهم أعظمَ ما يَعْتَمِدُ الْعَدُوُّ الشَّديدُ الْعَدَاوَةِ مَعَ عدُوِّه وهم لَا يَشْعُرُونَ!، فَكَمْ مِن وَالِدٍ حَرَمَ وَلَدَه خيرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَة وَعَرَّضَه لهلاكِ الدُّنْيَا وَالآخِرَة!، وكُلُّ هَذَا عواقبُ تَفْرِيطِ الآبَاءِ فِي حُقُوق الله وإضاعتِهم لَهَا وإعراضِهم عَمَّا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِم من الْعلم النافع وَالْعَمَل الصَّالح}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: قمتُ بكتابة هذه الورقات [يعني ورقات كِتَابِ (إعدادُ القادةِ الفوارسِ بهجرِ فسادِ المدارسِ)]، ولم أُوَجِّهْ حديثِي فيها ابْتِدَاءً إلى أولئك الذِين انسلخوا عن دِينِهم وسَلَخُوا أبناءَهم وأهلِيهم عنه وعن تعاليمه واستحبُّوا الحياةَ الدنيا على الآخرةِ، فهؤلاء وإن كانوا مُطالَبِين بهذا الذي نحن بصددِه، إلا أنَّ لهم شأنًا آخَرَ، وللحديثِ معهم صورةٌ وطريقةٌ أُخْرَى وأَوْلَوِيَّاتٌ وتفاصيلُ كثيرةٌ [قلتُ: هؤلاء محتاجون أن يُتحدثَ معهم في معنى (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) ونَواقِضِها وشُروطِ صِحَّتِها، وفي الولاء والبراء، وفي معنى (الطاغوت) وصفة الكفر به (اعتقادًا وقَولًا وعَمَلًا)، وفي أصلِ الإيمان (وهو الحدُّ الأدنى الذي به ينجو صاحبه من الخلود في النار)، وفي أركان الإيمان التي لا يصح إيمان أحد إلا باجتماعها فيه (وهي الاعتقاد والقول والعمل)، وفي الفَرْقِ بين دار الإسلام ودار الكفر، وفي معنى (إظهار الدين) في دار الكفر]، ولكني أُوَجِّهُه ابْتِدَاءً إلى إخواننا في اللَّه، المُتَتَبِّعِين لطريقةِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أولئك الذين يَهُمُّهم شأنُ هذا الدِّينِ، ويُؤَرِّقُهم ما آلَ إليه حالُه وحالُ أَتْباعِه مِن ذُلٍّ وهَوَانٍ على الناسِ، ويعملون جاهدِين لَيْلَ نَهَارَ للدعوة إليه والاستقامة عليه، ومع ذلك لَبَّسَ عليهم إِبْلِيسُ، فوَقَعوا وأَوْقَعوا أبناءَهم في شَرِّ هذه المدارسِ ومُنْكَراتِها، إلى هؤلاء أَوَّلًا، وللآخَرِين تَبَعًا، أُقَدِّمُ نصيحتِي هذه لعلَّها تَقَعُ في نُفُوسِهم موقعًا حَسَنًا، فيُبادِروا بإنقاذ أبنائهم وفَلَذَاتِ أَكْبادِهم مما يَكِيدُ لهم طواغيتُ هذا الزمانِ ويُدَبِّرون من إفسادٍ وتضليلٍ (مِن خلال مدارسِهم الفاسدة هذه وأجهزتِهم المختلفةِ الأُخْرَى)، فيتخطوا بذلك عَقَبةً عظيمةً مِنَ العَقَباتِ الكثيرةِ التي تَعُوقُ طريقَ الدعوة إلى اللَّه، وتَقِفُ حاجزًا رَهِيبًا في طريقِ إعدادِ وتربيةِ جيلٍ إسلاميٍّ قُرْآنِيٍّ فَرِيدٍ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي- تحت عنوان (أَهَمِّيَّةُ مرحلةِ الطُّفولةِ والصِّبَا وخُطورتُها): واعلمْ رَحِمَك اللَّهُ أنَّ أخطرَ المَراحلِ وأَهَمَّها تَأثِيرًا في عُمُرِ الإنسانِ هي مَرحَلةُ الطُّفولةِ والصِّغَرِ، المَرحَلةُ التي يُدخِلُ أكثرُ أهلِ زَمانِنا أبناءَهم فيها هذه المَدارسَ النَتِنَةِ، تلك المرحلةُ التي يكونُ فيها القَلْبُ كالصَّحِيفةِ البَيْضاءِ تَنْقُشُ فيها ما تَشاءُ وتَكتُبُ عليها ما تُرِيدُ، وقد قِيلَ {حَرِّضْ بَنِيكَ على الآدابِ في الصِّغَر *** كَيما تَقَرَّ بهم عَيناكَ في الكِبَرِ*** وَإِنَّما مَثَلُ الآدابِ تَجمَعُها *** في عُنْفُوَانِ الصِّبا كالنَّقْشِ في الحَجَرِ}؛ ويَدُلُّك على خُطورةِ هذه المرحلةِ دَلَالةً واضحةً ما رَواه البخاريُّ عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ {قالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ما مِن مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أو يُنَصِّرَانِهِ أو يُمَجِّسَانِهِ)}، وفيه أنَّ هذه المرحلةَ مِن عُمُرِ المَولودِ خَطِيرةٌ جِدًّا بحيث يُمْكِنُ لأبَوَيْه أنْ يَحْرِفَاه فيها بِسُهُولةٍ عن فِطْرةِ اللَّهِ التي فَطَرَ الناسَ عليها، فالمَولودُ في هذه السِّنِّ كقِطْعةِ عَجِينٍ تُشَكِّلُها كيف تَشَاءُ، أَمَّا إذا شَبَّ وكَبُرَ وتَرَعْرَعَ فإنَّ ذلك يَغْدُو صَعْبًا عَسِيرًا غيرَ مَيْسُورٍ، وصَدَقَ مَن قالَ {قَدْ يَنْفَعُ الأَدَبُ الأَوْلادَ فِي صِغَرٍ*** وَلَيْسَ يَنْفَعُهُمْ مِنْ بَعْدِهِ أَدَب *** إِنَّ الْغُصُونَ إِذَا عَدَّلْتَهَا اعْتَدَلَتْ *** وَلا تَلِينُ إذا صارَتْ مِنَ الْخَشَبِ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: واستطاعَ هؤلاء الطَّواغِيتُ بِدَسِّهم السُمَّ في الدَّسَمِ، وعن طريقِ مَوَادِّ التاريخِ [قالَ الشيخُ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإِسْكَنْدَرِيَّةِ) في مُحاضَرة بعنوان (المؤامرة على التعليم) مُفَرَّغَةٍ على هذا الرابط: رئيسُ لَجْنَةِ التعليمِ بمَجْلِسِ الشَّعْبِ، المَدعُو (صوفي أبو طالب)، بَعْدَ أنْ تَرَكَ مَنْصِبَه يُصَرِّحُ لبعضِ الجَرائدِ أنَّه لم يَشتَرِكْ في وَضْعِ كُتُبِ التاريخِ المُقَرَّرةِ على تلاميذِ المَرحَلةِ الإعدادِيَّةِ أو الثَّانَوِيَّةِ، رُبَّما أرادَ أنْ يُبَرِّئَ نَفْسَه مِن هذه الجَرِيمةِ، وأشارَ بأنَّ مناهجَ التاريخِ شَوَّهَتِ التاريخَ الإسلامِيَّ وزَيَّفَتْه. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ عليُّ بنُ نايف الشحود في (موسوعة الأسرة المسلمة): ونظرًا لأهمية التاريخ في حياة الأمم، فقد لجأ أعداء هذه الأمة -فيما لجؤوا إليه- إلى تاريخ هذه الأمة، لتفريق جمعها وتشتيت أمرها وتهوين شأنها، فأدخلوا فيه ما أَفْسَدَ كثيرًا مِنَ الحقائقِ، وقَلَبَ كثيرًا مِنَ الوقائع، وأقاموا تاريخًا يوافق أغراضهم ويخدم مآربهم ويحقق ما يصبون إليه. انتهى. وقالَ الشيخُ عليُّ بنُ محمد الصلابي (عضو الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابه (الدولة العثمانية، عوامل النهوض وأسباب السقوط): إنَّ التاريخَ الإسلاميَّ (القديمَ والحديثَ) عِلْمٌ مُستهدَفٌ مِن قِبَلِ كلِّ القُوَى المُعادِيَةِ للإسلامِ، بِاعْتِبَارِه الوِعَاءَ الْعَقَدِيَّ والفِكْرِيَّ والتَّرْبَوِيَّ في بِنَاءِ وصِيَاغةِ هُوِيَّةِ الشُّعوبِ الإسلاميةِ. انتهى] والْجُغْرَافِيَا وما يُسَمُّونه بالتَّربِيَةِ الوَطَنِيَّةِ (وكان الأَوْلَى أنْ تُسَمَّى بالوَثَنِيَّةِ) [قالَ الشيخُ المقدسي في مَوضِعٍ آخَرَ مِن كتابِه: فالمسألةُ لا تَقِفُ عند تلك المادَّةِ التي يُسَمُّونها بالتَّربِيَةِ الوَطَنِيَّةِ، والتي يَستَغِلُّونها مِن أَوَّلِها إلى آخِرِها في تحقيقِ ما يُريدون، بَل تَتَعَدَّى ذلك لِتَشمَلَ الْجُغْرَافِيَا والتارِيخَ، بَلْ وجميعَ المَوَادِّ. انتهى باختصار]، استطاعوا عن طريقِ هذا وغيرِه أنْ يَجعَلوا الرَّابِطةَ الأُولَى والوَشِيجةَ الأساسِيَّةَ والحَقِيقِيَّةَ في نُفُوس كثيرٍ مِنَ الأبناءِ، هي رابِطةُ العُرُوبةِ والقَوْمِيَّةِ العَرَبِيَّةِ، ونَسخُوا الإسلامَ، أو قُلْ على أحسنِ الأحوالِ جَعَلوه تَبَعًا لها، تُهَيْمِنُ عليه ولا يُذْكَرُ إلَّا بَعْدَها [أَيْ لا يُذْكَرُ (الإسلامُ) إلَّا بَعْدَ (العُرُوبةِ)]، كما سيَأْتِي بَيَانُ ذلك وتفصيلُه كُلِّه إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالَى، فَنَشَأَتْ بفِعْلِ ذلك أجْيَالٌ مَمْسُوخةٌ تَتَسَمَّى بأسماءِ المُسلِمِين وتَنْتَسِبُ إلى جِلْدَتِهم، وغالِبِيَّتُهم في الحقيقةِ أعداءٌ للإسلامِ ولِأهْلِه شَعَروا أو مِن حيث لا يَشْعُرون، جَرُّوا على أُمَّتِهم العارَ والوَيْلَاتِ، وتفاصيلُ ذلك وأَدِلَّتُه موجودةٌ مشهورةٌ مفضوحةٌ، في بلادِنا وشَوَارِعِنا وأسواقِنا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ العَلِيِّ العظيمِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: ومِنَ الأبناءِ مَن تَأَثَّرَ برُفَقَاءِ السُّوءِ، أو المُدَرِّسِين المُنحَرِفِين أو المُلحِدِين، المُمْتَلِئةُ بهم المدارسُ، تأثيرًا قَوِيًّا جَعَلَهم يَتَطَبَّعون بطِبَاعِهم، أو يَكْتَسِبون منهم مَناهِجَهم وسُبُلَهم في الحَيَاةِ وطُموحاتِهم وآمالَهم وأهدافَهم، فَبَذَروا فيهم بُذُورَ الشُّيُوعِيَّةِ أو العَلْمَانِيَّةِ أو القَوْمِيَّةِ والبَعْثِيَّةِ أو غيرِها مِن سُبُلِ المُجرِمِين... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: يَقولُ أَحَدُ المُرَبِّين المُعاصِرِين واصِفًا هذه المدارسَ وأمثالَها ما مُجْمَلُه {إنَّ طَواغِيتَ هذا الزمانِ أَشَدُّ خُبْثًا مِن فِرْعَوْنَ، لِأنَّ عندهم ولَدَيْهِمْ مِن وسائلِ المَكْرِ والكَيْدِ والإفسادِ ما لم يكنْ لِيُدْرِكَه أو يَعْرِفَه فِرْعَوْنُ، ولقد كان عَدُوُّ اللهِ أَقَلَّ منهم خُبْثًا ومَكْرًا حين أَخَذَ يُقَتِّلُ أَبْنَاءَ بَنِي إسرائِيلَ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ مَخَافَةَ أنْ يَظْهَرَ منهم مَن يَرُدُّ ويُنْكِرُ باطلَه وطُغْيانَه، ولو أنَّه أَنْشَأَ مِثْلَ هذه المدارسِ التي أَنْشَأَها هؤلاء الطَّواغِيتُ، وبَثَّ فيها مِن فَسادِه وإلحادِه وزَنْدَقَتِه وسُمُومِه وباطِلِه كما يَفْعَلون، لَأدْرَكَ بسُهُولةٍ ما يُرِيدُ، ولَحَطَّمَ بذلك الأُمَّةَ بإفسادِ أبنائِها، ولَقِيلَ عنه في الوقتِ نَفْسِه (صاحِبُ فَضِيلةٍ ومَعْرِفةٍ وناشِرُ عْلْمٍ وحَضَارةٍ وَمَاحٍ للأُمِّيَّةِ)!}؛ فلا تَعجَبْ بعدَ ذلك مِن جَعْلِهم التعليمَ إلزامِيَّا ومَجَّانِيًّا كما نَصَّتْ دَساتِيرُهم، فليس هذا مِن حِرْصِهم على العِلْمِ والمَعرِفةِ، بَلْ هو مِن حِرْصِهم على تَحقِيقِ هذا المَكْرِ والخُبْثِ والباطِلِ المذكورِ، وفي الوقتِ نَفْسِه تَلْهَجُ الأَلْسِنةُ بشُكْرِهم والثَّناءِ عليهم بَلْ والدُّعاءِ لهم، ولو تَكَشَّفَتِ الحقائقُ لَدَعَوْا عليهم ولَعَنُوهم لَعْنًا كبيرًا؛ وعليه فاعْلَمْ رَحِمَك اللهُ أنَّ كُلَّ طاغوتٍ مِن طواغِيتِ هذا الزَّمانِ، يَعْمَلُ جاهِدًا عن طَرِيقِ هذه المدارسِ على تَثْبِيتِ كُرْسِيِّه وكَرَاسِيِّ حِزْبِه أو عائلَتِه وعَشِيرَتِه؛ ومِن أَهَمِّ خُطَطِهم- التي يُوحِيها لهم أَوْلِياؤهم مِن شَيَاطِينِ الجِنِّ والإنْسِ- في ذلك؛ أوَّلًا، غَرْسُ الحُبِّ في نُفوسِ النَّشْءِ والوَلَاءِ لهم ولحُكوماتِهم، وعَوائلِهم أو أَحْزابِهم الحاكِمةِ، إما صراحةً، أو يُغْطَّى بغِطَاءِ حُبِّ الوَطَنِ والدِّفاع عنه؛ ثانيًا، تَربِيَتُهم على احترامِ الْقَوَانِينِ الوَضْعِيَّةِ التي وضَعُوها هُمْ وكَفَلُوا [أَيْ ضَمِنُوا] فيها ثَبَاتَ عُرُوشِهم وحُكْمِهم الكافرِ، فيُرَبُّون النَّشْءِ على احترامِها ويَغْرِسون في نُفُوسِهم أنَّ فيها العدالةَ وحِفْظَ الحُقوقِ، كما يُرَبُّوهم على تَقْدِيس وإجلالِ النِّظامِ [يَعْنِي السُّلْطةَ الحاكِمةَ] السائِدِ في البَلَدِ، دِيمُقْراطِيًّا كان أم اشتراكِيًّا أو غير ذلك، وأنَّ فيه الحُرِّيَّةَ والمُساواةَ والمَصالِحَ العامَّةَ وغير ذلك مما يَهْرِفُون [أَيْ يَهْذُونَ] به؛ ثالثًا، إبْعادُ الأبناءِ عنِ الرَّابِطة الإسلاميَّةِ (رابِطةِ العقيدةِ التي فيها عِزُّهم وسُؤْدَدُهم [أَيْ وسِيَادَتُهم] وخلاصُهم مِن هؤلاء الطواغيت)، واستبدُالها بِرَابِطَةِ القَومِيَّةِ العَرَبِيَّةِ [وقالَ الشيخُ ابنُ باز في (نقد القومية العربية): ولا رَيْبَ أنَّ الدَّعوةَ إلى القَومِيَّةِ العَرَبِيَّةِ مِن أَمْرِ الجاهِلِيَّةِ، لأنَّها دَعوةٌ إلى غيرِ الإسلامِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ ابنُ باز-: إنَّ مِن أعظَمِ الظُّلْمِ وأَسفَهِ السَّفَهِ أنْ يُقارَنَ بين الإسلامِ وبين القَومِيَّةِ العَرَبِيَّةِ، لا شَكَّ أنَّ هذا مِن أعظَمِ الهَضْمِ للإسلامِ والتَّنَكُّرِ لِمَبادِئه السَّمْحَةِ وتَعالِيمِه الرَّشِيدةِ، وكيفَ يَلِيقُ في عَقْلِ عاقلٍ أنْ يُقارِنَ بين قَوْمِيَّةٍ لو كان أبو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ وأضرابُهم مِن أعداءِ الإسلامِ أَحْيَاءً لَكانوا هُمْ صَنادِيدَها [أَيْ قادَتَها] وأَعْظَمَ دُعاتِها، وبين دِينٍ كريمٍ صالحٍ لِكُلِّ زَمانٍ ومَكانٍ دُعاتُه وأنصارُه هُمْ محمد رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وعُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وعُثْمانُ بنُ عَفَّانَ وعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وغيرُهم مِنَ الصَّحابةِ صَنادِيدِ الإسلامِ وحُمَاتِه الأبْطالِ ومَن سَلَكَ سبيلَهم مِنَ الأخْيَارِ؟!، لا يَستَسِيغُ المُقارَنةَ بين قَومِيَّةٍ هذا شأنُها وهؤلاء رِجالُها وبين دِينٍ هذا شأنُه وهؤلاء أنْصارُه ودُعاتُه، إلا مُصَابٌ في عَقْلِه أو مُقَلِّدٌ أعْمَى أو عَدُوٌّ لَدُودٌ للإسلامِ، وما مَثَلُ هؤلاء في هذه المقارنة إلَّا مَثَلُ مَن قارَنَ بين البَعْرِ والدُّرِّ [البَعْرُ هو رَوْثُ الغَنَمِ والإِبِلِ وما شابَهَها؛ والدُّرُّ جَمْعُ دُرَّةٍ، وهي اللُّؤْلُؤَةُ العَظِيمةُ الكَبِيرةُ]، أو بين الرُّسُلِ والشَّياطِينِ؛ ثم كيفَ تَصِحُّ المُقارَنةُ بين قَومِيَّةٍ غايَةُ مَن ماتَ عليها النَّارُ، وبين دِينٍ غايَةُ مَن ماتَ عليه الفَوزُ بجِوارِ الرَّبِّ الكَرِيمِ في دارِ الكَرَامةِ والْمَقَامِ الأَمِينِ. انتهى باختصار]، بَلْ وبِروابِط الجِنْسِيَّاتِ [يَعْنِي رابِطةَ المُوَاطَنَةِ (المُقْتَبَسةَ مِنَ القوانِينِ الأُورُوبِّيَّةِ)] الهَزِيلةِ التي اصْطَنَعوها تَبَعًا لدُوَيْلاتِهم وفَرَّقُوا المسلمِين بها، وتَعمِيقُ مَعانِيها في النُّفوسِ، والتي تَعْنِي في مَناهِجِهم الوَلَاءَ لهذه الأَنْظِمةِ الفاسِدةِ وطَواغِيتِها المُفْسِدِين؛ وسنُدَلِّلُ على ذلك كُلِّه مِن مَقولاتِهم وتَصرِيحاتِهم وقَوانِينِهم ومَناهِجِهم، كما قِيلَ {مِنْ فَمِكَ أَدِينُكَ}؛ والحَقُّ يُقَالُ، أَنَّنا لو أَرَدْنا أنْ نَخُوضَ في مدارسِ هؤلاء الطَّواغِيتِ في الأَنْظِمةِ كُلِّها جَمْعاءَ، ونُبَيِّنَ صِحَّةَ ما نَرْمِي إليه فيها نِظَامًا نِظَامًا، لَكَلَّفَنا ذلك مِنَ الوَقتِ والجُهْدِ الكثيرَ، ولَأمْسَتْ هذه الرِّسالةُ [يعني كِتَابَ (إعدادُ القادةِ الفوارسِ بهجرِ فسادِ المدارسِ)] أَضْعافَ أَضْعافِ حَجْمِها هذا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: ولو خَرَجْنا إلى واقعِ المدارسِ في هذا البَلَدِ [يَعْنِي دَولةَ الكُوَيْتِ] وغيرِه مِنَ البلادِ في هذا الزَّمانِ وتَأَمَّلْنا ونَظَرْنا في أحوالِ مُدَرِّسِيها، لَوَجَدْنا أكثرَهم لا يَعْدُون ما ذَكَرْناه آنِفًا، فَهُمْ بين صَلِيبِيٍّ حاقِدٍ قَلْبًا وقالِبًا، وبين وَلِيٍّ مِن أَولِياءِ الغربِ مَسحُورٍ بحَضارَتِهم وثَقافَتِهم النَتِنَةِ، أو مُلْحِدٍ شُيُوعِيٍّ يُسَبِّحُ بحَمْدِ مَارْكِسَ ولِينِينَ، أو بَعْثِيٍّ قَوْمِيٍّ، أو رافِضِيٍّ شِيعِيٍّ، أو عَلْمانِيٍّ لا يَعِرِفُ صلاةً أو صِيَامًا ولا يَعْتَرِفُ بدِينٍ بَلْ دَأْبُه التَّشكِيكُ والطَّعْنُ في الأديَانِ، أو مِن أَوْلِياءِ الطَّواغِيتِ، أو دُنْيَوِيٍّ لا يَهُمُّه سِوَى الرَّاتِبِ والدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ يَتَلَقَّى أَوامِرَ المسؤولِين أَيًّا كانت لِيَرْكَعَ ويَنْقَادَ لها، أو مِنَ المُفْسِدِين في الأرضِ المُنخَرِطِين في المَلَذَّاتِ والشَّهَواتِ لا يُفَرِّقون بين حَلَالِها وحَرامِها مِن خَمْرٍ أو زِنًى أو لُوَاطٍ أو غيرِ ذلك؛ وسنَذكُرُ في الصفحاتِ القادمةِ بعضَ ما يَدُلُّ على وُجودِ هذه الأصنافِ كُلِّها في هذه المدارسِ، والشاهِدُ مِن ذلك كُلِّه، أنْ يَعرِفَ الأَبُ نَوعِيَّةَ الوُحوشِ والمُجرِمِين الذِين أَلْقَى بأبنائه بين بَراثِنِهم وأَنْيَابِهم، والذِين يَتَسَتَّرون بلِباسِ المُدَرِّسِين والمُعَلِّمِين والمُوَجِّهِين والتَّربَوِيِّين، {فَقَاتِلُ النَّفْسِ مَأْخُوذٌ بِفِعْلَتِهِ *** وَقَاتِلُ الرُّوحِ لا يَدْرِي بِهِ البَشَرُ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: وهذا الشيخُ أبو بكر أحمد السيد (مِنَ العاملِين في مجالِ التربية والتعليم)، يقول في رسالة له [وهي باسم (رسالة إلى المدرسين والمدرسات)] {ولا تَنْسَ يا أخي أنَّ هناك مِنَ المُدَرِّسِين والعاملِين في حقلِ التعليمِ مَن يَقُومُ بنَشْرِ الدعواتِ الهَدَّامةِ بين الطُّلَّابِ ويُحارِبُ الاتجاهاتِ الإسلاميةَ، فهذا مُدَرِّسٌ يَنْشُرُ الإلحادَ ويُشَكِّكُ في وُجودِ الخالقِ عز وجل، وهذا وَكِيلُ مدرسةٍ يَضَعُ العَقَباتِ أمامَ تلاميذِه الذِين يُريدون أداءَ الصلواتِ جَماعةً، وهذا ناظِرٌ يَمْنَعُ تَكْوِينَ أَيَّ جَماعةٍ إسلاميةٍ في المَدرسةِ ويَحْظُرُ أَيَّ نَدَواتٍ إسلاميةٍ، وهذه مُدَرِّسةٌ مُتَبَرِّجةٌ تُدَرِّسُ لِبَنَاتِنا التَّرْبِيَةَ الإسلاميةَ، وهذه ناظِرةٌ تَسْخَرُ مِن تِلْمِيذةٍ أطاعَتْ أَمْرَ رَبِّها وتَحَجَّبَتْ، وهذا أستاذٌ قد تَفَرْنَجَ ودَخَلَ قاعةَ المحاضراتِ فاتِحًا أَعْلَى قميصِه لِيَرَى طُلَّابُه ما تَحَلَّى به مِن زِينةِ النساءِ (ونَعْنِي بها تلك السِّلْسِلةَ الذَّهَبِيَّةَ التي سَلْسَلَ بها عُنُقَه)، وهكذا تَرَى للباطلِ وحِزْبِ الشيطانِ جُنودًا مُجَنَّدةً في حقلِ التعليمِ، ثم يَخْرُجُ الطُّلَّابُ من معاهدهم بعدَ تَلَقِّي العُلومِ على أيدي أمثالِ هؤلاء المُدَرِّسِين لِتَسْتَقْبِلَهم أجهزةُ الإعلامِ بوَابِلٍ مِنَ المُسَلْسَلَاتِ والمُبارَيَاتِ والمَسْرَحِيَّاتِ والأَفْلَامِ التي تُزَيِّنُ لهم المُنْكَرَ فيَنَامُون سُكَارَى ثم يَستَيْقِظون سُكَارَى، وهكذا يَخْرُجُ لنا جِيلٌ يَسْتَخِفُّ مُعْظَمُ شَبَابِه بأوامرِ اللَّهِ وتعاليمِ الدِّينِ وقد يَشُكُّون في وُجودِ الخالقِ سُبْحانَه وتَعالَى}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: فإذا عَرَفْتَ هذا كُلَّه يا عبدَالله، وتَبَيَّنَ لك فَسَادُ غالِبَيَّةِ مُدَرِّسِي هذه المدارسِ وانحرافُهم، فَلْتَعْلَمْ بعدَ ذلك، إنْ كُنْتَ مِمَّن أَلْقَى أبناءَه في هذه المُستَنقَعاتِ الآسِنَةِ [أَيِ النَّتِنةِ]، أنَّ أبناءَك هؤلاء -وخاصَّةً الصِّغَارَ منهم- يَتَأَثَّرون بِأُولَئِكَ المُدَرِّسِين تَأَثُّرًا عَظِيمًا، فإذا كان المَرْءُ على دِينِ خَلِيلِه وصَدِيقِه الذي هو مَثِيلُه وفي مُستَواه غالِبًا، فكيف بشَيْخِه ومُعَلِّمِه وأستاذِه؛ ولِأجْلِ ذلك كان أَحَدُ السابِقِين يُوصِي مُعَلِّمَ أبنائه ومُؤَدِّبَهم فيما يُوصِيه فيقولُ {لِيَكُنْ أَوَّلَ إصلاحِك الوَلَدَ إصلاحُك لِنَفْسِك، فإنَّ عُيُونَهم مَعقُودةٌ بِعَينِك، فالحَسَنُ عندهم ما صَنَعْتَ، والقُبْحُ عندهم ما تَرَكْتَ}؛ وَهَا هُوَ أَحَدُ المُرَبِّين المُعاصِرِين يُؤَكِّدُ هذه المَعانِي في مُحاضَرةٍ له، فيقولُ {وَلْتَعْلَمْ يَا أَخِي الأَبُ أنَّ وَلَدَك بمُجَرَّدِ إدخالِه المدرسةَ يقولُ في نَفْسِه (لو أنَّ أَبِي مُرَبٍّ لَرَبَّانِي في البَيْتِ، ولكنَّ أَبِي مُغَذٍّ فَقَطْ، يَمْلأُ بَطْنِي، ويَكْسُو جِلْدِي، ويُعْطِينِي مَبَالِغَ، أَمَّا المُرَبِّي الحَقِيقِيُّ الذي آخُذُ منه المعلوماتِ وأَتَلَقَّى منه الدُّروسَ والتَّوجِيهاتِ فهو المُدَرِّسُ)، وَلِهذا يَثِقُ بكَلَامِ الأستاذِ أكثرَ مِمَّا يَثِقُ بكَلَامِك أنتَ، إذَا أَرْسَلَه المُدَرِّسُ نَفَّذَ، وإذا أَرْسَلْتَه أنتَ يَتَكاسَلُ، وإذا عَرَضَ المُدَرِّسُ رَغْبَتَه في أنْ يَخْدِمَه أَيُّ طالِبٍ، فجميعُ الطُّلَّابِ يَتَسابَقون في ذلك، يَوَدُّ كُلُّ واحدٍ أنْ يَنَالَ شَرَفَ خِدْمةِ الأستاذِ، ولكنَّ الأَبَ إذا أَرسَلَ وَلَدَه تَجِدُ الوَلَدَ لا يَقُومُ إلَّا بِتَعَبٍ، فعليك أنْ تَعْلَمَ أنَّ المُدَرِّسَ له الأَثَرُ الكَبِيرُ في تَربِيَةِ وَلَدِك}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي- تحت عنوان (فَسَادُ الرُّفْقةِ والخِلْطةِ مِنَ الطُّلَّاب في هذه المَدارسِ): ولا يَصِحُّ أنْ يَقُولَ [أَيِ المُنْصِفُ] {إنَّ الفَسادَ يَمْلأُ المُجتمَعَ، وما تُحاذِرونه وتَخافون منه في هذه المدارسِ مِن هذا الوَجْهِ [أَيْ وَجْهِ المُرافَقةِ والاختِلاطِ] مَوجُودٌ في الشَّوارِعِ والأسواقِ}، لِأنَّ وُجودَه شيءٌ، ومُرافَقةُ الإنسانِ له ومُشارَكَتُه فيه شيءٌ آخَرُ، وأنْ يَمُرَّ فيه مُرورًا شيءٌ، وأنْ يَقضِيَ فيه ساعاتِ أيَّامِه وسِنِين عُمُرِه شيءٌ آخَرُ أيضًا، فَقَضِيَّةُ المُشارَكةِ الفِعلِيَّةِ في المُنكَرِ تَختَلِفُ كثيرًا عن مُجَرَّدِ المُرورِ به، تَمَامًا كالفَرْقِ في قَضِيَّةِ سَمَاعِ المَعازِفِ بغَيرِ قَصْدٍ وبين تَقَصُّدِ استِماعِها... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: وَقَدِيمًا قِيلَ {الصاحِبُ ساحِبٌ} خاصَّةً إذا كانَ هذا الصاحِبُ مِن عُمُرِ الصَّبِيِّ (أو الشَّابِّ) أو مِن أَتْرابِه، فالصَّبِيُّ عَنِ الصَّبِيِّ أَلْقَنُ -وكذا الشابُّ عن الشَّابِّ- فَهُوَ عَنهُ آخِذٌ وَبِه آنِسٌ، وقد قالوا {عَنِ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلُ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ *** فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارِنِ يَقْتَدِي}، وقد أخَبَرَنا اللهُ تعالى أنَّ مِنَ الأُمورِ التي يَتَنَدَّمُ ويَتَحَسَّرُ عليها الهالِكون يَومَ لا تَنْفَعُ الحَسَراتُ ولا يُجْدِي النَّدَمُ رُفْقةُ السُّوءِ، قالَ سُبْحانَه {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا، لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} الآيَاتِ، وفي حَديث أبي داود والترمذي وغيرِهما {الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ}، قالَ المناوي [في (فيض القدير)] {فَلْيَتَأَمَّلْ أَحَدُكُمْ بِعَيْنِ بَصِيرَتِهِ إِلَى امْرِئٍ يُرِيدُ صَدَاقَتَهُ، فَمَنْ رَضِيَ بِدِينَهُ وَخُلُقِهُ صَادَقَهُ، وَإِلَّا تَجَنَّبَهُ}، وفي مُسْنَدِ الإمامِ أحمدَ وسُنَنِ أبي داود وغيرِهما {لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا}، قالَ [أَيِ المناوي] في فيض القدير {لِأنَّ الطِّبَاعَ سَرَّاقَةٌ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ (صُحْبَةُ الأَخْيَارِ تُورِثُ الْخَيْرَ، وَصُحْبَةُ الأَشْرَارِ تُورِثُ الشَّرَّ، كَالرِّيحِ إِذَا مَرَّتْ عَلَى النَّتْنِ حَمَلَتْ نَتْنًا، وَإِذَا مَرَّتْ عَلَى الطَّيِّبِ حَمَلَتْ طَيِّبًا)، [وَقِيلَ] (وَلَا يَصْحَبُ الإِنْسَانُ إِلَّا نَظِيرَهُ *** وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ قَبِيلٍ وَلَا بَلَدْ)، وَقَالَ تَعَالَى (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)، قَالَ فِي الْحِكَمِ [أَيْ قَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ السَّكَنْدَرِيُّ فِي كتابِ (الْحِكَمِ الْعَطَائِيَّةِ)] (لَا تَصْحَبْ مَنْ لَا يُنْهِضُكَ حَالُهُ، وَلَا يَدُلُّكَ عَلَى اللَّهِ مَقَالُهُ)، فَعَلَيْكَ بِامْتِحَانِ مَنْ أَرَدْتَ صُحْبَتَهُ، لَا لِكَشْفِ عَوْرَةٍ، بَلْ لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ} [في فتوى صَوتِيَّةٍ للشيخِ الألباني مُفَرَّغةٍ له على هذا الرابط، قالَ الشيخُ: الرَّسولُ عليه السَّلامُ يقولُ {مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ فَهُوَ مِثْلُهُ}، لَيْسَ المقصودُ هنا {مَنْ جَامَعَ} بمَعْنَى (الجِنْسِ)، لا، هي المُخالَطةُ التي كُنَّا نُدَنْدِنُ حَوْلَها بالنِّسبةِ للجامِعاتِ، {مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ} أَيْ خالَطَه وعاشَ معه فَهُوَ مِثْلُهُ، وأَوضَحُ في الدَّلَالةِ على هذا المَعْنَى قولُه عليه السَّلامُ {أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الْمُشْرِكِينَ}، لماذا؟، لِأنَّ الطَّبْعَ سَرَّاقٌ، الإنسانُ -بِلَا شُعُورٍ- يَكْسِبُ أخلاقَ مَن يُجالِسُهم، سَوَاءٌ كَانَتْ هذه الأخلاقُ حَسَنةً أو كَانَتْ أخلاقًا سَيِّئةً، ولذلك جاءَتِ الأحادِيثُ الصَّحِيحةُ تَتْرَى وتُدَنْدِنُ حَوْلَ الحَضِّ على مُجالَسةِ الصَّالحِين والابتِعادِ عن مُجالَسةِ الكُفَّارِ والفاسِقِين. انتهى باختصار]؛ مِن ذلك كُلِّه تَظْهَرُ لك يا عبدَالله أَهَمِّيَّةُ الرُّفْقةِ وخُطُورتُها، وإذا أَضَفْتَ إلى ذلك خُطورةَ مَرحَلةِ الطُّفولةِ وَالصِّبَا مِن حيث التَّأَثُّرُ والاكتِسابُ زَادَ الأَمْرُ خُطورةً على خُطورةٍ، واتَّضَحَ بجَلَاءٍ ذلك الخَطْبُ الجَلَلُ والطَّامَّةُ الكُبْرَى التي يُوقِعُ فيها كثيرٌ مِنَ المسلمِين أبناءَهم حينما يُلْقُون بهم بين أَخْلَاطِ [أَيْ مُخْتَلِطِي] المَدارسِ مِن رُفَقَاءِ السُّوءِ وحُثَالاتِ الشَّوارِعِ وإفْرازاتِ التِّلِفِزْيُوناتِ؛ ورَحِمَ اللهُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ حينما كان يَقُولُ لِخَتَنِهِ [أَيْ صِهْرِهِ] مُغِيرَةَ [هو الْمُغِيرَةُ بْنُ حَبِيبٍ] {يَا مُغِيرَةُ، أَبْصِرْ كُلَّ أَخٍ لَكَ وَصَاحِبٍ وَصَدِيقٍ لَكَ لَا تَسْتَفِيدُ مِنْهُ فِي دِينِكَ خَيْرًا، فَانْبِذْ عَنْكَ صُحْبَتَهُ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ عَدُوٌّ، يَا مُغِيرَةُ، النَّاسُ أَشْكَالٌ، الْحَمَامَ مَعَ الْحَمَامِ، وَالْغُرَابُ مَعَ الْغُرَابِ، وَالصَّعْوُ [أَيِ العُصْفُورُ الصَّغِيرُ] مَعَ الصَّعْوِ، وَكُلُّ شيءٍ مَعَ شَكْلِهِ}، نَعَمْ، الْغُرَابُ مَعَ الْغُرَابِ، وَالصَّعْوُ مَعَ الصَّعْوِ، وإنَّما يُصاحِبُ المَرْءُ مَن هو مِثْلُه؛ ولو أَلْقَينا نَظْرةً خاطِفةً في هذه المدارسِ -وما تَحْوِيه مِن خِلْطةٍ ورُفْقةٍ- يَقْضِي بَيْنَها أبناءُ المسلمِين أَوقاتَهم، ويُضَيِّعون فيها أعمارَهم، لَظَهَرَتْ لنا تلك الهاوِيَةُ السَّحِيقةِ التي يَهْوِي في انحِطاطِها وفسادِها أولئك الأبناءُ، أمَّا التَّدخِينُ فهو أَمْرٌ مَشهورٌ بين خِلْطةِ [أَيْ صُحْبةِ] المدارسِ ووُجودُه وانتشارُه بَدَهِيَّةٌ لا يُجادِلُ فيها أَحَدٌ، وكذلك اللُّوَاطُ باعترافِ كثيرٍ مِنَ المسؤولِين والمُدَرِّسِين، وكذا انتشارُ المَجَلَّاتِ وأَفْلامِ الفِيدْيُو الجِنْسِيَّةِ والصُّوَرِ العارِيَةِ الخَلِيعةِ بين البَنِين والبَنَاتِ، وتَعَاطِي المُخَدِّراتِ حُقَنًا وحُبُوبًا وغيرَ ذلك بين البَنِين والبَنَاتِ، وسُوءُ الأَخْلَاقِ وبَذَاءةُ الألفاظِ وانحرافُ السُّلوكِ وانحِطاطُ الأعمالِ، والتَّخَنُّثُ والمُيُوعةُ والتَّشَبُّهُ بالمُمَثِّلِين والمُطرِبِين والرَّاقِصِين الغَربِيِّين والشَّرقِيِّين، وكذا التَّبَرُّجُ والتَّهَتُّكُ بين البَنَاتِ والتَّشَبُّهُ بالمُمَثِّلِاتِ والْمُغَنِّيَاتِ والرَّاقِصاتِ، أَضِفْ إلى ذلك الأفكارَ الخَبِيثةَ المُنحَرِفةَ، العَلْمانِيَّةَ منها والإِقْلِيمِيَّةَ والقَومِيَّةَ والشُّيُوعِيَّةَ وغيرَ ذلك [كَفِكْرِ المُرْجِئَةِ (الذي يَبُثُّه "أَدْعِيَاءُ السلفيَّةِ" في مَساجِدِهم ومَدارِسِهم وقَنَواتِهم ومَواقِعِهم) وَفِكْرِ الأَشَاعِرةِ (الذي يَبُثُّه "الأَزْهَرِيُّون" في مَساجِدِهم ومَدارِسِهم وقَنَواتِهم ومَواقِعِهم) وَفِكْرِ المَدْرَسَةِ العَقْلِيَّةِ الاعْتِزالِيَّةِ (الذي يَبُثُّه "الإخْوانُ المُسلِمون" في مَساجِدِهم ومَدارِسِهم وقَنَواتِهم ومَواقِعِهم)] مِمَّا يَنْقُلُه هؤلاء الأَخْلَاطِ [أَيِ المُخْتَلِطون] عن غيرِهم أو عن آبائهم المُنحَرِفِين أو عنِ التِّلِفِزْيُون والصحافة وغيرِ ذلك مِن أحزابٍ وتَنْظِيماتٍ واتِّجاهاتٍ مُنْحَرِفةٍ يَنْتَمِي إليها المُدَرِّسون؛ كُلُّ ذلك مَوجودٌ ومَعروفٌ لِكُلِّ مَن له شيءٌ مِنَ المَعرِفةِ بِواقِعِ هذه المَدارِسِ وفَسَادِ طَلَبَتِها، لأنهم [أَيِ الطَّلَبَةَ] أبناءُ المُجتَمَعِ، وفَسَادُ المُجتَمَعِ وأَهْلِه وانْحِرافُهم عنِ الحَقِّ انْحِرافًا ظاهِرًا بَيِّنٌ مَعلومٌ مَشهورٌ لا يُمارِي فيه إلَّا العُمْيَانُ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: إنَّ تَشَبُّثَ قَوْمِي بهذه المدارسِ لغَرِيبٌ عَجِيبٌ، هُمْ يَعتَرِفون بفسادِها هذا كُلِّه، ويُقِرُّون به ولا يستطيعون إنكارَ وُجودِه وكَثْرَتِه، ومع ذلك فَهُمْ مُتَشَبِّثون مُتَشَبِّثون بها أَيَّمَا تَشَبُّثٍ!!!، فَسَدَتْ أخلاقُ أبنائهم وبَناتِهم ودَمَّرَتْ كثيرًا مِن بُيُوتَاتِهم، ومع ذلك فَهُمْ مُتَشَبِّثون ومُتَشَبِّثون، حَتَّى [إنَّ] كَثِيرًا مِنَ الدُّعاةِ الذِين هُمْ على الجَادَّةِ انحَرَفَ أبناؤهم، كثيرٌ منهم تَرَكَ الصلاةَ ولا يُؤَدِّيها إلَّا قَهْرًا وأَمَامَ أبِيه فَقَطْ، ويَتَحَرَّقُ شَوقًا للتِّلِفِزْيُوناتِ [الكلامُ هنا عَنِ البُيُوتِ التي ليس بداخِلِها تِلِفِزْيُوناتٌ] التي يُحَدِّثُه عنها وعن تَمْثِيلِيَّاتِها وأَفْلامِها دَوْمًا رُفَقَاؤه في المَدرَسةِ، فيُشاهِدَها معهم في بُيُوتِهم، وكذلك السِّينَما والفيديو، لم يَعُدْ يَعْبَأُ بكَلامِ أبِيه وتَوجِيهاتِه، مَلَّ مِن سَمَاعِها وسَئِمَ مِن تِكرارِها، الجميعُ حَوْلَه في هذه المَدارِسِ على خِلَافِ ما يَدعُو إليه أبُوه، يُمْسِي وَيُصْبِحُ فِي أَسْوَأِ الأحوالِ، تَوَتُّرٌ نَفْسِيٌّ وعَصَبِيٌّ، وانْفِصامٌ في الشخصيَّةِ، مُداهَنةٌ ونِفَاقٌ، وتَرَدٍّ في الأخلاقِ، وفَسادٌ في السُّلوكِ، ومع ذلك فَقَومِي بتلك المَدارسِ مُتَشَبِّثون ومُتَشَبِّثون؛ كثيرًا ما يَتَبادَرُ إلى سَمْعِي مِن أبناءِ كثيرٍ مِنَ المسلمِين -بَلِ الدُّعاةِ- المُتَشَبِّثِين بهذه المدارسِ، ألفاظٌ سُوقِيَّةٌ قَبِيحةٌ قَذِرةٌ، وأَذْكُرُ أنني سَمِعتُ قريبًا اِبْنًا لِأحَدِ هؤلاء الدُّعاةِ -وقَدِ اشْتَدَّ غَضَبُه- يَقُولُ لِأخِيه مِن أُمِّه وأَبِيه {اللهُ يَلْعَنُك يا وَلَدَ القَحْبَةِ [القَحْبَةِ هي المرأةُ الفاجِرةُ الفاسِدةُ تُمارِسُ البِغاءَ]}، هذا مِثالٌ فَقَطْ، فمِن أَيْنَ لِمِثلِ هذا الولدِ الذي لم يَتَجَاوَزِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمُرِه مِثْلُ هذه الألفاظِ، مِن أُمِّه وأَبِيه الصالِحَين؟ بالطَّبْعِ كَلَّا، بَلْ هو مِن رُفْقةِ السُّوءِ، ومع ذلك فقَومِي مُتَشَبِّثون ومُتَشَبِّثون ومُتَشَبِّثون؛ يَقُولُ أَحَدُ المُفَكِّرِين الإسلامِيِّين {إلى اللهِ نَشْكُوا جُهُودًا نَبْذُلُها في تَربِيَةِ أبنائنا، تَذْهَبُ بها المَدْرسَةُ والشارِعُ}، ومع ذلك فأنتم مُتَشَبِّثون ومُتَهاوِنون... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي- تحت عنوان (فَسَادُ مَناهِجِهم المَدرَسِيَّةِ): أمَّا عن فَسَادِ المناهجِ وما أَدْراك ما المناهجُ، فالكلامُ عليها طويلٌ وطويلٌ، نُحاوِلُ في هذه الصفحاتِ إيجازَه واختصارَه قَدْرَ الإمكانِ، وذلك لِأنَّ فَسَادَها بَيِّنٌ واضِحٌ مشهورٌ، فالكُتُبُ المَدرَسِيَّةُ مُتَوَفِّرةٌ ومَبذولةٌ في كُلِّ مكانٍ، وبإمكانِ أَيِّ طالبِ حَقٍّ تَأَمُّلُ بعضِها لِيَرَى الفَسادَ العظيمَ والباطلَ المُبِينَ الذي يَتَخَلَّلُها، وَلْيُرَكِّزْ في ذلك خاصَّةً على كُتُبِ الابتِدائيَّةِ والمُتَوَسِّطةِ (المَرحَلَتَين الإلزامِيَّتَين المُبَكِّرَتَين الخَطِرَتَين في التعليمِ المَدرَسِيِّ)... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: فالحقيقةُ التي يَجِبُ أنْ يَعرِفَها كُلُّ مُوَحَّدٍ أنَّ الأَصْلَ في هذه المدارسِ فاسِدٌ، وإذا فَسَدَ الأَصْلُ فَلَنْ يُجْدِيَ التَّرقِيعُ، وكيفَ يَستَقِيمُ الظِّلُّ وَالْعُودُ أَعْوَجُ؟!... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: فَهَا نحن نُدَلِّلُ على أنَّ الأُصولَ والفُروعَ كُلَّها تَضِيعُ في هذه المدارسِ وتُهْدَمُ، حتى الطاغُوت الذي يَجِبُ على كُلِّ مُسلِمٍ الكفرُ به والبراءةُ منه لِتَحقيقِ التوحيدِ -الذي هو حَقُّ اللهِ على العَبِيدِ- يُمْدَحُ ويُثْنَى عليه ويُمَجَّدُ ويُعَظَّمُ، فماذا تقولون؟ وكيف تُرَقِّعون؟ وأين تَفِرُّون؟، لكنْ {وَمَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلَامُ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: أَلَيْسَ مِنَ الْعَجَبِ الْعُجَابِ أنْ تَرَى كثيرًا مِنَ المنتسِبِين للدعوةِ والإصلاحِ في هذا الزَّمانِ العَجِيبِ يَدْعُون أَتْباعَهم ومُقَلِّديهم ويَأْمُرُونهُمْ بدراسةِ هذه المناهجِ الفاسدةِ وَالْجِدِّ وَالاجْتِهَادِ فيها لتحصيل أعلَى الدرجاتِ، ويَحُثُّونهم على مُلازَمةِ هذه المدارسِ ويُحَذِّرُونهم مِن تَرْكِها -كما يَفْعَلُ المُتَطَرِّفون (زَعَمُوا)-، بينما يَأْمُرُونهُمْ بالإعراضِ عن كثيرٍ مِن كُتُبِ ودروسِ إخوانهم مِنَ الدُّعاةِ المسلمِين المُخالِفِين لِجَماعاتِهم، فَيُحَذِّرونهم أَشَدَّ التحذيرِ مِن قراءةِ كُتُبِهم ولا يَستثنون مِن ذلك حتى ما وافَقَ الصَّوابَ والحقَّ منها، فَيَحْرِمون أَنْفُسَهم وأَتْباعَهم مِن خيرٍ كثيرٍ، بينما لم نَسْمَعْهم يَوْمًا يُحَذِّرون مِن أمثالِ هذا الكفرِ البَوَاحِ المُتَشَعِّبِ والمَبْثوثِ في هذه المناهجِ النَتِنَةِ، لا شَكَّ أن هذا مِن أعظمِ تَلْبِيساتِ الشيطانِ على كثيرٍ مِن دُعاةِ هذا الزمانِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: فَرِفْقًا بأبنائكم، رِفْقًا بهم أَيُّها المُستَهتِرون التَّائِهون الضائِعون... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: أُذَكِّرُ الآباءَ مَرَّةً أُخرَى بعدَ هذا كُلِّه بحديثِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم الذي رَواه البخاريُّ في صحيحِه {وَمَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنُصْحهِ، لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: فهذه هي مناهجُ القَومِ [يَعْنِي المَناهِجَ الكُوَيْتِيَّةَ، كمِثَالٍ للمَناهِجِ في الأَنْظِمةِ الطَّاغُوتِيَّةِ]، فسادٌ عظيمٌ، وزَندَقةٌ وإلحادٌ، ودَسٌّ وتحريفٌ، وتَلبِيسٌ وتَدلِيسٌ [جاءَ في كِتابِ (دروس للشيخ أبي إسحاق الحويني) أنَّ الشيخَ قالَ: وعندما دَرَّسوا الدِّينَ في المَدارِسِ اِفتَتَحوه بِعِبارةٍ شَهِيرةٍ ماكِرةٍ، قالوا {جاءَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى العَرَبِ وَهُمْ -وذَكَروا بَعضَ مَظاهِرِ الجاهِلِيَّةِ- يَسجُدون لِلأصنامِ، ويَشرَبون الخَمْرَ، ويَئِدون البَناتِ}، وانتَهَى الأَمرُ على هذا، وصارَتْ عِبارةً دارِجةً شَهِيرةً في الكُتُبِ، هَلْ هذه العِبارةُ صَحِيحةٌ؟!، والقاعِدةُ الإعلامِيَّةُ اليَهودِيَّةُ الماكِرةُ تَقولُ {ما تَكَرَّرَ تَقَرَّرَ}، فَمَعَ تِكرارِ العِبارةِ يَصِيرُ وَقْعُها في نُفوسِ الجَماهِيرِ مُستَقِرًّا حتى لو كانَتْ خاطِئةً، فَإذا اِستَقَرَّتْ هذه العِبارةُ في نُفوسِ الجَماهِيرِ فَنَظروا الآنَ {هَلْ هناك أَحَدٌ يَعبُدُ الأصنامَ؟} لا، {هَلْ هناك مَنْ يَشرَبُ الخَمْرَ؟} سَوادُ المُسلِمِين لا يَشرَبون الخَمْرَ ويَعلَمون أنَّه حَرامٌ حتى الذِين يَشرَبونه، {هَلْ هناك مَن يَدْفِنُ البَناتِ الآنَ؟} الجَوابُ لا، إذًا الإسلامُ الذي قاتَلَ لِأجْلِه النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَوجودٌ!، {هَلْ هذه العِبارةُ صَحِيحةٌ بِهذا الإطلاقِ؟} الجَوابُ لا، إنَّ العَرَبَ قاتَلوا حتى لا يَكونَ الحُكْمُ لِلَّهِ، يُرِيدون أَنْ يَحْكُموا ويُشَرِّعوا بِأهوائهم، لا يَحِلُّ الحُكْمُ في خَرْدَلَةٍ فَما دُونِها إلَّا بِحُكْمِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ. انتهى]، وهي مع تَشَعُّبِ فسادِها وكَثرَتِه كما رَأَيتَ، تَرتَكِزُ أَوَّلَ ما تَرتَكِزُ على تَربِيَةِ جِيلٍ مُنحَرِفٌ ضائعٌ مائعٌ يَدِينُ بالوَلَاءِ والحُبِّ لِحُكَّامِه وجَلَّادِيه -مِن طَواغِيتِ هذا النِّظامِ وغيرِه مِن أَنظِمةِ أَولِيائهم وإخوانِهم- ويُؤْمِنُ بتَقدِيسِ قَوانِينِهم وأحكامِهم ومَناهِجِهم وطَرائقِهم الضَّالَّةِ المُنحَرِفةِ الساقِطةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: فهلْ يَستَفِيقُ قَومِي مِن سُبَاتِهم ويَنتَبِهون لِكَيدِ جَلَّادِيهم، فيَستَنقِذوا أبناءَهم مِن بَراثِنِ هؤلاء الطواغيتِ، بإبعادِهم عن هذه المدارسِ وما على شاكِلَتِها مِن أماكنِ ووَسائلِ الفسادِ التي يَستَغِلُّها الطواغيتُ، ومِن ثَمَّ يَقتَدُون بسَلَفِهم في إعدادِ جِيلٍ مُجاهِدٍ بَصِيرٍ عارِفٍ بأحكامِ دِينِه، لا تَشْغَلُه عنِ الاهتمامِ بشأنِ هذا الدِّينِ والتَّضحِيَةِ مِن أجْلِه ورَفْعِ رايَتِه دُنْيَا فانِيَةٌ أو مَتَاعٌ زائلٌ أو شَهوةٌ عاجِلةٌ، هلْ يفعلون؟، {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ، يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ، وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: إنَّ الأَمْرَ جِدٌّ خطيرٌ، فالتوحيدُ الذي بُعِثَ الرُّسُلُ كافَّةً لإقامته يُهْدَمُ في هذه المدارس!، والشِّرْكُ الذي بُعِثوا جميعًا لِأجْلِ هَدْمِه يُؤَسَّسُ ويُقامُ فيها!، فَمَدْحُ قوانينِ الكفرِ وطواغيتِها والوَثَنِيَّاتِ والجاهلِيَّاتِ القديمةِ والمُعاصِرةِ وآلِهَتِها الباطلةِ وغيرِ ذلك كثيرٌ في مناهجِ المدارسِ كما رَأَيْتَ، وهي قَضِيَّةٌ مُتعلِّقةٌ بالولاءِ والبراءِ أَهَمِّ لَوَازِمِ التوحيدِ وأَهَمِّ معاني (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، ولا شَكَّ أنَّ مَدْحَ الكُفرِ وتَحسِينَه دُونَ إكراهٍ حقيقيٍّ كُفْرٌ مُخْرِجٌ مِنَ المِلَّةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: ليس كما يَزْعُمُ المُخالِفُ أنَّ نَصْرَ الدِّينِ يَتَأَتَّى مِن هذه المدارسِ وأمثالِها مِن مُؤسَّساتِ الطواغيتِ الفاسدةِ، بَلْ هذه المدارسُ هي في الحقيقةِ -كما تَبَيَّنَ لك فيما سَلَفَ- مِن أكبرِ أسبابِ تَأَخُّرِ المُسلمِين وتَرَدِّيهم وتَقَهْقُرِهم وتَأَخُّرِ النَّصرِ عنهم بفَسادِ أجيَالِهم وانحرافِها ورِدَّةِ كثيرٍ منهم وعَدَمِ وُجودِ جِيلٍ اسلامِيٍّ مُستَنِيرٍ مُتَبَصِّرٍ بمِنْهاجِ الأنبياءِ والمُرسَلِين مُستَبِينٍ لِسَبِيلِ المُجرِمِين؛ والحاصلُ أنَّنا بعدَ هذا كُلِّه لا نَخجَلُ أو نَتَحَرَّجُ مِنَ القَوْلِ والتَّصرِيحِ بأنَّنا نَعتَقِدُ ونَدِينُ اللهَ عزَّ وجَلَّ بأنَّ بَقاءَ أبناءِ المُسلمِين أُمِّيِّين ولكنْ مُتَمَسِّكِين بدِينِهم وبعقيدتِهم وبطريقِ نَبِيِّهم عليه أفضلُ الصلاةِ والسلامِ، خيرٌ مِن كَونِهم قُرَّاءً مُتَعَلِّمِين يَتَخَرَّجون مِن هذه المدارسِ زَنادِقةً بالأُلوفِ، أو على أحسنِ الأحوالِ يَتَخَرَّجون مُنحَرِفِين عن دِينِهم الحَقِّ مُتَخَلِّين عن منهجِ نَبِيِّهم ودعوتِه مُعرِضِين عن مِلَّةِ أبِيهم إبراهيمَ وطريقِ الانبياءِ والمُرسَلِين، فهؤلاء لا يَنصُرون دعوةً ولا يُقِيمون دِينًا، فإنَّ الوَلَدَ إذا نَجَا مِن مفاسدِ هذه المدارسِ مِن مناهجَ فاسدةٍ وخِلْطةٍ مُنحَرِفةٍ وغيرِ ذلك وقَدَّرَ اللهُ له أنْ لا يَنحَرِفَ، فإنَّه سيَنْشأُ مائعًا مَيِّتَ القَلبِ قد اعتادَ قلبُه الاستِشرافَ للفِتْنةِ واعتادَتْ أُذُنَاه سَماعَ الفُحْشِ والباطلِ وأَلِفَتْ عَيْناه رُؤْيَةَ المُنكَرِ والفسادِ، قد قُتِلَتْ في نَفْسِه مِلَّةُ إبراهيمَ، فلا بُغْضَ في اللهِ ولا بَرَاءةَ مِن أعداءِ اللهِ، وإنما مُداهَنةٌ للباطلِ وأهْلِه، فالله المستعان... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: وصَدَقَ أبو الحسن الندوي [عضو المجلس الاستشاري الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وقد تُوُفِّيَ عامَ 1420هـ] حين قالَ [في كتابِه (نحو التربية الإسلامية الحرة في الحكومات والبلاد الإسلامية)] {إن الأُمَّةَ الإسلامية أُمَّةٌ خاصَّةٌ في طبيعتِها ووضعِها، هي أُمَّةٌ ذات مبدأٍ وعقيدةٍ ورسالةٍ ودعوةٍ، فيَجِبُ أن يكونَ تعليمُها خاضعًا لهذا المبدأِ والعقيدةِ... وكُلُّ تعليمٍ لا يُؤَدِّي هذا الواجبَ أو يَغْدُرُ بِذِمَّتِهِ ويَخُونُ في أَمَانَتَه فليس هو التعليمَ الإسلاميَّ بَلْ هو التعليمُ الأَجْنَبِيُّ وليس هو البناءَ والتعميرَ بَلْ هو الهَدْمُ والتخريبُ؛ وأَوْلَى للبلاد الإسلامية أن تَتَجَرَّدَ منه وتُحْرَمَ مِن ثمراتِه المادِّيَّةِ، فالأُمِّيَّةُ خيرٌ لها مِن هذا التعليمِ الذي يَرْزَأُها [أَيْ يُصِيبُها] في طبيعتِها وعقيدتِها ورُوحِها}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: وقالَ [أَيِ الشيخُ عبدالرحمن بن عبدالخالق في كتابِه (المسلمون والعمل السياسي)] {ولكنَّ هذا الاستعمارَ لم يَخْرُجْ مِن بلاد المسلمِين وأقاليمِهم إلا بعدَ أن تَرَكَ واقِعًا مُغايِرًا للدِّينِ}، فَعَدَّدَ أُمُورًا يَتَمَثَّلُ فيها هذا الواقعُ المُغايِرُ للدِّينِ، منها {نِظَامٌ تَرْبَوِيٌّ يُخَرِّجُ أَشْباهَ مُتَعَلِّمِين لا يُمْكِنُ الاعتمادُ عليهم في دِينٍ أو دُنْيَا}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: ثم إنَّ استنقاذَهم مِن هذه المدارسِ ومَفاسدِها لا يعني أبدًا رَمْيَهم بالشوارعِ والأسواقِ ومَفاسدِها، كما لا يعني أبدًا تَرْكَهم جَهَلةً أُمِّيِّين أو مُتَخَلِّفِين عَقلِيًّا، وغيرَ ذلك مِمَّا يُورِدُه المُخالِفُ، فإنَّ ذلك لا يقولُ به عاقلٌ، بَلْ لا بُدَّ مِن تأديبِهم، وتعليمِهم ما يَجِبُ عليهم معرفتُه مِن أُمورِ دينِهم، وما يَنْفَعُهم مِن أُمورِ دُنياهم؛ والناسُ يَستَثْقِلون مِثْلَ ذلك لِقُصورِ هِمَمِهم وافتِتانِهم بالدُّنيا وانشغالِهم بحُطَامِها، بَلْ إنَّ كثيرًا مِمَّن يَنتَسِبون للدعوةِ والإصلاحِ مِمَّن يُدَنْدِنون على ضرورةِ تفريغِ الأوقاتِ والتَّضحِيَةِ بالأعمارِ في سبيلِ إصلاحِ المُجتَمَعِ وتغيِيرِ الواقعِ، إذا ألْزَمْتَهم بمِثْلِ ذلك في ذَرَارِيِّهم ظَهَرَ لك تَناقُضُهم وضَعْفُ عزائمِهم وأظهروا لك آلَافَ الأعذارِ والأسبابِ المزعومةِ التي تَصُدُّهم عن ذلك، وأكثرُهم يُفَضِّلُ أنْ يُلْقِيَ بأبنائه ويُضَيِّعَهم ويُضَيِّعَ أعمارَهم في هذه المدارسِ النَتِنَةِ، على أنْ يُفَرِّغَ لهم بعض جُهْدَه ووقتَه -الضائعِ في هذه الدُّنيا- لِيُعَلِّمَهم ويُدَرِّسَهم، مع أنَّ ذلك مُيَسَّرٌ وسَهْلٌ خاصَّةً في الصِّغَرِ، حيث يكونُ الغُلامُ سريعِ الالْتِقاطِ والتَّعلِيمِ، ولو صَدَقَ الانسانُ وعَزَمَ لاستطاعَ أنْ يُعَلِّمَهم كُلَّ ما يَنْفَعُهم بنَفْسِه، أو يُؤَجِّرَ لهم مَن يَثِقُ بدِينِه لأَجْلِ ذلك، وأَعرِفُ أكثرَ مِن رَجُلٍ لم يُدخِلوا أبناءَهم هذه المدارسَ، ومع ذلك فهم يَكتُبون ويَقْرَءُونَ، بَلْ أَعرِفُ واحدًا عَلَّمَ أبناءَه ليس فقط النَّحْوَ والحِسابَ والقراءةَ والكِتابةَ بَلْ واللُّغةَ الإِنْجِلِيزِيَّةَ دُونَ أنْ يُدخِلَهم في هذه المدارسِ؛ وبالتالي فلا مَعْنَى أبدًا لِوَصْفِ المُخالِفِ لِكُلِّ مَنِ اِعتَزَلَ هذه المدارسَ بالأُمِّيَّةِ، حيث أنَّه عَلَّقَ العِلْمَ والتعليمَ وحَصَرَه بها [أَيْ بالمدارسِ] وَحْدَها وهذا باطلٌ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: أَمَّا أكثرُ دُعاةِ زَمانِنا فَهُمْ يَنْكَبُّون ويُكِبُّون أتباعَهم وأبناءَهم على تَعَلُّمِ عُلومِ الدُّنيا بِعُجَرِهَا [أَيْ بمَساوِئِها] وبضَلالِها وفَسادِها، ويَشْغَلُون أعمارَهم في هذه المدارسِ وتلك الجامِعاتِ وغيرِ ذلك بِحُجَّةِ نَصْرِ الدعوةِ وإقامةِ الدِّينِ، وتوفيرِ الطَّبِيبِ والمُهَنْدِسِ المُسلمِ وغيرِه [في فتوى صَوتِيَّةٍ للشيخِ الألباني مُفَرَّغةٍ له على هذا الرابط، قالَ الشيخُ: كُلُّ عِلْمٍ يَستَفِيدُ منه المسلمون، فهو فَرْضُ كِفَايَةٍ تَحصِيلُه مِن بعض المسلمِين، بشَرْطِ أنْ لا نَقَعُ في مُخالَفةٍ شَرعِيَّةٍ، إذا كُنْتَ مُخالِفًا للشَّرعِ فالغايَةُ لا تُبَرِّرُ الوَسِيلةَ. انتهى باختصار]، مع أنَّ الواقعَ اليومَ مُمْتَلِئٌ مِن هؤلاء وقد ضاقَ بهم ذَرْعًا، وما رَأَيْناهم نَصروا دِينًا ولا غَيَّروا واقِعًا إلَّا مَن رَحِمَ رَبُّك، وليس عن طريقِ هذه الوظائفِ والشَّهاداتِ، وإنَّما بِهِمَمِهم وإخلاصِهم ودِينِهم وعِلْمِهم الشَّرعيِّ؛ وأعْرِفُ الكثيرَ مِن خِرِّيجِي الجامعاتِ الأَمْرِيكِيَّةِ وغيرِها ما زالوا عالَةً على آبائهم إلى اليومِ، وفي البِطَالةِ جالِسِين لِكثرةِ المُتَخَرِّجِين؛ أَفَمَا اكتفَى الدُّعاةُ بهذه الكثرةِ إلى اليومِ فعندنا اليومَ مِنَ الأَطِبَّاءِ والمُهَنْدِسِين ما يَكْفِي لِمِائَةِ عَامٍ قادِمَةٍ، أَفَلَمْ يَسقُطْ فَرْضُ الكِفايَةِ المزعومُ بَعْدُ إلى اليومِ، أَفَمَا آنَ الوَقْتُ لِنَعْمَلَ ونَدعُوَ ونَتَحَرَّكَ لِنَصرِ الدِّينِ تَحَرُّكًا جادًّا على مِنْهاجِ النُّبُوَّةِ، أَمْ أنَّ كُلَّ واحِدٍ يُرِيدُ لِابْنِهِ أنْ يكونَ صاحِبَ شَهادةٍ ووَظِيفةٍ عالِيَةٍ، وليستِ المسألةُ مَصلَحةَ دَعوةٍ ونَصْرَ دِينٍ، قُولُوها يَا قَوْمِ وَاصْدُقُوا مع اللهِ فإنَّ هذا واللهِ أَعذَرُ لَكُمْ مِن أَنْ تُلَبِّسُوا عَلَى النَّاسِ وتَتَمَسَّحوا بمَصالحِ الدعوةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: ومِن هذا تَعْرِفُ بُطلَانَ شُبهةٍ أُخْرَى طَالَما اِحْتَجَّ بها المُخالِفُ، وهي اِحتِجاجُه بقاعدةِ أَخَفِّ الضَّرَرَين (أو المَفْسَدَتَين)، حيث عَرَفْتَ حقيقةَ هذه المدارسِ ومُنكَراتِها وما لها مِن أضرارٍ وأخطارٍ عظيمةٍ على النَّشْءِ والذُّرِّيَّةِ، كما تَبَيَّنَ لك كذلك في مُقابِلِ ذلك قِلَّةَ نَفْعِها دِينِيًّا ودُنيَوِيًّا باعترافِ المُخالِفِين [لَنَا]، وأنَّ ضَرَرَها أعظمُ بكثيرٍ مِن نَفْعِها المزعومِ، واحتمالَ فَسَادِ وافْتِتانِ الأبناءِ والذُّرِّيَّةِ فيها كبيرٌ، ومعلومٌ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أنَّ الفِتنةَ عنِ الدِّينِ ليستْ فَقَطْ أَشَدَّ وأخْطَرَ مِنَ الأُمِّيَّةِ، بَلْ هي كما قالَ رَبُّنا عَزَّ وجَلَّ {أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}، فَانْتَبِهْ ولا تَغْتَرَّ بكُلِّ مَفتُونٍ، ولا بكَثرةِ الهالِكِين... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: فَهَا نحن اليومَ غُرَباءُ بدِينِنا ومَنهَجِنا وعقيدتِنا وطريقتِنا، خالَفْنا الناسَ كُلَّهم وفارَقْنا أكثرَهم، أفليس الْحَرِيُّ بنا أنْ نَسعَى ونَتَفَرَّغَ لتَربِيَةِ أبنائنا كما نَشاءُ ونَتَطَلَّعُ، خِلَافًا لِمَن لا يَعرِفُ الغُربةَ وليس جادًّا في الإصلاح والتَّغْيِيرِ لا مع بَنِيه ولا مع المُجتَمَعِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: فما الفرقُ بَيْنَنا وبينَ رِعاعِ الناسِ حينئذٍ، إذْ أَعْطَينا أبناءَنا لِمَن يُخالِفوننا في مَنهَجِنا أَشَدَّ المُخالَفةِ بَلْ هُمْ ورَبِّ الكَعْبةِ حَرْبٌ عليه يَسْعَوْن إلى هَدمِه ونَقْضِه، فكيف نُسَلِّمُهم إذَنْ لهم لِيُضِلُّوهم ويُفْسِدوهم ويُلَبِّسُوا عليهم دِينَهم؟!، أين الغُربةُ والغُرَباءُ؟!... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: وبَعْدَ هذا كُلِّه، فإنَّ مَن سَلَكَ هذه الطريقَ الطَّيِّبةَ في تَربِيَةِ الأولادِ، وبَذَلَ ما في وُسعِه مِن أسبابِ الاصلاحِ، مِن حِمَايَةٍ مِنَ الفسادِ، واختِيارٍ للرُّفْقةِ الصالِحةِ، وتَعاهَدَ في التَّربِيَةِ والتأدِيبِ، وغيرِ ذلك، أَقولُ، إنَّ مِثْلَ هذا الأَبِ إنِ ابْتُلِيَ بفَسادِ بعضِ أولادِه معذورٌ مأجورٌ، لأنَّه قد قَدَّمَ وقامَ بما أَوجَبَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ عليه مِن واجباتٍ، وابْتَعَدَ عما نَهَاه اللهُ عَزَّ وجَلَّ عنه مِن فِتَنٍ ومُنكَراتٍ، وسُلْوانُه في ذلك نُوحُ وابْنُه ولُوطٌ وَامْرَأَتُه، وأمثالُهم؛ أَمَّا ذلك المُفَرِّطُ الذي أَلْقَى بأولادِه في فَسادِ المدارسِ ومُنكَراتِها، أو في مَتَاهاتِ الشوارعِ والأسواقِ، وانْشَغَلَ عنهم بدُنياه الفانِيَةِ، فليس له أنْ يَحتَجَّ بنُوحٍ وابْنِه ولا بلُوطٍ وَامْرَأَتِه، لأنَّه ما سَعَى سَعْيَهم ولا سَلَكَ سَبِيلَهم وطَرِيقَهم، ولا قامَ بما أَوجَبَ اللهُ عليه مِن واجِباتٍ، بَلْ هو أوَّلُ جانٍ عليهم إذْ ألْقاهم بيَدَيه في الفسادِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: أَمَّا الاحتِجاجُ [يَعْنِي مِن قِبَلِ المُخالِفِ لَنَا] بقِصَّةِ أُسَارَى بَدْرٍ الْمُشْرِكِينَ وتعليمِهم لِبعضِ غِلْمانِ المسلمِين الكِتابةَ؛ فالمطلوبُ أوَّلًا إثباتُها بالإسنادِ الصحيحِ قَبْلَ الاحتِجاجِ بها، فيُقالُ للمُخالِفِ {أَثْبِتِ العَرْشَ أَوَّلًا ثُمَّ انْقُشْ}، [فإنِّي] لم أَجِدْ فيما تَيَسَّرَ لي مِنَ الْمَرَاجِعِ المُعْتَبَرةِ إسنادًا صَحِيحًا مُتَّصِلًا لهذه القِصَّةِ [جاءَ في كتابِ (مجلة البحوث الإسلامية "التي تَصْدُرُ عَنِ الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد"): فإنَّ هناك حادِثةً مَزعومةً، غالِبًا ما يَستَشهِدُ بها الكُتَّابُ والدُّعاةُ والخُطَباءُ والوُعَّاظُ، في كُلِّ مُناسَبَةٍ يُسْتَجَرُّون فيها للحديثِ عمَّا يُسَمَّى اليومَ بـ (مُكافَحةِ الأُمِّيَّةِ)، استِدلَالًا منهم على مَدَى حِرْصِ الإسلامِ على الخَلَاصِ مِن هذا (الوَباءِ) ونَشْرِ تعليمِ الكِتَابةِ بين أبنائه، أَلَا وهي قِصَّةُ أَسْرَى بَدْرٍ مِنَ المُشرِكِين، إذْ يَزعُمون أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ فِدَاءَ بعضِ أُسَارَى الْمُشْرِكِينَ يومَ بَدْرٍ أنْ يُعَلِّموا أولادَ المُسلمِين الكِتَابةَ، فَفِي مُسْنَدِ الإمامِ أحمدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ قَالَ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ {كَانَ نَاسٌ مِنَ الأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِدَاءٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِدَاءَهُمْ أَنْ يُعَلِّمُوا أَوْلَادَ الأَنْصَارِ الْكِتَابَةَ}، وهذه الرِّوَايَةُ ليستْ ثابتةً مِن وَجْهَين؛ الأوَّلُ، مِن حَيْثُ سَنَدُها، فَفِيهِ (عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ) ضَعَّفَه الألباني في (السلسلة الضعيفة) وقالَ فيه {ضَعِيفُ الحَدِيثِ}؛ الثاني، أنَّ الثابتَ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في طريقةِ مُعالَجَتِه لِمَسألةِ الأَسْرَى، أنه لم يَكُنْ يَتَجاوزُ مجموعةَ هذه المُعالِجَاتِ (القَتْلُ، المُفاداةُ بمَالٍ، المُفاداةُ بمَن في أَيْدِي المُشرِكِين مِن أَسْرَى المُسلمِين، الاسترقاقُ، العَفْوُ)؛ ولم يَرِدْ في رِوَايَةٍ صحيحةٍ ثابتةٍ أنَّه جَعَلَ تعليمَ أَسْرَى المُشرِكِين لأبناءِ المُسلِمِين الكِتَابةَ فِدَاءً لهم مِن أَسْرِهم، وهذه هي كُتُبُ السُّنَّةِ والسِّيرةِ والفِقْهِ تَتَحَدَّثُ عن فِدَاءِ الأَسْرَى، ولا تَذْكُرُ شيئًا غيرَ الذي قُلْناه، ومِن ذلك يَتَبَيَّنُ سُقُوطُ الاحتِجاجِ بهذه الرِّوَايَةِ في إثباتِ هذه المسألةِ. انتهى باختصار]؛ ثانِيًا، لَوْ صَحَّتِ القِصَّةُ فالقِيَاسُ عليها قِيَاسٌ باطلٌ لأنَّه قِيَاسٌ مع الفارِقِ، بَلْ هي فَوارِقُ عديدةٌ واضِحةٌ وجَلِيَّةٌ، منها؛ (أ)كَوْنُ ذلك كان في دارِ أَمَنَةٍ وعِزٍّ للمُسلمِين، فالقُوَّةُ والدَّولةُ في "المَدِينةِ" لهم، والسُّلطانُ والعِزَّةُ والنَّصْرُ لهم أيضًا، والأَسِيرُ في تلك الساعةِ وفى ذلك المَوضِعِ مُستَضعَفٌ يَسعَى في فِدَاءِ نَفْسِه، فلا يَقدِرُ -والحالةُ كذلك- أو يَجْرُؤُ على الطَّعْنِ في الدِّينِ أو سَبِّه أو تَنَقُّصِه أو الاستِهزاءِ به أو ما إلى ذلك مِمَّا يُخْشَى منه على ذَرَارِيِّ المُسلمِين وعقيدتِهم؛ (ب)ومنها كَوْنُ ذلك التعليمِ مُحَدَّدًا بشيءٍ واحِدٍ وَحَسْبُ وهو الكِتابةُ، فليس هو كَحَالِ هذه المدارسِ ومَناهِجِها الفاسدةِ، فما طُلِبَ مِن أولئك المُشرِكِين مَثَلًا تعليمُ غِلْمانِ المسلمِين أُمُورَ دِينِهم كما هو الحالُ مع هؤلاء الطَّواغِيتِ وتَربِيَتِهم الإسلاميَّةِ المُشَوَّهةِ العَوْراءِ التي يَتَوَلَّاها مَن لا خَلَاقَ لهم ولا أَخْلَاقَ ويُلَبِّسون بها على أَبْناءِ المسلمِين، ولا طُلِبَ مِن أولئك الأَسْرَى تعليمُ الرَّسْمِ أو المُوسِيقَى أو التاريخِ المُشَوَّهِ، أو تَدرِيسُ مَدْحِ اللَّاتِ والعُزَّى ومَنَاةَ الثالِثَةِ الأُخرَى كما يُمْدَحُ في هذه المدارسِ ياسِقُ الكُفْرِ وعَبِيدُه ودِيمُقْراطِيَّتُهم وغيرُ ذلك مِمَّا تَقَدَّمَ، ولا كان في ذلك التعليمِ طابُورٌ [يُشِيرُ إلى طابورِ الصَّبَاحِ] تُعْزَفُ فيه المُوسِيقَى، ولا [كان في ذلك التعليمِ] تَحِيَّةُ عَلَمٍ [قالَ الشيخُ المقدسي في مَوضِعٍ آخَرَ مِن كتابِه: عَلَمُ الكُوَيْتِ (أَوْ وَثَنُ الكُوَيْتِ)، تلك الخِرْقةُ المُلَوَّنةُ، هي رَمْزُ الدولةِ والنِّظامِ، وحُبُّها والوَلَاء لها والتَّعَلُّقُ بها وتقديسُها واحترامُها وتعظيمُها هو في الحقيقةِ تعظيمٌ واحترامٌ وتقديسٌ ووَلَاءٌ وحُبٌّ للنِّظامِ الحاكمِ وحُكومَتِه وقانونِه، ومُجَرَّدُ وُجودِ هذه الخِرْقةِ تُرَفْرِفُ في ساحةِ كُلِّ مَدرَسةٍ مِن مدارسِ الدولةِ مُصاحِبَةً الطالِبَ مِن نُعُومةِ أظافِرِه في أوَّلِ المَراحِلِ الابتدائيَّةِ وحتى خُروجِه مِن هذه المدارسِ بنِهَايَةِ الثانَوِيَّةِ لَيَكْفِي دَلِيلًا على سَعْيِ هذا النِّظامِ الخَبِيثِ حَقِيقةً إلى غَرْسِ وَلَائِه وحُبِّه في نُفوسِ النَّشْءِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: فالعَلَمُ ما هو إلَّا رَمْزٌ للنِّظامِ القائمِ، ومِنَ المعلومِ أنَّ كُلَّ مُوَحِّدٍ، مَطلوبٌ منه في دِينِ الإسلامِ أنْ يَكْفُرَ بكُلِّ طاغوتٍ يُعبَدُ مِن دُونِ اللَّهِ سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الطاغوتُ صَنَمًا مِن حَجَرٍ، أو شريعةً وقانونًا أو ياسِقًا ودُستُورًا أو حُكُومةً، أو شَمْسًا أو قَمَرًا، وسَوَاءٌ كَانَتْ هذه العِبادةُ قِيَامًا أو سُجودًا أو رُكُوعًا أو ذُلًّا أو خُضوعًا أو طاعةً وانقِيادًا أو تعظيمًا أو غيرَ ذلك، وأَنْ يَأْمُرَ ذُرِّيَّتَه بذلك ويُنْشِئَهم عليه، فإنَّه مِن لَوازِمِ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)، ومِن ذلك أَنْ يَأْمُرَهم بالبَرَاءةِ مِن كُلِّ باطلٍ يَتَفَرَّعُ مِن ذلك أو ذَرِيعةٍ قد تُوَصِّلُ إليه، ويَتَأَكَّدُ ذلك في كُلِّ ما يُعَظَّمُ ويُبَجَّلُ مِن باطلِ الكفارِ وإفْكِهم كهذه الخِرْقةِ التي تُعَظَّمُ وتُحَبُّ عند كثيرٍ مِمَّن هُمْ كَالأَنْعَامِ بَلْ أَضَلُّ، وهؤلاء السُّفَهاءُ يُحِبُّون هذه الخِرْقةَ ويُعَظِّمونها أَشَدَّ مِن حُبِّهم للَّهِ عزَّ وجلَّ، فَهُمْ يَغْضَبون لَهَا ويَغَارُون عليها إذا سُبَّتْ أو أُهِينَتْ أو مُزِّقَتْ، ولَا يَغْضَبون للَّهِ ولِدِينِه الذي تُنْتَهَكُ حُدودُه لَيْلَ نَهَارَ، بَلْ هُمْ أوَّلُ المُنْتَهِكِين. انتهى باختصار] أو هُتَافٌ بحَيَاةِ الطَّواغِيتِ، لم يَكُنْ فيه مِثْلُ ذلك ولا غيرُه مِمَّا تَقَدمَ مِنَ المَفاسِدِ، بَلْ طُلِبَ منهم شيءٌ مُحَدَّدٌ مُجَرَّدٌ واضِحٌ هو تعليمُ الكِتابةِ لَا غَيْرُ، في ظِلِّ السَّيْفِ والأَسْرِ الذي لا يَجْرُؤُ معه المَأْسُور أنْ يَتَلَاعَبَ أو يَلِفَّ أو يَدُورَ، إذْ هو يَسْعَى في خَلَاصِ نَفْسِه ورَقَبَتِه؛ (ت)ومِنَ الفُروقِ الواضحةِ أيضًا، كَوْنُ فَترةِ التعليمِ كانتْ محدودةً، وكَوْنُ الفَترةِ محدودةً محصورةً يُسَهِّلُ مِن ضَبْطِها، ويُمْكِنُ بذلك مُراقَبَتُهم ومُراقَبةُ تَدرِيسِهم، وكيف لا يُراقَبون وَهُمْ أُسارَى يُخْشَى فِرارُهم وكُفَّارٌ لا يُؤْتَمَنون، بخِلَافِ هذه المدارسِ التي لا يُمْكِنُ بوَضْعِها هذا ضَبْطُ مَفاسِدِها، أو مُراقَبةُ مُدَرِّسِيها؛ وهكذا فَلَوْ تَأَمَّلْتَ تلك الحالةَ وقارَنْتَها بأحوالِ هذه المدارسِ وأَهْلِها لَسَجَّلْتَ وأَضَفْتَ إلى هذه الفَوارِقِ كثيرًا مِنَ الفَوارِقِ الأُخرَى والتي يَبْطُلُ معها القِيَاسُ؛ هذا كُلُّه كَما قُلْنا في حالِ ثُبوتِ القِصَّةِ بِالإسنادِ الصَّحِيحِ، وهو مَطْلَبٌ لا بُدَّ منه لِمَنْ يَحْتَجُّ بها، فإنَّ أَثْبَتَها فهذا رَدُّنا والحمدُ لِلَّهِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: أَصبَحَ مِنَ المعلومِ ضَرورةً في هذا الزمانِ أنَّه لا يَأْتِي شيءٌ مِن هذه الحُكوماتِ إلَّا ويُدَسُّ فيه السُمُّ في الدَّسَمِ، فلا بُدَّ وأنْ تُستَغَلَّ هذه المَناهِجُ في إفسادِ الجِيلِ، وتَطبِيعِه على ما يُرِيدُه الطَّوَاغِيتُ، وإعدادِه مُوالِيًا مُداهِنًا مُحِبًّا لهم ولِحُكومَتِهم، ولا أَشُكُّ في هذا طَرْفَةَ عَيْنٍ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي- تحتَ عنوان (وَقِفُوهُمْ، إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ): والآنَ، أَيُّهَا الأَبُ المُسلِمُ، يا مَن أَلْقَيتَ بفَلَذَاتِ كَبِدِك في هذه المَدارسِ النَتِنَةِ، ماذا تَقُولُ بعدَ هذا كُلِّه؟، أَتَقُولُ {هذا واقعُ هذه المُجتَمَعاتِ، وليس لنا حِيلةٌ، فنحن لا نُرِيدُ مُصادَمةِ الواقِعِ}؟ كما نَسمَعُ كثيرًا مِنَ الدُّعاةِ يُرَدِّدُها، ورَحِمَ اللهُ الشيخَ عبدَالرحمن الدوسري إذْ يقولُ في مُحاضَرةٍ له {إنَّ اللهَ أَوْجَبَ عَلَيْكَ أَيُّهَا المُسلِمُ أنْ تكونَ مُسَيِّرًا لا مُسايِرًا وقائدًا لا مَقُودًا وسَيِّدًا لا مَسُودًا}؛ إنَّ علينا نحن مُسلِمِي هذا الزَّمانِ أنْ نَقِفَ مع أَنْفُسِنا وَقَفاتٍ طويلةً نُحاسِبُها ونُراجِعُها في كثيرٍ مِنَ الأُمورِ، حَرِيٌّ بِنا أنْ نَتَنَبَّهَ مِن هذا السُبَاتِ ونَنْفُضَ غُبَارَ الجاهلية ورُكامَها عن كَوَاهِلِنَا، {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ، وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ، اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: وأخيرًا، فإنَّنا نَعتَقِدُ أنَّنا غُرَبَاءُ في هذا الزَّمانِ، ونَعْرِفُ جيدًا أننا نُخالِفُ بطريقتِنا هذه أهلَ الأرضِ قاطِبةً، ونَعْرِفُ كذلك أننا نُخالِفُ بهذا ما يُحِبُّه ويَرْجُوه ويَستَسهِلُه كثيرٌ مِن إخوانِنا الدُّعاةِ إلى اللهِ عز وجل، الذِين تَجْمَعُنا وإيَّاهُمْ كَلِمةُ التوحيدِ؛ فأمَّا رِضَا أهلِ الأرضِ، فإنَّنا لا نَحْرِصُ عليه ولا نَطْلُبُه أو نَطْمَعُ فيه، لِأنَّنا نُؤْمِنُ بقولِ رَبِّنا {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}؛ وأمَّا إخوانُنا الدُّعاةُ، فَكَمْ وَدَدْنَا واللهِ وحَرَصْنا دَوْمًا أنْ نَجْتَمِعَ معهم ونَلْتَقِي وَهُمْ على جادَّةِ واحِدةٍ، وما زِلْنَا نَحْرِصُ على ذلك ونَدْعُوا إليه، ولكنْ على سبيلِ المؤمنِين وطريقِ الأَوَّلِين، وعلى صِراطِ اللهِ المستقيمِ، لا كَمَا تَتَمَنَّى النُّفوسُ وتَهوَى، وإنَّنا واللهِ لَنَتَمَنَّى أنْ نَجِدَ أو يَجِدَ لنا إخوانُنا عُذرًا أو دَلِيلًا على تَرْكِ هذا السبيلِ أو الانحرافِ عنه، لِنَلتَقِيَ معهم على ما تَشتَهِي أَنفُسُهم ويُحِبُّون، ولكنْ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، أَنَّى هذا وقد عَرَفْنا دَعْوةَ الأنبياءِ والمُرسَلِين ومِلَّةَ أَبِينا إبراهيمَ وسبيلَ المؤمنِين الأَوَّلِين، وأَيْنَ نَفِرُّ مِنَ اللهِ إنِ اِنحَرَفْنا عن هذه الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ والمِلَّةِ العَصْماءِ، أَيْنَ المَفَرُّ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، ويوم تَعْنُو الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا، كيف ونحن نُرَدِّدُ دَوْمًا أَمْرَ رَبِّنا لِقُدْوَتِنا ورسولِنا الكريمِ صلوات اللهُ وسلامُه عليه {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا، إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: وخِتَامًا، فمِن أجْلِ أبنائي وإخوانِهم مِن أبناءِ المسلمِين كَتَبْتُ هذه الوَرَقَاتِ [يعني ورقات كِتَابِ (إعدادُ القادةِ الفوارسِ بهجرِ فسادِ المدارسِ)] راجِيًا مِنَ اللهِ عز وجل وَحْدَهُ الأجرَ والثَّوَابَ، وأنْ أكونَ قد ساهَمْتُ عن طريقِها -ولو باللِّسانِ- في إخراجِ أبناءِ المسلمِين وبناتِهم مِن بعضِ ظُلُمات هذا العَصْرِ إلى نُورِ الإيمانِ، ومِن شيءٍ مِن مَتَاهاتِ هذه الدُّنْيا إلى صِراطِ اللهِ المستقيمِ، ومِن سَفاهةِ وضلالِ الطَواغِيتِ إلى رُشْدِ وأَمَانةِ الإسلامِ، وأنْ أكونَ قد وُفِقْتُ في تَنبِيهِهم وتَحذِيرِهم بكُلِّ صَراحةٍ مِن هذا الضَّيَاعِ العظيمِ والذي قَصَّرَ في تَحذِيرِهم منه أباؤهم، وكثيرٌ مِن رؤوسِ الجماعاتِ الإسلاميةِ بل قد اتَّخَذَه أكثرُهم دِينًا وطريقةً للدعوةِ ومَنْهَجًا فَضَلُّوا وأَضَلُّوا شَعَرُوا أو مِن حيث لا يَشعُرون؛ وَأَنَا لا أَتَوَقَّعُ مع ذلك، أنْ يَستَجِيبَ الناسُ جميعًا أو أكثرُهم لِكَلامِي هذا فَيَعتَزِلوا هذه المدارسَ ويَخْرُجوا منها مُدَرِّسِين وطَلَبَةً، أفواجًا أفواجًا كما دَخَلُوها أفواجًا، فاللَّهُ عز وجل يقولُ {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى، فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ، إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ، وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}؛ كَمَا وأَعْلَمُ عِلْمَ اليَقِينِ وَأَنَا أَخُطُّ هذه الكَلِماتِ أنَّ الطُّغاةَ -لا أَبْقاهم اللهُ- وكذلك سَدَنَتَهم مِن عِبِيدِ الْيَاسِقِ العَصْرِيِّ، ومَن حَذَا مَحْذَاهم وسارَ على نَهْجِهم مِن أصحابِ العَمَائمِ الكبيرةِ بَلْ ورُبَّما اللِّحَى العظِيمةِ والشَّهاداتِ الفارِغةِ، الذِين انحرَفوا عن جادَّةِ الحقِّ والإيمانِ، وآثَرُوا سُبُلَ المُداهَنةِ والتَّمَلُّقِ للطُّغاةِ والحُكَّامِ، أَعْلَمُ أنَّه لن يَهْنَأَ لهم بها حالٌ أو يَهْدَأَ لهم بالٌ أو يَرْضَوْا عني بذلك، وما حَرَصْتُ يومًا على رِضَاهم؛ كَمَا أَعْلَمُ أنَّ إبليسَ سَيَؤُزُّهُمْ أَزًّا فَيَكْتُبُوا ويُجَعْجِعُوا ويُطَبِّلُوا ويُزَمِّرُوا كعادَتِهم، فَتَارَةً على نَغَمةِ (التَّعَصُّبِ، والتَّشَدُّدِ، والغُلُوِّ) يُدَنْدِنُون، وَتَارَةً على وَتَرِ (الإنحرافِ، والجَهْلِ، والمُرُوقِ مِنَ الدِّينِ) يَضْرِبُون؛ فَهَا نحن نُعْلِنُها في وُجوهِهم ونُفاخِرُ بها فَلَا نَخْشاهُمْ أو نَخْشَى أَلْسِنَتَهم الطويلةَ، نَعَمْ إنَّنا مُتَعِصِّبون ومُتَشَدِّدون في زَمَنِ التَّرَدِّي والتَّساهُلِ والتَّقَهْقُرِ والتَّرَاخِي [قالَ الشيخُ عبدُالله الدويش (ت1409هـ) في (النَّقْضُ الرَّشِيدُ في الرَّدِّ على مُدَّعِي التَّشدِيدِ): ولَكِنْ لَمَّا نَشَأَ أكثَرُ الناسِ على التَّوَسُّعِ وأَلِفُوه، أنكَروا ما عارَضَه وسَمَّوْه تَشدِيدًا. انتهى]، مُتَعِصِّبون لِدِينِنا أَيَّمَا تَعَصُّبٍ، لا نَتَنازَلُ عن أَيَّةِ جُزْئِيَّةٍ منه لِأجْلِ سَوَادِ أَعْيُنِكم أو حَوَلِها، مُتَشَدِّدون مع أَمْثالِ أولئك الذِين أَرْشَدَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ نَبِيَّه صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه إلى أُسلوبِ التَّعامُلِ معهم فقالَ {فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ، وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ، وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ، هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} الآيَاتِ، مُتَشَدِّدون في إنقاذِ أَنْفُسِنا وأبنائنا وأَهْلِينا مِمَّا أَغْرَقْتُمُ به أَنْفُسَكم وأبناءَكم وأَهْلِيكم مِن خِزْيٍ وَعَارٍ وَدَمَارٍ، أَمَّا (الإنحرافُ، والجَهْلُ، والمُرُوقُ مِنَ الدِّينِ) فاللهُ أَعْلَمُ بأَهْلِه وأصحابِه، وهو سبحانه يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ، وتاللهِ إنَّها لَأيَّامٌ قَلَائلُ ونَصِيرُ وأَنْتُمْ إلى دارٍ أُخْرَى، حيث تُبْلَى السَّرَائِرُ وليس لِأحَدٍ مِن دُونِ اللهِ قُوَّةٌ وَلَا نَاصِرٌ، فتَظَهَرَ الحقائقُ ويَنْجَلِيَ التَّلْبِيسُ والتَّدْلِيسُ، فيَعْلَمَ كلُّ مَفتُونٍ إذا اِنْجَلَى الْغُبَارُ أَفَرَسٌ تَحْتَهُ أَمْ حِمَارٌ. انتهى باختصار.

 

(22)وقالَ الشيخُ ناصرُ بنُ حمد الفهد (المُتَخَرِّجُ مِن كُلِّيَّةِ الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، والمُعِيدُ في كُلِّيَّةِ أصول الدين "قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة") في مَقالةٍ له بعنوان (إِنَّمَا الوَطَنِيَّونَ إِخْوَةٌ) على هذا الرابط: فَقَدِ اِطَّلَعْتُ على الخَبَرِ المَنشُورِ في الصُّحُفِ بتارِيخِ 10/11/1425، بعُنوانِ (بَدْءُ اليَومِ الدِّراسِيِّ بـ "تَحِيَّةِ العَلَمِ"، وجَعْلُ "اليَومِ الوَطَنِيِّ" يَومَ إجازةٍ رَسْمِيَّةٍ)؛ إنَّ هذه القَراراتِ يُرادُ مِن خِلالِها اِستِبدالُ الذي هو أَدْنَى بالذي هو خَيْرٌ، ويُرادُ مِن خِلالِها إحلالُ رابِطةِ (الوَطَنِ) بَدَلًا مِن رابِطةِ (الدِّينِ)؛ ففي الوَقتِ الذي قُلِّصَتْ فيه مَناهِجُ الدِّينِ وحُذِفَتْ مادَّةُ (الوَلَاءِ والبَرَاءِ) مِنْها -وهي أَصْلُ دِينِ الإسلامِ- فُرِضَ ما يُسَمَّى بـ "تَحِيَّةِ العَلَمِ"، وجُعِلَ [ما يُسَمَّى بـ] "اليَومِ الوَطَنِيِّ" يَومَ إجازةٍ رَسْمِيَّةٍ (مُضاهاةً لِعِيدِ الفِطْرِ وعِيدِ الأضْحَى!)؛ وكُلُّ ما يَدُورُ الآنَ هو لِجَعْلِ مَبْدَأِ {إِنَّمَا الوَطَنِيَّونَ إِخْوَةٌ} بَدَلًا مِن قَولِه تَعالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}؛ ولا شَكَّ أنَّ الدَّعْوةَ لِلقَومِيَّةِ أو الوَطَنِيَّةِ وَمَا أَشْبَهَهَا هي مِن دَعاوَى الجاهِلِيَّةِ التي يَجِبُ على المُسلِمِين نَبْذُها. انتهى باختصار.

 

(23)وسُئِلَ الشيخُ مُقْبِلٌ الوادِعِيُّ في شَرِيطٍ صَوتيٍّ مُفَرَّغٍ على هذا الرابط بعنوان (الجزءُ الأَوَّلُ مِن "تحذير الدارِسِ مِن فِتنةِ المدارسِ") {هذه المَدارِسُ الحُكومِيَّةُ، مَن وَضَعَها؟ أَوْلِياءُ اللهِ أَمْ أعداءُ اللهِ؟}، فأجابَ الشيخُ: الواضِعون لها لَيْسوا مِمَّن يَهتَمُّون بأُمورِ الدِّينِ، وَضَعَها حُكَّامُ المُسلِمِين [قالَ الشيخُ مُقْبِلٌ الوادِعِيُّ في (المَخْرَج مِن الفِتنة): حُكَّامُ المسلمِين أصبحوا لا يَتَقَيَّدون بشَرْعٍ، بَلْ يُقَلِّدون أعداءَ الإسلامِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الوادِعِيُّ-: اُبْتُلِيَ المسلمون بحُكَّامٍ يَقُودون الشُّعوبَ إلى الهاوِيَةِ. انتهى باختصار] لِمَقاصِدَ، منها لِيُحَبِّبوا أنْفُسَهم لَدَى الطَّلَبةِ ولَدَى المُجتَمَعِ، ومنها لِيُجارُوا المُجتَمَعَ، فإنَّ الدَّولةَ إذا كانَتْ لا تَهتَمُّ بالثَّقافةِ فالمُجتَمَعُ يَنتَقِدُها، ورُبَّما كانَ هناك مَقاصِدُ أُخْرَى، لِيُمَيِّعُوا الشَّبابَ ويُضَيِّعوهم عن هذا الدِّينِ، أو يَدعُوهم إلى حِزبِيَّاتٍ [كالبَعْثِيَّةِ، والناصِرِيَّةِ]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الوادِعِيُّ-: كُلُّ المَدارِسِ لم يُؤْتَ بها لِيَخْدِموا الإسلامَ، أَقْصِدُ المَدارِسَ التي تَتَعلَّقُ بالحُكوماتِ [قالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (مِلَّة إبراهيمَ): ولقدِ اِعْتَدْنا ألَّا نَثِقَ بما يَأْتِي مِنَ الحُكُوماتِ، وَنِعْمَتِ العادةُ. انتهى]، وإلَّا فهناك مَدارسُ تَحفِيظِ قُرآنٍ، ومَعاهِدُ لِدِراسةِ الكِتابِ والسُّنَّةِ، فهذه فيها خَيْرٌ كَثِيرٌ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الوادِعِيُّ-: دِينُ اللهِ في وادٍ والمُجتَمَعاتُ في وادٍ. انتهى باختصار. وسُئِلَ الشيخُ الوادِعِيُّ أيضًا في نَفْسِ الشَرِيطِ {نحن نَرَى أنَّ هذه المَدارِسَ، الذي وَضَعَها هُمْ أُناسٌ، إمَّا يكونُ عَدُوًّا للإسلام وإمَّا يكونُ جاهِلًا بِما وُضِعَتْ له، لكنِ الذي نَرَاه أنَّ هَيْئَةَ الأُمَمِ المُتَّحِدةِ عندها فَرْعٌ وهو مُنَظَّمَةُ اليُونِسْكُو تُنَظِّمُ للمَدارِسِ في كُلِّ العالَمِ، فما رَأْيُ الشيخِ؟}، فأجابَ الشيخُ: الأمْرُ كما يقولُ الأَخُ، والنتائجُ أكْبَرُ شاهِدٍ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الوادِعِيُّ-: فالمُنَظَّمَةُ اليُونِسْكِيَّةُ [مَوجودةٌ] في جميعِ البِلادِ الإسلامِيَّةِ، وإلى اللهِ المُشتَكَى، [وَ]صَدَقَ الرسولُ صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذْ يَقولُ كما في الصَّحِيحِ مِن حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ {لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ، قُلْنَا (يَا رَسُولَ اللَّهِ، اليَهُودُ وَالنَّصَارَى؟)، قَالَ (فَمَنْ؟!)}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الوادِعِيُّ-: إنَّ المسلمِين أَصبَحوا لا يُبالون بما أَوجَبَ اللهُ عليهم مِن رِعايَةِ أبنائهم... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الوادِعِيُّ-: يَستَطِيعُ الشَّخصُ أنْ يَقولَ {إنَّ زُعَماءَ المسلمِين لا يَدرُون أَيْنَ يُسَارُ بهم}، واللهُ المُستَعانُ. انتهى باختصار. وسُئِلَ الشيخُ الوادِعِيُّ أيضًا في نَفْسِ الشَرِيطِ {كَثِيرٌ مِنَ المُدَرِّسِين الدُّعَاةِ إلى اللهِ مِنَ الإخوانِ المسلمِين، والسَّلَفِيِّين، يَعمَلون مُدَرِّسِين في وِزَارةِ التَّربِيَةِ، نَجٍدُ وِزَارةَ التَّربِيَةِ لا تَسمَحُ لهم بأنْ يَضَعوا مَناهِجَ إسلامِيَّةً، بَلْ تَسمَحُ لِمَن هو لا يُحِبُّ الإسلامَ، فما رَأْيُ الشيخِ في هذه المَسألةِ؟}، فأجابَ الشيخُ: هذا هو المُتَوَقَعُ، لأنَّ فاقِدَ الشَّيءِ لا يُعطِيه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الوادِعِيُّ-: حُكَّامُ المسلمِين ليس فيهم واحِدٌ عالِمٌ [قالَ الشيخُ مُقْبِلٌ الوادِعِيُّ على موقِعِه في هذا الرابط: فأعداءُ الإسلامِ هُمُ الذِين يَضَعُون هؤلاء الحُكَّامَ على الكَرَاسِيِّ، فمَن كانت به غَيْرةٌ على الإسلامِ فَلْيَبْدَأْ بجِهادِ أَمْرِيكا فهي رَأْسُ البَلَاءِ، وهي التي أَفْسَدَتِ المسلمِين وأَفْسَدَتْ حُكَّامَهم، بدُولَارَاتِها وبإعلامِها. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ مُقْبِلٌ الوادِعِيُّ أيضًا في فتوى صَوتِيَّةٍ مُفَرَّغةٍ على موقِعِه في هذا الرابط: الحُكَّامُ لا يَمْلِكُونَ أُمُورَهم، ولكنَّ الذي يَمْلِكُ أَمْرَ الحُكَّامِ هي أَمْرِيكا، فالحُكَّامُ مَساكِينُ لا يَمْلِكُونَ أَمْرَهم. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ مُقْبِلٌ الوادِعِيُّ أيضًا في شَرِيطٍ صَوتيٍّ مُفَرَّغٍ على هذا الرابط بعنوان (الجزءُ الثاني مِن "تحذير الدارِسِ مِن فِتنةِ المدارسِ"): الحُكَّامُ أصْحابُ كَرَاسِيِّ، لا يَهُمُّهم إلَّا الكَرَاسِيُّ. انتهى باختصار]، فَهُمْ لا يَدْرُون، مساكِينُ، يَظُنُّون أنَّ أَمْرِيكا ورُوسْيَا تَقَدَّمَتَا في العُمْرانِ والاختِراعاتِ بسَبَبِ الإلْحادِ، فَهُمْ يَظُنُّون أنَّهم ما يُسايِرُون الرَّكْبَ إلَّا إذا مَكَّنُوا أعداءَ الإسلامِ مِنَ الدَّعوةِ إلى العَلْمانِيَّةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الوادِعِيُّ-: هذه المَدارِسُ يا إخوانُ، الصحيحُ أنَّها لا تُخْرِجُ رِجَالَ دُنْيَا ولا رجالَ دِينٍ، لكنْ تُخْرِجُ ضايِعِين مايِعِين، مِثْلَ أصْحابِ السِّينَما وأصْحابِ الكُرَةِ، إلى غيرِ ذلك، أَمْرٌ مقصودٌ يا أخِي. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ الوادِعِيُّ أيضًا في نَفْسِ الشَرِيطِ: المُسلِمون في مَدارِسِهم ومُسْتَشفَيَاتِهم وفي إداراتِهم وفي أكثرِ شُؤُونِهم، يَعِيشون في جاهِليَّةٍ، يَعِيشون بَعِيدِين مِن كتابِ اللهِ ومِن سُنَّةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم. انتهى.

 

(24)وقالَ الشيخُ مُقْبِلٌ الوادِعِيُّ أيضًا في شَرِيطٍ صَوتيٍّ مُفَرَّغٍ على هذا الرابط بعنوان (الجزءُ الثاني مِن "تحذير الدارِسِ مِن فِتنةِ المدارسِ"): إنَّ المسلمِين أصْبَحوا إمَّعةً، يُهَروِلون بَعْدَ [أَيْ خَلْفَ] أعداءِ الإسلامِ، لا يَدرُون أَيْنَ يَتَّجِهون، واللهُ المُستَعانُ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الوادِعِيُّ-: الواعِظُ يَبَحُّ صَوْتُهُ، وبَعْدَها الشَّعْبُ ماشٍ بَعْدَ [أَيْ خَلْفَ] أعداءِ الإسلامِ. انتهى باختصار. وسُئِلَ الشيخُ الوادِعِيُّ في نَفْسِ الشَرِيطِ {تقومُ وِزَارةُ التَّربِيَةِ بوَضْعِ عَلَمٍ في كُلِّ مَدرَسةْ، وتَدفَعُ الطُّلَّابَ والطالِباتِ، وقَبْلَ أنْ يَجْلِسوا، [أنْ] يَقُولوا (تَحْيَا الكُوَيْتُ)، ويُحَيُّوا العَلَمَ؟}، فأجابَ الشيخُ: هو تَقلِيدٌ لأعداءِ الإسلامِ وأمْرٌ جاهلِيٌّ [جاءَ في كتابِ (دروس للشيخ الألباني)، أنَّ الشيخَ سُئلَ: وهَلْ مُجَرَّدُ الانتِصابِ أمامَ العَلَمِ يُخِلُّ بالتَّوحِيدِ؟. فأجابَ الشيخُ: نَعَمْ، يُخِلُّ بالإسلامِ والشَّرِيعةِ والآدابِ الإسلامِيَّةِ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}، هذا تَعظِيمٌ أَشْبَهُ بتَعظِيمِ الأصْنامِ، لأنَّ هذا العَلَمَ عِبارةٌ عن قِطْعةِ قُماشٍ، لكنْ هو التَقلِيدُ الأُورُوبِّيُّ الأعْمَى مع الأسَفَ الشَّدِيدِ. انتهى]، وهذا هو الذي نَتَوَقَّعُه مِن هذه المَدارِسِ، ونَتَوَقَّعُ ما هو شَرٌّ مِن هذا، لأنَّها أصْبَحَتْ لا تَتَقَيَّدُ بكتابِ اللهِ ولا بِسُنَّةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بَلْ رُبَّما لو وُجِدَ مُدِيرٌ فيه خَيْرٌ، رُبَّما -يَا إِخْوَانَنَا- يَعْزِلونه ويَطْرُدونه إذا قالَ {إنَّ هذا لا يَجوزُ}، فمِن أَجْلِ هذا نحن نَقُولُ ونَنْصَحُ باعتِزالِ هذه المَدارِسِ الجاهِلِيَّةِ حتى تُحَكِّمَ كتابَ اللهِ وسُنَّةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ الوادِعِيُّ أيضًا في نَفْسِ الشَرِيطِ: نحن ما نَتَوقَّعُ مِن هذه المَدارِسِ الخَيرَ، نَتَوقَّعُ منها الشَّرَّ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الوادِعِيُّ-: المَدرَسةُ تَسُودُها الجاهِلِيَّةُ، والإدارةُ تَسُودُها الجاهِلِيَّةُ، والمُجتَمَعُ [وَ]المُستَشْفَى، تَسُودُه الجاهِلِيَّةُ، فالأمْرُ يَحتاجُ إلى بِنَاءٍ وإلى تَأْسِيسٍ يَا إِخْوَانَنَا، وليس لها حَدٌّ مَفاسِدُ المُجتَمَعِ. انتهى باختصار. وسُئِلَ الشيخُ الوادِعِيُّ في نَفْسِ الشَرِيطِ {يُلْزَمُ الطُّلَّابُ بِلُبْسِ البَنْطَلُونِ وتُدَرَّسُ المُوسِيقَى، في المَدارِسِ، فما حُكْمُ الشَّرْعِ؟}، فأجابَ الشيخُ: هذا أمْرٌ ما أَنْزَلَ اللهُ به مِن سُلْطانٍ، بَلْ نحن مَأمورون بالاقتِداءِ برسولِ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يَقولُ {وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ}؛ إنَّهم يُرِيدون أنْ يُضَيِّعوا شَبابَنا ويُمَيِّعوهم... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الوادِعِيُّ-: وهكذا المُوسِيقَى وآلَاتُ اللَّهْوِ والطَّرَبِ، والْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي عَامِرٍ -أَوْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ- قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم {لَيَكُونَنَّ أَقْوَامٌ مِنْ أُمَّتِي يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ}، [وَ]المَعازِفُ هي آلَاتُ اللَّهْوِ والطَّرَبِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الوادِعِيُّ-: أَنَا أَنْصَحُكَ أنْ تَفِرَّ بِدِينِكَ يا أَخِي، اِعتَزِلْ هذه المَدارِسَ الجاهِلِيَّةَ إذا كان فيها مُوسِيقَى أو فيها مُنكَراتٌ، فرُبَّما يُوجَدُ فيها اللُّوَاطُ -يَا إِخْوَانَنَا- والفَواحِشُ، فأَنْصَحُكَ أنْ تَعتَزِلَ هذه، والرسولُ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يَقولُ كما في الصَّحِيحِ مِن حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ {يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ [أَيْ رُؤوسَ] الْجِبَالِ يَفِرُّ بِدِينِهِ}؛ أَمَّا أنت تُرِيدُ أنْ تُجارِيَ المُجتَمَعَ وتَحفَظَ دِينَكَ!، هذا يا أَخِي لا يَتَأَتَّى [يَعْنِي الجَمْعَ بين مُجاراةِ المُجتَمَعِ وحِفْظِ الدِينِ]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الوادِعِيُّ-: فيَا إِخْوَانَنَا، دِينُ اللهِ في وادٍ، ومُجتَمَعاتُنا الجاهِلِيَّةُ في وادٍ. انتهى باختصار.

 

(25)وذَكَرَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (إعدادُ القادةِ الفوارسِ بهجرِ فسادِ المدارسِ) أنَّ الشيخَ الألباني سُئِلَ {المَدارسُ الحُكوميَّةُ عندنا -أو في كثيرٍ مِنَ الدُّوَلِ- لا تَخْلُو مِن مَفاسِدَ، هَلْ لِأحَدٍ أنْ يُنْكِرَ على مَن صانَ أولادَه مِن مَفاسدِها وأَخْرَجَهم منها، ويَعْتَبِرَه متطرفًا أو شاذًّا أو رجعيًّا؟}؛ وأنَّ مِمَّا أجابَ به الشيخُ الألباني {لا يَجُوزُ أنْ يُنْكَرَ على أَحَدٍ مَنَعَ ابْنَه أو بِنْتَه مِن أنْ يَدْرُسَ في مَدرَسةٍ فيها مُخالَفاتٌ للشريعةِ، بْلْ هذا هو الذي يَحُضُّ عليه الإسلامُ؛ فإذا المُسلِمُ تَحَرَّى واحتَاطَ لِدِينِه فليس لِغَيرِه أنْ يُنْكِرَ عليه أو أنْ يَصِفَه ببعضِ الصِّفاتِ التي لا يَصْدُقُ وَصْفُه بها، هذا ما عندي إجابَةً عن هذا السؤالِ}. انتهى باختصار.

 

(26)وقالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (إعدادُ القادةِ الفوارسِ بهجرِ فسادِ المدارسِ): يقولُ الشيخُ الألباني {إنَّ الذِين يَدرُسون في المدارسِ اليومَ، هُمْ في خَطَرٍ لِكَثرةِ ما يَتَعَرَّضون [لَهُ] مِنَ الإخلالِ بالواجِباتِ العَينِيَّةِ}. انتهى باختصار.

 

(27)وقالَ الشيخُ محمد قطب (الحاصلُ على "جائزة الملكِ فَيْصَلٍ العالَمِيَّة في الدِّراساتِ الإسلامِيَّةِ") في كتابه (واقعنا المعاصر): ولا شك عندنا في أن مناهج الدراسة في مدارسنا ومعاهدنا ذاتُ صِبْغَةٍ جاهِلِيَّةٍ صارِخةٍ، وَضَعَها لنا أعداؤنا لِيَفْتِنُونا عن إسلامِنا، كما بَيَّنَّا مِن قَبْلُ في الحديثِ عن (الغزوِ الفكريِّ، واستخدامِ مَناهجِ التعليمِ أَداةً مِن أكبرِ أَدَواتِه وأَخطَرِها)، ولو لم يكنْ مِن هذه المناهجِ غيرُ بَثِّها الدائمِ لِدَعاوَى الوَطَنِيَّةِ والقَومِيَّةِ [جاءَ في أَحَدِ الكُتُبِ المَدرَسِيَّةِ الكُوَيْتِيَّةِ: الكُوَيْتُ قِطعةٌ مِنَ الوَطَنِ العربيِّ، والكُوَيْتُ تُدرِكُ تَمامًا ما يَربِطُها بأبناءِ هذا الوَطَنِ الكَبِيرِ مِن رَوابِطِ الدَّمِ واللُّغةِ والتارِيخِ والمَصِيرِ المُشتَرَكِ. ذَكَرَه الشيخُ أبو محمد المقدسي في (إعدادُ القادةِ الفوارسِ بهجرِ فسادِ المدارسِ)، وعَلَّقَ عليه قائلًا {هذه رَوابِطُهم، دَمٌ ولُغةٌ وتاريخٌ (وطِينٌ)، ومَصِيرٌ مُشتَرَكٌ إلى جَهَنَّمَ وبِئْسَ المَصِيرُ ما دامَ الدِّينُ لا يَحْكُمُ هذه الرَّوابِطَ}] والعَلْمانِيَّةِ والاشتراكِيَّةِ، وإشادتِها الدائمةِ بالذِين لا يَحْكُمون بما أَنزَلَ اللهُ [قالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (إعدادُ القادةِ الفوارسِ بهجرِ فسادِ المدارسِ): وهكذا فالكِتابُ [يَعنِي أَحَدَ الكُتُبِ المَدرَسِيَّةِ الكُوَيْتِيَّةِ، كمِثَالٍ للكُتُبِ المَدرَسِيَّةِ في الأَنْظِمةِ الطَّاغُوتِيَّةِ] كُلُّه مِن أَوَّلِه إلى آخِرِه مُسَخَّرٌ في سَبِيلِ تَمجِيدِ الكُوَيْتِ وعَلَمِها وعِيدِها وطَواغِيتِها، فتَجِدُ مِثْلَ هذه العِباراتِ تَتَكَرَّرُ بشَكْلٍ مَكشوفٍ ومُمِلٍّ، في مواضِعَ كثيرةٍ ومُتَفَرِّقةٍ مِنَ الكِتابِ {تَبْذُلُ الحُكومةُ جُهودًا عَدِيدةً في حَلِّ المُشْكِلاتِ، تَبْنِي الحُكومةُ كُلَّ سَنَةٍ عَشْرَاتِ المَدارِسِ، تَسعَى حُكومةُ الكُوَيْتِ إلى تَوفِيرِ الخِدْماتِ السُّكَّانِيَّةِ لِتَضْمَنَ للسُّكَّانِ الرَّاحةَ والرَفَاهِيَةَ، تُقَدِّمُ الدولةُ الرِّعايَةَ...، تَحْرِصُ الدولةُ على تقديمِ...، تَهْتَمُّ دولةُ الكُوَيْتِ...، تُوَفِّرُ الدولةُ المَسكَنَ المُلَائمَ لكُلِّ مُواطِنٍ، تُخَطِّطُ الدولةُ لِتَوفِيرِ العَدِيدِ مِنَ الخِدْماتِ، أَنْشَأَتِ الدولةُ...، تَستَثمِرُ الدولةُ...، جُهودُ الدولةِ في تَطوِيرِ...}، وهكذا غالِبِيَّةُ الكِتابِ مِن أَوَّلِه إلى آخِرِه، مَدْحٌ وتَمجِيدٌ بالدولةِ، ولَنْ تَجِدَ بالطَّبْعِ أَبَدًا في كُتُبِهم {تُحارِبُ الدولةُ اللهَ ورسولَه، الدولةُ تُحَكِّمُ شَرْعِ إبْلِيسَ، الدولةُ تُعَطِّلُ حُكْمَ اللهِ، الدولةُ تُوَالِي أعداءَ اللهِ، الدولةُ تُحارِبُ أَولِياءَ اللهِ، الدولةُ تَنْشُرُ الفَسادَ في البِلادِ والعِبادِ، الدولةُ تَحمِي الكُفْرَ والزَّندَقةَ والإلْحادِ} وغيرَه، فهذا مَطْوِيٌّ وغيرُ مَوجُودٍ بَدَاهةً في كُتُبِهم. انتهى]، لكَفَى بذلك إثْمًا، ولكنَّها في الحقيقةِ لا تَكتَفِي بذلك في أيِّ مَرحَلةٍ مِن مراحلِها، إنَّما تُنْشِئُ ثَقَافةً وعِلْمًا مُضَادًّا للدِّينِ، يَهْدِفُ في النِّهايَةِ إلى إخراجِ العِبَادِ مِن عِبَادةِ اللهِ. انتهى.

 

(28)وقالَ الشيخُ محمد أمين المصري (رئيس الدراسات العليا في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة) في كتابِه (المجتمع الاسلامي): إنَّ المَناهجَ في البلادِ الإسلاميَّةِ ليست مُصْطَبَغةً بصِبْغَةٍ إسلاميَّةٍ، وَجَوُّ المَدرسةِ ليس جَوًّا إسلاميًّا، وَجُلُّ الأساتذةِ مِن حَمَلةِ الشَّهاداتِ مِمَّن يَتَنَكَّرُ للإسلامِ، أو يَفْهَمُه فَهْمًا مُنحَرِفًا مائِلًا عنِ الصَّوَابِ يَبتَعِدُ فيه عنِ الإسلامِ ابتِعادًا كَبِيرًا على الغالِب. انتهى.

 

(29)وقالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (إعدادُ القادةِ الفوارسِ بهجرِ فسادِ المدارسِ): ويَقُولُ الشيخُ طايس الجميلي في خُطْبَةٍ له بعنوان (مَنَاهِج التَّربِيَةِ) {نحن الآنَ على قَنَاعَتِنا السابِقةِ بأنَّ مناهجَ التَّربِيَةِ والتعليمِ لا تَزالُ أَطْرافُها بِيَدِ المُنَظَّماتِ الكافرةِ، ولا يَزالُ المُشرِفون عليها يُحاوِلون أنْ يَدُسُّوا السُمَّ في الدَّسَمِ... مأساةُ التَّربِيَةِ والتعليمِ عندنا مُصِيبةٌ... البِنْتُ تُحاكِي والطالبُ يُحاكِي أستاذَه، يَتَحَرَّكُ بحَرَكَتِه ويَبْتَسِمُ كابتِسامَتِه، يَمْشِي كَمِشْيَتِه، فإنْ رَآه مُستَهِينًا بالأخلاقِ والآدابِ والعِبَاداتِ خَرَجَ يَحْذُو حَذْوَه وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ... الآنَ أبْناءٌ وبَناتٌ يَضِيعون، يَتَنَكَّبُون الطَّريقَ... المسؤولون إذا رَأَوْا مُدَرِّسًا مُهْتَمًّا بالقَضِيَّةِ الدِّينِيَّةِ ضايَقوه وحارَبوه وكَرِهوه ومَقَتُوه، وطالبوا بنَقْلِه فَوْرًا وبالسُّرْعةِ المُستَطاعةِ (فإنَّه يُخِلُّ بسَيْرِ العَمَلِ)}. انتهى باختصار.

 

(30)وقالَ الشيخُ عبدُالرحمن الدوسري (الذي حاضَرَ في مُعظَمِ مَدارسِ وجامعاتِ المملكةِ السعوديةِ) في (صفوة الآثار والمفاهيم من تفسير القرآن العظيم): إنَّ الواقِعَ سَيِّئٌ في الحقِيقةِ، وسَبُبُه الغَزْوُ الفِكْرِيُّ المُتَنَوِّعُ الذي دَبَّرَتْه الْمَاسُونِيَّةُ اليَهُودِيَّةُ بمَكْرِها المَلعُون، فأحاطَ بالمسلمِين مِن كُلِّ جانِبٍ، فجميعُ ما يَسْمَعُونه أو يُقْذَفُ عليهم في وسائلِ النَّشْرِ الْمُخْتَلِفَةِ، مَسْمُومٌ ومُلَغَّمٌ مِن كُلِّ ناحِيَةٍ، سَدَاه الغِشُّ ولُحْمَتُه التَّدلِيسُ [السَدَى خُيُوطُ الثَّوبِ الْمُمْتَدَّةُ طُولًا، واللُّحْمةُ خُيُوطُهُ الْمُمْتَدَّةُ عَرْضًا]، و[كذلك] جميعُ مَناهِجِ التربية في جميعِ المَراحِلِ، لذلك يَنْشَأُ الطِّفلُ ويَشِيبُ الكَهْلُ على الأفكارِ المُنحَرِفةِ عن دِينِه القَوِيمِ وصِراطِه المُستَقِيمِ، حيث لا يَبْقَى مِنَ الدِّينِ إلَّا اسْمُه، ولا مِنَ القرآنِ إلَّا رَسْمُه؛ مَن أَشْغَلَ نَفْسَه مِنَ الكُهُولِ بقِراءةِ الصَّحافةِ طُبِعَ بها مُعتَقِدًا أنَّ الشَّعْبَ يَسْلُكُ ما يُناسِبُه دُونَ الرُّجوعِ إلى اللهِ أو التَّقَيُّدِ بشَيْءٍ مِن حُكْمِه، ومَن تَرَبَّى في المَدارِسِ فهو مَطْبُوعٌ بالمَذهَبِ المادِّيِّ [أَيِ العَلْمَانِيِّ] أو العَصَبِّي [يَعْنِي التَّعَصُّبَ لِغَيرِ رابِطةِ الدِّينِ والعَقِيدةِ] الذي تُريدُه دَوْلَتُه [وَ]تُرَكِّزُه في الأَذْهانِ. انتهى باختصار.

 

(31)وقالَ الشيخُ ناصر العقل (رئيس قسم العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) في كتابِه (التقليد والتبعية وأثرهما في كيان الأمة الإسلامية) تحت عنوان (الحكومات القائمة في العالم الإسلامي): لقد حَرَصَ الكفارُ المُحْتَلُّون -الذِين سيطروا على العالَم الإسلامِيِّ بالقوةِ العسكريَّةِ- عند انسحابِهم مِن أَيِّ بَلَدٍ مُسلمٍ، على أن يُسَلِّموا أَزِمَّةَ [(أَزِمَّة) جَمْعُ (زِمَام)] الحُكْمِ فيه إلى مَن يَخْدِمُ مصالحَهم [قالَ الشيخُ مُقبِل الوادِعي على موقعه في هذا الرابط: فأعداءُ الإسلامِ هُمُ الذِين يَضَعُون هؤلاء الحُكَّامَ على الكَرَاسِيِّ، فمَن كانت به غَيْرةٌ على الإسلامِ فَلْيَبْدَأْ بجِهادِ أَمْرِيكا فهي رَأْسُ البَلَاءِ، وهي التي أَفْسَدَتِ المسلمِين وأَفْسَدَتْ حُكَّامَهم، بدُولَارَاتِها وبإعلامِها. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإِسْكَنْدَرِيَّةِ) في مُحاضَرة بعنوان (المؤامرة على التعليم) مُفَرَّغَةٍ على هذا الرابط: رَغْمَ خُروجِ الإِنْجِلِيزِ مِن مِصْرَ، لكنْ ظَلَّتْ سِيَاسَتُهم التَّعلِيمِيَّةُ هي السائدةَ ولم تَتَغَيَّرْ عن طَرِيقِها ولم تَحِدْ أبدًا. انتهى. وقالَ الشيخُ محمد إسماعيل المقدم أيضًا في (دروس الشيخ محمد إسماعيل المقدم): وأَوَّلُ شُؤْمٍ بَعْدَ سُقُوطِ الخِلافةِ [يَعْنِي الدَّولةَ العُثمانِيَّةَ] وضَعْفِ المُسلِمِين في تلك المَرحَلةِ هو تَقْسِيمُ الأُمَّةِ الإسلامِيَّةِ إلى أقالِيمَ جُغرافِيَّةٍ مُتَعَدِّدةٍ على أَيْدِي أعداءِ الإسلامِ من الإنْكِلِيزِ والْفَرَنْسِيِّين وغيرِهم مِن أعداءِ اللهِ سُبْحانَه وتَعالَى، تَطبِيقًا لِمَبْدَئِهم المَعروفِ {فَرِّقْ تَسُدْ}؛ والأثَرُ الثانِي أنَّ هذه الأقالَيمَ خَضَعَ مُعظَمُها للاستعمارِ العَسْكَرِيِّ الكافِرِ سَوَاءٌ إنْجِلْترَا أو فَرَنْسَا أو إيطَالْيَا أو هُولَنْدَا أو رُوسْيَا، ثم حَكَمَتْها حُكوماتٌ أقامَها الاستِعمارُ مِمَّن يُطِيعُه مِمَّا نَستَطِيعُ أنْ نُسَمِّيَه اِستِعمارًا وَطَنِيًّا. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ عبدالرحمن بن عبدالخالق في (المسلمون والعمل السياسي): أقامَ الكفارُ في كُلِّ إقليمٍ حُكومةً تابِعةً لهم مِن أهالي البلادِ مِمَّن يُطِيعُ أمْرَهم. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (إعدادُ القادةِ الفوارسِ بهجرِ فسادِ المدارسِ): خَرَجَ المُستَعمِرُ مِن بِلَادِهم نَعَمْ، ولكنَّه خَرَجَ وهو قَرِيرُ العَينِ، قد أَعَدَّ جِيلًا مِنَ القادةِ والمُفَكِّرِين يَفْتِكون بأُمَّتِهم -بدِينِها وعَقِيدتِها- فَتْكًا، ويُنَفِّذون مُخَطَّطَاتِ أَسيَادِهم وأَوْلِيائهم بدِقَّةٍ بالِغةٍ وإخلاصٍ مُنقَطِعِ النَّظِيرِ. انتهى. وقالَ الشيخُ محمد بنُ سعيد القحطاني (أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى) في (الولاء والبراء في الإسلام، بتقديمِ الشيخِ عبدِالرزاق عفيفي "نائبِ مفتي المملكة العربية السعودية، وعضوِ هيئة كبار العلماء، ونائبِ رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء"): إنَّ وُجودَ ما يُسَمَّى في المُصطَلَحِ الحَدِيثِ (الطَّابُور الخامِس) قد أَفْسَدَ أَجْيالَ الأُمَّةِ في كُلِّ مَجَالٍ، سَوَاءً في التَّرْبِيَةِ والتَّعلِيمِ، أَمْ في السِّياسةِ وشُؤُونِ الحُكْمِ، أَمْ في الأدَبِ والأخْلاقِ، أَمْ في الدِّينِ والدُّنْيا مَعًا، وصَدَقَ الشاعِرُ محمود أبو الوفا فيما نَقَلَه عنه أُسْتاذُنا الفاضِلُ الشيخُ محمد قطب أنَّه قالَ حين خَرَجَ الاستِعمارُ الإِنْجِلِيزِيُّ مِن مِصْرَ {خَرَجَ الإِنْجِلِيزُ الحُمْرُ وبَقِيَ الإِنْجِلِيزُ السُّمْرُ!}، نَعَمْ، إنَّ داءَنا هُمُ الإِنْجِلِيزُ السُّمْرُ. انتهى. وقالَ الشيخُ عبدُالله الغليفي في كتابِه (أحكام الديار وأنواعها وأحوال ساكنيها): دارُ الرِّدَّةِ هى التي كانت دارَ إسلامٍ في وقتٍ ما ثم تَغَلَّبَ عليها المُرتدُّون وأَجْرُوا فيها أحكامَ الكُفَّارِ، مِثْلُ الدولِ المُسَمَّاةِ اليومَ بالإسلاميةِ ومنها الدولُ العربيةُ، وقد مَرَّتْ مُعْظَمُ هذه الدولِ بمرحلةٍ كَوْنُها دارَ كُفْرٍ طارِئٍ عندما استَوْلَى عليها المستعمرُ الصليبيُّ وفَرَضَ عليها القوانِينَ الوضعيَّةَ، ثم رَحَلَ عنها وحَكَمَها مِن بعده المرتدُّون مِن أهلِ هذه البلادِ. انتهى باختصار] بأَيِّ أُسلوبٍ، وكان المُهِمُّ أن يكونَ مِمَّن يُنَفِّذون برامجَ التَّغْرِيبِ [قالَ محمد بنُ عيسى الكنعان في مقالة له بعنوان ("الجزيرة" تُقِيمُ مائدةً للحِوارِ عنِ التَّغْرِيبِ) على موقع صحيفة الجزيرة السعودية في هذا الرابط: [يقول] الإعلامي الدكتور محمد الحضيف [أستاذ الإعلام في جامعة الملك سعود] {حينما يَرِدُ مصطلح (التغريب) فهو يعني بالضرورة صبغَ المجتمعِ بالثقافة الغربية وأسلوبِ الحياة الغربيِّ، يَدْخُلُ في ذلك القوانينُ والتشريعاتُ، ومنظومةُ القِيَمِ التي تُسَيِّر حَيَاةَ الناس، بِمَا فيها دور الرَّجُلِ والمرأةِ في الحياةِ العامَّةِ، وطبيعة العلاقة بين الجنسَين، ونَمَط العَيْشِ والعملِ، وطرائق التَّسْلِيَةِ والتَّرفِيه، وطريقة اللبس}؛ أَمَّا الدكتورُ عيسى الغيث [عضو مجلس الشورى السعودي وأستاذ الفقه المقارن] فيقول {(تغريب) على وزن (تفعيل)، وهو مِنَ (الغرب)، أي تقليد الغرب والتشبه بهم في الجانب المذموم مِنَ القِيَمِ والمُمارَساتِ} ثم يُضِيفُ [أي عيسى الغيث] {بجواب بسيط هو جَعْلُ المجتمع الوطني العربي المسلم كالغرب في أخلاقه وسلوكه السلبية، بمعنى الجانب السلبيِّ مِنَ التغريب، وليس الجانبَ الإيجابيَّ كالمُشْتَرَكاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ والمصالحِ الإنسانيَّةِ، كالصناعاتِ ونحوِها}... ثم قال -أَيِ الكنعان-: الدكتور الحضيف [يقول] {صحيحٌ أن التخطيطَ لعملية التغريب، أَمْرٌ يتمُّ داخلَ غُرَفٍ مُغْلَقةٍ، لكنَّ تنفيذَها يَحْدُثُ أمامَ الناسِ، وفي الناسِ أَنْفُسِهم، في سُلوكِهم، وأُسلوبِ حَيَاتِهم، ومؤسساتِهم التعليميَّةِ والصحيَّةِ والخدميَّةِ، بَلْ حتى في مسائل دينِهم وهُوِيَّتِهم الثقافيَّةِ، يَلْمِسُه المُشاهِدُ في مَظاهرَ اجتماعيَّةٍ تُكَرَّسُ كأَمْرٍ واقعٍ، عَبْرَ دَفْعِ الفَعَالِيَّاتِ الثقافيَّةِ والاجتماعيَّةِ في اِتِّجاهٍ واحِدٍ، ومِن خلالِ فِعْلٍ مُؤسَّساتيِّ يُفْرَضُ بقراراتٍ تَخْدِمُ تَوَجُّهًا مُحَدَّدًا}. انتهى باختصار] بأمانةٍ ودِقَّةٍ وإنْ أَعْلَنَ عليهم الحربَ الكَلَامِيَّةَ كما يَفْعَلُ الكثيرون مِنَ الحُكَّامِ؛ ولا يُهِمُّنا في هذا البحثِ الكلامُ عن أنواع العِمالةِ والوَلَاءِ -للكفارِ- التي تَسَابَقَ إليها الحُكُوماتُ في العالَمِ الإسلامِيِّ، والمَقَامُ لا يَتَّسِعُ لِتَوضِيحِ هذا الجانِبِ، إنَّما الذي يُهِمُّنا أنْ نُوَضِّحَ مُساهَمةَ هذه الحُكوماتِ في فَرْضِ التقليدِ الأَعْمَى للكفار، وإدخالِ حَرَكةِ التَّغرِيبِ، وإبعادِ المنهجِ الإسلاميِّ عن مَجَالِ الحياةِ، وتحطيمِ مَعْنَوِيَّاتِ المسلمِين وَقُوَاهُمْ، والعَبَثِ بمُقَدَّراتِ الشُّعوبِ الإسلاميَّةِ، وتضليلِها عن حقيقةِ ما تُساقُ إليه مِن وَلَاءٍ وتَبَعِيَّةٍ للكفارِ، وفَرْضِ الحياةِ الغَربيَّةِ المادِيَّةِ عليها... ثم قال -أَيِ الشيخُ العقل- تحت عنوان (التربية الجاهلية والتعليم الجاهلي): نِظامُ التعليمِ والتَّرْبِيَةِ في العالَمِ الإسلامِيِّ، إنَّما هو مؤامرةٌ على الدِّينِ والخُلُقِ والمُرُوءةِ والفَضِيلةِ ليس إِلَّا، فَنَشَأَ بذلك جِيلٌ مُخَضْرَمٌ [أَيْ مُخَلَّطٌ] مُنْفَصِمُ الشخصيَّةِ، لا هو مُسلِمٌ مُلتَزِمٌ بالإسلامِ حَقًّا، ولا هو غَرْبِيٌّ بِجِدِّهِ، وإنتاجِه، وتَصنِيعِه، وكَسْبِ الحياةِ الدُّنيَا، بَلْ هو جِيلٌ يَعِيشُ على هامِشِ الحياةِ!، قد خَسِرَ الدُّنيَا والآخِرةَ، وذلك هو الخُسْرانُ المُبِينُ. انتهى باختصار.

 

(32)وقالَ الشيخُ حمود التويجري (الذي تَوَلَّى القَضاءَ في بَلدةِ رحيمة بالمِنطَقةِ الشَّرقِيَّةِ، ثم في بَلدةِ الزلفي، وكانَ الشيخُ ابنُ باز مُحِبًّا له، قارئًا لكُتُبه، وقَدَّمَ لِبَعضِها، وبَكَى عليه عندما تُوُفِّيَ -عامَ 1413هـ- وأَمَّ المُصَلِّين لِلصَّلاةِ عليه) في كِتَابِه (غُربةُ الإسلامِ، بِتَقدِيمِ الشَّيخِ عبدِالكريم بن حمود التويجري): وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ الْيَوْمَ شَرٌّ مِنْهُمْ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَوْمَئِذٍ يُسِرُّونَ وَالْيَوْمَ يَجْهَرُونَ}، وفيه [أَيْ (وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ)] أيضًا عنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ {إِنَّمَا كَانَ النِّفَاقُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَّا الْيَوْمَ فَإِنَّمَا هُوَ الْكُفْرُ بَعْدَ الإِيمَانِ}؛ قُلْتُ [والكَلامُ ما زالَ لِصاحِبِ (غُربةُ الإسلامِ)]، إذا كانَ هذا قَولَ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في زَمَنِ الخُلَفاءِ الراشِدِين، وَوَقتِ عِزَّةِ الإسلامِ وظُهورِه، وانقِماعِ المُنافِقِين وذُلِّهم بَيْنَ المُؤمِنِين، فَكَيفَ لو رَأَى حالَ الأكثَرِين في أواخِرِ القَرنِ الرَّابِعَ عَشَرَ، فقد تَغَيَّرَتْ فيه الأحوالُ وانعَكَسَتِ الأُمورُ، وظَهَرَ الكُفرُ والنِّفاقُ، حتى كانَ بَعضُ ذلك يُدَرَّسُ في المَدارِسِ ويُعتَنَى به، فاللهُ المُستَعانُ. انتهى.

 

(33)وقالَ الشيخُ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإِسْكَنْدَرِيَّةِ) في مُحاضَرة بعنوان (المؤامرة على التعليم) مُفَرَّغَةٍ على هذا الرابط: ولا شكَّ أنَّ مناهجَ التعليمِ هي عِبَارةٌ عن عَمَلِيَّةِ صِيَاغةِ عُقولِ هذه الأُمَّةِ، وأَيُّ تَخرِيبٍ في مَناهِجِ التَّعلِيمِ فهو اغْتِيالٌ لِهُوِيَّةِ المُسلِمِ وأبنائه والأجْيَالِ القادِمةِ؛ وقد بَعَثَ المأمونُ إلى بعضِ مَن طالَ حَبْسُه في السِّجْنِ، وقالَ لهم {ما أَشَدُّ ما مَرَّ عليكم في هذا الحَبْسِ؟}، قالوا {مَا [أَيِ الَّذِي] فاتَنَا مِن تَرْبِيَةِ أَوْلَادِنَا}؛ والمناهجُ الدِّراسِيَّةُ تَصُوغُ عُقولَ الأولادِ وشَخْصِيَّاتِهم أَقْوَى مِمَّا يَفعَلُ الأَبَوَان بالنِّسبةِ لِظُروفِ الحيَاةِ في هذا الزمانِ، ولا يكونُ تأثيرُهما على الأولادِ مُساوِيًا لِمَا يَحدُثُ مِنَ التأثيرِ في المدارسِ مِن خلالِ هذه المناهجِ [جاءَ في مَقالةٍ على مَوقِعِ صَحِيفةِ (العربي الجديد) بعنوان (اِشتِراطاتٌ مِصرِيَّةٌ على الدبيبة، إبعادُ "الإسلامِيِّين" عن 3 وِزاراتٍ): كَشَفَتْ مَصادِرُ مِصرِيَّةٌ خاصَّةٌ لـ (العربي الجديد) أنَّ مِصرَ أبلَغَتْ رَئِيسَ الوُزَرَاءِ اللِّيبِيَّ الجَدِيدَ (عبدَالحميد الدبيبة) تَمَسُّكَها بِرَفضِ ذِهابِ عَدَدٍ مِنَ الوِزاراتِ لِلإسلامِيِّين، في إطارِ المُحاصَصاتِ الداخِلِيَّةِ في لِيبْيَا، [فَقَدْ] أجرَى الرَّئيسُ المِصرِيُّ عبدُالفتاح السيسي، الخَمِيسَ الماضِي مُباحَثاتٍ مع الدبيبة الذي زارَ القاهِرةَ لِلمَرَّةِ الأُولَى مُنْذُ اِنتِخابِه رَئِيسًا لِلحُكومةِ قَبْلَ أُسْبُوعَين، وأَوضَحَتِ المَصادِرُ أنَّ القاهِرةَ اِشتَرَطَتْ على الدبيبة عَدَمَ إعطاءِ وِزاراتِ الدِّفاعِ والداخِلِيَّةِ والتَّعلِيمِ إلى أَيٍّ مِنَ القُوَى الإسلامِيَّةِ، سَوَاءٌ كانوا [جَماعةِ] الإخوانَ المُسلِمِين أو تَيَّاراتٍ أُخرَى [قُلتُ: وَبِحِيازةِ التَّيَّارِ المُناهِضِ للإسلامِ وِزاراتَيِ الدِّفاعِ والداخِلِيَّةِ يَكونُ قَدِ اِمتَلَكَ الحَقَّ الحَصرِيَّ في حَمْلِ السِّلاحِ، وَبِحِيازَتِه وِزاراةَ التَّعلِيمِ يَكونُ قَدِ اِمتَلَكَ الحَقَّ الحَصرِيَّ في تَشكِيلِ عُقولِ وَوِجْدانِ النَّشْءِ الجَدِيدِ، وبذلك يَكونُ تَمَّ حِصارُ الهُوِيَّةِ الإسلامِيَّةِ في الحاضِرِ والمُستَقبَلِ إلى أنْ يَتِمَّ التَّخَلُّصُ منها نِهائِيًّا بِشَكلٍ تَدرِيجِيٍّ]. انتهى باختصار]؛ كانَ المِصْرِيُّون القُدَماءُ -وَهُمْ أجدادُنا الذِين نَبْرَأُ إلى اللهِ منهم ومِن كُفْرِهم وشِرْكِهم- حَيَارَى في التعبيرِ عن هُوِيَّتِهم، فاختَرَعُوا ما أَسْمَوْه (أَبَا الْهَوْلِ)، [وَهُوَ] جِسْمُ حَيَوانٍ يَدُلُّ على القُوَّةِ والبَّطْشِ ورَأْسُ إنسانٍ يَدُلُّ على العَقْلِ والذَّكاءِ [(أَبُو الْهَوْلِ) هو تِمثالٌ فِرْعَوْنِيٌّ لِمَخلوقٍ أُسْطُورِيٍّ بجِسْمِ أَسَدٍ ورَأْسِ إنسانٍ، يَقَعُ على هَضْبةِ الْجِيزَةِ في مُحافَظةِ الْجِيزَةِ بمِصْرَ]، فلا بُدَّ للمُجتَمَعِ مِن قُوَّةِ العِلمِ والقُوَّةِ الحِسِّيَّةِ (أو المادِّيَّةِ)، الآنَ نَجِدُ أنَّ الصُّورةَ تَنْعَكِسُ، نَرَى بَشَرًا أَجْسامُهم في صُورةِ بَشَرٍ لكنَّ عُقولَهم خِنْزِيرِيَّةٌ، وهُمُ الذِين يَنْفُثون سُمومَهم خلالَ هذه المناهجِ، وهذه القَضِيَّةُ ليستْ قَضِيَّةً ثانَوِيَّةً، بَلْ هي قَضِيَّةُ كُلِّ بَيْتٍ مُسلِمٍ، فالمناهجُ تَقُومُ بصِيَاغةِ عُقولِ أبناءِ المُسلمِين، وكُلُّ مُسلِمٍ يَعتَزُّ بِوَلَائه وبانْتِمائه إلى هذا الدِّينِ وإلى هذه الأُمَّةِ وإلى هذا النبيِّ صلى الله عليه وسلم يَهُمُّه أَمْرُ المَناهِجِ، فإنَّه ما مِن أُسرةٍ إلَّا وَلَها أبناءٌ وإخوةٌ يَذهَبون لِيَتَشَرَّبوا هذه السُّمومَ التي تُوضَعُ في مناهجِ التعليمِ، هذه الفِتْنةُ خَطِيرةٌ جِدًّا، وتُدْرَكُ آثارُها على مَدَى سَنَواتٍ وليس في خلالِ ساعاتٍ، ودَوْرُ المُسلِمِ لا يُقتَصَرُ على الْحَسْبَلَةِ والْحَوْقَلَةِ [(الْحَسْبَلَةُ) هِيَ قَوْلُ (حَسْبِيَ اللَّهُ)، و(الْحَوْقَلَةُ) هِيَ قَوْلُ (لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ)] وضَرْبِ إحدَى اليَدَين على الأُخْرَى والتَّواصِي بالدُّعاءِ على فاتِحِ الشُّرورِ الذي فَتَحَ هذه الفِتنةَ في اغتيالِ عُقولِ شبابِ المسلميِن وأبناءِ المسلمِين، فلا بُدَّ مِنَ التحذيرِ مِن هذه الفِتنةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدم-: رئيسُ لَجْنَةِ التعليمِ بمَجْلِسِ الشَّعْبِ، المَدعُو (صوفي أبو طالب)، بَعْدَ أنْ تَرَكَ مَنْصِبَه يُصَرِّحُ لبعضِ الجَرائدِ أنَّه لم يَشتَرِكْ في وَضْعِ كُتُبِ التاريخِ المُقَرَّرةِ على تلاميذِ المَرحَلةِ الإعدادِيَّةِ أو الثَّانَوِيَّةِ، رُبَّما أرادَ أنْ يُبَرِّئَ نَفْسَه مِن هذه الجَرِيمةِ، وأشارَ بأنَّ مناهجَ التاريخِ شَوَّهَتِ التاريخَ الإسلامِيَّ وزَيَّفَتْه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدم-: المقصودُ [هو] التَّخطِيطُ ضِدَّ الإسلامِ، واغتيالُ عَقلِيَّةِ الأولادِ المُسلمِين... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدم-: أَمَّا التعليمُ الثانَوِيُّ، شَخصِيَّةُ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صارَتْ تُدَرَّسُ في سَبْعَةِ أَسْطُرٍ فَقَطْ، وعُثْمَانَ بْنُ عَفَّانَ في خَمْسَةِ أَسْطُرٍ، حَتَّى هَذِهِ الأَسْطُرُ القليلةُ قد زُيِّفَتْ وحُرِّفَتْ وشُوِّهَتْ أَشَّدَّ ما يكون التَّحرِيفُ والتَّشوِيهُ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدم-: أمَّا منهجُ اللُّغاتِ الأجنَبِيَّةِ، فالكلامُ الذي فيها، لا أستطيعُ أنْ أَقْرَأَه، لأنَّه كلامٌ خارِجٌ عنِ الشرعِ والآدابِ إلى أبعدِ الحُدودِ، فما أستطيعُ أنْ أنْقُلَ العِباراتِ الموجودةَ في الكُتُبِ التي تُدَرَّسُ على البَناتِ وَالصِّبْيَانِ في مَراحِلِ التعليمِ الْمُخْتَلِفَةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدم-: في مَناهِجِ التعليمِ العامِّ قِصَّةُ غادة رشيد، وهي قِصَّةٌ تارِيخِيَّةٌ مُطَعَّمَةٌ بقِصَصِ الحُبِّ والغَرامِ للصَّفِّ الثالثِ الإعداديِّ، وباختصارٍ شديدٍ القِصَّةُ تَدُورُ أحداثُها في أيامِ الغَزْوِ الفَرَنْسِيِّ لِمِصْرَ، وكيفَ أنَّ هذه البِنْتَ أَحَبَّها القائدُ الفَرَنْسِيُّ... إلى آخِرِ هذا الكلامِ، والقِصَّةُ مَحْشُوَّةٌ بالإلحادِ في صِفاتِ اللهِ وفي القَدَرِ وفي العَقِيدةِ، أيضًا فيها وَصْفُ الفَتَاةِ العَصرِيَّةِ بوَصْفٍ سَيِّءٍ جِدًّا وبَذِيءٍ لا تَصِحُّ حِكَايَتُه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدم-: قِصَّةُ أحلامِ شَهْرَزَادَ لِطَهَ حسين مُقَرَّرةٌ على الصَّفِّ الأوَّلِ الثانَوِيِّ، وهي تَحتَوِي على كثيرٍ مِنَ التعبيراتِ الخُرَافِيَّةِ التي تَتَنَافَى مع التوحيدِ، ولا أستطيعُ قِراءةَ كُلِّ هذا الكلامِ القَذِرِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدم-: كتابُ التاريخِ للصَّفِ الرابعِ الابتدائيِّ يَصِفُ (فِرعَونَ) بأنَّه كان مَحبُوبًا عند الناسِ إلى دَرَجَةِ العِبادةِ، وأنَّ هذا الحُبَّ مُمْتَدٌّ عَبْرَ التاريخِ إلى يَومِنَا هذا؛ وحينَما تَحَدَّثَ عن (مِينَا) قالَ {حَزِنَ المِصْرِيُّون على (مِينَا)، وظَلُّوا يَعبُدونه مِئَاتِ السِّنِينَ، وما زالوا يُعَظِّمُونه حتى اليَوْمِ فَيُطْلِقُ بعضُهم اسْمَه على أبنائِه، لِمَا قَدَّمَه لِمِصْرَ مِن أعمالٍ جَلِيلةٍ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدم-: مَناهِجُ اللُّغَةِ الإِنْجِلِيزِيَّةِ تَحُضُّ الشَّبابَ والفَتَيَاتِ على الرَّقْصِ ولَعِبِ القِمَارِ والخَمْرِ والحُبِّ والغَرَامِ وغيرِ ذلك مِن أنواعِ الانحِرافِ. انتهى باختصار.

 

(34)وجاءَ في كتابِ (إجابةُ السائلِ على أهَمِّ المسائل) للشيخِ مُقْبِلٍ الوادِعِيِّ، أنَّ الشيخَ سُئِلَ: كثيرٌ مِنَ المسلمِين في هذا الزَّمانِ -وحتى المُلتَزِمِين منهم- قد أَدخَلوا أبناءَهم في المَدارِسِ الحُكومِيَّةِ التي تَحتَوِي على الكَثِيرِ مِنَ المُنكَراتِ، كالوُقوف تَعظِيمًا للعَلَمِ، وسَماعِ الأَغَانِي والمُوسِيقَى وتَدرِيسِها، وتَدرِيسِ الرَّسْمِ، وحتى مُدَرِّسي التَّربِيَةِ الإسلامِيَّةِ كَثيرٌ منهم لا يُصَلُّون، ويُدَخِّنون ويُفْتُون بتَحلِيلِ ما حَرَّمَ اللهُ، وَهُمُ القُدْوةُ في هذه المَدارِسِ، ثم إنَّك إذا تَكَلَّمْتَ عن هذه المُنْكَراتِ -حتى أمَامَ بعضِ المُلتَزِمِين- يقولُ {أنتم تُحَرِّمون العِلْمَ، ثم ماذا نَفعَلُ بأبنائنا، ثم إنَّ هذه المَدارِسَ يَغْلِبُ الخَيرُ فيها على الشَّرِّ} ويُمَثِّلُ لذلك ببَعضِ مَن حَصَلَ [بِوَاسِطَةِ هذه المَدارِسِ] على شَهادةِ الدُّكْتُورَاة في الشَّرِيعةِ، فما هو الرَّدُّ على هؤلاء، وهَلْ عَدَمُ دُخولِ هذه المَدارِسِ يُسَبِّبُ مَفاسِدَ؟. فأجابَ الشيخُ: رَوَى الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ في صَحِيحَيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ {قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أوْ يُنَصِّرَانِهِ أوْ يُمَجِّسَانِهِ)} [قالَ الشيخُ بَكْر أبو زيد (عضو هيئة كِبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في كِتَابِه (المدارس العالَمِيَّة): فكُلُّ مَولودٍ يُولَدُ على فطرة الإسلام، لو تُرِكَ على حالِه ورَغْبَتِه لَمَا اِختارَ غيرَ الإسلامِ، لَوْلَا ما يَعْرِضُ لهذه الْفِطْرَةِ مِنَ الأسبابِ المُقْتَضِيَةِ لإفسادِها وتَغْيِيرِها وأَهَمُّها التَّعالِيمُ الباطِلةُ والتَّرْبِيَةُ السَّيِّئَةُ الفاسِدةُ [لَمَا اِختارَ غيرَ الإسلامِ]، وقد أشارَ إليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقولِه {فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أوْ يُنَصِّرَانِهِ أوْ يُمَجِّسَانِهِ} أَيْ أنَّهما يَعْمَلَان مع الوَلَدِ مِنَ الأسبابِ والوَسائلِ ما يَجْعَلُه نَصْرَانِيًّا أوْ يَهُودِيًّا أوْ مَجُوسِيًّا، ومِن هذا تَسلِيمُ الأولادِ الصِّغَارِ الأغْرارِ [أَيْ قَلِيلِي الخِبْرَةِ والتَّجْرِبةِ] إلى المَدارسِ الكُفرِيَّةِ أو اللادِينِيَّةِ بِحُجَّةِ التَّعَلُّمِ، فيَتَرَبَّوْنَ في حِجْرِهم [أَيْ حِجْرِ القائمِين على هذه المَدارِسِ] ويَتَلَقَّوْنَ تَعلِيمَهم وعَقائدَهم منهم، وقَلْبُ الصَّغِيرِ قابِلٌ لِمَا يُلقَى فيه مِنَ الخَيْرِ والشَّرِّ، بَلْ ذلك بمَثَابةِ النَّقْشِ على الحَجَرِ، فَيُسَلِّمُونهم إلى هذه المَدارِسِ نَظِيفِين، ثم يَسْتَلِمونهم مُلَوَّثِين، كُلٌّ بِقَدْرِ ما عَبَّ [أَيْ تَجَرَّعَ] منها ونَهَلَ، وقد يَدْخُلُها [أَيِ الوَلَدُ] مُسلِمًا ويَخْرُجُ منها كافِرًا [فقد يَخْرُجُ عَلْمَانِيًّا، أو دِيمُقْراطِيًّا، أو لِيبرالِيًّا، أوِ اِشتِراكِيًّا، أو شُيُوعِيًّا، أو قَومِيًّا، أو وَطَنِيًّا، أو قُبورِيًّا، أو رافِضِيًّا، أو قَدَرِيًّا، أو مُغَالِيًا في الإرجاءِ، أو مُعْرِضًا غيرَ مُبَالٍ بالدِّينِ، أو فاقِدًا لِعقَيدةِ الوَلاءِ والبَراءِ التي تَحَقُّقُها شَرْطٌ في صِحَّةِ الإيمانِ، أو مُناصِرًا للطَّواغِيتِ مُعتَبِرًا أنَّهم وُلَاةُ أَمْرِ المسلمِين مُعادِيَّا للمُوَحِّدِين (أَهْلِ السُّنَّةِ والجماعةِ) ظَانًّا أنَّهم مُرْتَزِقَةٌ أو سُفَهَاءُ الأَحْلامِ أو أَهْلُ بِدعةٍ وضَلالٍ وإفسادٍ، أو مُسْتَخِفًّا بالشَّرِيعةِ مُسْتَهْزِئًا بالمُوَحِّدِين، أو غيرَ مُعْتَقِدٍ كُفْرَ اليَهُودِ والنَّصارَى وأمثالِهم]، نعوذُ باللهِ مِن ذلك، فَالْوَيْلُ كُلَّ الْوَيْلِ لِمَن تَسَبَّبَ في ضَلالِ اِبْنِه وغَوَايَتِه، فمَن أَدْخَلَ وَلَدَه راضِيًا مُخْتَارًا مَدرَسةً وهو يَعْلَمُ أنَّها تَسْعَى بمَناهِجِها ونَشاطاتِها لإخراجِ أولادِ المسلمِين مِن دِينِهم وتَشكِيكِهم في عَقِيدتِهم، فهو مُرْتَدٌّ عنِ الإسلامِ كما نَصَّ على ذلك جَمْعٌ مِنَ العلماءِ. انتهى. وقالَ الشيخُ أمينُ بنُ عبدالله الشقاوي (عضو الدعوة بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في (المسلمون في بلاد الغربة): فإنَّ المُسلِمَ، الواجِبُ عليه أنْ يُؤَمِّنَ لأولادِه العِيشةَ الصالِحةَ التي تُعِينُهم على دِينِهم، وتُساعِدُهم على الإيمانِ باللَّهِ والتَّخَلُّقِ بأخلاقِ رسولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويَحْرُمُ عليه أنْ يَزُجَّهم في أَتُونِ الكُفْرِ والمَعصِيَةِ ثم يَقَولَ {إذا أصْبَحوا كُفَّارًا، إنَّ مَثَلَهم كمَثَلِ ابْنِ نُوحٍ، إذْ دَعَاه أَبُوه إلى التَّوحِيدِ فَلَمْ يَقتَنِعْ}، لأنَّ دَعوةَ ابْنِك إلى الإيمانِ والصَّلاحِ لا تَكْفِي إذا لم تُجَنِّبْه مَواقِعَ الفِتَنِ وبُؤَرَ الفَسادِ وتَأخُذْ بِيَدَيه إلى الطَّرِيقِ المُستَقِيمِ. انتهى باختصار]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الوادِعِيُّ-: هذه المَدارِسُ، إخوانِي في اللهِ، ما أَخْرَجَتْ علماءَ ولن تُخرِجَ علماءَ، الذي أَتَى بنَتِيجةٍ وخَرَجَ مِن هذه المَدارِسِ هو الذي اِتَّجَهَ إلى العِلْمِ مِن نَفْسِه ورَجَعَ إلى صحيحِ الْبُخَارِيِّ وإلى صحيح مُسْلِمٍ وتفسيرِ ابْنِ كثيرٍ وحَصَّلَ العِلْمَ؛ نحن دَرَسْنا في الجامِعةِ الإسلامِيَّةِ [بالمَدِينةِ المُنَوَّرةِ] التي تُعتبَرُ في ذلك الوَقتِ أَحسَنَ مُؤَسَّسةٍ فيما أَعْلَمُ، الأكثرُ يَتَخَرَّجون جُهَّالًا، ما تَنفَعُكَ الجامِعةُ الإسلامِيَّةُ، ولا يَنفَعُكَ إلَّا اللهُ سُبْحانَهُ وتَعالَى ثم نَفْسُك إذا اِجتَهَدْتَ لِنَفْسِكَ، إذا أرَدْتَ أنْ تَأْتِيَ بفائدةِ للإسلامِ والمُسلِمِين [قالَ الشيخُ مُقْبِلٌ الوادِعِيُّ في (المُصارَعة): السُّعُودِيَّةُ الآنَ في سُجُونِها نَحْوُ خَمْسِمِائَةِ داعٍ إلى اللهِ سُبْحانَه وتَعالَى، كَثِيرٌ مِنَ الدُّعاةِ إلى اللهِ يُرِيدون أنْ يَهرَبوا إلى أَمْرِيكا هُنَالِكَ مِنَ السُّعُودِيِّين، ويُرِيدون أنْ يَهرَبوا إلى السُّودانِ، إلى أَيِّ بَلَدٍ، لأنَّها أصْبَحَتْ مَقبَرةَ العُلَماءِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ مُقْبِلٌ الوادِعِيُّ أيضًا في (المَخْرَج مِن الفِتنة): السُّعُودِيَّةُ الآنَ ليستْ تابِعةً لِمَا جاءَ به محمد بنُ عبدالوهاب، فقد فَتَحَتِ البابَ للشَّرِّ على مِصْرَاعَيْهِ، هَلْ عَلِمْتُمْ أنَّ السُّعُودِيَّةَ طَرَدَتْ كثيرًا مِن أهلِ العِلْمِ مِن بَلَدِها؟!، هَلْ بَلَغَكُمْ أنَّها زَجَّتْ بكَثِيرٍ مِنَ الشَّبابِ في السُّجُونِ؟!... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الوادِعِيُّ-: فهذه (عَدَنُ)، تَحْتَلُّها الشُّيُوعِيَّةُ المَلْعُونةُ التي قَضَتْ على العُلَماءِ وذَوِي الفِكْرِ الإسلامِيِّ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الوادِعِيُّ-: وفي هذه الأيَّامَ بَلَغَنِي أنَّ الشُّيُوعِيَّةَ المَلْعُونةَ تَهْجُمُ على الشَّبابِ المُؤْمِنِ في المَساجِدِ وَهُمْ يَقْرَأُونَ قُرْآنًا؛ وبِمَن تَستَعِينُ الشُّيُوعِيَّةُ؟، ومَن يُبَلِّغُ الشُّيُوعِيَّةَ عن هؤلاء الشَّبابِ؟، هُمُ المُنحَرِفون الْمُتَصَوِّفةُ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الوادِعِيُّ-: فإنْ تَيَسَّرَ لك مَن يُعَلِّمُكَ مِمَّن تَثِقُ بعِلْمِه ودِينِه فاحْرِصْ على مُجالَسَتِه ودَعوةِ الناسِ إليه، وإلَّا فأَنْصَحُكَ بتَكْوِينِ مَكْتَبةٍ تَجمَعُ فيها جُلَّ كُتُبِ السُّنَّةِ والعُكُوفِ فيها حتى يَفْتَحَ اللهُ عليك، وأمَّا قَولُ مَن قالَ {فمَنْ كانَ شَيخُه الكِتابَ كانَ خَطَؤُه أكْثَرَ مِنَ الصَّوابِ}، فهذا إذا لم يُحْسِنِ اِختِيارَ الكِتابِ و[لم] يُودِعْ عَقْلَه مع الكِتابِ، أمَّا كُتُبُ السُّنَّةِ فلا يَكُونُ كذلك، ثم إنِّي أنْصَحُ كُلَّ مَن رُزِقَ فَهْمًا وتَوَسَّمَ في نَفْسِه أنَّ اللهَ يَنفَعُ به الإسلامَ والمسلمِين وكانتْ به غَيْرةٌ على دِينِ اللهِ، ألَّا يَصُدَّه طَلَبُ الشَّهادةِ عنِ العِلْمِ النافِعِ، فكَمْ مِن شَخصٍ عنده دُكْتُورَاة في الفِقْهِ الإسلامِيِّ وهو لا يَفقَهُ شَيئًا، وكَمْ مِن شَخصٍ عنده دُكْتُورَاة في الحَدِيثِ وهو لا يَفقَهُ حَدِيثًا، فهذه الشَّهاداتُ تُؤَهِّلُ كثيرًا مِنَ الناسِ لِمَناصِبَ لا يَستَحِقُّونها، وماذا يُغْنِي عنك لَقَبُ (دُكْتُور) وأنت جاهِلٌ بشَرْعِ اللهِ؟. انتهى باختصار. وجاءَ في (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين) أنَّ الشيخَ ابنَ عثيمين سُئِلَ: بماذا تَنصَحُ مَن يُرِيدُ طَلَبَ العِلْمِ الشَّرعِيِّ ولَكِنَّه بَعِيدٌ عنِ العُلَماءِ، مع العِلْمِ بأنَّ لَدَيْهِ مَجموعةَ كُتُبٍ، منها الأُصُولُ والمُختَصَراتُ؟. فأجابَ الشيخُ: أَنصَحُه بأنْ يُثابِرَ على طَلَبِ العِلْمِ ويَستَعِينُ باللهِ -عَزَّ وجَلَّ- ثم بأهلِ العِلْمِ، لِأنَّ تَلَقِّي الإنسانِ العِلْمَ على يَدَيِ العالِمِ يَختَصِرُ له الزَّمَنَ بَدَلًا مِن أنْ يَذهَبَ لِيُراجِعَ عِدَّةَ كُتُبٍ وتَختَلِفَ عليه الآراءُ، ولَسْتُ أَقُولُ كمَن يَقولُ أنَّه {لا يُمْكِنُ إدراكُ العِلْمِ إلَّا على عالِمٍ أو على شَيْخٍ}، فهذا ليس بصَحِيحٍ، لأنَّ الواقِعَ يُكَذِّبُه، لَكِنَّ دِراسَتَكَ على الشَّيخِ تُنَوِّرُ لك الطَّرِيقَ وتَختَصِرُه. انتهى. وفي هذا الرابط قالَ مركزُ الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: فَبِخُصوصِ مَقولةِ {مَن لا شَيخَ له فَشَيخُه الشَّيطانُ}، فإنَّها مَقولةٌ غَيرُ صَحِيحةٍ، فَإنَّ الإنسانَ إذا تَفَقَّهَ في الدِّينِ بِحُضورِ الحَلَقاتِ العِلمِيَّةِ، أو سَماعِ الأَشْرِطَةِ والمُحاضَراتِ، أو مُطالَعةِ الكُتُبِ وتَدَبُّرِ مُحتَوياتِها، واستَفادَ مِن ذلك، فَلا مَعنَى لِقَولِ {إنَّ شَيخَه الشَّيطانُ}؛ وليس مِن شَكٍّ في أنَّ الأولَى لِلمَرءِ أنْ يَكونَ ذا صِلةٍ بِأهلِ العِلمِ المَعروفِين بِصِحَّةِ الاعتِقادِ وحُسنِ السِّيرةِ، ويَأخُذَ عنهم العِلمَ مُباشَرةً، ولَكِنَّه إذا حَصَّلَ العِلمَ الصَّحِيحِ مِن أَيِّ طَرِيقٍ فإنَّه يَكونُ قَدْ أَحَسَنَ وَلَيْسَ عليه لَومٌ. انتهى. وقالَ الشيخُ رضا بنُ أحمد صمدي (المُتَخَرِّجُ مِن كُلِّيَّةِ الشريعة بجامعة الأزهر، والحاصل على ماجستير "الحديث" من جامعة القرويين) في مُحاضَرة مُفَرَّغَةٍ على هذا الرابط بعنوان (40 قاعدة في قراءة الكتب والاستفادة منها): الآنَ لا يُوجَدُ مِنَ المُدَرِّسِين أو مِنَ التَّلامِيذِ مَن يَستَطِيعُ أنْ يُنَفِّذَ ويُطَبِّقَ مَنْهَجَ السَّلَفِ الشاقَّ في طَلَبِ العِلْمِ، إذَنْ سَتَبقَى قَضِيَّةُ قِراءةِ الكِتابِ هي الوَسِيلةَ الوَحِيدةَ الذَّاتِيَّةَ الشَّخصِيَّةَ التي منها يَستَطِيعُ الإنسانُ تَحصِيلَ العِلْمِ وتَوفِيرَ الحَصِيلةِ الثَّقافِيَّةِ والعِلمِيَّةِ المَطلوبةِ، فإذا كانَتْ هذه الوَسِيلةُ ولا تَزالُ وسَتَزالُ هي الوَسِيلةَ الكَبِيرةَ أوِ الوَحِيدةَ في تَحصِيلِ أَكْبَرِ قَدْرٍ مُمْكِنٍّ مِنَ المَعلوماتِ بالنِّسبةِ للإنسانِ، فإنَّنا لا بُدَّ أنْ نَتَرَقَّى وأنْ نَتَطَوَّرَ في قِراءةِ الكِتابِ وفي تَناوُلِ هذه القَضِيَّةِ، بحيث نُمارِسُها بطَرِيقةٍ عِلْمِيَّةٍ، نَقْرَأُ بطَرِيقةٍ عِلْمِيَّةٍ. انتهى باختصار]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الوادِعِيُّ-: المَدارِسُ في السُّعودِيَّةِ وعندنا [أَيْ في اليَمَنِ]، غالِبُ المُدَرِّسِين فَسَقةٌ، منهم مَن يَأْتِي ويُرِيدُ أنْ يُعَلِّم أبناءَنا الشُّيُوعِيَّةَ، ومنهم مَن يَأْتِي ويُرِيدُ أنْ يُعَلِّم أبناءَنا البَعْثِيَّةَ، ومنهم مَن يَأْتِي ويُرِيدُ أنْ يُعَلِّم أبناءَنا الناصِرِيَّةَ، ومنهم مَن يَأْتِي ويُرِيدُ أنْ يُعَلِّم أبناءَنا الرَّفْضَ، ومنهم مَن يَأْتِي ويُرِيدُ أنْ يُعَلِّم أبناءَنا الصُّوفِيَّةَ، وَهَكَذَا يَا إِخْوَانَنَا، أفكارٌ وبَلَايَا دَخَلَتْ على المُسلِمِين، وبعدَها الطِّفلُ المِسكِينُ إذا سَلَّمْتَه للمُدَرِّسِ الفاسِقِ يَرَى أنَّ هذا المُدَرِّسَ ليس مِثْلَه أَحَدٌ، إذا قالَ له {الأَغَانِي حَلَالٌ}، قالَ [أَيِ الطِّفلُ] {حَلَالٌ، قد قالَ المُدَرِّسُ}، إذا قالَ له بِأَيِّ شيءٍ، يقولُ [أَيِ الطِّفلُ] {قد قالَ المُدَرِّسُ}، لأنَّه لا يَرَى أَحَدًا مِثْلَ مُدَرِّسِه، يَظُنُّ أنَّ مُدَرِّسَه هو أعلَمُ الناسِ، فمِن أَجْلِ هذا يَجِبُ أنْ نَتَّقِيَ اللهَ في أبناءِ المُسلِمِين... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الوادِعِيُّ-: القَصْدُ أنَّ هذه المَدارِسَ بَلَاءٌ جاءَنا مِن قِبَلِ أعداءِ الإسلامِ، وهي تابِعةٌ لِمُنَظَّمَةِ اليُونِسْكُو [قالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (إعدادُ القادةِ الفوارسِ بهجرِ فسادِ المدارسِ): مُنَظَّمَةُ اليُونِسْكُو، تُشْرِفُ عليها أَمْرِيكا بِيَهُودِها. انتهى باختصار]، والمُسلِمون جاهِلون كما قُلْنا، يَزُجُّ بوَلَدِه لا يَدْرِي ما يَدْرُسُ وَلَدُه، واللهُ المُستَعانُ. انتهى باختصار.

 

(35)وقالَتِ اللَّجنةُ الشَّرعِيَّةُ في جَماعةِ التَّوحِيدِ والجِهادِ في (تُحفةُ المُوَحِّدِين في أهَمِّ مَسائلِ أُصولِ الدِّينِ، بتقديم الشيخ أبي محمد المقدسي) تحت عُنوانِ (نَتائجُ العَلْمانِيَّةِ في العالَمِ العَرَبِيِّ والإسلامِيِّ): وقد كانَ لِتَسَرُّبِ العَلْمانِيَّةِ إلى المُجتَمَعِ الإسلامِيِّ أسوَأُ الأثَرِ على المُسلِمِين في دِينِهم ودُنيَاهم، وها هي بَعضُ الثِّمارِ الخَبِيثةِ لِلْعَلْمانِيَّةِ... إفسادُ التَّعلِيمِ وجَعلُه خادِمًا لِنَشرِ الفِكْرِ العَلْمانِيِّ، وذلك عن طَرِيقِ؛ (أ)بَثُّ الأفكارِ العَلْمانِيَّةِ في ثَنايَا المَوادِّ الدِّراسِيَّةِ بِالنِّسبةِ لِلتَّلامِيذِ والطُّلابِ في مُختَلَفِ مَراحِلِ التَّعلِيمِ؛ (ب)تَحرِيفُ النُّصوصِ الشَّرعِيَّةِ عن طَرِيقِ تَقدِيمِ شُروحٍ مُقتَضَبةٍ [أيْ مُختَصَرةٍ] ومَبتورةٍ لَها، بحيث تَبدُو وكَأَنَّها تُؤَيِّدُ الفِكْرَ العَلْمانِيَّ، أو على الأقَلِّ أنَّها لا تُعارِضُه؛ (ت)إبعادُ الأساتِذةِ المُتَمَسِّكِين بِدِينِهم عنِ التَّدرِيسِ، ومَنعُهم مِنَ الاختِلاطِ بِالطُّلَّابِ، وذلك عن طَرِيقِ تَحوِيلِهم إلى وَظائفَ إدارِيَّةٍ أو عن طَرِيقِ إحالتِهم إلى المَعاشِ [أيِ التَّقاعُدِ]. انتهى باختصار.

 

(36)وقالتِ اللجنةُ الدائمةُ للبحوثِ العِلميَّةِ والإِفتاءِ (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود): يَجِبُ على الوالِدِ أنْ يُرَبِّيَ أولادَه ذكورًا وإناثًا تَرْبِيَةً إسلاميَّةً، فإنهم أَمَانةٌ بيَدِه، وهو مسؤولٌ عنهم يومَ القيامةِ، ولا يَجُوزُ له أن يُدْخِلَهم مدارسَ الكفارِ، خشيةَ الفِتنةِ وإفسادِ العقيدةِ والأخلاقِ، والمُستقبَلُ بيَدِ اللَّهِ جَلَّ وعَلَا، يقولُ اللَّهُ جل وعلا {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}. انتهى من (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء). وقالَ مصطفى صبري (آخِرُ مَن تَوَلَّى مَنْصِبَ "شيخ الإسلام" في الدولةِ العثمانيةِ، وكان صاحبُ هذا المَنْصِبِ هو المُفْتِي الأكْبَرَ في الدولةِ) في (مَوقِفُ العَقلِ والعِلمِ والعالَم مِن رَبِّ العالَمِين وَعِبادِه المُرسَلِين): وماذا الفَرْقُ بين أنْ تَتَوَلَّى الأمرَ في البِلادِ الإسلامِيَّةِ حُكومةٌ مُرتَدَّةٌ عنِ الإسلامِ وبين أنْ تَحتَلَّها حُكومةٌ أَجْنَبِيَّةٌ عنِ الإسلامِ [قالَ مصطفى صبري هُنَا مُعَلِّقًا: مَدَارُ الفَرْقِ بين دارِ الإسلامِ ودارِ الحَربِ على القانونِ الجارِي أحكامُه في تلك الدِّيَارِ، كَما أنَّ فَصْلَ الدِّينِ عنِ السِّيَاسةِ مَعناه أنْ لا تكونَ الحُكومةُ مُقَيَّدةً في قَوانِينِها بِقَواعِدِ الدِّينِ. انتهى]، بَلِ المُرتَدُّ أَبعَدُ عنِ الإسلامِ مِن غَيرِه وأَشَدُّ، وتَأثِيرُه الضارُّ في دِينِ الأُمَّةِ أكثَرُ. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (إعدادُ القادةِ الفوارسِ بهجرِ فسادِ المدارسِ): فما الفَرْقُ بين طاغوتٍ إِنْجِلِيزِيٍّ وآخَرَ عَرَبِيٍّ؟!... وقالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي- أيضًا: وَمَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بِالْبَارِحَةِ، فَهَا هُمْ طواغيتُ الحُكَّامِ يَلعَبون نَفْسَ الدَّورِ الذي لَعِبَه المُستَعمِرُ الذي رَبَّاهم ورَبَّى آباءَهم؛ إنَّ مِن أَهَمِّ أهدافِهم التَّعلِيمِيَّةِ كما تَقَدَّمَ تَربِيَةَ الجِيلِ على الوَلَاءِ للوَطَنِ والأَمِيرِ، ومع هذا فَهَا هُمْ كثيرٌ مِنَ الدُّعاة يُسَلِّمون أولادَهم لهم ولِمُخَطَّطَاتِهم بكُلِّ بَلَاهةٍ!، وقد تَقَدَّمَتْ أَمثِلةٌ مِن أسالِيبِهم في استغلالِ هذه المدارسِ ومَناهِجِها لِصالِحِهم ولِصالِحِ أَنْظِمَتِهم، تَمامًا كاستغلالِ أَساتِذَتِهم وأَولِيائهم المُستَعمِرِين، فرَأَيتَ كيف يَعملون على إذلالِ الشُّعوبِ ومَسْخِ إسلامِها وعَزْلِه عنِ الحُكمِ وجَعْلِه إسلامًا عَصرِيًّا يُناسِبُ أهواءَ هذه الحُكوماتِ ولا يَعرِفُ عَدَاوتَهم ولا عَدَاوةَ باطِلِهم، بَلْ يُدَرِّسون الوَلَاءَ والحُبَّ لهم ولأنْظِمَتِهم وحُكُوماتِهم وقوانينِهم وطَرَائقِهم المُنحَرِفةِ، ويُسَيِّرون الشُّعوبَ وحياتَهم تَبَعًا لِمَا يُرِيدون، فَتَرَى الرَّجُلَ يَسِيرُ في رِكابِهم وطِبْقًا لِمُخَطَّطَاتِهم لا يَخْرُجُ عنها مِنَ المَهْدِ إلى اللَّحْدِ وهكذا أولادُه مِن بعدِه، فهو مِن صِغَرِه يَدخُلُ الرَّوضةَ ويَتَسَلْسَلُ في مَدارسِهم الابتدائيَّةِ والمُتَوَسِّطةِ، يُغرَسُ فيه الوَلاءُ والانْقِيادُ لقوانينِهم وأنْظِمَتِهم كما قد رَأَيتَ [قالَ الْبَزَّازِيُّ (ت827هـ) في (الجامع الوجيز): مِنْ قالَ {سُلطانُ زَمَاننِا، إنه عادِلٌ} يَكفُرُ، لِأنَّه جائرٌ بِيَقِينٍ، ومَن سَمَّى الجَوْرَ عَدلًا كَفَرَ. انتهى. وقالَ الْمُلَّا عَلِيٌّ الْقَارِيُّ (ت1014هـ) في (شَمُّ العَوارِضِ في ذَمِّ الرُّوَافِضِ): وَقد صَرَّحَ عُلَماؤنا مِنْ قَبْلِ هَذا الزَّمَان أنَّ مِنْ قالَ {سُلطانُ زَمَاننِا عادِلٌ} فَهو كافِرٌ، نَعَمْ، هُو عَادِلٌ عَنِ الحَقِّ كَمَا قَالَ تعَالَى {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}. انتهى]، ويَتَلَقَّى مَفاسِدَهم بألوانِها المُتَنَوِّعةِ، ثُمَّ المَرحَلةُ الثانَوِيَّةُ مِثْلُ ذلك وأَطَمُّ، ثم يأتي دَورُ جامعاتِهم المُخْتَلَطةِ الفاسدةِ، ومِن بعدِها تَجنِيدُهم الإجْبارِيُّ، وأَخِيرًا وبعدَ أنْ تَنقَضِي زَهرَةُ الأيَّامِ يَقِفُ المَرْءُ بعدَ تَخَرُّجِه على أعْتابِهم يَستَجدِي وظائفَهم ودَرَجاتِهم [قالَ الشيخُ الألباني في فتوى صَوتِيَّةٍ مُفَرَّغةٍ له على هذا الرابط: الشَّبَابُ اليَومَ في كُلِّ بِلَادِ الإسلامِ إلَّا ما نَدَرَ اِعتادُوا أنْ يَعِيشوا عَبِيدًا لِلحُكَّامِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الألباني-: أَنْ يُصبِحَ المُسلِمُ مُوَظَّفًا في الدَّولةِ، فمَعْنَى ذلك أنْ يَصِيرَ عَبْدًا لِلدَّولةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الألباني-: نَنْصَحُ الشَّبَابَ المُسلِمَ أنْ يَبْتَعِدَ عن وَظائفِ الدَّولةِ. انتهى باختصار]، وهكذا يُفْنِي عُمُرَه في رِكابِهم وهُمْ يُسَيِّرون له حَيَاتَه ويُحَدِّدون له الطَّرِيقَ والمَصِيرَ، فلا يَخْرُجَ عن طَرِيقِهم ولا يَتَعَدَّى مُخَطَّطَاتِهم طَوَالَ فَترةِ حَيَاتِه [قالَ الشيخُ محمد إسماعيل المقدم (مؤسس الدعوة السلفية بالإِسْكَنْدَرِيَّةِ) في مُحاضَرة مُفَرَّغَةٍ على هذا الرابط: تُوجَدُ عَمَلِيَّةُ غَسِيلِ مُخٍّ للمسلمِين في مَناهِجِ التعليمِ وفي الإعلامِ. انتهى]. انتهى باختصار.

 

(37)وقالَ الشيخُ بَكْر أبو زيد (عضو هيئة كِبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في كِتَابِه (المدارس العالَمِيَّة): فاتقوا اللهَ في أولادِكم، فإنَّهم أماناتٌ عندكم، لا يَحِلُّ لكم أنْ تُضَيِّعوهم ولا تُهْمِلوهم، ولا يَحِلُّ لكم أن تَضَعُوهم في مَدارِسَ تُهْلِكُ دِينَهم وأَخلاقَهم، ويَتْبَعُ ذلك فسادُ الدُّنْيا واختلالُ الأحوالِ، فلا بُدَّ أن تُسْألوا عن أولادِكم وعما عَمِلْتُم معهم، فانظروا رحمكم الله ماذا تُجِيبون عن هذا السؤال، هَلْ تقولون {يا ربنا حفظنا فيهم الأمانةَ، وبذلنا ما نستطيع نحوهم مِنَ العنايةٍ والصيانةٍ، فرَبَّيْناهم بالعلوم الدينية، ولاحظناهم بالآداب المَرْضِيَّةِ، وحفظناهم مِن كُلِّ ما يعود عليهم بالضرر في دينهم ودنياهم}، فإن كان هذا صدقًا فأبشروا بالرحمة والرضوان، وبالثواب العاجل والآجل، ولكم الهناء والتهنئة بهؤلاء الأولاد الصالحِين الأذكياءِ البارِّين، الذِين ينفعونكم في أمور الدين والدنيا، وإن كان الجواب بعكس هذا الجواب فبشراكم بالخيبة والخسران، ويَا وَيْحَكُمْ مِنَ الحسرةِ والندمِ، قد فاتكم المطلوبُ، وحَصَلَ لكم كُلُّ شَرٍّ ومرهوبٍ، وغضب عليكم علَّامُ الغيوب، قد خَسِرْتُم دُنْيَاكُمْ وَأُخْرَاكُمْ، وفاتَكم رُشْدُكم وتوفيقُكم وهُداكم، فيا حسرة المُفَرِّطِين، ويا فضيحة المُجْرِمِين... ثم قال -أي الشيخ بكر-: إذا كانت شفقتُكم الأبويَّةُ تَدْفَعُكم إلى أن تَكُدُّوا لأبنائكم وتَجْمَعوا لهم العَقَارَ والأَرْضِين ليَسْعَدوا في الدنيا ويَنْجُوا مِن شَقائِها، فأَحْرَى بهذه الشفقةِ نَفْسِها أن تَدْفَعَكم إلى حفظِ دِينِ أبنائكم لِتُحْرِزوا لهم سعادةَ الآخِرةِ ولِتُنْجُوهم مِن شَقائِها وعَذَابِها... ثم قال -أي الشيخ بكر-: والنبيُّ صلى الله عليه وسلم أخبرَ بأنه {مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أوْ يُنَصِّرَانِهِ أوْ يُمَجِّسَانِهِ}، فكُلُّ مَولودٍ يُولَدُ على فطرة الإسلام، لو تُرِكَ على حالِه ورَغْبَتِه لَمَا اِختارَ غيرَ الإسلامِ، لَوْلَا ما يَعْرِضُ لهذه الْفِطْرَةِ مِنَ الأسبابِ المُقْتَضِيَةِ لإفسادِها وتَغْيِيرِها وأَهَمُّها التَّعالِيمُ الباطِلةُ والتَّرْبِيَةُ السَّيِّئَةُ الفاسِدةُ [لَمَا اِختارَ غيرَ الإسلامِ]، وقد أشارَ إليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقولِه {فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أوْ يُنَصِّرَانِهِ أوْ يُمَجِّسَانِهِ} أَيْ أنَّهما يَعْمَلَان مع الوَلَدِ مِنَ الأسبابِ والوَسائلِ ما يَجْعَلُه نَصْرَانِيًّا أوْ يَهُودِيًّا أوْ مَجُوسِيًّا، ومِن هذا تَسلِيمُ الأولادِ الصِّغَارِ الأغْرارِ [أَيْ قَلِيلِي الخِبْرَةِ والتَّجْرِبةِ] إلى المَدارسِ الكُفرِيَّةِ أو اللادِينِيَّةِ بِحُجَّةِ التَّعَلُّمِ، فيَتَرَبَّوْنَ في حِجْرِهم [أَيْ حِجْرِ القائمِين على هذه المَدارِسِ] ويَتَلَقَّوْنَ تَعلِيمَهم وعَقائدَهم منهم، وقَلْبُ الصَّغِيرِ قابِلٌ لِمَا يُلقَى فيه مِنَ الخَيْرِ والشَّرِّ، بَلْ ذلك بمَثَابةِ النَّقْشِ على الحَجَرِ، فَيُسَلِّمُونهم إلى هذه المَدارِسِ نَظِيفِين، ثم يَسْتَلِمونهم مُلَوَّثِين، كُلٌّ بِقَدْرِ ما عَبَّ [أَيْ تَجَرَّعَ] منها ونَهَلَ، وقد يَدْخُلُها [أَيِ الوَلَدُ] مُسلِمًا ويَخْرُجُ منها كافِرًا [فقد يَخْرُجُ عَلْمَانِيًّا، أو دِيمُقْراطِيًّا، أو لِيبرالِيًّا، أوِ اِشتِراكِيًّا، أو شُيُوعِيًّا، أو قَومِيًّا، أو وَطَنِيًّا، أو قُبورِيًّا، أو رافِضِيًّا، أو قَدَرِيًّا، أو مُغَالِيًا في الإرجاءِ، أو مُعْرِضًا غيرَ مُبَالٍ بالدِّينِ، أو فاقِدًا لِعقَيدةِ الوَلاءِ والبَراءِ التي تَحَقُّقُها شَرْطٌ في صِحَّةِ الإيمانِ، أو مُناصِرًا للطَّواغِيتِ مُعتَبِرًا أنَّهم وُلَاةُ أَمْرِ المسلمِين مُعادِيَّا للمُوَحِّدِين (أَهْلِ السُّنَّةِ والجماعةِ) ظَانًّا أنَّهم مُرْتَزِقَةٌ أو سُفَهَاءُ الأَحْلامِ أو أَهْلُ بِدعةٍ وضَلالٍ وإفسادٍ، أو مُسْتَخِفًّا بالشَّرِيعةِ مُسْتَهْزِئًا بالمُوَحِّدِين، أو غيرَ مُعْتَقِدٍ كُفْرَ اليَهُودِ والنَّصارَى وأمثالِهم]، نعوذُ باللهِ مِن ذلك، فَالْوَيْلُ كُلَّ الْوَيْلِ لِمَن تَسَبَّبَ في ضَلالِ اِبْنِه وغَوَايَتِه، فمَن أَدْخَلَ وَلَدَه راضِيًا مُخْتَارًا مَدرَسةً وهو يَعْلَمُ أنَّها تَسْعَى بمَناهِجِها ونَشاطاتِها لإخراجِ أولادِ المسلمِين مِن دِينِهم وتَشكِيكِهم في عَقِيدتِهم، فهو مُرْتَدٌّ عنِ الإسلامِ كما نَصَّ على ذلك جَمْعٌ مِنَ العلماءِ. انتهى.

 

(38)وقالَ الشيخُ عبدُالله بن زيد آل محمود (رئيس المحاكم الشرعية والشؤون الدينية بدولة قطر): التعليمُ والدعايةُ بالأفعالِ أَبْلَغُ منها بالأقوالِ، والأستاذُ قُدْوَةُ تِلْمِيذِه، وَثِقَتُه به [أَيْ وَثِقَةُ التِّلْمِيذِ بالأستاذِ] تَستَدْعِي قَبُولَه لِمَا يَقُولُه ويَفْعَلُه، فالتلاميذُ مع الأساتذةِ بمَثَابةِ الأَعْضاءِ مع اللِّسانِ، تَقُولُ {اتق الله فينا، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا}. انتهى من (مجموعة رسائل الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود).

 

(39)وسُئِلَ مَوقِعُ (الإسلامُ سؤالٌ وجَوابٌ) الذي يُشْرِفُ عليه الشيخ محمد صالح المنجد في هذا الرابط: عندي أَخٌ هُنَا في (كَنَدَا)، وأولادُه يَدْرُسون في مَدرَسةٍ عامَّةٍ، يَعْنِي يَدْرُسون في مَدرَسةٍ مع الكفارِ، ومِن ضِمْنِ الأشياءِ التي يَدْرُسونها في المَدرَسةِ والمفروضةُ عليهم هي مُحاضَرةٌ يوميَّةٌ في المُوسِيقَى وبعضُ المُحاضَراتِ التي يقولون لهم فيها أنَّ عيسى عليه السلامُ ابنُ اللهِ، وأولادُه مُجبَرون علي هذا، فما الحُكْمُ في هذا الأمرِ، نَتْرُكُ أولادَنا في مدارسِ الكفارِ؟ أو يَجلِسون في البَيْتِ؟، وإذا تَرَكْناهم في مدارسِ الكفارِ هل نكونُ آثِمِين على هذا؟. فأجابَ الموقعُ: أَوَّلًا، يَحْرُمُ سَمَاعُ المُوسِيقَى ودِراسَتُها؛ ثانيا، يَحْرُمُ سَمَاعُ الكفرِ وإقرارُه والسُّكُوتُ عليه، لقولِه تعالى {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ، إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ، إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}، قالَ القرطبيُّ [في (الجامع لأحكام القرآن)] رَحِمَه اللهُ {قَوْلُهُ تَعَالَى (فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْكُفْرِ، (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) فَدَلَّ بِهَذَا عَلَى وُجُوبِ اجْتِنَابِ أَصْحَابِ الْمَعَاصِي إِذَا ظَهَرَ مِنْهُمْ مُنْكَرٌ، لِأنَّ مَنْ لَمْ يَجْتَنِبْهُمْ فَقَدْ رَضِيَ فِعْلَهُمْ، وَالرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) فَكُلُّ مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسِ مَعْصِيَةٍ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ يَكُونُ مَعَهُمْ فِي الْوِزْرِ سَوَاءً، وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِمْ إِذَا تَكَلَّمُوا بِالْمَعْصِيَةِ أو عَمِلُوا بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النَّكِيرِ عَلَيْهِمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ عَنْهُمْ حَتَّى لَا يَكُونَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الآيَةِ}، ولاشَكَّ أنَّ سَمَاعَ الطالبِ لِمَا يُقَرِّرُه النَّصارَى في حَقِّ عيسى عليه السلامُ، ومُراجَعَتَهم لهذه الدُّروسِ [قالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (مِلَّة إبراهيمَ): يَقُولُ الشيخُ سليمانُ بنُ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب [في رِسالَتِه (فتيا في حُكمِ السفرِ إلى بلادِ الشركِ)] في معنى قوله تبارك وتعالى (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) {الآيَةُ على ظاهِرِها، وهو أنَّ الرَّجُلَ إذا سَمِعَ آيَاتِ اللهِ يُكفَرُ بِها ويُستَهزَأُ بِها فجَلَسَ عند الكافِرِين المُستَهزِئين مِن غَيرِ إكراهٍ، ولا إنكارٍ، ولا قِيَامٍ عنهم حتى يَخوضوا في حَدِيثٍ غَيرِه، فَهو كافِرٌ مِثْلَهُمْ وإنْ لم يَفعَلْ فِعْلَهم}. انتهى باختصار]، وإجابتَهم عليها في امْتِحاناتِهم، كُلُّ ذلك مِن أَعظَمِ المُنْكَرِ وأَشَدِّه، وهو إقرارٌ قَبِيحٌ بالكفرِ، لا عُذْرَ يُبِيحُه أو يُسَوِّغُه؛ ثالثا، الدِّراسةُ في هذه المدارسِ مع وُجودِ هذه المُحاضَراتِ لا رَيْبَ في تحريمِها ومَنْعِها وإثْمِ مَن يَحضُرُها ومَن يُلْحِقُ أبناءَه بها، والواجِبُ على الآباءِ أنْ يَسْعَوْا إلى تَجْنِيبِ أولادِهم حُضُورَ هذه المُحاضَراتِ المُشتَمِلةِ على الكفرِ أو على المُوسِيقَى، فإنَّ مَصلَحةَ حِفْظِ الدِّينِ مُقَدَّمةٌ على كُلِّ مَصلَحةٍ، وليس التعليمُ بعُذْرٍ يُبِيحُ سَمَاعَ الكُفرِ والسُّكوتَ عليه؛ وعلى المسلمِين في هذه البِلَادِ أن يَسْعَوْا لإقامةِ المدارسِ الإسلاميَّةِ الخاصَّة بهم، وأنْ يَجتَهِدوا لإيجادِ الحُلولِ المُناسِبةِ لهم كالتعليمِ الإلِكْتُرُونِيِّ والمَنزِلِيِّ، وأنْ يَتَكاتَفوا جميعا لإنجاحِ ذلك؛ والحاصِلُ أنَّه لا يَجُوزُ إلحاقُ الأبناءِ بهذه المدارسِ وهي على الصِّفَةِ التي ذَكَرْتَ. انتهى باختصار.

 

(40)وفي هذا الرابط سُئلَ مركزُ الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: هل يَجوزُ وَضْعُ أطفالي في مدارسَ نصرانيةٍ؟ لِمَا فيها مِن جَودةِ تَدرِيسٍ وانضباطٍ وأَدَبٍ، تَقُومُ الراهباتُ بالإشرافِ وتدريسِ المَوَادِّ، كما تُدَرَّسُ مادَّةُ الديانةِ الإسلاميةِ مِن قِبَلِ مُدَرِّسةٍ مُسْلِمةٍ، وتوُجَدُ مُوَجِّهةٌ مُنْتَدَبةٌ مُسْلِمةٌ تَقُومُ بالإشرافِ العامِّ، وأغلبيةُ الطُّلَّابِ مِنَ المسلمين، ولا تَقُومُ الراهباتُ بأَيِّ نَوْعٍ مِن أنواعِ العنصريةِ أو تعليمِهم أشياءً نصرانيةً، أَفِيدُونا أَفَادَكم اللهُ؟. فأجابَ مركزُ الفتوى: فإنَّ الأولادَ نعمةٌ مِن نِعَمِ اللهِ تعالى، وأمانةٌ في عُنُقِ العَبْدِ يَجِبُ عليه أنْ يشكرَها ويحفظَها مِن كُلِّ مكروهٍ مادِّيٍّ ومَعنَوِيٍّ، وأَوَّلُ ما يَجِبُ أنْ تُحْفَظَ به هو حِفْظُ دِينِهم، ولا شَكَّ أنَّ مَن وَضَعَ أطفالَه في المدارسِ الأَجْنَبِيَّةِ أنه فَرَّطَ في أَمَانَتِه [قلتُ: وكذلك مَن وَضَعَ أطفالَه في مدارسَ القائمون عليها يَحمِلُون فِكْرَ أَهْلِ البِدَعِ المُنتَسِبِين للإسلامِ -كَفِكْرِ المُرْجِئَةِ والأَشَاعِرةِ والمَدْرَسَةِ العَقْلِيَّةِ الاعْتِزالِيَّةِ- فقد فَرَّطَ في أَمَانَتِه]، فهذه المَدارِسُ لها أهدافُها القَرِيبةُ والبعيدةُ، ولها مَناهِجُها ووسائلُها التي تُرِيدُ أنْ تُحَقِّقَ بها هذه الأهدافَ، ولا يَغُرَّنَّكَ تَدْرِيسُ بعضِ المَوَادِّ الشرعيَّةِ فيها، أو إذاعةُ القرآنِ الكريمِ، أو الترتيبُ والانضباطُ، فكلُّ ذلك مِن بابِ دَسِّ السُّمَّ في العَسَلِ والتَّموِيهِ على المُغَفَّلِين لِيَبعَثوا بأبنائِهم إليها؛ ولهذا نَقولُ للسائلِ الكريمِ، إنَّه لا يَجوزُ للمُسلِمِ أنْ يُدخِلَ أبناءَه في المدارسِ الأجنبيةِ، نصرانيةً كانت أو غيرَها، وأنَّه يَجِبُ على المسلمِين أن يُؤَسِّسوا مدارسَ تَقُومُ بتعليمِ أبنائِهم ما يحتاجون إليه مِن عُلومِ دِينِهم ودُنْياهم، وهذا فَرْضُ كِفَايَةٍ يَجِبُ القِيَامُ به، فإذا أُهْمِلَ أَثِمَ جميعُ مَن يستطيعُ القيامَ به ولم يَفْعَلْه. انتهى باختصار.

 

(41)وفي هذا الرابط سُئِلَ مركزُ الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: ما حُكْمُ الشَّرْعِ في إدخالِ الأبناءِ في مدارسَ نصرانيةٍ في دولةِ (الإماراتِ)، عِلْمًا أنها ليست تَبشِيرِيَّةً، وتُدَرَّسُ فيها التَّربِيَةُ الإسلاميَّةُ، ويُقْرَأُ فيها القرآنُ كُلَّ صَبَاحٍ إجْبَارِيًّا؟. فأجابَ مركزُ الفتوى: فلا يَشُكُّ عاقلٌ أنَّ الناشِئَ يَتَأَثَّرُ بالمَدرسةِ التي يَتَلَقَى فيها تَعلِيمَه النِّظَامِيَّ تَأَثُّرًا بالِغًا، حتى إنَّ ما يَغْرِسُه التعليمُ في الطفلِ مِن قِيَمٍ وأخلاقٍ (سلبيَّةٍ أو إيجابيَّةٍ) لَيُنازِعُ ما يَغْرِسُه أَبَواه، بَلْ إنَّه يَتَفَوَّقُ عليه في كثيرٍ مِنَ الأحيانِ؛ ولا تَكَادُ المدارسُ النِّظامِيَّةُ -القائمةُ على مناهجَ غيرِ إسلاميةٍ- تَخْلُو مِن خَلَلٍ وقُصُورٍ في مفهومِ القِيَمِ والأخلاقِ وتَعالِيمِ الدِّينِ، فكيف بمدارسَ تَقومُ صَرَاحةً على تعليمِ النصرانيةِ!؟... ثم قالَ -أَيْ مركزُ الفتوى-: ومع اتِّجَاهِ أَغْلَبِ الناسِ إلى التعليمِ النِّظَامِيِّ، استغلَّ أعداءُ الإسلامِ -مِنَ المُحْتَلِّين- هذا التعليمَ، لِغَزْوِ المسلمِين فِكْرِيًّا، فعَدَّدوا نُظُمَ التعليمِ وأسالِيبَه بما يَخْدِمُ أهدافَهم، فهذا تعليمٌ عَلْمَانِيٌّ، وهذا تعليمٌ أَجْنَبِيٌّ، وغيرُ ذلك مِمَّا تَعَدَّدَتْ مُسَمَّيَاتُه واتَّحَدَتْ أهدافُه... ثم قالَ -أَيْ مركزُ الفتوى-: ولقد كانت قُوَّةُ المُسلِمِ الفاتِحِ تَكْمُنُ في أُسلوبِ تَعلِيمِه، فقد ذَكَرَ كاتبٌ إنجليزيٌّ يُدْعَى (Godfrey H. Jansen) في كتابِه (الإسلامُ المُقاتِلُ) {إنَّ إنْجِلْترَا وفَرَنْسَا قد أَجْرَتَا بُحوثًا عن أسبابِ قُوَّةِ وصَلَابةِ الإنسانِ العربيِّ (المُسلِمِ)، وتَمَكُّنِه مِن فَتْحِ البِلَادِ المُحِيطةِ به مِنَ الهِنْدِ إلى تُخُومِ الصِّينِ، فوَجَدَتَا أنَّ السِّرَّ في ذلك كان طَرِيقةَ تَعلِيمِ الطِّفْلِ العربيِّ}... ثم قالَ -أَيْ مركزُ الفتوى-: والمدارسُ التنصيريَّةُ (المسيحيَّةُ) تَقُومُ أَسَاسًا على منهجٍ تنصيريٍّ، ولو عَمَّتَ على المسلمِين أنَّها لا تَقُومُ بتلك المُهِمَّةِ، وهي تَستخدِمُ في أُسلوبِ تَعْمِيَتِها على السُّذَّجِ مِنَ المسلمِين إذاعَتَها للقرآنِ صَبَاحًا، وتَدْرِيسَها لأطفالِ المسلمِين التَّربِيَةَ الإسلاميَّةَ، ولكنَّها في الوقتِ ذاتِه تَنْسِفُ كُلَّ القِيَمِ والمَبادِئِ بمُقَرَّراتِها، ومُدَرِّسِيها المُخْتَارِين بعِنَايَةٍ فائقةٍ لِيَقُوموا بالمُهِمَّةِ المطلوبةِ... ثم قالَ -أَيْ مركزُ الفتوى-: فالطالبُ يَتَأَثَّرُ بمُدَرِّسِه تَقلِيدًا ومُحاكاةً، فيَصْطَبِغَ بكُلِّ ما يَقُولُه له، وقد أَنْشَأَ المُسْتَعْمِرُون مدارسَ أجنبيَّةً (مسيحيَّةً)، دَخَلَ فيها أولادُ الطَّبَقاتِ الحاكِمةِ، حتى يَقُوموا بالدَّورِ ذاتِه الذي يَقُومُ به المُسْتَعْمِرُ، لِعِلْمِهم [أَيْ لِعِلْمِ المُسْتَعْمِرِين] بأنَّ مُقَامَهم في تلك البلادِ لا بُدَّ أنْ تكونَ لها نِهَايَةٌ، فكانَ لهم ما أرادُوا، حيث جاء مَن يَحمِلُ اللِّوَاءَ نَفْسَه، ويُفَكِّرُ بالعقليَّةِ ذاتِها، بَلْ إنَّ دَورَ هؤلاء مُؤَثِّرٌ أكثرَ مِن تأثيرِ مَن يُوَجِّهُونهم، فَهُمْ يَتَكَلَّمون بلِسانِ قَوْمِهم، ويُفَكِّرون بعَقْلِيَّةِ مَن عَلَّمَهم... ثم قالَ -أَيْ مركزُ الفتوى-: فالمدارسُ المسيحيَّةُ (الأجنبيَّةُ) أُسلوبٌ مِن أساليبِ الغَزْوِ الفكريِّ المُعاصِرِ، حيث تَعمَلُ على تَغيِيرِ القِيَمِ والمَفاهِيمِ لَدَى مُنتَسِبِيها، فيَصِيرَ مَنْ تَخَرَّجَ منها ذَنَبًا لهم لا يَرَى إلَّا بعُيُونِهم ولا يُفَكِّرُ إلَّا بعَقْلِهم... ثم قالَ -أَيْ مركزُ الفتوى-: إنَّ المُسلِمَ يَجِبُ أنْ يكونَ غَيُورًا على دِينِه وقِيَمِه، ويَجِبُ أنْ يَنْتَبِهَ لهذا الخَطَرِ العظيمِ والشَّرِ المُستَطِيرِ، وأنْ يَعْلَمَ أنَّ اللهَ وَهَبَ له الأولادَ واسْتَرعاه عليهم، وسيَسألُه عمَّا اسْتَرعاه، فعَلَيْهِ أنْ يُعِدَّ الجَوَابَ مِنَ الآنَ. انتهى.

 

(42)وفي هذا الرابط سُئِلَ مركزُ الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: أنا أعيشُ بِدَوْلَةٍ عربيَّةٍ وأُرِيدُ أنْ أُسَجِّلَ ابْنِي في المَدرَسةِ، والمشكلةُ أنَّ المَدرَسةَ المُتَمَيِّزةَ والمُناسِبةَ مِن ناحيَةِ التعليمِ والأقساطِ إدارَتُها راهِبَاتٌ ولكنَّ أَغْلَبِيَّةَ المُدَرِّساتِ مُسلِماتٌ ومُلْتَزِماتٌ، والجميعُ يُثْنِي على المَدرَسةِ مِن كُلِّ النَّواحِي؟. فأجابَ مركزُ الفتوى: إنَّ اللهَ تعالى حَمَّلَ الآباءَ والأُمَّهاتِ مسؤوليَّةَ رِعَايَةِ أبنائِهم وتَرْبِيَتِهم التَّرْبِيَةَ الصحيحةَ الخالِيَةَ مِن كُلِّ شائبةٍ تَشُوبُ الدِّينَ، وذلك لِقَولِ اللهِ تَعالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}، وقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم {كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ} الحديثَ، مُتَّفَقٌ عليه؛ وعلى هذا فما دامَ القائمون على هذه المَدرَسةِ نَصَارَى فإنَّه لا يَجُوزُ لك أنْ تُدْخِلَ أَحَدًا مِن أبنائك في هذه المَدرَسةِ، لأنَّه لا يُؤْمَنُ أنْ يُلَبِّسُوا على أطفالِك في دِينِهم وعقِيدتِهم ويُؤَثِّروا على أَخلاقِهم [قلتُ: وكذلك إذا كان القائمون على المَدرَسةِ يَحمِلُون فِكْرَ أَهْلِ البِدَعِ المُنتَسِبِين للإسلامِ، كَفِكْرِ المُرْجِئَةِ والأَشَاعِرةِ والمَدْرَسَةِ العَقْلِيَّةِ الاعْتِزالِيَّةِ، فإنَّهم لا يُؤْمَنُوا أنْ يُلَبِّسُوا على أطفالِك]. انتهى باختصار.

 

(43)وفي فتوى للشيخِ فهدِ بنِ عبدالرحمن اليحيى (عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة وأصول الدين بجامعة القصيم) علي هذا الرابط، سُئِلَ الشيخُ: هل يَجوزُ أنْ يَدْرُسَ الأطفالُ في مدارسَ نصرانيةٍ؟ لِمَا فيها مِن جَودةِ تَدرِيسٍ وانضباطٍ وأَدَبٍ، حيث تَقُومُ الراهباتُ بالإشرافِ وتدريسِ المَوَادِّ، وتُدَرَّسُ مادَّةُ الديانةِ الإسلاميةِ مِن قِبَلِ مُدَرِّسةٍ مُسْلِمةٍ، وتوُجَدُ مُوَجِّهةٌ مُنْتَدَبةٌ مُسْلِمةٌ تَقُومُ بالإشرافِ العامِّ، وأغلبيةُ الطُّلَّابِ مِنَ المسلمِين، ولا تَقُومُ الراهباتُ بأَيِّ نَوْعٍ مِن أنواعِ العنصريَّةِ أو تعليمِهم أشياءً نصرانيَّةً، أَفِيدُونا أَفَادَكم اللهُ؟. فَكَانَ مِمَّا أجابَ به الشيخُ: إنَّ قَضِيَّةَ العقيدةِ وقَضِيَّةَ الولاءِ والبَرَاءِ والانتماءِ، قَضَايَا أكبرُ بكَثِيرٍ مِن مُجَرَّدِ إضافةِ معلوماتٍ، أو جَودةِ تدريسٍ ونِظَامٍ، وعليك أَيُّها الأَخُ المُسلِمُ أنْ تكونَ هذه القَضَايَا لَدَيْكَ أَوْلَى بالتقديمِ والنَّظَرِ مِن غيرِها، وَإِلَيْكَ أخي الكريمِ بَعْضُ ما قد يَتَرَتَّبُ على تدريسِ الأولادِ -ولا سِيَّمَا الصِّغَارُ منهم- في مدارسَ نصرانيةٍ، فمِن ذلك؛ (أ)تَنشِئةُ الطالبِ على حُبِّ النصرانيَّةِ، حتى وإنْ لم يَكُنْ هذا صَرِيحًا مِن قِبَلِ المُدَرِّسةِ، ولكنْ مِن خِلَالِ المُعامَلةِ، لا سِيَّمَا وقد أَشَرْتَ إلى أنَّ للراهباتِ دَورًا في الإشرافِ والتدريسِ؛ (ب)إزالةُ الحَوَاجِزِ بين الدِّينِ الإسلاميِّ وغيرِه، بحيث يَنْشَأُ الطالبُ لا يَتَمَيَّزُ بدِينِه ولا يَعْتَزُّ به، بَلْ تَتَمَيَّعُ لديه قَضِيَّةُ الولاءِ والبراءِ، وكأنَّما قَضِيَّةُ الدِّينِ لا تَتَعَدَّى كَوْنَها قَنَاعاتٍ شخصيَّةً فِكْرِيَّةً لَا غَيْرُ، وهذا خَطِيرٌ جِدًّا؛ (ت)لا تُؤْمَنُ المدارسُ النصرانيةُ، ولا يُؤْمَنُ النصرانيُّ، لا سِيَّمَا الداعيةُ إلى دِينِه كالراهِبِ والراهبةِ، لا يُؤْمَنُ هؤلاء ولا يُستَأْمَنون على أولادِ المسلمِين مِن وُجوهٍ عديدةٍ، فمِن أعظمِها دعوتُهم إلى النصرانيةِ بالتَّدَرُّجِ، وربما لا يَشْعُرُ ذَوُوهُمْ بذلك؛ (ث)في مُشارَكَةِ المُسلِمِ بتَدْرِيسِ أولادِه في مِثْلِ هذه المدارسِ دَعْمٌ لها وتشجيعٌ، مع أنَّ وُجودَها أصلًا في بلادِ المسلمِين لا يَجوزُ، فبَدَلًا مِنَ السَّعْيِ لإزالتِها نُشارِكُ في دَعْمِها، هذا مِمَّا لا يَنبَغِي للمُسلِمِ. انتهى باختصار.

 

(44)وقالَ الشيخُ سالمُ بنُ عبدالغني الرافعي في (أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في الغرب): إنَّ دَعوةَ ابْنِك إلى الإيمانِ والصَّلاحِ لا تَكْفِي إذا لم تُجَنِّبْه مَواقِعَ الفِتَنِ وبُؤَرَ الفَسادِ [قلتُ: ومِن مَواقِعِ الفِتَنِ وبُؤَرِ الفَسادِ المُجتَمَعاتُ التي يَشِيعُ فيها شِرْكُ العَلْمَنَةِ والتَّشْرِيعِ والتَّحَاكُمِ، أو شِرْكُ القُبورِ، أو كُفْرُ تَرْكِ الصلاةِ، أو فِكْرُ المُرْجِئَةِ والأَشَاعِرةِ والمَدْرَسَةِ العَقْلِيَّةِ الاعْتِزالِيَّةِ، أو الاسْتِخفافُ بالشريعةِ والاسْتَهْزِاءُ بالمُوَحِّدِين (أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعةِ، الفِرْقةِ الناجِيَةِ، الطائفةِ المَنْصُورةِ، الغُرَبَاءِ، النُّزَّاعِ مِنَ القبائلِ، الْفَرَّارِينَ بِدِينِهِمْ، القابضِين على الجَمْرِ) ومُعَادَاتُهم] وتَأخُذْ بيَدَيه إلى الطريقِ المستقيمِ، ومَنِ ادَّعَى بأنَّه يستطيعُ أنْ يُرَبِّيَ أولادَه في أُورُوبَّا التَّرْبِيَةَ الإسلاميَّةَ الصحيحةَ، فنَقُولُ له {بَيْنَنَا وبَيْنَكَ واقِعُ الحالِ}، فالواقعُ يَدُلُّنا أنَّ المُنحَرِفِين مِن أبناءِ المسلمِين أَضْعَافُ أَضْعَافِ المُلْتَزِمِين منهم، وهذا ليس في الأبناءِ الذِين دَرَجَ آباؤهم على الرَّذِيلةِ وتَعَوَّدُوا عليها، وإنَّما هذا في الأبناءِ الذِين نَشَأَ آباؤهم على الالتِزامِ وثَبَتُوا عليه؛ فإذا بَلَغَ الانحرافُ في أبناءِ الأُسَرِ المُلتَزِمةِ أَضْعَافَ أَضْعَافِ الصَّلاحِ فيهم تَعَيَّنَ على المُسلِمِ ووَجَبَ عليه أنْ يَحتاطَ لِأبْنائِه ويَنْتَشِلَهم مِن هذه البِيئَةِ [قلتُ: وكذلك يَتَعَيَّنُ على المُسلِمِ أنْ يَنْتَشِلَ أبناءَه مِنَ البِيئةِ التي يَتَفَشَّى فيها فِكْرُ أَهْلِ البِدَعِ المُنتَسِبِين للإسلامِ، كَفِكْرِ المُرْجِئَةِ (الذي يَبُثُّه "أَدْعِيَاءُ السلفيَّةِ" في مَساجِدِهم ومَدارِسِهم وقَنَواتِهم ومَواقِعِهم) وَفِكْرِ الأَشَاعِرةِ (الذي يَبُثُّه "الأَزْهَرِيُّون" في مَساجِدِهم ومَدارِسِهم وقَنَواتِهم ومَواقِعِهم) وَفِكْرِ المَدْرَسَةِ العَقْلِيَّةِ الاعْتِزالِيَّةِ (الذي يَبُثُّه "الإخْوانُ المُسلِمون" في مَساجِدِهم ومَدارِسِهم وقَنَواتِهم ومَواقِعِهم)]، إِذِ الحُكْمُ للغالبِ وليس للنادرِ. انتهى.

 

(45)وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ابن باز، قالَ الشيخُ: الأطفالُ أَمَانةٌ، الأطفالُ أَمَانةٌ عند أبِيهم وأُمِّهم، فالواجِبُ أنْ لا يَتَوَلَّى تَرْبِيَتَهم إلَّا مَن هو يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ ويُرْجَى منه الفائدةُ لهم والتَّوْجِيهُ الطَّيِّبُ، أَمَّا أنْ يَتَوَلَّى الأطفالَ نساءٌ كافراتٌ، هذا مُنْكَرٌ ولا يَجوزُ، هذا خِيَانةٌ للأَمَانةِ، فالتَّرْبِيَةُ أَمَانةٌ، والأطفالُ أَمَانةٌ، فلا يَجوزُ أنْ يُرَبِّيَ الأطفالَ إلَّا مُؤْمِنةٌ تَقِيَّةٌ يُرْجَى فيها الخَيرُ، حتى لو كانتْ مُسلِمةً، إذا كانتْ فاجِرةً خَبِيثةً لا يَنبغِي أنْ تُوَلَّى على الأطفالِ ولو كانتْ مسلمةً، إذا كانتْ رَدِيئةَ الدِّينِ ضَعِيفةِ الدِّينِ. انتهى باختصار.

 

(46)وقالَ الشيخُ عبدُالله بن محمد بن حميد (عضو هيئة كبار العلماء): وما زال أعداءُ الإسلامِ مُجِدِّين في هَدْمِه وتَغْيِيرِ عقائدِ أهلِه، كما قالَ مسيو أتني (الفرنسي) {إن مقاومة الإسلام بالقُوَّةِ لا يَزِيدُه إلَّا انتشارًا، فالواسطةُ الفعَّالةُ لِهَدْمِه وتَقْوِيضِ بُنْيَانِه، هي تَرْبِيَةُ بَنِيه في المدارسِ، بإلقاءِ بُذورِ الشَّكِّ في نُفوسِهم مِن عندِ النَّشأةِ، لِتَفْسَدَ عقائدُهم مِن حيث لا يَشعُرون}، فهذا لِعِلْمِه قابِلِيَّةَ الصَّغِيرِ لِمَا يُلْقَى إليه مِنَ العلومِ الضارَّةِ وغيرِها، ولِعَدَمِ تَميِيزِه بين الصحيحِ وغيرِه، ولأن الضَّرَرَ الذي يَصْعُبُ مُعالَجَتُه هو زَيْغُ العقيدةِ، فإن زيغَها مَصْدَرُ كُلِّ شَرٍّ وبَلَاءٍ ومَصْدَرُ كُلِّ الأخلاقِ الرَّذِيلةِ. انتهى باختصار من (الدُّرَرُ السَّنِيَّةُ في الأَجْوِبةِ النَّجْدِيَّةِ).

 

(47)وقالَ الشيخُ عبدُالرحمن بن قاسم في حاشية (الدُّرَرُ السَّنِيَّةُ في الأَجْوِبةِ النَّجْدِيَّةِ): يَجِبُ علينا ألَّا نُرسِلَ أبناءَنا وَهُمْ صغار إلى بلادِ الكفار للتَّعَلُّمِ، لأن النشءَ إذا شَبَّ بينهم لا بُدَّ أنْ يَتَخَلَّقَ بأخلاقِهم. انتهى.

 

(48)وجاءَ في الموسوعةِ الفقهيةِ الكُوَيْتِيَّةِ التي أَصْدَرَتْها وزارةُ الأوقافِ والشُؤُونِ الإسلامية بالكُوَيْتِ: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّزَوُّجِ فِي دَارِ الْحَرْبِ [قالَ الشيخُ محمد بن موسى الدالي على موقعِه في هذا الرابط: فَدَارُ الكُفْرِ، إذا أُطْلِقَ عليها (دارُ الحَرْبِ) فَباعتِبارِ مَآلِها وتَوَقُّعِ الحَرْبِ منها، حتى ولو لم يكنْ هناك حَرْبٌ فِعلِيَّةٌ مع دارِ الإسلامِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ عبدُالله الغليفي في كتابِه (أحكام الديار وأنواعها وأحوال ساكنيها): الأصْلُ في (دارِ الكُفْرِ) أنَّها (دارُ حَرْبٍ) ما لم تَرْتَبِطْ مع دارِ الإسلامِ بعُهودٍ ومَواثِيقَ، فإنِ اِرتَبَطَتْ فتُصْبِحَ (دارَ كُفْرٍ مُعاهَدةً)، وهذه العُهودُ والمَواثِيقُ لا تُغَيِّرُ مِن حَقِيقةِ دارِ الكُفْرِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ مشهور فوّاز محاجنة (عضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين) في (الاقتِراض مِنَ البُنوكِ الرِّبَوِيَّةِ القائمةِ خارِجَ دِيَارِ الإسلامِ): ويُلاحَظُ أنَّ مُصطَلَحَ (دارِ الحَرْبِ) يَتَداخَلُ مع مُصطَلَحِ (دارِ الكُفْرِ) في اِستِعمالاتِ أَكثَرِ الفُقَهاءِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ محاجنة-: كُلُّ دارِ حَرْبٍ هي دارُ كُفْرٍ ولَيسَتْ كُلُّ دارِ كُفْرٍ هي دارَ حَرْبٍ. انتهى. وجاءَ في الموسوعةِ الفقهيةِ الكُوَيْتِيَّةِ: أَهْلُ الحَرْبِ أو الحَرْبِيُّون، هُمْ غيرُ المُسلِمِين، الذِين لم يَدْخُلوا في عَقْدِ الذِّمَّةِ، ولا يَتَمَتَّعون بأَمَانِ المُسلِمِين ولا عَهْدِهم. انتهى. وقالَ مركزُ الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: أمَّا مَعْنَى الكافِرِ الحَرْبِيِّ، فهو الذي ليس بَيْنَه وبين المُسلِمِين عَهْدٌ ولا أَمَانٌ ولا عَقْدُ ذِمَّةٍ. انتهى. وقالَ الشيخُ حسينُ بنُ محمود في مَقالةٍ له على هذا الرابط: ولا عِبْرةَ بقَولِ بعضِهم {هؤلاء مَدَنِيُّون}، فليس في شَرْعِنا شيءٌ اسْمُهُ (مَدَنِيٌّ وعَسْكَرِيٌّ)، وإنَّما هو (كافرٌ حَرْبِيٌّ ومُعاهَدٌ)، فكُلُّ كافرٍ يُحارِبُنا، أو لم يَكُنْ بيننا وبينه عَهْدٌ، فهو حَرْبِيٌّ حَلَالُ المالِ والدَّمِ والّذُرِّيَّةِ [قالَ الْمَاوَرْدِيُّ (ت450هـ) في (الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي) في بَابِ (تَفْرِيقِ الْغَنِيمَةِ): فَأَمَّا الذُّرِّيَّةُ فَهُمُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، يَصِيرُونَ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ مَرْقُوقِينَ. انتهى باختصار]. انتهى. وقالَ الشيخُ محمدُ بنُ رزق الطرهوني (الباحث بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والمدرس الخاص للأمير عبدالله بن فيصل بن مساعد بن سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود) في كتابِه (هلْ هناك كُفَّارٌ مَدَنِيُّون؟ أو أَبْرِيَاءُ؟): لا يُوجَدُ شَرْعًا كافرٌ بَرِيءٌ، كما لا يُوجَدُ شَرْعًا مُصْطَلَحُ (مَدَنِيّ) وليس له حَظٌّ في مُفْرَداتِ الفقهِ الإسلاميِّ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الطرهوني-: الأصلَ حِلُّ دَمِ الكافِرِ ومالِه -وأنَّه لا يُوجَدُ كافرٌ بَرِيءٌ ولا يُوجَدُ شيءٌ يُسَمَّى (كافِر مَدَنِيّ)- إلَّا ما اِستَثناه الشارِعُ في شَرِيعَتِنا. انتهى. وقالَ الْمَاوَرْدِيُّ (ت450هـ) في (الأحكام السلطانية): وَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَقْتُلَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْ مُقَاتِلَةِ [المُقَاتِلَةُ هُمْ مَن كانوا أَهْلًا للمُقاتَلةِ أو لِتَدبِيرِها، سَوَاءٌ كانوا عَسْكَرِيِّين أو مَدَنِيِّين؛ وأمَّا غيرُ المُقاتِلةِ فَهُمُ المرأةُ، والطِّفْلُ، وَالشَّيْخُ الهَرِمُ، وَالرَّاهِبُ، وَالزَّمِنُ (وهو الإنسانُ المُبْتَلَى بعاهةٍ أو آفةٍ جَسَدِيَّةٍ مُستمِرَّةٍ تُعْجِزُه عنِ القتالِ، كَالْمَعْتُوهُ وَالأَعْمَى والأَعْرَجُ والمَفْلُوجُ "وهو المُصابُ بالشَّلَلِ النِّصْفِيِّ" والْمَجْذُومُ "وهو المُصابُ بالْجُذَامِ وهو داءٌ تَتَساقَطُ أعضاءُ مَن يُصابُ به" والأَشَلُّ وما شابَهَ)، وَنَحْوُهِمْ] الْمُشْرِكِينَ مُحَارِبًا وَغَيْرَ مُحَارِبٍ [أَيْ سَوَاءٌ قاتَلَ أم لم يُقاتِلْ]. انتهى. وقالَ الشيخُ يوسف العييري في (حقيقة الحرب الصليبية الجديدة): فالدُّوَلُ تَنقَسِمُ إلى قِسمَين، قِسمٌ حَرْبِيٌّ (وهذا الأصلُ فيها)، وقِسمٌ مُعاهَدٌ؛ قالَ ابنُ القيم في (زاد المعاد) واصِفًا حالَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم بعدَ الهجرةِ، قالَ {ثُمَّ كَانَ الْكُفَّارُ مَعَهُ بَعْدَ الأَمْرِ بِالْجِهَادِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ، أَهْلُ صُلْحٍ وَهُدْنَةٍ، وَأَهْلُ حَرْبٍ، وَأَهْلُ ذِمَّةٍ}، والدُّوَلُ لا تكونُ ذِمِّيَّةً، بَلْ تكونُ إمَّا حَرْبِيَّةً أو مُعاهَدةً، والذِّمَّةُ هي في حَقِّ الأفرادِ في دارِ الإسلامِ، وإذا لم يَكُنِ الكافرُ مُعاهَدًا ولا ذِمِّيًّا فإنَّ الأصلَ فيه أنَّه حَرْبِيٌّ حَلَالُ الدَمِ، والمالِ، والعِرْضِ [بِالسَّبْيِ]. انتهى] لِمَنْ دَخَل فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَمَانٍ (لِتِجَارَةٍ أَوْ لِغَيْرِهَا) وَلَوْ بِمُسْلِمَةٍ (وَتَشْتَدُّ الْكَرَاهَةُ إِذَا كَانَتْ مِنْ أَهْل الْحَرْبِ) وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةٌ فِي الْحَرْبِيَّةِ لاِفْتِتَاحِ بَابِ الْفِتْنَةِ، وَتَنْزِيهِيَّةٌ فِي غَيْرِهَا)، لِأنَّ فِيهِ [أَيْ في التَّزَوُّجِ فِي دَارِ الْحَرْبِ] تَعْرِيضًا لِلذُّرِّيَّةِ لِفَسَادٍ عَظِيمٍ، إِذْ أَنَّ الْوَلَدَ إِذَا نَشَأَ فِي دَارِهِمْ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْشَأَ عَلَى دِينِهِمْ، وَإِذَا كَانَتِ الزَّوْجَةُ مِنْهُمْ فَقَدْ تَغْلِبُ عَلَى وَلَدِهَا فَيَتْبَعُهَا عَلَى دِينِهَا... ثم جاء -أي في الموسوعة-: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَطَأَ حَلِيلَتَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا نَسْلٌ، لِأنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ التَّوَطُّنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، قَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُل مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ، قَالُوا (يَا رَسُول اللَّهِ، وَلِمَ؟)، قَال (لَا تَرَاءَى نَارُهُمَا [قالَ الشيخُ منصور البُهُوتِيُّ (ت1051هـ) في (شرح منتهى الإرادات): أَيْ لَا يَكُونُ [أَيِ المُسْلِمُ] بِمَوْضِعٍ يَرَى نَارَهُمْ وَيَرَوْنَ نَارَهُ، إذَا أُوقِدَتْ. انتهى])}، وَإِذَا خَرَجَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ رُبَّمَا يَبْقَى لَهُ نَسْلٌ فِيهَا فَيَتَخَلَّقُ وَلَدُهُ بِأَخْلَاقِ الْمُشْرِكِينَ، وَلِأنَّ مَوْطُوءَتَهُ إِذَا كَانَتْ حَرْبِيَّةً فَإِذَا عَلِقَتْ مِنْهُ ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدَّارِ مَلَكُوهَا مَعَ مَا فِي بَطْنِهَا، فَفِي هَذَا تَعْرِيضُ وَلَدِهِ لِلرِّقِّ، وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَقَال الْحَنَابِلَةُ {لَا يَطَأُ الْمُسْلِمُ زَوْجَتَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ إِلَّا لِلضَّرُورَةِ، فَإِذَا وُجِدَتِ الضَّرُورَةُ يَجِبُ الْعَزْلُ}. انتهى باختصار. وقالَ ابنُ قدامة في (المغني): قال [أَيِ الإمامُ الْخِرَقِيُّ الحنبليُّ (ت334هـ) في مختصرِه] {وَلَا يَتَزَوَّجُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ، إلَّا أَنْ تَغْلِبَ عَلَيْهِ الشَّهْوَةُ، فَيَتَزَوَّجَ مُسْلِمَةً وَيَعْزِلَ عَنْهَا}، وقَالَ الْقَاضِي -فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ- {هَذَا نَهْيُ كَرَاهَةٍ، لَا نَهْيُ تَحْرِيمٍ}، لِأنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ)، وَلِأنَّ الأَصْلَ الْحِلُّ، فَلَا يَحْرُمُ بِالشَّكِّ وَالتَّوَهُّمِ، وَإِنَّمَا كَرِهْنَا لَهُ التَّزَوُّجَ مِنْهُمْ مَخَافَةَ أَنْ يَغْلِبُوا عَلَى وَلَدِهِ، فَيَسْتَرِقُّوهُ، وَيُعَلِّمُوهُ الْكُفْرَ، فَفِي تَزْوِيجِهِ تَعْرِيضٌ لِهَذَا الْفَسَادِ الْعَظِيمِ، وَازْدَادَتِ الْكَرَاهَةُ إذَا تَزَوَّجَ مِنْهُمْ، لِأنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ امْرَأَتَهُ تَغْلِبُهُ عَلَى وَلَدِهَا، فَتُكَفِّرُهُ. انتهى باختصار. وقالَ السيدُ عمر البصري (ت1037هـ) في حاشيته على (تحفة المحتاج): السُّنِّيُّ الْمُتَوَلَّدُ [أَيِ المَوْلُودُ لَهُ] بِدَارِ الْبِدْعَةِ، يَظْهَرُ أَوْلَادُهُ غَالِبًا مُتَدَيِّنِينَ بِتِلْكَ الْبِدْعَةِ. انتهى.

 

(49)وقالَ كمال حبيب في (مجلة البيان، التي يَرْأَسُ تحريرَها الشيخُ أحمد بن عبدالرحمن الصويان "رئيس رابطة الصحافة الإسلامية العالمية") تحت عنوان (مناهج التعليم الديني في العالم الإسلامي): الأُمَّةُ كُلُّها بحاجةٍ إلى تَدَبُّرِ طبيعةِ الحربِ التي تُواجٍهُها، إنها حربٌ صليبيَّةٌ، الإجلابُ فيها بِالْخَيْلِ وَالرَّجْلِ مِن جانبٍ، وبالغَزْوِ الفِكريِّ والثقافِيِّ لِهَدْمِ قواعدِ الأُمَّةِ وأُسُسِها مِن ناحيَةٍ أُخْرَى... ثم قالَ -أي كمال حبيب-: إنَّ الدَّهْشَةَ سوف تُلْجِمُنا إذا عَلِمْنا أنَّ مؤسسةً تُسَمَّى (كِير) تَتَبَعُ المخابراتِ المركزيَّةَ الأَمْرِيكِيَّةَ هي التي تقومُ بالتخطيطِ للمناهجِ في وزارة التربية والتعليم المصرية [قالَ الشيخُ أحمد الريسوني (رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في مقالة له على هذا الرابط: وأمَّا الدولةُ المصرية بكل مؤسساتها ومرافقها وتوابعها داخل المجتمع، فَيَحكُمُها ويَتَحَكَّمُ فيها تَحالُفُ العَسكَرِ والمُخابَراتِ والاستِبدادِ والفَسادِ والبَلْطَجِيَّةِ والغَدرِ والمَكْرِ. انتهى]، والدهشةُ سَتُمْسِكُ بِتَلَابِيبِنا إذا عَلِمْنا أنَّ وَفْدَ الـ (إف بي آي) [يعني مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي] قد التَقَى شيخَ الأزهر، ووُفُودُ الكونجرس تَلْتَقِيه لِلاِطْمِئْنَانِ على مناهجِ الأزهرِ. انتهى.

 

(50)وقالَ الشيخُ سيد قطب في كتابِه (في التاريخ فكرة ومنهاج): وحينما اجتمعَ مؤتمر المبشرين في جبل الزيتون بفلسطين عام 1909 وَقَفَ مُقَرِّرُ المؤتمرِ لِيَقولَ {إن جُهودَ التبشير الغربيَّةِ في خلال مائة عام قد فشلتْ فَشَلًا ذَرِيعًا في العالم الإسلامي، لأنه لم يَنتقلْ مِنَ الإسلام إلى المسيحية إلَّا واحدٌ مِنِ اثنَين، إما قاصرٌ خَضَعَ بوسائل الإغراء أو بالإكراه، وإما مُعْدَمٌ تَقَطَّعَتْ به أسبابُ الرزقِ فجاءَنا مُكْرَهًا لِيَعِيشَ}، وهنا وَقَفَ القَسُّ زويمر [جاء في موسوعةِ الأديان (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ عَلوي بن عبدالقادر السَّقَّاف): صمويل زويمر [هو] رئيس جمعيات التنصير في الشرق الأوسط [قالت منى أبو الفضل أستاذة العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة: أَصْبَحَ (الشرقُ الأوسطُ) يُطلق على الدولِ العربيةِ وإسرائيلَ. انتهى من (مجلة "إسلامية المعرفة")]، ويُعَدُّ مِن أكبر أعمدة التنصير في العصر الحديث، وقد أسَّس معهدًا بِاِسْمِه في أمريكا لأبحاثِ تنصيرِ المسلمِين. انتهى باختصار. وقد تُوُفِّيَ زويمر عامَ 1952م بعد أن بَلَغَ الخامسة والثمانين مِن عمره] المعروفُ للمصريِّين لِيَقولَ {كَلَّا، إن هذا الكلامَ يَدُلُّ على أن المُبَشِّرِين لا يَعرِفون حقيقةَ مُهِمَّتِهم في العالَمِ الإسلاميِّ، إنه ليس مِن مُهِمَّتِنا أنْ نُخْرِجَ المسلمِين [يعني في الوقت الحالي] مِنَ الإسلام إلى المسيحية، كَلَّا، إنَّما كُلُّ مُهِمَّتِنا أنْ نُخْرِجَهم مِنَ الإسلامِ فحسب [قالَ الشيخُ عبدُاللهِ بْنُ عبدِالرَّحمن أبو بُطَين (مُفْتِي الدِّيَارِ النَّجْدِيَّةِ، الْمُتَوَفَّى عامَ 1282هـ) في كِتابِه (الانتِصارُ لِحِزْبِ اللهِ المُوَحِّدِين والرَّدُّ على المُجادِلِ عنِ المُشرِكِين): ومِن كَيْدِ الشَّيطانِ لِمُبتَدِعةِ هذه الأُمَّةِ -المُشرِكِين بِالبَشَرِ مِنَ المَقْبورِين وغيرِهم-، لَمَّا عَلِمَ عَدُوُّ اللهِ أنَّ كُلَّ مَن قَرَأَ القُرآنَ أو سَمِعَه يَنْفِرُ مِنَ الشِّركِ ومِن عِبادةِ غَيرِ اللهِ، أَلْقَى في قُلوبِ الجُهَّالِ أنَّ هذا الذي يَفعَلونه مع المَقْبورِين وغَيرِهم ليس عِبادةً لهم، وإنَّما هو تَوَسُّلٌ وتَشَفُّعٌ بِهم والْتِجاءٌ إليهم ونَحْوُ ذلك، فسَلَبَ العِبادةَ والشِّركَ [يَعْنِي عِبادةَ غَيرِ اللهِ والشِّركَ به] اِسْمَهُما مِن قُلُوبِهم، وكَسَاهُما أَسْماءً لا تَنْفِرُ عنها القُلوبُ، ثم اِزْدادَ اِغْتِرارُهم وعَظُمَتِ الفِتْنةُ، بِأنْ صارَ بَعضُ مَن يُنْسَبُ إلى عِلْمٍ ودِينٍ يُسَهِّلُ عليهم ما ارْتَكَبوه مِنَ الشِّركِ، ويَحْتَجُّ لهم بِالحُجَجِ الباطِلةِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. انتهى]، وأن نَجْعَلَهم ذَلُولِين [الزَّلُولُ هو السَّهْلُ الانقيادِ] لِتَعالِيمِنا ونُفوذِنا وأفْكارِنا، ولقد نَجَحْنا في هذا نَجاحًا كامِلًا، فكُلُّ مَن تَخَرَّجَ مِن هذه المدارسِ، لا مدارسَ الإرسالياتِ [مدارس الإرساليات هي مؤسساتٌ تعليميةٌ (مدارسُ وجامعاتٌ) يُديرها النصارى في العالمِ الإسلاميِّ بصورةٍ مباشِرةٍ، ومِن أَمْثِلَتِها في مِصْرَ الجامعةُ الأَمْرِيكِيَّةُ ومدارسُ (الفرير، وسانت فاتيما، والفرنسيسكان، والراعي الصالح)] فحسب، ولكن [أيضًا] المدارس الحكومية والأهلية، التي تَتَّبِعُ المَناهجَ التي وَضَعْناها بأيدينا وأيدي مَن رَبَّيْناهم مِن رِجالِ التعليمِ، كُلُّ مَن تَخَرَّجَ مِن هذه المدارسِ خَرَجَ مِنَ الإسلامِ بالفعلِ وإنْ لم يَخْرُجْ بالاسمِ، وأصبحَ عَوْنًا لنا في سِيَاسَتِنا دُونَ أن يَشْعُرَ، أو أصبحَ مأمونًا علينا ولا خَطَرَ علينا منه، لقد نَجَحْنا نَجَاحًا مُنْقَطِعَ النَّظِيرِ}. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ يوسف المرعشْلي (أستاذ مناهج البحث في كلية الشريعة بجامعة بيروت) في كتابه (العقائد والأديان والمذاهب الفكرية): القسّيسُ صمويل زويمر، يُعتبر هذا القسّيس -اليهودي الأصل- مِن أَهَمِّ المُبَشِّرِين وأخطرِهم في الشرق الأوسط منذ أوائل هذا القرن، هذا القسّيس عاش فترةً مِنَ الزمنِ في البلاد الإسلامية، وعَقَدَ عِدَّةَ مؤتمراتٍ تَبْشِيرِيَّةٍ في كلٍّ مِنَ القاهرة والهند والقدس، ولهذا القسيس عِدَّةُ تقارير، منها تقريرُه الذي نشره في 12 من إبريل 1926م، وهذه بعضُ فقراتٍ مِن ذلك التقريرِ {لا ينبغي للمبشِّر المسيحي أن ييأس ويقنط عندما يَرَى أن مَسَاعِيَه لم تُثْمِرْ في جَلْبِ كثيرٍ مِنَ المسلمِين إلى المسيحيةِ، لكن يَكْفِي جَعْلُ الإسلامِ يَخْسَرُ مسلمِين بذَبْذَبةِ بعضِهم، عندما تُذَبْذِبُ مُسْلِمًا وتَجْعَلُ الإسلامَ يَخْسَرُه تُعْتَبَرُ ناجحًا يا أيها المُبَشِّر المسيحيّ، يَكْفِي أن تُذَبْذِبَه ولو لم يُصْبِحْ هذا المسلمُ مسيحيًّا... قَبْلَ أنْ نَبْنِيَ النصرانيةَ في قُلوبِ المسلمِين يَجِبُ أنْ نَهْدِمَ الإسلامَ في نُفوسِهم، حتى إذا أصبحوا غيرَ مسلمِين سَهُلَ علينا، أو على مَن يأتي بَعْدَنا، أنْ يَبْنُوا النصرانيةَ في نُفوسِهم}. انتهى باختصار.

 

(51)وقالَ الشيخُ زيد بن عبدالعزيز بن فيَّاض (الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بكلية أصول الدين، قسم العقيدة) في كتابِه (واجب المسلمين): يقول القس زويمر في المؤتمرِ المسيحي الذي انعقَد بالقُدس [عامَ 1935م] إبَّان الاحتلال البريطاني {أيُّها الإخوان الأبطال، والإخوان الذين كَتَبَ اللهُ لهم الجِهادَ في سبيل المسيحيَّة واستعمارها لبلادِ الإسلام، فأحاطتْهم عنايةُ الربِّ بالتوفيق الجليل المقدَّس، لقدْ أَدَّيْتُم الرِّسالةَ التي أُنِيطتْ بكم أحسنَ أداءٍ، ووُفِّقتم لها أسْمَى التوفيق... مهمَّةُ التبشيرِ التي ندبَتْكُم دولُ المسيحيَّة للقيام بها في البلاد المحمديَّة ليستْ في إدْخال المسلمين [يعني في الوقت الحالي] في المسيحيَّة، وإنما مهمَّتكم أن تُخرِجوا المسلِم من الإسلام، ليصبحَ مخلوقًا لا صِلةَ له بالله، وبالتالي فلا صِلةَ تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأُممُ في حياتها، وهذا ما قُمتُم به خلالَ الأعوام المائة السالِفة خيرَ قيام، وهذا ما أُهنِّئكم عليه، وتُهنِّئكم دولُ المسيحيَّة والمسيحيُّون جميعًا كلَّ التهنئة؛ لقد قبَضْنا -أيُّها الإخوان- في هذه الحِقْبة مِنَ الدهرِ مِن ثُلُثِ القَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ إلى يومِنا هذا على جميعِ برامج التعليم في الممالِك الإسلامية؛ أيُّها الزملاء، إنَّكم أعددتُم بوسائلكم جميعَ العقول في الممالِك الإسلامية إلى قَبُولِ السَّيْرِ في الطريق الذي مَهَّدْتُم له كلَّ التمهيد، إنكم أعددتم شبابًا في دِيار المسلمِين لا يَعرِف الصِّلةَ بالله، ولا يُرِيدُ أن يَعرِفَها، وأَخْرَجْتُم المُسلِمَ مِنَ الإسلامِ ولم تُدخِلوه في المسيحيَّة، وبالتالي جاء النَّشْءُ الإسلاميُّ طبقًا لِمَا أراده له الاستعمارُ، لا يهتمُّ للعظائم، ويحبُّ الراحة والكسَل، ولا يعرف هِمَّةً في دنياه إلا في الشَّهَوات، فإذا تعلَّم فللشهوات، وإذا جَمَعَ المالَ فللشهوات، وإنْ تَبَوَّأَ أَسْمَى المراكز ففي سبيلِ الشهوات يَجُودُ بكلِّ شيءٍ؛ إنَّ مهمَّتَكم تمَّتْ على أَكْمَلِ الوجوهِ، وانتهيتُم إلى خيرِ النتائجِ، وباركتْكُم المسيحيَّةُ، ورَضِيَ عنكم الاستعمارُ، فاستَمِرُّوا في أداءِ رِسالتِكم، فقد أصبحتُم بفَضْلِ جهادِكم المبارَك مَوْضِعَ بَرَكاتِ الرَّبِّ}. انتهى باختصار.

 

(52)وفي هذا الرابط سُئلَ مركز الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: ما حُكْمُ مُخالَفةِ أمرِ الوالدِ بالنِّسبةِ لدُخول جامعةٍ مُختَلَطةٍ، فَأَبِي يُرِيدُ مِنِّي أنْ أدخُلَ جامعةٍ مُختَلَطةٍ، وأنا أَرْفُضُ هذا الطَّلَبَ لأُمورٍ؛ (أ)بسببِ الاختِلاطِ في الجامعةِ، مع العلمِ أَنَّني أَعِيشُ في فِلَسْطِينَ المُحتَلَّةِ، وأَنَا مِنَ العَرَبِ الحاصلِين على الجِنْسِيَّةِ اليَهُودِيَّةِ (مع الأسَفِ)، أَيْ ما يُعرَفون بـ (عَرَب 48)، وكُلُّ الجامعاتِ هنا هي جامِعاتٌ لليَهُودِ، ونَجِدُ فيها مِنَ الاختِلاطِ والسُّفورِ والتَّكَشُّفِ والتَّعَرِّي ما لا يَعلَمُ به إلَّا اللهُ سُبحانَهُ وتَعالَى؛ (ب)أنَّ دُخُولي الجامعةَ ليس بضرورةٍ مُلِحَّةٍ، فكثيرٌ مِنَ الشَّبابِ يَتَذَّرَعون بدُخولِهم هذه الجامعاتِ المُختَلَطةَ بأَنَّ (الضَّروراتِ تُبِيحُ المَحظوراتِ) وخُصوصًا أنَّه ليس جامِعاتٌ عربيَّةٌ أو إسلاميَّةٌ هنا، ويقولون بأنَّه {إذا لم نَتَعَلَّمْ في هذه الجامِعاتِ اليَهُودِيَّةِ المُختَلَطةِ، مِن أَيْنَ سيكونُ للعَرَبِ مِنَّا أَطِبَّاءٌ} ومِثْلَ هذه الحُجَجِ الواهِيَةِ المُتَماوِتةِ، أرجو منكم أنْ تَرُدُّوا في الفتوى وتُوَضِّحوا مَعْنَى هذه القاعِدةِ العَظِيمةِ بأنَّ (الضَّروراتِ تُبِيحُ المَحظوراتِ)، ولا تَدَعُوها هكذا قاعدةً عامَّةً يَأْخُذُها كُلُّ إنسانٍ لِمَا يُوافِقُ هَوَاه؟. فأجابَ مركزُ الفتوى: فأَمَّا حُكْمُ مُخالَفة الوالدِ، فَعَلَى حَسَبِ ما يَأْمُرُ به، فإنْ كان يَأْمُرُ بمعروفٍ مِن مُبَاحٍ أو مُستَحَبٍّ أو واجبٍ فيَجِبُ طاعَتُه، وإنْ كان يَأْمُرُ بمُنكَرٍ أو ما يُؤَدِّي إليه فلا تَجوزُ طاعَتُه؛ وبخُصوصِ دُخولِ الجامعةِ بما فيها مِن اختِلاطٍ فاحشٍ ومُنكَراتٍ ظاهرةٍ، فَلَا شَكَّ أنَّ الواجِبَ طَلَبُ البَراءةِ لِدِينِك وعِرْضِك [قلتُ: وطَلَبُ البَراءةِ للدِّينِ والعِرْضِ يَقْتَضِي أيضًا عَدَمَ التَّعَرُّضِ لِمَا يَنتَشِرُ في المُؤسَّساتِ التَّعلِيمِيَّةِ مِن مُفَسِّقاتٍ عَقَدِيَّةٍ أو مُكَفِّراتٍ عَقَدِيَّةٍ، كفِكْرِ المُرْجِئَةِ (الذي يَبُثُّه "أَدْعِيَاءُ السلفيَّةِ") أو فِكْرِ الأَشَاعِرةِ (الذي يَبُثُّه "الأَزْهَرِيُّون") أو فِكْرِ المَدْرَسَةِ العَقْلِيَّةِ الاعْتِزالِيَّةِ (الذي يَبُثُّه "الإخْوانُ المُسلِمون") أو كمَفاهِيمِ العَلْمانِيَّةِ والدِّيمُقْراطِيَّةِ واللِّيبرالِيَّةِ والوَطَنِيَّةِ والقَومِيَّةِ، سَوَاءٌ كانَت هذه الأفكارُ والمَفاهِيمُ مَدسُوسةً في المَناهِجِ التَّعلِيمِيَّةِ أو كانَت هي مُعتَقَداتِ أَغْلَبِ المُدَرِّسِين أو الطُّلَّابِ، ولِمَا يَنتَشِرُ أيضًا في هذه المُؤسَّساتِ مِن كُفْرٍ عَمَلِيٍّ (كَسَبِّ الدِّينِ، وتَرْكِ الصَّلَاةِ، وتَحِيَّةِ العَلَمِ الوَطَنِيِّ، ومَدْحِ الطَّوَاغِيتِ وأَنْظِمَتِهم)، ومِن فِسْقٍ عَمَلِيٍّ (كالتَّدخِينِ، واللُّوَاطِ والسِّحاقِ، وتَبَادُلِ المَجَلَّاتِ وأَفْلامِ الفِيدْيُو الجِنْسِيَّةِ، وتَعَاطِي المُخَدِّراتِ حُقَنًا وحُبُوبًا، وسُوءِ الأَخْلَاقِ وبَذَاءةِ الألفاظِ وانحرافِ السُّلوكِ، والتَّخَنُّثِ والمُيُوعةِ والتَّشَبُّهِ بالمُمَثِّلِين والمُطرِبِين والرَّاقِصِين الغَربِيِّين والشَّرقِيِّين، والتَّبَرُّجِ والتَّهَتُّكِ بين البَنَاتِ والتَّشَبُّهِ بالمُمَثِّلِاتِ والْمُغَنِّيَاتِ والرَّاقِصاتِ)]، خاصَّةً وأنَّ القائمِين عليها هُمُ اليَهُودُ المُحْتَلُّون لأرْضِكم والذِين لَا يَرْقُبُون فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً، ويَحرِصون كُلَّ الحِرْصِ على إفسادِ أبناءِ المُسلمِين وإلحاقِهم بِرَكْبِهم [قلتُ: وكذلك الحُكَّامُ وأَنْظِمَتُهم في الدُّوَلِ المُسَمَّاةِ اليومَ بالإسلامِيَّةِ لَا يَرْقُبُون فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً، ويَحرِصون كُلَّ الحِرْصِ على إفسادِ أبناءِ المُسلمِين وإلحاقِهم بِرَكْبِهم. وقد قالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (إعدادُ القادةِ الفوارسِ بهجرِ فسادِ المدارسِ): فَمَا الفَرْقُ بين طاغوتٍ إِنْجِلِيزِيٍّ وآخَرَ عَرَبِيٍّ؟!. انتهى. وقالَ مصطفى صبري (آخِرُ مَن تَوَلَّى مَنْصِبَ "شيخ الإسلام" في الدولةِ العثمانيةِ، وكان صاحبُ هذا المَنْصِبِ هو المُفْتِي الأكْبَرَ في الدولةِ) في (مَوقِفُ العَقلِ والعِلمِ والعالَم مِن رَبِّ العالَمِين وَعِبادِه المُرسَلِين): وماذا الفَرْقُ بين أنْ تَتَوَلَّى الأمرَ في البِلادِ الإسلامِيَّةِ حُكومةٌ مُرتَدَّةٌ عنِ الإسلامِ وبين أنْ تَحتَلَّها حُكومةٌ أَجْنَبِيَّةٌ عنِ الإسلامِ [قالَ مصطفى صبري هُنَا مُعَلِّقًا: مَدَارُ الفَرْقِ بين دارِ الإسلامِ ودارِ الحَربِ على القانونِ الجارِي أحكامُه في تلك الدِّيَارِ، كَما أنَّ فَصْلَ الدِّينِ عنِ السِّيَاسةِ مَعناه أنْ لا تكونَ الحُكومةُ مُقَيَّدةً في قَوانِينِها بِقَواعِدِ الدِّينِ. انتهى]، بَلِ المُرتَدُّ أَبعَدُ عنِ الإسلامِ مِن غَيرِه وأَشَدُّ، وتَأثِيرُه الضارُّ في دِينِ الأُمَّةِ أكثَرُ. انتهى]، وعَدَمُ وُجودِ جامعةٍ إسلاميَّةٍ في بَلَدِكَ لا يُسوِّغُ لك تَعرِيضَ نَفْسِكَ للفِتنةِ، وليس عليك في مُخالَفةِ والِدِكَ حَرَجٌ في هذه الحالةِ؛ كما لا يَسُوغُ قولُ البعضِ في هذا الْمَقَامِ {إنَّ الضَّروراتِ تُبِيحُ المَحظوراتِ} هكذا على الإطلاقِ لِتَبرِيرِ هذه الأوضاعِ القائمةِ، وإنَّما كُلُّ حالةٍ تُقَدَّرُ بِحَسَبِها والضَّرُورَةُ تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وقد عَرَّفَ العلماءُ الضَّرُورَةَ بأَنَّها {بُلُوغُ الإنسانِ حَدًّا إنْ لَمْ يَتَنَاوَلِ الْمَمْنُوعَ هَلَكَ أو قَارَبَ، كالمُضْطَرِّ للأكْلِ بحيث لو بَقِيَ جائعًا لَمَاتَ أو تَلَفَ منه عُضْوٌ أو فَقَدَ جارِحةً [جَوَارِحُ الإِنْسَانِ أَعْضَاؤُهُ الَّتِي يَكْتَسِبُ بِهَا، وَهِيَ الْعَيْنُ وَالأُذُنُ وَاللِّسَانُ وَالْبَطْنُ وَالْفَرْجُ وَالْيَدُ وَالرِّجْلُ]، فَهَذَا يُبِيحُ تَنَاوُلَ الْمحَرَّمِ}، ومِن ذلك قولُه تَعالَى {مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}، والإكراهُ هنا بالقَتْلِ؛ وقد وَضَعَ العلماءُ للضَّرورةِ ضَوابِطَ لا بُدَّ مِن مُراعاتِها، لِئَلَّا تُتَّخَذَ وَسِيلةً لارتِكابِ المُحَرَّمِ دُونَ تَحَقُّقِها، ومِن أَهَمِّ هذه الضَّوابِطِ؛ أوَّلًا، أنْ تكونَ الضَّرورةُ قائِمةً لا مُنْتَظَرةً، فلا يَجوزُ مَثَلًا الاقتراضُ بالرِّبَا تَحَسُّبًا لِمَا قد يكونُ في المُستَقبَلِ؛ ثانيًا، أَلَّا يكونَ لِدَفْعِ الضَّرورةِ وَسِيلةٌ أُخرَى إلَّا مُخالَفةَ الأوامرِ والنَّواهِي الشَّرعِيَّةِ؛ ثالثًا، يَجِبُ على المُضْطَرِّ مُراعاةُ قَدْرِ الضرورة، لأنَّ ما أُبِيحَ للضَّرُورَةِ يُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، ولذلك قَرَرَ الفُقهاءُ أنَّه لا يَجوزُ للمُضْطَرِّ أنْ يَأْكُلَ مِنَ المَيْتةِ إلَّا بِمَا يَسُدُّ رَمَقَه؛ رابعًا، ألَّا يُقْدِمَ المُضْطَرُّ على فِعْلٍ لا يَحتَمِلُ الرُّخصةَ، فلا يَجُوزُ له قَتْلُ غيرِه افتِداءً لِنَفْسِه، لأنَّ نَفْسَه ليستْ أَوْلَى مِن نَفْسِ غَيرِه؛ لكنْ يَنبَغِي التَّنبِيهُ إلى أنَّ بعضَ المَنْهِيَّاتِ قد تَجُوزُ لِمَا دُونَ الضَّرورةِ، أَيْ إذا حَصَلَتْ حاجَةٌ شديدةٌ كَقُرْبٍ مِنَ الضَّرورةِ، كالحاجَةِ للتَّدَاوِي فإنَّها تُبِيحُ كَشْفَ العَورةِ. انتهى باختصار.

 

(53)وفي فتوى صَوتِيَّةٍ للشيخِ الألباني مُفَرَّغةٍ له على هذا الرابط، قِيلَ للشيخِ: بَلَغَتْنَا فُتْيَاكم في حُكْمِ الدِّرَاسةِ في المُؤَسَّساتِ المُخْتَلَطَةِ ذُكُورًا وإنَاثًا، فبعضُ إخوانِنا قالَ {أَنَا أَتَصَوَّرُ لو قِيلَ للشيخِ (إنَّ جميعَ المُؤَسَّساتِ [يَعْنِي المَدَارسَ والجامِعاتِ] عندنا كُلَّها مُخْتَلَطَةٌ، والأَشْغالُ الحُرَّةُ صَعْبةٌ جِدًّا جِدًّا إِذِ القانُونُ نَفْسُه لا يَسمَحُ بها إلَّا بعدَ أَخْذٍ ورَدٍّ شَدِيدَين جِدًّا)}، فيقولُ هو {أَتَصَوَّرُ أنَّ الشيخَ سَيُقَيِّدُ فُتْيَاه إذا عَلِمَ هذا}؟. فقالَ الشيخُ: أَنَا ما فَهِمْتُ، ما هي الفَتْوَى التي يَنبَغِي أنْ أُقَيِّدَها في نَظَرِ ذاك المُشَارِ إليه؟. فقِيلَ للشيخِ: أنتم تقولون بعَدَمِ جَوَازِ دراسةِ التِّلمِيذِ في مُؤسَّسةٍ مُخْتَلَطَةٍ. فقالَ الشيخُ: هذا صَحِيحٌ، هذا صَحِيحٌ؛ سنقولُ له {ما هي الضرورةُ التي يَتَشَبَّثُ [أَيْ ذاك المُشَارُ إليه] بها لاستِباحةِ ما حَرَّمَ اللهُ}، الجوابُ [أَيْ عند ذاك المُشَارِ إليه] {أنَّه لا يُوَظَّفُ إلَّا إذا تَخَرَّجَ مِن هذه الجامِعاتِ المُخْتَلَطةِ}، سنقولُ {عُذْرٌ أَقْبَحُ مِن ذَنْبٍ}؛ أَنَا أَضرِبُ [مَثَلًا] لبعضِ الإخوانِ هُنَا، رَجُلٌ هُنَا قَرِيبٌ مِن مَوْقِفِ السَّيَّارَاتِ، تَجِدُه يَسُوقُ عَرَبَةً صَغِيرةً، يُمْكِنُ [أنْ يكونَ] أَصْلُها لِوَضْعِ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ، العَرَبةَ الصَّغِيرةَ هذه التي يُوضَعُ فيها الطِّفْلُ، فَهُوَ طَوَّرَها، لها عَجَلَاتٌ أَرْبَعٌ، وجَعَلَ لها سَطْحًا، فهو يَبِيعُ التُّرْمُسَ، هذا يَبِيعُ تُرْمُسًا، هذا هو رِزْقُه، وهو رَجُلٌ كَبِيرٌ يُمْكِنُ [أنْ يكونَ] نَحْوَ الْخَمْسِينَ مِنَ العُمُرِ؛ وأَعْرِفُ آخَرَ هُنَا بجانِبِ مَدرَسةِ البَناتِ هُنَا، في أيَّامِ الشِّتاءِ، له عَرَبَةٌ أَكبَرُ مِن هذه العَرَبَةِ، يَقْلِي فيها الفَلَافِلَ [أَيِ الطَّعْمِيَّةَ] في عِزِّ البَرْدِ؛ أَقُولُ يا جَمَاعةُ أنَّ أسبابَ الرِّزقِ والعَيْشِ كثيرةٌ وكثيرةٌ جِدًّا، لكنَّ أيضًا الشَّبَابَ اليَومَ في كُلِّ بِلَادِ الإسلامِ إلَّا ما نَدَرَ اِعتادُوا أيضًا أنْ يَعِيشوا عَبِيدًا لِلحُكَّامِ، أَنْ يُصبِحَ المُسلِمُ مُوَظَّفًا في الدَّولةِ، فمَعْنَى ذلك أنْ يَصِيرَ عَبْدًا لِلدَّولةِ، فلَوْ لم يَكُنْ إلَّا هذا فَقَطْ [وهو أَنْ يَصِيرَ المُسلِمُ عَبْدًا لِلدَّولةِ مِنْ جَرَّاءِ التَّوَظُّفِ فيها]، ولم يَكُنْ معه ارتِكابُ المَحظُورِ [أَيِ المُحَرَّمِ] الذي اتَّفَقْنا عليه [وهو الدِّراسةُ في المَدارِسِ والجامِعاتِ المُختَلَطةِ]، لَكَفَى أنْ نَنْصَحُ الشَّبَابَ المُسلِمَ أنْ يَبْتَعِدَ عن وَظائفِ الدَّولةِ، فَمَا بَالُكَ إذا اتَّخَذْنا سَبِيلًا أَصْلُه مُحَرَّمٌ [وهو الدِّراسةُ في المَدارِسِ والجامِعاتِ المُختَلَطةِ] لِنَصِيرَ مُوَظَّفِين عَبِيدًا للحُكَّامِ؛ هذا جَوَابِي. انتهى باختصار. وفي فتوى صَوتِيَّةٍ أُخرَى للشيخِ الألباني مُفَرَّغةٍ له على هذا الرابط، سُئِلَ الشيخُ: فِيمَا يَخُصُّ الدِّراسةَ في الجامِعاتِ، هناك بعضُ الإِخْوَةِ في الجزائرِ سَمِعُوا فَتْواكم في هذا الموضوعِ، هناك مَن قالَ أنَّ هذه الفَتْوَى صالِحةٌ للبُلْدانِ التي نَجِدُ فيها جامِعاتٌ مُخْتَلَطةٌ وجامِعاتٌ غيرُ مُخْتَلَطةٍ، وهناك مَن قالَ أنَّها صالِحةٌ لِكُلِّ البُلْدانِ، فأُرِيدُ منكم تَوضِيحًا في هذا الموضوعِ؟. فأجابَ الشيخُ: الذي أَفْهَمُه مِن هذا التَّفرِيقِ مِن ذاك البَعْضِ، أنَّه كأنَّه يَنطَلِقُ في هذا التَّفرِيقِ مِن قاعِدةٍ مَعروفةٍ [أَيْ عند الكُفَّارِ]، وهي غيرُ معروفةٍ [أَيْ في الإسلامِ]، القاعِدةُ هي التي تَقُولُ {الغايَةُ تُبَرِّرُ الوَسِيلةَ}، فَشَرْحُ قَولِه أنَّ {العِلْمُ هذا لا بُدَّ منه، فإذا كان يُوجَدُ جامعةٌ ليس فيها اِختِلاطٌ، فهذا هو السَّبِيلُ لِتَحصِيلِ هذا العِلْمِ، أَمَّا إذا لم يَكُنْ مِثْلُ هذه الجامعةِ [ولا يُوجَدُ] إلَّا جامِعةٌ فيها اِختِلاطٌ، فالغايَةُ تُبَرِّرُ الوَسِيلةَ، الغايَةُ هي تَحصِيلُ العِلْمِ، والوَسِيلةُ هي هذه الجامِعةُ التي فيها الاِختِلاطُ}، نحن نَقُولُ، هذه القاعدةُ ليستْ معروفةً في الإسلامِ، هذه القاعدةُ قاعدةُ الكُفَّارِ، هُمُ الذِين نَشَروا هذه القاعِدةَ بفِعْلِهم وبثَقافَتِهم، الشَّرعُ لا يُجِيزُ الوسيلةَ التي ليستْ مُباحةً شَرعًا في سَبِيلِ تَحصِيلِ مَصلَحةٍ شَرعِيَّةٍ، هنا يَأْتِي في بالِي الشَّاعِرُ القَدِيمُ قَوْلُه {أَمُطْعِمَةَ الأَيْتَامِ مِنْ كَدِّ فَرْجِهَا *** وَيْلٌ لَكِ لَا تَزْنِي وَلَا تَتَصَدَّقِي}، فهذه تَزنِي مِن أجْلِ ماذا؟، مِن أجْلِ أنْ تَتَصَدَّقَ، [وَمِثْلُها التي] تُغَنِّي وتَبْنِي مَسجِدًا بمالِها المُحَرَّمِ، ليس لهذا المالِ ذلك الأجْرُ الذي تَبْغاه مِن وَراءِ بِنَاءِ المسجدِ، فهذه قاعِدةٌ كافرةٌ (الغايَةُ تُبَرِّرُ الوَسِيلةَ)... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الألباني-: البَلَدُ الذي لا يُوجَدُ فيه إلَّا جامِعةٌ مُخْتَلَطةٌ، ما هو هذا العِلْمُ الذي يُرادُ تَحصِيلُه، أَهُوَ فَرْضُ عَينٍ أَمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ؟، لاشَكَّ أنَّه ليس فَرْضَ عَينٍ، هناك قد يَدْرُسون -على العَكْسِ مِن ذلك- عِلْمًا لا يَجوزُ دِراسَتَه، مِثْلَ دِراسةِ قَوانِينِ الاقتصادِ والسِّياسةِ، ونحوِ ذلك مِمَّا يُخالِفون فيه الشَّرِيعةَ الإسلامِيَّةَ في كثيرٍ مِن فُروعِها، فحينما يقولُ ذلك القائلُ أنَّه {هذه الفَتْوَى صَحِيحةٌ إذا وُجِدَتْ جامِعَتان، أَمَّا إذا لم يُوجَدْ إلَّا جامِعةٌ واحدةٌ [فَلَا]}، هذه الجامِعةُ [المُخْتَلَطةُ] قائمةٌ على مَعصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وأنتم تَعلَمُون أنَّ [لَوْ] مَسجِدُ ضِرَارٍ أُنْشِئَ لا يَجُوزُ الإقامةُ فيه والصّلاةُ فيه، وهو مَسجِدٌ لِعبادةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ وَحْدَه لا شَرِيكَ له... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الألباني-: ونحن حِينَما نقولُ هذا الكلامَ لا نَنْسَى أنَّ الإسلامَ يَأْمُرُ المسلمِين أنْ يَتَعَلَّموا كُلَّ عِلْمٍ نافِعٍ، وليس هذا خاصًّا في العِلْمِ الشَّرعِيِّ، بَلْ أَيِّ عِلْمٍ (فِيزِيَاءَ، كِيمْيَاءَ، فَلَكٍ، إلى آخِرِه) مِمَّا يُمْكِنُ أنْ يَستَفِيدَه المسلمون وأنْ يُقِيموا حَيَاتَهم الحاضِرةَ عليه، هذا فَرْضٌ كِفَائِيٌّ، لكنْ في سَبِيلِ تَحقِيقِ هذا الفَرْضِ الكِفَائِيِّ لا يَجوزُ أن يُعَرِّضَ المُسلِمُ نَفْسَه لِمُخالَفةٍ شَرعِيَّةٍ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الألباني-: نحن نقولُ اليومَ أنَّ الطِّبَّ اِنْتَشَرَ وصارَ له تَخَصُّصاتٌ عَدِيدةٌ في جوانِبَ مُتَعَدِّدةٍ جِدًّا، وأنَّ النِّساءَ بحاجَةٍ إلى طَبِيباتٍ (هذه حَقِيقةٌ لا يَجْهَلُها إنسانٌ)، وأنَّه لا يَجُوزُ شَرعًا للمرأةِ المُسلِمةِ أنْ تَعرِضَ بَدَنَها بسَبَبِ مَرَضٍ أَلَمَّ بها عند رَجُلٍ طَبِيبٍ، فإذَنْ يَجِبُ أنْ يكونَ عندنا طَبِيباتٌ مُسلِماتٌ لكنْ ما هو الطَّرِيقُ؟، على قَاعِدةِ (الغايَةُ تُبَرِّرُ الوَسِيلةَ) يَرَى بعضُهم أنْ نَسمَحَ لِبَناتِنا، لِأخَوَاتِنا، لِنِسائنا، أنْ يَدْخُلْن هذه الجامعاتِ المُخْتَلَطةِ في سَبِيلِ تَحصِيلِ هذا العِلْمِ لأنّه فَرْضٌ كِفَائِيٌّ لا بُدَّ منه، نحن نقولُ، لا، لأنَّ هذا الاِختِلاطَ يُعَرِّضُ فَتَيَاتِنا ونِساءَنا للفِتنةِ، وبخاصَّةٍ إذا كانَ نَوعَ الطّبِّ الّذي يَتَطَلَّبُ مِنَ المرأةِ أنْ يَقتَرِبَ وَجْهُها مِن وَجْهِ الطَّبِيبِ المُعَلِّمِ، نَفَسُها مِن نَفَسِه، إلى آخِرِه، هذه تُعَرِّضُ نَفْسَها للفِتنةِ، وتَقَعُ هناك مَشاكِلُ أنتم لا بُدَّ سَمِعْتُم الشَّيءَ الكثيرَ أو القَلِيلَ منها [قالَ الشيخُ مُقْبِلٌ الوادِعِيُّ في شَرِيطٍ صَوتيٍّ موجود على هذا الرابط بعنوان (الجزءُ الثالثُ مِن "تحذير الدارِسِ مِن فِتنةِ المدارسِ")، وأَمَّا كَونُ المَرأةِ تُرِيدُ أنْ تَخْرُجَ [أَيْ مِنَ الجامِعةِ] طَبِيبةً، فالمجتمعُ المُسلِمُ مُحتاجٌ إلى الطَّبِيبةِ المُسلِمةِ، ولكنْ وَجَدْنا كثيرًا مِمَّن نَوَايَاهم هذه النَّوَايَا، ثم بَعْدَها تَصِلُ إلى المُستَشفَى ومُدِيرُ المُستَشفَى فاسِدٌ وزُمَلَاؤُها مِنَ الأطِبَّاءِ فاسِدون وزَمِيلاتُها أيضًا مُتَبَرِّجاتٌ فاسِداتٌ، فالمُسلِمون مُحتاجون إلى أنْ يَدعوا اللهَ سُبْحانَهُ وتَعالَى وإلى أنْ يَسعَوْا في إيجادِ حُكومةٍ مُسلِمةٍ تُحَكِّمُ كِتابَ اللهِ وسُنَّةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، مِن أَجْلِ أنْ يكونَ المُستَشفَى إسلامِيًّا وتكونَ الجامِعةُ إسلامِيَّةً ويكونُ المَعْهَدُ إسلامِيًّا، وإلَّا فنحن نَعِيشُ في مُجتَمَعاتٍ جاهِلِيَّةٍ. انتهى]، لذلك نحن نَقُولُ، مَن كان مُسلِمًا ويَغَارُ على عِرْضِه وعلى نِسائه فلا يَجوزُ له أنْ يُقَدِّمَ بِنْتَه أو أُخْتَه، فَضْلًا عن زَوجَتِه، لِتُحَصِّلَ هذا الفَرْضَ الكِفَائِيَّ، وكما قِيلَ قَدِيمًا {لِكُلِّ سَاقِطَةٍ فِي الْحَيِّ لَاقِطَةٌ}، أَنَا أعتَقِدُ أنَّ المُسلِمِين والمُسلِماتِ ليسوا كُلُّهم بمَثابةٍ واحِدةٍ مِنَ الاهتِمامِ بالأحكامِ الشَّرعِيَّةِ، فلا بُدَّ أنْ يُوجَدَ هناك مِنَ الشّبَابِ والشَّابَّاتِ مَن لا يَهتَمُّون بالحَرامِ والحَلَالِ [قلتُ: عَدَمُ الاِهتِمامِ بالحَرامِ والحَلَالِ كُفْرُ إعراضٍ، وَلَعَلَّ الشَّيْخَ أَرادَ المُسلِمِين والمُسلِماتِ مَخْدوشِي الالْتِزامِ. وقد قالَ اِبْنُ الْقَيِّمِ في (مفتاح دار السعادة): وقد بَيَّنَ القُرآنُ أنَّ الكُفرَ أقسامٌ؛ أحَدُها...؛ الثانِي...؛ الثالِثُ كُفْرُ إعراضٍ مَحْضٍ، لا يَنظُرُ فِيما جاءَ به الرَّسولُ، ولا يُحِبُّه ولا يُبغِضُه، ولا يُوالِيه ولا يُعادِيه، بَلْ هو مُعرِضٌ عن مُتابَعَتِه ومُعاداتِه. انتهى]، وبخاصَّةٍ إذا وَجَدوا بعضَ الأقوالِ التي تُساعِدُهم على استِحلالِ ما يَقولُ الآخَرُون [الذِين هُمْ نَحْنُ] بِأنَّه غَيرُ حَلَالٍ، هذا النَّوعُ [الذِين هُمْ مَخْدوشُو الالْتِزامِ] هو الذي سَيَكونُ كَبْشَ الْفِدَاءِ، فَلا يَنْبَغِي نحن [الذِين نَدَّعِي الالْتِزامَ] أنْ نَجْعَلَ نِساءَنا كَبْشَ الْفِدَاءِ، لا نَجْعَلُ نحن أَنْفُسَنا كَبْشَ الْفِدَاءِ في سَبِيلِ تَحصِيلِ ذلك العِلْمِ الذي هو فَرْضُ كِفايَةٍ وليس فَرْضَ عَينٍ، لِأنَّ فَرْضَ الكِفايَةِ لا يَجوزُ تَحصِيلُه بِارتِكابِ ما هو فَرْضُ عَينٍ اِجتِنابُه (أَيِ المُحَرَّماتُ)، فالمُحَرَّمُ هو فَرْضٌ اِجتِنابُه فَلا يَجُوزُ اِرتِكابُه في سَبِيلِ تَحصِيلِ فَرْضٍ كِفائِيٍّ. انتهى باختصار. قلتُ: فإذا كانَ الشيخُ الألباني حَرَّمَ الدِّراسةَ في المَدارِسِ والجامِعاتِ المُختَلَطةِ، بسببِ وُقُوعِ الاِختِلاطِ فيها بين الجِنسَين، والاِختِلاطُ شيءٌ مُحَرَّمٌ لا يَبْلُغُ الكُفْرَ، وهو مِنَ المَسائلِ الفِقْهِيَّةِ لا العَقَدِيَّةِ، فماذا يكونُ حُكْمُ الدِّراسةِ في هذه المُؤسَّساتِ عند الشيخِ إذا دارَ الكلامُ على ما يَنتَشِرُ فيها مِن مُفَسِّقاتٍ عَقَدِيَّةٍ أو مُكَفِّراتٍ عَقَدِيَّةٍ، كفِكْرِ المُرْجِئَةِ (الذي يَبُثُّه "أَدْعِيَاءُ السلفيَّةِ") أو فِكْرِ الأَشَاعِرةِ (الذي يَبُثُّه "الأَزْهَرِيُّون") أو فِكْرِ المَدْرَسَةِ العَقْلِيَّةِ الاعْتِزالِيَّةِ (الذي يَبُثُّه "الإخْوانُ المُسلِمون") أو كمَفاهِيمِ العَلْمانِيَّةِ والدِّيمُقْراطِيَّةِ واللِّيبرالِيَّةِ والوَطَنِيَّةِ والقَومِيَّةِ، سَوَاءٌ كانَت هذه الأفكارُ والمَفاهِيمُ مَدسُوسةً في المَناهِجِ التَّعلِيمِيَّةِ أو كانَت هي مُعتَقَداتِ أَغْلَبِ المُدَرِّسِين أو الطُّلَّابِ؟!؛ وماذا يكونُ حُكْمُ الدِّراسةِ في هذه المُؤسَّساتِ عند الشيخِ إذا دارَ الكلامُ على ما يَنتَشِرُ فيها مِن كُفْرٍ عَمَلِيٍّ (كَسَبِّ الدِّينِ، وتَرْكِ الصَّلَاةِ، وتَحِيَّةِ العَلَمِ الوَطَنِيِّ، ومَدْحِ الطَّوَاغِيتِ وأَنْظِمَتِهم)، ومِن فِسْقٍ عَمَلِيٍّ (كالتَّدخِينِ، واللُّوَاطِ والسِّحاقِ، وتَبَادُلِ المَجَلَّاتِ وأَفْلامِ الفِيدْيُو الجِنْسِيَّةِ، وتَعَاطِي المُخَدِّراتِ حُقَنًا وحُبُوبًا، وسُوءِ الأَخْلَاقِ وبَذَاءةِ الألفاظِ وانحِرافِ السُّلوكِ، والتَّخَنُّثِ والمُيُوعةِ والتَّشَبُّهِ بالمُمَثِّلِين والمُطرِبِين والرَّاقِصِين الغَربِيِّين والشَّرقِيِّين، والتَّبَرُّجِ والتَّهَتُّكِ بين البَنَاتِ والتَّشَبُّهِ بالمُمَثِّلِاتِ والْمُغَنِّيَاتِ والرَّاقِصاتِ)؟!.

 

(54)وقالَ الشيخُ مُقْبِل الوادِعِي في (تحفة المجيب) تحت عُنْوَانِ (أسئلةُ الشَّبَابِ السُّودانِيِّ): فأَنْصَحُ أُخْوانِي في اللهِ (أَهْلَ السُّنَّة بالسُّودان) أنْ يَبْتَعِدوا عنِ المَدارسِ والجامِعاتِ التي فيها اختلاطٌ، فإنَّها تُعتَبَرُ فِتنةً... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الوادِعِيُّ-: وأَمَّا ما هو ضابِطُ الدُّخولِ للضَّرورةِ في هذه الجامعاتِ المُختَلَطةِ؟؛ فليستْ هناك ضَرورةٌ، فهَلِ السَّيفُ على رَقَبةِ الشخصِ أو أنَّه إذا لم يَدْخُلِ الجامعاتِ زُجَّ به في السِّجْنِ، حَتَّى يَخَافَ على نَفْسِه أو مالِه أو عِرْضِه أَنْ يَحُلَّ بِهِ ما لا يَتَحَمَّلُه. انتهى. وفي شَرِيطٍ صَوتيٍّ مُفَرَّغٍ على هذا الرابط بعنوان (الجزءُ الثاني مِن "تحذير الدارِسِ مِن فِتنةِ المدارسِ")، سُئِلَ الشيخُ الوادِعِيُّ {عندنا ياشيخُ، في الجامِعةِ في الكُوَيْتِ، يَدْرُسُ الطُّلَّابُ والطالِباتُ، ويَختَلِطُ الطُّلَّابُ مع الطالِباتِ، ويُوجَدُ عندنا مِن المَشايِخِ في الكُوَيْتِ مَن يُفْتِي بجَوازِ هذه الدِّراسةِ، فما رَأْيُ الشيخِ؟}، فأجابَ الشيخُ: هذه الدِّراسةُ تُعتَبَرُ نَكْبةً على الدِّينِ، ولا يَجوزُ لِطالِبِ العِلْمِ أنْ يَذهَبَ إلى جامِعةٍ فيها اختِلاطٌ؛ يَا إِخْوَانَنَا، جامِعاتُنا في وادٍ، ودِينُ اللهِ في وادٍ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الوادِعِيُّ-: الذي يُفْتِي بِجوازِ هذا، نحن نَتَوَقَّعُ مِن أَهْلِ الدُّنْيا ما هو شَرٌّ مِن هذا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}، {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث}، نَعَمْ يَا إِخْوَانَنَا، نَتَوَقَّعُ مِن أَهْلِ الدُّنْيا ما هو أَعظَمُ -بَلْ أَقْبَحُ- مِن هذا، أَنَّهم سيَقولون {إذا قُلْتَ (إنَّ هذا لا يَجوزُ) إنَّك مُتَشَدِّدٌ، مُتَطَرِّفٌ، عندك غُلُوٌّ}!. انتهى باختصار.

 

(55)وفي (مجموعة دروس وفتاوى الحرم المكي) سُئِلَ الشيخُ ابنُ عثيمين {هَلْ يَجُوزُ للرَّجُلِ أنْ يَدرُسَ في جامِعةٍ وقَاعَةٍ يَختَلِطُ فيها الرِّجالُ والنِّساءُ، عِلْمًا بأنَّ الطالِبَ له دَوْرٌ في الدعوةِ إلى اللهِ؟}؛ فأجابَ الشيخُ: الذي أَرَى أنَّه لا يَجُوزُ للإنسانِ (رَجُلًا كان أَوِ امْرَأَةً) أنْ يَدرُسَ في جامعاتٍ مُختَلَطةٍ، حتى وإنْ لم يَجِدْ إلَّا هذه الجامعاتِ، وذلك لِمَا فيه مِنَ الخَطَرِ العَظِيمِ على عِفَّتِه ونَزَاهَتِه وأَخلَاقِه، فإنَّ الإنسانَ مَهْمَا كانَ مِنَ النَّزَاهةِ والأَخلَاقِ والبَرَاءةِ، إذا كانَ إلى جَنْبِه في الكُرْسِيِّ الذي هو فيه امْرَأَةٌ -ولا سِيَّمَا إذا كانتْ جَمِيلةً ومُتَبَرِّجةً- لا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنَ الفِتنةِ والشَّرِّ، وكُلُّ ما أدَّى إلى الفِتنةِ والشَّرِّ فهو حَرَامٌ ولا يَجوزُ. انتهى. وقالَ الشيخُ ابنُ عثيمين أيضًا في (فَتاوَى "نُورٌ على الدَّربِ"): الاختِلاطُ إذا كان في السُّوقِ، فمِنَ المعلومِ أنَّ المسلمِين تَمْشِي نِساؤهم في أسواقِهم مع الرِّجالِ، ولكنْ يَجِبُ هنا التَّحَرُّزُ مِنَ المُمَاسَّةِ والمُقارَبةِ، بمَعْنَى أنَّه يَجِبُ على المرأةِ وعلى الرَّجُلِ أنْ يَبتَعِدَ أَحَدُهما عنِ الآخَرِ، ويَحسُنُ جِدًّا أنْ يكون معها مَحْرَمٌ إذا نَزَلَتْ إلى السُّوقِ لا سِيَّمَا إذا كَثُرَ الفسادُ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ ابنُ عثيمين-: الاختِلاطُ في المدارسِ والجامعاتِ والمَعاهِدِ أَخطَرُ مِنَ الاختِلاطِ في الأسْواقِ، وذلك لأن الرَّجُلَ والمرأةَ يَجلِسان مُدَّةً طَوِيلةً للاستماعِ إلى الدَّرْسِ، ويَخرُجان جَمِيعًا إلى أَسْيابِ [أَيْ مَمَرَّاتِ] المَدرَسةِ أو المَعهَدِ أو الكُلِّيَّةِ، فالخَطَرُ فيه أَشَدُّ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (إعدادُ القادةِ الفوارسِ بهجرِ فسادِ المدارسِ): ولا يَصِحُّ أنْ يَقُولَ [أَيِ المُنْصِفُ] {إنَّ الفَسادَ يَمْلأُ المُجتمَعَ، وما تُحاذِرونه وتَخافون منه في هذه المدارسِ مِن هذا الوَجْهِ [أَيْ وَجْهِ المُرافَقةِ والاختِلاطِ] مَوجُودٌ في الشَّوارِعِ والأسواقِ}، لِأنَّ وُجودَه شيءٌ، ومُرافَقةُ الإنسانِ له ومُشارَكَتُه فيه شيءٌ آخَرُ، وأنْ يَمُرَّ فيه مُرورًا شيءٌ، وأنْ يَقضِيَ فيه ساعاتِ أيَّامِه وسِنِين عُمُرِه شيءٌ آخَرُ أيضًا، فَقَضِيَّةُ المُشارَكةِ الفِعلِيَّةِ في المُنكَرِ تَختَلِفُ كثيرًا عن مُجَرَّدِ المُرورِ به، تَمَامًا كالفَرْقِ في قَضِيَّةِ سَمَاعِ المَعازِفِ بغَيرِ قَصْدٍ وبين تَقَصُّدِ استِماعِها. انتهى باختصار.

 

(56)وجاءَ في (مجموع فتاوى ومقالات ابن باز) أنَّ الشيخَ سُئِلَ {وَضِّحوا لنا حُكْمَ التعليمِ في الجامعاتِ المُختَلَطةِ، لأنَّ البعضَ يُجَوِّزُ ذلك للضَّرورةِ؟}؛ فأجابَ الشيخُ: لا يَجُوزُ التَّعَلُّمُ في الجامِعاتِ المُختَلَطةِ، لِمَا في ذلك مِنَ الخَطَرِ العَظِيمِ وأَسْبابِ الفِتْنةِ. انتهى. وجاءَ أيضًا في كتابِ (فَتاوَى "نُورٌ على الدَّربِ") للشيخِ ابنِ باز، أنَّ الشيخَ قالَ: فالاختلاطُ بين الشابِّ والشابَّةِ في كَرَاسِيِّ الدِّراسةِ مُنكَرٌ، وكَشْفُ الحِجَابِ وعَدَمُ التَّسَتُّرِ مُنكَرٌ آخَرُ؛ فالواجبُ على الطالِباتِ أنْ يَبْتَعِدْنَ عن هذا الأمرِ ولو لم يَتَعَلَّمْنَ، إذا كانَ التَّعَلُّمُ يَقتَضِي الاختلاطَ بالشَّبابِ في كَرَاسِيِّ الدِّراسةِ، أو يَقتَضِي كَشْفَ الحِجَابِ وعَدَمَ التَّسَتُّرِ. انتهى. وجاءَ أيضًا في كتابِ (فَتاوَى "نُورٌ على الدَّربِ") المَذكُورِ أنَّ الشيخَ قالَ: يَجِبُ أنْ يكونَ الطالِباتُ على حِدَةٍ والطُّلَّابُ على حِدَةٍ، فلا تكونُ الطالبةُ مع الطالبِ في كُرْسِيٍّ واحدٍ، ولا في حُجرةٍ واحدةٍ يَدرُسون جميعًا مُختَلِطِين، لأنَّ وُجودَهم جميعًا يُسَبِّبُ فِتنةً وشَرًّا كثيرًا، وكُلَّ واحِدٍ يَشتَغِلُ بالآخَرِ فَيَشْغَلَه عن دَرْسِه ويَشْغَلَه عن الفائدةِ؛ والواجبُ أنْ تكونَ دِراسةُ كُلِّ صَنفٍ على حِدَةٍ، هذا هو الواجبُ، حَذَرًا مِنَ الفَسادِ الذي لا يَخفَى على مَن تَأَمَّلَ الواقِعَ. انتهى باختصار. وجاءَ أيضًا على موقعِ الشيخِ ابن باز في هذا الرابط أنَّ الشيخَ سُئِلَ {اِجْتَمَعَ لي في هذه الحَلَقةِ ثَلَاثُ رَسَائِلَ، ومُرسِلُوها مِن أَخَواتِنا المُسلِماتِ المُستَمِعاتِ، وقَضِيَّتُهن واحدةٌ تَقرِيبًا، فهذه إحْداهن تقولُ (أنَا أُختُكم في الإسلامِ، وأنَا أدْرُسُ في مَعْهَدٍ، وهذا المَعْهَدُ مُختَلَطٌ بين الجِنْسَين ويُمنَعُ فيه لُبْسُ أَيِّ نَوعٍ مِنَ الحِجَابِ)؟}؛ فأجابَ الشيخُ: مُقتَضَى الأدِلَّةِ الشرعيَّةِ أنَّ الدِّراسةَ إذا كانتْ تَشتَمِلُ على ما يَضُرُّ الدِّارسةَ أو الدَّارِسَ، أنَّه لا حاجَةَ إليها، لأنَّ الواجِبَ أنْ يَتَعَلَّمَ المُسلِمُ ما لا يَسَعُه جَهْلَه، وهذا في إمكانِه أنْ يَتَعَلَّمَه مِنَ المُعَلِّمِين في المساجدِ مع الحِجابِ والبُعدِ عنِ الفِتنةِ، في المدارسِ الأهلِيَّةِ السَّلِيمةِ، في بَيْتٍ بواسطةِ أَبِيه أو أُمِّه أو امْرَأةٍ صالِحةٍ أو ما أَشْبَهَ ذلك؛ أَمَّا هذه الدِّراسةُ المُختَلَطةُ، هذه خَطَرُها عظيمٌ وفسادُها كبيرٌ، ولا سِيَّمَا أيضًا مع السُّفورِ وعدمِ الحِجابِ، فيَجتَمِعُ الشَّرُّ كُلُّه، فالذي أَنْصَحُ به هؤلاء الأخَواتِ أنْ يَدَعْنَ هذه الدِّراسةَ وأنْ يَبْتَعِدْنَ عن هذه الدِّراسةِ، حِفاظًا على دِينِهن وعلى أخلاقِهن؛ وليستِ الوظائفُ ضَرورِيَّةً وليستِ الشَّهاداتُ ضَرورِيَّةً، فقد مَرَّ السَّلَفُ الأوَّلُ وليسوا مِمَّن يَتَعاطَى هذا الأمْرَ، ويُمْكِنُ العَمَلُ في أشياءٍ أُخرَى بدونِ هذه الشَّهادةِ. انتهى باختصار.

 

(57)وفي فيديو للشيخِ ربيع المدخلي (رئيسُ قسمِ السُّنَّةِ بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) بعُنْوانِ (الرَّدُّ على أهلِ البدعِ جِهادٌ)، سُئِلَ الشيخُ {انتشرتْ في بلادِنا فَتْوَى تحريمِ الدِّراسةِ في المَدارسِ والجامعاتِ المُختَلَطةِ، فانْقَطَعَ بعضُ الإخوةِ على اختِلافِ سِنِّهم عنِ الدراسةِ، ولكنَّهم تَعرَّضُوا لاضْطِهادٍ مِن والدِيهم، يَتَمَثَّلُ في الطَّرْدِ مِنَ البَيتِ والضَّربِ والشَّتْمِ واللَّعنِ والسِّبَابِ، فما نَصِيحَتُكم لهؤلاء الشَّبَابِ؟}؛ فأجابَ الشيخُ: واللهِ، العلماءُ يا أخِي أَفْتَوْا بتَحرِيمِ الاختلاطِ لِمَا فيه مِن مَفاسِدَ كثيرةٍ... في كثيرٍ مِنَ البُلْدانِ لا يُبَالُون، لا يُبَالُون بمُخالَفةِ الشريعةِ، ولا بِمَا يَتَرَتَّبُ على هذه المُخالَفاتِ مِن مَفاسِدَ عَظِيمةٍ... الآنَ الوظائفُ الحُكُومِيَّةُ ما لها قِيمةٌ، يَتَخَرَّجُ بالشَّهَادَةِ ولا تَنْفَعُه، فَيَضِيعَ دِينُه ودُنْيَاه بدُونِ جَدْوَى، فالأَوْلَى له أنْ يُحافِظَ على دِينِه، والعِوَضُ عند اللهِ في الآخِرةِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، وهذا الذي يَحْصُلُ دُنْيَا، ويَدْرُسُ في الاخْتِلاطِ قد يَهْلَكُ، يَفْسُدُ في دِينِه، ويُحْرَمُ مِنَ الدُّنْيَا... فنَنْصَحُ هؤلاء أنْ يَصْبِروا، يُؤْذِيه أَبُوه يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، وبَعْدَها يَتْرُكُه، يُحاوِلُ إقناعَ أَبِيه بأنَّ هذا دِينُ اللهِ، وأنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا، والعلماءُ أَفْتَوْا بتَحرِيمِ هذا، وأَنَا أَتَضَرَّرُ، وقد أَفْسُدُ، يُفْسِدُ دِينِي ودنياي... إلى آخِرِه، يَعْنِي [لَعَلَّهُ] يَقْتَنِعُ، وإذا لم يَقْتَنِعْ يَغْضَبُ أَيَّامًا ثم يَرْضَى، فلا بُدَّ أنْ يَصْبِروا. انتهى.

 

(58)وفي فتوى صوتيةٍ مُفَرَّغَةٍ على هذا الرابط، سُئِل الشيخُ محمد بن هادي المدخلي (عضو هيئة التدريس بكلية الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة): هَلْ يَجوزُ تَدرِيسُ البِنْتِ بَعْدَ سِنِّ التاسِعةِ في المَدَارِسِ المُخْتَلَطةِ؟ عِلْمًا أنَّه لا يُوجَدُ في بَلَدِنا مدارسُ تَفْصِلُ بين الأولادِ والبَنَاتِ؟. فأجابَ الشيخُ: لا، سَلَامةُ رَأْسِ المالِ أَوْجَبُ مِن تَحصِيلِ الرِّبْحِ، ولا يَجوزُ للإنسانِ أنْ يَتَساهَلَ في هذا البابِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المدخلي-: يَنْبَغِي لك أَيُّها المُسلِمُ أنْ تَتَّقِيَ اللهَ في هذه البِنْتِ التي هي أَمَانةٌ في عُنُقِك. انتهى باختصار. وفي فيديو بعُنْوانِ (في أَيِّ سِنٍّ يَتَوَقَّفُ الأولادُ والبناتُ عنِ الدِّراسةِ في الاختِلاطِ؟)، سُئِلَ أيضًا الشيخُ محمد بن هادي المدخلي: في أَيِّ سِنٍّ يَتَوَقَّفُ الأولادُ والبناتُ عنِ الدِّراسةِ في الاختِلاطِ؟. فأجابَ الشيخُ: يَتَوَقَّفون إذا بَلَغوا قولَ اللهِ جَلَّ وعلَا {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ}، إذا صارَ يَعرِفُ فَلَا؛ أَمَّا إذا صارُوا صِغَارًا [فَ]هؤلاء في حُكْمِ العُمْيَانِ لا يَرَى منهم أَحَدٌ شَيْئًا مِنَ الآخَرِ، فإنْ رَآه بعَيْنِه فلا يَرَى إلَّا على البَراءةِ، فلا بَأْسَ بالصِّغارِ فِي الْخَمْسِ سِنِينَ وسِتِّ سِنِينَ ونحو ذلك؛ أمَّا إذا بَلَغَ هذا المَبلَغَ الذي ذَكَرَه اللهُ جَلَّ وعَزَّ فإنَّه يَجِبُ الفَصْلُ. انتهى باختصار. وجاءَ في (مجموع فتاوى ومقالات ابن باز) أنَّ الشيخَ قالَ: اختلاطُ البَنِين والبَنَاتِ في المَراحِلِ الابتِدائِيَّةِ مُنْكَرٌ لا يَجوزُ فِعْلُه، لِمَا يَتَرَتَّبُ عليه مِن أنواعِ الشُّرورِ وقد جاءَتِ الشريعةُ الكامِلةُ بوُجوبِ سَدِّ الذَّرائعِ المُفْضِيَةِ للشِّركِ والمَعاصِي. انتهى.

 

(59)وفي فتوى صوتيةٍ مُفَرَّغَةٍ على هذا الرابط، قِيلَ للشيخِ محمد بن هادي المدخلي (عضو هيئة التدريس بكلية الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة): وهذا يَسْأَلُ عنِ الدِّراسةِ في المدارسِ المُختَلَطةِ بين البَنِين والبَنَاتِ؟. فقالَ الشيخُ: إذا كان ما تُوجَدُ إلَّا هذه المدارسُ فلا تُدَرِّس فيها أَولادَك، واجتَهِدْ بقَدْرِ ما تستطيعُ في تَعلِيمِهم القِراءةَ والكِتابةَ وتحفيظَهم القرآنَ (كتابَ اللهِ تَبَارَكَ وتعالَى)، هذا هو الذي يَجِبُ عليك نحوَهم في التَّعليمِ، تُعَلِّمُهم أحكامَ الشَّرعِ، تُعَلِّمُهم كتابَ اللهِ تَبَارَكَ وتعالَى، وأَمَّا بَقِيَّةُ العُلومِ فهي مِن أُمورِ التَّوَسُّعِ، فلا يَدْرُسون في مِثْلِ هذه المَدارِسِ... إذا ما وَجَدْتَ في بَلَدِك مَدارِسَ أَهْلِيَّةً، يَعْنِي يَكونُ فيها الفَصْلُ، حاوِلِ الانتقالَ إلى بَلَدٍ أُخْرَى، واللهُ سُبْحانَه وتَعالَى هو المُعِينُ، وإلَّا فَلَا. انتهى. وفي شَرِيطٍ صَوتِيٍّ بعنوانِ (الاهتِمام بالسُّنَّةِ وتَعظِيمها)، سُئِلَ أيضًا الشيخُ محمد بن هادي المدخلي: طالِبٌ يَدرُسُ في جامِعةٍ مُختَلَطةٍ في كُلِّيَّةٍ مُدَّتُها أَرَبْعُ سَنَوَاتٍ، وما زالَتْ سَنَتَان دِراسةٍ [مُتَبَقِّيتَين]، مع العِلْمِ أنَّه يَقُومُ بحُضورِ المَعامِلِ فَقَطْ ولا يَقُومُ بحُضورِ المُحاضَراتِ النَّظَرِيَّةِ، مع العِلْمِ أنَّ جَمِيعَ الجامِعاتِ في الدَّولةِ مُختَلَطةٌ؟. فأجابَ الشيخُ: لا تَجوزُ الدِّراسةُ في الجامِعاتِ المُختَلَطةِ، فإنَّه لَوْ ما بَقِيَ عليك إلَّا شَهْرٌ فَلَا تَأْمَنِ الفِتنةَ، والواجِبُ على الإنسانِ أنْ يَبتَعِدَ بنَفْسِه. انتهى. وفي شَرِيطٍ صَوتِيٍّ بعنوانِ (شرح كتاب فضل علم السلف على علم الخلف "1")، سُئِلَ أيضًا الشيخُ محمد بن هادي المدخلي: أنا شابٌّ أُرِيدُ الزَّواجَ لِكَثرةِ الفِتَنِ عندنا، لكنْ لا زِلْتُ أَدْرُسُ، وَهُنَا في (المَغْرِبِ) كُلُّ الجامِعاتِ فيها اختِلاطٌ، ونَجَحْتُ [في القُبُولِ] في أفْضَلِ جامٍعةٍ لَدَيْنا، [وَ]وَالدِي يَشتَرِطُ عَلَيَّ هذه الجامِعة لِكَيْ أَتَزَوَّجَ، فإذا لم أَدْرُسْ فيها يَطْرُدُني مِنَ البَيْتِ، وإذا ليس لي بَيْتٌ فأيْنَ أَذهَبُ ولا مالَ ولا عَمَلَ، فهل يَجوزُ لي أنْ أَدْرُسَ فيها؟. فأجابَ الشيخُ: الجامِعةُ المُختَلَطةُ (أو الكُلِّيَّةُ المُختَلَطةُ) لا يَجوزُ لك الدِّراسةُ فيها، واتْرُكْ هذا البابَ واللهُ جَلَّ وعَلَا سيُهَيِّئُ لك خَيْرًا منه. انتهى باختصار.

 

(60)وجاءَ في كتابِ (فَتاوَى "نُورٌ على الدَّربِ") للشيخِ ابنِ باز، أنَّ الشيخَ سُئِلَ {تقولُ إنَّها فَتاةٌ مُتَدَيِّنةٌ ومِن أُسْرةٍ مُستَقِيمةٍ أيضًا، لكنَّ مُشْكِلَتَها أنَّها تَدرُسُ في الصَّفِّ الأوَّلِ مِنَ الجامعةِ، والجامِعةُ في بَلَدِها مُختَلَطةٌ، فَتَسألُ عن حُكْمِ اختِلاطِها بالشَّبابِ، وتقولُ إنَّها قد حاوَلَتْ أنْ تَتْرُكَ الجامعةَ، إلَّا أنَّ والِدَها رَفَضَ وغَضِبَ، وقالَ (إنْ تَرَكْتِ الجامعةَ فإنَّنِي أُطَلِّقُ أُمَّكِ، وتقولُ (حَلَفَ والِدِي بأنْ يُطَلِّقَ أُمِّي لو تَرَكْتُ الجامعةَ، وقالَ ذلك أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، فهلْ يَحِقُّ لي أَنْ أَعْصِيَ والِدِي وأنْ أَترُكَ الجامِعةَ)؟}؛ فأجابَ الشيخُ: أَمَّا الدِّراسةُ في الجامعةِ المُختَلَطةِ فهي فِتْنةٌ وشَرٌّ عظيمٌ، وليس لك أنْ تَدْرُسِي في الجامعةٍ المُختَلَطةٍ، لأنَّ هذا خَطَرٌ عليك في دِينِكِ وأَخْلَاقِك وعِرْضِك، فعليكِ أنْ تَمتَنِعِي مِنَ الدِّراسةِ في الجامعةِ المُختَلَطةِ وتَحفَظِي عِرْضَكِ ودِينَكِ ولو غَضِبَ أَبُوكِ، لأنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم قالَ {إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ، لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ}، وعلى أبِيكِ إنْ كانتْ عنده غَيْرةٌ أنْ يَتَّقِيَ اللهَ وأنْ يَمْنَعَكِ مِنَ الجامعةِ ولا يَسمَحَ لكِ بالدِّراسةِ فيها، هكذا يَجِبُ على الوالِدِ الغَيُورِ والأُمِّ الغَيُورةِ، فإنَّ اختلاطَكِ بالشَّبابِ فيه خَطَرٌ عَظِيمٌ، فليس لك أنْ تَخْتَلِطِي بهم، وعليكِ أنْ تَلْزَمِي البَيتَ، وليس لكِ طاعةُ أَبِيكِ في هذا الأمرِ، كما لو أَمَرَكِ بشُرْبِ الخَمْرِ أو بالزِّنَى، فلا طاعةَ له في ذلك، والخُلْطةُ شَرُّها عَظِيمٌ وعاقِبَتُها وَخِيمةٌ، فاِتَّقِي اللهَ واِحْذَرِي، وعلى والِدِكِ وعلى أُمِّكِ أنْ يَتَّقِيَا اللهَ جَلَّ وعَلَا، وأنْ يَمنَعَاكِ مِن هذا؛ ولو طَلَّقَ أُمَّكِ لا يَضُرُّكِ، فقد يَرزُقُها اللهُ خَيرًا منه، فطاعةُ الوالِدِ في مَعصِيَةِ اللهِ أَمْرٌ لا يَجوزُ، وكَونُه يُهَدِّدُ بالطَّلَاقِ أيضًا لا يُوجِبُ عليكِ أنْ تَدرُسِي في الجامعةِ المُختَلَطةِ، ولو طَلَّقَ أُمَّكِ؛ ونسألُ اللهَ للجميعِ الهِدايَةَ. انتهى باختصار.

 

(61)وفي فتوى صَوتِيَّةٍ للشيخِ الألباني مُفَرَّغةٍ له على هذا الرابط، قِيلَ للشيخِ: ما هو حُكْمُ التعليمِ والتَّعَلُّمِ في المدارسِ المُختَلَطةِ، فإنْ كان يَحْرُمُ فما حُكْمُ مَن مالُه مِن أُجْرةِ التعليمِ في هذه المَدارسِ، وهَلْ عَدَمُ وُجودِ مَدارِسَ غيرِ مُختَلَطةٍ يُعَدُّ عُذْرًا شَرْعِيًّا لِدُخولِها؟. فقالَ الشيخُ: قالَ عليه السلامُ {إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ ثَمَنَهُ}، ذلك لأنَّ بَيْعَه يُؤَدِّي إلى أَكْلِه، فمِنْ بَابِ سَدِّ الذَّرِيعَةِ، لَمَّا حَرَّمَ أَكْلَه حَرَّمَ بَيْعَه، ومِنَ الأمثلةِ على مَعْنَى هذا الحَدِيثِ الحَدِيثُ المشهورُ {لَعَنَ اللَّهُ فِي الْخَمْرَةِ عَشَرَةً} أَوَّلُهم شَارِبُهَا، ثم سَاقِيهَا، ثم مُسْتَقِيهَا [وَهُوَ مَنْ يَطْلُبُ السَّقْيَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ]، ثم عَاصِرُهَا، ثم مُعْتَصِرُهَا [وَهُوَ مَنْ يَطْلُبُ عَصْرَهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ]... إلى آخره، لماذا لُعِنَ التِّسْعَةُ [يَعْنِي الذِين لم يَشْرَبوا]؟، فإذَنْ هناك ارتِباطٌ بين الغايَةِ وبين الوَسِيلةِ، فإذا كان الاختلاطُ بين الجِنْسَين مُحَرَّمًا، وهو كذلك، فأَيُّ شَيْءٍ يَتَرَتَّبُ عليه فهو مُحَرَّمٌ، وبخاصَّةٍ إذا كان هذا الشيءُ المُتَرَتِّبُ على هذا الاختلاطِ المُحَرَّمِ هو ليس في نَفْسِه فَرْضَ عَينٍ وإنَّما هو فَرْضُ كِفَايَةٍ، ومِنَ العَجِيبِ تَساهُلُ بعضِ الناسِ اليومَ مِنَ الذِين يُرِيدون تَسلِيكَ وتَمْشْيَةَ الواقِعِ بين المُسلمِين -ولو كانَ [أَيِ الواقِعُ] مُخالِفًا للشَّرِيعةِ- بِاسْمِ العِلْمِ؛ نَقُولُ العِلْمُ عِلْمان، عِلْمٌ نافِعٌ وعِلْمٌ ضارٌّ، ولا شَكَّ أنَّ العِلْمَ النافِعَ لا يُمْكِنُ أنْ يكونَ نافِعًا إلَّا أنْ يكونَ في حَدِّ ذاتِه مُطابِقًا للشريعةِ، فالعِلْمُ لا يكونُ مَرغوبًا ولا مَقبولًا في الشَّرعِ إلَّا إذا كان وَفْقَ الشَّرعِ وليس مُخالِفًا له، والمُوافَقةُ يَجِبُ أنْ تكونَ مِن حيث هو عِلْمٌ ومِن حيث الأُسْلُوبُ الذي يُوصَلُ بِهِ إلى ذلك العِلْمِ، فإنِ اخْتَلَّ أَحَدُ الشَّرطَينِ كان غيرَ مشروعٍ، فإذَنْ أَنَا أَتَعَجَّبُ مِن أُناسٍ يَتَساهلون ويُفْتُون بإباحةِ الاختلاطِ في الجامعاتِ في سبيلِ طَلَبِ العِلْمِ، فأنا أقولُ، هذا العِلْمُ -أَوَّلًا- ليس فَرْضَ عَينٍ، ليس هو عِلْمًا شَرعِيًّا، وثانيًا، إذا كانَ عِلْمًا شَرعِيًّا، لِنَفتَرضْ مَثَلًا، في بعضِ الجامعاتِ، كُلِّيَّةِ الشَّرِيعةِ، لكنْ لا نُرِيدُ أنْ نَغْتَرَّ بالأسماءِ واللَّافِتاتِ، بَلْ يَجِبُ أنْ نَدْخُلَ في مَضمونِ هذا العُنْوانِ، كُلِّيَّةُ الشَّرِيعةِ ماذا تَفْعَلُ؟، المَفروضُ أنَّها تُعَلِّمُ الشَّرِيعةَ حَقًّا، والمقصودُ مِن هذا العِلْمِ هو العَمَلُ، فإذا كانَ العِلْمُ الشَّرعِيُّ نَفْسُه يُعَلَّمُ بطَرِيقةِ الاختلاطِ فهذا ليس عِلْمًا شَرْعِيًّا. انتهى باختصار.

 

(62)وفي فتوى صَوتِيَّةٍ للشيخِ الألباني مُفَرَّغةٍ له على هذا الرابط، قِيلَ للشيخِ: هناك بعضُ الجامعاتِ في الخارِجِ فيها نَوْعٌ مِنَ الاختِلاطِ، فهَلْ يَجوزُ للواحدِ أنْ يُدَرِّسَ فيها أو يَعمَلَ بهذه الجامعاتِ أو ما يُشْبِهُ ذلك؟. فقالَ الشيخُ: ما أَرَى ذلك، لا يَجُوزُ، لا أَنْ يَدْرُسَ ولا أَنْ يُدَرِّسَ. فقِيلَ للشيخِ: ما يَحتَاجُ تَفْصِيلًا يا شيخُ؟ إذا كان شَخْصًا يَنْفَعُ اللهُ به وواثِقٌ مِن نَفْسِه؟. فقالَ الشيخُ: ما يَحتاجُ الأَمرُ أَيَّ تَفْصِيلٍ، لأنَّ المُسلِمَ مُكَلَّفٌ عن نَفْسِه قَبْلَ غيرِه، إذا استطاعَ أَحَدٌ ما أنْ يُعطِينا ضَمانًا بأنَّ هذا المُدَرِّسَ الذي يَنفَعُ اللهُ به لا يَتَضَرَّرُ هو في حَشْرِه لِنَفْسِه في ذلك المُجتَمَعِ الخَلِيطِ، لا يَتَأَثَّرُ، فهو كما تَقُولُ تَمامًا، لكنْ أنَا في اعتقادِي أنَّ الأَمرَ كما قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ في الحديثِ الصحيحِ {وَمَنْ حَامَ حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيْهِ}، ولذلك ما أَنْصَحُ رَجُلًا يَخْشَى اللهَ بأَنْ يُوَرِّطَ نَفْسَه وأنْ يَدْخُلَ هذه المَداخِلَ، اُنْجُ بِنَفْسِكَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ، لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [قالَ الشيخُ مُقْبِلٌ الوادِعِيُّ في (المَخْرَج مِن الفِتنة): فإنَّك في عَصْرِ الفِتَنِ، يَحِقُّ لِكُلِّ واحدٍ مِنَّا أنْ يَقولَ {نَفْسِي، نَفْسِي، نَفْسِي}. انتهى]؛ والحقيقةُ أَعْرِفُ هذا الرَّأْيَ [أَيْ رَأَيَ مَن يَتَساهَلُ في هذه المسألةِ] لِكَثِيرِين مِنَ الدُّعاةِ الإسلامِيِّين، وأَعتَبِرُ هذا مِن ضَغْطِ الجَوِّ في العَصْرِ الحاضِرِ وفِتْنَتِه. انتهى باختصار.

 

(63)وفي فتوى صَوتِيَّةٍ للشيخِ الألباني مُفَرَّغةٍ له على هذا الرابط، قِيلَ للشيخِ: راتِبُ المُدَرِّسِ في الجامِعاتِ [المُختَلَطةِ]؟. فقالَ الشيخُ: المُدَرِّسُ نَفْسُه لا يَجوزُ أنْ يُدَرِّسَ، لأنَّ الحديثَ {إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ ثَمَنَهُ}، ما دامَ أنَّ هذه الدِّراسةَ قائمةٌ على مَعصِيَةِ اللهِ فلا يَجوزُ للمُدَرِّسِ أنْ يَدْخُلَ مِثْلَ هذه الجامعةِ ويُعَلِّمَ فيها إلَّا إذا تَحَقَّقَ الفَصْلُ. انتهى باختصار.

 

(64)وفي هذا الرابط على موقع الشيخ ربيع المدخلي (رئيسُ قسمِ السُّنَّةِ بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة)، سُئِلَ الشيخُ: هَلْ يَجوزُ بَيعُ الأدَواتِ المَدرَسِيَّةِ لِطُلَّابِ الجامِعاتِ المُختَلَطةِ، وهَلْ يكونُ ذلك مِنَ التَّعاوُنِ على الإثمِ والعُدوانِ؟. فأجابَ الشيخُ: واللهِ، الظاهِرُ أنَّه يَدخُلُ في هذا [أَيْ أنَّ بَيعَ الأدَواتِ المَدرَسِيَّةِ لِطُلَّابِ الجامِعاتِ المُختَلَطةِ يَدخُلُ في التَّعاوُنِ على الإثمِ والعُدوانِ]. انتهى.

 

(65)وسُئِلَ الشيخُ عبيد الجابري (المدرس بالجامعة الإسلامية) في (الحد الفاصل بين معاملة أهل السنة وأهل الباطل): هُنَا عِدَّةُ أسئلةٍ تَسألُ عن جَوازِ التَّدرِيسِ والعَمَلِ والدِّراسةِ، في المَدارِسِ الابتِدائيَّةِ أو الثانَوِيَّةِ أو الجامِعاتِ المُختَلَطةِ؟. فأجابَ الشيخُ: كلمةُ (مُختَلَطةِ) مَعروفٌ مَعناها، هي المَدارِسُ التي تَضُمُّ الْبَنِينَ والْبَنَاتِ، فالاختِلاطُ مُحَرَّمٌ، هذا الذي تَقَرَّرَ عندنا، وقامَ عليه الدَّلِيلُ، وعليه المُحَقِّقون مِن عُلَمائنا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الجابري-: إنَّ أصحابَ التَّدَيُّنِ القَوِيِّ الصُّلْبِ يَنْفِرون مِن هذه المَدارِسِ ويَترُكونها... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الجابري-: والتَّدرِيسُ فيها -مَا دَامَتْ مُختَلَطةً- هو مِنَ الفِتْنةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الجابري-: يَجِبُ على الأهالِي أن يَفْصِلوا أبناءَهم مِن هذه المَدارِسِ المُختَلَطةِ. انتهى باختصار.

 

(66)وسُئِلَ الشيخُ يحيى بنُ عَلِيٍّ الحجوري (الذي أَوْصَى الشيخُ مُقْبِلٌ الوادِعِيُّ أنْ يَخْلُفَه في التَّدرِيسِ بَعْدَ مَوتِه) في (الإفتاءُ على الأسئلةِ الوارِدةِ مِن دُوَلٍ شَتَّى): عندنا بعضُ السَّلَفِيِّين قد عَرَفوا الدَّعوةَ السَّلَفِيَّةَ سَنَةً أو سَنَتَين أو أَكْثَرَ، وَهُمْ مع ذلك ما زالوا يَدْرُسون في الجامِعاتِ الاختِلاطِيَّةِ، ويَلْبَسون البَنَاطِيلَ [قالَ الشيخُ عبدُالمُحسن العَبَّاد (نائبُ رئيسِ الجامعةِ الإسلاميةِ) في (شرح سنن أبي داود): البَنْطَلُونُ هو مِن جِنسِ السَّراوِيلِ، إلَّا أنَّه ضَيِّقٌ يُحَجِّمُ الجِسمَ، ويُظهِرُ الأجْزاءَ ويُبرِزُها، والسَّراوِيلُ -كما هو معروفٌ فيها- واسِعةٌ، ولا يَصِلُ الأمْرُ فيها إلى أنْ تَظْهَرَ أجْزاءُ الجِسمِ مِثْلَمَا تَظْهَرُ في البَنْطَلُوناتِ الحَدِيثةِ. انتهى باختصار. وسُئِلَ أيضًا -أَيِ الشيخُ العَبَّاد- في (شرح سنن أبي داود): هَلْ يَصلُحُ لطالِبِ العِلْمِ أنْ يَلْبَسَ البَنْطَلُونَ؟. فأجابَ الشيخُ: لا يَنبَغِي للإنسانِ أنَّه يَلْبَسُ لِبَاسَ الكُفَّارِ، ولا يَصِحُّ للإنسانِ أنْ يَلْبَسَ لِبَاسَ الإِفرِنْجِ [أَيِ الكُفَّارِ الأُورُوبِّيِّين]. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ ابنُ عثيمين في (دروس وفتاوى الحرم المدني): البَنْطَلُونُ كما تَعْلَمون يَصِفُ حَجْمَ الفَخْذَين والْعَجِيزَةِ [أَيِ الأَلْيَتَيْنِ]. انتهى. وقالَ الشيخُ عبدُالكريم الخضير (عضو هيئة كِبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في (شرح الْمُوَطَّأِ): الأصْلُ أنَّ البَنْطَلُونَ لِبَاسُ الكُفَّارِ كما هو مَعْلومٌ. انتهى. وجاء في كتاب (المنتقى مِن فتاوى الشيخ صالح الفوزان)، أنَّ الشيخَ قالَ: الثِّيَابُ الضَّيِّقةُ التي تَصِفُ أعضاءَ الجِسْمِ، وتَصِفُ جِسْمَ المَرأةِ وعَجِيزَتَها وتَقاطِيعَ أعضائها، لا يَجوزُ لُبْسُها، والثِّيَابُ الضَّيِّقةُ لا يَجوزُ لُبْسُها للرِّجالِ وَلَا للنِّساءِ، ولكنَّ النِّساءَ أَشَدُّ، لأنَّ الفِتنةَ بهن أَشَدُّ؛ أَمَّا الصَّلاةُ في حَدِّ ذاتِها، إذا صَلَّى الإنسانُ وعَورَتُه مَستورةٌ بهذا اللِّباسِ فصَلَاتُه في حَدِّ ذاتِها صَحِيحةٌ، لِوُجودِ سَتْرِ العَورةِ، لكنْ يَأْثَمُ مَن صَلَّى بلِبَاسٍ ضَيِّقٍ. انتهى. وقالَ الشيخُ ربيع المدخلي (رئيسُ قسمِ السُّنَّةِ بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) على موقعِه في هذا الرابط: البِنْطالُ، في لُبْسِه تَشَبُّهٌ بالكُفَّارِ، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ. انتهى. وفي فتوى صَوتِيَّةٍ للشيخِ مُقْبِلٍ الوادِعِيِّ مُفَرَّغةٍ على موقعِه في هذا الرابط، سُئِلَ الشيخُ: هَلِ الوَلِيُّ يَأْثَمُ إذا ألْبَسَ وَلِيَّه أو وَلِيَّتَه الغيرَ مُكَلَّفَين مَلابِسَ فيها تَصَاوِيرُ، أو فيها مُشابَهةٌ للكُفَّارِ كلُبْسِ الوَلَدِ البِنْطالَ ونَحْوَه؛ وهَلْ يَأْثَمُ إذا لم يَزْجُرْهم عن سَمَاعِ الأغانِي والنَّظَرِ إلى التِّلْفازِ؟. فأجابَ الشيخُ: نَعَمْ، يُعتَبَرُ آثِمًا. انتهى باختصار. وفي فتوى صوتِيَّةٍ مُفَرَّغَةٍ على هذا الرابط، سُئِل الشيخُ الألباني: يقولونَ بالنِّسبةِ لِلْبِنْطالِ {هذا مِثْلُ السِّروالِ، والرَّسولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لَبِسَ السِّروالَ}؟. فأجابَ الشيخُ: أُشْلُونْ [أَيْ كَيْفَ] مثلُ السِّروالِ؟!، هلْ تعرفونَ السِّروالَ اللُّبْنانِيَّ؟، الفَضْفَاضَ. فقِيلَ للشيخِ: عندنَا يُسَمُّونَهُ (بَلْطِيمِيّ)، أَهْلُ بَلْطِيمَ [إِحْدَى المُدُنِ المِصْرِيَّةِ] يَلْبَسُونَ هذا. فقالَ الشيخُ: نحنُ نقولُ لهؤلاءِ، سُبْحانَ اللهِ!، هَلِ الكُفَّارُ يَلْبَسونَ هذا (البَلْطِيمِيَّ)؟!، مَا دَامَ أنَّ هذا مثلُ البَنْطَلُونِ، فهَلْ هُمْ يَلْبَسونَ هذا السِّروالَ؟!، لَا، إِذَنْ هذا يَختَلِفُ عن هذا، هذا لِبَاسُ الكُفَّارِ، وهذا لِبَاسُ الإسلامِ؛ ثُمَّ، هَلِ الرَّسولُ لَبِسَ بَنْطَلُونًا يُحَجِّمُ فَخْذَيهِ؟!، يُحَجِّمُ أَلْيَتَيْهِ؟!، تَعالَى اللهُ عمَّا يقولُونَ عُلُوَّا كَبِيرًا. انتهى باختصار. وفي فتوى صوتيةٍ مُفَرَّغَةٍ على هذا الرابط، قالَ الشيخُ الألباني: نَدخُلُ المَسجِدَ، نَشُوفُ أمامَنا مُصَلِّيًا، لَمَّا يَسجُدُ تُلَاقِي الأَلْيَتَيْنِ تَجَسَّمَتَا، وتُلَاقِي أكثَرَ مِن ذلك ما بَيْنَ الأَلْيَتَيْنِ، تَجِدُ الْخُصْيَتَينِ تَجَسَّمَتَا، هذا إسلامِيًّا مِن أَقْبَحِ ما يكونُ، لأنَّ الإسلامَ أَمَرَ بسَترِ العَورةِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ مشهورُ بنُ حسن آل سلمان (أحد مؤسسي مركز الإمام الألباني للدراسات المنهجية والأبحاث العلمية) في (القول المُبِين في أخطاء المُصَلِّين): قالَ العَلَّامةُ الألباني {والبَنْطَلُونُ فيه مُصِيبَتان؛ المُصِيبةُ الأُولَى، هي أنَّ لابِسَه يَتَشَبَّهُ بالكُفَّارِ، والمسلمون كانوا يَلْبَسون السَّراوِيلَ الواسِعةَ الفَضْفَاضَةَ، التي ما زال البعضُ يَلْبَسُها في سُورِيَا ولُبْنَانَ، فمَا عَرَفَ المُسلِمون البَنْطَلُونَ إلَّا حِينَما اُسْتُعْمِروا، ثم لَمَّا اِنسَحَبَ المُستَعمِرون تَرَكوا آثارَهم السَّيِّئةَ، وتَبَنَّاها المُسلِمون بغَباوَتِهم وجَهالَتِهم [قلتُ: وذلك لَمَّا صارُوا يَعِيشون على فِكْرِ الإرجاءِ، وفِكْرِ أهلِ الكلامِ (الأشاعِرةِ)، وفِكْرِ المَدْرَسَةِ العَقْلِيَّةِ الاعْتِزالِيَّةِ (التي هي نَفْسُها مَدرَسةُ فِقْهِ التَّيسِيرِ والوَسَطِيَّةِ)، ولَمَّا أَصبَحَ أَهْلُ السُّنَّةِ والجَمَاعةِ (الفِرْقةُ الناجِيَةُ، الطائفةُ المَنْصُورةُ، الغُرَبَاءُ، النُّزَّاعُ مِنَ القبائلِ، الْفَرَّارونَ بِدِينِهِمْ، القابضون على الجَمْرِ، الذِين هُمْ أَوفَرُ الناسِ عُقولًا وأَصَحُّهم أذْهانًا وأَقْوَمُهم فِطْرةً وأَقْواهم إيمانًا وأَعْرَفُهم بالحَقِّ وأَشَدُّهم طَلَبًا له) ما بَيْنَ مُطارَدٍ، ومَقْتولٍ، ومَحبُوسٍ، ومُرَاقَبٍ مُهَدَّدٍ، ومُنْكَفِئٍ على نَفْسِه يَخْشَى أَنْ تُعْرَفَ هُوِيَّتُه]؛ المُصِيبةُ الثّانِيَةُ، هي أنَّ البَنْطَلُونَ يُحَجِّمُ العَورةَ، وعَورةُ الرَّجُلِ مِنَ الرُّكْبةِ إلى السُّرَّةِ، والمُصَلِّي يُفتَرَضُ عليه أنْ يكونَ أبعدُ ما يكونُ عن أنْ يَعْصِيَ اللهَ وهو له ساجِدٌ، فَتَرَى أَلْيَتَيْهِ مُجَسَّمَتَين، بل وَتَرَى ما بينهما مُجَسَّمًا [حالَ سُجُودِه]!، فكيف يُصَلِّي هذا الإنسانُ ويَقِفُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ العالَمِين؟!، ومِنَ الْعَجَبِ أنَّ كثيرًا مِنَ الشَّبابِ المُسلِمِ يُنكِرُ على النِّساءِ لِبَاسَهن الضَّيِّقَ لأنَّه يَصِفُ أَجْسادَهن، وهذا الشَّبابُ يَنْسَى نَفْسَه فإنَّه وَقَعَ فيما يُنكِرُ، ولا فَرْقَ بين المَرأةِ التي تَلْبَسُ اللِّبَاسَ الضَّيِّقَ الذي يَصِفُ جِسمَها، وبين الشَّابِ الذي يَلْبَسُ البَنْطَلُونَ وهو يَصِفُ أَلْيَتَيْهِ، فَأَلْيَةُ الرَّجُلِ وَأَلْيَةُ المَرأةِ مِن حيث إنَّهما عَورةٌ كِلَاهُمَا سَوَاءٌ، فيَجِبُ على الشَّبابِ أنْ يَنتَبِهوا لهذه المُصِيبةِ التي عَمَّتْهُمْ إلَّا مَنْ شاءَ اللهُ وقَلِيلٌ ما هُمْ}. انتهى باختصار. وجاءَ في كتابِ (دروس للشيخ الألباني)، أنَّ الشيخَ قالَ: فيَجِبُ على كُلِّ مُسلِمٍ اُبْتُلِيَ بلِبَاسِ البَنْطَلُونِ لأمْرٍ ما، أنْ يَتَّخِذَ مِن فَوقِه جاكِيتًا طَوِيلًا، أَشْبَهَ بما يَلْبَسُه بعضُ إخوانِنا الباكِسْتانِيِّين أوِ الهُنُودِ، مِنَ القَمِيصِ الطَّوِيلِ الذي يَصِلُ إلى الرُّكْبَتَين. انتهى. وفي فتوى صوتِيَّةٍ مُفَرَّغَةٍ على هذا الرابط، قالَ الشيخُ الألباني: بعضُ المسلمِين، إِمَّا الجَهَلَةُ أو المُستَهتِرون، اللِّي ما يَهتَمُّون بالشَّرْعِ، يَتَقَبَّعون بالقُبَّعةِ (البُرْنِيْطَةِ) [قلتُ: أَكثَرُ الناسِ نِفَاقًا وفِسْقًا وأَشَدُّهم إعْراضًا عن دِينِ اللهِ، مِمَّن يَعِيشون بين المُسلِمِين، هُمُ الذِين يَبْدَأُ مِن عندهم نَشْرُ التَّشَبُّهِ بالكُفَّارِ. وفي فتوى صوتيةٍ للشيخِ عبدِالكريم الخضير (عضو هيئة كِبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) مُفَرَّغَةٍ على موقعِه في هذا الرابط، سُئِلَ الشيخُ {يُوجدُ في بَلَدِنا بعضُ الفِرَقِ التي عندها مُنكَراتٌ وبِدَعٌ، فهل يجوزُ لي أنْ أَتَشَبَّهَ بهم في لِباسِهم؟}، فأجابَ الشيخُ: التَّشَبُّهُ بالكُفَّارِ وبالفُسَّاقِ وبالمُبتَدِعةِ يَشمَلُه حديثُ {مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ}، كما أنَّ التَّشَبُّهَ بالصالحِين والاقتِداءَ بهم في أفعالِهم وأقوالِهم مِمَّا يُمدَحُ به الْمَرْءُ، فعُمومُ حديثِ {مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ} يَشمَلُ هذا كُلَّه؛ ومَن تَشَبَّهَ بالكُفَّارِ فهو على خَطَرٍ، ولا شَكَّ أنَّ المُوافَقةَ بالظاهِرِ قد يكون لها نَصِيبٌ في المُوافَقةِ بالباطِنِ، وقد تَجُرُّ إليه، وقُلْ مِثْلَ هذا في التَّشَبُّهِ بالمُبتَدِعةِ، وقُلْ مِثْلَ هذا في التَّشَبُّهِ بالفُسَّاقِ، كُلُّ هذا له دَلَالَته على شيءٍ مِنَ المُوافَقةِ بالباطِنِ والمَيلِ القَلْبِيِّ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ محمد بن موسى الدالي على موقعِه في هذا الرابط: فقد جاءَتِ الشَّرِيعةُ الإسلامِيَّةُ بالمَنْعِ مِنَ التَّشَبُّهِ بأَهْلِ الفِسقِ، بفِعْلِ ما يَخُصُّهم، مِن أقوالٍ أو أفعالٍ أو هَيْئَاتٍ أو لِبَاسٍ، وإنْ لم تَكُنْ مُحَرَّمةً بعَينِها. انتهى]. انتهى باختصار]، ويَقولون {إنَّ هذا مِن بابِ الأخْذِ بأَخَفِّ الضَّرَرَين، حيث أنَّ تَرْكَ الدِّراسةِ سَبَبٌ لِعُقوقِ الوالِدَين، ومعلومٌ أنَّ ضَرَرَ لُبْسِ البَنَاطِيلِ والدِّراسةِ الاختِلاطِيَّةِ، أَخَفُّ مِن عُقوقِ الوالِدَين}، ما هو صِحَّةُ هذا الكَلامِ؟. فأجابَ الشيخُ: هذا الكلامُ ما هو صحيحٌ، أنَّهم يَدْرُسون في الجامِعاتِ الاختِلاطِيَّةِ ويَلْبَسون لِبَاسَ الكافِرِين ويَقولون {أَطِيعوا بذلك آباءَكم}، ما هو صَحِيحٌ، فالنَّبِيُّ صَلَى اللهُ عليه وسَلَّمَ يَقولُ {لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ}، ويقولُ النبيُّ صَلَى اللهُ عليه وسَلَّمَ {إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ}، ورَبُّنا عَزَّ وجَلَّ يقولُ {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا، وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا، وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ، ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}، فالواجِبُ على الوالِدَين وعلى الأبناءِ وعلى الجَمِيعِ تَحَرِّي طاعةِ اللهِ سُبْحانَهُ وتَعالَى، ومَن أَمَرَ بمَعصِيَةٍ فلا يُطاعُ كَائِنًا مَنْ كَانَ، فهذا الاستِحسانُ مَذَلَّةٌ، اِبْتَعِدوا عن هذه الاستِحساناتِ وعنِ اِرتِكابِ المَعاصِي تحتَ هذه المَعاذِيرِ، قالَ تَعالَى {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}. انتهى باختصار.

 

 

تَمَّ الجُزءُ الثامِنُ بِحَمدِ اللَّهِ وَتَوفِيقِهِ

الفَقِيرُ إلى عَفْوِ رَبِّهِ

أَبُو ذَرٍّ التَّوحِيدِي

AbuDharrAlTawhidi@protonmail.comانقر هنا للتواصل عبر البريد الإلكتروني

تابع الشيخ أبا سلمان الصومالي على:
فيسبوك
تويتر
يوتيوب
tgstat

 

 

 

 

Free Web Hosting