حِوَارٌ حَوْلَ حُكْمِ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدٍ فِيهِ قَبْرٌ

(النُّسخةُ 1.76 - الجُزءُ العاشِرُ)

 

جَمعُ وتَرتِيبُ

أَبِي ذَرٍّ التَّوحِيدِيِّ

AbuDharrAlTawhidi@protonmail.comانقر هنا للتواصل عبر البريد الإلكتروني

 

حُقوقُ النَّشرِ والبَيعِ مَكفولةٌ لِكُلِّ أحَدٍ

 

اِنتَقِلْ إلى المُقَدِّمةِ أو إلى الجُزءِ:

 

 

تَتِمَّةُ المسألة التاسعة والعشرين

 

زيد: ما المُرادُ بِـ (اِمتِحانِ النَّاسِ في عَقائدِهم)، وما حُكْمُ ذلك؟.

 

عمرو: بَيَانُ ذلك يُمْكِنُك التَّعَرُّفُ عليه مِمَّا يَلِي:

 

(1)قالَ الشَّيخُ محمدُ بْنُ عمر الزبيدي في مَقالةٍ له بِعُنوانٍ (حُكْمُ الامتِحانِ في الاعتِقادِ) على هذا الرابط: فَهذا بَحثٌ يَسِيرٌ لِمَسْأَلةِ (الامتِحانِ في الاعتِقادِ)، جَمَعْتُ فِيها ما استَطَعْتُ الوُقوفَ [عليه] مِن أدِلَّةٍ وآثارٍ وأقوالِ لِلسَّلَفِ في هذه المَسْأَلةِ، وحاوَلْتُ الجَمْعَ بَينَها والتَّوفِيقَ بَيْنَ ما يَظهَرُ مِنَ الاختِلافِ أو التَّضادِّ فيها، سائلًا اللهَ سُبحانَه وتَعالَى السَّدادَ والتَّوفِيقَ، إنَّه وَلِيُّ ذلك والقادِرُ عليه... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ الزبيدي-: (تَعرِيفُ الامتِحانِ)، يُطلَقُ الامتِحانُ في اللُّغةِ ويُرادُ بِه (الاختِبارُ)، يُقالُ {مَحَنَه وامتَحَنَه} بِمَنزِلةِ {خَبَرْتُه واختَبَرْتُه، وبَلَوْتُه وابْتَلَيْتُه}، والمَصدَرُ مِن ذلك (مِحْنَة)؛ يَقولُ الخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ [في كِتابِه (العَيْنُ)] {(المِحْنَةُ) مَعْنَى الكَلامِ الذي يُمْتَحَنُ بِه فَيُعرَفُ بِكَلامِه ضَمِيرُ قَلبِه}؛ والمُرادُ بِـ (الامتِحانِ في الاعتِقادِ) اِختِبارُ النَّاسِ بِبَعضِ المَسائلِ والأُمورِ، لِطَلَبِ مَعرِفةِ عَقائدِهم وكَشفِها... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ الزبيدي-: (حُكْمُ الامتِحانِ في الاعتِقادِ)، الأصلُ في هذا البابِ أنَّ النَّاسَ يُعامَلون بِحَسَبِ ظَواهِرِهم، وأَنْ تُوكَلَ سَرائرُهم إلى اللهِ تَعالَى، ويَشْهَدُ لِهذا الأصلِ قَولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ [أيْ لَه أَمَانُ اللَّهِ وَضَمَانُهِ] وَذِمَّةُ رَسُولِهِ فَلَا تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ [أيْ لا تَخونوا اللَّهَ في عَهْدِه]}؛ ولَكِنْ إذا كانَ ثَمَّةَ [(ثَمَّةَ) اِسمُ إشارةٍ لِلْمَكانِ البَعِيدِ بِمَعْنَى (هُنَاكَ)] حاجةٌ شَرعِيَّةٌ لِكَشفِ ما وَراءَ هذه الظَّواهِرِ فَإنَّ الامتِحانَ يَجوزُ ويُشرَعُ آنَذَاكَ، فَإنَّه قد جاءَ في النُّصوصِ الشَّرعِيَّةِ ما يَدُلُّ على جَوازِ الامتِحانِ ومَشروعِيَّتِه؛ فاللَّهُ سُبحانَه وتَعالَى أمَرَ نَبِيَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامتِحانِ النِّساءِ المُهاجِراتِ إلَيه، فَقالَ تَعالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ، فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [قالَ الشيخُ محمد إسماعيل المقدم (مؤسِّسُ الدَّعوةِ السَّلَفِيَّةِ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ) في (تفسير القرآن الكريم): فَيَقولُ تَعالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ}، فالخِطابُ هُنا لِلْمُؤْمِنِين، والمَقصودُ بِه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ؛ {مُهَاجِرَاتٍ} أيْ مِن مَكَّةَ إلى المَدِينةِ؛ {فَامْتَحِنُوهُنَّ} أيْ فاختَبِروهُنَّ بِما يَغلِبُ على ظَنِّكم صِدقُهُنَّ في الإيمانِ؛ {اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} أيِ اللهُ سُبحانَه وتَعالَى هو المُطَّلِعُ على قُلوبِهِنَّ لا أنتُمْ، فَإنَه غَيرُ مَقدورٍ لَكُمْ، فَحَسبُكُمْ أماراتُه وقَرائنُه؛ والمَقصودُ بِالامتِحانِ هُنا -كَما بَيَّنَتْ بَعضُ الرِّوايَاتِ- بِأنْ تَشهَدَ الشَّهادَتَين، وقالَ بَعضُهم {بِأنْ تَحلِفَ أنَّها ما هاجَرَتْ إلَّا حُبًّا لِلَّهِ ورَسولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِه وَسَلَّمَ، وما هاجَرَتْ بِغْضةً لِزَوجٍ، أو غَيْرَ ذلك مِن الأغراضِ}، فَتَذكُرُ المَرأةُ ما عندها ويُقبَلُ مِنها قَولُها في الظاهِرِ، فَإذًا هذا لا يَعنِي التَّفتِيشَ عَمَّا في الباطِنِ، لَكِنْ هناك أُمورٌ اِقتَضَتْ هذا الامتِحانَ في حَقِّ النِّساءِ دُونَ الرِّجالِ، فَإنَّه لم يَحدُثِ اِمتِحانٌ لِلرِّجالِ، وإنَّما كانَ الامتِحانُ لِلنِّساءِ خُصوصًا، وسوف نُبَيِّنُ إنْ شاءَ اللهُ تَعالَى الفَرْقَ بَيْنَ الرِّجالِ والنِّساءِ في ذلك؛ فالمَقصودُ مِن قَولِه تَعالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} يَعنِي اِختَبِرُوهُنَّ كَيْ تَسمَعوا مِنهُنَّ ما يَغلِبُ على ظَنِّكم صِدقُهُنَّ في الإيمانِ، ولا يَلْزَمُ مِن هذا الامتِحانِ القَطعُ بِأنَّهُنَّ مُؤْمِناتٌ في القَلبِ، لِأنَّ ما في الباطِنِ لا يَطَّلِعُ عليه إلَّا اللهُ سُبحانَه وتَعالَى، وقَولُه {اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} أيِ اللهُ هو المُطَّلِعُ على قُلوبِهِنَّ لا أنتُمْ، فَهذا لا يَدخُلُ تحت قَدرَتِكم، وإنَّما يَكفِيكم قَرائنُ الإيمانِ وأماراتِه، كَأَنْ تَأْتِي بِالشَّهادَتَين وتُجِيبُ ما يُوَجَّهُ إليها مِن السُّؤالِ... ثم قالَ -أَيِ الشَّيخُ المقدم-: رَوَى الإمامُ اِبْنُ جَرِيرٍ [في (جامع البيان في تأويل القرآن)] {عَنِ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قالَ (كَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَّفَهَا بِاللَّهِ مَا خَرَجْتُ مُهاجِرةً مِنْ بُغْضِ زَوْجٍ، وَبِاللَّهِ مَا خَرَجْتُ رَغْبَةً عَنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ، وَبِاللَّهِ مَا خَرَجْتُ في الْتِمَاسِ دُنْيَا، وَبِاللَّهِ مَا خَرَجْتُ إِلَّا حُبًّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)؛ يَقولُ اِبْنُ زَيْدٍ (وإنِّما أُمِرْنا بِامتِحانِهِنَّ، لِأنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ إِذَا غَضِبَتْ عَلَى زَوْجِهَا بِمَكَّةَ قَالَتْ "لَألْحَقَنَّ بِمُحَمَّدٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ") [كَأَنَّها تُرِيدُ أنْ تَكِيدَ زَوجَها!]؛ وقالَ مُجَاهِدٌ ("فَامْتَحِنُوهُنَّ" أيْ سَلُوهُنَّ "مَا جَاءَ بِهِنَّ"، فَإِنْ كَانَ جَاءَ بِهِنَّ غَضَبٌ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ أَوْ سَخَطٌ أَوْ غَيْرُهُ وَلَمْ يُؤْمِنَّ فَارْجِعُوهُنَّ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ)}؛ قَولُه {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ}، قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ [فِي (الكَشَّافُ)]) يَعْنِي إنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ الْعِلْمَ الَّذِي تَبْلُغُهُ طَاقَتُكُمْ وَهُوَ الظَّنُّ الْغَالِبُ بِالْحَلِفِ وَظُهُورِ الأمَارَاتِ، وإنَّما سَمَّاه عِلْمًا إِيذَانًا بِأَنَّه [أيِ الظَّنَّ الْغَالِبَ] كالعِلْمِ في وُجوبِ العَمَلِ بِه... ثم قالَ -أَيِ الشَّيخُ المقدم-: إنَّ اللهَ سُبحانَه وتَعالَى يَقولُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ}، ومَفهومُ هذه الآيَةِ الكَرِيمةِ أنَّ الرِّجالَ المُهاجِرِين لا يُمتَحَنون، وأنَّ هذا الامتِحانَ خاصٌّ بِالنِّساءِ فَقَطْ، فَلِمَ تَخصِيصُ النِّساءِ بِالامتِحانِ؟، يَقولُ الشَّيخُ عطية سالم [في (تَتِمَّةُ "أضواء البيان")] {وَفِعْلًا لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ من الرجال، وَالسَّبَبُ فِي امْتِحَانِهِنَّ هُوَ مَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ)، فَكَأَنَّ الْهِجْرَةَ وَحْدَهَا لَا تَكْفِي فِي حَقِّهِنَّ، بِخِلَافِ الرِّجَالِ فَقَدْ شَهِدَ اللَّهُ لَهُمْ بِصِدْقِ إِيمَانِهِمْ بِالْهِجْرَةِ فِي قَوْلِهِ تَعالَى (الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا خَرَجَ مُهَاجِرًا فَإنَّه يَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهِ تَبِعَةَ الْجِهَادِ وَالنُّصْرَةِ، وهو يَعرِفُ جَيِّدًا ما الذي تَعنِيه الهِجرةُ مِنَ التَّضْحِيَةِ بِمالِه ومُفارَقةِ أهلِه ووَطَنِه ثُمَّ الانتِقالِ إلى المَدِينةِ حيث يَجِبُ عليه أنْ يُجاهِدَ مع النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنْ يَنصُرَه، فَلَا يُهَاجِرُ إِلَّا وَهُوَ صَادِقُ الإيمَانِ ومُستَعِدٌّ لِأنْ يَتَحَمَّلَ تَبِعاتِ هذه الهِجرةِ، لِذلك لم يَحتَجْ إِلَى اِمْتِحَانٍ، وهذا بِخِلَافِ النِّسَاءِ فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ وَلَا يَلْزَمُهُنَّ بِالْهِجْرَةِ أَيَّةُ تَبِعةٍ، فَأَيُّ سَبَبٍ يُوَاجِهُهُنَّ فِي حَيَاتِهِنَّ -سَوَاءٌ كَانَ بِسَبَبِ الزَّوْجِ أَوْ غَيْرِهِ- فَإِنَّهُ قد يَجْعَلُهُنَّ يَخْرُجْنَ بِاسْمِ (الْهِجْرَةِ)، والأمرُ على خِلافِ ذلك بَلْ هي هارِبةٌ مِن زَوجِها لِسُوءِ العِشْرَةِ مَثَلًا أو أرادَتْ أنْ تَكِيدَه، كَما كانَ النِّسوةُ يُهَدِّدنَ أزواجَهُنَّ أحيَانًا في مَكَّةَ وتَقولُ إحداهُنَّ لِزَوجِها (واللهِ، لَألْحَقَنَّ بِمُحَمَّدٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ) وليس ذلك إيمانًا بِاللَّهِ وبِرَسولِه فَكَانَ ذَلِكَ الأمرُ مُوجِبًا لِلتَّوَثُّقِ مِنْ هِجْرَتِهِنَّ، وذلك بِامْتِحَانِهِنَّ لِيُعْلَمَ إِيمَانُهُنَّ؛ وَمِنْ جَانِبٍ آخَرَ، فَإنَّ هِجْرَةَ الْمُؤْمِنَاتِ يَتَعَلَّقُ بِها حَقٌّ لِطَرَفٍ آخَرَ، وَهُوَ زَوجُها المُشرِكُ، فَإنَّ هذه الهِجرةَ يَتَرَتَّبُ عليها أنْ يَنفَسِخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ، وأن يُعَوَّضَ هُوَ عَمَّا أَنْفَقَ عَلَيْهَا، وهذه الأُمورُ من إِسْقَاطِ حَقِّهِ فِي النِّكَاحِ وَإِيجَابِ حَقِّهِ فِي الْعِوَضِ قَضَايَا حُقُوقِيَّةٌ تَتَطَلَّبُ إِثْبَاتًا [أيْ تَثَبُّتًا] وذلك يَكونُ بِالامتِحانِ، بِخِلَافِ هِجْرَةِ الرِّجَالِ}. انتهى باختصار]؛ وامتَحَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجارِيَةَ {فَقَالَ لَهَا (أَيْنَ اللَّهُ؟)، فَقَالَتْ (فِي السَّمَاءِ)، فَقَالَ (أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ)}؛ كَما وَرَدَتْ عنِ التَّابِعِين جُملةٌ مِنَ الآثارِ تَدُلُّ بِمَجموعِها على مَشروعِيَّةِ الامتِحانِ والاختِبارِ إذا دَعَتِ الحاجةُ إلى ذلك، فَقَدْ كانَ رُواةُ الحَدِيثِ يَمتَحِنون مَنْ يَأخُذون عنه ومَن يُحَدِّثونه، و[قد] كانَ زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ [ت161هـ] لَا يُحَدِّثُ قَدَرِيًّا وَلَا صَاحِبَ بِدَعَةٍ يَعْرِفُهُ، ولا يُحَدِّثُ أحَدًا حتى يَمتَحِنَه، وكذلك صَنَعَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ (ت277هـ) فَكانَ لا يُحَدِّثُ حتى يَمتَحِنَ، ولم يَقتَصِرِ الامتِحانُ عندَهم [أيْ عند التَّابِعِين] على بابِ رِوايَةِ الحَدِيثِ فَقَطْ، بَلْ كانوا يَستَعمِلونه حتى في اِختِبارِ مَن يُرِيدون تَولِيَتَه، فَهذا عُمَرُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ يَأْمُرُ غُلامَه بِأَنْ يَمتَحِنَ اِبْنَ أَبِي مُوسَى لَمَّا أَعْجَبَهُ سَمْتُهُ وأرادَ أنْ يُولِّيَه، فَهذا كُلُّه مِمَّا يَدُلُّ على مَشروعِيَّةِ الامتِحانِ حيث تَدعو إليه الحاجةُ، يَقولُ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ [في (مَجموعُ الفَتَاوَى)] {وَالْمُؤْمِنُ مُحْتَاجٌ إلَى اِمْتِحَانِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُصَاحِبَهُ وَيُقَارِنَهُ بِنِكَاحِ وَغَيْرِهِ}، وقالَ [أيِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ أيضًا في (مَجموعُ الفَتَاوَى)] {وَمَعْرِفَةُ أَحْوَالِ النَّاسِ تَارَةً تَكُونُ بِشَهَادَاتِ النَّاسِ، وَتَارَةً تَكُونُ بِالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَتَارَةً تَكُونُ بِالاخْتِبَارِ وَالامْتِحَانِ}... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ الزبيدي-: (الامتِحانُ في الاعتِقادِ) جاءَتْ عنِ السَّلَفِ جُملةٌ مِن الآثارِ تَدُلُّ على مَشروعِيَّتِه؛ مِنها أنَّ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ (ت143هـ) كان لا يُحدِّث أحَدًا حتى يَمتَحِنَه؛ وكانَ أَبو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ (ت313هـ) يَمتَحِنُ أولادَ النَّاسِ، فَلا يُحدِّثُ أولادَ الكُلَّابِيَّةِ [قالَ حسين القوّتلي في تَحقِيقِه لِكِتابِ (العَقْلُ وفَهْمُ القُرآنِ "لِلْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ"): فَقَدِ اِنتَهَى الأَمْرُ بِمَدرَسةِ اِبْنِ كُلَّابٍ الكَلَامِيَّةِ إلى الاندِماجِ في المَدرَسةِ الأشعَرِيَّةِ. انتهى]؛ ومِن ذلك أيضًا قَولُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ يُونُسَ (ت227هـ) {اُمْتُحِنَ أَهْلُ الْمَوْصِلِ بِمُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ، فَإِنْ أَحَبُّوهُ فَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ، وَإِنْ أَبْغَضُوهُ فَهُمْ أَهْلُ بِدْعَةٍ}... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ الزبيدي-: إنَّ الأصلَ في التَّعامُلِ مع النَّاسِ والحُكْمِ عليهم هو اعتِدادُ ظَواهِرِ أحوالِهم، وأَنْ تُوكَلَ سَرائرُهم إلى اللهِ تَعالَى، ولَكِنْ إذا دَعَتْ إلى الامتِحانِ حاجةٌ أو ضَرورةٌ فَإنَّ الامتِحانَ يَجوزُ آنَذاك، ولَكِنْ بِضَوابِطَ يِجِبُ اعتِدادُها وهي ألَّا يَتَعَلَّقَ هذا الامتِحانُ بِالمَسائلِ الخَفِيَّةِ أوِ الألفاظِ المُجْمَلةِ، ويَتَّضِحُ ذلك مِن خِلالِ النَّظَرِ إلى صِفةِ الامتِحانِ الوارِدِ في النُّصوصِ والأقوالِ الدَّالَّةِ على مَشروعِيَّتِه، فَإنَّ النُّصوصَ والآثارَ في الامتِحانِ دَلَّتْ بِمَجموعِها على جَوازِ الامتِحانِ ومَشروعِيَّتِه حيث تَدعو لَه الحاجةُ، وهذا الامتِحانُ لم يَكُنْ بِسؤالٍ عن قَضِيَّةٍ خَفِيَّةٍ أو أمْرٍ مُجمَلٍ مُشتَبِهٍ، بَلْ كانَ بِأَمرٍ جَلِيٍّ ظاهِرٍ... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ الزبيدي-: اِمتِحانُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْجارِيَةِ كانَ بِسُؤالِها عن قَضِيَّةٍ فِطْرِيَّةٍ ظاهِرةٍ، وهو سُؤالُها عن عُلُوِّ اللهِ سُبحانَه وتَعالَى، وهو اِمتِحانٌ دَعَتْ إليه الحاجةُ لِعِتْقِ هذه الجارِيَةِ وفِكاكِها. انتهى باختصار.

 

(2)وقالَ الشَّيخُ ناصر العقل (رئيسُ قسم العقيدةِ بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) في (التَّعلِيقُ على "شَرْحِ السُّنَّةِ" لِلْبَرْبَهَارِيِّ): إنَّ الأصلَ في المُسلِمِين السَّلامةُ، والأصلُ فِيهم الإسلامُ، ما لم يَظهَرْ قَرائنُ بَيِّنةٌ على خِلافِ ذلك، ولِذلك فَإنَّ اِمتِحانَ النَّاسِ بِسُؤالِهم عن عَقائدِهم بِدونِ مُبَرِّرٍ ولا مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ يُعتَبَرُ مِنَ البِدَعِ، سَواءٌ كانَ ذلك الامتِحانُ يُقصَدُ بِه كَشفُ ما عند الشَّخصِ مِن قَولٍ أوِ اِعتِقادٍ، أو يُقصَدُ بِه التَّثَبُّتُ، فَإنَّ التَّثَبُّتَ غَيرُ مَطلوبٍ ما دامَتِ السُّنَّةُ في النَّاسِ هي الظَّاهِرةَ، والنَّاسُ على الأصلِ، فالمُسلِمُ الذي يُظهِرُ الإسلامَ يُشهَدُ لَه بِذلك [أيْ بِالإسلامِ] في الجُملةِ، ولا يَجوزُ التَّفتِيشُ عَمَّا وَراءَ ذلك؛ أمَّا إذا كانَ لِذلك [أيْ لِامتِحانِ النَّاسِ في عَقائدِهم] مُوجِبٌ كَأَنْ ظَهَرَتْ في الشَّخصِ قَرائنُ تَدُلُّ على أنَّه يَقولُ بِالبِدعةِ أو يَعتَقِدُها أو يَفعَلُها فَلا مانِعَ مِن سُؤالِه، أو [إذا] كانَ الإنسانُ سَيَتَعامَلُ مع شَخصٍ تَعامُلًا يَتَعَلَّقُ بِالعُقودِ كَتَعامُلٍ تِجارِيٍّ دائمٍ، أو تَعامُلًا عِلْمِيًّا مُستَمِرًّا كَأَنْ يَتَلَقَّى العِلْمَ عنه أو يُدَرِّسَه، أو فِيما يَتَعَلَّقُ مَثَلًا بِتَزوِيجِه، أو نَحْوَ ذلك، فَإذا تَوافَرَتْ قَرائنُ مُعَيَّنةٌ فَلا مانِعَ مِنَ السُّؤالِ... ثم قالَ -أَيِ الشَّيخُ العقلُ-: إذا كانَ الإنسانُ في بَلَدٍ الغالِبِ فيه البِدعةُ فَإنَّه يُسأَلُ -لِأنَّ القاعِدةَ [يَعنِي قاعِدةَ (الأصلُ في المُسلِمِين السَّلامةُ، والأصلُ فِيهم الإسلامُ)] تَنقَلِبُ وتَنعَكِسُ- سَواءٌ كانَتْ بِدَعًا اِعتِقادِيَّةً أو عَمَلِيَّةً أو هُما مَعًا، والغالِبُ أنَّ البِدَعَ العَمَلِيَّةَ والاعتِقادِيَّةَ تَتَلازَمُ خاصَّةً في العُصورِ المُتَأَخِّرةِ، فَما مِن أصحابِ بِدَعٍ اِعتِقادِيَّةٍ إلَّا وعندهم بِدَعٌ عَمَلِيَّةٌ، وما تَنشَأُ البِدَعُ العَمَلِيَّةُ أيضًا إلَّا عن بِدَعٍ اِعتِقادِيَّةٍ، فَإذا كانَ الإنسانُ في مَوطِنٍ تَكثُرُ فيه البِدَعُ -أو هي [أيِ البِدَعُ] الأصلُ فيهم- فَإنَّه يَحتاجُ إلى السُّؤالِ، لِأنَّه سَيُصَلِّي خَلْفَ أئمَّتِهم وسَيَتَعامَلُ معهم فِيما يَتَعَلَّقُ بِدِينِه ويَتَلَقَّى عنهم. انتهى باختصار.

 

(3)وقالَ الشَّيخُ ربيع المدخلي (رئيسُ قسمِ السُّنَّةِ بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في مَقالةٍ لَه بِعُنوانِ (ما حُكْمُ الإسلامِ في اِمتِحانِ أهلِ الأهواءِ وغَيرِهم) على مَوقِعِه في هذا الرابط: قد كَثُرَ الكَلامُ حَوْلَ اِمتِحانِ الأشخاصِ مِن أهلِ الأهواءِ [يَعنِي مَجهولِي الحالِ في المُجتَمَعاتِ التي يَغلِبُ عليها أهلُ الأهواءِ، لِأنَّ مَن كانَ مِن أهلِ الأهواءِ مَعلومَ الحالِ لا حاجةَ لِامتِحانِه أصْلًا] وغَيرِهم، فَرَأَيْتُ أنَّه مِنَ اللَّازِمِ بَيَانُ حُكمِ الإسلامِ فِيه اِستِنادًا على القُرآنِ والسُّنَّةِ ومَواقِفِ وأقوالِ أئمَّةِ الإسلامِ والسُّنَّةِ في هذا الأمرِ، لِيَكونَ المُسلِمُ على بَصِيرةٍ وبَيِّنةٍ مِنَ الأمرِ؛ أمَّا مِنَ القُرآنِ، فَقالَ اللهُ تَعالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ، فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ، لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}؛ وأمَّا السُّنَّةُ، فامتِحانُ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْجارِيَةِ {قالَ لَها (أَيْنَ الله؟)، قالَتْ (في السَّمَاءِ)، قالَ (مَن أنَا؟)، قالَتْ (أنتَ رَسولُ اللَّهِ)، فَقالَ لِسَيِّدِها مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ (أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ)}، فَما حَكَمَ لَها بِالإيمانِ وأجازَ عِتقَها إلَّا بَعْدَ هذا الامتِحانِ... ثم قالَ -أَيِ الشَّيخُ المدخلي-: قالَ شَيخُ الإسلام اِبْنُ تَيْمِيَّةَ {فَإِذَا أَرَادَ الْمُؤْمِنُ أَنْ يُصَاحِبَ أَحَدًا وَقَدْ ذُكِرَ عَنْهُ الْفُجُورُ وَقِيلَ (إنَّهُ تَابَ مِنْهُ)، أَوْ كَانَ ذَلِكَ مَقُولًا عَنْهُ (سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا)، فَإِنَّهُ يَمْتَحِنُهُ بِمَا يَظْهَرُ بِهِ بِرُّهُ أَوْ فُجُورُهُ، وَصِدْقُهُ أَوْ كَذِبُهُ؛ وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ [أيِ الْمُؤْمِنُ] أَنْ يُوَلِّيَ أَحَدًا وِلَايَةً اِمْتَحَنَهُ كَمَا أَمَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِالْعَزِيزِ غُلَامَهُ أَنْ يَمْتَحِنَ اِبْنَ أَبِي مُوسَى لَمَّا أَعْجَبَهُ سَمْتُهُ، فَقَالَ لَهُ [أيْ قالَ الغُلَامُ لِابْنِ أَبِي مُوسَى] (قَدْ عَلِمْت مَكَانِي عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَكَمْ تُعْطِينِي إذَا أَشَرْتُ عَلَيْهِ بِوِلَايَتِك؟)، فَبَذَلَ لَهُ مَالًا عَظِيمًا، فَعَلِمَ عُمَرُ أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِلْوِلَايَةِ؛ وَكَذَلِكَ فِي الْمُعَامَلَاتِ [قالَ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ في (مَجموعُ الفَتَاوَى): وَالْمُؤْمِنُ مُحْتَاجٌ إلَى اِمْتِحَانِ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُصَاحِبَهُ وَيُقَارِنَهُ بِنِكَاحِ وَغَيْرِهِ. انتهى]؛ وَكَذَلِكَ المَمَالِيكُ [أيِ المَملوكون، وهُمْ أهلُ الرِّقِّ] الَّذِينَ عُرِفُوا أَوْ قِيلَ عَنْهُمُ الفُجُورُ وَأَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ؛ وَمَعْرِفَةُ أَحْوَالِ النَّاسِ تَارَةً تَكُونُ بِشَهَادَاتِ النَّاسِ، وَتَارَةً تَكُونُ بِالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَتَارَةً تَكُونُ بِالاخْتِبَارِ وَالامْتِحَانِ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المدخلي-: فَهذه الامتِحاناتُ تَسُوغُ في حَقِّ مَن لم يُخاصِمْ أهلَ الحَقِّ ولم يُوالِ أهلِ الباطِلِ، فَكَيْفَ بِأَهلِ الباطِلِ [يَعنِي مَجهولِي الحالِ في المُجتَمَعاتِ التي يَغلِبُ عليها أهلُ الباطِلِ، لِأنَّ مَن كانَ مِن أهلِ الباطِلِ مَعلومَ الحالِ لا حاجةَ لِامتِحانِه أصْلًا] وبِمَنْ يُخاصِمُ أهلَ الحَقِّ ويُوالِي أهلَ الباطِلِ؟!... ثم قالَ -أَيِ الشَّيخُ المدخلي-: وأمَّا السَّلَفُ الصَّالِحُ العامِلون بِالكِتابِ والسُّنَّةِ فَقَدْ جَعَلوا الامتِحانَ مِن مَقايِيسِهم، يُمَيِّزون بِه بَيْنَ أهلِ السُّنَّةِ وأهلِ البِدَعِ والأهواءِ، وبَيْنَ الثِّقاتِ مِنَ الرُّواةِ وبَيْنَ الكَذَّابِين والمُغَفَّلِين والضُّعَفاءِ... ثم قالَ -أَيِ الشَّيخُ المدخلي-: وإنْ كانَ أهلُ الحَدِيثِ رَوَوْا عن أهلِ البِدَعِ بِشُروطٍ (مِنها الصِّدقُ والحِفظُ والأمانةُ) إلَّا أنَّ قَضِيَّةَ الامتِحانِ لا تَزالُ عندهم قائمةً، وما مَيَّزوا بَيْنَ أهلِ السُّنَّةِ وأهلِ البِدَعِ إلَّا بِالدِّراسةِ لِأحوالِ الرِّجالِ وامتِحانِهم بِطُرُقِهم المَعروفةِ عند أهلِ العِلْمِ؛ قالَ العَلَّامةُ عَبْدُالرّحمن بْنُ يحيى المُعَلِّمِيّ (ت1386هـ) في كِتابِه (عِلْمُ الرِّجالِ وأهَمِّيَّتُه) وهو يَتَحَدَّثُ عنِ الجَرحِ والتَّعدِيلِ، قالَ {ثم جاءَ عَصرُ أتباعِ التَّابِعِين فَما بَعْدَه، فَكَثُرَ الضُّعَفاءُ والمُغَفَّلون والكَذَّابون والزَّنادِقةُ، فَنَهَضَ الأئمَّةُ لِتَبيِينِ أحوالِ الرُّواةِ وتَزيِيفِ ما لا يَثبُتُ، فَلَمْ يَكُنْ مِصرٌ مِن أمصارِ المُسلِمِين إلَّا وفِيه جَماعةٌ مِنَ الأئمَّةِ يَمتَحِنون الرُّواةَ ويَختَبِرون أحوالَهم وأحوالَ رِوايَاتِهم ويَتَتَّبَعون حَرَكاتِهم وسَكَناتِهم، ويُعلِنون لِلنَّاسِ حُكْمُهم عليهم}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المدخلي-: قَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ {كُنَّا إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَكْتُبَ عَنِ الرَّجُلِ سَأَلْنَا عَنْهُ حَتَّى يُقَالَ (أَتُرِيدُونَ أَنْ تُزَوِّجُوهُ؟)}؛ وقالَ الإمامُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ (ت234هـ) {وَإِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَيَدْعُو لَهُ وَيَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ فَارْجُ خَيْرَهُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنَ الْبِدَعِ؛ وَإِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يُحِبُّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِالْعَزِيزِ وَيَذْكُرُ مَحَاسِنَهُ وَيَنْشُرُهَا فَاعْلَمْ أَنَّ وَرَاءَ ذَلِكَ خَيْرًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ؛ وَإِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْتَمِدُ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَلَى أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَابْنِ عَوْنٍ وَيُونُسَ وَالتَّيْمِيِّ وَيُحِبُّهُمْ وَيُكْثِرُ ذِكْرَهُمْ وَالاقْتِدَاءَ بِهِمْ فَارْجُ خَيْرَهُ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِ هَؤُلَاءِ [أيْ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ] حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَمُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِحْنَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ؛ وَإِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَعْتَمِدُ عَلَى طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ وَابْنِ أَبْجَرَ وَابْنِ حَيَّانَ التَّيْمِيِّ وَمَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ وَسُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِيِّ وَزَائِدَةَ فَارْجُهُ، وَمِنْ بَعْدِهِمْ [أيْ مِنَ الْكُوفِيِّينَ] عَبْدُاللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ وَالْمُحَارِبِيُّ فَارْجُهُ [وَإِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَرَأْيَهُ وَالنَّظَرَ فِيهِ، فَلَا تَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ]}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المدخلي-: فَهذا [أيِ الامتِحانُ] مَنهَجٌ شائعٌ، وحَقٌّ مَعروفٌ، ومُنتَشِرٌ بَيْنَ أهلِ السُّنَّةِ، وسَيفٌ مَسلولٌ على أهلِ البِدَعِ، ومِن عَلاماتِ أهلِ البِدَعِ إنكارُه [أيْ إنكارُ هذا الامتِحانِ] وعَيْبُهم أهلَ السُّنَّةِ وطَعْنُهم [أيْ وطَعْنُهم أهلَ السُّنَّةِ] بِه، فإذا سَمِعْتَ رَجُلًا يَعِيبُ بِه [أيِ بِالامتِحانِ] أهلَ السُّنَّةِ فاعلَمْ أنَّه مِن أهلِ الأهواءِ والبَدَعِ، إلَّا أنْ يَكونَ جاهِلًا فَعَلِّمْه وبَيِّنْ لَه أنَّ هذا الامتِحانَ لِأهلِ الأهواءِ [يَعنِي مَجهولِي الحالِ في المُجتَمَعاتِ التي يَغلِبُ عليها أهلُ الأهواءِ، لِأنَّ مَن كانَ مِن أهلِ الأهواءِ مَعلومَ الحالِ لا حاجةَ لِامتِحانِه أصْلًا] أمْرٌ مَشروعٌ دَلَّ عليه الكِتابُ والسُّنَّةُ وعَمِلَ بِه السَّلَفُ، ولا يَقْلَقُ مِنه ويُعيِّرُ بِه إلَّا أهلُ البِدَعُ لِأنَّه يَفضَحُهم ويَكشِفُ ما يَنطَوون عليه مِنَ البِدَعِ. انتهى باختصار.

 

(4)وقالَ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ في (مَجموعُ الفَتَاوَى): وَكَانَ الإمَامُ الذِي ثَبَّتَهُ اللَّهُ وَجَعَلَهُ إمَامًا لِلسُّنَّةِ حَتَّى صَارَ أَهْلُ العِلْمِ بَعْدَ ظُهُورِ الْمِحْنَةِ يَمْتَحِنُونَ النَّاسَ بِهِ -فَمَنْ وَافَقَهُ كَانَ سُنِّيًّا وَإِلَّا كَانَ بِدْعِيًّا- هُوَ الإمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، فَثَبَتَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. انتهى.

 

(5)وقالَ الشَّيخُ سعودُ بنُ صالح السعدي في (ألوِيَةُ النَّصرِ، بِمُراجَعةِ وتقديم الشيخ عبود بن على بن درع "عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة وأصول الدين بجامعة الملك خالد"): ونَقَلَ الحافِظُ اِبنُ حَجَرٍ [في (تَهذِيبُ التَّهذِيبِ)] عن زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ الثَّقَفِيِّ أنَّه كانَ لا يُحَدِّثُ أحَدًا حتى يَمتَحِنَه، وذَكَرَ [أيِ اِبْنُ حَجَرٍ في (تَهذِيبُ التَّهذِيبِ)] أنَّ زُهَيْرَ بْنَ مُعَاوِيَةَ كَلَّمَهُ [أيْ كَلَّمَ زَائِدَةَ] فِي رَجُلٍ كَيْ يُحَدِّثُهُ، فَقَالَ زَائِدَةُ {مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ هُوَ؟}، قَالَ {مَا أَعْرِفُهُ بِبِدْعَةٍ}، فَقَالَ {مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ هُوَ؟}، فَقَالَ زُهَيْرٌ {مَتَى كَانَ النَّاسُ هَكَذَا؟}، فَقَالَ زَائِدَةُ {مَتَى كَانَ النَّاسُ يَشْتُمُونَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؟!}؛ وفي (شرح أصول إعتقاد أهل السنة والجماعة) [لِلَّالَكَائِيِّ (ت418هـ)] {أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ، أَنْبَأَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ (سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ يُونُسَ يَقُولُ "اُمْتُحِنَ أَهْلُ الْمَوْصِلِ بِمُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ، فَإِنْ أَحَبُّوهُ فَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَإِنْ أَبْغَضُوهُ فَهُمْ أَهْلُ بِدْعَةٍ، كَمَا يُمْتَحَنُ أَهْلُ الْكُوفَةِ بِيَحْيَى [هو يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ (ت198هـ)]")}. انتهى.

 

(6)وقالَ الشَّيخُ أحمدُ بنُ عليّ القرنيّ (عضو هيئة التدريس في كلية الحديث في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وعضو الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة، وعضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية) في (مِنهاجُ السُّنَّةِ): قَالَ سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ {أَحْمَدُ عندنَا مِحنةٌ، مَن عَابَ أَحْمَدَ فَهُوَ عندنَا فَاسِقٌ}؛ وَقَال أَبُو الْحَسَن الطَّرْخاباذِيُّ الهَمْدَانِيُّ {أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مِحنةٌ، بِه يُعرَفُ المُسلِمُ مِنَ الزِّندِيقِ}؛ وقَالَ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ {إنَّا لَنَمْتَحِنُ النَّاسَ بِالأوزَاعِيِّ، فَمَنْ ذَكَرَهُ بِخَيْرٍ عَرَفْنَا أَنَّهُ صَاحِبُ سُنَّةٍ، وَمَنْ طَعَنَ عَلَيْهِ عَرَفْنَا أَنَّهُ صَاحِبُ بِدْعَةٍ}. انتهى باختصار.

 

(7)وفي فَتْوَى صَوتِيَّةٍ مُفَرَّغةٍ على هذا الرابط في موقع الإسلام العتيق الذي يُشرِفُ عليه الشيخُ عبدُالعزيز الريس، قالَ الشَّيخُ: وقد كَثُرَ في فِعْلِ السَّلَفِ وكَلامِهم الامتِحانُ بِالعَقائدِ، وقد ذَكَرَ آثارًا في ذلك عبدُالله بنُ الإمامِ أحمَدَ في كِتابِه (السُّنَّةُ)، وذَكَرَه [أيْ ذَكَرَ الامتِحانَ بِالعَقائدِ] غَيرُه مِن أئمَّةِ السُّنَّةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الريس-: الأصلُ عَدَمُ الامتِحانِ، ولا يُنتَقَلُ لِلامتِحانِ إلَّا إذا وُجِدَتْ مَصلَحةٌ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الريس-: المَسائلُ التي يَسُوغُ الخِلافُ فِيها وفِيها قَولان أو ثَلاثةُ أقوالٍ فَإنَّه لا يَصِحُّ الامتِحانُ فِيها، وإنَّما الامتِحانُ في المَسائلِ التي لا يَسُوغُ الخِلافُ فِيها، والتي فِيها بِدعةٌ أو سُنَّةٌ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الريس-: إذا وُجِدَتِ المَصلَحةُ مِنَ الامتِحانِ فَإنَّه يَصِحُّ الامتِحانُ وقد يُستَحَبُّ وقد يَجِبُ، بِحَسَبِ الحالِ، حتى يُمَيَّزُ أهلُ الباطِلِ مِن أهلِ الحَقِّ. انتهى.

 

(8)وفي فَتْوَى لِلشَّيخِ فركوس على مَوقِعِه في هذا الرابط: اِمتِحانُ النَّاسِ في عَقائدِهم ومَنْهَجِهم وفي التَّعَرُّفِ على سِيرَتِهم وأخلاقِهِم، لا يُلجَأُ إلَيه إلَّا عند وُجودِ أسبابٍ صَحِيحةٍ وحاجةٍ قائمةٍ تَدعو إلَيه، سَواءٌ تَعَلَّقَ الأمرُ بِتَولِيةِ مَنصِبٍ لِلتَّوجيهِ الدِّينِيِّ مِثلَ إمامِ مَسجِدٍ أو مُدَرِّسٍ به [أيْ بِالمَسجِدِ] أو غَيرِه [أيْ أو غَيِر ذلك مِن مَناصِبِ التَّوجِيهِ الدِّينِيِّ]، أو تَعَلَّقَ بِغَرَضِ الزَّواجِ والصُّحبةِ والشراكةِ، أو بِأغراضٍ أُخرَى يُحتاجُ فِيها إلى مَعرِفةِ أولِيَاءِ اللهِ المُؤمِنِين مِنْ أعدائِهِ المُجرِمِين، لَكِنَّهُ [أيِ الامتِحانَ] يَبْقَى اِستِثناءً لِلْحاجةِ والمَصْلَحةِ، وهو على غَيرِ الأصلِ المُقَرَّرِ. انتهى باختصار.

 

زيد: إذا كانَتِ الدارُ تجري فيها أحكام متنوعة (أغلبها أحكام إسلام، وبعضها أحكام كفر) فهل تكون هذه الدار دار إسلام؟.

 

عمرو: لا تكون دار إسلام، وإليك بعض أقوال العلماء في ذلك:

 

(1)قالَ الشيخُ ابنُ عثيمين في (شرح رياض الصالحين): إنَّ مَن اِستَبدَلَ شَرِيعةَ اللهِ بِغَيرِها مِنَ القَوانِينِ فَإنَّه يَكْفُرُ ولو صامَ وصَلَّى، لِأنَّ الكُفْرَ بِبَعْضِ الكِتابِ كُفْرٌ بِالكِتَابِ كُلِّه، فالشَّرْعُ لا يَتَبَعَّضُ، إمَّا أنْ تُؤْمِنَ به جَمِيعًا وإمَّا أنْ تَكْفُرَ به جَمِيعًا، وإذا آمَنْتَ بِبَعضٍ وكَفَرْتَ بِبَعضٍ فَأَنتَ كافِرٌ بِالجَمِيعِ، لِأنَّ حالَكَ تَقُولُ {إنَّك لا تُؤْمِنُ إلَّا بِما لا يُخَالِفُ هَوَاكَ، وأمَّا ما خَالَفَ هَوَاكَ فلا تُؤْمِنُ به}، هذا هو الكُفْرُ، فَأَنتَ بِذلك اِتَّبَعْتَ الهَوَى، واتَّخَذْتَ هَوَاكَ إلَهًا مِن دُونِ اللهِ. انتهى.

 

(2)في هذا الرابط قالَ مَركزُ الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: حَكَمَ الإمامُ أحمد على البلد التي يظهر فيها القَولُ بِخَلْقِ القُرآنِ ونَحْوُ ذلك مِنَ البِدَعِ المُكَفِّرةِ بأنها دارُ كُفْرٍ، قال أبو بكر الخلال {كان [أَيِ الإمامُ أحمدُ] يقول (الدارُ إذا ظهر فيها القَولُ بِخَلْقِ القُرآنِ والقَدَرِ وما يَجرِي مَجرَى ذلك، فهي دارُ كفرٍ)} [قالَ الشيخُ أحمدُ الحازمي في (شرح تحفة الطالب والجليس): المَسائلُ الخَفِيَّةُ التي هي كُفْرِيَّاتٌ، لا بُدَّ مِن إقامةِ الحُجَّةِ، صَحِيحٌ أو لا؟، لا يُحْكَمُ [أَيْ بالكُفْرِ] على فاعِلِها، لَكِنْ هَلْ تَبْقَى خَفِيَّةً في كُلِّ زَمانٍ؟، أو في كُلِّ بَلَدٍ؟، لا، تَختَلِفُ، قد تَكونُ خَفِيَّةً في زَمَنٍ، وتَكونُ ظاهِرةً -بَلْ مِن أَظْهَرِ الظاهِرِ- في زَمَنٍ آخَرَ، يَخْتَلِفُ الحُكْمُ؟، يَخْتَلِفُ الحُكْمُ؛ إذَنْ، كانَتْ خَفِيَّةً ولا بُدَّ مِن إقامةِ الحُجَّةِ، وحِينَئذٍ إذا صارَتْ ظاهِرةً أو واضِحةً بَيِّنةً، حِينَئذٍ مَن تَلَبَّسَ بِها لا يُقالُ لا بُدَّ مِن إقامةِ الحُجَّةِ، كَوْنُها خَفِيَّةً في زَمَنٍ لا يَسْتَلزِمُ ماذا؟ أنْ تَبْقَى خَفِيَّةً إلى آخِرِ الزَّمانِ، إلى آخِرِ الدَّهرِ، واضِحٌ هذا؟؛ كذلك المَسائلُ الظاهِرةُ قد تَكونُ ظاهِرةً في زَمَنٍ دُونَ زَمَنٍ، فَيُنْظَرُ فيها بِهذا الاعتِبارِ؛ إذَنْ، ما ذُكِرَ مِن بِدَعٍ مُكَفِّرةٍ في الزَّمَنِ الأَوَّلِ ولم يُكَفِّرْهُمُ السَّلَفُ، لا يَلْزَمُ مِن ذلك أنْ لا يُكَفَّروا بَعْدَ ذلك، لِأنَّ الحُكْمَ هنا مُعَلَّقٌ بماذا؟ بكَونِها ظاهرةً [أو] ليستْ بظاهرةٍ، [فإذا كانتْ غيرَ ظاهرةٍ، فَنَسْأَلُ] هلْ قامَتِ الحُجَّةُ أو لم تَقُمِ الحُجَّةُ، ليس [الحُكْمُ مُعَلَّقًا] بِذَاتِ البِدعةِ، البِدعةُ المُكَفِّرةُ لِذاتِها هي مُكَفِّرةٌ كَاسْمِها، هذا الأَصْلُ، لَكِنِ اِمتَنَعَ تَنزِيلُ الحُكْمِ لِمانِعٍ، هذا المانِعُ لا يَسْتَلزِمُ أنْ يَكُونَ مُطَّرِدًا في كُلِّ زَمَنٍ، بَلْ قد يَخْتلِفُ مِن زَمَنٍ إلى زَمَنٍ [قُلْتُ: تَنَبَّهْ إلى أنَّ الشيخَ الحازمي تَكَلَّمَ هنا عنِ الكُفْرِيَّاتِ (الظاهِرةِ والخَفِيَّةِ) التي ليستْ ضِمْنَ مَسائلِ الشِّرْكِ الأكْبَرِ]. انتهى. وقالَ الشيخُ تركي البنعلي في (اِمتِطاءُ السروج، بتقديمِ الشيخِ أبي بصير الطرطوسي): إنَّ التكفير بِالقَولِ بِخَلْقِ القُرآنِ، إنما هو تكفيرٌ بِالمَآل وبِلازِمِ القَولِ [قالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (الأجوبة البرهانية عن الأسئلة اللبنانية): التَّكفِيرُ بِخَلقِ القُرآنِ مِنَ التَّكفِيرِ بِلازِمِ القَولِ كَما بَيَّنَ شَيخُ الإسلامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ وغَيرُه. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (الجَوابُ المَسبوكُ "المَجموعةُ الثانِيَةُ"): صَرَّحَ [أيْ أَبو بَكْرٍ بنُ العربيِّ (ت543هـ) في كِتابِه (القبس)] بِأَنَّ التَّكفِيرَ بِخَلقِ القُرآنِ تَكفِيرٌ بِمَآلِ القَولِ أوِ اللازِمِ. انتهى]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ البنعلي-: القَولُ بِخَلْقِ القُرآنِ لم يُسَمِّه اللهُ كُفرًا، ومع ذلك فهو كُفْرٌ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ البنعلي-: فَمِن لَوازِمِ القَولِ بِخَلْقِ القُرآنِ أنَّ بَعْضَ صِفاتِ الخالِقِ مَخلوقةٌ، وهذا كُفْرٌ [قالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (الجَوابُ المَسبوكُ "المَجموعةُ الثانِيَةُ"): قالَ أصحابُ الحَدِيثِ {مَن زَعَمَ أنَّ القُرآنَ مَخلوقٌ فَقَدْ زَعَمَ أنَّ اللهَ مَخلوقٌ، ومَن زَعَمَ أنَّ اللهَ مَخلوقٌ فَقَدْ كَفَرَ}. انتهى. وقالَ اِبنُ أَبِي يَعْلَى (ت526هـ) في (طَبَقاتُ الحَنابِلةِ): قالَ يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ {سَأَلتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَمَّن يَقولُ (القُرآنُ مَخلوقٌ)، فَقالَ (كُنْتُ لَا أُكَفِّرُهم حَتَّى قَرَأتُ آيَاتٍ مِنَ الْقُرَآنِ "وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ" وَقَولَه "بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ" وَقَولَه "أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ"، فالقُرآنُ مِن عِلْمِ اللهِ، وَمَن زَعَمَ أَنَّ عٍلْمَ اللهِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَن زَعَمَ أَنَّه لَا يَدْرِي "عِلمُ اللهِ مَخْلُوقٌ أو لَيْسَ بِمَخلوقٍ" فَهُوَ كَافِرٌ)}. انتهى]. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (سِلْسِلَةُ مَقالاتٍ في الرَّدِّ على الدُّكْتُورِ طارق عبدالحليم): والتَّحقِيقُ أنَّ مَسألةَ خَلْقِ القُرآنِ خَفِيَّةٌ عند أكثَرِ النَّاسِ، ولم يُذكَرْ لها دَلِيلٌ نَقلِيٌّ صَرِيحٌ في تَكفِيرِ القائلِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الكَلامُ صِفةٌ تابِعةٌ لِلمَوصوفِ بِالإجماعِ، فَإذا كانَتْ مَخلوقةً فالمَوصوفُ مَخلوقٌ، فَيَلزَمُ أنْ يَكونَ الخالِقُ مَخلوقًا، وهو مُحالٌ باطِلٌ بِكُلِّ المَقايِيسِ قَبْلَ كَونِه كُفرًا. انتهى. وقالَتْ كَامِلَةُ الكَوارِي (الباحِثةُ الشَّرعِيَّةُ في وِزارةِ الأوقافِ والشُّؤونِ الإسلامِيَّةِ) في (المُجَلَّى في شرح القواعد المثلى): اللازم -لغة- هو ما يمتنع انفكاكه عن الشيء؛ واللازم -عند المناطقة- هو عبارة عن امتناع الانفكاك عن الشيء، وما يمتنع انفكاكه عن الشيء يُسَمَّى لازمًا، وذلك الشيء [يُسَمَّى] ملزومًا؛ وينقسم اللازم إلى أنواع؛ (أ)اللازم العقلي، وهو ما لا يمكن للعقل تصور خلاف اللازم [ومثاله، لزوم الجدار للسقف، إذ لا يتصور عقلا وجود سقف بدون جدار]؛ (ب)اللازم العرفي، أي أن العقل لا يحكم به إلا بعد ملاحظة الواقع وتَكَرُّرِ مُشاهَدةِ اللُّزومِ فيه، دُونَ أن يكون لدى العقل ما يقتضي هذا اللزوم [ومثاله، لزوم الغيث للنبات، فإن هذا التلازم يدرك بواسطة العادة والعرف]... ثم قالَتْ -أَيِ الكَوارِي-: وينقسم اللازم أيضًا إلى؛ (أ)لازم في الذهن والخارج معًا [ومثاله، دلالةُ (الأربعة) على (الزوجية) التي هي الانقسام إلى متساويين، فيلزم مِن فَهْمِ معنى (الأربعة) فَهْمُ أنها (زوج) أي منقسمة إلى متساويين، وهذا لازم في الذهن ولازم في الخارج أيضًا، والمراد بالخارج هنا (الواقع المحسوس)، فـ (الزوجية) لازمة للعدد (أربعة) في الذهن وفي الخارج]؛ (ب)لازم في الذهن فقط [ومثاله، لزوم تصور (البصر) عند تصور (العمى)، فَفَهْمُ مدلول (العمى) لا يُمكِنُ إلَّا بِفَهْمِ (البصر)، ولأن العمى والبصر لا يجتمعان في الخارج، فيكون اللزوم هنا ذِهْنِيًّا فقط]؛ (ت)لازم في الخارج فقط [كدلالة (الغراب) على (السواد)، فالعقل لا يمنع أن يكون الغراب أبيض أو أحمر أو أخضر أو غير ذلك، لكن قالوا {لا غراب إلا وهو أسود}، إذًا هذا لزوم في الخارج لا في الذهن]... ثم قالَتْ -أَيِ الكَوارِي-: (السيارة)، هذه الكلمةُ تدل على جميع أجزائها بدلالة المطابقة [وهى دلالة اللفظ على تمام معناه الموضوع له، كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق، ودلالة الفرس على الحيوان الصاهل]، وتدل على العَجَلَاتِ فقط بالتضمن [لأن العَجَلَاتِ جزء منها]، وتدل على الذي صنعها بالالتزام [لأن الصانع ليس هو نفس السيارة ولا هو جزء منها، ولأن كل مصنوع لا بد له مِن صانِعٍ ضَرورةً]... ثم قالَتْ -أَيِ الكَوارِي-: واللازم قد يكون بَيِّنًا، وقد يكون خَفِيًّا؛ فاللازم الخَفِيُّ [ويُقالُ له أيضًا (اللازم غير المباشر) و(اللازم غير البين) و(اللازم غير الظاهر)] هو الذي يحتاج في إثبات لزومه لغيره إلى دليل، كلزوم (الحُدوثِ) لـ (العالَمِ)، فلا يُجزَم بالحدوث إلا بدليل، وإن اختلفوا في نوع الدليل، فالمتكلمون يستدلون بأنه [أَيِ العالَمَ] متغيرٌ وكل متغير حادث، وأمَّا القرآن فيستدل بحدوثه بقوله تعالى {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} والشاهد من الآية واضح؛ وأما اللازم البين [ويُقالُ له أيضًا (اللازم المباشر) و(اللازم الظاهر)] فهو الذي لا يحتاج في إثبات لزومه لغيره إلى دليل، مثاله، لزوم (الشجاعة) لـ (الأسد) و(الفردية) لـ (الثلاثة) فإن لزوم هذين [أَيِ (الشجاعة) و(الفردية)] لملزوميهما لا يفتقر إلى دليل... ثم قالَتْ -أَيِ الكَوارِي-: وينقسم اللازم البين إلى قسمين؛ (أ)لازم بَيِّنٌ بِالمَعْنَى الأخَصِّ، وهو ما يَكفِي فيه تَصَوُّرُ الملزوم فقط للجزم باللزوم بينه وبين اللازم [ومثاله، (الفردية) لـ (الثلاثة)، فإذا تصورنا (الثلاثة) جزمنا بلزوم (الفردية)]؛ (ب)لازم بَيِّنٌ بِالمَعْنَى الأعَمِّ، وهو ما لا بد فيه من تصور الملزوم واللازم حتى نجزم باللزوم بينهما [ومثاله، لزوم (مغايرة القلم) لـ (الكتابة)، فلا يلزم من تصور (الكتابة) تصور (مغايرة القلم لها)، لكن إذا تصورتَ (الكتابةَ) وتصورتَ (القلمَ) جزمتَ بلزوم (المغايرة)]... ثم قالَتْ -أَيِ الكَوارِي-: إذا التزم القائل باللازم [أَيْ إذا ذُكِرَ للقائل لازمُ قولِه فالتَزَمَه، سَوَاءٌ كانَ اللَّازمُ بَيِّنًا أو خَفِيًّا] أصبَحَ [أَيِ اللَّازمُ] قولًا له. انتهى باختصار. وجاءَ في المَوسوعةِ العَقَدِيَّةِ (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ عَلوي بن عبدالقادر السَّقَّاف): ينبغي أن يُعلَمَ أن اللازم [أَيْ سَوَاءٌ كانَ اللَّازمُ بَيِّنًا أو خَفِيًّا] من قول الله تعالى، وقول رسوله صلى الله عليه وسلم إذا صَحَّ، يكون لازمًا، فهو حَقٌّ، يَثبُتُ ويُحكَمُ به، لأن كلام الله ورسوله حق، ولازم الحق حق، ولأن الله تعالى عالم بما يكون لازمًا من كلامه وكلام رسوله، فيكون مُرادًا... ثم جاءَ -أَيْ في المَوسوعةِ-: قال عليش [يَعنِي الشيخَ عِلِّيش المالِكِيَّ (ت1299هـ)] {وسواءٌ كَفَر بقَولٍ صريحٍ في الكُفْرِ، كقَولِه (كَفَر باللهِ، أو برَسولِ اللهِ، أو بالقُرآنِ)؛ أو بلفظٍ يستلزِمُ الكُفْرَ اِستلزامًا بيِّنًا، كجَحْدِ مشروعيَّةِ شَيءٍ مجمَعٍ عليه معلومٍ من الدِّين ضرورةً، فإِنَّه يستلزِمُ تكذيبَ القُرآنِ أو الرَّسولِ؛ أو بفعلٍ يستلزِمُ الكُفْرَ استلزامًا بيِّنًا، كإلقاءِ مصُحَفٍ بشيءٍ مُستقذَرٍ مُستعافٍ ولو طاهرًا كبُصاقٍ، وكالمصحَفِ جُزؤُه، والحديثُ القدسيُّ والنبويُّ ولو لم يتواتَرْ، وأسماءُ اللهِ تعالى، وأسماءُ الأنبياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ}... ثم جاءَ -أَيْ في المَوسوعةِ-: التكفيرُ بالمآلِ هو التصريحُ بقَولٍ ليس بكُفرٍ في ذاتِه، ولكِنْ يَلْزَمُ عنه الكفرُ مع عدَمِ اعتقادِ قائِلِه بهذا الكفرِ الذي يَلْزَمُ عنه. انتهى باختصار. وقال الشيخ على الصعيدي العدوي المالكي (ت1189هـ) في (حاشية العدوي على شرح مختصر خليل): اللَّازِمُ إذَا كَانَ بَيِّنًا يَكُونُ كُفْرًا. انتهى. وقالَ الشيخُ محمد أنور الكشميري الحنفي (ت1353هـ) في (إكفار الملحدين في ضروريات الدين): فمن أنكر شيئًا من الضروريات، كحدوث العالم، وحشر الأجساد، وعلم الله سبحانه بالجزيئات، وفرضية الصلاة والصوم لم يكن من أهل القبلة... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الكشميري-: إن التأويل في الضروريات لا يدفع الكفر... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الكشميري-: والحاصِلُ في مَسألة اللُزومِ والالتِزامِ، أنَّ من لزمَ من رأيِهِ كفرٌ لم يشعر بهِ، وإذا وُقِفَ عليهِ أنكرَ اللُزومَ، وكان في غير الضرورياتِ، وكان اللُزومُ غيرَ بيِّنٍ، فهو ليسَ بِكافِرٍ، وإن سلّم اللُزومَ وقالَ {إن اللازمَ ليسَ بكُفرٍ} وكان عندَ التحقيقِ كُفرًا، فهو إذًا كافرٌ. انتهى. وقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي (فَتْحُ البارِي): الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ قَالَ فِي فَتَاوِيهِ {اِحْتَجَّ مَنْ كَفَّرَ غُلَاةَ الرَّوَافِضِ بِتَكْفِيرِهِمْ أَعْلَامَ الصَّحَابَةِ لِتَضَمُّنِهِ تَكْذِيبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهَادَتِهِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ}، قَالَ [أَيِ السُّبْكِيُّ] {وَهُوَ عِنْدِي اِحْتِجَاجٌ صَحِيحٌ}. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أحمدُ الحازمي في (شرح منهاج التأسيس والتقديس): مَسأَلةُ التَّكفِيرِ بِاللَّازِمِ، فيها تَفصِيلٌ عنِ السَّلَفِ، ليست على ما يُطلِقُه كَثِيرٌ مِنَ المُتَأَخِّرِين أنَّ التكفيرَ بِاللَّازِمِ مَنبوذٌ مُطْلَقًا، لا، بَلْ لا بُدَّ مِنَ التَّفصِيلِ؛ اللَّازمُ البَيِّنُ الذي لا يَحتاجُ إلى إقامةِ دَلِيلٍ على أنَّه لازِمٌ، هذا يُكَفَّرُ به؛ وأمَّا اللَّازِمُ الخَفِيُّ الذي يَحتاجُ إلى تَنبِيهٍ، يَحتاجُ إلى مُقَدِّماتٍ، لا بُدَّ مِن إقامةِ الحُجَّةِ فيه، ولا يَلزَمُ [أَيِ اللَّازِمُ الخَفِيُّ] المُتَكَلِّمَ لَكِنَّه يَدُلُّ على التَّناقُضِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (الفتاوي الشرعية عن الأسئلة الجيبوتية): التَّكفِيرُ بِاللازِمِ الظاهِرِ هو قَولُ جُمهورِ السَّلَفِ والمُحَدِّثِين... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: أكثَرُ القائلِين بِالمَنعِ مِنَ التَّكفِيرِ بِاللازِمِ على الإطلاقِ هُمْ مِن أهلِ البِدَعِ والأهواءِ كالمُعتَزِلةِ والزَّيدِيَّةِ والأشعَرِيَّةِ والماتُرِيدِيَّةِ، ولَعَلَّهم أرادوا بِذلك دَفْعَ الكُفرِ والشَّناعةِ عن أصحابِهم، ولم أجِدْ نَصًّا في المَنعِ مِنَ التَّكفِيرِ بِالمَآلِ عن أصحابِ الحَدِيثِ والفِقْهِ المُتَقَدِّمِين!، وإلَّا فَأَيْنَ التَّنصِيصُ بِنَفيِ التَّكفِيرِ بِالمَآلِ في كُتُبِ السُّنَّةِ والشَّرِيعةِ (لِعَبدِاللهِ بْنِ أحمَدَ، ولِأبي عَبدِاللهِ الْمَرْوَزِيِّ، واِبْنِ جَرِيرٍ، وأَبِي بَكْرٍ الْخَلَّالِ، وأَبي الْقَاسِمِ اللَّالَكَائِيِّ، ولِلْآجُرِّيِّ، وغَيرِهم)، وكُتُبِ الرَّدِّ على الجَهمِيَّةِ (لِأحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، والْجُعْفِيِّ [(ت229هـ)]، وَالدَّارِمِيِّ، وابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وابْنِ مَنْدَهْ، وغَيرِهم)، ولا رَيْبَ أنَّه لو كانَ التَّكفِيرُ بِالمَآلِ مِن مَذاهِبِ أهلِ الأهواءِ والبِدَعِ لَمَا خَلَتْ منه تلك الكُتُبُ، ولَحَذَّرَ الأئمَّةُ مِنَ التَّكفِيرِ به كَما حَذَّروا مِنَ التَّكفِيرِ بِالمَعاصِي والذُّنوبِ؛ واعلَموا أنَّ أكثَرَ المانِعِين مِنَ التَّكفِيرِ به في عَصرِنا يَستَشهِدون بِأقوالِ أهلِ البِدَعِ الذِين خالَفوا السُّنَّةَ في قَضِيَّةِ الكُفرِ والإيمانِ، ثم يَستَشهِدون [أيِ المانِعون] بِتَقرِيراتِهم [أيْ بِتَقرِيراتِ المُبتَدِعةِ] في التَّكفِيرِ بِالمَآلِ المَبنِيَّةِ على أُصولِهم البِدعِيَّةِ في الإيمانِ والكُفرِ!. انتهى باختصار. وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَرَفَةَ الدُّسُوقِيُّ الْمَالِكِيُّ (ت1230هـ) في (حاشية الدُّسُوقِيِّ على الشرح الكبير): وأمَّا قَوْلُهُمْ {لَازِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ} فَمَحمولٌ على اللَّازِمِ الخَفِيِّ... ثم قالَ -أَيِ الدُّسُوقِيُّ-: وَقَدْ عَلِمتَ أنَّ قَولَهم {لَازِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ} في اللَّازِمِ غَيرِ البَيِّنِ. انتهى. وقالَ الشيخُ حسن العطار الشافعي (شَيخُ الأزهَرِ، والْمُتَوَفَّى عامَ 1250هـ) في (حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع): لازِمُ المَذهَبِ لا يُعَدُّ مَذهَبًا إلَّا أَنْ يَكونَ لازِمًا بَيِّنًا فَإِنَّهُ يُعَدُّ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ العطار-: قَوْلُهُمْ {لَازِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ} مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا بَيِّنًا. انتهى. وقالَ الشيخ أحمد الصاوي المالكي (ت1241هـ) في (بلغة السالك لأقرب المسالك): ولا يَرِدُ علينا قَوْلُهُمْ {لَازِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ}، لأنه في اللازم الخفيّ. انتهى. قالَ الشيخُ عِلِّيش المالِكِيُّ (ت1299هـ) في (منح الجليل شرح مختصر خليل): لَازِمُ الْمَذْهَبِ غَيْرُ الْبَيِّنِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ عِلِّيش-: لَازِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ مَذْهَبًا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيِّنًا. انتهى. وقالَتْ كَامِلَةُ الكَوارِي (الباحِثةُ الشَّرعِيَّةُ في وِزارةِ الأوقافِ والشُّؤونِ الإسلامِيَّةِ) في (المُجَلَّى في شرح القواعد المثلى): القَولُ بِأنَّ {لَازِمَ الْمَذْهَبِ ليس مَذهَبًا على الإطلاقِ} يَتَعارَضُ مع ما صَنَعَه عُلَماءُ المَذاهِبِ الأربَعةِ مِنِ اِستِنتاجِ مَذاهِبِ الأئمَّةِ مَن فَتَاواهم بِطَرِيقِ التَّلازُمِ بين ما أَفْتَوْا فيه وسَكَتُوا عنه. انتهى. وقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ (ت544هـ) في (الشِّفَا بِتَعْرِيفِ حُقُوقِ الْمُصْطَفَى): قَدْ ذَكَرْنَا مَذَاهِبَ السَّلَفِ فِي إِكْفَارِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالأَهْوَاءِ الْمُتَأَوِّلِينَ مِمَّنْ قَالَ قَوْلًا يُؤَدِّيهِ مَسَاقُهُ [أَيْ يُوَصِّلُهُ مَرْجِعُهُ وَمَآلُهُ] إِلَى كُفْرٍ هُوَ [أَيِ المُبتَدِعُ] إِذَا وُقِفَ عَلَيْهِ لَا يَقُولُ بِمَا يُؤَدِّيهِ قَوْلُهُ إِلَيْهِ، وَعَلَى اِخْتِلَافِهِمُ [أَيْ على اِختِلافِ السَّلَفِ] اِخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ وَالْمُتَكَلِّمُونَ فِي ذَلِكَ [أَيْ في تَكفِيرِهم]، فَمِنْهُمْ مَنْ صَوَّبَ التَّكْفِيرَ الَّذِي قَالَ بِهِ الْجُمْهُورُ مِنَ السَّلَفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَاهُ وَلَمْ يَرَ إِخْرَاجَهُمْ مِنْ سَوَادِ الْمُؤْمِنِينَ... ثم قَالَ -أَيِ الْقَاضِي عِيَاضٌ-: فَأَمَّا مَنْ أَثْبَتَ الْوَصْفَ وَنَفَى الصِّفَةَ فَقَالَ {أَقُولُ عَالِمٌ وَلَكِنْ لَا عِلْمَ لَهُ، وَمُتَكَلِّمٌ وَلَكِنْ لَا كَلَامَ لَهُ}، وَهَكَذَا فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ؛ فَمَنْ قَالَ بِالْمَآلِ لِمَا يُؤَدِّيهِ إِلَيْهِ قَوْلُهُ وَيَسُوقُهُ إِلَيْهِ مَذْهَبُهُ، كَفَّرَهُ، لِأنَّهُ إِذَا نَفَى الْعِلْمَ انْتَفَى وَصْفُ عَالِمٍ، إِذْ لَا يُوصَفُ بِعَالِمٍ إِلَّا مَنْ لَهُ عِلْمٌ، فَكَأَنَّهُمْ [أَيِ الْمُعْتَزِلَةَ] صَرَّحُوا عِنْدَهُ [أَيِ عند القائل بالتكفير بمآل القول] بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ قَوْلُهُمْ، وَهَكَذَا عِنْدَ هَذَا [أَيِ عند القائل بالتكفير بمآل القول] سَائِرُ فِرَقِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مِنَ الْمُشَبِّهَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ؛ وَمَنْ لَمْ يَرَ أَخْذَهُمْ بِمَآلِ قَوْلِهِمْ وَلَا أَلْزَمَهُمْ مُوجِبَ مَذْهَبِهِمْ، لَمْ يَرَ إِكْفَارَهُمْ، قَالَ {لِأنَّهُمْ إِذَا وُقِّفُوا عَلَى هَذَا قَالُوا (لَا نَقُولُ "لَيْسَ بِعَالَمٍ"، وَنَحْنُ نَنْتَفِي مِنَ الْقَوْلِ بِالْمَآلِ الَّذِي أَلْزَمْتُوهُ لَنَا، وَنَعْتَقِدُ نَحْنُ وَأَنْتُمْ أَنَّهُ كُفْرٌ، بَلْ نَقُولُ "إِنَّ قَوْلَنَا لَا يَئُولُ إِلَيْهِ عَلَى مَا أَصَّلْنَاهُ")}؛ فَعَلَى هَذَيْنِ الْمَأْخَذَيْنِ اِخْتَلَفَ النَّاسُ فِي إِكْفَارِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ. انتهى. وقال القرافي (ت684هـ) في (شرح تنقيح الفصول): وأهل البدع اختلف العلماء في تكفيرهم نظرًا لما يلزم من مذهبهم من الكفر الصريح، فمن اعتبر ذلك وجعل لازم المذهب مذهبًا كفَّرهم، ومن لم يجعل لازم المذهب مذهبًا لم يكفرهم. انتهى. وقال أبو بكر بن العربي المالكي (ت543هـ) في (عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي): قد بيّنّا في غير موضع أنّ التكذيب على ضربين، صريح وتأويل؛ فَأمَّا مَن كَذَّبَ اللهَ صَرِيحًا فَهو كافِرٌ بِإجماعٍ؛ وأمَّا مَن كَذَّبَه بِتَأوِيلٍ، إمّا بقول يؤول إليه أو بفعل ينتهي إليه، فقد اختلف العلماء قديما. انتهى. وقالَ ابنُ الوَزِير (ت840هـ) في (العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم): التكفير بمآل المذهب (ويُسمَّى التكفير بالإلزام)، فقد ذَهَبَ إليه كثيرٌ [أَيْ مِنَ العُلَماءِ]. انتهى. وجاء في الموسوعة العَقَدِيَّةِ (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ عَلوي بن عبدالقادر السَّقَّاف): وقال الشاطبيُّ {لازمُ المذهَبِ، هل هو مذهَبٌ أم لا؟، هي مسألةٌ مختَلَفٌ فيها بين أهلِ الأصولِ. انتهى. وقالَ اِبْنُ عاشور (ت1393هـ) في (التحرير والتنوير): (لَازِمُ الْمَذْهَبِ مَذْهَبٌ) هُوَ الَّذِي نَحَاهُ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ فِي مُوجِبَاتِ الرِّدَّةِ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ. انتهى باختصار. وقالَ الْقَرَافِيُّ (ت684هـ) في (شرح تنقيح الفصول): القاعِدةُ أنَّ النِّيَّةَ إنَّما يُحتاجُ إليها إذا كانَ اللَّفظُ مُتَرَدِّدًا بين الإفادةِ وعَدَمِها، أمَّا ما يُفِيدُ مَعناه أو مُقتَضاه قَطعًا أو ظاهِرًا فَلا يَحتاجُ لِلنِّيَّةِ. انتهى. وقالَ اِبنُ تيميَّةَ في (الصارم المسلول): أمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ [أَيِ الصَّحَابَةَ] اِرْتَدُّوا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إلَّا نَفَرًا قَلِيلًا لَا يَبْلُغُونَ بِضْعَةَ عَشَرَ نَفْسًا، أو أَنَّهُمْ فَسَقُوا عامَّتُهم، فَهذا لَا رَيْبَ فِي كُفْرِه لأنَّه مُكَذِّبٌ لِمَا نَصَّه القُرآنُ في غَيرِ مَوضِعٍ مِنَ الرِّضَا عنهم والثَّناءِ عليهم، بَلْ مَنْ يَشُكُّ في كُفرِ مِثلِ هذا فَإنَّ كُفْرَه مُتعَيِّنٌ، فَإنَّ مَضمونَ هذه المَقالةِ أنَّ نَقَلةَ الكِتابِ والسُّنَّةِ كُفَّارٌ أو فُسَّاقٌ، وأنَّ هذه الأُمَّةَ التي هي {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، وخَيرُها هو القَرْنُ الأوَّلُ، كانَ عامَّتُهم كُفَّارًا أو فُسَّاقًا، ومَضمونُها أنَّ هذه الأُمَّةَ شَرُّ الأُمَمِ، وأنَّ سابِقِي هذه الأُمَّةِ هُمْ شِرارُها، وكُفرُ هذا مِمَّا يُعلَمُ بِالاضْطِرارِ مِن دِينِ الإسلامِ). انتهى باختصار]. انتهى.

 

(3)وقالَ الشَّوْكَانِيُّ في (السيل الجرار): ودارُ الإسلامِ ما ظَهَرَتْ فيها الشَّهَادَتَانِ والصَّلاةُ، ولم تَظهَرْ فيها خَصلةٌ كُفرِيَّةٌ ولو تَأوِيلًا إلَّا بِجِوارٍ [أَيْ إلَّا بِذِمَّةٍ وأمانٍ. قالَه حسين بن عبدالله العَمّري في كِتابِه (الإمام الشوكاني رائد عصره). وقالَ الشيخُ صِدِّيق حَسَن خَان (ت1307هـ) في (العبرة مما جاء في الغزو والشهادة والهجرة): كإظهارِ اليَهودِ والنَّصارَى دِينَهم في أمصارِ المُسلِمِين. انتهى] وإلَّا فَدارُ كُفْرٍ... ثم قالَ -أَيِ الشَّوْكَانِيُّ-: الاعتِبارُ [أَيْ في الدارِ] بِظُهورِ الكَلِمةِ، فَإنْ كانَتِ الأوامِرُ والنَّواهِي في الدارِ لِأهلِ الإسلامِ بحيث لا يَستَطِيعُ مَن فيها مِنَ الكُفَّارِ أنْ يَتَظاهَرَ بِكُفرِه إلَّا لِكَونِه مَأذونًا له بذلك مِن أهلِ الإسلامِ فهذه دارُ إسلامٍ، ولا يَضُرُّ ظُهورُ الخِصالِ الكُفرِيَّةِ فيها، لِأنَّها لم تَظهَرْ بِقُوَّةِ الكُفَّارِ ولا بِصَولَتِهم كَما هو مُشاهَدٌ في أهلِ الذِّمَّةِ مِنَ اليَهودِ والنَّصارَى والْمُعَاهَدِينَ الساكِنِين في المَدائنِ الإسلامِيَّةِ، وإذا كانَ الأمرُ العَكْسَ فالدارُ بِالعَكْسِ. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (التنبيهات على ما في الإشارات والدلائل من الأغلوطات): إنَّ مَناطَ الحُكمِ على الدَّارِ راجِعٌ عند الجَمهورِ إلى الأحكامِ المُطَبَّقةِ فيها والمُنَفِّذِ لها... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: لا بُدَّ عند وَصفِ دارِ الإسلامِ مِن أنْ يَكونَ نِظامُ الحُكمِ فيها إسلامِيًّا [وَ]أنْ تَكونَ سُلطةُ الحُكمِ فيها لِلمُسلِمِين، فَإذا كانَتِ السُّلطةُ والأحكامُ المُطَبَّقةُ لِلكُفَّارِ كانَتِ الدَّارُ دارَ كُفرٍ، وإنْ كانَ حُكمُ المُسلِمِين هو النَّافِذَ كانَتْ دارَ إسلامٍ، ولا عِبرةَ بِكَثرةِ المُسلِمِين ولا المُشرِكِين في الدَّارِ لِأنَّ الحُكمَ [أيْ على الدَّارِ] تَبَعٌ لِلحاكِمِ والأحكامِ النافِذةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ ظُهورَ الكُفرِ في دارِ الإسلامِ بِجِوارٍ لا يُغَيِّرُ مِن حُكمِ الدَّارِ شَيئًا، كَما أنَّ ظُهورَ شعائرِ الإسلامِ في دارٍ بِيَدِ الكُفرِ بِجِوارٍ منهم أو لِعَدَمِ تَعَصُّبٍ (كَما هو الحالُ الآنَ في كَثِيرٍ مِنَ البُلدانِ) لا يُغَيِّرُ مِن حُكمِ الدَّارِ أيضًا. انتهى باختصار.

 

(4)وقالَ الشيخُ سفر الحوالي (رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى) في هذا الرابط على موقِعِه: ويَجِبُ هَدْمُ هذه الأَضْرِحةِ، لِأنَّ إقرارَ هذه الأَضْرِحةِ والمَزَارَاتِ، ووَضْعَ رُسُومٍ عليها [أَيْ فَرْضَ دَفْعِ قَدْرٍ مِنَ المالِ مُقابِلَ السَّماحِ بِزِيَارَتِها] والاعتِرافَ بها، هو إقرارٌ للشِّركِ، وهذا يَجعَلُ الدَّولةَ المُقِرَّةَ لهذه الأَضرِحةِ دَولةً شِركِيَّةً وليستْ دَولةً إسلامِيَّةً. انتهى.

 

(5)وقالَ الشيخُ عبدُالله الغليفي في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): فَدَارُ الإسلامِ هي التي يَعلُوها حُكْمُ اللهِ فِعلًا لا شعارًا، حَقِيقةً في الواقِعِ لا كَلَامًا في الكُتُبِ والمُناسَباتِ، فَهذه الدارُ بِهذه الصِّفةِ لا وُجودَ لها الآنَ في هذا الزَّمانِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، اللَّهُمَّ إلَّا مِن إماراتٍ مُسلِمةٍ تَحكُمُ بِشَرِيعةِ اللهِ، يَعلُوها حُكْمُ اللهِ حَقِيقةً واقِعًا مَلمُوسًا في كُلِّ مَناحِي الحَيَاةِ، على فَتَرَاتٍ مُتَباعِدةٍ، وسُرْعانَ ما يَتَكالَبُ عليها الأعداءُ مِن كُلِّ حَدَبٍ وصَوْبٍ ويَرْمُونها عَنْ قَوْسٍ واحِدٍ، شَرْقِيُّهم وغَرْبِيُّهم، عَرَبُهم وعَجَمُهم [قلتُ: كُلُّ مَن لم يُنْكِرْ ما يَفْعَلُه هؤلاء العَرَبُ أو هؤلاء العَجَمُ في ذلك -بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ (وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ)- فهو مُرْتَدٌّ عنِ الإسلامِ إنْ كانَ يَدَّعِي الإسلامَ، سَوَاءٌ أَكَانَ فَرْدًا أو طَائفةً أو دَولةً]، الكُلُّ اتَّفَقَ على مُحارَبةِ الإسلامِ، بَلْ كُلِّ ما هو إسلامِيٌّ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الغليفي-: الإسلامَ يَحْكُمُ في المالِ، والحُدودِ، والدِّماءِ، والعَلَاقاتِ الخارجِيَّةِ بينَ الدُّوَلِ، فالإسلامُ يَحكُمُ في كُلِّ شيءٍ، فهو دِينٌ شامِلٌ كامِلٌ عَقِيدةً وشَرِيعةً ومِنْهاجَ حَيَاةٍ، فهو كُلٌّ لا يَتَجَزَّأُ ولا يَتَبَعَّضُ، ولا هو مَوضِعُ اختِيارٍ مِنَ البَشَرِ بَلْ هو مُلزِمٌ لِكُلِّ البَشَرِ، فَدَارُ الإسلامِ هي التي يَعلُوها ويَحْكُمُها الإسلامُ في كُلِّ شيءٍ ولا وُجودَ للقَوانِينِ الوَضْعِيَّةِ فيها، ونَقْصِدُ بالقَوَانِينِ الوَضْعِيَّةِ [القَوَانِينَ] المُخالِفةَ لِشَرعِ اللهِ المُبَدِّلةَ لِأحْكامِ اللهِ الثابِتةِ، فتَبْدِيلُ حُكْمِ اللهِ الثابتِ بقانونٍ وَضْعِيٍّ بَدَلًا منه هو كُفْرٌ ورِدَّةٌ وخُروجٌ مِنَ الإسلامِ، أَمَّا القَوانِينُ الإدارِيَّةُ التي لا تُخالِفُ دِينَ اللهِ، ولا تُغَيِّرُ حُكْمًا مِن أَحكامِه، مِثْلَ المُرورِ والجَوازاتِ والهُوِيَّةِ وشَهاداتِ المِيلادِ، ونُظُمِ إدارةِ الهَيئاتِ والجامِعاتِ والمَدارِسِ، وغيرِها مِنَ التَّحاكُمِ الإدَارِيِّ، فلَيْسَ في ذلك شيءٌ وكُلُّ هذا جائزٌ ومَحْمُودٌ، وضابِطُه أنْ لا يُغَيِّرَ حُكْمًا مِن أحكامِ اللهِ ولا يُبَدِّلَ عُقُوبةً أو حَدًّا مِن حُدودِ اللهِ أو يُصادِمَ شَرْعَ اللهِ. انتهى باختصار.

 

(6)وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (الإعانة لطالب الإفادة): إنَّ التَّشرِيعَ حَقُّ اللهِ وَحْدَه، والقَلِيلُ مِنَ التَّشرِيعِ [بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ] كُفرٌ ورِدَّةٌ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: ومُطلَقُ الطاعةِ في التَّشرِيعِ [بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ] مع العِلمِ بِالمُخالَفةِ كُفرٌ، أيْ لو أطَعتَ المُشَرِّعَ [بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ] في القَلِيلِ فَإنَّ هذه الطاعةَ تُعتَبَرُ كُفرًا كَما قالَ تَعالَى {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} أيِ الطاعةَ في الكُفرِ اِختِيارًا، وهذا مِن قَواعِدِ التَّوحِيدِ. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (الجواب المسبوك "المجموعة الأولى"): إنَّ الحاكِمَ بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ لا يَخلُو إمَّا أنْ يَحكُمَ بِخِلافَ الشَّرعِ جاهِلًا جَهلًا يُعذَرُ به، فَهذا لا يُحكَمُ بِكُفرِه إجماعًا؛ وإمَّا أنْ يَحكُمَ بِخِلافِ الشَّرعِ وهو يَعلَمُ مُخالَفةَ حُكمِه لِلشَّرعِ، فَهذا إمَّا أنْ يَكفُرَ مُطلَقًا، وإمَّا أنْ لا يَكفُرَ، ولا ثالِثَ لَهُما، فَإنَّ الجِنسَ المُبِيحَ لِلدَّمِ لا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِه وكَثِيرِه، وغَلِيظِه وخَفِيفِه، في كَونِه مُبِيحًا لِلدَّمِ، كالزِّنَى والمُحارَبةِ، وكذلك الحُكمُ بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ لا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِه وكَثِيرِه، وغَلِيظِه وخَفِيفِه، كَما قالَ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ [فِي (الصارم المسلول)] {وهذا هو قِياسُ الأُصولِ، فَمَن زَعَمَ أنَّ مِنَ الأقوالِ أوِ الأفعالِ ما يُبِيحُ الدَّمَ إذا كَثُرَ ولا يُبِيحُه مع القِلَّةِ فَقَدْ خَرَجَ عن قِياسِ الأُصولِ، وليس له ذلك إلَّا بِنَصٍّ يَكونُ أَصْلًا بِنَفسِه}، ولا نَصَّ مِنَ اللهِ ورَسولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفَرِّقُ بَيْنَ القَضايَا الجُزئيَّةِ وبَيْنَ القَضايَا العامَّةِ في الحُكمِ بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ، فَظَهَرَ بُطلانُه [أيْ بُطلانُ التَّفرِيقِ]، وقَدْ بَسَطْتُ القَولَ في رَدِّ هذا التَّفرِيقِ في الحُكمِ بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ في رِسالَتِي (تَحكِيمُ القُرآنِ في تَكفِيرِ القانونِ). انتهى باختصار.

 

زيد: إذا كانَ الأكْثَرون في بَلَدٍ ما لا يُصَلُّون، وكانوا يَظُنُّون أنْ تَرْكَ الصَّلاةِ مَعصِيَةٌ لا كُفْرٌ، فهَلْ يُحكَمُ على أَهْلِ هذا البَلَدِ بأنَّهم كُفَّارٌ على العُمومِ، أَيْ أنَّ (الأَصْلُ فيهم الكُفْرُ، ولا يُحْكَمُ لأحَدٍ منهم بالإسلامِ إلَّا إذا عُلِمَ بِأنَّه يُصَلِّي)؟.

 

عمرو: نَعَمْ... قالَ الشيخُ ابنُ عثيمين في (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين): ولكنْ هَلْ يُشْتَرَطُ أنْ يَكونَ عالِمًا بما يَتَرَتَّبُ على مُخالَفَتِه مِن كُفْرٍ أو غَيرِه، أو يَكْفِي أنْ يكونَ عالِمًا بالمُخالَفةِ وإنْ كان جاهِلًا بما يَتَرَتَّبُ عليها [أَيْ يكونَ عالِمًا بأنَّ هذا الشَّيءَ المُتَلَبِّسَ به مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ، ويَجْهَلَ العُقوبةَ المُتَرَتِّبةَ على هذه المُخالَفةِ]؟، الجَوابُ، الظاهِرُ [هو] الثاني، أَيْ إنَّ مُجَرَّدَ عِلْمِه بالمُخالَفةِ كافٍ في الحُكْمِ بما تَقتَضِيه [هذه المُخالَفةُ]، لأنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوجَبَ الكَفَّارةَ على المُجامِعِ في نَهَارِ رَمَضَانَ لِعِلْمِه بالمُخالَفةِ مع جَهْلِه بالكَفَّارةِ، ولأنَّ الزَّانِيَ الْمُحْصَنَ العالِمَ بتَحرِيمِ الزِّنَى يُرجَمُ وإنْ كانَ جاهِلًا بما يَتَرَتَّبُ على زِنَاه، ورُبَّما لو كان عالِمًا ما زَنَى. انتهى. وقالَ الشيخُ ابنُ عثيمين أيضًا في (تفسير القرآن الكريم) أثناءَ تفسيرِ قولِه تعالَى {الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ}: إذا قالَ قائلٌ {أَلَسْنَا مَأْمُورِين بأنْ نَأْخُذَ الناسَ بظَواهِرِهم؟}، الجوابُ، بَلَى، نحن مأمورون بهذا، لكنْ مَن تَبَيَّنَ نِفاقُه فإنَّنا نُعامِلُه بما تَقْتَضِي حالُه كما لو كان مُعلِنًا للنِّفاقِ، فهذا لا نَسْكُتُ عليه، أمَّا مَن لم يُعْلِنْ نِفاقَه فإنَّه ليس لنا إلَّا الظاهرُ، والباطِنُ إلى اللهِ، كما أنَّنا لو رَأَيْنا رَجُلًا كافِرًا فإنَّنا نُعامِلُه مُعامَلةَ الكافِرِ، ولا نَقولُ {إنَّنا لا نُكَفِّرُه بعَيْنِه}، كما اشْتُبِهَ على بعضِ الطَّلَبةِ الآنَ، يقولون {إذا رَأَيتَ الذي لا يُصَلِّي لا تُكَفِّرْه بعَيْنِه}، كيفَ لا أَكُفِّرُه بعَيْنِه؟!، [يقولون] {إذا رَأَيتَ الذي يَسْجُدُ للصَّنَمِ لا تُكَفِّرْه بعَيْنِه، لأنَّه رُبَّما يكونُ قَلْبُه مُطْمَئِنًّا بالإيمانِ}، هذا غَلَطٌ عظيمٌ، نحن نَحْكُمُ بالظاهرِ فإذا وَجَدْنا شَخْصًا لا يُصَلِّي قُلْنا {هذا كافرٌ} بِمِلْءِ أَفْواهِنا، إذا رَأَيْنا مَن يَسْجُدُ للصَّنَمِ قُلْنا {هذا كافرٌ}، ونُعَيِّنُه ونُلْزِمُه بأحكامِ الإسلامِ فإنْ لم يَفْعَلْ قَتَلْناه. انتهى.

 

زيد: ما هي طُرُقُ ثُبوتِ الحُكْمِ بالإسلامِ؟.

 

عمرو: هُنَاكَ طُرُقٌ ثَلاثَةٌ يُحْكَمُ بِإِحْدَاهَا عَلَى كَوْنِ الشَّخْصِ مُسْلِمًا، وَهِيَ النَّصُّ، وَالدَّلالَةُ، وَالتَّبَعِيَّةُ (إمَّا لِلسَّابِي أو لِلأَبَوَيْنِ أو لِلطَّائفةِ أو لِلدَّارِ)؛ ولا يُقَدَّمُ الحُكْمُ بِالتَّبَعِيَّةِ على الحُكْمِ بِالنَّصُّ أوِ الدَّلالَةِ، ولا يُقَدَّمُ الحُكْمُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِلدَّارِ على الحُكْمِ بِالتَّبَعِيَّةِ لِلطَّائفةِ، ولا يُقَدَّمُ الحُكْمُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِلطَّائفةِ على الحُكْمِ بِالتَّبَعِيَّةِ لِلأَبَوَيْنِ، ولا يُقَدَّمُ الحُكْمُ بِالتَّبَعِيَّةِ لِلأَبَوَيْنِ على الحُكْمِ بِالتَّبَعِيَّةِ لِلسَّابِي؛ وإليك بَعضُ أقوالِ العُلَماءِ في ذلك:

 

(1)جاءَ في الموسوعةِ الفقهيةِ الكُوَيْتِيَّةِ التي أَصْدَرَتْها وزارةُ الأوقافِ والشُؤُونِ الإسلامية بالكُوَيْتِ: ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ هُنَاكَ طُرُقًا ثَلاثَةً يُحْكَمُ بِهَا عَلَى كَوْنِ الشَّخْصِ مُسْلِمًا وَهِيَ النَّصُّ وَالتَّبَعِيَّةُ وَالدَّلالَةُ. انتهى.

 

(2)وقالَ الْكَاسَانِيُّ (ت587هـ) في (بدائع الصنائع): الطُّرُقُ الَّتِي يُحْكَمُ بِهَا بِكَوْنِ الشَّخْصِ مُؤْمِنًا [قالَ الشيخُ ابنُ عثيمين في (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين): الإيمانُ يشملُ الدين كله، ولا فرق بينه وبين الإسلام، وهذا حينما ينفرد أحدهما عن الآخر [أي إذا لم يجتمعا في السياق]؛ أما إذا اقترن أحدهما بالآخر [أي إذا اجتمعا في السياق] فإن الإسلام يفسر بالاستسلام الظاهر الذي هو قول اللسان وعمل الجوارح، ويصدر مِنَ المُؤْمِنِ كاملِ الإيمان و[من] ضعيف الإيمان ومن المنافق، ويفسر الإيمان بالاستسلام الباطن الذي هو إقرار [أي تَصدِيقُ] القلب وعمله [كالخَوفِ والمَحَبَّةِ والرَّجاءِ والحَيَاءِ والتَّوَكُّلِ والإخلاصِ، وما أَشْبَهُ]، ولا يصدر إلا مِنَ المُؤْمِنِ حقا؛ وبهذا المعنى يكون الإيمان أعلى، فكل مؤمن مسلم ولا عكس. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ ياسر برهامي (نائبُ رئيسِ الدعوةِ السَّلَفِيَّةِ بالإِسْكَنْدَرِيَّةِ) في فتوى له على هذا الرابط: فهذه القاعدة (وهي أن الإسلام والإيمان إذا افترقا في السياق اجتمعا في المعنى، وإذا اجتمعا في السياق افترقا في المعنى)، فهذا في الأغلب الأعم، وإلا فأحيانًا يجتمعان في السياق ويجتمعان في المعنى أيضًا، مثل قوله تعالى {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ برهامي-: لا يلزم من الحكم بأن فلانًا مسلم أنه ليس بمؤمن الإيمان الواجب، بل إنما نحكم بما علمنا، وإذا لم يظهرْ منه ما يقدح فيه فيصح أن يُقال {هو مؤمن في أحكام الظاهر}، نحو {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} ولا يلزم [أي في الرَّقَبةِ المُحَرَّرةِ] إلا الإيمانُ الظاهرُ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ برهامي-: الذي نَطَقَ الشهادتَين مؤمن في أحكام الظاهر. انتهى] ثَلَاثَةٌ (نَصٌّ، وَدَلَالَةٌ، وَتَبَعِيَّةٌ)... ثم قالَ -أَيِ الْكَاسَانِيُّ-: أَمَّا النَّصُّ فَهُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَةِ، أَوْ بِالشَّهَادَتَيْنِ، أَوْ يَأْتِيَ بِهِمَا مَعَ التَّبَرُّؤِ مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ صَرِيحًا؛ وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّ الْكَفَرَةَ أَصْنَافٌ أَرْبَعَةٌ، صِنْفٌ مِنْهُمْ يُنْكِرُونَ الصَّانِعَ [أَيِ الخالِقَ. وقد جاء في الموسوعة العَقَدِيَّةِ (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ عَلوي بن عبدالقادر السَّقَّاف): باب الصفات أوسع من باب الأسماء... ثم جاءَ -أَيْ في الموسوعةِ-: من صفات الله تعالى المجيء والإتيان والأخذ والإمساك والبطش، فنصف الله تعالى بهذه الصفات على الوجه الوارد، ولا نسميه بها، فلا نقول إن من أسمائه الجائي والآتي والآخذ والممسك والباطش، وإن كنا نخبر بذلك عنه ونصفه به... ثم جاءَ -أَيْ في الموسوعةِ-: يوصف الله عزَّ وجلَّ بأنه صانعُ كلِّ شيء، وهذا ثابت بالكتاب والسنة، وليس (الصانع) من أسمائه تعالى. انتهى باختصار] أَصْلًا وَهُمُ الدَّهْرِيَّةُ الْمُعَطِّلَةُ، وَصِنْفٌ مِنْهُمْ يُقِرُّونَ بِالصَّانِعِ وَيُنْكِرُونَ تَوْحِيدَهُ وَهُمُ الْوَثَنِيَّةُ وَالْمَجُوسُ، وَصِنْفٌ مِنْهُمْ يُقِرُّونَ بِالصَّانِعِ وَتَوْحِيدِهِ وَيُنْكِرُونَ الرِّسَالَةَ رَأْسًا وَهُمْ قَوْمٌ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ، وَصِنْفٌ مِنْهُمْ يُقِرُّونَ بِالصَّانِعِ وَتَوْحِيدِهِ وَالرِّسَالَةِ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ رِسَالَةَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؛ فَإِنْ كَانَ مِنَ الصِّنْفِ الأَوَّلِ [الذِين يُنْكِرُونَ وُجودَ الخالقِ] وَالثَّانِي [الذِين يُنْكِرُونَ تَوْحِيدَ الخالِقِ] فَقَالَ {لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ} يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، لِأنَّ هَؤُلَاءِ يَمْتَنِعُونَ عَنِ الشَّهَادَةِ أَصْلًا، فَإِذَا أَقَرُّوا بِهَا كَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ إيمَانِهِمْ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ {أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ}، لِأنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ كَلِمَتَيِ الشَّهَادَةِ، فَكَانَ الإِتْيَانُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا -أَيَّتَهُمَا كَانَتْ- دَلَالَةَ الإِيمَانِ؛ وَإِنْ كَانَ مِنَ الصِّنْفِ الثَّالِثِ [الذِين يُنْكِرُونَ الرِّسَالَةَ فِي الْجُمْلَةِ] فَقَالَ {لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ} لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، لِأنَّ مُنْكِرَ الرِّسَالَةِ لَا يَمْتَنِعُ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَلَوْ قَالَ {أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ} يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، لِأنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ هَذِهِ الشَّهَادَةِ، فَكَانَ الإِقْرَارُ بِهَا دَلِيلَ الإِيمَانِ؛ وَإِنْ كَانَ مِنَ الصِّنْفِ الرَّابِعِ [الذِين يُنْكِرُونَ رِسَالَةَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ] فَأَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ فَقَالَ {لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى يَتَبَرَّأَ مِنَ الدِّينِ الَّذِي عَلَيْهِ (مِنَ الْيَهُودِيَّةِ أَوِ النَّصْرَانِيَّةِ)، لِأنَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُقِرُّ بِرِسَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّهُ يَقُولُ {إنَّهُ بُعِثَ إلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ}، فَلَا يَكُونُ إتْيَانُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِدُونِ التَّبَرُّؤِ دَلِيلًا عَلَى إيمَانِهِ، وَكَذَا إذَا قَالَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ {أَنَا مُؤْمِنٌ} أَوْ {مُسْلِمٌ} أَوْ قَالَ {آمَنْتُ} أَوْ {أَسْلَمْتُ} لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، لِأنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ وَمُسْلِمُونَ، وَالإِيمَانُ وَالإِسْلَامُ هُوَ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ {إذَا قَالَ الْيَهُودِيُّ أَوِ النَّصْرَانِيُّ (أَنَا مُسْلِمٌ) أَوْ قَالَ (أَسْلَمْتُ)، سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ (أَيَّ شَيْءٍ أَرَدْتَ بِهِ؟)، إنْ قَالَ (أَرَدْتُ بِهِ تَرْكَ الْيَهُودِيَّةِ -أَوِ النَّصْرَانِيَّةِ- وَالدُّخُولَ فِي دِينِ الإِسْلَامِ) يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنْ قَالَ (أَرَدْتُ بِقَوْلِي "أَسْلَمْتُ أَنِّي عَلَى الْحَقِّ"، وَلَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ الرُّجُوعَ عَنْ دِينِي) لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ، وَلَوْ قَالَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ (أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَتَبَرَّأُ عَنِ الْيَهُودِيَّةِ، أَوِ النَّصْرَانِيَّةِ) لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، لِأنَّهُمْ لَا يَمْتَنِعُونَ عَنْ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، وَالتَّبَرُّؤِ عَنِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة لَا يَكُونُ دَلِيلَ الدُّخُولِ فِي دِينِ الإِسْلَامِ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَبَرَّأَ عَنْ ذَلِكَ وَدَخَلَ فِي دِينٍ آخَرَ سِوَى دِينِ الإِسْلَامِ، فَلَا يَصْلُحُ التَّبَرُّؤُ دَلِيلَ الإِيمَانِ مَعَ الاحْتِمَالِ، وَلَوْ أَقَرَّ مَعَ ذَلِكَ فَقَالَ (دَخَلْتُ فِي دِينِ الإِسْلَامِ أَوْ فِي دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حُكِمَ بِالإِسْلَامِ لِزَوَالِ الاحْتِمَالِ}... ثم قالَ -أَيِ الْكَاسَانِيُّ-: وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُحْكَمُ بِهِ بِكَوْنِهِ مُؤْمِنًا مِنْ طَرِيقِ الدَّلَالَةِ، فَنَحْوُ أَنْ يُصَلِّيَ كِتَابِيٌّ، أَوْ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، فِي جَمَاعَةٍ؛ وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ مَا فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَقِدَهُ حَقِيقَةً، إذْ لَا كُلُّ مَنْ يَعْلَمُ شَيْئًا يُؤْمِنُ بِهِ... ثم قالَ -أَيِ الْكَاسَانِيُّ-: وَأَمَّا الْحُكْمُ بِالإِسْلَامِ مِنْ طَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ، فَإِنَّ الصَّبِيَّ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأبَوَيْهِ، وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ [يَعنِي إذا كانَتْ دارَ إسلامٍ] أَيْضًا، وَالْجُمْلَةُ فِيهِ أَنَّ الصَّبِيَّ يَتْبَعُ أَبَوَيْهِ فِي الإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالدَّارِ [يَعنِي سَوَاءٌ كَانَتْ دارَ إسلامٍ أو دارَ كُفْرٍ] مَعَ وُجُودِ الأَبَوَيْنِ... ثم قالَ -أَيِ الْكَاسَانِيُّ-: وَلَدُ الْمُرْتَدِّ، إِنْ كَانَ مَوْلُودًا فِي الإِسْلَامِ (بِأَنْ وُلِدَ لِلزَّوْجَيْنِ وَلَدٌ وَهُمَا مُسْلِمَانِ)، ثُمَّ اِرْتَدَّا لَا يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ مَا دَامَ فِي دَارِ الإِسْلَامِ، لِأنَّهُ لَمَّا وُلِدَ وَأَبَوَاهُ مُسْلِمَانِ فَقَدْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأبَوَيْهِ، فَلَا يَزُولُ بِرِدَّتِهِمَا، لِتَحَوُّلِ التَّبَعِيَّةِ إلَى الدَّارِ، فَمَا دَامَ فِي دَارِ الإِسْلَامِ يَبْقَى عَلَى حُكْمِ الإِسْلَامِ تَبَعًا لِلدَّارِ... ثم قالَ -أَيِ الْكَاسَانِيُّ-: وَإِنْ كَانَ [أَيْ وَلَدُ الْمُرْتَدِّ] مَوْلُودًا فِي الرِّدَّةِ (بِأَنِ اِرْتَدَّ الزَّوْجَانِ وَلَا وَلَدَ لَهُمَا)، ثُمَّ حَمَلَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ زَوْجِهَا بَعْدَ رِدَّتِهَا، وَهُمَا مُرْتَدَّانِ عَلَى حَالِهِمَا، فَهَذَا الْوَلَدُ بِمَنْزِلَةِ أَبَوَيْهِ (لَهُ حُكْمُ الرِّدَّةِ). انتهى باختصار.

 

(3)وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ قَالَ عُمَرُ {يَا أَبَا بَكْرٍ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، فَمَنْ قَالَ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ)}، قَالَ أَبُو بَكْرٍ {وَاللَّهِ لَأقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا}، قَالَ عُمَرُ {فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ}. انتهى. وقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي (فَتْحُ الباري): وَفِيهِ [أَيْ في حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ ذِكْرُهُ] مَنْعُ قَتْلِ مَنْ قَالَ {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} وَلَوْ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا، وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ هَلْ يَصِيرُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ مُسْلِمًا؟، الرَّاجِحُ لَا، بَلْ يَجِبُ الْكَفُّ عَنْ قَتْلِهِ حَتَّى يُخْتَبَرَ، فَإِنْ شَهِدَ بِالرِّسَالَةِ وَالْتَزَمَ أَحْكَامَ الإِسْلَامِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ الإِشَارَةُ بِالاسْتِثْنَاءِ بِقَوْلِهِ {إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلَامِ} [رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ {أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ [قالَ الْخَطَّابِيُّ (ت388هـ) فِي (معالم السنن): قَولُه {وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ} مَعناه فِيما يَستَسِرُّون به دُونَ ما يُخِلُّون به مِنَ الأحكامِ الواجِبةِ عليهم في الظاهِرِ. انتهى]}]... ثم قَالَ -أَيِ ابْنُ حَجَرٍ-: قَالَ الْبَغَوِيُّ {الْكَافِرُ إِذَا كَانَ وَثَنِيًّا أَوْ ثَنَوِيًّا [قالَ ابنُ عابدين في (رد المحتار على الدر المختار): والْوَثَنِيُّ يُقِرُّ بِهِ [أي بالله] وَإِنْ عَبَدَ غَيْرَهُ. انتهى باختصار. وقال ابن عاشور في (التحرير والتنوير): الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْمَخْلُوقَاتِ كُلَّهَا مَصْنُوعَةٌ مِنْ أَصْلَيْنِ (أَيْ إِلَهَيْنِ، إِلَهُ النُّورِ وَهُوَ صَانِعُ الْخَيْرِ، وَإِلَهُ الظُّلْمَةِ وَهُوَ صَانِعُ الشَّرِّ) يُقَالُ لَهُمُ الثَّنَوِيَّةُ لِأنَّهُمْ أَثْبَتُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ. انتهى باختصار]، لَا يُقِرُّ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، فَإِذَا قَالَ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، ثُمَّ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ جَمِيعِ أَحْكَامِ الإِسْلَامِ، وَيَبْرَأُ مِنْ كُلِّ دِينٍ خَالَفَ دِينَ الإِسْلَامِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُقِرًّا بِالْوَحْدَانِيَّةِ مُنْكِرًا لِلنُّبُوَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى يَقُولَ (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ)، فَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الرِّسَالَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ إِلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً، فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ (إِلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ)، فَإِنْ كَانَ كَفَرَ بِجُحُودِ وَاجِبٍ أَوِ اسْتِبَاحَةِ مُحَرَّمٍ فَيَحْتَاجُ أَنْ يَرْجِعَ عَمَّا اعْتَقَدَهُ}، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ [أَيْ قَوْلِ الْبَغَوِيِّ] {يُجْبَرُ} أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَلْتَزِمْ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ. انتهى.

 

(4)وقالَ الشيخُ عبدُالعزيز بنُ مبروك الأحمدي (الأستاذ بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (اختلاف الدارين وآثاره في أحكام الشريعة الإسلامية): يَسكُنُ دارَ الكُفرِ الحَربِيَّةَ [قالَ الشيخُ محمد بن موسى الدالي على موقعِه في هذا الرابط: فَدَارُ الكُفْرِ، إذا أُطْلِقَ عليها (دارُ الحَرْبِ) فَباعتِبارِ مَآلِها وتَوَقُّعِ الحَرْبِ منها، حتى ولو لم يكنْ هناك حَرْبٌ فِعلِيَّةٌ مع دارِ الإسلامِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ عبدُالله الغليفي في كتابِه (أحكام الديار وأنواعها وأحوال ساكنيها): الأصْلُ في (دارِ الكُفْرِ) أنَّها (دارُ حَرْبٍ) ما لم تَرْتَبِطْ مع دارِ الإسلامِ بعُهودٍ ومَواثِيقَ، فإنِ اِرتَبَطَتْ فتُصْبِحَ (دارَ كُفْرٍ مُعاهَدةً)، وهذه العُهودُ والمَواثِيقُ لا تُغَيِّرُ مِن حَقِيقةِ دارِ الكُفْرِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ مشهور فوّاز محاجنة (عضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين) في (الاقتِراض مِنَ البُنوكِ الرِّبَوِيَّةِ القائمةِ خارِجَ دِيَارِ الإسلامِ): ويُلاحَظُ أنَّ مُصطَلَحَ (دارِ الحَرْبِ) يَتَداخَلُ مع مُصطَلَحِ (دارِ الكُفْرِ) في اِستِعمالاتِ أَكثَرِ الفُقَهاءِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ محاجنة-: كُلُّ دارِ حَرْبٍ هي دارُ كُفْرٍ ولَيسَتْ كُلُّ دارِ كُفْرٍ هي دارَ حَرْبٍ. انتهى. وجاءَ في الموسوعةِ الفقهيةِ الكُوَيْتِيَّةِ: أَهْلُ الحَرْبِ أو الحَرْبِيُّون، هُمْ غيرُ المُسلِمِين، الذِين لم يَدْخُلوا في عَقْدِ الذِّمَّةِ، ولا يَتَمَتَّعون بأَمَانِ المُسلِمِين ولا عَهْدِهم. انتهى. وقالَ مركزُ الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: أمَّا مَعْنَى الكافِرِ الحَرْبِيِّ، فهو الذي ليس بَيْنَه وبين المُسلِمِين عَهْدٌ ولا أَمَانٌ ولا عَقْدُ ذِمَّةٍ. انتهى. وقالَ الشيخُ حسينُ بنُ محمود في مَقالةٍ له على هذا الرابط: ولا عِبْرةَ بقَولِ بعضِهم {هؤلاء مَدَنِيُّون}، فليس في شَرْعِنا شيءٌ اسْمُهُ (مَدَنِيٌّ وعَسْكَرِيٌّ)، وإنَّما هو (كافرٌ حَرْبِيٌّ ومُعاهَدٌ)، فكُلُّ كافرٍ يُحارِبُنا، أو لم يَكُنْ بيننا وبينه عَهْدٌ، فهو حَرْبِيٌّ حَلَالُ المالِ والدَّمِ والّذُرِّيَّةِ [قالَ الْمَاوَرْدِيُّ (ت450هـ) في (الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي) في بَابِ (تَفْرِيقِ الْغَنِيمَةِ): فَأَمَّا الذُّرِّيَّةُ فَهُمُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، يَصِيرُونَ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ مَرْقُوقِينَ. انتهى باختصار]. انتهى. وقالَ الشيخُ محمدُ بنُ رزق الطرهوني (الباحث بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والمدرس الخاص للأمير عبدالله بن فيصل بن مساعد بن سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود) في كتابِه (هلْ هناك كُفَّارٌ مَدَنِيُّون؟ أو أَبْرِيَاءُ؟): لا يُوجَدُ شَرْعًا كافرٌ بَرِيءٌ، كما لا يُوجَدُ شَرْعًا مُصْطَلَحُ (مَدَنِيّ) وليس له حَظٌّ في مُفْرَداتِ الفقهِ الإسلاميِّ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الطرهوني-: الأصلَ حِلُّ دَمِ الكافِرِ ومالِه -وأنَّه لا يُوجَدُ كافرٌ بَرِيءٌ ولا يُوجَدُ شيءٌ يُسَمَّى (كافِر مَدَنِيّ)- إلَّا ما اِستَثناه الشارِعُ في شَرِيعَتِنا. انتهى. وقالَ الْمَاوَرْدِيُّ (ت450هـ) في (الأحكام السلطانية): وَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَقْتُلَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْ مُقَاتِلَةِ [المُقَاتِلَةُ هُمْ مَن كانوا أَهْلًا للمُقاتَلةِ أو لِتَدبِيرِها، سَوَاءٌ كانوا عَسْكَرِيِّين أو مَدَنِيِّين؛ وأمَّا غيرُ المُقاتِلةِ فَهُمُ المرأةُ، والطِّفْلُ، وَالشَّيْخُ الهَرِمُ، وَالرَّاهِبُ، وَالزَّمِنُ (وهو الإنسانُ المُبْتَلَى بعاهةٍ أو آفةٍ جَسَدِيَّةٍ مُستمِرَّةٍ تُعْجِزُه عنِ القتالِ، كَالْمَعْتُوهُ وَالأَعْمَى والأَعْرَجُ والمَفْلُوجُ "وهو المُصابُ بالشَّلَلِ النِّصْفِيِّ" والْمَجْذُومُ "وهو المُصابُ بالْجُذَامِ وهو داءٌ تَتَساقَطُ أعضاءُ مَن يُصابُ به" والأَشَلُّ وما شابَهَ)، وَنَحْوُهِمْ] الْمُشْرِكِينَ مُحَارِبًا وَغَيْرَ مُحَارِبٍ [أَيْ سَوَاءٌ قاتَلَ أم لم يُقاتِلْ]. انتهى. وقالَ الشيخُ يوسف العييري في (حقيقة الحرب الصليبية الجديدة): فالدُّوَلُ تَنقَسِمُ إلى قِسمَين، قِسمٌ حَرْبِيٌّ (وهذا الأصلُ فيها)، وقِسمٌ مُعاهَدٌ؛ قالَ ابنُ القيم في (زاد المعاد) واصِفًا حالَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم بعدَ الهجرةِ، قالَ {ثُمَّ كَانَ الْكُفَّارُ مَعَهُ بَعْدَ الأَمْرِ بِالْجِهَادِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ، أَهْلُ صُلْحٍ وَهُدْنَةٍ، وَأَهْلُ حَرْبٍ، وَأَهْلُ ذِمَّةٍ}، والدُّوَلُ لا تكونُ ذِمِّيَّةً، بَلْ تكونُ إمَّا حَرْبِيَّةً أو مُعاهَدةً، والذِّمَّةُ هي في حَقِّ الأفرادِ في دارِ الإسلامِ، وإذا لم يَكُنِ الكافرُ مُعاهَدًا ولا ذِمِّيًّا فإنَّ الأصلَ فيه أنَّه حَرْبِيٌّ حَلَالُ الدَمِ، والمالِ، والعِرْضِ [بِالسَّبْيِ]. انتهى] نَوعان مِنَ الناسِ؛ الأوَّلُ، الكُفَّارُ، وَهُمُ الأصْلُ [أَيْ أنَّ الأصلَ في سُكَّانِ دارِ الكُفرِ هو الكُفرُ؛ وهو ما يَتَرَتَّبُ عليه الحُكمُ بِتَكفِيرِ مَجهولِ الحالِ مِن سُكَّانِ الدَّارِ، في الظاهِرِ لا الباطِنِ، حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُ ذَلِكَ. قلتُ: وَكَذَلِكَ دارُ الإسلامِ، فإنَّ مَجهولَ الحالِ فيها مَحكومٌ بِإسلامِه، في الظاهِرِ لا الباطِنِ، حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُ ذَلِكَ. وقد قالَ الشيخُ محمد بنُ محمد المختار الشنقيطي (عضو هيئة كِبار العلماء بالديار السعودية) في (شرحُ زاد المستقنع) تحت عُنوانِ (الفَرقُ بَيْنَ المُدَّعِي والمُدَّعَى عليه): قالَ [أيِ الحجاوي في (زَادُ الْمُسْتَقْنِعِ)] رَحِمَه اللهُ {المُدَّعِي مَن إذا سَكَتَ تُرِكَ، والمُدَّعَى عليه مَن إذا سَكَتَ لم يُترَكْ}، هذه المَسألةُ تُعرَفُ بِـ (مَسألةُ تَميِيزِ المُدَّعِي مِنَ المُدَّعَى عليه)، ولا يُمكِنُ لِقاضٍ أنْ يَقضِيَ في قَضِيَّةٍ حتى يَستَطِيعَ أنْ يُمَيِّزَ بَيْنَ المُدَّعِي والمُدَّعَى عليه، إذْ لا يُمكِنُ لِأحَدٍ أنْ يَفصِلَ في قَضِيَّةٍ، حتى ولو لم تَكُنْ قَضائيَّةً، حتى في مَسائلِ العِلْمِ، لِأنَّ الإنسانَ إذا عَلِمَ مَن هو المُدَّعِي قالَ له {عليك الحُجَّةُ وعليك البَيِّنةُ}، وطالَبَه بِالحُجَّةِ والبَيِّنةِ، وإذا عَلِمَ المُدَّعَى عليه بَقِيَ على قَولِه [أيْ على قَولِ المُدَّعَى عليه] حتى يَدُلَّ الدَّلِيلُ على خِلافِه، ولِذلك تَجِدُ طُلَّابَ العِلْمِ الذِين لا يُحسِنون هذا البابَ يَجلِسُ بَعضُهم مع بَعضٍ ويَقولُ واحِدٌ منهم {أعطِنِي دَلِيلًا} والآخَرُ [أيِ المُخالِفُ له] يَقولُ {أعطِنِي دَلِيلًا}، فَهُمْ لم يَعرِفوا الأُصولَ ولم يُثبِتوا الأُصولَ، حتى يُمَيِّزوا مَنِ الذي يُطالَبُ بِالدَّلِيلِ والحُجَّةِ، ومِن هنا قالَ الإمامُ الجَلِيلُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ رَحِمَه اللهُ {مَن عَرَفَ المُدَّعِيَ مِنَ المُدَّعَى عليه، لم يَلتَبِسْ عليه حُكْمٌ في القَضاءِ}، إذًا لا بُدَّ مِن مَعرِفةِ المُدَّعِي والمُدَّعَى عليه، كُلُّ القَضايَا لا يُمكِنُ أنْ يُبَتَّ فيها حتى يُعرَفَ مَنِ المُدَّعِي ومَنِ المُدَّعَى عليه، وهذا الضابِطُ الذي ذَكَرَه المُصَنِّفُ [أيِ الحجاوي في (زَادُ الْمُسْتَقْنِعِ)] رَحِمَه اللهُ أنَّ {المُدَّعِي مَن إذا سَكَتَ تُرِكَ}، لِأنَّ الحَقَّ حَقُّه، فَلَوْ أنَّه لا يُرِيدُ أنْ يَدَّعِي لا نَأتِي ونَقولُ له {طالِبْ، ويَجِبُ عليك أنْ تُرافِعَ [أيْ تَشْكُوَهُ إلى القاضِي]}، والمُدَّعَى عليه إذا أُقِيمَتْ عليه الدَّعوَى فَإنَّه إذا سَكَتَ نَقُولُ له {أجِبْ} ولا يُترَكُ، ويُطالَبُ بِالرَّدِّ، لَكِنَّ المُدَّعِيَ لا يُطالَبُ لِأنَّ له الحَقَّ في أنْ يُطالِبَ، وإذا سَكَتَ ولم يُطالِبْ لم يَفرِضْ عليه أحَدٌ أنْ يَتَكَلَّمَ ولم يَفرِضْ عليه أحَدٌ أنْ يُخاصِمَ، ولَكِنَّ المُدَّعَى عليه لا يُمكِنُ أنْ يُترَكَ، بَلْ يُقالُ له {أجِبْ} ويُجبَرُ على الجَوابِ لو سَكَتَ، ومَن أبَى إقرارًا أو إنكارًا لِخَصمِه كَلَّفَه [أيِ القاضِي] إجبارًا، أمَّا المُدَّعِي فَهو الذي إذا سَكَتَ تُرِكَ، هذا هو الضابِطُ الذي اِختارَه المُصَنِّفُ [أيِ الحجاوي في (زَادُ الْمُسْتَقْنِعِ)] رَحِمَه اللهُ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ الشنقيطي-: وهناك ضابِطٌ آخَرُ -وهو صَحِيحٌ وقَوِيٌّ جِدًّا- وهو أنَّ المُدَّعَى عليه مَن كانَ قَولُه مُوافِقًا لِلأصلِ، والمُدَّعِي مَن كانَ قَولُه خِلافُ الأصلِ، فَمَثَلًا، شَخصٌ جاءَ وقالَ {فُلانٌ زَنَى} فالأصلُ أنَّه غَيرُ زانٍ، فَحِينَئذٍ الذي قالَ {فُلانٌ زَنَى} هذا مُدَّعٍ، والطَّرَفُ الآخَرُ -وهو المُدَّعَى عليه- الأصلُ فيه البَراءةُ مِنَ التُّهَمِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ الشنقيطي-: وهناك ضابِطٌ آخَرُ يَضبِطُ القَضايَا بِألفاظِها، فَقَالَ بَعضُهم {المُدَّعِي مَن يَقولُ (حَصَلَ كَذا، كانَ كَذا)}، يُعَبِّرون بِقَولِهم {كانَ كَذا} أيْ بِعتُ، اِشتَرَيتُ، أَجَّرْتُ، أَخَذَ مِنِّي سَيَّارةً، أَخَذَ دارِي، اِعتَدَى عَلَيَّ، شَتَمَنِي، ضَرَبَنِي، {والمُدَّعَى عليه هو الذي يَقولُ (ما ضَرَبتُه، ما شَتَمتُه، لم يَكُنْ كَذا)}... ثم قالَ -أيِ الشيخُ الشنقيطي-: وكذلك أيضًا يُعرَفُ المُدَّعِي إذا كانَ قَولُه خِلافَ الظاهِرِ، والمُدَّعَى عليه مَن هو على الظاهِرِ، ويَكونُ [أيْ تَميِيزُ المُدَّعِي مِنَ المُدَّعَى عليه أيضًا] بِالعُرفِ، فَمَثَلًا، عندنا بِالعُرفِ أنَّه إذا كانَ شَخصٌ يَسكُنُ في بَيتٍ، وجاءَ شَخصٌ وقالَ {البَيتُ بَيتِي}، أوِ {العِمارةُ عِمارَتِي}، أوِ {الأرضُ أرضِي}، فَحِينَئذٍ الظاهِرُ أنَّ الأرضَ لِمَنْ يَعمَلُ فيها، والبَيتَ لِمَن هو ساكِنٌ فيه، فَظاهِرُ العُرفِ يَشهَدُ بِأنَّ الإنسانَ ما يَتَصَرَّفُ إلَّا في مالِه، كذلك لو وَجَدنا شَخصًا راكِبًا على بَعِيرٍ، والآخَرَ غَيْرَ راكِبٍ، فَقالَ الرَّاجِلُ [أيْ غَيرُ الراكِبِ] {هذا بَعِيرِي}، فالظاهِرُ يَشهَدُ وكَذا العُرفُ يَشهَدُ بِأنَّ هذا مُدَّعٍ، والراكِبُ مُدَّعَىً عليه، ونَعودُ في ذلك إلى تَعرِيفٍ يَنُصُّ على أنَّ الذي خَلا قَولُه عنِ الأصلِ وعنِ العُرفِ أوِ الظاهِرِ الذي يَشهَدُ بِصِدقِ قَولِه فَإنَّه حِينَئذٍ يُكونُ مُدَّعِيًا، وأمَّا إذا اِقتَرَنَ قَولُه بِالأصلِ [أوِ] اِقتَرَنَ قَولُه بِالظاهِرِ فَإنَّنا نَقولُ {إنَّه مُدَّعَىً عليه} وحِينَئذٍ لا نُطالِبُه بِالحُجَّةِ ونَبْقَى على قَولِه حتى يَدُلَّ الدَّلِيلُ على خِلافِ قَولِه، فَمَثَلًا قالَ [أيِ المُدَّعِي] {فُلانٌ زَنَى}، الأصلُ أنَّ المُتَّهَمَ بَرِيءٌ حتى تَثبُتَ إدانَتُه، فَقَولُه [أيْ قَولُ المُدَّعِي] مُجَرَّدٌ مِنَ الأصلِ، فَنَقولُ له {اِئتِ بِالبَيِّنةِ، وأنت مُدَّعٍ}، [وأيضًا] إنَّ العُرفَ يَحكُمُ بِأنَّ راكِبَ الدابَّةِ هو صاحِبُها، وكذلك لو كانَ اِثنان على دابَّةٍ فالعُرفُ يَقضِي أنَّ الذي في المُقَدِّمةِ مالِكُها، أيْ لو قالَ كُلٌّ منهما {هذه دابَّتِي} فالذي في المُقَدِّمةِ مُدَّعَىً عليه والذي في الخَلفِ مُدَّعٍ، ولو كانا في سَيَّارةِ وأحَدُهما يَقودُ والآخَرُ راكِبٌ فَإنَّ العُرفَ يَشهَدُ بِأنَّ الذي يَقودُ السَّيَّارةَ مالِكُها (والآنَ أوراقُ التَّمَلُّكِ تَحُلُّ القَضِيَّةَ). انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ طه جابر العلواني (أستاذ أصول الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) في مَقالةٍ له بِعُنوانِ (حُكْمُ التَّجَنُّسِ والإقامةِ في بِلادِ غَيرِ المُسلِمِين) على مَوقِعِه في هذا الرابط: والأصلُ في أهلِ دارِ الإسلامِ أنْ يَكونوا مُسلِمِين، ولَكِنْ قد يَكونُ مِن سُكَّانِها غَيرُ المُسلِمِين وَهُمُ الذِّمِّيُون؛ ولِأهلِ دارِ الإسلامِ -سَوَاءٌ مِنهُمُ المُسلِمون والذِّمِّيُون- العِصمةُ في أنفُسِهم وأموالِهم، المُسلِمون بِسَبَبِ إسلامِهم، والذِّمِّيُون بِسَبَبِ ذِمَّتِهم، فَهُم جَمِيعًا آمِنُون بِأَمانِ الإسلامِ (أيْ بِأمانِ الشَّرعِ)، بِسَبَبِ الإسلامِ بِالنِّسبةِ لِلْمُسلِمِين، [و]بِسَبَبِ عَقدِ الذِّمَّةِ بِالنِّسبةِ لِلذِّمِّيِين. انتهى. وقالَ الشيخُ محمود محمد علي الزمناكويي (مساعد عميد معهد العلوم الإسلامية بأربيل، والأستاذ المساعد بجامعة صلاح الدين) في (العِلاقاتُ الاجتِماعِيَّةُ بَيْنَ المُسلِمِين وغَيرِ المُسلِمِين في الشَّرِيعةِ الإسلامِيَّةِ): الأصلُ في أهلِ دارِ الإسلامِ أنْ يَكونوا جَمِيعُهم مِنَ المُسلِمِين، إلَّا أنَّ ذلك لا يَتَحَقَّقُ في غالِبِ الأمرِ، فَقَدْ تُوجَدُ إلى جانِبِ الأغلَبِيَّةِ المُسلِمةِ طَوائفُ أُخرَى مِن غَيرِ المُسلِمِين الذِين يُقِيمون إقامةً دائمةً [وَهُمُ الذِّمِّيُون]، أو مُؤَقَّتةً في الدَّولةِ الإسلامِيَّةِ [وَهُمُ الْمُسْتَأْمَنون]. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (الجَوابُ المَسبوكُ "المَجموعةُ الأُولَى"): قالَ الحافِظُ ابن رجب [في (تقرير القواعد وتحرير الفوائد) المشهور بـ (قواعد ابن رجب)] {لَوْ وُجِدَ فِي دَارِ الإسْلَامِ مَيِّتٌ مَجْهُولُ الدِّينِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عَلَامَةُ إسلَامٍ وَلَا كُفْرٍ، أَوْ تَعَارَضَ فِيهِ عَلَامَتا الإسلَامِ وَالْكُفْرِ صُلِّي عَلَيْهِ... الأصْلُ فِي أهلِ دَارِ الإسلَامِ الإسلَامُ... وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي دَارِ الْكُفْرِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ عَلَامَاتُ الإسلَامِ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا}. انتهى باختصار. وقالَ الشَّيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (المباحث المشرقية "الجزء الأول"): الأصلُ في دارِ الإسلامِ أنَّ أهلَها مُسلِمون. انتهى. وقالَ الشَّيخُ أبو بصير الطرطوسي في (قواعدُ في التكفير): فَإنْ قِيلَ ما هو الضابِطُ الذي يُعِينُ على تَحدِيدِ الكافِرِ مِنَ المُسلِمِ، ومَعرِفةِ كُلِّ واحِدٍ مِنهما؟، أقولُ، الضابِطُ هو المُجتَمَعاتُ التي يَعِيشُ فِيها الناسُ، فَأحكامُهم تَبَعٌ لِلْمُجتَمَعاتِ التي يَعِيشون فِيها... ثم قالَ -أَيِ الشَّيخُ الطرطوسي-: قد يَتَخَلَّلُ المُجتَمَعَ العامَّ الإسلامِيَّ مُجتَمَعٌ صَغِيرٌ، كَقَرْيَةٍ أو ناحِيَةٍ وغَيرِ ذلك يَكونُ جَمِيعُ أو غالِبُ سُكَّانِه كُفَّارًا غَيْرَ مُسلِمِين، كَأَنْ يَكونوا يَهودًا أو نَصارَى، أو مِنَ القَرامِطةِ الباطِنِيِّين، وغَيرِ ذلك، فَحِينَئذٍ هذا المُجتَمَعُ الصَّغِيرُ لا يَأخُذُ حُكمَ ووَصْفَ المُجتَمَعِ الإسلامِيِّ الكَبِيرِ، بَلْ يَأخُذُ حُكمَ ووَصْفَ المُجتَمَعِ الكافِرِ مِن حيث التَّعامُلُ مع أفرادِه وتَحدِيدُ هَوِيَّتِهم ودِينِهم؛ وكذلك المُجتَمَعُ الكافِرُ عندما تَتَواجَدُ فِيه قَرْيَةٌ أو مِنطَقةٌ يَكونُ جَمِيعُ سُكَّانِها أو غالِبُهم مِنَ المُسلِمِين، فَحِينَئذٍ تَتَمَيَّزُ هذه القَرْيَةُ أو المِنطَقةُ عنِ المُجتَمَعِ العامِّ الكافِرِ مِن حيث التَّعامُلُ مع الأفرادِ وتَحدِيدُ هَوِيَّتِهم ودِينِهم... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الطرطوسي-: الناسُ يُحكَمُ عليهم على أساسِ المُجتَمَعاتِ التي يَنتَمون ويَعِيشون فِيها؛ فَإنْ كانَتْ إسلامِيَّةً حُكِمَ بِإسلامِهم وعُومِلوا مُعامَلةَ المُسلِمِين ما لم يَظْهَرْ مِن أحَدِهم ما يَدُلُّ على كُفرِه أو أنَّه مِنَ الكافِرِين؛ وإنْ كانَتْ مُجتَمَعاتٍ كافِرةً حُكمِ عليهم بِالكُفرِ وعُومِلوا مُعامَلةَ الكافِرِين ما لم يَظْهَرْ مِن أحَدِهم ما يَدُلُّ على إسلامِه أو أنَّه مِنَ المُسلِمِين؛ لِهذا السَّبَبِ وغَيرِه حَضَّ الشارِعُ على الهِجرةِ مِن دارِ الكُفرِ إلى دار الإسلامِ. انتهى. وقالَ الشَّيخُ أحمدُ الحازمي في (الرَّدُّ على شُبهةِ الاستِدلالِ بِقَولِه تَعالَى "فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ"): الأصلُ فيه [أيْ في الشَّخصِ] إنْ كانَ يَعِيشُ بَيْنَ المُسلِمِين فَهو مُسلِمٌ... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ الحازمي-: وإذا ظَهَرَ منه [أيْ مِنَ الشَّخصِ] الإسلامُ، قالَ الشَّهادَتَين وصَلَّى وصامَ ونَحْوَ ذلك مِنَ الشَّعائرِ التي تُمَيِّزُ المُسلِمَ عنِ الكافِرِ، حِينَئذٍ نَحكُمُ بإسلامِه، هذا بِاعتِبارِ الظاهِرِ. انتهى. وقالَ الحافِظُ ابن رجب في (تقرير القواعد وتحرير الفوائد): إذَا زَنَا مَنْ نَشَأَ فِي دَارِ الإسلامِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَادَّعَى الْجَهْلَ بِتَحْرِيمِ الزِّنَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، لِأنَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ وَإِنْ كَانَ الأصلُ عَدَمَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ. انتهى. وفي فَتْوَى صَوتِيَّةٍ مُفَرَّغةٍ على هذا الرابط في موقع الإسلام العتيق الذي يُشرِفُ عليه الشيخُ عبدُالعزيز الريس، سُئِلَ الشيخُ {أرجو التَّعلِيقَ على قاعِدةِ (تَعارُضُ الأصلِ مع الظاهِرِ)؟}؛ فَكانَ مِمَّا أجابَ به الشيخُ: أُحاوِلُ قَدْرَ الاستِطاعةِ أنْ أُقَرِّبَ كَثِيرًا مِن شَتَاتِ وفُروعِ هذه القاعِدةِ فِيما يَلِي؛ الأمرُ الأوَّلُ، المُتَعَيِّنُ شَرعًا العَمَلُ بِالأصلِ، ولا يُنتَقَلُ عنِ الأصلِ إلَّا بِدَلِيلٍ شَرعِيٍّ، لِلأدِلَّةِ الكَثِيرةِ في حُجِيَّةِ الاستِصحابِ (أيِ البَراءةِ الأصلِيَّةِ)، فالمُتَعَيِّنُ شَرعًا أنْ يُعمَلَ بِالأصلِ ولا يُنتَقَلَ عن هذا إلَّا بِدَلِيلٍ، لِذلك إذا شَكَّ رَجُلٌ مُتَوَضِّئٌ ومُتَطَهِّرٌ في طَهارَتِه فالأصلُ طَهارَتُه [قالَ الشيخُ محمد بنُ محمد المختار الشنقيطي (عضو هيئة كِبار العلماء بالديار السعودية) في (شرحُ زاد المستقنع): مَراتِبُ العِلْمِ تَنقَسِمُ إلى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ؛ الوَهْمُ، والشَّكُّ، والظَّنُّ (أو ما يُعبِّرُ عنه العُلَماءُ بـ "غالِبِ الظَّنِّ")، واليَقِينُ؛ فالمَرْتَبةُ الأُولَى [هي] الوَهْمُ، وهو أَقَلُّ العِلْمِ وأَضْعَفُه، وتَقدِيرُه مِن (1%) إلى (49%)، فَما كانَ على هذه الأعدادِ يُعتَبَرُ وَهْمًا؛ والمَرْتَبةُ الثانِيَةُ [هي] الشَّكُّ، وتَكونُ (50%)، فَبَعْدَ الوَهْمِ الشَّكُّ، فالوَهْمُ لا يُكلَّفُ به، أَيْ ما يَرِدُ التَّكلِيفُ بِالظُّنُونِ الفاسِدةِ، وقد قَرَّرَ ذلك الإمامُ الِعزُّ بْنُ عَبدِالسَّلامِ رَحِمَه اللهُ في كِتابِه النَّفِيسِ (قَواعِدُ الأحكامِ)، فَقالَ {إنَّ الشَّرِيعةَ لا تَعْتَبِرُ الظُّنُونَ الفاسِدةَ}، والمُرادُ بِالظُّنُونِ الفاسِدةِ [الظُّنُونُ] الضَّعِيفةُ المَرجوحةُ، ثم بَعْدَ ذلك الشَّكُّ، وهو أنْ يَسْتَوِيَ عندك الأَمْران، فَهذا تُسَمِّيه شَكًّا؛ والمَرْتَبَةُ الثالِثةُ [هي] غالِبُ الظَّنِّ (أو الظَّنُّ الراجِحُ)، وهذا يَكونُ مِن (51%) إلى (99%)، بِمَعنَى أنَّ عندك اِحتِمالَين أَحَدُهما أَقْوَى مِنَ الآخَرِ، فَحِينَئذٍ تَقولُ {أَغْلَبُ ظَنِّي}؛ والمَرْتَبَةُ الرابِعةُ [هي] اليَقِينُ، وتَكونُ (100%)... ثم قالَ -أيِ الشيخُ الشنقيطي-: إنَّ الشَّرعَ عَلَّقَ الأحكامَ على غَلَبَةِ الظَّنِّ، وقد قَرَّرَ ذلك العُلَماءُ رَحمةُ اللهِ عليهم، ولِذلك قالوا في القاعِدةِ {الغالِبُ كالمُحَقَّقِ}، أَيِ الشَّيْءُ إذا غَلَبَ على ظَنِّك ووُجِدَتْ دَلَائلُه وأَمَاراتُه التي لا تَصِلُ إلى القَطْعِ لَكِنَّها تَرْفَعُ الظُّنُونَ [مِن مَرْتَبةِ الوَهْمِ والشَّكِّ إلى مَرْتَبةِ غالِبِ الظَّنِّ] فإنه كَأنَّك قد قَطَعْتَ به، وقالوا في القاعِدةِ {الحُكْمُ لِلغالِبِ، والنادِرُ لا حُكْمَ له}، فالشَّيءُ الغالِبُ الذي يَكونُ في الظُّنونِ -أو غَيرِها- هذا الذي به يُناطُ الحُكمُ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ الشنقيطي-: الإمامُ الِعزُّ بْنُ عَبدِالسَّلامِ رَحِمَه اللهُ قَرَّرَ في كِتابِه النَّفِيسِ (قَواعِدُ الأحكامِ) وقالَ {إنَّ الشَّرِيعةَ تُبْنَي على الظَّنِّ الراجِحِ، وأكثَرُ مَسائلِ الشَّرِيعةِ على الظُّنُونِ الراجِحةِ} يَعْنِي (على غَلَبةِ الظَّنِّ)، والظُّنُونُ الضَّعِيفةُ -مِن حَيْثُ الأَصْلُ- والاحتِمالاتُ الضَّعِيفةُ لا يُلْتَفَتُ إليها الْبَتَّةَ. انتهى باختصار. وقالَ أبو حامد الغزالي (ت505هـ) في (فَيْصَلُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الإِسْلَامِ وَالزَّنْدَقَةِ): ولا يَنبَغِي أنْ يُظَنَّ أنَّ التَّكفِيرَ ونَفْيَه يَنبَغِي أنْ يُدرَكَ قَطْعًا في كُلِّ مَقَامٍ، بَلِ التَّكفِيرُ حُكْمٌ شَرعِيٌّ يَرجِعُ إلى إباحةِ المالِ وسَفْكِ الدَّمِ والحُكْمِ بِالخُلودِ في النارِ، فَمَأْخَذُه كَمَأْخَذِ سائرِ الأحكامِ الشَّرعِيَّةِ، فَتَارةً يُدرَكُ بِيَقِينٍ، وتارةً بِظَنٍّ غالِبٍ، وتارةً يُتَرَدَّدُ فيه. انتهى]، وكذلك إذا شَكَّ رَجُلٌ هل أتَى بِالرَّكعةِ الرابِعةِ أو لم يَأتِ بِها فالأصلُ أنَّه لم يَأتِ بِها والأصلُ أنَّه لم يُصَلِّ إلَّا ثَلاثَ رَكَعاتٍ، وقد دَلَّ على هَذَين الأمرَين السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ، فَفِي مِثْلِ هذا عُمِلَ بِالأصلِ، وهذا هو المُتَعَيِّنُ (أنْ يُعمَلَ بِالأصلِ ولا يُنتَقَلَ عنه إلَّا بِدَلِيلٍ شَرعِيٍّ) [قالَ السيوطي (ت911هـ) في (الأشباه والنظائر) تحتَ عُنْوانِ (ذِكْرُ تَعَارُضِ الأصلِ وَالظَّاهِرِ): مَا يُرَجَّحُ فِيهِ الأصلُ جَزْمًا ضَابِطُهُ أَنْ يُعَارِضَهُ اِحتِمَالٌ مُجَرَّدٌ... ثم قالَ -أيِ السيوطي-: مَا يُرَجَّحُ فِيهِ الأصلُ -عَلَى الأصَحِّ- ضَابِطُهُ أَنْ يَسْتَنِدَ الاحتِمَالُ [الظاهِرُ] إلى سَبَبٍ ضَعِيفٍ. انتهى باختصار]؛ الأمرُ الثانِي، إنْ أُرِيدَ بِـ (الظاهِرِ) غَلَبةُ الظَّنِّ فَيُنتَقَلُ عنِ الأصلِ لِغَلَبةِ الظَّنِّ، فإنَّ غَلَبةَ الظَّنِّ حُجَّةٌ في الشَّرِيعةِ، ومِن فُروعِ ذلك، إذا نَظَرَ رَجَلٌ في السَّماءِ وغَلَبَ على ظَنِّه غُروبُ الشَّمسِ، فَإنَّ له أنْ يُفطِرَ إذا كانَ صائمًا وله أنْ يُصَلِّيَ المَغرِبَ، فَفِي مِثْلِ هذا عُمِلَ بِغَلَبةِ الظَّنِّ، فَإذَنْ إنْ أُرِيدَ بِـ (الظاهِرِ) غَلَبةُ الظَّنِّ فَإنَّه يُقَدَّمُ على الأصلِ ولا يَصِحُّ لِأحَدٍ أنْ يَقولَ {الأصلُ بَقاءُ النَّهارِ}، لِأنَّه يُنتَقَلُ عنِ الأصلِ لِغَلَبةِ الظَّنِّ [قالَ السيوطي (ت911هـ) في (الأشباه والنظائر) تحتَ عُنْوانِ (ذِكْرُ تَعَارُضِ الأصلِ وَالظَّاهِرِ): مَا تَرَجَّحَ فِيهِ الظَّاهِرُ جَزْمًا ضَابِطُهُ أَنْ يَسْتَنِدَ [أيِ الظاهِرُ] إلى سَبَبٍ مَنْصُوبٍ شَرْعًا، كَالشَّهَادَةِ تُعَارِضُ الأصلَ، وَالرِّوَايَةِ، وَالْيَدِ فِي الدَّعْوَى، وَإِخْبَارِ الثِّقَةِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ أَوْ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ، أَوْ مَعْرُوفٍ عَادَةً... ثم قال -أي السيوطي-: مَا تَرَجَّحَ فِيهِ الظَّاهِرُ عَلَى الأصلِ بِأَنْ كَانَ [أيِ الظاهِرُ] سَبَبًا قَوِيًّا مُنْضَبِطًا. انتهى باختصار]؛ الأمرُ الثالِثُ، قد يُرادُ بِـ (الظاهِرِ) ما أَمَرَتِ الشَّرِيعةُ بِاتِّباعِه، فإذا كانَ كذلك فَإنَّه يُقَدَمُ على الأصلِ، كَمِثلِ خَبَرِ الثِّقةِ، قالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}، فَمَفهومُ المُخالَفةِ {خَبَرُ الثِّقةِ يُقبَلُ، وكذلك شَهادةُ العُدولِ}، فَلا يَصِحُّ لِأحَدٍ أنْ يَقولَ {لا نَقبَلُ خَبَرَ الثِّقةِ ولا شَهادةَ العُدولِ تَمَسُّكًا بِالأصلِ}، فَيُقالُ [أيْ فَيُجابُ]، يُنتَقَلُ عنِ الأصلِ بِما أمَرَتِ الشَّرِيعةُ بِالانتِقالِ [إليه]، فَفِي مِثْلِ هذا يُسَمَّى ما أمَرَتِ الشَّرِيعةُ بِالانتِقالِ [إليه] بِـ (الظاهِرِ)؛ الأمرُ الرابِعُ، قد يَحصُلُ تَعارُضٌ بَيْنَ الظاهِرِ والأصلِ، فَيُحتاجُ إلى القَرائن التي تُرَجِّحُ، كَما إذا كانَتِ اِمرَأةٌ تحتَ رَجُلٍ سِنِين، ثم بَعْدَ سَنواتٍ اِدَّعَتْ أنَّ زَوْجَها لا يُنفِقُ عليها فَطالَبَتْ بِالنَّفَقةِ، فَفِي مِثْلِ هذا يُقَدَّمُ الظاهِرُ وهو أنَّه قد أنفَقَ عليها، ولا يُقالُ {الأصلُ عَدَمُ النَّفَقةِ، فَإذَنْ يُطالَبُ}، وإنَّما يُقَدَّمُ الظاهِرُ وهو أنَّ بَقاءَ المَرأةِ هذا الوَقْتَ تحتَ زَوجِها ولم تَشتَكِ... إلى آخِرِه، ولا يُوجَدُ مَن يَشْهَدُ بِعَدَمِ وُجودِ النَّفَقةِ... إلى آخِرِه، فالظاهِرُ في مِثْلِ هذا أنَّه يُنفِقُ عليها فَيُعمَلُ بِالظاهِرِ، وهذا ما رَجَّحَه شَيخُ الإسلامِ في مِثْلِ هذه المَسألةِ، وإلَّا لَلَزِمَ على مِثْلِ هذا -كَما يَقولُ شَيخُ الإسلامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ كَما في (مجموع الفتاوى)- أنَّه كُلَّما أنفَقَ الرَّجُلُ على اِمرَأَتِه أنْ يُشهِدَ على ذلك أو أنْ يُوَثِّقَ ذلك، وهذا ما لا يَصِحُّ لا عَقلًا ولا عُرفًا ولا عادةً. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ خالد السبت (الأستاذ المشارك في كلية التربية "قسم الدراسات القرآنية" في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل في الدمام) في (شرح متن القواعد الفقهية للسعدي) على موقِعِه في هذا الرابط: اليَقِينُ هو اِستِقرارُ العِلْمِ بحيث إنَّه لا يَتَطَرَّقُه شَكٌّ أو تَرَدُّدٌ، فَهذا هو اليَقِينُ ([أيْ] العِلْمُ الثابِتُ)... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ السبت-: وما دُونَ اليَقِينِ ثَلاثةُ أقسامٍ؛ (أ)قِسمٌ يَكونُ ظَنُّك فيه غالِبًا، [أيْ] الظَّنُّ يَكونُ راجِحًا، فَهذا يُقالُ له (الظَّنُّ) أو (الظَّنُّ الغالِبُ)؛ (ب)وأحيانًا يَكونُ الأمرُ مُستَوِيًا [أيْ مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ] لا تَدرِي (هَلْ زَيدٌ جاءَ أو لم يَأْتِ؟)، القَضِيَّةُ مُستَوِيةٌ عندك، تَقولُ {أنَا أشُكُّ في مَجِيءٍ زَيدٍ، هَلْ جاءَ أو ما جاءَ؟}، نِسبةُ خَمسِين بِالمِائَةِ [جاءَ] وخَمسِين بِالمِائَةِ [ما جاءَ]، أو تَقولُ {أنَا أشُكُّ في قُدرَتِي على فِعْلِ هذا الشَّيءِ}، مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، فَهذا يُقالُ له {شَكٌّ}؛ (ت)والوَهْمُ، إذا كُنتَ تَتَوَقَّعُ هذا بِنِسبةِ عَشَرةٍ بِالمِائَةِ، عِشرِين بِالمِائَةِ، ثَلاثِين بِالمِائَةِ، أربَعِين بِالمِائَةِ، هذا يُسَمُّونه {وَهْمًا}، يُقالُ له {وَهْمٌ}، وإذا كانَ التَّوَقُّعُ بِنِسبةِ خَمسِين بِالمِائَةِ فَهذا هو {الشَّكُّ}، إذا كانَ سِتِّين بِالمِائَةِ، سَبعِين بِالمِائَةِ، ثَمانِين، تِسعِين، يَقولون له {الظَّنُّ}، أو {الظَّنُّ الراجِحُ}، إذا كانَ مِائةً بِالمِائَةِ فَهذا الذي يُسَمُّونه {اليَقِينُ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ السبت-: قاعِدةُ {اليَقِينُ لا يَزُولُ بِالشَّكِّ}، هَلْ هذا بِإطلاقٍ؟، فَإذا تَمَسَّكْنا بِظاهِرِ القاعِدةِ فَنَقولُ {ما نَنتَقِلُ مِنَ اليَقِينِ إلَّا عند الجَزمِ والتَّيَقُّنِ تَمَامًا}، لَكِنَّ الواقِعَ أنَّ هذا ليس على إطلاقِه، عندنا قاعِدةُ {إذا قَوِيَتِ القَرائنُ قُدِّمَتْ على الأصلِ}، الآنَ ما هو الأصلُ؟، {بَقَاءُ ما كانَ على ما كانَ}، الأصلُ {اليَقِينُ لا يَزُولُ بِالشَّكِّ}، فَإذا قَوِيَتِ القَرائنُ قُدِّمَتْ على الأصلِ، {إذا قَوِيَتِ القَرائنُ} هَلْ مَعْنَى هذا أنَّنا وَصْلَنا إلى مَرحَلةِ اليَقِينِ؟، الجَوابُ لا، وإنَّما هو ظَنٌّ راجِحٌ، لِماذا نَقولُ {إذا قَوِيَتِ القَرائنُ قُدِّمَتْ على الأصلِ}؟، لِأنَّنا وَقَفْنا مع الأصلِ حيث لم نَجِدْ دَلِيلًا، لِماذا بَقِينَا على ما كانَ ولم نَنتَقِلْ عنه إلى غَيرِه؟، نَقولُ، لِعَدَمِ الدَّلِيلِ الناقِلِ بَقِينَا على الأصلِ، لَكِنْ طالَما أنَّه وُجِدَتْ دَلائلُ وقَرائنُ قَوِيَّةٌ فَيُمكِنُ أنْ يُنتَقَلَ مَعَها مِنَ الأصلِ إلى حُكمٍ آخَرَ؛ مِثالٌ، الآنَ أنتَ تَوَضَّأْتَ، تُرِيدُ أنْ تُدرِكَ الصَّلاةَ، لو جاءَك إنسانٌ وقالَ لك {لَحظَةً، هَلْ أنتَ الآنَ مُتَيَقِّنٌ مِائةً بِالمِائةِ أنَّ الوُضوءَ قد بَلَغَ مَبْلَغَه وأَسْبَغْتَه كَما أمَرَك اللهُ عَزَّ وَجَلَّ تَمَامًا؟}، هَلْ تَستَطِيعُ أنْ تَقولَ {نَعَمْ، مِائةً بِالمِائةِ}؟، الجَوابُ لا، لَكِنْ ماذا تَقولُ؟، تَقولُ {حَصَلَ الإسباغُ بِغَلَبةِ الظَّنِّ}، هَلْ يَجوزُ لك أنْ تَفْعَلَ هذا؟، الأصلُ ما تَوَضَّأْتَ، الأصلُ عَدَمُ تَحَقُّقِ الطَّهارةِ، فَكَيْفَ اِنتَقَلْنا مِنها إلى حُكمٍ آخَرَ وهو أنَّ الطَّهارةَ قد تَحَقَّقَتْ وحَصَلَتْ؟، بِظَنٍّ غالِبٍ، فَهذا صَحِيحٌ؛ مِثالٌ آخَرُ، وهو الحَدِيثُ الذي أخرَجَه الشَّيخان، حَدِيثُ اِبْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ وَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ، ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ}، فَلاحِظْ في الحَدِيثِ [الذي رَواه مُسلِمٌ في صَحِيحِه عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنه] {لَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى، ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ}، وهنا [أيْ في حَدِيثِ اِبْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] قالَ {فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ وَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ، ويَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ} [أيْ] لِلسَّهوِ، فَهذا الحَدِيثُ [أيْ حَدِيثُ اِبْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] {لِيَتَحَرَّ الصَّوَابَ} أخَذَ بالظَّنِّ الراجِحِ، هَلْ بَيْنَ الحَدِيثَين تَعارُضٌ؟، الجَوابُ، ليس بينهما تَعارُضٌ، تارةً نَعمَلُ بِالظَّنِّ الغالِبِ، إذا قَوِيَتِ القَرائنِ نَنتَقِلُ مِنَ اليَقِينِ إلى الظَّنِّ، عند وُجودِ غَلَبةِ هذا الظَّنِّ (وُجودِ قَرائنَ ونَحوِ ذلك)، وتارةً نَبنِي على اليَقِين ونَزِيدُ رَكعةً، وذلك حِينَما يَكونُ الأمرُ مُلتَبِسًا، حِينَما يَكون شَكًّا مُستَوِيًا [أيْ مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ] (حِينَما لم يَتَبَيَّنْ لَنا شَيءٌ يَغلِبُ على الظَّنِّ)... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ السبت-: أيضًا، عندنا تَعارُضُ الأصلِ والظاهِرِ، إذا تَعارَضَ الأصلُ والظاهِرُ، الأصلُ بَقاءُ ما كانَ على ما كانَ، فَهَلْ نَنتَقِلُ عنه إلى غَيرِه [أيْ عنِ الأصلِ إلى الظاهِرِ]؟، إذا جاءَ شاهِدان يَشهَدان على رَجُلٍ أنَّه قد غَصَبَ مَالَ فُلانٍ، أو سَرَقَ مالَ فُلانٍ، أو نَحوَ ذلك، ماذا نَصنَعُ إذَا هُمْ عُدولٌ؟، نَقْبَلُ هذه الشَّهادةَ، نَأْخُذُ بِها، مع أنَّ الأصلَ ما هو؟، (بَراءةُ الذِّمَّةِ) و(اليَقِينُ لا يَزُولُ}، هَلْ نحن مُتَيَقِّنون مِن كَلامِ هَذَين الشاهِدَين مِائةً بِالمِائةِ؟، لا، أبَدًا، لَسْنا بِمُتَيَقِّنِين، لَكِنْ شَهِدَ العُدولُ، وقد أمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَخذِ هذه الشَّهادةِ وبِقُبولِها، فَعَمَلُنا بِالشَّهادةِ هو عَمَلٌ بِالظَّنِّ الراجِحِ، فالظاهِرُ هو هذا. انتهى باختصار]، وَهُمْ غَيرُ مَعصومِي الدَّمِ والمالِ، فَدِماؤهم وأموالُهم مُباحةٌ لِلمُسلِمِين، ما لم يَكُنْ بينهم وبين المُسلِمِين عَقْدُ عَهْدٍ ومُوادَعةٍ، لِأنَّ العِصمةَ في الشَّرِيعةِ الإسلامِيَّةِ لا تَكونُ إلَّا بِأحَدِ أمرَين، بِالإيمانِ أوِ الأَمَانِ، والأمرُ الأوَّلُ مُنْتَفٍ بِالنِّسبةِ لِلكُفَّارِ، وبَقِيَ الأمرُ الثانِي فَإنْ وُجِدَ لهم -وهو الأمانُ- فَقَدْ عَصَمَ أموالَهم ودِماءَهم؛ الثاني مِن سُكَّانِ دارِ الكُفرِ [هُمُ] المُسلِمون، والمُسلِمُ الذي يَسكُنُ في دارِ الكُفرِ إمَّا أنْ يَكونَ مُستَأمَنًا أَيْ دَخَلَ دارَهم بِإذنِهم، وإمَّا أنْ لا يَكونُ مُستَأمَنًا أَيْ دَخَلَ دارَهم بِدونِ إذنِهم ورِضاهم، وهو في كِلْتا الحالَتَين مَعصومُ الدَّمِ والمالِ بِالإسلامِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو قَتَادَةَ الفلسطينيُّ في مقالةٍ له على هذا الرابط: فالمرءُ يُحكم بإسلامِه تَبَعًا للدارِ، فهذه مسألةٌ [يَعْنِي مسألةَ التَّبَعِيَّةِ للدَّارِ] مِنَ المسائل الكثيرة التي تُبنَى على الدارِ وأحكامِها، وهذا فيه رَدٌّ على الإمامِ الشَّوْكَانِيُّ والشيخِ صِدِّيق حَسَن خَان حين زَعَمَا أنَّ أحكامَ الدارِ لا قِيمةَ لها في الأحكامِ الشرعِيَّةِ ولا يُستَفادُ مِن هذا التَّقسِيمِ شَيءٌ [أَيْ لا يُستَفادُ شَيءٌ مِن تَقْسِيمِ الدارِ إلى دارِ إسلامٍ ودارِ كُفْرِ. وقد قالَ الشيخُ صِدِّيق حَسَن خَان (ت1307هـ) في (العبرة مما جاء في الغزو والشهادة والهجرة): قالَ الشَّوْكَانِيُّ في (السيل الجرار) {اِعْلَمْ أنَّ التَّعَرُّضَ لِذِكْرِ دارِ الإسلامِ ودارِ الكُفْرِ قَلِيلُ الفائدةِ جِدًا}. انتهى باختصار]. انتهى باختصار.

 

(5)وقالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي (الْمُغْنِي): وَقَضِيَّةُ الدَّارِ [يَعْنِي دارَ الإسلامِ] الْحُكْمُ بِإِسْلَامِ أَهْلِهَا، وَلِذَلِكَ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِ لَقِيطِهَا... ثم قالَ -أَيِ ابْنُ قُدَامَةَ-: دَارُ الْحَرْبِ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِ أَهْلِهَا، وَكَذَلِكَ لَمْ نَحْكُمْ بِإِسْلَامِ لَقِيطِهَا. انتهى باختصار.

 

(6)وقالَ الشيخُ أبو قَتَادَةَ الفلسطينيُّ في (أهل القبلة والمتأولون): مِنَ المعلوم أن الحُكمَ يكونُ بالظاهِرِ، وهو [أَيِ الظاهِرُ] الذي يُنَبِئُ عنِ الباطنِ والحقيقةِ على الأغلَبِ، والظاهِرُ الذي مِن خِلالِه يُحكَمُ على المرءِ بالإسلامِ يُعرَفُ مِن خلال ثلاث أُمُور (النَّصُّ - الدَّلالةُ - التَّبَعِيَّةُ)... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ أبو قَتَادَةَ-: والحكم بالظاهر [بِطُرُقِ] (النص والدلالة والتبعية) على المرء بالإسلام له شَرْطٌ، وهو عَدَمُ تَلَبُّسِ المرء بِأَيِّ ناقضٍ مِن نواقض الإسلام... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ أبو قَتَادَةَ-: البراءة مِنَ الشركِ في الباطن شَرطٌ لإسلامِ المرءِ [يَعنِي الإسلامَ الحقيقيَّ، وهو الإيمان الباطن]، ولكنها ليست شَرطًا لك لِتَحكُمَ عليه بِالإسلامِ [يَعنِي الإسلامَ الحُكْمِيَّ، وهو الإيمان الظاهر]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ أبو قَتَادَةَ-: الباطِنُ أمرُه إلى اللهِ، إلَّا فِيما ظَهَرَ لَنا عن طَرِيقِ القَرائنِ والدَّلائلِ فَنَحكُمُ بها [سَبَقَ بَيَانُ أنَّ المُرتَدَّ يَثبُتُ كُفْرُه ظاهِرًا وباطِنًا بِمُقتَضَى دَلِيلٍ مُباشِرٍ مِن أدِلَّةِ الثُّبوتِ الشَّرعِيَّةِ (اِعتِرافٍ، أو شَهَادَةِ شُّهُودٍ) على اِقتِرافِ فِعْلٍ مُكَفِّرٍ، وأَمَّا المُنافِقُ فَيَثبُتُ كُفْرُه بِاطِنًا -لا ظاهِرًا- بِمُقتَضَى قَرائنَ تُغَلِّبُ الظَّنَّ بِكُفرِه في الباطِنِ]. انتهى باختصار.

 

(7)وقالَ ابنُ القيم في (أحكام أهل الذمة): وَكَوْنُ الصَّغِيرِ يَتْبَعُ أَبَاهُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، هُوَ لِضَرُورَةِ حَيَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُرَبٍّ يُرَبِّيهِ، وَإِنَّمَا يُرَبِّيهِ أَبَوَاهُ، فَكَانَ تَابِعًا لَهُمَا ضَرُورَةً. انتهى.

 

(8)وقالَ النَّوَوِيُّ في (رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ): لِلتَّبَعِيَّةِ فِي الإِسْلَامِ ثَلَاثُ جِهَاتٍ؛ إِحْدَاهَا، إِسْلَامُ الأَبَوَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا؛ الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ، تَبَعِيَّةُ السَّابِي، فَإِذَا سَبَى الْمُسْلِمُ طِفْلًا مُنْفَرِدًا عَنْ أَبَوَيْهِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ [قالَ ابنُ القيم في (أحكام أهل الذمة): وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِسَابِيهِ مُطْلَقًا [أَيْ سَوَاءٌ سُبِيَ مُنْفَرِدًا، أو مَعَ أَبَوَيْهِ أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا]، وَهَذَا مَذْهَبُ الأَوْزَاعِيِّ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ]، لِأنَّهُ صَارَ تَحْتَ وِلَايَتِهِ كَالأَبَوَيْنِ؛ الجِهةُ الثالِثةُ، تَبَعِيَّةُ الدَّارِ. انتهى باختصار.

 

(9)وجاءَ في المَوسوعةِ الفِقهِيَّةِ الكُوَيْتِيَّةِ: وَعِنْدَ اِبْنِ الْقَيِّمِ، الْيَتِيمُ الَّذِي مَاتَ أَبَوَاهُ وَكَفَلَهُ أَحَدُ الْمُسْلِمِينَ يَتْبَعُ كَافِلَهُ وَحَاضِنَتَهُ فِي الدِّينِ. انتهى.

 

(10)وقالَ مَوقِعُ (الإسلامُ سؤالٌ وجَوابٌ) الذي يُشْرِفُ عليه (الشيخ محمد صالح المنجد) في هذا الرابط: أَمَّا في الدُّنْيَا فأطفالُ المُشركِين تَبَعٌ لآبائهم في الأحكامِ، فلا يُغَسَّلُون ولا يُصَلَّى عليهم ولا يُدفَنون في مَقابِرِ المُسلمِين؛ وكَونُ أطفالِ المُشركِين يَتْبَعون آباءَهم في أحكامِ الدُّنْيَا لا يَعْنِي أنَّهم في حَقِيقةِ الأَمْرِ كفارٌ، وإنَّما يُقالُ {هُمْ كفارٌ حُكْمًا تَبَعًا لآبائِهم، لا حَقِيقةً}؛ وقد عَرَضْنا هذه المسألةَ على شَيْخِنا عبدِالرحمن البراك [أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية] حَفِظَهُ اللهُ تَعالَى، فقالَ {أطفالُ المُشركِين كفارٌ حُكْمًا لا حَقِيقةً، ومَعْنَى الكُفرِ الحُكْمِيِّ أنَّهم يَتْبَعون آباءَهم في أحكامِ الدُّنْيَا}. انتهى باختصار.

 

(11)وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (المباحث المشرقية "الجزء الأول"): والمُرادُ بِمَجهولِ الحالِ الذي جُهِلَ حالُه ولم يَتَمَيَّزْ كُفْرُه مِن إسلامِه بِالنَّظَرِ إلى نَفسِه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: نَحكُمُ بِإسلامِ المُعَيَّنِ بِأماراتِ نَفسِه، فَإنْ تَمَيَّزَ حالُه فَلا اِعتِبارَ لِكَونِه في دارِ كُفرٍ أو إسلامٍ، لِأنَّ الحُكْمَ على الشَّخصِ بِحالِ نَفسِه مُقَدَّمٌ على تَبَعِيَّةِ الوالِدِ والدارِ بِاتِّفاقِ الفُقَهاءِ؛ وإن جُهِلَتْ حالُ نَفسِه أُلحِقَ بِحُكمِ أبِيه أو أُمِّه لِأنَّهما أخَصُّ مِن حُكمِ الدارِ؛ وإنْ جُهِلَتْ حالُه وحالُ الآباءِ أُلحِقَ بِالدارِ إسلامًا وكُفرًا لِأنَّ حُكمَها [عَلَّقَ الشيخُ الصومالي هنا قائلًا: أعنِي حُكمَ عُمومِ الناسِ في البَلَدِ. انتهى] هو الأغلَبُ في حَقِّ نَفسِه، قالَ شَيخُ الإسلامِ [في (فَتْوَى في دَفعِ الزَّكاةِ إلى القَلَندَرِيَّةِ والجُوالِقِيَّةِ وأَضرابِهم)] {الأصلُ إلحاقُ الفَردِ بِالأعَمِّ الأغلَبِ، ما لم يَظهَرْ خِلافُه}، فَمَن عُلِمَ حالُ نَفسِه دَلالةً أو تَبَعًا لم يُلحَقْ بِالأغلَبِ إجماعًا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ أحكامَ الكُفرِ والإسلامِ قد تَثبُتُ تَبَعًا مع عَدَمِ قِيَامِ حَقِيقةِ الكُفرِ بِالمَرءِ، كالصَّبِيِّ والمَجنونِ يَلْحَقُ بِحُكمِ أبَوَيه في الكُفرِ والإسلامِ. انتهى.

 

(12)وقالَ ابنُ القيم في (شفاء العليل): وقد يكونُ في بلادِ الكُفْرِ مَن هو مُؤمِنٌ يَكْتُمُ إيمانَه ولا يَعْلَمُ المسلمون حالَه فلا يُغَسَّلُ، ولا يُصَلَّى عليه، ويُدفَنُ مع المُشرِكِين، وهو في الآخِرةِ مِن أهلِ الجَنَّةِ، كما أنَّ المُنافِقِين في الدُّنْيَا تَجرِي عليهم أحكامُ المسلمِين وَهُمْ في الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النارِ، فحُكْمُ الدارِ الآخِرةِ غيرُ حُكْمِ الدارِ الدُّنْيَا... ثم قالَ -أَيِ ابنُ القيم-: قد عُلِمَ بالاِضْطِرارِ مِن شَرْعِ الرسولِ أنَّ أولادَ الكفارِ تَبَعٌ لآبائِهم في أحكامِ الدُّنْيَا. انتهى.

 

(13)وقالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ في (مجموع الفتاوى): لَمَّا كَانَ غَالِبُ الْمُسْلِمِينَ يُولَدُ بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ يَصِيرُونَ مُسْلِمِينَ إسْلَامًا حُكْمِيًّا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُمْ إيمَانٌ بِالْفِعْلِ، ثُمَّ إذَا بَلَغُوا فَمِنْهُمْ مَنْ يُرْزَقُ الإِيمَانَ الْفِعْلِيَّ فَيُؤَدِّي الْفَرَائِضَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ الْمَحْضَةِ وَالْمُتَابَعَةِ لِأقَارِبِهِ وَأَهْلِ بَلَدِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، مِثْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ لِأنَّ الْعَادَةَ أَنَّ السُّلْطَانَ يَأْخُذُ الْكُلَفَ [وهي جَمْعُ (كُلْفَةٍ) وهي مَا يَتَكَلَّفَهُ الإِنْسَانُ مِنْ نَائِبَةٍ أَوْ حَقٍّ] وَلَمْ يَسْتَشْعِرْ وُجُوبَهَا عَلَيْهِ، فَلَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ الْكُلَفِ الْمُبْتَدَعَةِ وَبَيْنَ الزَّكَاةِ الْمَشْرُوعَةِ، أَوْ مَنْ يَخْرُجُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ كُلَّ سَنَةٍ إلَى عَرَفَاتٍ لِأنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ اسْتِشْعَارِ أَنَّ هَذَا عِبَادَةٌ لِلَّهِ، أَوْ يُقَاتِلُ الْكُفَّارَ لِأنَّ قَوْمَهُ قَاتَلُوهُمْ فَقَاتَلَ تَبَعًا لِقَوْمِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَهَؤُلَاءِ لَا تَصِحُّ عِبَادَتُهُمْ بِلَا تَرَدُّدٍ بَلْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعُ الأُمَّةِ قَاضِيَةٌ بِأَنَّ هَذِهِ الأَعْمَالَ لَا تُسْقِطُ الْفَرْضَ. انتهى باختصار.

 

(14)وجاءَ على مَوقِعِ الشيخِ ابنِ باز في هذا الرابط تَفريغٌ صَوتِيٌّ مِن شرحِ الشيخِ لكتابِ التوحيدِ، وفيه أنَّ الشيخَ سُئِلَ: إذا اِستَغاثَ بقَبْرِ أَحَدِ الصالِحِين وهو جاهِلٌ، هَلْ يَكْفُرُ؟. فأَجابَ الشيخُ: نَعَمْ، شِرْكٌ أكبرُ، هذه مِنَ الأُمورِ التي ما تَخْفَى بين المسلمِين... فَسُئِلَ الشيخُ: إذا كان جاهلًا يَكْفُرُ؟. فأَجابَ الشيخُ: وَلَوْ، هذا مِنَ الكُفرِ الأكبرِ، ولا يُعذَرُ بقولِه {إني جاهلٌ}، هذا أَمْرٌ معلومٌ مِنَ الدِّينِ بالضرورةِ، لكنْ إذا كان صادِقًا يُبادِرُ بالتَّوبةِ... فَسُئِلَ الشيخُ: في بعضِ البُلدانِ يطوفون؟. فأَجابَ الشيخُ: نَعَمْ، في الشَّامِ وفي مِصْرَ وفي غيرِها... فَسُئِلَ الشيخُ: طَيِّبٌ، يَكْفُرون وَهُمْ جُهَّالٌ؟. فأَجابَ الشيخُ: نعم نعم، الرسولُ كَفَّرَهم، والمسلمون قاتَلُوهم، قاتَلوا الوَثَنِيِّين وفِيهِمُ العامَّةُ الذِين ما يَعْرِفون شيئًا، تَبَعًا لِساداتِهم... فَسُئِلَ الشيخُ: يا شيخُ، حتى في بعض الدُّوَلِ، أوربا وأمريكا مَثَلًا يا شيخُ؟. فأَجابَ الشيخُ: نعم... فَسُئِلَ الشيخُ: والذَّبْحُ؟. فأَجابَ الشيخُ: الذَّبْحُ لغيرِ اللهِ شِرْكٌ {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ}... فَسُئِلَ الشيخُ: خاصَّةً في الدُّوَلِ...؟. فأَجابَ الشيخُ: العامَّةُ تَبَعُ القادةِ، تَبَعُ الكفارِ، تَبَعُ اليَهودِ والنَّصارَى وأشباهِهم، عامَّتُهم تَبَعٌ لهم... فَسُئِلَ الشيخُ: مَن قالَ أنَّه لا يَكْفُرُ حتى تُقامَ عليه الحُجَّةُ؟. فأَجابَ الشيخُ: الحُجَّةُ قائمةٌ، لأنَّ اللهَ جَلَّ وعَلَا قالَ {هَذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ}، كتابُه بَلَّغَه للناسِ، وقد بَلَغَ المَشرِقَ والمَغرِبَ، وأكثرُ الناسِ أَعْرَضوا عنِ القرآنِ ولا يُرِيدونه، نسألُ اللهَ العافِيةَ، قَولُ شَيخِه وقولُ إمامِه عنده أكْبَرُ مِنَ القرآنِ. انتهى باختصار.

 

(15)وجاءَ في هذا الرابط تَفرِيغٌ صَوتِيٌّ مِن شرحِ الشيخِ ابنِ باز لكتابِ كَشْفِ الشُّبُهاتِ، وفيه سُئِلَ الشيخُ: الرافضةُ، هَلْ يُحكَمُ بكُفرِهم جميعًا ولَّا بعضِهم؟. فأجابَ الشيخُ: المعروفُ أنهم كُفَّارٌ، عبَّادٌ لِعَلِيٍّ، عامَّتُهم وقادَتُهم؛ [وأَمَّا كُفرُ عامَّتِهم فذلك] لأنَّهم تَبَعُ القادَةِ، مِثْلَ كُفَّارِ أهلِ مَكَّةَ تَبَعُ أَبِي سُفْيَانَ [يعني أَبَا سُفْيَانَ قَبْلَ إسلامِه] وأَشْباهِه، تَبَعُ أبي جَهْلٍ وتَبَعُ أبي لَهَبٍ، كُفَّارُهم تَبَعٌ لهم، عامَّتُهم تَبَعُهُمْ، لأنَّهم مُقَلِّدون لهم راضُون بما هُمْ عليه، يُطِيعون ما يُخالِفونهم، كُلُّ المُشرِكِين كُفَّارٌ، كُلُّ المُشرِكِين الذِين يَتْبَعون قادَتَهم، الرسولُ قاتَلَ الكُفارَ ولَّا مَيّزَ بينهم؟، والصَّحابةُ قاتَلوا الرُّومَ وقاتَلوا فارِسَ ولَّا فَصَّلُوا بين العامَّةِ وبين الخاصَّةِ؟، لِأنَّ العامَّةَ تَبَعُ الكِبارِ، تَبَعُ القادةِ، العامَّةُ تَبَعُ القادةِ. انتهى.

 

(16)وقالَ الشيخُ محمد بنُ إبراهيم التويجري (مديرُ مكتب توعية الجاليات بالخبيب ببريدة) في كتابِه (موسوعة فقه القلوب): والكُفرُ بِاللهِ أقسامٌ؛ أحَدُها، كُفرٌ صادِرٌ عن جَهلٍ وضَلالٍ وتَقلِيدِ الأسلافِ، وهو كُفرُ أكثَرِ الأتباعِ والعَوامِّ. انتهى.

 

(17)وجاءَ في كتابِ (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) أنَّ اللجنةَ (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود) سُئلَتْ: ما حُكْمُ عَوَامِّ الرَّوافضِ الإمامِيَّةِ الاِثْنَىْ عَشْرِيَّةَ؟ وهَلْ هناك فَرْقٌ بين عُلماءِ أَيِّ فِرْقَةٍ مِن الفِرَقِ الخارجةِ عنِ المِلَّةِ وبين أَتْباعِها مِن حيث التكفيرُ أو التفسيقُ؟. فأجابتِ اللجنةُ: مَن شايَعَ مِنَ العَوَامِّ إمامًا مِن أئمَّةِ الكُفرِ والضلالِ، وانتصرَ لسادتِهم وكُبَرائِهم بَغْيًا وعَدْوًا حُكِمَ له بحُكْمِهم كُفرًا وفِسقًا، قالَ اللهُ تعالَى {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ} إلى أنْ قالَ {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا، رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} وغيرُ ذلك في الكتابِ والسُّنَّةِ كثيرٌ، ولِأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قاتَلَ رؤساءَ المُشرِكِين وأَتْباعَهم، وكذلك فَعَلَ أصحابُه، ولم يُفَرِّقوا بين السادةِ والأَتْباعِ. انتهى باختصار.

 

(18)وفي فيديو بعُنْوانِ (ما حُكْمُ العَوَامِّ مِن أتباعِ الفِرَقِ والمَذاهبِ الضَّالَّةِ)، سُئِلَ الشيخُ صالحٌ اللُّحَيْدَان (عضوُ هيئة كبار العلماء، ورئيسُ مجلس القضاء الأعلى): ما حُكْمُ العَوَامِّ مِن أتباعِ الفِرَقِ والمَذاهبِ الضَّالَّةِ؟. فأجابَ الشيخُ: هو منهم، مَن رُئِيَ أنَّه على عقيدةِ هذه الفِرقةِ الضَّالَّةِ، ولو كان عامِّيًّا لا يَعْرِفُ خَصائِصَها، فهو منهم. انتهى.

 

(19)وفي مَقْطْعٍ صَوتِيٍّ بعُنْوانِ (ما حُكمُ عَوَامِّ الرافِضةِ) موجودٍ على هذا الرابط للشيخِ صالح الفوزان، سُئلَ الشيخُ: ما حُكمُ عَوَامِّ الرافِضةِ، هل حُكْمُهم حُكْمُ عُلمائهم؟. فأجابَ الشيخُ: يا إخواني اُتْرُكوا الكلامَ هذا، الرافضةُ حُكْمُهم واحِدٌ، لا تَتَفَلْسَفون علينا، حُكْمُهم واحِدٌ، كُلُّهم يَسمَعون القرآنَ، كُلُّهم يَقْرَأُ بَلْ يَحْفَظُون القرآنَ أكثرُهم، بَلَغَتْهم الحُجَّةُ، قامَتْ عليهم الحُجَّةُ، اُتْرُكونا مِن هذه الفَلْسَفاتِ وهذا الإرجاءِ الذي انَتَشرَ الآنَ في بعضِ الشبابِ والمُتَعالِمِين، اُتْرُكوا هذا، مَن بَلَغَه القرآنُ فقد قامَتْ عليه الحُجَّةُ {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ}. انتهى.

 

(20)وقالَ الشيخُ عبدُاللطيف بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب: الإمامُ ابنُ القيم رَحِمَه اللهُ تعالَى جَزَمَ بكُفْرِ المُقَلِّدِين لمشايخِهم في المسائلِ المُكَفِّرَةِ إذا تَمَكَّنوا مِن طلبِ الحقِّ ومَعْرِفَتِه وتَأَهَّلُوا لذلك وأعْرَضوا ولم يَلْتَفِتوا؛ ومَن لم يَتَمَكَّنْ ولم يَتَأَهَّلْ لمعرفةِ ما جاءَتْ به الرُّسُلُ فهو عنده [أَيْ عند ابنِ القيم] مِن جنسِ أَهْلِ الْفَتْرَةِ مِمَّن لم تَبْلُغْه دعوةٌ لرسولٍ مِنَ الرُّسُلِ؛ وَكِلَا النَّوْعَيْنِ [المُتَمَكِّنِ وغيرِ المُتَمَكِّنِ، مِنَ المُقَلِّدِين] لا يُحْكَمُ بإسلامِهم ولا يَدْخُلون في مُسَمَّى المسلمِين، وأمَّا الشِّرْكُ فهو يَصْدُقُ عليهم واسْمُه يَتَنَاوَلُهم، وأَيُّ إسلامٍ يَبْقَى مع مُنَاقَضَةِ أَصْلِه؟!. انتهى باختصار من (فتاوى الأئمةِ النجديَّةِ حولَ قضايا الأُمَّة المَصِيرِيَّةِ، بتقديم الشيخ ابن جبرين "عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء").

 

(21)وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (سِلْسِلَةُ مَقالاتٍ في الرَّدِّ على الدُّكْتُورِ طارق عبدالحليم): قالَ اِبْنُ الْقَيِّمِ [في (طريق الهجرتين)] في مُقَلِّدةِ الكُفَّارِ الذِين هم جُهَّالُ الكَفَرةِ {قَدِ اِتَّفَقَتِ الأُمَّةُ على أَنَّ هَذِه الطَّبَقَةَ كُفَّارٌ وَإِنْ كَانُوا جُهَّالًا مُقَلِّدِين لِرُؤَسائهم وأئمَّتِهم، إِلَّا مَا يُحْكَى عَن بَعضِ أهلِ الْبِدَعِ أَنَّه لم يَحكُمْ لِهؤلاءِ بِالنَّارِ وجَعَلَهم بِمَنْزِلَةِ مَن لم تَبْلُغْه الدَّعوةُ، وَهذا مَذْهَبٌ لم يَقُلْ بِهِ أحَدٌ مِن أَئِمَّةِ الْمُسلِمِين، لَا الصَّحَابَةِ وَلَا التابِعِين وَلَا مَن بَعْدَهمْ، وَإِنَّمَا يُعرَفُ عَن بَعضِ أهلِ الْكَلَامِ الْمُحدَثِ فِي الإسلامِ... وهذا المُقَلِّدُ ليس بِمُسلِمٍ، وهو عاقِلٌ مُكَلَّفٌ، والعاقِلُ المُكَلَّفُ لا يَخرُجُ عنِ الإسلامِ أو الكُفرِ، وأَمَّا مَن لم تَبْلُغْه الدَّعوةُ فَلَيْسَ بِمُكَلَّفٍ، وهو بِمَنْزِلَةِ الأطفالِ والمَجانِين [قُلْتُ: تَنَبَّه هُنا إلى التَّفرِقةِ بَيْنَ الجاهِلِ المُقَلِّدِ لِلكُفَّارِ، وبَيْنَ مَن لم تَبْلُغْه الدَّعوةُ]... وَالإسْلَامُ هُوَ تَوْحِيدُ اللهِ وعِبادَتُه وَحْدَه لا شَرِيكَ لَهُ وَالإيمَانُ بِرَسُولِهِ واتِّباعُه فِيمَا جَاءَ بِهِ، فَمَا لم يَأْتِ العَبْدُ بهَا فَلَيْسَ بِمُسلِمٍ وَإِنْ لم يَكُنْ كَافِرًا مُعانِدًا فَهُوَ كَافِرٌ جَاهِلٌ، فَغايَةُ هَذِه الطَّبَقَةِ أَنَّهم كُفَّارٌ جُهَّالٌ غَيرُ مُعانِدِين، وَعَدَمُ عِنادِهم لا يُخرِجُهم عَن كَونِهم كُفَّارًا}. انتهى باختصار.

 

(22)وقالَ الشيخُ أبو الحسن علي الرملي (المشرف على مَعهَدِ الدِّينِ القَيِّم للدروس العلمية والفتاوى الشرعية والتعليم عن بُعْدٍ على منهج أهل الحديث) في (التعليق على الأجوبة المفيدة): وأَيُّ جَماعةٍ تَجتَمِعُ على أصلٍ مُخالِفٍ لأُصولِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ فهي فِرقةٌ مِنَ الفِرَقِ الضالَّةِ، لا يَجوزُ لِلمُسلِمِ أنْ يَنتَمِيَ إليها، ومَنِ اِنتَمَى إليها فهو مِن أهلِها ويَأُخُذُ حُكْمَها، إنْ كانَ هذا الأصلُ كُفرِيًّا يَكفُرُ، وإنْ كانَ الأصلُ بِدعِيًّا يُبَدَّعُ ويَكونُ مُبتَدِعًا. انتهى.

 

(23)وقالَ الشيخُ أيمن هاروش (عضو مجلس شورى أهل العلم في الشام): فإنَّ كلَّ جُنْدِيٍّ في (داعِش) ومَن يُقَدِّمُ لهم الدَّعْمَ، هو هَدَفٌ، وقَتْلُه حِفْظٌ للمسلمِين وللثَّوْرةِ، ولا يُبَرِّرُ لهم ما يُشِيعُه بعضُ البُسَطاءِ مِن أنَّ فيهم مُغَفَّلِين ومُغَرَّرًا بهم، فقد بَلَغَ كَلَامُ أَهْلِ العِلْمِ فيهم للقاصِي والدَّانِي، ولم يَبْقَ فيهم إلَّا مَن أُشرِبَ في قَلْبِه الغُلُوَّ والتكفيرَ، سَوَاءٌ كَانَ حَسَنَ النِّيَّةِ أو خَبِيثَها، وعلى فَرْضِ وُجُودِ مِثْلِ هؤلاء السُّذَّجِ، فالحُكْمُ على العُمومِ، وللفَرْدِ حُكْمُ طائفَتِه، ويَبْعَثُه اللهُ على نِيَّتِه. انتهى من (حُكْمُ التَّعامُلِ مع أفرادِ تَنظِيمِ الدَّولةِ). قلتُ: إِنِّي أَبْرَأُ إلى اللهِ مِمَّا قالَه الشيخُ أيمن هاروش طَعْنًا في (الدَّولةِ الإسلامِيَّةِ) التي أَسْمَاها (داعِش)، وما ذَكَرْتُ كَلَامَه هُنَا إلَّا لِبَيانِ أنَّ {الحُكْمَ على العُمومِ} وأنَّ {للفَرْدِ حُكْمَ طائفَتِه}.

 

(24)وقالَ الشيخُ عمادُ الدين خيتي (عضو أمناء المجلس الإسلامي السوري): الأصْلُ في الطَّوائفِ التي لها قُوَّةٌ وشَوكةٌ ومَنَعةٌ، ولها قِيَادةٌ تَأتَمِرُ بأمْرِها وتَسمَعُ وتُطِيعُ لها، ورايَةٌ تُقاتِلُ تحتَها، أنْ يكونَ التَّعامُلُ معها بالمَجْموعِ العامِّ، وما يَغْلِبُ عليها، وما يَظهَرُ منها مِن عَقائدَ وتَصرُّفاتٍ، فإنْ أَظهَرَتْ هذه الطَّائفةُ العَقائدَ الخارجِيَّةَ فهي طائفةُ خَوارِجَ، وإنْ ظَهَرَ منها البَغْيُ فهي طائفةُ بُغاةٍ، وَهَكَذَا في جَمِيعِ الطَّوائفِ والأدْيَانِ والجَماعاتِ، فحُكْمُ الطَّائفةِ يَشمَلُ جَمِيعَ أَفْرادِها، ولا يَتَوَقَّفُ الحُكْمُ عليها أو التَّعامُلُ معها على مُخالَفةِ بَعْضِ أفْرادِها لِعامَّةِ الطَّائفةِ [قالَ الشيخُ إحسان إلهي ظهير (الأمين العامُّ لجمعية أهل الحديث في باكستان) في (التَّصَوُّف، المنْشَأ وَالمَصَادِر): إنَّ أفضَلَ طريقٍ لِلحُكْمِ على طائفةٍ مُعَيَّنةٍ وفِئةٍ خاصَّةٍ مِنَ الناسِ هو الحُكْمُ المَبنِيُّ على آرائها وأفكارها التي نَقَلوها في كُتُبِهم المُعتَمَدةِ والرسائلِ المَوثوقِ بها لديهم، بِذِكْرِ النُّصوصِ والعِباراتِ التي يُبنَى عليها الحُكْمُ ويُؤَسَّسُ عليها الرَّأْيُ، ولَا يُعتَمَدُ على أقوالِ الآخَرِين وَنُقُولِ النَّاقِلِين [المُخالِفِين لهم]، اللَّهُمَّ إلَّا لِلاستِشهادِ على صِحَّةِ اِستِنباطِ الحُكْمِ واستِنتاجِ النَّتِيجةِ؛ وهذه الطريقة، ولو أنَّها طريقةٌ وَعِرةٌ شائكةٌ صَعبةٌ مُستَصعَبةٌ، وَقَلَّ مَن يَختارُها ويَسْلُكُها، ولكنها هي الطريقةُ الصحيحةُ المُستَقِيمةُ التي يَقتَضِيها العَدلُ والإنصافُ. انتهى]؛ فإذا ثَبَتَ أنَّ (تَنظِيمَ الدّولةِ) تَنظِيمٌ خارِجِيُّ المُعتَقَدِ، فيَشْمَلُ حُكْمُه جَمِيعَ الأفْرادِ، ويُقاتَلون جَمِيعًا دُونَ تَفْرِيقٍ بينهم؛ قالَ ابنُ تيميةَ رَحِمَه اللهُ [في (مجموع الفتاوى)] {الطَّائِفَةُ الْوَاحِدَةُ الْمُمْتَنِعُ بَعْضُهَا بِبَعْضِ كَالشَّخْصِ الْوَاحِدِ}؛ وقد كانَ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم يُخاطِبُ رُؤَساءَ القَبَائلِ والمُلُوكَ والزُّعَماءَ، ويُنذِرُهم ويُقِيمُ عليهم الحُجَّةَ، فإنْ سالَمُوه أو أَسْلَموا كانَ سِلْمُه لهم ولأقْوامِهم وحَرَّمَ دِمَاءَهم وأموالَهم جَمِيعًا، وإنْ حارَبوه حارَبَهم جَمِيعًا واسْتَحَلَّ منهم ذلك... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ خيتي-: إذا كانَ في أفْرادِ هذه الطَّوائفِ مَن له عُذْرٌ مِن جَهْلٍ أو تَغْرِيرٍ أو غيرِ ذلك، فإنَّه يُبْعَثُ على نِيَّتِه يومَ القِيَامةِ، كما وَرَدَ في حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قالَ {إِنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِي يَؤُمُّونَ بِالْبَيْتِ بِرَجُلٍ [أَيْ يَقْصِدون البَيْتَ الحَرامَ، يَقْصِدون فيه رجلا] مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ لَجَأَ بِالْبَيْتِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ، فَقُلْنَا (يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الطَّرِيقَ قَدْ يَجْمَعُ النَّاسَ؟)، قَالَ (نَعَمْ، فِيهِمُ الْمُسْتَبْصِرُ [أَيِ الْمُسْتَبِينُ العامِدُ الْقَاصِدُ] وَالْمَجْبُورُ [أَيِ الْمُكْرَهُ] وَابْنُ السَّبِيلِ [أَيِ سَالِكُ الطَّرِيقِ مَعَهُمْ، وَلَيْسَ مِنْهُمْ]، يَهْلِكُونَ مَهْلَكًا وَاحِدًا، وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى، يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ)}، وفي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنها {فَقُلْتُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَ كَارِهًا؟)، قَالَ (يُخْسَفُ بِهِ مَعَهُمْ، وَلَكِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّتِهِ)}، قالَ النوويُّ رَحِمَه اللهُ [في (شرح صحيح مسلم)] {وَفِيهِ أَنَّ مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُهُمْ فِي ظَاهِرِ عُقُوبَاتِ الدُّنْيَا}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ خيتي-: فالواجبُ في التَّعامُلِ مع تَنظِيمِ (الدَّولةِ) قِتالُهم، ومَن كانَ ضِمْنَ هذا التَّنظِيمِ مِمَّن له عُذْرٌ شَرعِيٌّ فاللهُ حَسِيبُه يَومَ القِيَامةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ خيتي-: فالقاعِدةُ أنّ التَّابِعَ له حُكْمُ المَتْبوعِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ خيتي-: والخُلَاصةُ أنَّ الحُكْمَ على طائفةٍ ما والتَّعامُلَ معها يكونُ بِمَنهَجِها العامِّ وما يَغْلِبُ عليها مِن مُعتَقَداتٍ وتَصَرُّفاتٍ، ولو كانَ بعضُ أفْرادِها جاهلِين بذلك. انتهى باختصار من (شُبُهات تنظيم الدولة الإسلامية). قلتُ: إِنِّي أَبْرَأُ إلى اللهِ مِمَّا قالَه الشيخُ عماد الدين خيتي طَعْنًا في (الدَّولةِ الإسلامِيَّةِ) التي أَسْمَاها (تنظيم الدولة)، وما ذَكَرْتُ كَلَامَه هُنَا إلَّا لِبَيانِ أنَّ {حُكْمَ الطَّائفةِ يَشمَلُ جَمِيعَ أَفْرادِها} وأنَّ {التَّابِعَ له حُكْمُ المَتْبوعِ}.

 

(25)وقالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي (الْمُغْنِي): وَإِنْ وُجِدَ مَيِّتٌ، فَلَمْ يُعْلَمْ أَمُسْلِمٌ هُوَ أَمْ كَافِرٌ، نُظِرَ إلَى الْعَلَامَاتِ [أَيِ العَلَاماتِ التي تُمَيِّزُ المُسلِمَ مِنَ الكافِرِ في الدَّارِ التي وُجِدَ فيها المَيِّتُ] مِنَ الْخِتَانِ وَالثِّيَابِ وَالْخِضَابِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عَلَامَةٌ [مُمَيِّزَةٌ] وَكَانَ فِي دَارِ الإِسْلَامِ، غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْكُفْرِ، لَمْ يُغَسَّلْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، لِأنَّ الأَصْلَ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي دَارٍ فَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا، يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُهُمْ مَا لَمْ يَقُمْ عَلَى خِلَافِهِ دَلِيلٌ. انتهى.

 

(26)وقالَ الجصاص (ت370هـ) في (أحكام القرآن): وَقَدِ اِعْتَبَرَ أَصْحَابُنَا ذَلِكَ فِي الْمَيْتِ -فِي دَارِ الإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ- إِذَا لَمْ يُعْرَفْ أَمْرُهُ قَبْلَ ذَلِكَ [أَيْ قَبْلَ مَوْتِه] فِي إِسْلَامٍ أَوْ كُفْرٍ، أَنَّهُ يُنْظَرُ إِلَى سِيمَاهُ؛ فَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ سِيمَا أَهْلِ الْكُفْرِ [أَيِ الأَمَاراتُ التي يَتَمَيَّزُ بها الكافرُ منَ المُسلِمِ في الدَّارِ التي وُجِدَ فيها المَيِّتُ]، مِنْ شَدِّ زُنَّارٍ [الزُنَّارُ حِزَامٌ يَشُدُّهُ النَّصْرَانِيُّ عَلَى وَسَطِهِ]، أَوْ عَدَمِ خِتَانٍ، وَتَرْكِ الشَّعْرِ، عَلَى حَسَبِ مَا يَفْعَلُهُ رُهْبَانُ النَّصَارَى، حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الْكُفَّارِ وَلَمْ يُدْفَنْ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ؛ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ سِيمَا أَهْلِ الإِسْلَامِ، حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَاةِ وَالدَّفْنِ؛ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ فِي مِصْرٍ مِنَ الأَمْصَارِ الَّتِي لِلْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مُسْلِمٌ، وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَمَحْكُومٌ لَهُ بِحُكْمِ الْكُفْرِ؛ فَجَعَلُوا اِعْتِبَارَ سِيمَاهُ بِنَفْسِهِ أَوْلَى مِنْهُ بِمَوْضِعِهِ الْمَوْجُودِ فِيهِ [يَعْنِي أنَّهم قَدَّموا الأَمَاراتِ التي تَظْهَرُ على شَخْصِ المَيِّتِ على الحُكْمِ بتَبَعِيَّتِه للدَّارِ التي ماتَ فيها]، فَإِذَا عَدِمْنَا السِّيمَا حَكَمْنَا لَهُ بِحُكْمِ أَهْلِ الْمَوْضِعِ، وَكَذَلِكَ اعْتَبَرُوا فِي اللَّقِيطِ. انتهى.

 

(27)وقالَ السَّرَخْسِيُّ (ت483هـ) في (المبسوط): أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ يُجْعَلُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ، بِخِلَافِ مَنْ كَانَ فِي دَارِ الإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ. انتهى.

 

(28)وقالَ الشيخُ عَلِيُّ بْنُ خضير الخضير (المُتَخَرِّجُ مِن كُلِّيَّةِ أُصولِ الدِّينِ بـ "جامعة الإمام" بالقصيم عامَ 1403هـ) في فتوى له على هذا الرابط: الطائفةُ المُمْتَنِعةُ [أَيْ عَنْ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ أَوِ الصِّيَامِ أَوِ الْحَجِّ، أَوْ عَنِ اِلْتِزَامِ تَحْرِيمِ الدِّمَاءِ وَالأَمْوَالِ أوِ الْخَمْرِ أوِ الزِّنَى أوِ الْمَيْسِرِ أَوْ نِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، أَوْ عَنِ الْتِزَامِ جِهَادِ الْكُفَّارِ أَوْ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ، أو غَيْرِ ذَلِكَ مِنِ اِلْتِزَامِ وَاجِبَاتِ الدِّينِ أو مُحَرَّمَاتِهِ، الَّتِي لَا عُذْرَ لِأحَدٍ فِي جُحُودِهَا أو تَرْكِهَا، الَّتِي يَكْفُرُ الْوَاحِدُ بجُحُودِهَا]، إذا نَقَضَ [يَعْنِي امْتَنَعَ] سادَتُها ورُؤساؤها عَمَّ الحُكْمُ الجَمِيعَ، حتى رَعايَاها وأَفْرادَها، ولا يُسَمَّوْنَ أَبْرِيَاءَ في عُرْفِ الشَّرْعِ، بَلْ هُمْ ناكِثُون حُكْمًا [لا حَقِيقةً]، ويَدُلُّ عليه ما فَعَلَه الرسولُ صلى الله عليه وسلم مع [قَبَائلِ] الْيَهُودِ الثَّلَاثَةِ (بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَبَنِي النَّضِيرِ، وَبَنِي قُرَيْظَةَ) [التي كانتْ تَسْكُنُ المَدِينةَ المُنَوَّرةَ] لَمَّا نَقَضَ سادَتُهم [العَهْدَ] جَعَلَهم جميعًا [أَيْ جَمِيعَ أفرادِ القَبائلِ المذكورةِ (سادَتِهم وعامَّتِهم)] ناقضِين وجَعَلَ حُكْمَهم واحِدًا في القَتْلِ وغيرِه [قالَ السَّرَخْسِيُّ (ت483هـ) في (شَرْحُ السِّيَرِ الْكَبِيرِ): إنَّ الْمُسْتَأْمَنِينَ لَوْ غَدَرَ بِهِمْ مَلِكُ أَهْلِ الْحَرْبِ فَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ وَحَبَسَهُمْ، ثُمَّ انْفَلَتُوا، حَلَّ لَهُمْ قَتْلُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَخْذُ أَمْوَالِهِمْ، بِاعْتِبَارِ أَنَّ ذَلِكَ [أيِ الغَدرَ] نَقْضٌ لِلْعَهْدِ مِنْ مَلِكِهِمْ. انتهى]. انتهى باختصار.

 

(29)وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (اِستِيفاءُ الأقوالِ في المَأخوذِ مِن أهلِ الحَربِ تَلَصُّصًا، مِنَ الأنفُسِ والأموالِ): تَبَعِيَّةُ الرَّجُلِ لِلعَشِيرةِ كَتَبَعِيَّةِ الدارِ والدَّولةِ، بَلْ هي أقوَى. انتهى.

 

(30)وقالَ الشيخُ محمد صالح المنجد في مُحاضَرةٍ بِعُنْوانِ (ضوابط التكفير) مُفَرَّغَةٍ على هذا الرابط: فالإسلامُ يَثبُتُ بِالشَّهادَتَين، وبِالصَّلاةِ، وبِالتَّبَعِيَّةِ لِلأبَوَين، ولِلدَّارِ، يَعنِي أنْتَ الآنَ؛ لو رَأَيتَ شَخصًا ما عندك عنه أيُّ خَلفِيَّةٍ يُصَلِّي تَحكُمُ له بِالإٍسلامِ؛ لو سَمِعتَ واحِدًا نَطَقَ الشَّهادَتَين ما عندك عنه أيُّ خَلفِيَّةٍ تَحكُمُ له بِالإٍسلامِ؛ لو رَأَيتَ اِبنًا لِوالِدَين مُسلِمَين ما عندك عنه أيُّ خَلفِيَّةٍ تَحكُمُ له بِالإٍسلامِ تَبَعًا لِوالِدَيه؛ لو رَأَيتَ شَخصًا في مُجتَمَعٍ مُسلِمٍ، الأصلُ أنَّه واحِدٌ منهم، هذا الأصلُ، إذا ما عندك شَيءٌ ناقِلٌ يَنقُلُ عنِ الأصلِ لا بُدَّ أنْ تَجرِي على الأصلِ، ولا بُدَّ أنْ تَحكُمَ بِإسلامِه، وتُعامِلَه على هذا الأساسِ. انتهى باختصار.

 

زيد: إذا قالَ رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ في دَولةٍ نَصْرَانِيَّةٍ {أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَتَبَرَّأُ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ}، وكانَ هناك في هذه الدَّولةِ بَعضُ الأفرادِ المُنتَسِبون لِلإسلامِ، وكانَ أكثرُ هؤلاء الأفرادِ على عَقِيدةِ الرَّوَافِضِ الاِثْنَىْ عَشْرِيَّةَ؛ فهَلْ يُحكَمُ بالإسلامِ لِلنَّصْرَانِيِّ المَذكُورِ الذي نَطَقَ الشَّهَادَتَين وَتَبَرَّأَ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ؟.

 

عمرو: لا يُحكَمُ له بالإسلامِ إلَّا إذا تَبَرَّأَ مِن عَقِيدةِ الرَّوَافِضِ الاِثْنَىْ عَشْرِيَّةَ، لأنَّه في الأَغْلَبِ خَرَجَ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ وَدَخَلَ فِي دِينِ غالِبِ الطائفةِ المُنتَسِبةِ للإسلامِ -وهُمُ الرَّوَافِضُ الاِثْنَا عَشْرِيَّةَ- في دَولَتِه. وقد قالَ الشيخُ صالح آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في (شرح ثلاثة الأصول): وقالَ بعضُ العلماءِ {الدارُ إذا ظَهَرَ فيها الأذانُ وسُمِعَ وقتًا مِن أوقاتِ الصلواتِ، فإنَّها دارُ إسلامٍ، لأنَّ النبيَّ عليه الصلاةُ والسلامُ كانَ إذا أرادَ أنْ يَغْزُوَ قَومًا، أنْ يُصَبِّحَهم [التَّصْبِيحُ هو الإغارةُ وَقْتَ طُلُوعِ الْفَجْرِ]، قالَ لِمَن معه (انْتَظِروا)، فإنْ سَمِعَ أذانًا كَفَّ، وإنْ لم يَسمَعْ أذانًا قاتَلَ}، وهذا فيه نَظَرٌ، لأنَّ الحديثَ على أَصْلِه (وهو أنَّ العَرَبَ حينما يُعْلُون الأذانَ، معنى ذلك أنَّهم يُقِرُّون ويَشْهَدون شَهَادةَ الحَقِّ لأنَّهم يَعْلَمون مَعْنَى ذلك، وَهُمْ يُؤَدُّون حُقوقَ التوحيدِ الذي اِشْتَمَلَ عليه الأذانُ، فإذا شَهِدوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ورَفَعُوا الأذانَ بالصلاةِ، مَعْنَى ذلك أنَّهم انْسَلَخوا مِنَ الشِّركِ وتَبَرَّؤُوا منه، وأقامُوا الصلاةَ)، وقد قالَ جَلَّ وَعَلَا {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (فَإِن تَابُوا) مِنَ الشِّركِ (وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ)، ذلك لأنَّ العَرَبَ كانوا يَعْلَمون مَعْنَى التوحيدِ، فإذا دَخَلُوا في الإسلامِ وشَهِدوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، دَلَّ ذلك أنَّهم يَعْمَلون بمُقْتَضَى ذلك، أَمَّا في هذه الأزْمِنةِ المُتَأَخِّرةِ فإنَّ كثيرِين مِنَ المسلمِين يقولون {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ}، ولا يَعْلَمون مَعْناها، ولا يَعْمَلون بمُقْتَضاها، بلْ تَجِدُ الشِّرْكَ فاشِيًا فيهم، ولهذا نقولُ إنَّ هذا القَيْدَ أو هذا التعريفَ (وهو أنَّ دارَ الإسلامِ هي الدارُ التي يَظْهَرُ فيها الأذانُ بالصلواتِ) أنَّه في هذه الأزْمِنةِ المُتَأَخِّرةِ أنَّه لا يَصِحُّ أنْ يكونَ قَيدًا، والدليلُ [أَيْ وَحَدِيثُ الإغارةِ (التَّصْبِيحِ)] على أَصْلِه (وهو أنَّ العَرَبَ كانوا يَنْسَلِخون مِنَ الشِّركِ ويَتَبَرَّؤُون منه ومِن أَهْلِه، ويُقْبِلون على التوحيدِ ويَعْمَلون بمُقْتَضَى الشَّهَادَتَين)، بخِلَافِ أَهْلِ هذه الأَزْمانِ المُتَأَخِّرةِ [قالَ الشيخُ عبدُالله الدويش (ت1409هـ) في (النَّقْضُ الرَّشِيدُ في الرَّدِّ على مُدَّعِي التَّشدِيدِ): وفي ذلك الوَقْتِ [يَعنِي عَهْدَ النُّبُوَّةِ] كانَ مَن أسلَمَ خَلَعَ الشِّركَ وتَبَرَّأَ منه لِعِلْمِهم بِمَعنَى (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، وأمَّا أهلُ هذه الأزمانِ فَإنَّهم لا يَعرِفون مَعناها [أَيْ مَعنَى (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)] بَلْ يَقُولونها وَهُمْ مُتَلَبِّسون بِالشِّركِ كَما لا يَخفَى. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ حسن أبو الأشبال الزهيري في (شرح كتاب الإبانة): والأَعْجَمِيُّ غالِبًا إنَّما يُوَفَّقُ للإسلامِ على يَدِ صوفيٍّ أو شيعيٍّ أو مرجئٍ أو خارجيٍّ أو أشعريٍّ. انتهى. وقالَ الشيخُ أحمد السبيعي في شَرِيطٍ صَوتِيٍّ مُفَرَّغٍ على هذا الرابط: في زَمَنِ النُّبُوَّةِ كانَ الرَّجُلُ إذا اِهتَدَى إلى الإسلامِ، فَلَيْسَ ثَمَّةَ بِدَعٌ -أو أَهلُ بِدَعٍ- حتى يَقَعَ فيها، في زَمَنِ النُّبُوَّةِ [أَيْ] في زَمَنِ الرَّسولِ صلى الله عليه وعلى آلِه وسلم ما كانَ فيه [أَيْ ما كانَ يُوجَدُ] أهلُ بِدَعٍ، ما كانَ فيه فِرَقٌ. انتهى]. انتهى. وقالَ الشيخُ طارق بن محمد الطواري (الأستاذ بقسم التفسير والحديث بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت) في مقالة له بعنوان (مشروع إقامة دولة الإسلام) على هذا الرابط: فقد نجح الشيعة الاِثْنَا عَشْرِيَّةَ في إقامة دولة إسلامية تقوم على أساس المذهب الشيعي الاِثْنَىْ عَشْرِيّ -ومضى عليها أكثر من 28 سنة- تَكُونُ مظلةً كُبْرَى للفكر الشيعي ولتصدير أرائه ودعم دعاته ونشر فكره وتقوية أركانه في كل أنحاء العالم، لقد أضحى الشيعةُ اليومَ قوة لا يستهان بها فكريًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا، إذ أن الدولة قامت على أساس الدين ودعمت الدين ووقفت إلى جنب رجال الدين، لقد امتد الفكر الشيعي اليوم ومن خلال ربع قرن إلى المغرب غربًا والسنغال جنوبًا وأوربا شَمالًا وأقصى الصين وإنْدُونِسْيَا شرقًا، وأصبحت السفاراتُ مكاتبَ للدُّعاة، وأصبحت إِيرَانُ هي الدولةَ الأُمَّ التي تُنادِي وتستنكرُ وتَبِيعُ وتَشتَرِي وتُساوِمُ في قضايَا الأمة الإسلامية العامَّة. انتهى.

 

وقالَ الشيخُ سليمان الخراشي في (المُستَدرَكُ علي مُعْجَمِ المَنَاهِي اللفظيَّةِ): قالَ الشيخُ سليمانُ بنُ سحمان [ت1349هـ] رَحِمَه اللهُ رادًّا على (بَعضِ مَنِ اِغتَرَّ بِمَقالةِ [أَيْ مَقُولةِ] "عَدَمُ تَكفِيرِ أَهْلِ القِبْلةِ" [فَ]حَمَلَها على الجَهْمِيَّةِ) {وأَمَّا ما ذَكَرْتَه مِنِ اِستِدلالِ المُخالِفِ [يَعنِي الذي لا يُكَفِّرُ الجَهْمِيَّةَ] بِقَولِه صلى الله عليه وسلم (مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا [وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ]) وأشباهِ هذه الأحادِيثِ، فَهذا اِستِدلالُ جاهِلٍ بِنُصوصِ الكِتابِ والسُّنَّةِ، لا يَدرِي، ولا يَدرِي أنَّه لا يَدرِي، فَإنَّ هذا فَرْضُه ومَحَلُّه في مَن لا تُخرِجُه بِدعَتُه مِنَ الإسلامِ، فَهؤلاء لا يُكَفَّرون لِأنَّ أَصْلَ الإيمانِ الثابِتَ لا يُحكَمُ بِزَوالِه إلَّا بِحُصولِ مُنَافٍ لِحَقِيقَتهِ مُناقِضٍ لِأصْلِه، والعُمْدةُ اِستِصحابُ الأصلِ وُجودًا وعَدَمًا، لَكِنَّهم [أَيِ الذِين لا تُخرِجُهم بِدعَتُهم مِنَ الإسلامِ] يُبَدَّعون ويُضَلَّلون، ويَجِبُ هَجْرُهم وتَضلِيلُهم والتَّحذِيرُ عن مُجالَسَتِهم ومُجامَعَتِهم، كَما هو طَرِيقةُ السَّلَفِ في هذا الصِّنْفِ؛ وأَمَّا الجَهْمِيَّةُ وعُبَّادُ القُبورِ [قُلْتُ: والرَّوَافِضُ مِن عُبَّادُ القُبورِ]، فَلا يَستَدِلُّ بِمِثْلِ هذه النُّصوصِ على عَدَمِ تَكفِيرِهم إلَّا مَن لم يَعرِفْ حَقِيقةَ الإسلامِ}. انتهى باختصار.

 

زيد: إذا نَزَلْتُ بَلْدةً أَعْلَمُ أنَّ غالِبَ أَهْلِها على عَقِيدةِ الرَّوَافِضِ الاِثْنَىْ عَشْرِيَّةَ، فَسَمِعْتُ الآذانَ، هَلْ أَدْخُلُ أَيَّ مَسجِدٍ وأُصَلِّي خَلْفَ مَن أَجْهَلُ حالَه؟.

 

عمرو: في هذه الحالةِ المَذكورةِ لا تَصِحُّ الصَّلاةُ خَلْفَ مَجهولِ الحالِ؛ وإليك بَعضُ أقوالِ العُلَماءِ في ذلك:

 

(1)قالَتْ جَريدةُ الاِتِّحادِ الإماراتيَّةُ على موقعِها في مقالةٍ مَنشورةٍ بِتارِيخِ (29 يناير 2012) بعنوان (رَجُلُ دِينٍ سُعوديٌّ يُحَلِّلُ قَرْصَنةَ بطاقاتِ التَّموِيلِ الإسرائيليةِ) على هذا الرابط: أَفْتَى رَجُلُ الدِّينِ السُّعوديُّ والباحثُ في وزارةِ الأوقافِ السعوديةِ (عبدُالعزيز الطريفي)، بجَوازِ اِستخدامِ البطاقاتِ التمويليَّةِ الإسرائيليَّةِ المسروقةِ، لأنها صادرةٌ مِن بُنُوكٍ غيرِ مُسْلِمةٍ، مُشِيرًا إلى أنه لا عِصْمةَ إلَّا لبُنُوكِ المسلمِين؛ وطِبْقًا لِمَا نَشَرَتْه صحيفةُ (إيلاف) الإلكترونيةُ، فإنَّ الطريفي قالَ في رَدِّه على سؤالٍ لأَحَدِ المُشاهِدِين في بَرْنَامَجٍ تِلِفِزْيُونيٍّ بُثَّ على الهَواءِ مُباشَرةً في قناةِ (الرسالة) الفَضائيَّةِ {إنَّ الحساباتِ البَنْكِيَّةَ التي تَصْدُرُ منها البِطاقاتُ الائتِمانِيَّةُ المسروقةُ لا تَخْلُو مِن حالٍ مِنِ اِثْنَيْنِ؛ إمَّا أنْ تكونَ صادرةً مِن بُنُوكٍ معصومةٍ كحالِ بُنُوكِ المسلمِين، أو [مِن بُنُوكِ] الدُّوَلِ المُعَاهَدَةِ التي بينها وبين دُوَلِ الإسلامِ سَلَامٌ، وفي هذه الحالةِ لا يَجُوزُ لِأيِّ إنسانٍ أنْ يَأْخُذَ المالَ إلَّا بحَقِّه؛ أمَّا في حالِ عَدَمِ وُجودِ عُهُودٍ ولا مَواثِيقَ بين دُوَلِ الإسلامِ وغيرِها مِنَ الدُّوَلِ، فهذه الدُّوَلُ ليستْ دُوَلًا مُسَالِمةً، وعندئذٍ يكونُ مالُهم مِن جِهةِ الأصلِ مُباحًا، ولا حَرَجَ على الإنسانِ أنْ يَستعمِلَ البطاقاتِ المسروقةَ، سَوَاءٌ ما يتعلق منها في إسرائيل، وما يَلْحَقُ بها مِنَ الدُّوَلِ إنْ لم يَكُنْ بينها وبين الدُّوَلِ الإسلاميةِ شيءٌ مِنَ العَهْدِ والمِيثاقِ، حينئذٍ نقولُ إنه يَجوزُ للإنسانِ أنْ يَستعملَ ذلك إنْ وَجَدَه مُتاحًا}؛ وقد جاءَتْ فَتْوَى الشيخِ الطريفي بعدَ أنْ تَمَّ نَشْرُ تفاصيلِ آلافِ البطاقاتِ الائتِمانيَّةِ على الإنترنت على يَدِ قُرْصانِ مَعْلُوماتِيَّةٍ قالَ إنَّه سُعوديٌّ سَمَّى نَفْسَه (أوكس عمر). انتهى. قلتُ: والشاهِدُ مِن فتوى الشيخ الطريفي هو اِستِحلالُه مالِ مَجهولِ الحالِ في دُوَلِ الكُفَّارِ، مع عِلْمِ كُلِّ أَحَدٍ أنَّه لا يَكادُ يُوجَدُ الآنَ دَولةٌ في العالَمِ تَخلو مِن وُجودِ مُسلِمِين فيها يَحمِلون جِنْسِيَّتَها. وَقَدْ جاءَ على موقعِ وزارة الخارجية الإسرائيلية في هذا الرابط: فيما يَلِي مَجموعةٌ مِنَ البَياناتِ المُتَعَلِّقةِ بالمُسلِمِين مُواطِنِي دَولةِ إِسْرَائِيلَ، أيْنَ يَعمَلون، وأيْنَ يَدرُسون، وفي أَيِّ سِنٍّ يَتَزَوَّجون، وما نَصِيبُهم مِن مَجموعِ السُّكانِ، وغيرُ ذلك، وقد قامَتْ بِجَمعِ البَياناتِ دائرةُ الإحصاءِ المَركَزِيَّةِ؛ في نِهايَةِ سَنَةِ 2011 قُدِّرَ تَعْدادُ السُّكَّانِ المُسلِمِين في إِسْرَائِيلَ بـ (1.354 مليون نسمة)، وهو اِرتِفاعٌ نِسبَتُه نَحوَ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ نَسَمةٍ مُقارَنةً بِنِهايَةِ سَنَةِ 2010، أمَّا مَجموعُ سُكَّانِ دَولةِ إِسْرَائِيلَ فَقَدْ بَلَغَ بِنِهايَةِ سَنَةِ 2011 (7.8 مليون نسمة)، ما يَعنِي أنَّ نِسبةَ المُسلِمِين مِن مَجموعِ سُكَّانِ دَولةِ إِسْرَائِيلَ بَلَغَتْ 17.36%. انتهى. وقالَ الشيخُ عبدُالعزيز بنُ مبروك الأحمدي (الأستاذ بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (اختلاف الدارين وآثاره في أحكام الشريعة الإسلامية): يَسكُنُ دارَ الكُفرِ الحَربِيَّةَ [قالَ الشيخُ محمد بن موسى الدالي على موقعِه في هذا الرابط: فَدَارُ الكُفْرِ، إذا أُطْلِقَ عليها (دارُ الحَرْبِ) فَباعتِبارِ مَآلِها وتَوَقُّعِ الحَرْبِ منها، حتى ولو لم يكنْ هناك حَرْبٌ فِعلِيَّةٌ مع دارِ الإسلامِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ عبدُالله الغليفي في كتابِه (أحكام الديار وأنواعها وأحوال ساكنيها): الأصْلُ في (دارِ الكُفْرِ) أنَّها (دارُ حَرْبٍ) ما لم تَرْتَبِطْ مع دارِ الإسلامِ بعُهودٍ ومَواثِيقَ، فَإنِ اِرتَبَطَتْ فتُصْبِحَ (دارَ كُفْرٍ مُعاهَدةً)، وهذه العُهودُ والمَواثِيقُ لا تُغَيِّرُ مِن حَقِيقةِ دارِ الكُفْرِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ مشهور فوّاز محاجنة (عضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين) في (الاقتِراض مِنَ البُنوكِ الرِّبَوِيَّةِ القائمةِ خارِجَ دِيَارِ الإسلامِ): ويُلاحَظُ أنَّ مُصطَلَحَ (دارِ الحَرْبِ) يَتَداخَلُ مع مُصطَلَحِ (دارِ الكُفْرِ) في اِستِعمالاتِ أَكثَرِ الفُقَهاءِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ محاجنة-: كُلُّ دارِ حَرْبٍ هي دارُ كُفْرٍ ولَيسَتْ كُلُّ دارِ كُفْرٍ هي دارَ حَرْبٍ. انتهى. وجاءَ في الموسوعةِ الفقهيةِ الكُوَيْتِيَّةِ: أَهْلُ الحَرْبِ أو الحَرْبِيُّون، هُمْ غيرُ المُسلِمِين، الذِين لم يَدْخُلوا في عَقْدِ الذِّمَّةِ، ولا يَتَمَتَّعون بأَمَانِ المُسلِمِين ولا عَهْدِهم. انتهى. وقالَ مركزُ الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: أمَّا مَعْنَى الكافِرِ الحَرْبِيِّ، فهو الذي ليس بَيْنَه وبين المُسلِمِين عَهْدٌ ولا أَمَانٌ ولا عَقْدُ ذِمَّةٍ. انتهى. وقالَ الشيخُ حسينُ بنُ محمود في مَقالةٍ له على هذا الرابط: ولا عِبْرةَ بقَولِ بعضِهم {هؤلاء مَدَنِيُّون}، فليس في شَرْعِنا شيءٌ اسْمُهُ (مَدَنِيٌّ وعَسْكَرِيٌّ)، وإنَّما هو (كافرٌ حَرْبِيٌّ ومُعاهَدٌ)، فكُلُّ كافرٍ يُحارِبُنا، أو لم يَكُنْ بيننا وبينه عَهْدٌ، فهو حَرْبِيٌّ حَلَالُ المالِ والدَّمِ والّذُرِّيَّةِ [قالَ الْمَاوَرْدِيُّ (ت450هـ) في (الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي) في بَابِ (تَفْرِيقِ الْغَنِيمَةِ): فَأَمَّا الذُّرِّيَّةُ فَهُمُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، يَصِيرُونَ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ مَرْقُوقِينَ. انتهى باختصار]. انتهى. وقالَ الشيخُ محمدُ بنُ رزق الطرهوني (الباحث بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، والمدرس الخاص للأمير عبدالله بن فيصل بن مساعد بن سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود) في كتابِه (هلْ هناك كُفَّارٌ مَدَنِيُّون؟ أو أَبْرِيَاءُ؟): لا يُوجَدُ شَرْعًا كافرٌ بَرِيءٌ، كما لا يُوجَدُ شَرْعًا مُصْطَلَحُ (مَدَنِيّ) وليس له حَظٌّ في مُفْرَداتِ الفقهِ الإسلاميِّ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الطرهوني-: الأصلَ حِلُّ دَمِ الكافِرِ ومالِه -وأنَّه لا يُوجَدُ كافرٌ بَرِيءٌ ولا يُوجَدُ شيءٌ يُسَمَّى (كافِر مَدَنِيّ)- إلَّا ما اِستَثناه الشارِعُ في شَرِيعَتِنا. انتهى. وقالَ الْمَاوَرْدِيُّ (ت450هـ) في (الأحكام السلطانية): وَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَقْتُلَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْ مُقَاتِلَةِ [المُقَاتِلَةُ هُمْ مَن كانوا أَهْلًا للمُقاتَلةِ أو لِتَدبِيرِها، سَوَاءٌ كانوا عَسْكَرِيِّين أو مَدَنِيِّين؛ وأمَّا غيرُ المُقاتِلةِ فَهُمُ المرأةُ، والطِّفْلُ، وَالشَّيْخُ الهَرِمُ، وَالرَّاهِبُ، وَالزَّمِنُ (وهو الإنسانُ المُبْتَلَى بعاهةٍ أو آفةٍ جَسَدِيَّةٍ مُستمِرَّةٍ تُعْجِزُه عنِ القتالِ، كَالْمَعْتُوهُ وَالأَعْمَى والأَعْرَجُ والمَفْلُوجُ "وهو المُصابُ بالشَّلَلِ النِّصْفِيِّ" والْمَجْذُومُ "وهو المُصابُ بالْجُذَامِ وهو داءٌ تَتَساقَطُ أعضاءُ مَن يُصابُ به" والأَشَلُّ وما شابَهَ)، وَنَحْوُهِمْ] الْمُشْرِكِينَ مُحَارِبًا وَغَيْرَ مُحَارِبٍ [أَيْ سَوَاءٌ قاتَلَ أم لم يُقاتِلْ]. انتهى. وقالَ قَاضِي الْقُضَاةِ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ (ت733هـ): يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَقْتُلَ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنَ الْكُفَّارِ الْمُحَارِبِين [وَهُمُ الذِين ليس بَيْنَهم وبين المُسلِمِين عَهْدٌ ولا أَمَانٌ ولا عَقْدُ ذِمَّةٍ، سَوَاءٌ كانوا عَسْكَرِيِّين أو مَدَنِيِّين]، سَوَاءٌ كَانَ مُقَاتِلًا أَو غَيرَ مُقَاتِلٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُقْبِلًا أَو مُدْبِرًا، لِقَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ}. انتهى من (تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام). وقالَ الشيخُ يوسف العييري في (حقيقة الحرب الصليبية الجديدة): فالدُّوَلُ تَنقَسِمُ إلى قِسمَين، قِسمٌ حَرْبِيٌّ (وهذا الأصلُ فيها)، وقِسمٌ مُعاهَدٌ؛ قالَ ابنُ القيم في (زاد المعاد) واصِفًا حالَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم بعدَ الهجرةِ، قالَ {ثُمَّ كَانَ الْكُفَّارُ مَعَهُ بَعْدَ الأَمْرِ بِالْجِهَادِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ، أَهْلُ صُلْحٍ وَهُدْنَةٍ، وَأَهْلُ حَرْبٍ، وَأَهْلُ ذِمَّةٍ}، والدُّوَلُ لا تكونُ ذِمِّيَّةً، بَلْ تكونُ إمَّا حَرْبِيَّةً أو مُعاهَدةً، والذِّمَّةُ هي في حَقِّ الأفرادِ في دارِ الإسلامِ، وإذا لم يَكُنِ الكافرُ مُعاهَدًا ولا ذِمِّيًّا فإنَّ الأصلَ فيه أنَّه حَرْبِيٌّ حَلَالُ الدَمِ، والمالِ، والعِرْضِ [بِالسَّبْيِ]. انتهى] نَوعان مِنَ الناسِ؛ الأوَّلُ، الكُفَّارُ، وَهُمُ الأصْلُ [أَيْ أنَّ الأصلَ في سُكَّانِ دارِ الكُفرِ هو الكُفرُ؛ وهو ما يَتَرَتَّبُ عليه الحُكمُ بِتَكفِيرِ مَجهولِ الحالِ مِن سُكَّانِ الدَّارِ، في الظاهِرِ لا الباطِنِ، حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُ ذَلِكَ. قلتُ: وَكَذَلِكَ دارُ الإسلامِ، فإنَّ مَجهولَ الحالِ فيها مَحكومٌ بِإسلامِه، في الظاهِرِ لا الباطِنِ، حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُ ذَلِكَ]، وَهُمْ غَيرُ مَعصومِي الدَّمِ والمالِ، فَدِماؤهم وأموالُهم مُباحةٌ لِلمُسلِمِين، ما لم يَكُنْ بينهم وبين المُسلِمِين عَقْدُ عَهْدٍ ومُوادَعةٍ، لِأنَّ العِصمةَ في الشَّرِيعةِ الإسلامِيَّةِ لا تَكونُ إلَّا بِأحَدِ أمرَين، بِالإيمانِ أوِ الأمانِ، والأمرُ الأوَّلُ مُنْتَفٍ بِالنِّسبةِ لِلكُفَّارِ، وبَقِيَ الأمرُ الثانِي فَإنْ وُجِدَ لهم -وهو الأمانُ- فَقَدْ عَصَمَ أموالَهم ودِماءَهم؛ الثاني مِن سُكَّانِ دارِ الكُفرِ [هُمُ] المُسلِمون، والمُسلِمُ الذي يَسكُنُ في دارِ الكُفرِ إمَّا أنْ يَكونَ مُستَأمَنًا أَيْ دَخَلَ دارَهم بِإذنِهم، وإمَّا أنْ لا يَكونُ مُستَأمَنًا أَيْ دَخَلَ دارَهم بِدونِ إذنِهم ورِضاهم، وهو في كِلْتا الحالَتَين مَعصومُ الدَّمِ والمالِ بِالإسلامِ. انتهى باختصار. وقالَتْ عزيزةُ بنتُ مطلق الشهري (أستاذة الفقه وأصوله في جامعة الملك عبدالعزيز) في (قواعد الغلبة والندرة وتطبيقاتها الفقهية): فإذا بُنِيَ حُكْمٌ شَرعِيٌّ على أَمْرٍ غالِبٍ وشائعٍ، فإنَّه يُبْنَى عامًّا للجميعِ، ولا يُؤَثِّرُ فيه تَخَّلُفُ بعضِ الأفرادِ، لِأنَّ الأَصْلَ في الشريعةِ اِعتِبارُ الغالِبِ، أمَّا النادِرُ فلا أَثَرَ له، فلَوْ كان هناك فَرْعٌ مَجهولُ الحُكْمِ مُتَرَدِّدٌ بين اِحتِمالَين أَحَدُهما غالِبٌ كَثِيرٌ والآخَرُ قَلِيلٌ نادِرٌ، فإنَّه يُلْحَقُ بالكَثِيرِ الغالِبِ دُونَ القَلِيلِ النادِرِ... ثم قالَتْ -أَيِ الشهري-: يقولُ الريسوني [رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في كتابه (نظرية التقريب والتغليب)] {إنَّ الضرورةَ الواقعةَ والبَدَاهةَ العقلِيَّةَ تَدْفَعان إلى الأَخْذِ بالغالِبِ، وتُشِيران إلى أنَّه [هو] الصَّوابُ المُمْكِنُ، وما دامَ هو الصَّوَابَ المُمْكِنَ فإنَّه هو المطلوبُ وهو المُتَعَيِّنُ، والأَخْذُ به هو الصَّوَابُ ولَوِ احتَمَلَ الخَطَأَ في باطِنِ الأَمْرِ الذي لا عِلْمَ لنا به}... ثم قالَتْ -أَيِ الشهري-: وقالَ القرافي [ت684هـ] في (الفروق) {القاعدةُ أنَّ الدائرَ بَيْنَ الغالِبِ والنادِرِ إضافَتُه إلى الغالِبِ أَوْلَى}. انتهى باختصار. وقالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ في (مجموع الفتاوى): فَالأَصْلُ إلْحَاقُ الْفَرْدِ بِالأَعَمِّ الأَغْلَبِ. انتهى. وقالَ الشيخُ محمد الزحيلي (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) في كتابِه (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة): إذا دارَ الشَّيءُ بين الغالِبِ والنادِرِ فإنَّه يُلحَقُ بالغالِبِ. انتهى.

 

(2)قالَ مَوقِعُ (النَّهارُ العَرَبِيُّ) التابع لِجَريدةِ النَّهارِ اللبنانيةِ في مقالةٍ بعنوان (ماذا تَعَلَّم حِزبُ اللهِ هَذا الشَّهْرَ؟) على هذا الرابط: فَقَبْلَ ثَلَاثَةِ شُهُورٍ، شَنَّتْ حَرَكةُ حَمَاسٍ هُجُومًا صاروخِيًّا ضِدَّ إسرائيلَ، وحَرَّضَتْ مُسلِمِي إسرائيلَ على اِرتِكابِ مَذابِحَ ضِدَّ اليَهودِ في مُختَلَفِ مُدُنِ البِلادِ. انتهى. قُلْتُ: والشاهِدُ هُنا هو أنَّنا لم نَسمَعْ أحَدًا مِنَ العُلَماءِ أنكَرَ قَصْفَ حَمَاسٍ إسرائيلَ بِالصَّوارِيخِ مع العِلْمِ أنَّ الصَّاروخَ لن يُفَرِّقَ بَيْنَ مُسلِمٍ إسرائيلِيٍّ ويَهودِيٍّ إسرائيلِيٍّ، وهو ما يُفِيدُ اِستِحلالَ دَمِ مَجهولِ الحالِ في دُوَلِ الكُفَّارِ.

 

(3)وجاءَ في فتوى بعنوان (حُكمُ الأكلِ مِنَ الذَّبِيحةِ التي لا يُعْلَمُ حالُ ذابِحِها) على مَوقِعِ الشيخِ اِبنِ باز، أنَّ الشيخَ سُئِلَ: يَسألُ أَخُونا مِن (تُونِسَ)، فَيَقولُ {في بَعضِ الحالات يَحْصُلُ تَجَمُّعٌ في مُنَاسَبَةٍ، ويُؤتَى بِطَعامٍ، وفيه لَحْمٌ لا يُعْرَفُ هَلْ ذابِحُه يُصَلِّي أمْ لا، هَلْ نَمتَنِعُ عنِ الأكلِ منه خَشْيَةَ أَنْ يَكونَ الذابِحُ لا يُصَلِّي، لِكَثْرَةِ تارِكِي الصَّلاةِ في مُجتَمَعٍ ما مَثَلًا، أو لِكَثْرَةِ المُتساهِلِين بها، وَجِّهُونا جَزاكم اللهُ خَيرًا؟}. فأجابَ الشيخُ: إذا كُنتَ بَيْنَ المُسلِمِين وفي بَيْتِ أخِيك المُسلِم الذي لا تَظُنُّ به إلَّا الخَيرَ فَكُلْ مِمَّا قُدِّمَ إليك ولا تَشُكَّ في أخِيك ولا تُحَكِّمْ سُوءَ الظَّنِّ، أمَّا إذا كُنتَ في مُجْتَمَعٍ لا يُصَلِّي فاحْذَرْ، أو في مُجْتَمَعٍ كافِرٍ، فلا تَأكُلْ ذَبِيحَتَهم، كُلْ مِنَ الفاكِهةِ والتَّمْرِ، ونَحوِ ذلك مِمَّا لا تَعَلُّقَ له بِالذَّبِيحةِ، أمَّا إذا كُنتَ بَيْنَ المُسلِمِين أو في قَريَةٍ مُسلِمةٍ أو في جَوٍّ مُسلِمٍ فَعَلَيْكَ بِحُسنِ الظَّنِّ وَدَعْ عنك سُوءَ الظَّنِّ [قالَ الْقُرْطُبِيُّ في (الجامع لأحكام القرآن): وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الظَّنَّ الْقَبِيحَ بِمَنْ ظَاهِرُهُ الْخَيْرُ لَا يَجُوزُ، وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي الظَّنِّ الْقَبِيحِ بِمَنْ ظَاهِرُهُ الْقَبِيحُ. انتهى. وقالَ الشيخُ اِبْنُ عثيمين في (الشرح الممتع): وأمَّا مَن عُرِفَ بِالفُسوقِ والفُجورِ، فَلا حَرَجَ أنْ نُسِيءَ الظَّنَّ به، لِأنَّه أهلٌ لِذلك. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو بصير الطرطوسي في (قواعدُ في التكفير): القَرائنُ ولَحْنُ القَولِ تُلزِمُنا بِالحَذَرِ والحَيْطَةِ مِن أهلِ النِّفاقِ. انتهى باختصار]. انتهى. قلتُ: والشاهِدُ مِن فتوى الشيخِ اِبنِ باز هو مَنْعُه مِن أكْلِ ذَبِيحَةِ مَجهولِ الحالِ في المُجتَمَعاتِ التي يَغْلِبُ عليها تَرْكُ الصَّلاةِ. وقَدْ قالَ الشيخُ ربيع المدخلي (رئيسُ قسمِ السُّنَّةِ بالدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (انقضاض الشُّهُبِ السَّلَفِيَّةِ): قالَ عدنان [يَعْنِي الشيخَ (عدنان العرعور) الحاصِلَ على (جائزة نايف بن عبدالعزيز آل سعود العالمية للسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ والدراسات الإسلامية المعاصرة)] في شَرِيطٍ بعنوانِ (أنواع الخلاف "29 ربيع الثاني 1418هـ - أَمِسْتِرْدَام / هُولَنْدَا") {لا نَلُومُ الإمامَ أحمدَ في تَكفِيرِ تارِكِ الصَّلَاةِ... إنَّ المُسلِمِين صاروا 90% منهم على مَذهَبِ [الإمامِ] أحمدَ كُفَّارًا، فَلِماذا يُلَامُ (سيد قطب) رَحِمَه اللهُ، ونَقولُ (هذا [أَيِ الشيخُ (سيد قطب)] يُكَفِّرُ المُجتَمَعاتِ)؟، ولا يُلَامُ الإمامُ أحمدُ وقَدْ حَكَمَ على هذه الشُّعوبِ كُلِّها بِالكُفرِ، وبِالتالِي فإنَّ مِصْرَ وسُورِيَا والشَّامَ وباكستانَ كُلَّهم شُعُوبٌ غَيرُ مُسْلِمةٍ، وصارَتِ المُجتَمَعاتُ مُجتَمَعاتِ دارِ حَرْبٍ، كُلُّهم [أَيْ كُلُّ مَن في هذه المُجتَمَعاتِ] كُفَّارٌ إلَّا المُصَلِّين؟}. انتهى باختصار.

 

(4)وفي هذا الرابط سُئلَتِ اللجنةُ الدائمةُ للبحوثِ العِلميَّةِ والإِفتاءِ (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود): نحن في بِلادٍ اِختَلَطَ فيها النَّصارَى والوَثَنِيُّون والمسلمون الجاهلون، فلا نَدْرِي أَذَكَرُوا اِسمَ اللهِ على ذبائحِهم أَمْ لا، فما حُكْمُ الأَكْلِ مِن ذَبائحِ هؤلاء جميعًا؟ مع صُعوبةِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ ذَبائحِهم، بَلْ في ذلك مَشقَّةٌ وحَرَجٌ، وهناك ذبائحُ أُخْرَى مذبوحةٌ بالآلاتِ مُسْتَورَدَةٌ مِن بِلادِ الكُفارِ، فما الحُكْمُ؟. فَأجابَتِ اللَّجنةُ: إذا كان الأَمْرُ كما ذُكِرَ مِنِ اِختلاطِ مَن يَذبحون الذبائحَ مِن أهلِ الكِتابِ والوَثَنِيِّين وجَهَلَةِ المسلمِين، ولم تَتَمَيَّزْ ذَبائحُهم ولم يُدْرَ أَذَكَرُوا اِسمَ اللهِ عليها أَمْ لا، حَرُمَ على مَنِ اِختَلَطَ عليه حالُ الذابِحِين الأَكْلُ مِن ذَبائحِهم، لأنَّ الأصْلَ تحريمُ بَهِيمةِ الأَنْعامِ [قالَ اِبنُ كَثِيرٍ في تَفسِيرِه: بَهِيمةُ الأَنْعامِ هي الإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ. انتهى] وما في حُكْمِها مِن الحَيَواناتِ [كَالْخَيْلِ]، إلَّا إذا ذُكِّيَتِ الذَّكاةَ الشَّرعِيَّةَ، وفي هذه المسألةِ وَقَعَ شَكٌّ في التَّذْكِيَةِ، هَلْ هي شَرعِيَّةٌ أو لا، بسَبَبِ اختلاطِ الذابِحِين، ومنهم مَن تَحِلُّ ذَبِيحتُه، ومَن لا تَحِلُّ ذَبِيحتُه كالوَثَنِيِّ والمُبتَدِعِ مِن جَهَلةِ المسلمِين بِدَعًا شِركِيَّةً، أَمَّا مَن تَميَّزَتْ عنده ذَبائحُهم فَلْيَأْكُلْ منها ما ذَبَحَه المسلمُ أو الكِتابيُّ، الذي عُرِفَ أنه ذَكَرَ على ذبيحتِه اسمَ اللهِ، أو لم يُدْرَ عنه أَذَكَرَ اسمَ اللهِ أَمْ لا [قالَ الشيخُ اِبنُ عثيمين في فتوى صَوتِيَّةٍ مُفَرَّغةٍ له على موقعه في هذا الرابط: ولهذا كانَ القَولُ الصَّحِيحُ في هذه المَسألةِ ما اِختارَه شيخُ الإسلامِ اِبنُ تيميةَ رَحمِه اللهُ، وهو أنَّ الذَّكاةَ يُشتَرَطُ فيها التَّسمِيَةُ، وأنَّ التَّسمِيَةَ في الذَّكاةِ لا تَسقُطُ سَهوًا ولا جَهلًا ولا عَمدًا، وأنَّ ما لم يُسَمَّ اللهُ عليه فهو حَرامٌ مُطلَقًا وعلى أيِّ حالٍ، لِأنَّ الشَّرطَ لا يَسقُطُ بِالنِّسيَانِ ولا بِالجَهلِ. انتهى. وجاءَ في مقالة بعنوان (تزكية الحيوان الشرعية) على موقع صحيفة (اليوم) السعودية في هذا الرابط: تَوَصَّل فَرِيقٌ مِن كِبارِ الباحِثِين وأساتِذةِ الجامِعاتِ في سُورِيَا إلى اِكتِشافٍ عِلمِيٍّ يُبَيِّنُ أنَّ هُناك فَرقًا كَبِيرًا مِن حَيْثُ التَّعقِيمُ الجُرْثُومِيُّ بين اللَّحْمِ المُكَبَّرِ عليه واللَّحْمِ غَيرِ المُكَبَّرِ عليه؛ [فَقَدْ] قامَ فَرِيقٌ طِبِّيٌّ يَتَأَلَّفُ مِن 30 أُستاذًا بِاختِصاصاتٍ مُختَلِفةٍ في مَجالِ الطِّبِّ المَخبَرِيِّ والجَراثِيمِ والفَيروساتِ والعُلومِ الغِذائِيَّةِ وصِحَّةِ اللُّحومِ والباثولوجيا التَّشرِيحِيَّةِ [وصِحَّةِ] الحَيَوانِ والأمراضِ الهَضمِيَّةِ وجِهازِ الهَضمِ، بِأبحاثٍ مَخبَرِيَّةٍ جُرْثُومِيَّةٍ وتَشرِيحِيَّةٍ على مَدَى ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ، لِدِراسةِ الفَرْقِ بين الذَّبائحِ التي ذُكِرَ اِسمُ اللهِ عليها ومُقارَنَتِها مع الذَّبائحِ التي تُذبَحُ بِنَفْسِ الطَّرِيقةِ ولَكِنْ بِدونِ ذِكْرِ اِسمِ اللهِ عليها، وأكَّدَتِ الأبحاثُ أَهَمِّيَّةَ ذِكْرِ اِسمِ اللهِ (بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُ أَكْبَرُ) على ذَبائحِ الأنعامِ والطُّيورِ لَحْظَةَ ذَبْحِها، وقالَ مَسئولُ الإعلامِ عن هذا البَحثِ الدُّكْتُورُ خالد حلاوة {إنَّ التَّجارِبَ المَخبَرِيَّةَ أثْبَتَتْ أنَّ نَسِيجَ اللَّحمِ المَذبوحِ بِدونِ تَسمِيَةٍ وتَكبِيرٍ مَلِيءٌ بمُستَعْمَراتِ الجَراثِيمِ ومُحْتَقَنٌ بِالدِّماءِ، بينما كانَ اللَّحمُ المُسَمَّى والمُكَبُّرُ عليه خالِيًا تَمامًا مِنَ الجَراثِيمِ ومُعَقَّمًا ولا يَحتَوِي نَسِيجُه على الدِّماءِ}. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط على موقعِ الشيخِ ابنِ جبرين (عضو الإفتاء بالرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء)، سُئِلَ الشيخُ {مَن سافَرَ لِلخارِجِ، هَلْ يَجوزُ له أكْلُ اللَّحمِ وشِراؤه مِنَ النَّصارَى واليَهودِ هناك؟، وهَلْ يَسألُ كَيفَ تَمَّ ذَبحُ البَهِيمةِ؟ وهل سُمِّيَ عليها؟ أو يَأكُلُ بِدونِ سُؤالٍ؟}، فأجابَ الشيخُ: لا يَجوزُ له أكلُ اللُّحومِ المَشكوكِ في كَيفِيَّةِ ذَبْحِها ولو كانَ الذِين يَتَوَلَّوْن ذَبْحَها مِنَ النَّصارَى أوِ اليَهودِ، وذلك لأنَّهم لا يُعْتَبَرُون مِن أهلِ الكِتابِ لِعَدَمِ التِزامِهم بِما في كُتُبِهم، وَهَكَذَا لا يَذْبَحون ذَبحًا شَرعِيًّا، والذَّبحُ [الشَّرعِيُّ يَكونُ] بِآلةٍ حادَّةٍ وتَصفِيَةِ الدَّمِ، وفي الغالِبِ أنَّهم يَذْبَحون بِالصَّعْقِ، أو بِالقَتلِ بِغَيرِ الذَّبحِ، ولا يَعْتَبِرُون التَّسمِيَةَ عند الذَّبحِ شَرطًا لِلحِلِّ والإباحةِ، فَنَقولُ لِلمُسافِرِين، اِذبَحوا لِأنفُسِكم، أو تَأكَّدوا أنَّ الذابِحَ مِن أهلِ حِلِّ الذَّكاةِ وتَأكَّدوا مِن أسبابِ الذَّكاةِ، أوِ اِقتَصِروا على الأكلِ مِن لَحمِ السَّمَكِ ونَحوِه حتى لا تَقَعوا في أكْلِ الحَرامِ وأنتم لا تَشعُرون فإنَّ ذلك مِنَ السُّحْتِ، ووَرَدَ الحَدِيثُ {مَنْ نَبَتَ لَحْمُهُ عَلَى السُّحْتِ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ}. انتهى. وقالَ الشيخُ عبدالعزيز الناصر الرشيد في مجلة البحوث الإسلامية (التي تَصْدُرُ عنِ الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد): أَمَّا هذه اللُّحُومُ فإنَّها وإنْ كانتْ تُسْتَوْرَدُ مِن بلاد تَدَّعِي أنها كِتابيَّةٌ، فإنَّها حرامٌ ومَيْتَةٌ ونَجِسَةٌ، فَلا يَجوزُ بَيْعُها ولا شِراؤها، وتَحْرُمُ قِيمَتُها كَما في الحَدِيثِ {إنَّ اللهَ إذا حَرَّمَ شيئًا حَرَّمَ ثَمَنَه}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الرشيد-: إنَّ هذه الدُّوَلَ في الوقتِ الحاضرِ قد نَبَذَتِ الأَدْيَانَ وخَرَجَتْ عليها، وكَوْنُ الشَّخْصِ يَهُودِيًّا أو نَصْرَانِيًّا، هو بِتَمَسُّكِه بأحكامِ ذلك الدِّينِ، أَمَّا إذا تَرَكَه ونَبَذَه وَراءَ ظَهْرِه فلا يُعَدُّ كِتابِيًّا، والانْتِسابُ فَقَطْ دُونَ العَمَلِ لا يَنْفَعُ، كما أنَّ المُسلِمَ مُسلِمٌ بِتَمَسُّكِه بدِينِ الإسلامِ، فإذا تَرَكَه فليس بِمُسلِمٍ ولو كان أَبَوَاه مُسلِمَين، فإنَّ مُجَرَّدَ الانتِسابِ لا يُفِيدُ، وقد رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ في نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ {إِنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذوا مِنْ دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ سِوَى شُرْبِ الْخَمْرِ}؛ قالَ الشيخُ تقي الدين بنُ تيميةَ رَحِمَه اللهُ [في الفتاوى الكبرى] {إِنَّ كَوْنَ الرَّجُلِ كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَ كِتَابِيٍّ هُوَ حُكْمٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ لَا بِنَسَبِهِ، وَكُلُّ مَنْ تَدَيَّنَ بِدِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَهُوَ مِنْهُمْ، سَوَاءٌ كَانَ أَبُوهُ أَوْ جَدُّهُ دَخَلَ فِي دِينِهِمْ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، وَسَوَاءٌ كَانَ دُخُولُهُ قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ الصَّرِيحُ عَنْ أَحْمَدَ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الثَّابِتُ عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلَا أَعْلَمُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ نِزَاعًا، وَقَدْ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ هَذَا إجْمَاعٌ قَدِيمٌ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الرشيد-: إنَّ اللهَ أباحَ ذبائحَ أهلِ الكِتابِ لِأنَّهم يَذْكُرون اسمَ اللهِ عليها، كَما ذَكَرَه اِبنُ كَثِيرٍ وغَيرُه، أمَّا الآنَ فَقَدْ تَغيَّرتِ الحالُ؛ فَهُمْ ما بَيْنَ مُهْمِلٍ لِذِكْرِ اللهِ، فَلا يَذكُرُون اِسمَ اللهِ ولا اسمَ غيرِه؛ أو ذاكِرٍ لاسمِ غَيرِه، كاسمِ المَسِيحِ أو الْعُزَيْرِ أو مَرْيَمَ، ولا يَخْفَى حُكْمُ ما أُهِلَّ لغَيرِ الله به، و[قد جاءَ] في سِيَاقِ المُحَرَّماتِ {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ}، وفي حديثِ عَلِيٍّ {لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ} الحديثَ، رَوَاهُ مسلم والنسائي؛ أو ذاكِرٍ عليه اِسمَ اللهِ واسمَ غَيرِه؛ أو ذابحٍ لِغَيرِ اللهِ، كالذي يَذبَحُ لِلمَسِيحِ أو عُزَيْرٍ، فهذا لا يَشُكُّ مُسلِمٌ بتَحرِيمِه، وأنَّه مِمَّا أُهِلَّ به لِغَيرِ اللهِ. انتهى باختصار. وفي هذا الرابط قالَ مركزُ الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر: ليس كُلُّ ما كُتِبَ عليه (حَلَالٌ) أو كُتِبَ عليه (ذُبِحَ على الطَّرِيقةِ الإسلامِيَّةِ) يَجوزُ أَكْلُه، فإنَّ هذه العِبارةَ قَدْ تُستَخدَمُ لِلتَّضلِيلِ، ويَدُلُّ على ذلك أنَّ بَعضَهم كَتَبَ على بَعضِ اللُّحومِ (لَحْمُ خِنْزِيرٍ مَذبوحٌ على الطَّرِيقةِ الإسلامِيَّةِ)، وبَعضَهم كَتَبَها على عُلَبِ السَّمَكِ (التُّونَةِ)، مِمَّا يَدُلُّ على أنَّهم يَستَخدِمونها كَشِعارٍ وأحيانًا يَضَعُونها في غَيرِ مَحَلِّها، فَيَنبَغِي لِلمُسلِمِ أنْ يَتَنَبَّهَ لِمِثْلِ هذه الأُمورِ ويَتَحَرَّى الحَلَالَ. انتهى]، ولا يَأكُلُ مِن ذَبِيحةِ الوَثَنِيِّ ولا المسلمِ المُبتَدِعِ بِدَعًا شِركِيَّةً، سَوَاءٌ ذَكَرُوا اسمَ اللهِ عليها أَمْ لا، ويَنبَغِي للمسلمِ أنْ يَحْتاطَ لِنَفْسِه في جَمِيعِ شُؤونِ دِينِه، ويَتَحَرَّى الحلالَ في طَعَامِه وشَرَابِه ولِبَاسِه وجميعِ شُؤونِه، ففي مِثْلِ ما سُئلَ عنه يَجْتَهِدُ أهلُ السُّنَّةِ أنْ يَختاروا لِأنْفُسِهم مَن يَذبَحُ لهم الذَّبائحَ. انتهى. قُلْتُ: والشاهِدُ مِن فتوى اللجنةِ الدائمةِ هو مَنْعُها مِن أكْلِ ذَبِيحَةِ مَجهولِ الحالِ في المُجتَمَعاتِ التي يَغْلِبُ عليها الوَثَنِيُّون وجَهَلَةُ المُسلِمِين المُبتَدِعِين بِدَعًا شِركِيَّةً.

 

(5)وقالَ الشيخُ عبدُالكريم الخضير (عضو هيئة كِبار العلماء بالديار السعودية، وعضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في مُحاضَرةٍ بِعُنْوانِ (دَعْ ما يُرِيبُكَ إلى ما لا يُرِيبُكَ) مُفَرَّغَةٍ على موقِعِه في هذا الرابط: حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قَالَتْ {إِنَّ قَوْمًا قَالُوا (يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ، لا نَدْرِي أَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لا)، فَقَالَ (سَمُّوا اللهَ عَلَيْهِ وَكُلُوهُ)}، هَلْ مَعْنَى هذا أنَّك إذا وَجَدْتَ أَيَّ لَحْمٍ تَأْكْلُ؟؛ نَعَمْ، إنْ كانَ في بِلادِ المُسلِمِين فَلا يَجِبُ عليك أنْ تَسأَلَ؛ لكنْ إذا كان [أَيِ اللَّحْمُ] وافِدًا مِن بلادِ كُفرٍ، وهذه البِلادُ (لَيْسَتْ كِتابِيَّةً) أَوِ اِحتِمالٌ أنْ (تَكُونَ كِتابِيَّةً أو غيرَ كِتابِيَّةٍ)، يَجِبُ عليك أنْ تَسأَلَ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخضير-: ففي الخَبَرِ أنَّ هؤلاء القَوْمَ الذِين يَأْتُون بِاللَّحْمِ مُسلِمون، لكنَّهم حَدِيثُو عَهْدٍ بِالإِسْلَامِ، احتِمالٌ أنْ يكونوا سَمَّوْا، واحتِمالٌ أنْ يكونوا لَمْ يُسَمُّوا، فأنتَ إذا ذَهَبْتَ إلى الجَزَّارِ (جَزَّارٍ مُسلِمٍ)، هو الذي ذَبَحَ بِنَفْسِه، هَلْ يَلْزَمُكَ أنْ تَقولَ {هَلْ ذَبَحْتَه على الطَّرِيقةِ الإسلامِيَّةِ؟}؛ ما يَلْزَمُكَ، لأنَّ المًسلِمَ الأَصْلُ في ذَبِيحَتِه أنَّها حَلَالٌ؛ لكنْ إذا شَكَكْتَ في أَمْرِه (هَلْ هو مُسلِمٌ وَلَّا غَيْرُ مُسلِمٍ؟)، تَسأَلُ، لا بُدَّ أنْ تَسأَلَ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الخضير-: فَهؤلاء القَوْمُ الذِين يَأْتُون بِاللَّحْمِ هُمْ مُسلِمون، لَكِنَّهم حَدِيثُو عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ، لا يُسأَلُ عنهم (كَيفَ ذَبَحُوا، وهَلْ سَمَّوْا أو لم يُسَمُّوا). انتهى باختصار. قلتُ: والشاهِدُ مِن فتوى الشيخِ الخضير هو مَنْعُه مِن أكْلِ ذَبِيحَةِ مَجهولِ الحالِ في دُوَلِ الكُفَّارِ الغَيرِ كِتابِيَّةٍ، مع عِلْمِ كُلِّ أَحَدٍ أنَّه لا يَكادُ يُوجَدُ الآنَ دَولةٌ في العالَمِ تَخلو مِن وُجودِ مُسلِمِين فيها يَحمِلون جِنْسِيَّتَها.

 

(6)وفي هذا الرابط سُئلَتِ اللَّجنةُ الدائمة للبحوث العلمية والإِفتاء (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود): ما حُكمُ الذَّبائحِ التي تُباعُ في الأسواقِ في البِلَادِ التي لا يَسْلَمُ أهلُها مِنَ الشِّركِ مع دَعْوَاهُمُ الإسلامَ، لِغَلَبَةِ الجَهلِ والطُّرُقِ البِدْعِيَّةِ عليهم كالتِّيجانيَّةِ؟. فأجابَتِ اللَّجنةُ: إذا كانَ الأَمْرُ كَما ذُكِرَ في السُّؤالِ مِن أنَّ الذابِحَ يَدَّعِي الإسلامَ، وعُرِفَ عنه أنَّه مِن جَماعةٍ تُبِيحُ الاستِعانةَ بِغَيرِ اللهِ فيما لا يَقْدِرُ على دَفْعِه إلَّا اللَّهُ، وتَستَعِينُ بِالأمواتِ مِنَ الأنبِياءِ ومَن تَعتَقِدُ فيه الوِلَايَةَ مَثَلًا، فَذَبِيحَتُه كَذَبِيحةِ المُشرِكِين الوَثَنِيِّين عُبَّادِ اللَّاتِ والعُزَّى ومَنَاةَ ووَدٍّ وسُوَاعٍ ويَغُوثَ ويَعُوقَ ونَسْرٍ، لا يَحِلُّ للمُسْلِمِ الحَقِيقيِّ أَكْلُها، لِأنَّها مَيْتَةٌ، بَلْ حالُه أَشَدُّ مِن حالِ هؤلاء [أَيْ أنَّ حالَ هذا الذابِحِ أَشَدُّ مِن حالِ عُبَّادِ اللَّاتِ والعُزَّى]، لِأنَّه مُرتَدٌّ عنِ الإسلامِ الذي يَزْعُمُه، مِن أجْلِ لَجْئِهِ إلى غَيرِ اللهِ فيما لا يَقدِرُ عليه إلَّا اللهُ، مِن تَوفِيقِ ضالٍّ، وشِفاءِ مَرِيضٍ، وأمثالِ ذلك مِمَّا تُنْسَبُ فيه الآثارُ إلى ما وَراءَ الأسبابِ العادِيَّةِ مِن أَسرارِ الأمواتِ وبَرَكاتِهم، ومَن في حُكْمِ الأمواتِ مِنَ الغائِبِين الذِين يُنادِيهِمُ الجَهَلةُ لِاعتِقادِهم فيهم البَرَكَةَ، وأنَّ لهم مِنَ الخَوَاصِّ ما يُمَكِّنُهم مِن سَماعِ دُعاءِ مَنِ اِستَغاثَ بهم لِكَشْفِ ضُرٍّ أو جَلْبِ نَفْعٍ، وإنْ كانَ الدَّاعي في أَقْصَى المَشرِقِ والمَدْعُو في أَقْصَى المَغْرِبِ، وعلى مَن يَعِيشُ في بِلادِهم مِن أهلِ السُّنَّةِ أنْ يَنْصَحوهم ويُرْشِدوهم إلى التَّوحِيدِ الخالِصِ، فإنِ اِستَجابوا فالحَمدُ للهِ، وإنْ لم يَستَجِيبوا بَعْدَ البَيَانِ فلا عُذْرَ لهم [قلتُ: كَلامُ اللَّجنةِ هُنَا مَحمولٌ على العُذرِ في أحكامِ الآخِرةِ لا الدُّنْيا، في مَن كانَ جَهْلُه جَهْلَ عَجْزٍ لا جَهْلَ تَفْرِيطٍ، لِأنَّ المُفَرِّطَ قَدْ قامَتْ عليه الحُجَّةُ الرِّسالِيَّةُ التي بَعْدَ قِيامِها يَكْفُرُ ظاهِرًا وباطِنًا، ولِأنَّ العِبْرةَ في الحُجَّةِ الرِّسالِيَّةِ هي التَّمَكُّنُ مِنَ العِلْمِ، وليس العِلْمَ بالفِعْلِ]، أَمَّا إنْ لم يُعْرَفْ حالُ الذابِحِ لَكِنَّ الغالِبَ على مَن يَدَّعِي الإسلامَ في بِلادِه أنَّهم مِمَّن دَأْبُهم الاستِغاثةُ بِالأمواتِ والضَّرَاعَةُ إليهم، فيُحْكَمَ لِذَبِيحَتِه بِحُكمِ الغالِبِ، فَلا يَحِلَّ أَكْلُها... فسُئلَتْ -أَيِ اللَّجنةُ-: ما حُكمُ مَن أَكَلَ مِن هذه الذَّبائحِ وهو إمامُ مَسجِدٍ، هَلْ يُصَلَّى خَلْفَه؟. فأجابَتِ اللَّجنةُ: إذا كانَ إمامُ المَسجِدِ يَأكُلُ مِن هذه الذَّبائحِ بَعْدَ البَيَانِ له وإقامةِ الحُجَّةِ عليه مُستَبِيحًا لِأكْلِها، لم تَصِحَّ الصَّلاةُ خَلْفَه، لِاعتِقادِه حِلَّ ما حرَّمَ اللهُ مِنَ المَيْتَةِ، وإنْ كانَ يَأكُلُ منها بَعْدَ البَيَانِ له وإقامةِ الحُجَّةِ عليه مُعتَقِدًا حُرْمَتَها، فهو فاسِقٌ. انتهى. قلتُ: والشاهِدُ مِن فتوى اللَّجنةِ الدائمةِ هو مَنْعُها مِن أكْلِ ذَبِيحَةِ مَجهولِ الحالِ في البِلَادِ التي يَغْلِبُ على أهلِها الشِّركُ مع دَعْوَاهُمُ الإسلامَ، لِغَلَبَةِ الجَهلِ.

 

(7)وقالَ الشيخُ أبو عبدالله يوسف الزاكوري في مقالة له بعنوان (الرد على صالح السحيمي في مسألة التَّحَرِّي في الذبائح) على موقعه في هذا الرابط: سُئِلَ الشيخُ اِبنُ باز {في البلادِ التي تَكثُرُ فيها القُبورِيَّةُ، تُؤكَلُ ذبائحُهم على أصل السلامة؟، أو للإنسان أن يسأل؟، مِثْلَ، إذا نَزَلَ بَعْضَ البلادِ القُبورِيَّةِ مِثْلِ مِصْرَ أو باكِسْتانَ، هل له أن يَسْأَلَ أو يَكونَ على الأصل ويَأْكُلَ؟}؛ الجَوابُ {إذا كان يَتَّهِمُه يَسأَلُ ويَخشَى، لأن هذه البلاد ظَهَرَ فيها عبادةُ القبور، لَكِنْ إذا كان يَعرِفُ صاحِبَه ما يَحتاجُ إلى سؤالٍ، لَكِنْ إذا ما كان يَعرِفُ يَسأَلُ}. انتهى باختصار.

 

زيد: عُبَّادُ القُبورِ في زَمَنِنَا هذا، هَلْ هُمْ مُرتَدُّون أَمْ هُمْ كُفَّارٌ أصلِيُّون؟.

 

عمرو: سُئِلَ الشيخُ حمدُ بنُ ناصر بن معمر (أَحَدُ تلامِذةِ الشيخِ محمد بنِ عبدالوهاب، أَرْسَلَهُ عبدُالعزيز بنُ محمد بن سعود ثاني حُكَّامِ الدولة السعودية الأولى على رَأْسِ رَكْبٍ مِنَ العُلماءِ لِمُناظَرةِ عُلماءِ الحَرَمِ الشريفِ في عامِ 1211هـ، وقد تُوُفِّيَ عامَ 1225هـ) عَن قَولِ الفُقَهاءِ {إِنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ}، فَكُفَّارُ أهلِ زَمانِنا هَلْ هُمْ مُرتَدُّون؟، أَمْ حُكْمُهم حُكْمُ عَبَدَةِ الأوثانِ، وأنَّهم مُشرِكون؟. فأجابَ الشيخُ: أَمَّا مَن دَخَلَ في دِينِ الإسلامِ ثم اِرتَدَّ، فَهؤلاء مُرتَدُّون، وأَمْرُهم عندك واضِحٌ، وأمَّا مَن لم يَدْخُلْ في دِينِ الإسلامِ، بَلْ أَدْرَكَتْه الدعوةُ الإسلامِيَّةُ [يَعنِي الدَّعوةِ النَّجْدِيَّةِ السَّلَفِيةِ]، وهو على كُفْرِه، كَعَبَدَةِ الأوثانِ [قالَ الشيخُ صالحٌ الفوزان (عضوُ هيئةِ كِبار العلماءِ بالدِّيَارِ السعوديةِ، وعضوُ اللجنةِ الدائمةِ للبحوثِ العلميةِ والإفتاءِ) في (إعانة المستفيدِ بشرح كتاب التوحيد): الوَثَنُ [هو] ما عُبِدَ مِن دُونِ اللهِ مِن قَبْرٍ أو شَجَرٍ أو حَجَرٍ أو بِقَاعٍ أو غَيرِ ذلك؛ أمَّا الصَّنَمُ فَهُوَ ما عُبِدَ مِن دُونِ اللهِ وهو على صُورةِ إنسانٍ أو حَيَوانٍ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الفوزان-: وقد يُرادُ بِالصَّنَمِ الوَثَنُ، والعَكْسُ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الفوزان-: الصَّنَمُ [هو] ما كانَ على شَكْلِ تِمثالٍ؛ وأمَّا الوَثَنُ فَيُرادُ به ما عُبِدَ مِن دُونِ اللهِ مِنَ الشَّجَرِ والحَجَرِ والقُبورِ وغيرِ ذلك، ولم يَكُنْ على صُورةِ تِمثالٍ. انتهى]، فَحُكْمُه حُكْمُ الكافِرِ الأَصْلِيِّ، لِأنَّا لا نَقولُ {الأصلُ إسلامُهم، والكُفْرُ طارِئٌ عليهم}، بَل نَقولُ، الذِين نَشَؤُوا بينَ الكُفَّارِ، وأَدْرَكُوا آباءَهم على الشِّركِ بِاللهِ، هُمْ كَآبائِهم، كَما دَلَّ عليه الحَدِيثُ الصَّحِيحُ في قَولِه {فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ}، فإنْ كانَ دِينُ آبائِهم الشِّركَ بِاللهِ، فَنَشَأَ هؤلاء واستَمَرُّوا عليه، فَلا نَقُولُ {الأصلُ الإسلامُ، والكُفرُ طارِئٌ}، بَلْ نَقولُ {هُمُ الكُفَّارُ الأصلِيُّون}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ حمدُ بنُ ناصر بن معمر-: لا يُمْكِنُ أنْ نَحْكُمَ في كُفَّارِ زَمانِنا، بِما حَكَمَ به الفُقَهاءُ في المُرتَدِّ {أنَّه لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ}، لِأنَّ مَن قالَ {لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ} يَجْعَلُ مالَه فَيْئًا لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَطَرْدُ هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يُقالَ {جَمِيعُ أملاكِ الكُفَّارِ اليَومَ بَيْتُ مالٍ، لِأنَّهم وَرِثُوها عن أَهْلِيهم، وأَهْلُوهم مُرتَدَّون لَا يُورَثُون، وكذلك الوَرَثةُ مُرتَدُّون لَا يَرِثُون، لِأنَّ المُرتَدَّ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ}، وأَمَّا إذا حَكَمْنا فيهم بِحُكْمِ الكُفَّارِ الأصلِيِّين لم يَلْزَمْ شَيءٌ مِن ذلك، بَلْ يَتَوَارَثون، فإذا أسلَمُوا فَمَن أسلَمَ على شَيءٍ فَهو له، ولا نَتَعَرَّضُ لِمَا مَضَى منهم في جاهِلِيَّتِهم، لا المَوارِيثِ ولا غَيْرِها. انتهى من (الدُّرَر السَّنِيَّة في الأجوبة النَّجْدِيَّة).

 

وقالَ الشيخُ أبو المنذر الشنقيطي في مَقالةٍ له على هذا الرابط: ذَكَرَ غَيرُ واحِدٍ مِن أهلِ العِلْمِ أَنَّ المُرْتَدَّ لا يُقَرُّ على الرِّدَّةِ بِأَيِّ نَوْعٍ مِن أنواعِ الإقرارِ، لا بِالأَمَانِ ولا بِالصُّلْحِ ولا بِالجِزْيَةِ ولا بِالاستِرقاقِ، وأَنَّ التَّعامُلَ معه لا يَخْرُجُ عنِ الاستِتابةِ أو القَتْلِ [فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الإِسْلَامُ أَوِ السَّيْفُ]؛ وذَكَرُوا أنَّ الطائفةَ المُرْتَدَّةَ تُقَاتَلُ كَما يُقَاتَلُ الكُفَّارُ الحَربِيُّون، ولا تَخْتَلِفُ عنهم إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أُمُورٍ ذَكَرَها الْمَاوَرْدِيُّ [في (الأَحْكَامُ السُّلْطَانِيَّةُ)] فَقالَ {أَحَدُهَا، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُهَادَنُوا عَلَى الْمُوَادَعَةِ فِي دِيَارِهِمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يُهَادَنَ أَهْلُ الْحَرْبِ؛ وَالثَّانِي، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالَحُوا عَلَى مَالٍ يُقَرُّونَ بِهِ عَلَى رِدَّتِهِمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يُصَالَحَ أَهْلُ الْحَرْبِ؛ وَالثَّالِثُ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ وَلَا سَبْيُ نِسَائِهِمْ [جاءَ في المَوسوعةِ الفِقهِيَّةِ الكُوَيتِيَّةِ: وَيَتَّفِقُ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى أَنَّ الأَسِيرَ الْمُرْتَدَّ يُقْتَلُ إِنْ لَمْ يَتُبْ وَيَعُدْ إِلَى الإِسْلَامِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ عِنْدَ الأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ [مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ]، لِعُمُومِ حَدِيثِ {مَنْ بَدَّل دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ}؛ وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُقْتَلُ، وَإِنَّمَا تُحْبَسُ حَتَّى تَتُوبَ. انتهى باختصار]، وَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَرَقَّ أَهْلُ الْحَرْبِ وَتُسْبَى نِسَاؤُهُمْ [قالَ الْمَاوَرْدِيُّ (ت450هـ) في (الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي) في بَابِ (تَفْرِيقِ الْغَنِيمَةِ): وَأَمَّا الآدَمِيُّونَ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِمْ وَالْمَظْفُورُ بِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [سَوَاءٌ كانوا مِن أهلِ الكِتابِ أو أهلِ الأوثانِ] فَضَرْبَانِ، عَبِيدٌ وَأَحْرَارٌ، فَأَمَّا الْعَبِيدُ فَمَالٌ مَغْنُومٌ، وَأَمَّا الأَحْرَارُ فَضَرْبَانِ، ذُرِّيَّةٌ وَمُقَاتِلَةٌ [كُلُّ مَن كانَ أَهْلًا للمُقاتَلَةِ أو لتَدْبِيرِها، سَوَاءٌ كانَ عَسْكَرِيًّا أو مَدَنِيًّا، فَهو مِنَ المُقَاتِلَةِ]، فَأَمَّا الذُّرِّيَّةُ فَهُمُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، يَصِيرُونَ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ مَرْقُوقِينَ، وَلَيْسَ لِلإِمَامِ فِيهِمْ خِيَارٌ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُقَسِّمَهُمْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ بَعْدَ إِخْرَاجِ خُمُسِهِمْ [أَيْ بَعْدَ إِخْرَاجِ خُمُسِ الذُّرِّيَّةُ المَغْنُومةُ لِبَيتِ مالِ المُسلمِين]، وَأَمَّا الْمُقَاتِلَةُ فَلِلإِمَامِ فِيهِمُ الْخِيَارُ اِجْتِهَادًا وَنَظَرًا [لا تَشَهِّيًا] بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ، وَ[عليه أَنْ يَخْتارَ] مِنْهَا مَا رَآهُ صَالِحًا [أَيِ الذي يَرَاه أَصْلَحَ لِلمُسلِمِين]؛ أَحَدُهَا، الْقَتْلُ؛ وَالثَّانِي، الاِسْتِرْقَاقُ؛ وَالثَّالِثُ، الْفِدَاءُ بِمَالٍ أَوْ رِجَالٍ؛ وَالرَّابِعُ، الْمَنُّ؛ فَإِنْ كَانَ ذَا قُوَّةٍ يُخَافُ شَرُّهُ أَوْ ذَا رَأْيٍ يُخَافُ مَكْرُهُ قَتَلَهُ، وَإِنْ كَانَ مَهِينًا ذَا كَدٍّ وَعَمَلٍ اسْتَرَقَّهُ، وَإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ فَادَاهُ بِمَالٍ، وَإِنْ كَانَ ذَا جَاهٍ فَادَاهُ بِمَنْ فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الأَسْرَى، وَإِنْ كَانَ ذَا خَيْرٍ وَرَغْبَةٍ فِي الإِسْلَامِ مَنَّ عَلَيهِ وَأَطْلَقَهُ مِنْ غَيْرِ فِدَاءٍ، فَيَكُونُ خِيَارُ الإِمَامِ أَوْ أَمِيرِ الْجَيْشِ -فِيمَنْ أُسِرَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ- بَيْنَ هَذِهِ الأَرْبَعَةِ، الْقَتْلِ، أَوِ الاِسْتِرْقَاقِ، أَوِ الْفِدَاءِ بِمَالٍ أَوْ رِجَالٍ، أَوِ الْمَنِّ. انتهى باختصار. وقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى في (الأَحْكَامُ السُّلْطَانِيَّةُ): أَمَّا الْمُقَاتِلُونَ مِنَ الْكُفَّارِ إذَا ظَفَرَ الْمُسْلِمُونَ بِأَسْرِهِمْ، فَالإِمَامُ أَوْ مَنِ اِسْتَنَابَهُ الإِمَامُ عَلَيْهِمْ مِن أُمَراءِ الْجِهَادِ مُخَيَّرٌ فِيهِمْ -إذَا أَقَامُوا عَلَى كُفْرِهِمْ- فِي [فِعْلِ] الأَصْلَحِ مِنْ أَحَدِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ، إمَّا الْقَتْلُ، وَإِمَّا الاِسْتِرْقَاقُ، وَإِمَّا الْفِدَاءُ بِمَالٍ أَوْ أَسْرَى، وَإِمَّا الْمَنُّ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ فِدَاءٍ؛ فَإِنْ أَسْلَمُوا سَقَطَ الْقَتْلُ عَنْهُمْ، وَرَقُّوا [أَيْ صَارُوا أَرِقَّاءَ] فِي الْحَالِ، وسَقَطَ التَّخْيِيرُ بين الرِّقِّ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ. انتهى باختصار]؛ وَالرَّابِعُ، أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْغَانِمُونَ أَمْوَالَهُمْ [إِذْ أَنَّ أَموالَ المُرْتَدِّين تَكُونُ فَيْئًا لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ]، وَيَمْلِكُونَ مَا غَنِمُوهُ مِنْ مَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ [أَيْ بَعْدَ إِخْرَاجِ خُمُسِ الأَمْوَالِ المَغْنُومةُ لِبَيتِ مالِ المُسلمِين]}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ أبو المنذر-: والعِلَّةُ في مَنْعِ الصُّلْحِ مع المُرْتَدِّين أو اِستِرقاقِهم أو أَخْذِ الجِزْيَةِ منهم هي مَنْعُ إقرارِهم على الرِّدَّةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ أبو المنذر-: لقد دَلَّ قَولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم {مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ} على أنَّ المُرْتَدَّ لا يَجوزُ إقرارُه على الرِّدَّةِ، ودَلَّتْ مُعامَلةُ الصِّدِّيقِ لِأهلِ الرِّدَّةِ على أنَّه لا تَجوزُ مُهَادَنَتُهُمْ، أو صُلْحُهُمْ على مالٍ أو جِزْيَةٍ؛ لَكِنْ يَنْبَغِي العِلْمُ بِأنَّ مَنْعَ أمَانِ المُرْتَدِّين لا يَدْخُلُ فيه ما كانَ لِمَصَلحةِ الجِهادِ، مِثْلُ تَبادُلِ الرُّسُلِ معهم أو تَبادُلِ الأَسْرَى، فَإنَّ هذا لا يُعتَبَرُ إقرارًا لِلمُرْتَدِّين على رِدَّتِهم، بَلْ هو مِنَ الوَسائلِ المُعِينةِ على قِتالِهم والتَّصَدِّي لِرِدَّتِهم، والقِتالُ لا يَستَغْنِي عن مِثْلِ هذه الأُمورِ. انتهى باختصار.

 

وقالَ الشيخُ أحمدُ الحازمي في (شرح مصباح الظلام): مَتَى نَحْكُمُ عليه بِكَونِه كافِرًا أصلِيًّا؟، ومَتَى نَحْكُمُ عليه بِكَونِه مُرتَدًّا؟، والضابِطُ فيه ثُبوتُ عَقْدِ الإسلامِ بِطَرِيقٍ صَحِيحٍ، مَتَى ما ثَبَتَ عَقْدُ الإسلامِ حَكَمْنا عليه بِكَونِه مُسلِمًا، ثم إذا تَلَبَّسَ بِناقِضٍ مِنَ النَّواقِضِ حَكَمْنا عليه بِالكُفرِ فهو مُرتَدٌّ؛ وأمَّا إنْ نَشَأَ على الكُفرِ فَحِينَئِذٍ يَكونُ كافِرًا أَصْلِيًّا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الحازمي-: مَتَى نَحْكُمُ عليه [أَيْ على الوَلَدِ] بِكَونِه مُسلِمًا؟، ومَتَى نَحْكُمُ عليه بِكَونِه كافِرًا؟؛ إذا كانَ (أَبَوَاه مُسلِمَين أو أَحَدُهما مُسلِمًا) فهو (مُسلِمٌ)؛ إذا كانا (كافِرَيْنِ أو مُرتَدَّيْنِ) يَكونُ الوَلَدُ (كافِرًا أصلِيًّا) على الصَّحِيحِ ولا يَكونُ (مُرتَدًّا)... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الحازمي-: إذا كانَ أَبَوَاه مُسلِمَين أو أَحَدُهما [مُسلِمًا] فَهو مُسلِمٌ، فَإنِ اِختارَ غَيرَ الإسلامِ -يَعنِي كَبُرَ واختارَ غَيرَ الإسلامِ- فَهو مُرتَدٌّ، هذا واضِحٌ بَيِّنٌ، فوَلَدُ اليَهودِيَّةِ مِنَ المُسلِمِ هُوَ مُسلِمٌ، وَ[وَلَدُ] النَّصْرَانِيَّةِ [مِنَ المُسلِمِ] هُوَ مُسلِمٌ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الحازمي-: لو جُعِلَ كُلُّ مَن كانَ مَولودًا لِمُرتَدَّيْنِ أو مُرتَدِّين، لو جُعِلَ مُرتَدًّا لَمَا بَقِيَ كافِرٌ أصلِيٌّ، لَمَا وُجِدَ كافِرٌ أصلِيٌّ، لِأنَّ الشَّأْنَ الأَوَّلَ في أَوَّلِ ما نَشَأَ الشِّركُ، إنَّما نَشَأَ في مُرتَدِّينَ، قَومُ نُوحٍ أَوَّلَ ما وَقَعُوا في الشِّركِ كانوا كُفَّارًا أصلِيِّينَ أو مُرتَدِّينَ؟، نَقولُ {مُرتَدِّينَ}، لِأنَّهم نَشَأُوا على التَّوحِيدِ، هذا الأصلُ، فَلَمَّا بَنَوْا [تَماثِيلَ لِلصَّالِحِين] ثم تَلَبَّسُوا [بِالشِّركِ] صاروا مُرتَدِّينَ، ثم أحفادُهم وأولادُهم بَعْدَ ذلك فَهُمْ ماذا؟ فَهُمْ كُفَّارٌ أصلِيُّون، فَرْقٌ بَيْنَ النَّوْعَين [أَيْ بَيْنَ المُرتَدِّ والكافِرِ الأصلِيِّ]، لو قُلْنا بِأنَّ وَلَدَ المُرتَدِّينَ هذا مُرتَدٌّ وليس بِكافِرٍ أصلِيٍّ، إِذَنِ اِرْتَفَعَ عنِ الوُجودِ الكافِرُ الأصلِيُّ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الحازمي-: هؤلاء المُشرِكون عُبَّادُ القُبورِ، إذا كانَ الأَبُ وَالأُمُّ على الشِّركِ الأكبَرِ فوُلِدَ لهما وَلَدٌ، هذا الوَلَدُ كافِرٌ أصلِيٌّ؛ وقِسْ على ذلك، ليس خاصًّا بِالشِّركِ، فالنُّصَيْرِيَّةُ مَثَلًا هَلْ هُمْ مُرتَدُّون أَمْ كُفَّارٌ؟، هذا نِزَاعٌ اليَومَ حادِثٌ في الشَّامِ، هل هُمْ كُفَّارٌ أصلِيُّون أَمْ مُرتَدُّون؟، إذا كانَ مُسلِمًا ثم دَخَلَ في دِينِ العَلَوِيِّين [وَهُمُ النُّصَيْرِيُّون]، هذا مُرتَدٌ، لَكِنْ لو كانَ مِن أَبَوَينِ [عَلَوِيَّيْنِ] فَهُوَ كافِرٌ أصلِيٌّ، وعلى هذا قِسْ. انتهى باختصار.

 

وقالَ الشيخُ عَلِيُّ بْنُ خضير الخضير (المُتَخَرِّجُ مِن كُلِّيَّةِ أُصولِ الدِّينِ بـ "جامعة الإمام" بالقصيم عامَ 1403هـ) في (جُزءٌ في أهلِ الأهواءِ والبِدَعِ والمُتَأَوِّلِين): مَن كانَ صاحِبَ مِلَّةٍ شِركِيَّةٍ وَثَنِيَّةٍ نَشَأَ عليها مُنذ الصغر، كالرافِضِيِّ أوِ النُّصَيْرِيِّ أوِ الدُّرْزِيِّ، فَهذا له حُكْمُ الكافر الأصلي لا المرتد، وينزل منزلة من كان على ديانة شركية وهو ينتسب إلى دين يظنه صحيحا، كأهل الكتاب. انتهى باختصار.

 

وقالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي (الْمُغْنِي): فَأَمَّا أَوْلَادُ الْمُرْتَدِّينَ؛ فَإِنْ كَانُوا وُلِدُوا قَبْلَ الرِّدَّةِ، فَإِنَّهُمْ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِمْ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ [أَيْ قَبْلَ أَنْ يَرتدُّوا]، وَلَا يَتْبَعُونَهُمْ فِي الرِّدَّةِ؛ وَأَمَّا مَنْ حَدَثَ [يعني وُلِدَ] بَعْدَ الرِّدَّةِ [أَيْ رِدَّةِ أَبَوَيْهِ]، فَهُوَ مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ لِأنَّهُ وُلِدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ، وَيَجُوزُ اِسْتِرْقَاقُهُ لِأنَّهُ لَيْسَ بِمُرْتَدٍّ. انتهى باختصار.

 

وقالَ الشيخُ عبدُالله بنُ عبدالرّحمن أبو بُطَين [مُفْتِي الدِّيَارِ النَّجْدِيَّةِ (ت1282هـ)]: وقَولُه [أَيْ قَولُ الشيخِ محمدِ بنِ إسْمَاعِيلَ الصنعاني (ت1182هـ)] {فَصَارُوا كُفارًا كُفرًا أصلِيًّا}، يَعْنِي أنَّهم نَشَأُوا على ذلك [أَيْ عَلَى الكُفرِ]، فَلَيْسَ حُكْمُهم كالمُرتَدِّينَ الذِين كانوا مُسلِمِينَ ثم صَدَرَتْ منهم هذه الأُمُورُ الشِّرْكِيَّةُ. انتهى مِنَ (الدُّرَرُ السَّنِيَّةُ في الأَجْوِبةِ النَّجْدِيَّةِ).

 

وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (سِلْسِلَةُ مَقالاتٍ في الرَّدِّ على الدُّكْتُورِ طارق عبدالحليم): اِختَلَفَ أهلُ العِلْمِ في مِثْلِ هؤلاء [يَعنِي عُبَّادَ القُبورِ] {هَلْ هُمْ كُفٌّار أصلِيُّون؟} لِأنَّهم لم يُوَحِّدوا اللهَ في يَومٍ حتى يُحكَمَ بِالإسلامِ ثم الارتِدادِ [قالَ الشيخُ محمدُ بنُ إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ (رئيس القضاة ومفتى الديار السعودية ت1389هـ) في (شَرحُ كَشفِ الشُّبُهاتِ): إنَّ كُفَّارَ هذه الأزمانِ مُرتَدُّون، يَنطِقون بِـ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) صَباحًا ومَساءً، ويَنقُضونها صَباحًا ومَساءً؛ والقَولُ الثانِي [أيْ مِن قَولَي العُلَماءِ في كُفَّارِ هذه الأزمانِ] أنَّهم كُفَّارٌ أصلِيُّون، فَإنَّهم لم يُوَحِّدوا في يَومٍ مِنَ الأيَّامِ حتى يُحكَمَ بِإسلامِهم. انتهى باختصار]، وهو مَذهَبُ جَماعةٍ كالعَلَّامةِ صالح بنِ مهدي المقبلي (ت1108هـ) وحسين بنِ مهدي النُّعْمِيّ (ت1178هـ) والأمير الصَّنْعَانِيِّ (ت1182هـ) وحمد بن ناصر آل معمر (ت1225هـ) [وهو أَحَدُ تَلامِذةِ الشَّيخِ محمد بنِ عبدالوهاب، أَرْسَلَهُ عبدُالعزيز بنُ محمد بن سعود ثانِي حُكَّامِ الدَّولةِ السُّعودِيَّةِ الأُولَى على رَأْسِ رَكْبٍ مِنَ العُلَماءِ لِمُناظَرةِ عُلَماءِ الحَرَمِ الشَّرِيفِ في عامِ 1211هـ] وأبناءِ الشَّيخِ محمدِ بنِ عبدالوهاب، وهو مُقتَضَى مَذهَبِ الفُقَهاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ؛ وقالَ غَيرُهم {إنَّهم مُرتَدُّون}. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (نَظَراتٌ نَقدِيَّةٌ في أخبارٍ نَبَوِيَّةٍ "الجُزءُ الثالِثُ"): كَيْفَ يَثبُتُ عَقدُ الإيمانِ لِمَنْ لم يَنتَقِلْ عن دِينِ المُشرِكِين واعتَقَدَ جَوازَ عِبادةِ الوَثَنِ في الإسلامِ؟ ألَمْ يَكُنْ قَبْلَ إسلامِه مِنَ القائلِين {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا، إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} ومِمَّن حَكَى اللهُ عنهم {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ}؟... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ الكافِرَ الوَثَنِيُّ إِذَا قَالَ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، وهو يُعَظِّمُ الأصنامَ ويَزْعُمُ أَنَّها تُقَرِّبُه إلى اللهِ -وهو دِينُ الجاهِلِيَّةِ الأُولَى- لم يَصِحَّ إسلامُه، ولا يَكونُ مُسلِمًا حتى يَتَبَرَّأَ مِن عِبادةِ الوَثَنِ وتَعظِيمِه، ومِمَّن صَرَّحَ بِهذا أبو حامد الغزالي (ت505هـ) [في كِتابِه (الإملاءُ في إشكالاتِ الإحياءِ)] قالَ في الجاهِلِ بِمَعنَى الشَّهادَتَين، ومَن أتَى بِما يُنافِي الإيمانَ مع النُّطقِ بالشَّهادَتَين (كاعتِقادِ أُلُوهِيَّةِ غَيرِ اللهِ)، أو نَطَقَ بالشَّهادَتَين وأضمَرَ التَّكذِيبَ {وَحُكْمُ الصِّنْفِ الأوَّلِ [وهو الجاهِلُ بِمَعنَى الشَّهادَتَين] وَالثَّانِي [وهو مَن أتَى بِما يُنافِي الإيمانَ مع النُّطقِ بالشَّهادَتَين] وَالثَّالِثِ [وهو من نَطَقَ بالشَّهادَتَين وأضمَرَ التَّكذِيبَ] أَجْمَعِينَ أَنْ لَا يَجِبَ لَهُمْ حُرْمَةٌ، وَلَا يَكُونَ لَهُمْ عِصْمَةٌ وَلَا يُنْسَبُونَ إِلَى إِيمَانٍ وَلَا إِسْلَامٍ، بَلْ هُمْ أَجْمَعُونَ مِنْ زُمْرَةِ الْكَافِرِينَ وَجُمْلَةِ الْهَالِكِينَ، فَإِنْ عُثِرَ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا قُتِلُوا فِيهَا بِسُيُوفِ الْمُوَحِّدِينَ، وَإِنْ لَمْ يُعْثَرْ عَلَيْهِمْ فَهُمْ صَائِرُونَ إلى جَهَنَّمَ خَالِدُونَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ}، وقَبْلَه [أيْ وقَبْلَ الغزالي] الإمامُ أبو عَبدِاللهِ الْحُلَيْمِيُّ (ت403هـ) [فِي كِتَابِهِ (الْمِنْهَاجُ فِي شُعَبِ الإيمَانِ)] فِيمَن نَطَقَ بِالشَّهادةِ وهو مع ذلك يُعَظِّمُ الوَثَنَ ويَتَقَرَّبُ به إلى اللهِ، قالَ {وَإِذَا قَالَ الْوَثَنِيُّ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، فَإِنْ كَانَ مِن قَبْلُ يُثبِتُ البارِي جَلَّ جَلالُه ويَزْعُمُ أَنَّ الْوَثَنَ شَرِيكُه صَارَ مُؤْمِنًا، وَإِنْ كَانَ يَرَى أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْخَالِقُ وَيُعَظِّمُ الْوَثَنَ (يَتَقَرَّبُ إليه) كَما حَكَى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عن بَعضِهم أنَّهم قالوا (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) فلَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا حَتَّى يَتَبَرَّأَ مِنْ عِبَادَةِ الْوَثَنِ} وذَكَرَه [أيْ وذَكَرَ كَلامَ الْحُلَيْمِيِّ] الإمامُ الرَّافِعِيُّ [ت623هـ] في (الشَّرحُ الكَبِيرُ) والإمامُ النَّوَوِيُّ في (الرَّوْضَةُ) والحافِظُ اِبنُ حَجَرٍ في (الفَتحُ) والمُعَلِّمِيُّ في (رَفعُ الاشتِباهِ) وأقَرُّوه، ولا شَكَّ في هذا عند مَن عَرَفَ مَعْنَى (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ). انتهى باختصار.

 

وقالَ الشيخُ إسحاقُ بنُ عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب (ت1319هـ): قالَ عبدُاللطيف [بنُ عبدالرحمن آل الشيخ] رَحِمَه اللهُ [في كِتابِه (مصباح الظلام)] {فَماذا على شَيْخِنا [محمدِ بنِ عبدالوهاب] رَحِمَه اللهُ لو حَمَى الْحِمَى، وَسَدَّ الذَّرِيعةَ، وَقَطَعَ الوَسِيلةَ، لا سِيَّمَا في زَمَنٍ فَشَا فيه الجَهلُ، وقُبِضَ العِلْمُ، وبَعُدَ العَهدُ بِآثارِ النُّبُوَّةِ، وجاءَتْ قُرُونٌ لا يَعْرِفون أصلَ الإسلامِ ومَبَانِيَه العِظَامَ، وأكثَرُهم يَظُنُّ أنَّ الإسلامَ هو التَّوَسُّلُ بِدُعاءِ الصالِحِين وقَصْدُهم في المُلِمَّاتِ والحَوائج، وأنَّ مَن أَنْكَرَ جاءَ بِمَذْهَبٍ خَامِسٍ [يَعني أنَّهم يَظُنُّون أنَّ مَن أَنْكَرَ عليهم ما هُمْ فيه مِن باطِلٍ جاءَ بِمَذْهَبٍ خَامِسٍ] لا يُعْرَفُ قَبْلَه}. انتهى باختصار مِنَ (الأجوِبةُ السَّمعِيَّاتُ لِحَلِّ الأسئلةِ الروَّافِيَّاتِ، بِعِنايَةِ الشيخِ عادل المرشدي).

 

وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (الجَوابُ المَسبوكُ "المَجموعةُ الثانِيَةُ"): لا فَرْقَ بَيْنَ المُشرِكِ الأصلِيِّ وبَيْنَ المُنتَسِبِ [أيِ المُشرِكِ المُنتَسِبِ لِلإسلامِ] في الحُكمِ مِن وُجوهٍ؛ الأوَّلُ، لا يُوجَدُ حَقِيقةً مُشرِكٌ أصلِيٌّ، لِأنَّ الأصلَ في البَشَرِيَّةِ التَّوحِيدُ، والشِّركُ طارِئٌ فيهم، فَهُم مُرتَدُّون عنِ التَّوحِيدِ لا أَصلِيُّون في الكُفرِ، قالَ القَاضِي اِبْنُ العَرَبِيِّ (ت543هـ) [في (عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي)] {جَمِيعُ الكُفَّارِ أصلُهم الرِّدَّةُ، فَإنَّهم كانوا على التَّوحِيدِ والتَزَموه، ثم رَجَعوا عنه فَقُتِلُوا وَسُبُوا}، فالمُشرِكُ المُنتَسِبُ وغَيرُ المُنتَسِبِ مُرتَدٌّ حَقِيقةً، لِأنَّ الكُلَّ اِرتَدَّ عنِ التَّوحِيدِ إلى الشِّركِ، والجامِعُ بَيْنَ السابِقِ واللاحِقِ الشِّركُ الأكبَرُ، والعِلَّةُ يَجِبُ طَردُها [قالَ الشيخُ أبو بكر القحطاني في (شَرحُ قاعِدةِ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ"): العِلَّةُ -دائمًا- وَصفُها أنْ تَكونَ طَردِيَّةً، ما مَعْنَى طَردِيَّةٍ؟، يَعنِي أَينَما وُجِدَتْ [أيِ العِلَّةُ] وُجِدَ الحُكْمُ وأَينَما اِنعَدَمَتِ اِنعَدَمَ الحُكْمُ، هذا هو مَعْنَى طَردِيَّةِ العِلَّةِ. انتهى باختصار] كالدَّلِيلِ؛ الثانِي، المُشرِكُ الأصلِيُّ أتَى بِأعمالِ الشِّركِ كَما أتَى بها المُشرِكُ المُنتَسِبُ لِلإسلامِ، وهذا جامِعٌ ولا فارِقَ مُؤَثِّرَ، والمَعدومُ شَرعًا كالمَعدومِ حِسًّا، فَما يُظهِرُه المُشرِكُ المُنتَسِبُ مِنَ الشَّعائرِ لا اِعتِبارَ له لِعَدَمِ الاعتِدادِ به شَرعًا لِوُجودِ الناقِضِ، ولِأنَّ السابِقَ كانَ يُخلِصُ عند الشَّدائدِ -{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}- ويُظهِرُ في الرَّخاءِ الأعمالَ الشِّركِيَّةَ كالمُنتَسِبِ؛ الثالِثُ، المُشرِكُ السابِقُ كانَ يُدرِكُ مَعْنَى ما أتَى به مِنَ الاستِغاثةِ والذَّبحِ [وهو ما يَعنِي أنَّه قَصَدَ الفِعلَ المُكَفِّرَ]، وكذلك المُشرِكُ اللاحِقُ، وهذا جامِعٌ ولا فارِقَ، فَوَجَبَ أنْ يَكونَ حُكْمُ الثانِي كالأوَّلِ بِالجامِعِ أو بِنَفيِ الفارِقِ المُؤَثِّرِ؛ الرابِعُ، شِركُ الأوَّلِ مِن شِرْكِ الوَسائطِ والتَّقرِيبِ {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ}، وكذلك شِركُ المُشرِكِ اللاحِقِ، وهذا جامِعٌ ولا فارِقَ؛ فَوَجَبَ أنْ يَشتَرِكا في حُكمِ السَّبَبِ [قُلْتُ: المُرادُ بِالسَّبَبِ هنا هو الفِعلُ (أوِ القَولُ) المُكَفِّرُ الذي هو مَناطُ الكُفرِ] ضَرورةً؛ الخامِسُ، كِلاهُما جاهِلٌ جَهْلًا مُرَكَّبًا، يَحسَبُ أنَّه مُهتَدٍ وهو ضالٌّ في نَفسِ الأمرِ، وهذا جامِعٌ ولا فارِقَ، فَلَزِمَتِ المُساواةُ في حُكمِ الأفعالِ ضَرورةً، قالَ تَعالَى {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}، قالَ الإمامُ أبو جعفر الطَّبَرِيُّ (ت310هـ) [في (جامع البيان)] {جَهْلًا مِنْهُمْ بِخَطَأِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ فَعَلُوا ذَلِكَ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ عَلَى هُدًى وَحَقٍّ وَأَنَّ الصَّوَابَ مَا أَتَوْهُ وَرَكِبُوا، وَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الدَّلَالَةِ عَلَى خَطَأِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا عَلَى مَعْصِيَةٍ رَكِبَهَا أَوْ ضَلَالَةٍ اعْتَقَدَهَا إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهَا بَعْدَ عِلْمٍ مِنْهُ فَيَرْكَبُهَا عِنَادًا مِنْهُ لِرَبِّهِ، لِأنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ فَرِيقِ الضَّلَالَةِ -الَّذِي ضَلَّ وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ هَادٍ- وَفَرِيقِ الْهُدَى فَرْقٌ، وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ أَسْمَائِهِمَا [ومِن ذلك قَولُه تَعالَى {فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ}] وَأَحْكَامِهِمَا [ومِن ذلك قَولُه تَعالَى {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}]... وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ لِلَّهِ مُطِيعُونَ، وَفِيمَا نَدَبَ عِبَادَهُ إِلَيْهِ مُجْتَهِدُونَ، وَهَذَا مِنْ أَدَلِّ الدَّلَائِلِ عَلَى خَطَأِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِاللَّهِ أَحَدٌ إِلَّا مِنْ حَيْثُ يَقْصِدُ إِلَى الْكُفْرِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِوَحْدَانِيَّتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، أَنَّ سَعْيَهُمُ الَّذِي سَعَوْا فِي الدُّنْيَا ذَهَبَ ضَلَالًا، وَقَدْ كَانُوا يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ فِي صُنْعِهِمْ ذَلِكَ، وَأَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ، وَلَوْ كَانَ الْقَوْلُ كَمَا قَالَ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِاللَّهِ أَحَدٌ إِلَّا مِنْ حَيْثِ يَعْلَمُ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ فِي عَمَلِهِمُ -الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَحْسَبُونَ فِيهِ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعَهُ- كَانُوا مُثَابِينَ مَأْجُورِينَ عَلَيه، وَلَكِنِ الْقَوْلُ بِخِلَافِ مَا قَالُوا، فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ بِاللَّهِ كَفَرَةٌ، وَأَنَّ أَعْمَالَهُمْ حَابِطَةٌ}. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (المباحث المشرقية "الجزء الأول"): وكُلٌّ مِنَ الإسلامِ والشِّركِ يَتَقَدَّمُ الآخَرَ، كَما كانَتِ العَرَبُ على الإسلامِ ثم غَلَبَ عليهم الشِّركُ فَقِيلَ فيهم {الأصلُ فِيهِمُ الشِّركُ حتى يَثبُتَ فِيهِمُ الإيمانُ}، فَكذلك مَن كانَ قَبْلَ الدَّعوةِ في البِلادِ النَّجدِيَّةِ غَلَبَ عليهم الشِّركُ بِأنواعِه حتى نَشَأَ فيه الصَّغِيرُ وهَرِمَ عليه الكَبِيرُ فَكانوا كالكُفَّارِ الأصلِيِّين كَما قالَ الشَّيخُ الصَّنْعَانِيُّ [ت1182هـ] والشَّيخُ حمدُ بنُ ناصر [ت1225هـ]، وهذا الذي قالوه [عَلَّقَ الشيخُ الصومالي هنا قائلًا: أَعْنِي (الكُفرَ الأصلِيَّ). انتهى] هو مُقتَضَى الأُصولِ العِلْمِيَّةِ لِأنَّ الإسلامَ مع الشِّركِ غَيرُ مُعتَبَرٍ، قالَ الفَقِيهُ عُثْمَانُ بْنُ فُودُي (ت1232هـ) [في (سراج الإخوان)] في قَومٍ يَفُوهون بِكَلِمةِ الشَّهادةِ [أيْ يَقولون {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ}] ويَعمَلون أعمالَ الإسلامِ لَكِنَّهم يَخلِطونها بِأعمالِ الكُفرِ {اِعلَموا يا إخوانِي أنَّ جِهادَ هؤلاء القَومِ واجِبٌ إجماعًا، لِأنَّهم كُفَّارٌ إجماعًا، إذِ الإسلامُ مع الشِّركِ غَيرُ مُعتَبَرٍ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنْ قالَ {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} وهو يَعبُدُ غَيْرَه [أيْ غَيْرَ اللَّهِ] لم يَكُنْ مُسلِمًا بَلْ هو كافِرٌ أصلِيٌّ، وإنْ عَبَدَ مع اللهِ غَيْرَه بَعْدَ النُّطقِ بِالشَّهادةِ فَهو مُرتَدٌّ مُشرِكٌ، إذْ لا عِبرةَ بِالإسلامِ مع التَّلَبُّسِ بِالشِّركِ إجماعًا فَلا شَهادةَ له. انتهى باختصار.

 

زيد: الذي يَقولُ أنَّه يُكَفِّرُ القُبورِيَّ التَّكفِيرَ المُطلَقَ، وأنَّه لا يُكَفِّرُه التَّكفِيرَ العَينِيَّ إلَّا بَعْدَ إقامةِ الحُجَّةِ لِوُجود مانِعِ الجَهلِ؛ هَلْ يَكفُرُ هذا القائلُ بِسَبَبِ اِمتِناعِه عنِ التَّكفِيرِ العَينِيِّ إعذارًا لِلْقُبورِيِّ بِالجَهلِ حتى قِيامِ الحُجَّةِ؟.

 

عمرو: هذا العاذِرُ لا يَكفُرُ إلَّا بَعْدَ إقامةِ الحُجَّةِ، والبَيَانِ الذي تَزُولُ معه الشُّبهةُ؛ وإليك بَيَانُ ذلك مِمَّا يَلِي:

 

(1)قالَ الشَّيخُ عادل الباشا في مَقالةٍ له بِعُنوانِ (مُختَصَرٌ في بَيَانِ "أصلِ الدِّينِ") على مَوقِعِه في هذا الرابط: ومَعنَى (الكُفرِ بِالطاغوتِ) يَحصُلُ فيه كَثِيرٌ مِنَ الغَبَشِ، إذْ يَشتَرِطُ البَعضُ مَعَانٍ زائدةً عنِ الأصلِ هي في حَقِيقَتِها لَوازِمُ وكَمالاتٌ واجِبةٌ، يُدخِلونها في مَعنَى (الكُفرِ بِالطاغوتِ) ويَجعَلون الإتيانَ بِها مِن أصلِ الدِّينِ -وهذا خَطَأٌ-، ومِن ذلك (تَكفِيرُ الطاغوتِ) و(تَكفِيرُ عابِدِيه)... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: والطاغوتُ في حَقِيقَتِه كُلُّ ما يُعبَدُ مِن دُونِ اللهِ، سَواءٌ كانَتْ عِبادَتُه بِتَقدِيمِ النُّسُكِ له، أو بِطاعَتِه ومُتابَعَتِه على الباطِلِ، فالطاعةُ في التَّحلِيلِ والتَّحرِيمِ وسائرِ أنواعِ التَّشرِيعِ مِنَ العِبادةِ، لِمَا جاءَ في حَدِيثِ عَدِيِّ [بْنِ حَاتِمٍ] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وقَولِ النَّبِيِّ له لَمَّا أنكَرَ عِبادةِ الأحبارِ {أَوَ لَمْ يُحِلُّوا لَكُمُ الحَرامَ وَيَحَرِّمُوا عَلَيْكُمُ الحَلالَ فَأَطَعْتُمُوهُمْ؟، قَالَ (بَلَى)، قَالَ (فَتِلْكَ عِبَادَتُكُمْ إِيَّاهُمْ)}، فَأثبَتَ أنَّ عِبادَتَهم كانَتْ بِمُتابَعَتِهم فِيما شَرَعُوه مِنَ الحَلالِ والحَرامِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: والكُفْرُ بِما يُعبَدُ مِن دُونِ اللهِ هو مَضمونُ شَهادةِ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ)، فَـ (لَا إلَهَ) نَفيُ العِبادةِ عن غَيرِ اللهِ، و(إلَّا اللَّهُ) إثباتُها له وَحدَهُ، وهذه الصِيغةُ [يَعنِي عِبارةَ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ)] مِن أحكَمِ صِيَغِ الإفرادِ والتَّخصِيصِ، حيث النَّفيُ والإثباتُ، وعلى مِنْوَالِها قَولُ إبراهِيمَ عليه السَّلامُ {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} فَفِيها النَّفيُ والإثباتُ المُتَضَمَّنُ في الشَّهادَتَين، وقَولُه سُبحانَه في صِفةِ الكُفرِ بِالطاغوتِ {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا} فَفِيها نَفسُ المَعْنَى، وقَولُ إبراهِيمَ عليه السَّلامُ {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي} فَفِيها نَفسُ المَعنَى أيضًا مِنَ النَّفيِ والإثباتِ، وكُلُّ ذلك يَدُلُّ على أنَّ أصلَ الدِّينِ قائمٌ على نَفيِ العِبادةِ عن غَيرِ اللهِ وإثباتِها له سُبحانَه [قالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (مُناظَرةٌ في حُكمِ مَن لا يُكَفِّرُ المُشرِكِين): أصلُ الدِّينِ لا يُعذَرُ فيه أحَدٌ بِجَهلٍ أو تَأوِيلٍ، [وأصلُ الدِّينِ] هو ما يَدخُلُ به المَرءُ في الإسلامِ (الشَّهادَتان وما يَدخُلُ في مَعنَى الشَّهادَتَين)، وما لا يَدخُلُ في مَعنَى الشَّهادَتَين لا يَدخُلُ في أصلِ الدِّينِ الذي لا عُذرَ فيه لِأحَدٍ إلَّا بِإكراهٍ أو اِنتِفاءِ قَصدٍ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ عادل الباشا في مَقالةٍ له بِعُنوانِ (بِدعةُ تَكفِيرِ "العاذِرِ بِالجَهلِ") على مَوقِعِه في هذا الرابط: أمَّا المَعْنَى المُطابِقُ لـ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) فَهو ما دَلَّتْ عليه ألفاظُها بِالتَّضَمُّنِ والمُطابقةِ. انتهى. وقالَ الشيخُ عبدُالرحيم السلمي (عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة والأديان والمذاهب المعاصرة بجامعة أم القرى) في (شرح القواعد المثلى): فالدَّلالةُ لَها ثَلاثةُ أنواعٍ، النَّوعُ الأوَّلُ دَلالةُ المُطابَقةِ، والنَّوعُ الثانِي دَلالةُ التَّضَمُّنِ، والنَّوعُ الثالِثُ دَلالةُ الالتِزامِ؛ فَأمَّا دَلالةُ المُطابَقةِ، فَهي دَلالةُ اللَّفظِ على تَمامِ مَعناه الذي وُضِعَ له، مِثلَ دَلالةِ البَيتِ على الجُدرانِ والسَّقْفِ [مَعًا]، فَإذا قُلْنا {بَيْتٌ} فَإنَّه يَدُلُّ على وُجودِ الجُدرانِ والسَّقْفِ [مَعًا]؛ ودَلالةُ التَّضَمُّنِ، هي دَلالةُ اللَّفظِ على جُزءِ مَعْناه الذي وُضِعَ له، كَما لو قُلْنا {البَيْتُ} وأرَدْنا السَّقفَ فَقَطْ، أو قُلْنا {البَيْتُ} وأرَدْنا الجِدارَ فَقَطْ؛ ودَلالةُ الالتِزامِ، هي دَلالةُ اللَّفظِ على مَعْنًى خارِجِ اللَّفظِ يَلزَمُ مِن هذا اللَّفظِ، فَإذا قُلْنا كَلِمةَ {السَّقفُ} مَثلًا، فالسَّقفُ لا يَدخُلُ فيه الحائطُ، فَإنَّ الحائطَ شَيءٌ والسَّقفُ شَيءٌ آخَرُ، لَكِنَّه يَلزَمُ مِنْه [أيْ لَكِنَّ السَّقفَ يَلزَمُ مِنْه الحائطُ]، لِأنَّه [لا] يُتَصَوَّرُ وُجودُ سَقفٍ لا حائطَ له يَحمِلُه، فَهذه هي دَلالةُ الالتِزامِ (أو اللُّزومِ). انتهى باختصار]... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: ... وأمَّا ما ذَكَرَه الشَّيخُ محمدُ بنُ عبدالوهاب في تَعرِيفِ (الكُفرِ بِالطاغوتِ)، حيث قالَ [في (الدُّرَرُ السَّنِيَّةُ في الأَجْوِبةِ النَّجْدِيَّةِ)] {وأمَّا صِفةُ الكُفرِ بِالطاغوتِ، فَأنْ تَعتَقِدَ بُطلانَ عِبادةِ غَيرِ اللهِ وتَتَرُكَها وتُبغِضَها، وتُكَفِّرَ أهلَها وتُعادِيَهم}، فَهو مِن بابِ ذِكْرِ الشَّيءِ ولَوازِمِه ومُكَمِّلاتِه وعَدَمِ الاقتِصارِ على أصلِه، كَما يُعرَّفُ الإيمانُ تارةً بِاعتِبارِ أصلِه وتارةً بِاعتِبارِ كَمالِه الواجِبِ، ويُنفَى تارةً بِاعتِبارِ أصلِه وتارةً بِاعتِبار كَمالِه الواجِبِ، وهذا ما دَلَّتْ عليه النُّصوصُ، فَقَدْ قالَ سُبحانَه عن صِفةِ الكُفرِ بِالطاغوتِ {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا}، وقالَ على لِسانِ إبراهِيمَ {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ [وَأَدْعُو رَبِّي]}، وقالَ سُبحانَه عن لِسانِ إبراهِيمَ أيضًا {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي}، فَهذا المَعْنَى هو الْمَعْنَى الْمُطَابِقِيُّ لِـ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) وما زادَ عليه هو مِن مُقتَضَيَاتِه؛ قالَ الشيخُ عبدُالرحمن بنُ حسن آل الشيخ [في (فتح المجيد)] {وقالَ الخَلِيلُ عليه السَّلامُ لِأبِيهِ وَقَوْمِهِ (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ، وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) وهي (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، وقد عَبَّرَ عنها الخَلِيلُ بِمَعناها الذي وُضِعَتْ له ودَلَّتْ عليه، وهو البَراءةُ مِنَ الشِّركِ وإخلاصُ العِبادةِ لِلَّهِ وَحدَهُ لا شَرِيكَ له}؛ وقالَ [أيِ الشَّيخُ عبدُالرحمن بنُ حسن بن محمد بن عبدالوهاب أيضًا] في كِتابِ (الإيمانُ) {فَدَلَّتْ هذه الكَلِمةُ العَظِيمةُ مُطابَقةً على إخلاصِ العِبادةِ بِجَمِيعِ أفرادِها لِلَّهِ تَعالَى، ونَفْيِ كُلِّ مَعبودٍ سِواه، قال تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ، وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أيْ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، فَأَرجَعَ ضَمِيرَ [يَعنِي الضَّمِيرَ المُتَّصِلَ (هَا) مِنَ اللَّفظِ (وَجَعَلَهَا)] هذه الكَلِمةِ إلى ما سَبَقَ مِن مَدلولِها، وهو قَولُه (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي)، وهذا هو الذي خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ لِأجلِه وافتَرَضَه على عِبادِه، وأَرسَلَ الرُّسُلَ وأنزَلَ الكُتُبَ لِبَيَانِه وتَقرِيرِه، قالَ تَعالَى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، وقال تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)، وقالَ تعالَى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)}؛ وقالَ [في كِتابِ (رسائل وفتاوى عبدالرحمن بن حسن بن محمد عبدالوهاب) أيضًا] {فَعَبَّرَ عن مَعْنَى (لَا إِلَهَ) بِقَولِه (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ)، وعَبَّرَ عن مَعْنَى (إِلَّا اللَّهُ) بِقَولِه (إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي)، فَتَبَيَّنَ أنَّ مَعْنَى (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) هو البَراءةُ مِن عِبادةِ كُلِّ ما سِوَى اللهِ، وإخلاصُ العِبادةِ بِجَمِيعِ أنواعِها لِلَّهِ تَعالَى، وهذا واضِحٌ بَيَّنٌ لِمَن جَعَلَ اللهُ له بَصِيرةً ولم تَتَغَيَّرْ فِطرَتُه}... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: فَهذه الآيَاتُ دَلِيلٌ واضِحٌ على مَعْنَى التَّوحِيدِ، وصِفةِ (الكُفرِ بِالطاغوتِ) وأنَّها تَكونُ بِاجتِنابِ عِبادَتِه واعتِزاِل العابِدِ والمَعبودِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: ومَوضِعُ الأُسوةِ [يُشِيرُ إلى قَولِه تَعالَى {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}] يَتَضَمَّنُ تَمامَ الإيمانِ وكَمالَه، لِذا ذُكِرَ فيه إبداءُ العَداوةِ والبَغضاءِ، ومَعلومٌ أنَّ هذا ليس مِن أصلِه [أيْ ليس مِن أصلِ الإيمانِ]، بَلْ مِن تَمامِ التَّوحِيدِ وكَمالِه، فَثَمَّةَ [(ثَمَّةَ) اِسمُ إشارةٍ لِلْمَكانِ البَعِيدِ بِمَعْنَى (هُنَاكَ)] صُوَرٌ ليس فيها إبداءُ العَداوةِ والبَغضاءِ بَلْ فيها المُصاحَبةُ بِالمَعروفِ والإحسانِ، كَحالِ الوالِدَين المُشرِكَين، وكَحال الكُفَّارِ قَبْلَ دَعوَتِهم وقد قالَ سُبحانَه عن فِرعَونَ {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا} [قالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (مِلَّةُ إبراهِيمَ):... وَهَكَذَا مُوسَى مع فِرعَونَ بَعْدَ أنْ أرسَلَه اللهُ إليه وقالَ {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}، فقد بَدَأَ معه بِالقَولِ اللَّيِّنِ اِستِجابةً لِأمرِ اللهِ فَقالَ {هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى، وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} وَأَراه الآيَاتِ والبَيِّناتِ، فَلَمَّا أَظهَرَ فِرعَونُ التَّكذِيبَ والعِنادَ والإصرارَ على الباطِلِ قالَ له مُوسَى كَما أخبَرَ تَعالَى {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا}، بَلْ ويَدعُو عليهم قائلًا {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ، رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ}، فالذِين يُدَندِنون على نُصوصِ الرِّفقِ واللِّينِ والتَّيسِيرِ على إطلاقِها وَيَحْمِلُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَحْمَلِها ويَضَعونها في غَيرِ مَوضِعِها، يَنبَغِي لَهم أنْ يَقِفوا عند هذه القَضِيَّةِ طَوِيلًا ويَتَدَبَّروها ويَفهَموها فَهمًا جَيِّدًا إنْ كانوا مُخلِصِين. انتهى]، فَمَوضِعُ الأُسوةِ يَتَضَمَّنُ الكَمالَ والتَّمامَ، أمَّا مَوضِعُ تَقرِيرِ الأصلِ فَفِيما ذُكِرَ مِن آيَاتٍ وأحادِيثَ مِن اِعتِزالِ عِبادةِ غَيرِ اللهِ والبَراءةِ مِنها ومِن أهلِها [سَبَقَ بَيَانُ أنَّ المُوَالَاةَ قِسْمَانِ؛ (أ)قِسْمٌ يُسَمَّى التَّوَلِّيَ، وأَحْيَانًا يُسَمَّى المُوَالَاةَ الكُبْرَى أو العُظْمَى أو العامَّةَ أو المُطْلَقةَ؛ (ب)مُوالَاةٌ صُغْرَى (أَوْ مُقَيَّدةٌ)؛ وأنَّ المُوَالَاةَ الكُبْرَى كُفْرٌ أكبَرُ؛ وأنَّ المُوَالَاةَ الصُّغرَى هي صُغْرَى بِاعتِبارِ الأُولَى التي هي المُوَالَاةُ الكُبْرَى، وإلَّا فَهي في نَفْسِها أَكْبَرُ الكَبائرِ]. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ عادل الباشا أيضًا في مَقالةٍ له بِعُنوانِ (بِدعةُ تَكفِيرِ "العاذِرِ بِالجَهلِ") على مَوقِعِه في هذا الرابط: اِنتَشَرَ مَقالةُ إكفارِ (العاذِرِ بِالجَهلِ) إثرَ تَصرِيحِ الشَّيخِ (الحازمي) بِذلك في دَعْوَى أنَّ تَكفِيرَ المُشرِكِين يَدخُلُ في (أصلِ الدِّينِ وحَقِيقةِ التَّوحِيدِ) الذي لا يُعذَرُ فيه بِجَهلٍ ولا تَأوِيلٍ، وعليه فَمَن لم يُكَفِّرِ المُشرِكِين وعَذَرَهم بِالجَهلِ فَهو مُشرِكٌ مِثلُهم لم يُحَقِّقْ أصلَ الدِّينِ ولم يَأتِ بِالتَّوحِيدِ!، وقد تَلَقَّفَ هذا القَولَ قَومٌ فَتَشَرَّبوه ونَشَروه، وجَعَلوه عَلامةَ التَّوحِيدِ، فَوالَوْا على التَّكفِيرِ وعادَوْا عليه، فَيَا لِلَّهِ، كَمْ ضَلَّتْ بِهذا القَولِ أقوامٌ، وزاغَتْ أفهامٌ، وتَعَثَّرَتْ أقدامٌ، وشُوِّهَتْ أقلامٌ، وسالَتْ بِسَببِه دِماءٌ، وانتُهكِتْ أعراضٌ، وفَسَدَ جِهادٌ، ونَبَتَتْ أحقادٌ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: وما تَدُلُّ عليه الأدِلَّةُ الشَّرعِيَّةُ [هو] أنَّ تَكفِيرَ المُشرِكِين، أو تَكفِيرَ العاذِرِ لهم [أيْ لِلْمُشرِكِين] بِالجَهلِ، ليس مِن (أصلِ الدِّينِ) ولا مِن (الكُفرِ بِالطاغوتِ) [قالَتِ اللَّجنةُ الشَّرعِيَّةُ في جَماعةِ التَّوحِيدِ والجِهادِ في (تُحفةُ المُوَحِّدِين في أهَمِّ مَسائلِ أُصولِ الدِّينِ، بِتَقدِيمِ الشَّيخِ أبي محمد المقدسي): إنَّ الواجِبَ على الإنسانِ الكُفْرُ بِعُمومِ جِنْسِ الطاغوتِ، لِأنَّ هذا شَرطُ الإسلامِ [قالَ الشيخُ أحمدُ الخالدي في (الإيضاحُ والتَّبيِينُ في حُكمِ مَن شَكَّ أو تَوَقَّفَ في كُفرِ بَعضِ الطَّواغِيتِ والمُرتَدِّين، بِتَقدِيمِ الشيخِ عَلِيِّ بْنِ خضير الخضير): لا يَكونُ المَرءُ مُسلِمًا إلَّا بِالكُفرِ بِعُمومِ جِنْسِ الطاغوتِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ الخالدي-: واعلَمْ أنَّ الإنسانَ ما يَصِيرُ مُؤمِنًا إلَّا بِالكُفرِ بِالطاغوتِ. انتهى]، فَلا يُعقَدُ له عَقدُ الإسلامِ، ولا تَتِمُّ له عِصمةُ الدَّمِ والعِرْضِ والمالِ إلَّا بِذلك وإنْ لم يَعرِفْ أفرادَه أو يَرَى أعيَانَه... ثم قالَتْ -أيِ اللَّجنةُ-: لا عُذرَ بِالجَهلِ لِمَن لا يَكفُرُ بِجِنسِ الطاغوتِ [قالَ المَكتَبُ العِلْمِيُّ في هَيئَةِ الشامِ الإسلامِيَّةِ في فَتْوَى بِعُنوانِ (هَلْ مَقولةُ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ فَهو كافِرٌ" صَحِيحةٌ؟) على مَوقِعِ الهَيئَةِ في هذا الرابط: فَإنَّ الكُفرَ بِالطاغوتِ أصلٌ في الإسلامِ كَما قالَ تَعالَى {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا}، لَكِنَّ تَنزِيلَ الطاغوتِ على فَردٍ مُعَيِّنٍ مَحَلُّ اِجتِهادٍ ونَظَرٍ. انتهى]... ثم قالَتْ -أيِ اللَّجنةُ-: أنواعُ الطاغوتِ؛ (أ)طاغوتُ عِبادةٍ، وهو كُلُّ ما عُبِدَ مِن جَمادٍ، وحَيَوانٍ، وبَشَرٍ، [وَ]مَلائكةٍ، وجِنٍّ، ويُشتَرَطُ في (البَشَرِ، والمَلائكةِ، والجِنِّ) الرِّضَا بِالعِبادةِ [أيْ ويُشتَرَطُ في المَعبودِ مِنَ (البَشَرِ، والمَلائكةِ، والجِنِّ) أنْ يَكونَ راضِيًا عنِ اِتِّخاذِه مَعبودًا]؛ (ب)طاغوتُ حُكْمٍ، وهو يَشْمَلُ الحُكَّامَ، والأُمَراءَ، والمُلوكَ، والوُزَراءَ، والنُوَّابَ، ورُؤَساءَ العَشائرِ والقَبائلِ، والقُضاةَ، (كُلَّ هؤلاء إذا لم يَحكُموا بِما أنزَلَ اللهُ)؛ (ت)طاغوتُ طاعةٍ ومُتابَعةٍ، وهو يَشْمَلُ الأحبارَ ([أيِ] العُلَماءَ) والرُّهبانَ ([أيِ] العُبَّادَ) الذِين يُحَلِّلُون الحَرامَ، ويُحَرِّمون الحَلالَ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (الرِّسالةُ الثَّلاثِينِيَّةُ): كُلُّ طاغوتٍ كافِرٌ، وليس كُلُّ كافِرٍ طاغوتًا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: ... والخُلاصةُ أنَّه [أيِ الطاغوتَ] إنَّما يَصِيرُ طاغوتًا إذا اِنطَبَقَ عليه تَعرِيفُ الطاغوتِ المُستَفادُ مِنَ الشَّرعِ، وهو كُلُّ مَن عُبِدَ مِن دُونِ اللهِ بِأيِّ نَوعٍ مِن أنواعِ العِبادةِ التي يَكفُرُ مِن صَرَفَها لِغَيرِ اللهِ وهو راضٍ بِذلك، كَأَنْ يُشَرِّعَ مِن دُونِ اللهِ ما لم يَأْذَنْ به اللهُ، أو يُتَحاكَمَ إليه [أيْ إلى مَن يُشَرِّعُ مِن دُونِ اللهِ] بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ، أو نَحْوَ ذلك مِمَّا يَندَرِجُ تحت هذا التَّعرِيفِ الشَّرعِيِّ [أيْ لِلطَّاغوتِ] لا التَّعرِيفاتِ اللُّغَوِيَّةِ العامَّةِ ولا اِصطِلاحاتِ البَعضِ المَطَّاطةِ التي يُدخِلون تحتها ما يَهوُون ويَشْتَهون، فَمَن كانَ مِنَ الناسِ يتِحاكَمُ إلى عالِمٍ أو كاهِنٍ أو غَيرِه بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ، أو يُتابِعُه على تَشرِيعِ ما لم يَأذَنْ به اللهُ، كَتَحرِيمِ الحَلالِ أو تَحلِيلِ الحَرامِ أوِ اِستِبدالِ أحكامِ اللهِ التي وَضَعَها لِلْخَلقِ أو تَغيِيرِ حُدودِه التي حَدَّها لِلنَّاسِ، فَهذا قدِ اِتَّخَذَه رَبًّا مِن دُونِ اللهِ وطاغوتًا، وهذا هو الذي لا يَصِيرُ مُسلِمًا -وإنْ صَلَّى وصامَ وزَعَمَ أنَّه مُسلِمٌ- حتى يَبْرَأَ مِن طاغوتِه سَواءٌ كانَ يُكَفِّرُه أمْ لم يَكُنْ يُكَفِّرُه. انتهى باختصار]، وإنَّما هو حُكْمٌ شَرعِيٌّ كَغَيرِه مِن أحكامِ الإيمانِ الواجِبِ التي يَجِبُ تَصدِيقُها والتَّسلِيمُ لها، والإقرارُ بِذلك مِن لَوازِمِ أصلِ الدِّينِ ومُقتَضَيَاتِه، ومَن يَدَّعِي أنَّه مِن أصلِ الدِّينِ ليس معه دَلِيلٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ، أو قَولُ أحَدٍ مِن سَلَفِ الأُمَّةِ، فَهو قَولٌ مُبتَدَعٌ لا أصلَ له؛ وقدِ اِعتَمَدَ أصحابُ هذه المَقالةِ على بَعضِ أقوالِ الشَّيخِ محمدِ بنِ عبدالوهاب التي ذَكَرَ فيها تَكفِيرَ المُشرِكِين في مَعرِضِ تَعرِيفِه لِأصلِ الدِّينِ فَقالَ [في كِتابِ (أصلُ الدِّينِ وقاعِدَتُه)] {أَصْلُ دِينِ الإسلامِ وقاعِدَتُه أَمْران؛ الأَوَّلُ، الأَمْرُ بعِبادةِ اللهِ وَحْدَه لا شَرِيكَ له، والتَّحرِيضُ على ذلك، والمُوَالَاةُ فيه، وتَكفِيرُ مَن تَرَكَه؛ الثانِي، الإنذارُ عنِ الشِّركِ في عِبادةِ اللهِ، والتَّغْلِيظُ في ذلك، والمُعاداةُ فيه، وتَكفِيرُ مَن فَعَلَه}، وهو تَعرِيفٌ صَحِيحٌ لا إشكالَ فيه، لَكِنَّه كَغَيرِه مِنَ التَّعرِيفاتِ يَتَضَمَّنُ الأركانَ والواجِباتَ واللَّوازِمَ والمُقتَضَيَاتِ، لِأنَّ كُلَّ ما له مُبتَدَأٌ وكَمالٌ يُعَرَّفُ تارةً بِاعتِبارِ حَدِّه وأصلِه، وتارةً بِاعتِبارِ كَمالِه وتَمامِه، ويُنفَى أيضًا بِاعتِبارِ مُبتَدَئه تارةً، وأُخرَى بِاعتِبارِ كَمالِه، فَإذا عُرِّف بِاعتِبارِ أصلِه كانَ التَّعرِيفُ جامِعًا مانِعًا، مُقتَصِرًا على المَعْنَى المُطابِقِ، لا يَدخُلُ فيه غَيرُه، وإذا عُرِّفَ بِاعتِبارِ كَمالِه أُدخِلَ فيه واجِباتُه ولَوازِمُه وشُروطُه المُكَمِّلةُ [أيْ وشُروطُ كَمالِه]... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: ولَوازِمُ الشَّيءِ هي ما لا يَنْفَكُّ عنه بحيث يَدُلُّ اِنتِفاؤها على اِنتِفاءِ ذلك الشَّيءِ، ومَعرِفةُ المَعْنَى اللازِمِ [أيْ لِأصلِ الدِّينِ] يَكونُ بِتَعيِينِ المَعْنَى المُطابِقِ لِـ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ)، فَإذا عُيِّنَ عُرِفَ بَعْدَ ذلك أنَّ ما خَلَاه لَوازِمُ وحُقوقُ هذه الكَلِمةِ [أيْ كَلِمةِ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ)]؛ وقد يَقولُ قائلٌ بِأنَّه {لا فَرْقَ بَيْنَ أنْ يَكونَ تَكفِيرُ المُشرِكِين مِن أصلِ الدِّينِ أو أنْ يَكونَ مِن لَوازِمِه، فَإنَّ اِنتِفاءَ اللازِمِ يَدُلُّ [عَلَى] اِنتِفاءِ المَلزومِ، وإقرارُك بِأنَّ تَكفِيرَ المُشرِكِين لازِمٌ لِأصلِ الدِّينِ يَكفِي لِأنْ نَقولَ {إنَّ عَدَمَ تَكفِيرِ المُشرِكِين كُفْرٌ، لِأنَّه يَلزَمُ مِن عَدَمِه عَدَمُ التَّوحِيدِ وثُبوتُ الكُفرِ والشِّركِ}، وهذا الكَلامُ فيه حَقٌّ وباطِلٌ، فَإنَّنا لا نُخالِفُ في إطلاقِ القَولِ بِأنَّ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ فَهو كافِرٌ} على سَبِيلِ العُمومِ، لَكِنَّا نُخالِفُ في كَونِ ذلك مِن أصلِ الدِّينِ الذي لا عُذرَ فيه بِجَهلٍ ولا تَأْوِيلٍ، فَقَولُنا {إنَّ تَكفِيرَ المُشرِكِين مِن لَوازِمِ أصلِ الدِّينِ} يَعنِي أنَّه حُكْمٌ شَرعِيٌّ مَوقوفٌ على شُروطٍ ومَوانِعَ وأسبابٍ [قالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (مُناظَرةٌ في حُكمِ مَن لا يُكَفِّرُ المُشرِكِين): ونَعتَبِرُ عند التَّكفِيرِ ما يَعتَبِرُه أهلُ العِلْمِ مِنَ الشُّروطِ والمَوانِعِ، كالعَقلِ والاختِيَارِ وقَصدِ الفِعْلِ والتَّمَكُّنِ مِنَ العِلْمِ [فِي الشُّروطِ]، وفي المَوانِعِ الجُنونُ والإكراهُ والخَطَأُ [قالَ الشَّيخُ أبو بكر القحطاني في (شَرحُ قاعِدةِ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ"): فالأصلُ أنَّ الخَطَأَ مانِعٌ -حتى في مَسائلِ أُصولِ الدِّينِ- وهو أنْ يُرِيدَ مَعْنًى صَحِيحًا فَيَقَعُ في مَعْنًى فاسِدٍ لا يَدْرِي عنه. انتهى. قُلْتُ: فَيَكونُ المُرادُ بِـ (الخَطَأِ) هُنا اِنتِفاءُ قَصدِ الفِعْلِ (أوِ القَولِ) المُكَفِّرِ] والجَهلُ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: أصلُ الدِّينِ لا يُعذَرُ فيه أحَدٌ بِجَهلٍ أو تَأوِيلٍ، [وأصلُ الدِّينِ] هو ما يَدخُلُ به المَرءُ في الإسلامِ (الشَّهادَتان وما يَدخُلُ في مَعنَى الشَّهادَتَين)، وما لا يَدخُلُ في مَعنَى الشَّهادَتَين لا يَدخُلُ في أصلِ الدِّينِ الذي لا عُذرَ فيه لِأحَدٍ إلَّا بِإكراهٍ أوِ اِنتِفاءِ قَصدٍ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (الجَوابُ المَسبوكُ "المَجموعةُ الأُولَى"): هناك شُروطٌ أجمَعَ الناسُ على مُراعاتِها في بابِ التَّكفِيرِ، وهي العَقلُ، والاختِيارُ (الطَّوعُ)، وقَصدُ الفِعلِ والقَولِ؛ وهناك مَوانِعُ مِن التَّكفِيرِ مُجمَعٌ عليها، وهي عَدَمُ العَقلِ، والإكراهُ، وانتِفاءُ القَصدِ؛ وهناك شُروطٌ اُختُلِفَ في مُراعاتِها، كالبُلوغِ، والصَّحوِ؛ ومَوانِعُ تَنازَعَ الناسُ فيها، كَعَدَمِ البُلوغِ، والسُّكْرِ. انتهى باختصار. وقالَ الشَّيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (الانتصار للأئمة الأبرار): إنَّ (الغُلُوَّ) في مَعناه اللُّغَوِيِّ يَدورُ حَوْلَ تَجاوُزِ الحَدِّ وتَعَدِّيه، أمَّا الحَقِيقةُ الشَّرعِيَّةُ فَهو [أيِ الغُلُوُّ] مُجاوزةُ الاعتِدالِ الشَّرعِيِّ في الاعتِقادِ والقَولِ والفِعْلِ، وقِيلَ {تَجاوُزُ الحَدِّ الشَّرعِيِّ بِالزِّيادةِ على ما جاءَتْ بِه الشَّرِيعةُ سَواءً في الاعتِقادِ أمْ في العَمَلِ}، يَقولُ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ [في (اِقْتِضَاءُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ)] {الغُلُوُّ مُجاوَزةُ الحَدِّ بِأنْ يُزادَ في الشَّيءِ (في حَمدِه أو ذَمِّه) على ما يَستَحِقُّ}، وقال سليمانُ بنُ عبدالله [بن محمد بن عبدالوهاب في (تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد)] {وضابِطُه [أيْ ضابِطُ الغُلُوِّ] تَعَدِّي ما أمَرَ اللهُ به، وهو الطٌّغيَانُ الذي نَهَى اللهُ عنه في قَولِه (وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي)}، ولَه أسبابٌ كَثِيرةٌ يَجمَعُها (الإعراضُ عن دِينِ اللهِ وما جاءَتْ بِه الرُّسُلُ عليهم السَّلامُ)، والمَرجِعُ فِيما يُعَدُّ مِنَ الغُلُوِّ في الدِّينِ وما لا يُعتَبَرُ مِنه كِتابُ رَبِّ العالَمِين وسُنَّةُ سَيِّدِ المُرسَلِين، لِأنَّ الغُلُوَّ مُجاوَزةُ الحَدِّ الشَّرعِيِّ فَلا بُدَّ مِن مَعرِفةِ حُدودِ الشَّرعِ أوَّلًا، ثم ما خَرَجَ عنه مِنَ الأفعالِ والأقوالِ والاعتِقاداتِ فَهو مِنَ الغُلُوِّ في الدِّينِ، وما لم يَخرُجْ فَلَيْسَ مِنَ الغُلُوِّ في الدِّينِ وإنْ سَمَّاه بَعضُ الناسِ غُلُوًّا، لِأنَّ المُقَصِّرَ في العِبادةِ قد يَرَى السابِقَ غالِيًا بَلِ المُقتَصَدَ، ويَرَى العَلْمَانِيُّ واللِّيبرالِيُّ الإسلامِيَّ غالِيًا، والقاعِدُ المُجاهِدَ غالِيًا، وغَيرُ المُكَفِّرِ مَن كَفَّرَ مَن كَفَّرَه اللهُ ورَسولُه غالِيًا، كَما رَأَى أبو حامد الغَزَالِيُّ [ت505هـ] تَكفِيرَ القائلِين بِخَلقِ القُرآنِ مِنَ التَّسَرُّعِ إلى التَّكفِيرِ، واعتَبَرَ الجُوَيْنِيُّ [ت478هـ] تَكفِيرَ القائلِين بِخَلقِ القُرآنِ زَلَلًا في التَّكفِيرِ وأنَّه لا يُعَدُّ مَذهَبًا في الفِقْهِ، رَغْمَ كَونِه مَذهَبَ السَّلَفِ وأنَّ مَن لم يُكَفِّرِ القائلَ بِذلك فَهو كافِرٌ... ثم قالَ -أَيِ الشَّيخُ الصومالي-: وقَدِ اِختَلَفَ أهلُ العِلْمِ في تَكفِيرِ تارِكِ الصَّلاةِ، وَ[تارِكِ] الزَّكاةِ، وَ[تارِكِ] الصَّومِ، وَ[تارِكِ] الحَجِّ، والساحِرِ، والسَّكرانِ [جاءَ في الموسوعةِ الفقهيةِ الكُوَيْتِيَّةِ: اِتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ السَّكْرَانَ غَيْرُ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ [وهو الذي تَناوَلَ المُسكِرَ اِضْطِرارًا أو إكراهًا] لا يُحْكَمُ بِرِدَّتِهِ إِذَا صَدَرَ مِنْهُ مَا هُوَ مُكَفِّرٌ؛ وَاخْتَلَفُوا فِي السَّكْرَانِ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) إِلَى تَكْفِيرِهِ إِذَا صَدَرَ مِنْهُ مَا هُوَ مُكَفِّرٌ. انتهى]، والكاذِبِ على رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، والصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، ومُرجِئةِ الفُقَهاءِ... ثم قالَ -أَيِ الشَّيخُ الصومالي-: والضابِطُ [أيْ في التَّكفِيرِ] تَحَقُّقُ السَّبَبِ المُكَفِّرِ مِنَ العاقِلِ المُختارِ، ثم تَختَلِفُ المَذاهِبُ في الشُّروطِ والمَوانِعِ [أيْ في المُتَبَقِّي منها، بَعْدَمَا اِتَّفَقوا على اِعتِبارِ شَرْطَيِ العَقلِ والاختِيَارِ، ومانِعَيِ الجُنونِ والإكراهِ]. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (سِلْسِلَةُ مَقالاتٍ في الرَّدِّ على الدُّكْتُورِ طارق عبدالحليم): فَمَنْ بَدَّعَ أو حَكَمَ بِالغُلُوِّ لِعَدَمِ اِعتِبارٍ لِبَعضِ الشُّروطِ [يَعنِي شُروطَ ومَوانِعَ التَّكفِيرِ] فَهُوَ الغالِي في البابِ، لِأنَّ أهلَ السُّنَّةِ اِختَلَفوا في اِعتِبارِ بَعضِها فَلَمْ يُبَدِّعْ بَعضُهم بَعضًا، ومِن ذلك؛ (أ)أنَّ أكثَرَ عُلَماءِ السَّلَفِ لا يَعتَبِرون البُلوغَ شَرطًا مِن شُروطِ التَّكفِيرِ ولا عَدَمَ البُلوغِ مانِعًا؛ (ب)وكذلك جُمهورُ الحَنَفِيَّةِ والمالِكِيَّةِ لا يَعتَبِرون الجَهْلَ مانِعًا مِنَ التَّكفِيرِ؛ (ت)وتَصِحُّ رِدَّةُ السَّكرانِ عند الجُمهورِ، والسُّكْرُ مانِعٌ مِنَ التَّكفِيرِ عند الحَنَفِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عند الحَنابِلةِ؛ ولا تَراهُمْ يَحكُمون بِالغُلُوِّ على المَذاهِبِ المُخالِفةِ... ثم قالَ -أَيِ الشَّيخُ الصومالي-: اِتَّفَقَ الناسُ [يَعنِي في شُروطِ ومَوانِعِ التَّكفِيرِ] على اِعتِبارِ الاختِيارِ والعَقلِ والجُنونِ والإكراهِ، واختَلفوا في غَيرِها. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضا في (سِلْسِلَةُ مَقالاتٍ في الرَّدِّ على الدُّكْتُورِ طارق عبدالحليم): فالعامِّيُّ كالعالِمِ في الضَّرورِيَّاتِ والمَسائلِ الظاهِرةِ، فَيَجوزُ له التَّكفِيرُ فيها، ويَشهَدُ لِهذا قاعِدةُ الأمرِ بِالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ، لِأنَّ شَرْطَ الآمِرِ والناهِي العِلمُ بِما يَأْمُرُ به أو يَنْهَى عنه مِن كَونِه مَعروفًا أو مُنكَرًا، وليس مِن شَرطِه أنْ يَكونَ فَقِيهًا عالِمًا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: لِلتَّكفِيرِ رُكنٌ واحِدٌ، وشَرطان [قالَ الشيخُ تركي البنعلي في (شَرحُ شُروطِ ومَوانِعِ التَّكفِيرِ): إذا كانَ ثُبوتُ أمرٍ مُعَيَّنٍ مانِعًا فانتِفاؤه شَرطٌ وإذا كانَ اِنتِفاؤه مانِعًا فَثُبوتُه شَرطٌ، والعَكسُ بِالعَكسِ، إذَنِ الشُّروطُ في الفاعِلِ هي بِعَكسِ المَوانِعِ، فَمَثَلًا لو تَكَلَّمْنا بِأنَّه مِنَ المَوانِعِ الشَّرعِيَّةِ الإكراهُ فَ[يَكونُ] مِنَ الشُّروطِ في الفاعِلِ الاختِيارُ، أنَّه يَكونُ مُختارًا في فِعْلِه هذا الفِعلَ -أو قَولِه هذا القَولَ- المُكَفِّرَ، أمَّا إنْ كانَ مُكرَهًا فَهذا مانِعٌ مِن مَوانِعِ التَّكفِيرِ. انتهى] عند أكثَرِ العُلَماءِ؛ أمَّا الرُّكنُ فَجَرَيانُ السَّبَبِ [أَيْ سَبَبِ الكُفرِ] مِنَ العاقِلِ، والفَرْضُ [أَيْ (والمُقَدَّرُ) أو (والمُتَصَوَّرُ)] أنَّه [أَيِ السَّبَبَ] قَدْ جَرَى مِن فاعِلِه بِالبَيِّنةِ الشَّرعِيَّةِ؛ وأمَّا الشَّرطان فَهُما العَقلُ والاختِيارُ، والأصلُ في الناسِ العَقلُ والاختِيارُ؛ وأمَّا المانِعان فَعَدَمُ العَقلِ، والإكراهُ، والأصلُ عَدَمُهما حتى يَثبُتَ العَكْسُ؛ فَثَبَتَ أنَّ العامِّيَّ يَكفِيه في التَّكفِيرِ في الضَّرورِيَّاتِ العِلمُ بِكَونِ السَّبَبِ كُفرًا مَعلومًا مِنَ الدِّينِ، وعَدَمُ العِلْمِ بِالمانِعِ، وبِهذا تَتِمُّ له شُروطُ التَّكفِيرِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: لا يُتَوَقَّفُ في تَكفِيرِ المُعَيَّنِ عند وُقوعِه في الكُفرِ وثُبوتِه شَرعًا إذا لم يُعلَمْ وُجودُ مانِعٍ، لِأنَّ الحُكمَ يَثبُتُ بِسَبَبِه [أَيْ لِأنَّ الأصلَ تَرَتُّبُ الحُكْمِ على السَبَبِ]، فإذا تَحَقَّقَ [أَيِ السَبَبُ] لم يُترَكْ [أَيِ الحُكْمُ] لِاحتِمالِ المانِعِ، لِأنَّ الأصلَ العَدَمُ [أَيْ عَدَمُ وُجودِ المانِعِ] فَيُكتَفَى بِالأصلِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: لا يَجوزُ تَرْكُ العَمَلِ بِالسَّبَبِ المَعلومِ لِاحتِمالِ المانِعِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الأسبابُ الشَّرعِيَّةُ لا يَجوزُ إهمالُها بِدَعوَى الاحتِمالِ، والدَّلِيلُ أنَّ ما كانَ ثابِتًا بِقَطْعٍ أو بِغَلَبةِ ظَنٍّ لا يُعارَضُ بِوَهمٍ واحتِمالٍ، فَلا عِبرةَ بِالاحتِمالِ في مُقابِلِ المَعلومِ مِنَ الأسبابِ، فالمُحتَمَلُ مَشكوكٌ فيه والمَعلومُ ثابِتٌ، وعند التَّعارُضِ لا يَنبَغِي الالتِفاتُ إلى المَشكوكِ، فالقاعِدةُ الشَّرعِيَّةُ هي إلغاءُ كُلِّ مَشكوكٍ فيه والعَمَلُ بِالمُتَحَقِّقِ مِنَ الأسبابِ [جاءَ في الموسوعةِ الفقهيةِ الكُوَيْتِيَّةِ: فَإِذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي الْمَانِعِ فَهَلْ يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ؟، اِنْعَقَدَ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ {الشَّكَّ فِي الْمَانِعِ لا أَثَرَ لَهُ}. انتهى]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: قالَ الإمامُ شهابُ الدِّينِ الْقَرَافِيُّ (ت684هـ) [في (نفائس الأصول في شرح المحصول)] {والشَّكُّ في المانِعِ لا يَمنَعُ تَرَتُّبَ الحُكمِ، لِأنَّ القاعِدةَ أنَّ المَشكوكاتِ كالمَعدوماتِ، فَكُلُّ شَيءٍ شَكَكنا في وُجودِه أو عَدَمِه جَعَلناه مَعدومًا}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ المانِعَ يَمنَعُ الحُكمَ بِوُجودِه لا بِاحتِمالِه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ اِحتِمالَ المانِعِ لا يَمنَعُ تَرْتِيبَ الحُكمِ على السَّبَبِ، وإنَّ الأصلَ عَدَمُ المانِعِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: وقالَ تاجُ الدِّينِ السبكِيُّ (ت771هـ) [في (الإبهاج في شرح المنهاج)] {والشَّكُّ في المانِعِ لا يَقتَضِي الشَّكَّ في الحُكمِ، لِأنَّ الأصلَ عَدَمُه [أَيْ عَدَمُ وُجودِ المانِعِ]}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ يُوسُفُ بْنُ الْجَوْزِيِّ (ت656هـ) [في (الإيضاح لقوانين الاصطلاح)] {الشُّبهةُ إنَّما تُسقِطُ الحُدودَ إذا كانَتْ مُتَحَقِّقةَ الوُجودِ لا مُتَوَهَّمةً}، وقَالَ في المانِعِ {الأصلُ عَدَمُ المانِعِ، فَمَنِ اِدَّعَى وُجودَه كانَ عليه البَيانُ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: قالَ أبو الفضل الجيزاوي [شيخ الأزهر] (ت1346هـ) [في (حاشية الجيزاوي على شرح العضد لمختصر ابن الحاجب)] {العُلَماءُ والعُقَلاءُ على أنَّه إذا تَمَّ المُقتَضِي [أَيْ سَبَبُ الحُكمِ] لا يَتَوَقَّفون إلى أنْ يَظُنُّوا [أَيْ يَغْلِبَ على ظَنِّهم] عَدَمَ المانِعِ، بَلِ المَدارُ على عَدَمِ ظُهورِ المانِعِ} [قالَ صالح بن مهدي المقبلي (ت1108هـ) في (نجاح الطالب على مختصر ابن الحاجب، بعناية الشيخ وليد بن عبدالرحمن الربيعي): وهذه اِستِدلالاتُ العُلَماءِ والعُقَلاءِ، إذا تَمَّ المُقتَضِي لا يَتَوَقَّفون إلى أنْ يَظهَرَ لهم عَدَمُ المانِعِ، بَلْ يَكفِيهم أنْ لا يَظهَرَ المانِعُ. انتهى]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ المانِعَ الأصلُ فيه العَدَمُ، وإنَّ السَّبَبَ يَستَقِلُّ بِالحُكمِ، ولا أثَرَ لِلمانِعِ حتى يُعلَمَ يَقِينًا أو يُظَنُّ [أَيْ يَغْلِبَ على الظَّنِّ وُجودُه] بِأمارةٍ شَرعِيَّةٍ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ عَدَمَ المانِعِ ليس جُزْءًا مِنَ المُقتَضِي، بِل وُجودُه [أَيِ المانِعِ] مانِعٌ لِلحُكمِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ الحُكمَ يَثبُتُ بِسَبَبِه [لِأنَّ الأصلَ تَرَتُّبُ الحُكْمِ على السَبَبِ]، ووُجودَ المانَعِ يَدفَعُه [أَيْ يَدفَعُ الحُكْمَ]، فإذا لم يُعلَمْ [أَيِ المانَعُ] اِستَقَلَّ السَّبَبُ بِالحُكمِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: مُرادُ الفُقَهاءِ بِانتِفاءِ المانِعِ عَدَمُ العِلْمِ بِوُجودِ المانِعِ عند الحُكمِ، ولا يَعنون بِانتِفاءِ المانِعِ العِلمَ بِانتِفائه حَقِيقةً، بَلِ المَقصودُ أنْ لا يَظهَرَ المانِعُ أو يُظَنَّ [أَيْ أنْ لا يَظهَرَ المانِعُ ولا يَغْلِبَ على الظَّنِّ وُجودُه] في المَحِلِّ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الأصلُ تَرَتُّبُ الحُكمِ على سَبَبِه، وهذا مَذهَبُ السَّلَفِ الصالِحِ، بينما يَرَى آخَرون في عَصرِنا عَدَمَ الاعتِمادِ على السَّبَبِ لِاحتِمالِ المانِعِ، فَيُوجِبون البَحْثَ عنه [أَيْ عنِ المانِعِ]، ثم بَعْدَ التَّحَقُّقِ مِن عَدَمِه [أَيْ مِن عَدَمِ وُجودِ المانِعِ] يَأْتِي الحُكْمُ، وحَقِيقةُ مَذهَبِهم (رَبطُ عَدَمِ الحُكمِ بِاحتِمالِ المانِعِ)، وهذا خُروجٌ مِن مَذاهِبِ أهلِ العِلْمِ، ولا دَلِيلَ إلَّا الهَوَى، لِأنَّ مانِعِيَّةَ المانِعِ [عند أهلِ العِلْمِ] رَبْطُ عَدَمِ الحُكمِ بِوُجودِ المانِعِ لا بِاحتِمالِه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: ويَلزَمُ المانِعِين مِنَ الحُكمِ لِمُجَرَّدِ اِحتِمالِ المانِعِ الخُروجُ مِنَ الدِّينِ، لِأنَّ حَقِيقةَ مَذهَبِهم رَدُّ العَمَلِ بِالظَّواهِرِ مِن عُمومِ الكِتابِ، وأخبارِ الآحادِ، وشَهادةِ العُدولِ، وأخبارِ الثِّقاتِ، لِاحتِمالِ النَّسخِ والتَّخصِيصِ، و[احتِمالِ] الفِسقِ المانِعِ مِن قَبُولِ الشَّهادةِ، واحتِمالِ الكَذِبِ والكُفرِ والفِسقِ المانِعِ مِن قَبُولِ الأخبارِ، بَلْ يَلزَمُهم أنْ لا يُصَحِّحوا نِكَاحَ اِمرَأَةٍ ولا حِلَّ ذَبِيحةِ مُسلِمٍ، لِاحتِمالِ أنْ تَكونَ المَرأةُ مَحْرَمًا له أو مُعْتَدَّةً مِنْ غَيْرِهِ أو كافِرةً، و[احتِمالِ] أنْ يَكونَ الذَّابِحُ مُشرِكًا أو مُرتَدًّا... إلى آخِرِ القائمةِ. انتهى باختصار]، ويُعذَرُ فيه بِالجَهلِ والتَّأْوِيلِ والخَطَأِ، وكَونُه لازِمًا لِأصلِ الدِّينِ لا يَمنَعُ تَعَلُّقَ هذه الأحكامِ [أيِ التَّوَقُّفِ على الشُّروطِ والمَوانعِ والأسبابِ، والإعذارِ بِالجَهلِ والتَّأوِيلِ والخَطَأِ] به، فَقَدْ يَتَخَلَّفُ اللازِمُ لِعَدَمِ وُجودِ سَبَبِه أو عَدَمِ تَوَفُّرِ شَرطِه أو وُجودِ مانِعِه، ولا يَلْزَمُ مِنه اِنتفاءُ أصلِ الدِّينِ ولا انفِكاكُ التَّلازُمِ [أيْ بَيْنَ أصلِ الدينِ ولازِمِه]، فَإذا سَلَّمْنا بِأنَّ أصلَ الدِّينِ لا عُذَرَ فيه بِالجَهلِ والتَّأوِيلِ، فَإنَّ هذا الحُكمَ لا يَنسَحِبُ على لَوازِمِه [أيْ لَوازِمِ أصلِ الدِّينِ] الخارِجةِ عنه أو حُقوقِه التي يَقتَضِيها؛ فاللازِمُ يَتَخَلَّفُ تارةً مع وُجودِ مُقتَضاه فَيَدُلُّ اِنتِفاؤه على اِنتِفاءِ مَلزومِه، ويَتَخَلَّفُ تارةً لِتَخَلُّفِ سَبَبِ وُجودِه المُقتَضِي له أو [لِ]فَقْدِ شَرْطِه أو لِوُجودِ مانِعٍ يَمنَعُ منه، فَلا يَدُلُّ اِنتِفاؤه حِينَئذٍ على اِنتِفاءِ مَلزومِه، بِخِلافِ أصلِ الدِّينِ، فَإنَّه لا يَتَخَلَّفُ مُطلَقًا، ولا يَتَوَقَّفُ وُجودُه على وُجودِ غَيرِه، فَهو العِبادةُ الدائمةُ التي لا تَنقَطِعُ؛ وهو كَقَولِنا {إنَّ الأعمالَ الظاهِرةَ مِن لَوازِمِ إيمانِ القَلبِ الباطِنِ، وإنَّ اِنتِفاءَها بِالكُلِّيَّةِ يَلزَمُ منه اِنتِفاءُ إيمانِ القَلبِ وثُبوتُ الكُفرِ الأكبَرِ}، فَهنا (لازِمٌ ومَلزومٌ)، اللازِمُ هو الأعمالُ الظاهِرةُ، والمَلزومُ هو أصلُ الإيمانِ الباطِنِ، وانتِفاءُ اللازِمِ (الذي هو الأعمالُ الظاهِرةُ) يَلزَمُ مِنه اِنتِفاءُ المَلزومِ (الذي هو أصلُ الدِّينِ)، لِذا كانَ مَذهَبُ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ أنَّ تَرْكَ الأعمالِ بِالكُلِّيَّةِ كُفْرٌ مُخرِجٌ مِنَ المِلَّةِ؛ ولَكِنْ قد تَنْتَفِي الأعمالُ الظاهِرةُ في حالاتٍ لا يَلزَمُ فيها اِنتِفاءُ أصلِ الإيمانِ، فَتَنْتَفِي مَثَلًا لِجَهلِ المُكَلَّفِ بِها جَهلًا يُعذَرُ به، أو لِعَجزِه عنِ القِيَامِ بِها، وهنا تَنْتَفِي الأعمالُ الظاهِرةُ ولا يَنْتَفِي مَلزومُها الباطِنُ، فالتَّلازُمُ قائمٌ بَيْنَ الظاهِرِ والباطِنِ، والعُذْرُ ثابِتٌ؛ وكذلك تَكفِيرُ المُشركِين فَإنَّه مِن لَوازِمِ أصلِ الدِّينِ وتَصدِيقِ خَبَرِ الرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ والانقِيَادِ لِأمْرِه الذي حَكَمَ بِكُفرِ الكافِرِين وشِرْكِ المُشرِكِين، لَكِنْ قد يَنتَفِي تَكفِيرُ المُشرِكِين في حَقِّ المُكَلَّفِ ولا يَنتَفِي أصلُ الدِّينِ، وذلك يَكونُ لِعَدَمِ وُجودِ المُشرِكِين أصلًا، أو لِعَدَمِ عِلْمِ المُكَلَّفِ بِهم أو بِحالِهم، أو لِخَطَأٍ في تَحقِيقِ المَناطِ، أو [لِ]تَأوِيلٍ مُستَساغٍ، وفي هذه الحالاتِ يَنتَفِي التَّكفِيرُ ولا يَنتَفِي أصلُ الدِّينِ لِعَدَمِ اِكتِمالِ أسبابِه [أيْ أسبابِ التَّكفِيرِ] وشُروطِه... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: والحُكْمُ بِالكُفرِ مِنَ الشارِعِ يَأتِي على وَجهَين؛ (أ)الأوَّلُ، يُعَيَّنُ فيه الشَّخصَ بِالكُفرِ، كالحُكْمِ في أبِي لَهَبٍ مَثَلًا، كَما في قَولَه تَعالَى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ...} الآيَاتِ، وكَحُكْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أبِيه وأُمِّه وعَمِّه أبِي طالِبٍ، وكَحُكْمِه سُبحانَه على اليَهودِ والنَّصارَى وغَيرِهم، فَهذا كُلُّه حُكْمٌ على الأعيَانِ أوِ الطَّوائفِ [قالَ الشَّيخُ أبو سلمان الصومالي في (إسعافُ السائلِ بِأَجوِبةِ المَسائلِ): واعلَمْ أنَّ إطلاقَ الكُفرِ على مَراتِبَ ثَلاثٍ؛ (أ)تَكفِيرُ النَّوعِ، كالقَولِ مَثَلًا {مَن فَعَلَ كَذا فَهو كافِرٌ}؛ (ب)وتَكفِيرُ الطائفةِ كالقَولِ {إنَّ الطائفةَ الفُلانِيَّةَ كافِرةٌ مُرتَدَّةٌ، والحُكومةَ الفُلانِيَّةَ كافِرةٌ}، فَإنَّه قد يَلْزَمُ تَكفِيرُ الطائفةِ ولا يَلْزَمُ تَكفِيرُ كُلِّ واحِدٍ مِنها بِعَينِه؛ (ت)وتَكفِيرُ الشَّخصِ المُعَيَّنِ كَفُلانٍ... ثم قالَ -أَيِ الشَّيخُ الصومالي-: وقد يُفَرَّقُ في بَعضِ الأحيانِ بَيْنَ تَكفِيرِ الطائفةِ بِعُمومِها وبَيْنَ تَكفِيرِ أعيَانِها؛ قالَ الشَّيخان (حُسَينٌ وعبدُاللهِ) اِبْنا شَيخِ الإسلامِ محمدِ بنِ عبدالوهاب [في (مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)] {وقد يُحْكَمُ بِأَنَّ هذه القَرْيةَ كافِرةٌ وأَهْلَها كُفَّارٌ، حُكْمُهم حُكْمُ الكُفَّارِ، ولا يُحْكَمُ بِأَنَّ كُلَّ فَردٍ مِنهم كافِرٌ بِعَيْنِه، لِأنَّه يُحتَمَلُ أنْ يَكونَ مِنهم مَن هو على الإسلامِ، مَعذورٌ في تَرْكِ الهِجرةِ، أو يُظْهِرُ دِينَه ولا يَعْلَمُه المُسلِمون}. انتهى باختصار. وقالَ الشَّيخُ أبو بكر القحطاني في (شَرحُ قاعِدةِ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ"): إنَّه مِن حيث الطائفةُ، يُمكِنُ أنْ يُقالَ {إنَّها طائفةُ كُفرٍ} [أي] مِن حيث أقوالُهم، ولَكِنْ لا يَستَلزِمُ [ذلك] نُزولَ هذا الحُكمِ على جَمِيعِ أعيَانِهم، فَحِينَما أقولُ {هذه طائفةُ كُفرٍ} لا يَعنِي أنْ أُكَفِّرَ جَمِيعَ أعيَانِها. انتهى باختصار]، فَإذا حَكَمَ الشارِعُ بِالكُفرِ على شَخصٍ بِعَينِه، لَزِمَ تَكفِيرُه عَينًا والبَراءةُ مِنه ولا مَجالَ لِلاجتِهادِ في تَأوِيلِ هذه النُّصوصِ، ويَكونُ عَدَمُ التَّكفِيرُ في هذا الحالة راجِعًا إلى تَكذِيبِ النُّصوصِ ورَدِّها؛ (ب)الثانِي، يُناطُ الكُفْرُ بِوَصفٍ أو فِعْلٍ إذا قامَ بِالمُكَلَّفِ اِقتَضَى تَكفِيرُه، كَقَولِه سُبحانَه {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ [فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ]}، فَإذا ما أُنِيطَ حُكْمُ الكُفرِ بِوَصفٍ أو فِعْلٍ، فَهُنا يَجتَهِدُ العالِمُ في التَّحَقُّقِ مِن ثُبوتِ هذا الوَصفِ في حَقِّ المُعَيَّنِ، وخُلُوِّه [أيْ خُلُوِّ المُعَيَّنِ] مِنَ العَوارِضِ، ثم يُنَزِّلُ حُكمَ الكُفرِ عليه، وهو ما يُسَمَّى بِـ (تَحقِيقِ المَناطِ) [قالَ الشيخُ خبَّاب بن مروان الحمد (المراقب الشرعي على البرامج الإعلامية في قناة المجد الفضائية) في مَقالةٍ له بِعُنوانِ (الفَرقُ بَيْنَ تَخرِيجِ المَناطِ وتَنقِيحِ المَناطِ وتَحقِيقِ المَناطِ) على هذا الرابط: المَناطُ هو الوَصفُ الذي يُناطُ به الحُكْمُ ومِن مَعانِيه (العِلَّةُ)، ومِنَ المَعروفِ أنَّ الحُكمَ يَدورُ مع عِلَّتِه وُجودًا وعَدَمًا. انتهى باختصار. وقالَ الشيخِ عبدالرزاق عفيفي (نائبِ مفتي المملكة العربية السعودية، وعضوِ هيئة كبار العلماء، ونائبِ رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) في تَعلِيقِه على (الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي الْمُتَوَفَّى عامَ 631هـ): مَنَاطُ الْحُكْمِ يَكُونُ عِلَّةً مَنْصُوصَةً أَوْ مُسْتَنْبَطَةً، [وَ]يَكُونُ قَاعِدَةً كُلِّيَّةً مَنْصُوصَةً أَوْ مُجْمَعًا عَلَيْهَا [قُلْتُ: وهذا يَعنِي أنَّ (المَناطَ) أعَمُّ مِنَ (العِلَّةِ)]. انتهى باختصار. وجاءَ في مجلة البحوث الإسلامية التابعة للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء في هذا الرابط: إنَّ (تَنقِيحَ المَناطِ) هو اِجتِهادُ المُجتَهِدِ في تَعرِيفِ الأوصافِ المُختَلِفةِ لِمَحَلِّ الحُكمِ، لِتَحدِيدِ ما يَصلُحُ منها مَناطًا لِلْحُكمِ، واستِبعادِ ما عَداه بَعْدَ أنْ يَكونَ قد عَلِمَ مَناطَ الحُكمِ على الجُملةِ [قالَ الشيخُ خبَّاب بن مروان الحمد في مَقالةٍ له بِعُنوانِ (الفَرقُ بَيْنَ تَخرِيجِ المَناطِ وتَنقِيحِ المَناطِ وتَحقِيقِ المَناطِ) على هذا الرابط: تَنقِيحُ المَناطِ [هو] وُجودُ أوصافٍ لا يُمكِنُ تَعلِيلُ الحُكمِ بِها لِأنَّها أوصافٌ غَيرُ مُؤَثِّرةٍ، واستِبقاءُ الوَصفِ المُؤَثِّرِ لِتَعلِيلِ الحُكمِ، وذلك تَخلِيصًا لِمَناطِ الحُكمِ مِمَّا ليس بِمَناطٍ له. انتهى]؛ وأمَّا (تَحقِيقُ المَناطِ) فَهو إقامةُ الدَّلِيلِ على أنَّ عِلَّةَ الأصلِ [الْمَقِيسِ عَلَيْهِ] مَوجودةٌ في الفَرعِ [الْمَقِيسِ]، سَواءٌ كانَتِ العِلَّةُ في الأصْلِ مَنصوصةً أو مُستَنبَطةً؛ وأمَّا (تَخرِيجُ المَناطِ) فَهو اِستِخراجُ عِلَّةٍ مُعَيَّنةٍ لِلْحُكمِ [قالَ الشيخُ خبَّاب بن مروان الحمد في مَقالةٍ له بِعُنوانِ (الفَرقُ بَيْنَ تَخرِيجِ المَناطِ وتَنقِيحِ المَناطِ وتَحقِيقِ المَناطِ) على هذا الرابط: تَخرِيجُ المَناطِ [هو] وُجودُ حُكمٍ شَرعِيٍّ مَنصوصٍ عليه، دُونَ بَيَانِ العِلَّةِ منه، فَيُحاوِلُ طالِبُ العِلْمِ الاجتِهادَ في التَّعَرُّفِ على عِلَّةِ الحُكمِ الشَّرعِيِّ واستِخراجَه لها. انتهى]. انتهى باختصار. وقالَ الشَّيخُ أبو بكر القحطاني في (شَرحُ قاعِدةِ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ"): هناك آلِيَّةٌ وَضَعَها الأُصولِيُّون، وهي مَوضوعٌ مَعروفٌ، وهي قَضِيَّةُ تَخرِيجِ المَناطِ، يَعْنِي أنَا أُظهِرُ هذه المَناطاتِ وأُخرِجُها، ثم أُنَقِّحُها (وهو [ما] يُسَمَّى "تَنقِيحُ المَناطِ"، أيْ آخُذُ المَناطَ الصالِحَ وأُبْعِدُ ما يَشوبُها مِنَ المَناطاتِ غَيرِ الصالِحةِ)، ثم بَعْدَ ذلك أُحَقِّقُه [أيِ المَناطَ] وبِالتالِي أُرَتِّبُ الحُكمَ عليه؛ يُسَمِّيه [أيْ يُسَمِّي هذا المَوضوعَ] بَعضُ العُلَماءِ (السَّبْرُ والتَّقسِيمُ) لاستِخراجِ المَناطِ وبِناءِ الحُكمِ عليه. انتهى]، وهنا لا يَلزَمُ مِن عَدَمِ التَّكفِيرِ زَوالُ أصلِ الدِّينِ، لِأنَّ السَّبَبَ [والذي هو تَكذِيبُ النُّصوصِ ورَدُّها] المُقتَضِي لِلتَّكفِيرِ [قد يَكونُ] مُنتَفٍ في حَقِّ مَن لم يُكَفِّرْ لإمكانِ وُرودِ الخَطَأِ أو الجَهلِ أو التَّأوِيلِ في تَنزِيلِ الحُكمِ أو فَهْمِ دَلالَتِه... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: ... ومِثالٌ آخَرُ، وهو اِعتِقادُ حُرمةِ الخَمرِ ووُجوبِ الصَّلاةِ، فَإنَّ هذا الاعتِقادَ لازِمٌ لِتَصدِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيما أخبَرَ وطاعَتِه فِيما أمَرَ، وتَصدِيقُ النَّبِيِّ وطاعَتُه مِن أصلِ الدِّينِ بِلا شَكٍّ [قُلْتُ: الحَقِيقةُ أنَّ (شَهادةَ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ) هي التي مِن أصلِ الدِّينِ، وأمَّا تَصدِيقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وطاعَتُه فَهُما مِن لَوازِمِ أصلِ الدِّينِ. وقد قالَ الشيخُ عبدالعزيز الداخل المطيري (المشرف العام على معهد آفاق التيسير "للتعليم عن بعد") في (شرح ثلاثة الأصول وأدلتها): فَشَهادةُ (أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ) أصلٌ من أصول الدين، لا يَدخُلُ عَبْدٌ في الإسلامِ حتى يَشهَدَ هذه الشَّهادةَ، وهذه الشَّهادةُ العَظِيمةُ يَنبَنِي عليها مَنهَجُ الإنسانِ وعَمَلُه، ونَجاتُه وسَعادَتُه، إذْ عليها مَدارُ المُتابَعةِ، واللهُ تَعالَى لا يَقبَلُ مِن عَبْدٍ عَمَلًا ما لم يَكُنْ خالِصًا له جَلَّ وعَلا، وعلى سُنَّةِ رَسولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالإخلاصُ هو مُقتَضَى شَهادةِ أنْ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ)، والمُتابَعةُ هي مُقتَضَى شَهادةِ أنَّ (مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ)، ولَمَّا كانَتِ الأعمالُ لا بُدَّ فيها مِن قَصدٍ وطَرِيقةٍ تُؤَدَّى عليها عُدَّتِ الشَّهادَتان رُكنًا واحِدًا؛ وشَهادةُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ تَستَلزِمُ أُمورًا عَظِيمةً يُمكِنُ إجمالُها في ثَلاثةِ أُمورٍ كِبارٍ مَن لم يَقُمْ بِها لم يَكُنْ مُؤمِنًا بِالرَّسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ الأمرُ الأوَّلُ، تَصدِيقُ خَبَرِه؛ الأمرُ الثانِي، اِمتِثالُ أمرِه؛ الأمرُ الثالِثُ، مَحَبَّتُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وما يَعودُ على أحَدِ هذه الأُمورِ الثَّلاثةِ بِالبُطلانِ فَهو ناقِضٌ لِشَهادةِ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، وإذا اِنتَقَضَتْ هذه الشَّهادةُ اِنتَقَضَ إسلامُ العَبدِ، فالإسلامُ لا بُدَّ فيه مِن إخلاصٍ وانقِيادٍ. انتهى باختصار]، لَكِنَّ اِعتِقادَ حُرمةِ الخَمرِ ووُجوبِ الصَّلاةِ مَوقوفٌ على تَشرِيعِ هذه الأحكامِ اِبتِداءً وعلى عِلْمِ المُكَلَّفِ بِها بَعْدَ تَشرِيعِها وتَحَقُّقِ ذلك عنده، فَلَوْ أنكَرَ المُكَلَّفُ حُرمةَ الخَمرِ أو جَحَدَ وُجوبَ الصَّلاةِ كَفَرَ، لَكِنْ إنْ لم يَثبُتْ عنده الحُكْمُ لِجَهلٍ يُعذَرُ به أو تَأوِيلٍ يُقبَلُ منه فَهو في هاتَين الحالَتَين مَعذورٌ مع أنَّ هذا الاعتِقادَ والإقرارَ به لازِمٌ لِأصلِ الدِّينِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: ... أمَّا المَعْنَى المُطابِقُ لِـ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) فَهو ما دَلَّتْ عليه ألفاظُها بِالتَّضَمُّنِ والمُطابَقةِ [قالَ الشيخُ عبدالرحيم السلمي (عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة والأديان والمذاهب المعاصرة بجامعة أم القرى) في (شَرحُ "القَواعِدِ المُثلَى"): فالدَّلالةُ لَها ثَلاثةُ أنواعٍ، النَّوعُ الأوَّلُ دَلالةُ المُطابَقةِ، والنَّوعُ الثانِي دَلالةُ التَّضَمُّنِ، والنَوعُ الثالِثُ دَلالةُ الالتِزامِ؛ فَأَمَّا دَلالةُ المُطابَقةِ، فَهي دَلالةُ اللَّفظِ على تَمامِ مَعناه الذي وُضِعَ له، مِثلَ دَلالةِ البَيتِ على الجُدرانِ والسَّقفِ [مَعًا]، فَإذا قُلْنا {بَيْتٌ} فَإنَّه يَدُلُّ على وُجودِ الجُدرانِ والسَّقفِ [مَعًا]؛ ودَلالةُ التَّضَمُّنِ، هي دَلالةُ اللَّفظِ على جُزءِ مَعناه الذي وُضِعَ له، كَما لو قُلْنا {البَيْتُ} وأرَدْنا السَّقفَ فَقَطْ، أو قُلْنا {البَيْتُ} وأرَدْنا الجِدارَ فَقَطَ؛ ودَلالةُ الالتِزامِ، هي دَلالةُ اللَّفظِ على مَعْنًى خارِجِ اللَّفظِ يَلزَمُ مِن هذا اللَّفظِ، فَإذا قُلْنا كَلِمةَ {السَّقفِ} مَثَلًا، فالسَّقفُ لا يَدخُلُ فيه الحائطُ، فَإنَّ الحائطَ شَيءٌ والسَّقفُ شَيءٌ آخَرُ، لَكِنَّه يَلزَمُ منه [أيْ لَكِنَّ السَّقفَ يَلزَمُ منه الحائطُ]، لِأنَّه [لا] يُتَصَوَّرُ وُجودُ سَقفٍ لا حائطَ له يَحمِلُه، فَهذه هي دَلالةُ الالتِزامِ (أوِ اللُّزومِ). انتهى باختصار]، وهو الإقرارُ بِأنَّه لا مَعبودَ بِحَقٍّ إلَّا اللهُ، وفيه نَفيُ العِبادةِ عن غَيرِ اللهِ، والكُفرُ بِكُلِّ ما يُعبَدُ مِن دُونِه [أيْ والبَراءةُ مِن كُلِّ ما يُعبَدُ مِن دُونِ اللهِ، ويَدُلُّ على ذلك قَولُه تَعالَى {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ}. وقد قالتِ الموسوعةِ الحَدِيثِيَّةِ (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ عَلوي بن عبدالقادر السَّقَّاف) في شَرحِ حَدِيثِ (مَن قالَ "لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" وَكَفَرَ بِما يُعْبَدُ مِن دُونِ اللهِ، حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ): في هذا الحَدِيثِ يُخبِرُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ مَن قالَ وشَهِدَ بِلِسانِه أنَّه {لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} أيْ لا مَعبودَ بِحَقٍّ إلَّا اللهُ، {وكَفَرَ بِما يُعبَدُ مِن دُونِ اللهِ} فَيَكونُ بِذلكَ قد تَبَرَّأَ مِن كُلِّ الأديَانِ سِوَى الإسلامِ، {حَرُمَ مالُه ودمُه} على المُسلِمِينَ، فَلا يُسلَبُ مالُه ولا يُسفَكُ دمُه. انتهى] وهو حَقِيقةُ الكُفرِ بِالطاغوتِ [ويَدُلُّ على ذلك قَولُه تَعالَى {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا}]، و[فيه] إثباتُ أحَقِّيَّتِه سُبحانَه لِلْعبادةِ؛ قالَ سُبحانَه {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ، فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}، فَهذه هي الكَلِمةُ التي اِتَّفَقَ عليها جَمِيعُ الأنبِياءِ، وهي كَلِمةُ التَّوحِيدِ والإسلامِ العامِّ، وهي {مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، وقالَ تَعالَى {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ، وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، والكَلِمةُ هي (لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، فَعَبَّرَ عنها الخَلِيلُ بِمَعناها، فَنَفَى ما نَفَتْه هذه الكَلِمةُ مِنَ الشِّركِ في العِبادةِ، بِالبَراءةِ مِن كُلِّ ما يُعبَدُ مِن دُونِ اللهِ، واستَثنَى الذي فَطَرَه (وهو اللهُ سُبحانَه) الذي لا يَصلُحُ مِنَ العِبادةِ شَيءٌ لِغَيرِه، فَهذا [هو] المَعنَى المُطابِقُ لِهذه الكَلِمةِ وهو ما نَصَّ عليه أهلُ العِلْمِ، قالَ شَيخُ الإسلامِ [في (مَجموعُ الفَتَاوَى)] {وَلِهَذَا كَانَ رَأْسُ الإسلَامِ شَهَادَةَ أَنْ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ)، وَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ عِبَادَةَ اللَّهِ وَحْدَهُ وَتَرْكَ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ، وَهُوَ الإسلَامُ الْعَامُّ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنَ الأوَّلِينَ والآخِرِين [دِينًا سِوَاهُ]}، وقالَ الشَّيخُ عبدُالرحمن بنُ حسن آل الشيخ [في (فَتحُ المَجِيدِ)] {... ولِمَا دَلَّتْ عليه هذه الكَلِمةُ [أيْ كَلِمةُ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ)] مُطابَقةً، فَإنَّها دَلَّتْ على نَفْيِ الشِّركِ والبَراءةِ منه والإخلاصِ لِلَّهِ وَحدَهُ لا شَرِيكَ له مُطابَقةً}، فَإذا ثَبَتَ ذلك بِالكِتابِ والسُّنَّةِ وكَلامِ أهلِ العِلْمِ تَبَيَّنَ أنَّ ما خَلا المَعْنَى المُطابِقَ مِمَّا ذَكَرَه الشَّيخُ محمدُ بنُ عبدالوهاب هو مِن لَوازِمِ ذلك ومُقتَضاه، وبِهذا يَبطُلُ القَولُ أنَّ تَكفِيرَ المُشرِكِين مِن أصلِ الدِّينِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ عادل-: فَكَونُ تَكفِيرِ المُشرِكِين مِن لَوازِمِ أصلِ الدِّينِ يَقتَضِي أنَّه مَوقوفٌ على (أسبابٍ وشُروطٍ) يَلزَمُ مِن عَدَمِها عَدَمُه، ولا يَتَرَتَّبُ [عَلَى] تَخَلُّفِهِ في حَقِّ المُكَلَّفِ كُفْرٌ ولا شِركٌ، ومِن هذه الأسبابِ عَدَمُ تَحَقُّقِ كُفرِ المُشرِكِين لَدَى المُكَلَّفِ أوِ اِشتِباهُ حالِهم عنده، لِذا وَجَبَ في حَقِّه إقامةُ الحُجَّةِ والبَيَانُ الذي يَزولُ معه الشُّبْهةُ قَبْلَ القَولِ بِكُفرِه. انتهى باختصار.

 

(2)وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (مُناظَرةٌ في حُكمِ مَن لا يُكَفِّرُ المُشرِكِين): النِّزاعُ ليس في تَكفِيرِ العابِدِين لِغَيرِ اللهِ والمُشرِكِين به، وإنَّما في تَكفِيرِ الذي لم يُكَفِّرْهم لِقِيَامِ مانِعٍ أوِ اِنتِفاءِ شَرطٍ عنده مع تَقرِيرِه أنَّ {هذا الفِعلَ شِركٌ أكبَرُ، ومَن يَفعَلُه فَهو كافِرٌ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: تَكفِيرُ الأعيانِ يَحتاجُ إلى شُروطٍ ومَوانِعَ، وإلى الآنَ لم تُقِيموا دَلِيلًا على (أنَّ تَكفِيرَ المُنتَسِبِ [يَعنِي الجاهِلَ مُرتَكِبَ الشِّركِ المُنتَسِبَ لِلْإسلامِ] مِن أصلِ الدِّينِ الذي لا عُذرَ فيه لِأحَدٍ بِجَهلٍ أو تَأوِيلٍ، وأنَّ مَن خالَفَكم فيه فَهو كافِرٌ ناقِضٌ لِأصلِ الدِّينِ)، ولا أظُنُّ أنَّكم تَقْدِرون إقامةَ الدَّلِيلِ على هذا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: وأمَّا ما ذَكَرْتُم مِن أنَّه [أيِ العاذِرَ] لا يَعرِفُ الكُفرَ ولا يَعرِفُ التَّوحِيدَ، فَدَعوَى عارِيَةٌ عنِ الدَّلِيلِ وأنتم مُطالَبون قَبْلَ كُلِّ شَيءٍ بِتَصحِيحِ الدَّعوَى، لِأنَّ هذا [أيِ العاذِرَ] يُقِرُّ أنَّ {ما تَفعَلُه القُبورِيَّةُ وأمثالُهم كُفْرٌ وشِركٌ، وفاعِلُه مِن غَيرِ عُذرٍ مُشرِكٌ كافِرٌ بِاللَّهِ العَظِيمِ}، ولَكِنْ يَقولُ {إنَّ هذا مع تَلَبُّسِه بِالشِّركِ يُعذَرُ بِالجَهلِ، ولا يُكَفَّرُ، ولا يُعامَلُ مُعامَلةُ الكافِرِين}، وظَنَّ [أيِ العاذِرُ] أنَّ الجَهْلَ [أيْ في مَسائلِ الشِّرْكِ الأكْبَرِ] قد جَعَلَه اللهُ عُذرًا ومانِعًا مِنَ التَّكفِيرِ كَما جَعَلْتُم [أنْتُم] الإكراهَ وانتِفاءَ القَصدِ عُذرًا [أيْ في مَسائلِ الشِّرْكِ الأكْبَرِ]، لِاختِلاطِ الأدِلَّةِ عنده وتَضارُبِها، أو لَعَلَّه يَقِيسُ الشِّركَ [الأكْبَرَ] على الكُفرِ الأكبَرِ، هذا هو مِحوَرُ المَسألةِ وقُطْبُ رَحَاها، فَهَلْ هذا الرَّجُلُ يُكَفِّرُ المُشرِكِين؟ الجَوابُ {نَعَمْ}، وهَلِ اِمتِناعُه عنِ التَّكفِيرِ هو في عُمومِ مَن يَفْعَلُ الشِّركَ أمْ في بَعضِ الأعيَانِ؟ الجَوابُ {في بَعضِ الأعيَانِ}، وهَلْ عِلَّةُ اِمتِناعِه عنِ التَّكفِيرِ هو اِعتِقادُه أنَّ مَن عَبَدَ غَيْرَ اللهِ مُسلِمٌ؟ الجَوابُ {لا، إنَّما لِأنَّه يَظُنُّ أنَّ اللهَ تَعالَى يَعذُرُ مِثلَ هذا بِالجَهلِ، كَما يَعذُرُه بِالإكراهِ أوِ اِنتِفاءِ القَصدِ، فَهو لا يَرَى الشِّركَ إسلامًا، ولا يَرَى المُشرِكَ مُسلِمًا، إنَّما يَرَى أنَّ حُكمَ الشِّركِ يُرفَعُ عن مَن وَقَعَ فيه إنْ كانَ جاهِلًا كَما يُرفَعُ عنِ المُكرَهِ والمُخطِئِ، فَهذا الرَّجُلُ يَقولُ (أنَا أعلَمُ أنَّ هذا الفِعلَ شِركٌ أكبَرُ، وأنَّ عابِدَ غَيرِ اللهِ كافِرٌ مُشرِكٌ، ولَكِنْ عندي دَلِيلٌ مِنَ القُرآنِ والسُّنَّةِ أنَّ اللهَ لا يُؤاخِذُ الجاهِلَ، فَأَنَا أتَّبِعُ هذا الدَّلِيلَ كَما أمَرَ اللهُ ولا أُكَفِّرُه حتى تَقومَ عليه الحُجَّةُ الشَّرعِيَّةُ)}، هَلْ تَصَوُّرُ هذا الرَّجُلِ صَحِيحٌ أمْ أنَّ لَدَيْهِ قُصورًا في التَّصَوُّرِ؟ الجَوابُ {لَدَيْهِ قُصورٌ، ولا يُمكِنُ تَكفِيرُه حتى يُبَيَّنَ له وَجْهُ خَطَئِه، كَأيِّ صاحِبِ خَطَأٍ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: وهذا الرَّجُلُ [أيِ العاذِرُ] كَيْفَ يُكَفَّرُ وخِلافُنا معه في تَنزِيلِ الحُكمِ الشَّرعِيِّ لا أكثَرَ؟ أعنِي تَنزِيلَ الحُكمِ على الأعيَانِ لا في تَوصِيفِ الفِعْلِ والحُكمِ عليه بِالكُفرِ والشِّركِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: والمَسألةُ تَحتاجُ مِنكم إلى تَحرِيرٍ ونَظَرٍ ثاقِبٍ ووَرَعٍ شَدِيدٍ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: ... وأمَّا مَسأَلَتُنا فَإنَّ هذا الرَّجُلَ الذي لا يُكَفِّرُ المُشرِكَ المُنتَسبَ يَعرِفُ حالَهم ويُحَذِّرُ منهم ومِن شِركِيَّاتِهم ويُشَدِّدُ عليهم حَسَبَ المُستَطاعِ ويَعرِفُ أنَّ أفعالَهم وأقوالَهم كُفْرٌ وشِركٌ بِاللَّهِ، لَكِنَّه ظَنَّ أنَّه لا يَجوزُ تَكفِيرُ (الجاهِلِ أوِ المُتَأَوِّلِ) [أيْ في مَسائلِ الشِّرْكِ الأكْبَرِ] حتى تُقامَ عليه الحُجَّةُ، فامتَنَعَ عن تَكفِيرِهم عَيْنًا لِقِيَامِ المانِعِ عنده، وهذا يَدُلُّ على أنَّه عَرَفَ حَقِيقةَ حالِهم وعَرَفَ الحُكمَ الشَّرعِيَّ لِـ (الفِعْلِ والقَولِ [اللَّذَين بِهما كانَ المُشرِكُ الجاهِلُ المُنتَسِبُ لِلإسلامِ مُقارِفًا لِلشِّركِ])، لَكِنِ اِمتَنَعَ عن تَنزِيلِ الحُكمِ على الفاعِلِ لِلشُّبهةِ القائمةِ عنده، وبِذلك تَرجِعُ المَسألةُ عنده إلى شُروطِ التَّكفِيرِ وانتِفاءِ المَوانعِ. انتهى باختصار.

 

(3)وقالَ الشيخُ أبو مالك التميمي (المُتَخَرِّجُ مِن قسم الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بتقدير امتياز، والحاصل على الماجستير من المعهد العالي للقضاء في الفقه المقارن، وتَمَّ تَرشِيحُه لِلْعَمَلِ قاضِيًا في المحاكمِ التابعةِ لوزارةِ العدلِ السعوديةِ ولَكِنَّه رَفَضَ) في (شَرحُ قاعِدةِ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ"): قاعِدةٌ مِن قَواعِدِ الشَّرعِ قَرَّرَها أهلُ العِلْمِ، ألا وهي قاعِدةُ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ أو شَكَّ في كُفرِه أو صَحَّحَ مَذهَبَه فَقَدْ كَفَرَ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: قاعِدةُ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ} هي قاعِدةٌ مُجمَعٌ عليها بَيْنَ سَلَفِ الأُمَّةِ وكِبارِ الأئمَّةِ، وهذا الإجماعُ إجماعٌ عليها في الجُملةِ، وهناك دَقائقُ -سَنُبَيِّنُها إنْ شاءَ اللهُ تَعالَى- فيها تَفصِيلٌ وبَيَانٌ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: إنَّ أهلَ العِلْمِ يُقَرِّرون أنَّ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ يَكفُرْ}، لَكِنْ لَيسَتْ هذه القاعِدةُ على ذاك الإطلاقِ الذي يَظُنُّه البَعضُ، بَلْ هناك ضَوابِطُ وقُيودٌ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: إنَّ هذه القاعِدةَ مُقَرَّرةٌ عند أهلِ العِلْمِ، والذي يَستَقرِئُ ويَتَتَبَّعُ أقوالَ أهلِ العِلْمِ يَجِدُ أنَّ هذه القاعِدةَ ظاهِرةٌ في تَأصِيلاتِهم، لِذلك حُكِيَتْ هذه القاعِدةُ عن سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وكذلك الإمامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وأَبِي زُرْعَةَ ومُحَمَّدِ بْنِ سُحْنُونٍ وكذلك أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ ويَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وجَمْعٍ مِن أئمَّةِ السَّلَفِ وكذلك شَيخِ الإسلامِ اِبْنِ تَيْمِيَّةَ والقاضِي عِيَاضٍ وأئمَّةِ الدَّعوةِ [النَّجدِيَّةِ] وغَيرِهم؛ هذه القاعِدةُ تَحَدَّثَ عنها سَلَفُ الأُمَّةِ، والذي يَتَتَبَّعُ أقاوِيلَهم والنُّقولاتِ الوارِدةَ عنهم يَجِدُ ذلك ظاهِرًا جَلِيًّا في ثَنايَا هذه النُّقولاتِ المَحكِيَّةِ عنهم... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: إنَّ المُقارِفَ لِهذا الناقِضِ [وهو المٌتَمَثِّلُ في قاعِدةِ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ أو شَكَّ في كُفرِه أو صَحَّحَ مَذهَبَه فَقَدْ كَفَرَ}] مُرتَكِبٌ لِلْكُفرِ بِإجماعِ أهلِ العِلْمِ، والكُفْرُ يَلحَقُه اِبتِداءً في مَواضِعَ وبَعْدَ إقامةِ الحُجَّةِ في مَواضِعَ كَما سَيَأْتِي بَيَانُه وتَفصِيلُه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: وهذه القاعِدةُ مُجمَعٌ عليها في الجُملةِ، وهناك تَفاصِيلُ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: إنَّ مَناطَ الكُفرِ في هذا الناقِضِ هو الرَّدُّ لِحُكمِ اللهِ بَعْدَ مَعرِفَتِه [قالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (الرِّسالةُ الثلاثِينِيَّةُ): فَإنَّ أصلَ هذه القاعِدةِ ودَلِيلَها الذي تَرتَكِزُ وتَقومُ عليه هو قَولَه تَعالَى {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ} وقَولُه سُبحانَه {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ، أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ} ونَحوُها مِن الأدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ الدالَّةِ على كُفرِ مَن كَذَّبَ بِشَيءٍ ثابِتٍ مِن أخبارِ الشَّرعِ وأحكامِه... ثم قالَ -أيِ الشيخُ المقدسي-: إنَّ حَقِيقةَ هذه القاعِدةِ وتَفسِيرَها على النَّحوِ التالِي {مَن لم يُكَفِّرْ كافِرًا بَلَغَه [أيْ بَلَغَ مَن لم يُكَفِّرْ] نَصُّ اللهِ تَعالَى القَطعِيُّ الدَّلالةِ على تَكفِيرِه [أيْ تَكفِيرِ مُرتَكِبِ الكُفرِ] في الكِتابِ، أو ثَبَتَ لَدَيْهِ نَصُّ الرَّسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تَكفِيرِه بِخَبَرٍ قَطعِيِّ الدَّلالةِ، رَغْمَ تَوَفُّرِ شُروطِ التَّكفِيرِ وانتِفاءِ مَوانِعِه [أيْ في حَقِّ مُرتَكِبِ الكُفرِ] عنده، فَقَدْ كَذَّبَ بِنَصِّ الكِتابِ أو السُّنَّةِ الثابِتةِ، ومَن كَذَّبَ بذلك فَقَدْ كَفَرَ بِالإجماعِ}؛ هذه هي حَقِيقةُ هذه القاعِدةِ وهذا هو تَفسِيرُها بَعْدَ النَّظَرِ في أدِلَّتِها واستِقراءِ اِستِعمالِ العُلَماءِ لَها. انتهى. وقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ (ت544هـ) في (الشِّفَا بِتَعْرِيفِ حُقُوقِ الْمُصْطَفَى): الإجْمَاعُ عَلَى كُفْرِ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ أَحَدًا مِنَ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَكُلِّ مَنْ فَارَقَ دِينَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ وَقَفَ فِي تَكْفِيرِهِمْ أَوْ شَكَّ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ [الْبَاقِلَّانِيُّ] {لِأنَّ التَّوقِيفَ [أيِ النَّصَّ] والإجماعَ اِتَّفَقا عَلَى كُفْرِهِمْ [أيْ كُفْرِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَكُلِّ مَنْ فَارَقَ دِينَ الْمُسْلِمِينَ]، فَمَنْ وَقَفَ فِي ذَلِكَ فَقَدْ كَذَّبَ النَّصَّ أَوْ شَكَّ فِيهِ، وَالتَّكْذِيبُ أَوِ الشَّكُّ فِيهِ [أيْ في النَّصِّ] لَا يَقَعُ إِلَّا مِن كافِرٍ}. انتهى باختصار. وقد عَلَّقَ الشيخُ أبو مالك التميمي في (شَرحُ قاعِدةِ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ") على قَولِ الْقَاضِي عِيَاضٍ هذا قائلًا: مِن هذا النَّقلِ عَلِمْنا المَناطَ التَّكفِيريَّ في هذا الناقِضِ، وهو جُحودُ ورَدُّ حُكمِ اللهِ أو تَكذِيبُ النَّصِّ الشَّرعِيِّ. انتهى باختصار]، وهذا المَناطُ، الأدِلَّةُ كَثِيرةٌ عليه في كِتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، يَقولُ تَعالَى {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} وكذلك يَقولُ سُبحانَه {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} ويَقولُ تَعالَى {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: يَخرُجُ مِن عُمومِ هذه القاعِدةِ المَسائلُ الخِلافِيَّةُ الاجتِهادِيَّةُ التي اِختَلَفَ [أيْ في التَّكفِيرِ] فيها أهلُ العِلْمِ، وهي على سَبِيلِ المِثالِ كَحُكمِ تارِكِ الصَّلاةِ [قالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (الرِّسالةُ الثَّلاثِينِيَّةُ): ... كَتارِكِ الصَّلاةِ، فَإنَّ مَن لم يُكَفِّرْه، وإنْ كانَ مُخطِئًا، إلَّا أنَّه [أيْ مَن لم يُكَفِّرْ تارِكَ الصَّلاةِ] لا يَجحَدُ الأدِلَّةَ الصَّحِيحةَ القاضِيَةَ بِكُفرِه [أيْ بِكُفرِ تارِكِ الصَّلاةِ]، بَلْ يُؤمِنُ بِها ويُصَدِّقُ، ولَكِنْ يُؤَوِّلُها بِالكُفرِ الأصغَرِ، أو يُخَصِّصُها فِيمَن جَحَدَ الصَّلاةَ دُونَ مَن تَرَكَها تَكاسُلًا، لِتَعارُضِ ظاهِرِ بَعضِ النُّصوصِ الأُخرَى معها [أيْ مع الأدِلَّةِ الصَّحِيحةِ القاضِيَةِ بِكُفرِ تارِكِ الصَّلاةِ]، كَحَدِيثِ (خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ) وفِيه قَولُه [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] {وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وإنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ} رَوَاهُ الإمامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وغَيرُهم، ونَحوِ ذلك مِن حُجَجِ القائلِين بِذلك، وَهُمْ كَثِيرٌ، ومِنهم أَئمَّةٌ جِبَالٌ كَمالِكٍ والشافِعِيِّ وغَيرِهم مِمَّن لم يُكَفِّرْ مَن تَرَكَها تَكاسُلًا، فَلَمْ نَسمَعْ أنَّ أحَدًا مِنَ المُخالِفِين لَهم القائلِين بِكُفرِه [أيْ بِكُفرِ تارِكِ الصَّلاةِ] كالإمامِ أَحْمَدَ في إحدَى الرِّوايَتَين عنه، وعبدِاللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وغَيرِهم قالوا بِكُفرِهم [أيْ بِكُفرِ الذِين لم يُكَفِّروا تارِكَ الصَّلاةِ] أو طَبَّقوا قاعِدةَ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ فَهو كافِرٌ} عليهم [قالَ الشَّيخُ يزن الغانم في هذا الرابط: يَجِبُ أنْ نُفَرِّقَ بَيْنَ مَن وَقَعَ في بِدعةٍ أو أَخْطَأَ مِن عُلَماءِ السَّلَفِ -أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ- الذِين يَنطَلِقون في اِستِدلالِهم مِنَ الحَدِيثِ والأثَرِ، وبَيْنَ مَن وَقَعَ في بِدعةٍ مِن أهلِ الأهواءِ والبِدَعِ الذِين يِنطَلِقون مِن أُصولٍ وقَواعِدَ مُبتَدَعةٍ، أو مَنْهَجٍ غَيرِ مَنْهَجِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ. انتهى]. انتهى] وتارِكِ الصَّومِ وتارِكِ الزَّكاةِ وتارِكِ الحَجِّ، وحَدِيثُنا هنا عن خِلافِ أهلِ العِلْمِ في التَّركِ لا الجُحودِ، فَإنَّ الجُحودَ مُتَّفَقٌ عليه [أيْ مُتَّفَقٌ على التَّكفِيرِ به]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: يَخرُجُ مِن عُمومِ هذا الناقِضِ مَوانِعُ اِختَلَفَ أهلُ العِلْمِ في جُزئيَّاتِها؛ مَثَلًا اِشتِراطُ البُلوغِ لِصحَّةِ وُقوعِ الرِّدَّةِ، اِتَّفَقَ أهلُ العِلْمِ على أنَّ البالِغَ تَقَعُ منه الرِّدَّةُ وتَصِحُّ ويُؤاخَذُ ويُحاسَبُ ويُعاقَبُ، واتَّفَقَ أهلُ العِلْمِ على أنَّ الصَّبِيَّ دُونَ سِنِّ التَّميِيزِ لا تَقَعُ [يَعنِي لا تَصِحُّ] منه الرِّدَّةُ، بَقِيَ عندنا المَرحَلةُ التي هي بَيْنَ هَذَين العُمُرَين (سِنِّ البُلوغِ، وفَوْقَ سِنِّ التَّميِيزِ)، فَسِنُّ التَّميِيزِ هنا اِختَلَفَ أهلُ العِلْمِ في حَدِّهِ، [كَما اِختَلَفوا أيضًا في] اِشتِراطِ البُلوغِ في ثُبوتِ الرِّدَّةِ أو صِحَّةِ الرِّدَّةِ، [فَقَدْ] رَأَى أبُو حَنِيفَةَ وصاحِبُه مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وكذلك أحمَدُ في رِوايَةٍ أنَّ البُلوغَ ليس شَرطًا لِصِحَّةِ وثُبوتِ الرِّدَّةِ [يَعنِي أنَّه يَكفِي تَحَقَّقُ (التَّميِيزِ) والذي هو أيضًا مُختَلَفٌ في حَدِّهِ]، وقالَ أبو يُوسُفَ مِن أصحابِ أبِي حَنِيفَةَ والشافِعِيَّةُ وأحمَدُ في أظهَرِ الرِّوايَتَين عنه أنَّ الرِّدَّةَ لا تَثبُتُ ولا تَصِحُّ مِنَ المُمَيِّزِ الذي دُون سِنِّ البُلوغِ؛ وقُلْ بِمِثْلِ ذلك في حَقِّ السَّكرانِ، [فَ]إِن زَوالَ العَقلِ يُقَسِّمُه أهلُ العِلْمِ إلى زَوالٍ بِسَبَبٍ مُباحٍ [كَما في الإغماءِ أو الصَّرْعِ أو إجراءِ عَمَلِيَّةٍ جِراحِيَّةٍ، وقَدِ اِتَّفَقَ أهلُ العِلْمِ على أنَّ الرِّدَّةَ الناتِجةَ عن زَوالِ العَقلِ بِسَبَبٍ مُباحٍ لا تَصِحُّ]، وزَوالٍ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ [وَ]يَكونُ بشُرْبِ الخَمْرِ، هنا [أيْ في زَوالِ العَقلِ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ] اِختَلَفَ أهلُ العِلْمِ [أيْ في صِحَّةِ الرِّدَّةِ]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: هَلْ هذه الصُورةُ [يَعنِي تَكفِيرَ السَّكرانِ الذي وَقَعَتْ منه الرِّدَّةُ بِسَبَبِ زَوالِ عَقلِه بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ، وقد عَرَفْنا اِختِلافَ العُلَماءِ في صِحَّةِ رِدَّتِه] داخِلةٌ تَحْتَ هذه القاعِدةِ؟، هَلِ الصُّورةُ في التَّميِيزِ [يَعنِي تَكفِيرَ الصَّبِيِّ المُمَيِّزِ الذي وَقَعَتْ منه الرِّدَّةُ، وقد عَرَفْنا اِختِلافَ العُلَماءِ في اِشتِراطِ البُلوغِ، وعَرَفْنا أنَّ الذِين اِكتَفَوْا منهم بِالتَّمْيِيزِ اِختَلَفوا أيضًا في سِنِّ التَّمْيِيزِ] داخِلةٌ تَحْتَ هذه القاعِدةِ؟، نَقولُ، لا، لِأنَّنا قَرَّرنا أنَّ مَسائلَ الخِلافِ التي هي مَحَلُّ اِجتِهادٍ بَيْنَ أهلِ العِلْمِ خارِجةٌ مِن هذه القاعِدةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: كذلك مِنَ المَسائلِ المُهِمَّةِ مانِعُ الإكراهِ، مانِعُ الإكراهِ هو مانِعٌ مُتَّفَقٌ عليه في الجُملةِ ولَكِنِ اِختَلَفَ أهلُ العِلْمِ في بَعضِ جُزئيَّاتِه، فَإنَّ أهلَ العِلْمِ قالوا {هَلْ يَكفِي في الإكراهِ التَّهدِيدُ أو لا بُدَّ أنْ يُمَسُّ بِعَذابٍ؟}، جُمهورُ العُلَماءِ خِلافًا لِأحمَدَ قالوا {نَعَمْ، يَكفِي التَّهدِيدُ}، وأحمَدُ قالَ {لا، حتى يُمَسُّ بِعَذابٍ} [قالَ مركزُ الفتوى بموقع إسلام ويب التابع لإدارة الدعوة والإرشاد الديني بوِزَارةِ الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر في هذا الرابط: وقد وَقَعَ الخِلاُف بَيْنَ أهلِ العِلْمِ في التَّسوِيَةِ بَيْنَ الأقوالِ والأفعالِ [أيْ مِن جِهةِ المُكرَهِ، وهي الأقوالُ والأفعالُ التي يُكرَهُ عليها] في الإكراهِ، فَذَهَبَ بَعضُهم وهُمُ الجُمهورُ إلى أنَّ المُكرَهَ يَحِلُّ له الإقدامُ على ما أُكرِهَ عليه، سَواءٌ أُكرِهَ على قَولٍ أو عَمَلٍ، وذَهَبَ بَعضُهم إلى التَّفرِيقِ بَيْنَ الأقوالِ والأفعالِ [يَعنِي أنَّ بَعْضَ العُلَماءِ ذَهَبَ إلى صِحَّةِ الإكراهِ (إذا كانَ الإكراهُ على قَولٍ) وعَدَمِ صِحَّتِه (إذا كانَ على فِعْلٍ)]. انتهى باختصار. وقالَ مركزُ الفتوى أيضًا في هذا الرابط: قالَ اِبنُ رَجَبٍ [في (جامع العلوم والحكم)] {وَأَمَّا الإكرَاهُ عَلَى الأقْوَالِ، فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى صِحَّتِهِ، وَأَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى قَوْلٍ مُحَرَّمٍ إِكْرَاهًا مُعْتَبَرًا أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْتَدِيَ نَفْسَهُ بِهِ، وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَسَائِرُ الأقْوَالِ يُتَصَوَّرُ عَلَيْهَا الإكْرَاهُ، فَإِذَا أُكْرِهَ بِغَيْرِ حَقٍّ عَلَى قَوْلٍ مِنَ الأقْوَالِ، لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنَ الأحْكَامِ، وَكَانَ لَغْوًا، فَإِنَّ كَلَامَ الْمُكْرَهِ صَدَرَ مِنْهُ وَهُوَ غَيْرُ رَاضٍ بِهِ، فَلِذَلِكَ عُفِيَ عَنْهُ، وَلَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}؛ أمَّا مَن أُكرِهَ على فِعْلٍ مِن أفعالِ الكُفرِ كالسُّجودِ لِغَيرِ اللهِ، فَقَدِ اُختُلِفَ (هَلْ يُقبَلُ إكراهُه أو لا يُقبَلُ؟)، قالَ اِبْنُ بَطَّالٍ [في (شرح صحيح البخاري)] {وَأَمَّا فِي الْفِعْلِ فَلَا رُخْصَةَ فِيهِ، مِثْلَ أَنْ يُكْرِهُوه عَلَى السُّجُودِ لِغَيْرِ اللَّهِ أَوِ الصَّلَاةِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ... وَقَالَتْ طَائِفَةٌ (الإكْرَاهُ فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ سَوَاءٌ إِذَا أَسَرَّ الإيمَانَ)}. انتهى باختصار]، هذا خِلافٌ، نَقولُ، لا تَدخُلُ هذه المَسأَلةُ تحت قاعِدةِ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ أو شَكَّ في كُفرِه أو صَحَّحَ مَذهَبَه فَقَدْ كَفَرَ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: قد يَأتِي آتٍ ويُقحِمُ مَسائلَ الاجتِهادِ الخِلافِيَّةِ تحت هذه القاعِدةِ، فَنَقولُ له، لا، ومازالَ أهلُ العِلْمِ يَختَلِفون في مَسائلَ كَهذه المَسائلِ ولم يُكَفِّرْ بَعضُهم بَعضًا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: المَسائلُ الظاهِرةُ [هي] كُلُّ مَسأَلةٍ ظَهَرَتْ أدِلَّتُها وأجمَعَتِ الأُمَّةُ عليها وظَهَرَ عِلمُها لِلْعامِّ والخاصِّ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: المَسائلُ الخَفِيَّةُ هي كُلُّ مَسأَلةٍ يَعلَمُها الخاصَّةُ دُونَ العامَّةِ لِخَفائها وعَدَمِ اِشتِهارِها... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: أهلُ العِلْمِ يُقَسِّمون هذه القاعِدةَ إلى أقسامٍ؛ (أ)القِسمُ الأوَّلُ، أُناسٌ جاءَ النَّصُّ صَراحةً بِتَكفِيرِهم بِأعيانِهم وهُمْ على قِسمَين (طَوائفُ، وأفرادٌ)، الطَّوائفُ -مَثَلًا- اليَهودِيَّةُ والنَّصرانِيَّةُ والمَجُوسُ والبُوذِيَّةُ، والأفرادُ كَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ وإبلِيسَ وأبِي لَهَبٍ، فحكم هذا القسم [وهَمُ الذِين جاءَ النَّصُّ صَراحةً بِتَكفِيرِهم بِأعيانِهم مِنَ الطوائفِ أو الأفرادِ] مَن لم يُكَفِّرْهم بِأعيانِهم فَهو كافِرٌ، وأهلُ العِلْمِ حَكَوْا الإجماعَ على كُفرِ مَن لم يُكَفِّرْ هذا القِسمَ أو الصِّنفَ مِنَ الناسِ، والمَناطُ التَّكفِيرِيُّ في هذا الناقِضِ هو جُحودُ ورَدُّ حُكمِ اللهِ أو تَكذِيبُ النَّصِّ الشَّرعِيِّ، [وَ]هذه مَسأَلةٌ ظاهِرةٌ، مُجمَعٌ عليها والنَّصُّ فيها قَطعِيٌّ فَلَمْ يَعُدْ هناك سَبِيلٌ لِلْخَفاءِ، وإنَّ عاذِرَ هؤلاء دَلَّ الَّنصُّ على كُفرِه [كَما في قَولِه تَعالَى {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ}] وهو داخِلٌ أصالةً تحت هذا الناقِضِ أو هذه القاعِدةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: القِسمُ الثانِي [أيْ مِن أقسامِ قاعِدةِ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ أو شَكَّ في كُفرِه أو صَحَّحَ مَذهَبَه فَقَدْ كَفَرَ}]، أقوالٌ وأفعالٌ جاءَ النَّصُّ بِتَكفِيرِ أصحابِها أو فاعِلِيها، كالاستِغاثةِ بِغَيرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ والذَّبحِ لِغَيرِ اللهِ والسُّجودِ لِغَيرِ اللهِ والحُكمِ بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ [قالَ الشيخُ حمودٌ الشعيبي (الأستاذ بكلية الشريعة وأصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) في فَتْوَى له على هذا الرابط: قالَ شَيخُنا الشَّيخُ محمد الأمين الشنقيطي [في (أضواء البيان)] بَعْدَ أنْ ذَكَرَ النُّصوصَ الدالَّةَ على كُفرِ مُحَكِّمِي القَوانِينِ {وَبِهَذِهِ النُّصُوصِ السَّمَاوِيَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا يَظْهَرُ غَايَةَ الظُّهُورِ أَنَّ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الْقَوَانِينَ الْوَضْعِيَّةَ الَّتِي شَرَعَهَا الشَّيْطَانُ عَلَى أَلْسِنَةِ أَوْلِيَائِهِ مُخَالَفَةً لِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ لَا يَشُكُّ فِي كُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ إِلَّا مَنْ طَمَسَ اللَّهُ بَصِيرَتَهُ وَأَعْمَاهُ عَنْ نُورِ الْوَحْيِ مِثْلَهُمْ}. انتهى] والاستِهزاءِ بِاللَّهِ أو بِالدِّينِ أو بِالرَّسولِ الأمِينِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، نَقُولُ، مَن تَوَقَّفَ أو شَكَّ في كُفرِ مُرتَكِبِ أحَدِ هذه النَّواقِضِ، فَإنَّه لا يَخلُو مِن حالاتِ؛ (أ)الحالةُ الأُولَى، أنْ يَمتَنِعَ عن تَكفِيرِه لِكَونِ ما وَقَعَ فيه ليس بِكُفرٍ، يَعنِي يَقولُ لك {الذَّبحُ لِغَيرِ اللهِ جائزٌ ليس كُفرًا}، هذا أصلًا كافِرٌ أصالةً، تَوَقَّفَ في كُفرِ هذا [المُعَيَّنِ] أو لم يَتَوَقَّفُ، لِأنَّه رَأَى أنَّ هذه الأفعالَ التي دَلَّ النَّصُّ صَراحةً على كُفرِ فاعِلِها أنَّها لَيسَتْ بِكُفرٍ، وهذا رَدٌّ وتَكذِيبٌ لِلنَّصِّ الشَّرعِيِّ أنْ يَمتَنِعَ عن تَكفِيرِه لِكَونِ ما وَقَعَ [أيِ المُعَيَّنُ] فيه ليس بِكُفرٍ، كَأَنْ يَقولَ {الذَّبحُ لِغَيرِ اللهِ، أوِ الحُكمُ بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ، أوِ الاستِغاثةُ بِغَيرِ اللهِ، أنَّها لَيسَتْ بِكُفرٍ، وأنَّها مِمَّا أباحَه اللهُ سُبحانَه وتَعالَى}، فَهذا نَسأَلُ اللهَ السَّلامةَ والعافِيَةَ يَلحَقُه الكُفْرُ؛ (ب)الحالةُ الثانِيَةُ، أنْ يَمتَنِعَ عن تَكفِيرِه مع إقرارِه بِأنَّ ما وَقَعَ فيه المُعَيَّنُ كُفْرٌ، حَكَمَ [أيِ المُعَيَّنُ] بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ، يَقولُ [أيِ العاذِرُ] {الحُكْمُ بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ، ما عِنْدِي أدنَى شَكٍّ أنَّه كُفْرٌ}، ذَبَحَ [أيِ المُعَيَّنُ] لِغَيرِ اللهِ، يَقولُ [أيِ العاذِرُ] {ما عِنْدِي أدنَى شَكٍّ أنَّ هذا الفِعلَ كُفْرٌ}، لَكِنْ يَمتَنِعُ عن تَكفِيرِه [أيْ يَمتَنِعُ العاذِرُ عن تَكفِيرِ المُعَيَّنِ] لِوُجودِ مانِعٍ مَنَعَ مِن نُزولِ الحُكمِ على [المُعَيَّنِ] مُرتَكِبِ الكُفرِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: والمَوانِعُ منها ما هو مُعتَبَرٌ في كُلِّ مَسائلِ الإيمانِ والكُفرِ، كالإكراهِ مَثَلًا، ومنها ما هو مُعتَبَرٌ في مَسائلَ غَيرُ مُعتَبَرٍ في أُخرَى، وهنا يَحصُلُ الخَلَلَ ([وهو] التَّعمِيمُ)، تَأْتِي إلى مانِعٍ اِعتَبَرَه أهلُ العِلْمِ في بابٍ فَتُعَمِّمُه على أبوابٍ أُخرَى؛ الجَهلُ -مَثَلًا- أهلُ العِلْمِ يَعتَبِرونه في المَسائلِ الخَفِيَّةِ، إذا كانَ جاهِلًا فَيُعذَرُ فَلا يَلحَقُه الكُفْرُ حتى تُقامَ عليه الحُجَّةُ ويَفهَمَها؛ اِشتِراطُ الفَهمِ -مَثَلًا- يَجِدُ أنَّ أهلَ العِلْمِ يُقَرِّرونه في المَسائلِ الخَفِيَّةِ [قالَ الشيخُ عبدُالله الغليفي في (التنبيهات المختصرة على المسائل المنتشرة): فاشتِراطُ فَهْمِ الحُجَّةِ دائمًا مِن أقوالِ المُرجِئةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الغليفي-: لا يُشتَرَطُ الفَهمُ في المَسائلِ الظاهِرةِ الجَلِيَّةِ ولَكِنْ يُشتَرَطُ في المَسائلِ الخَفِيَّةِ، كَما قالَ العُلَماءُ. انتهى]، فَيُعَمِّمُ هذا الاشتِراطَ؛ حتى خَرَجَ عندنا مَن يَقولُ بِأنَّ الطَّواغِيتَ الذِين عُلِمَ كُفْرُهم وأصبَحَ كُفْرُهم مَعلومًا لَدَى الصَّغِيرِ والكَبِيرِ، يَقولُ {لا يَلحَقُه الكُفْرُ حتى تُقِيمَ عليه الحُجَّةَ}، ومَفهومُ الحُجَّةِ أصلًا عنده مُختَلٌّ، يَعنِي لا بُدَّ أنْ تَأْتِيَ وتَجلِسَ معه ثم بَعْدَ ذلك تَعرِضُ عليه الدَّلِيلَ وتُناقِشُه عند كُلِّ دَلِيلٍ {فَهِمْتَ؟، أو ما فَهِمْتَ؟}، فَهِمْتَ نَنتَقِلْ لِلْآخَرِ، ما فَهِمْتَ نَبْقَى عند الأوَّلِ إلى أبَدِ الآبادِ!... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: هذا المُمتَنِعُ [يَعنِي في الحالةِ الثانِيَةِ مِن حالاتِ الامتِناعِ عن تَكفِيرِ مُرتَكِبِ أحَدِ النَّواقِضِ المُتَمَثِّلةِ في أقوالٍ وأفعالٍ جاءَ النَّصُّ بِتَكفِيرِ فاعِلِيها، كالاستِغاثةِ بِغَيرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ والذَّبحِ لِغَيرِ اللهِ والسُّجودِ لِغَيرِ اللهِ، وهي الحالةُ التي يَمتَنِعُ فيها العاذِرُ عن تَكفِيرِ المُعَيَّنِ مع إقرارِه بِأنَّ ما وَقَعَ فيه المُعَيَّنُ كُفْرٌ] مع إقرارِه بِأنَّ ما وَقَعَ فيه المُعَيَّنُ كُفْرٌ، له حالاتٌ؛ (أ)الحالةُ الأُولَى، أنْ يَكونَ المانِعُ الذي أَورَدَه مُعتَبَرًا والتَّنزِيلُ صَحِيحٌ، فَهذا لا يَدخُلُ معنا في القاعِدةِ أصلًا [أيْ لا يَكفُرُ العاذِرُ، لِأنَّه أَنزَلَ مانِعًا مُعتَبَرًا في مَسأَلةٍ يَصِحُّ إنزالُه فيها، كَأَنْ يُنَزِّلَ مانِعَ الإكراهِ على مُرتَكِبِ الشِّركِ الأكبَرِ]؛ (ب)الحالةُ الثانِيَةُ، أنْ يَكونَ المانِعُ غَيْرَ مُعتَبَرٍ [يَعنِي لم يَأْتِ دَلِيلٌ على اِعتِبارِه مانِعًا]، أو أنَّه مُعتَبَرٌ والتَّنزِيلُ غَيرُ صَحِيحٍ، مِثالٌ على مانِعٍ غَيرِ مُعتَبَرٍ، رَجُلٌ تَقولُ له {لِماذا دَخَلْتَ في جَيشِ الطاغوتِ؟}، فَجاءَ شَخصٌ [يَعنِي العاذِرَ] فَقالَ {يا رَجُلُ، هذا مِسكِينٌ ضَعِيفٌ، عنده أولادٌ يَصرِفُ عليهم}، الآنَ هو يُورِدُ مانِعا غَيْرَ مُعتَبَرٍ،[مِثالٌ على] مانِعٍ مُعتَبَرٍ والتَّنزِيلُ غَيرُ صَحِيحٍ [أيْ مانِعٍ مُعتَبَرٍ في مَسائلَ دُونَ مَسائلَ، فَيَقومُ العاذِرُ بِإنزالِه في مَسأَلةٍ لا يَصِحُّ إنزالُه فيها]، قد تَأْتِي مَثَلًا بِـ (الجَهلِ) وتَجعَلُه مانِعًا في الشِّركِ الأكبَرِ، نَقولُ لك {مانِعٌ مُعتَبَرٌ والتَّنزِيلُ غَيرُ صَحِيحٍ، لِأنَّه [أيِ الجَهْلَ] مُعتَبَرٌ في مَسائلَ دُونَ مَسائلَ}، فَما الحُكْمُ [أيْ فَما حُكْمُ العاذِرِ عندئذٍ]؟، نَقولُ، هذا لا يَلحَقُه الحُكْمُ اِبتِداءً إلَّا بَعْدَ المُحاجَّةِ والمُكاشَفةِ، لِماذا لم نَقُلْ هنا أنَّه تَحَقَّقَ فيه المَناطُ؟ [لِأنَّه] لم يَجحَدْ [سَبَقَ بَيَانُ أنَّ مَناطَ الكُفرِ في قاعِدةِ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ أو شَكَّ في كُفرِه أو صَحَّحَ مَذهَبَه فَقَدْ كَفَرَ} هو الرَّدُّ لِحُكمِ اللهِ بَعْدَ مَعرِفَتِه]، هو يُقِرُّ أنَّ هذا الفِعلَ كُفْرٌ، لَكِنْ يَقولُ {وٌجِدَ مانِعٌ مَنَعَ مِن لِحاقِ الكُفرِ بِفاعِلِه} [مُرادُ الشَّيخِ مِمَّا ذَكَرَه أنَّ هذا العاذِرَ الذي جَعَلَ الجَهْلَ مانِعًا في الشِّركِ الأكبَرِ لا نُكَفِّرُه اِبتِداءً (أيْ لا نُكَفِّرُه قَبْلَ أنْ نُحاجَّه ونُكاشِفَه)، فَإنِ اِتَّبَعَ الحَقَّ بَعْدَ تلك المُحاجَّةِ فَكَفَّرَ المُعَيَّنَ مُرتَكِبَ الشِّركِ الأكبَرِ فَلا يَكفُرُ، وإلَّا فَإنَّه يَكفُرُ بَعْدَ تلك المُحاجَّةِ]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: (مَن يَعذُرُ مُرتَكِبَ الشِّركِ)، هذا ما نحن بِصَدَدِ الحَدِيثِ عنه [هنا يُنَبِّهُ الشَّيخُ أنَّ الكَلامَ عن (عاذِرِ مُرتَكِبِ الشِّركِ الأكبَرِ) لا (مُرتَكِبِ الشِّركِ الأكبَرِ نَفْسِه)]، فَلا يَحصُلْ تَداخُلٌ في أذهانِ البَعضِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: مِنَ المَسائلِ التي أُشكِلَتْ على كَثِيرٍ مِنَ الناسِ في فَهمِ هذه القاعِدةِ ما نُقِلَ ورُوِيَ عن أهلِ العِلْمِ، حيث أنَّ ما يُنقَلُ عن أهلِ العِلْمِ في هذه المَسأَلةِ لا يَخلُو مِن حالَين، الحالةُ الأُولَى (أنْ يَكونَ النَّقلُ ظاهِرُه تَكفِيرُ العاذِرِ اِبتِداءً)، الحالةُ الثانِيَةُ (هناك نُقولاتٌ أُخرَى ظاهِرُها عَدَمُ تَكفِيرُ العاذِرِ اِبتِداءً وإنَّما بَعْدَ إقامةِ الحُجَّةِ أو بَعْدَ المُحاجَّةِ والمُكاشَفةِ)، فَحَصَلَ خَلَلٌ عند البَعضِ؛ فَمَثَلًا يَشْهَدُ لِلْأمرِ الأوَّلِ [يَعنِي الحالةَ الأُولَى] ما قالَه سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ {الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ عز وجل، مَنْ قَالَ (مَخْلُوقٌ) فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ فَهُوَ كَافِرٌ}، ظاهِرُ النَّقلِ يُفِيدُ تَكفِيرَه [يَعنِي تَكفِيرَ مَن لم يُكَفِّرْ] اِبتِداءً، وكذلك قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي عَقِيدَتِه لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ مَن قَالَ بِخَلقِ الْقُرْآنِ فَهُوَ جَهمِيٌّ كَافِرٌ، قَالَ [كَما جاءَ في كِتابِ (الجامع لعلوم الإمام أحمد "العقيدة")] {وَمَن لم يُكَفِّرْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ فَهُوَ مِثلُهم}، هذا النَّقلُ ظاهِرُه التَّكفِيرُ اِبتِداءً؛ ويَشْهَدُ لِلثَّانِي [يَعنِي الحالةَ الثانِيَةَ] ما قالَه أبو زُرْعَةَ {مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ، وَمَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِ مِمَّنْ يَفْهَمُ وَلَا يَجْهَلُ فَهُوَ كَافِرٌ}، هنا ظَهَرَ قَيْدٌ جَدِيدٌ، في النَّقلِ الأوَّلِ [يَعنِي الحالةَ الأُولَى] إطلاقٌ، في النَّقلِ الثانِي [يَعنِي الحالةَ الثانِيَةَ] تَقيِيدٌ؛ على العُمومِ، النُّقولاتُ هنا كَثِيرةٌ حُكِيَتْ عن أهلِ العِلْمِ في هذه المَسأَلةِ، وهي بَيْنَ هَذَين الحالَين، نُقولٌ ظاهِرُها أنَّها تُفِيدُ كُفرَ العاذِرِ اِبتِداءً بِدونِ تَفصِيلٍ وتَقيِيدٍ، وهناك نُقولٌ أُخرَى تُفِيدُ أنَّ العاذِرَ يَكفُرُ بَعْدَ المُحاجَّةِ والمُكاشَفةِ أو بَعْدَ إقامةِ الحُجَّةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: قد يَستَشكِلُ البَعضُ أنَّ هناك نُقولًا تُحكَى وتُنقَلُ عن أهلِ العِلْمِ مَفادُها أو ظاهِرُها يَدُلُّ على أنَّ عاذِرَ مُرتَكِبِ الشِّركِ يَكفُرُ اِبتِداءً، وهناك نُقولٌ أُخرَى ظاهِرُها أنَّه لا يَكفُرُ اِبتِداءً وإنَّما بَعْدَ المُحاجَّةِ والمُكاشَفةِ؛ فالبَعضُ حَمَلَ هذه المَسأَلةَ [دائمًا] على النَّقلِ المُطلَقِ، وبَعضُهم حَمَلَها [دائمًا] على النَّقلِ المُقَيَّدِ، والحَقُّ وَسَطٌ بَيْنَ طَرَفَين، وهناك عِدَّةُ أَجوِبةٍ يُمكِنُ أنْ نُورِدَها تحت هذا الإشكالِ؛ (أ)الجَوابُ الأوَّلُ، أنْ نَحمِلَ ما أطلَقوه في مَواضِعَ على ما قَيَّدوه في مَواضِعَ أُخرَى إعمالًا لِقاعِدةٍ أُصولِيَّةٍ مُتَقَرِّرةٍ عند أهلِ العِلْمِ أنَّ {المُطلَقَ يُحمَلُ على المُقَيَّدِ}، وهذا دارِجٌ عند أهلِ العِلْمِ، فَهُمْ يُجمِلون في مَواضِعَ ويُفَصِّلون في أُخرَى، وقد أشارَ شَيخُ الإسلامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ على أنَّ مِن أبرَزِ أسبابِ الخَطَأِ عند أتباعِ المَذاهِبِ أنَّهم لم يُفَرِّقوا بَيْنَ ما أطلَقَه أئمَتُهم في مَواضِعَ وقَيَّدوهُ في مَواضِعَ أُخرَى، لِذلك أهلُ العِلْمِ يَقولون -هذا بِالنِّسبةِ لِنُصوصِ الشَّرعِ- يَقولون {أنَّهُ إذا اِتَحَدَّ السَّبَبُ والحُكْمُ يُحمَلُ المُطلَقُ على المُقَيَّدُ [قُلْتُ: المُرادُ هنا أنَّه إذا وَرَدَ نَصَّان وكانَ السَّبَبُ فيهما مُتَطابِقًا، وجاءَ الحُكْمُ أيضًا فيهما مُتَطابِقًا بِاستِثناءِ الإطلاقِ والتَّقيِيدِ إِذْ جاءَ (أيِ الحُكْمُ) في أحَدِهما مُطلَقًا وفي الآخَرِ مُقَيَّدًا، فَعِندَئذٍ يُحمَلُ الحُكْمُ المُطلَقُ على الحُكْمِ المُقَيَّدِ]}، ما المُرادُ [أيْ في مَسأَلَتِنا] بِالحُكمِ وما المُرادُ بِالسَّبَبِ؟، السَّبَبُ هو عَدَمُ تَكفِيرِ الكافِرِ، والحُكْمُ هو كُفْرُ العاذِرِ، نَنظُرُ إلى السَّبَبِ والحُكمِ في النُّصوصِ المُطلَقةِ، ونَنظُرُ إلى السَّبَبِ والحُكمِ في النُّصوصِ المُقَيَّدةِ، فَفِي النُّصوصِ المُطلَقةِ نَجِدُ أنَّ السَّبَبَ فيها هُوَ العُذرُ ([أَوْ] عَدَمُ تَكفِيرِ الكافِرِ)، والحُكْمُ فيها هُوَ الحُكْمُ عليه [أيْ على مَن لم يُكَفِّرْ] بِكُفرِه، وفي النُّصوصِ المُقَيَّدةِ [نَجِدُ أنَّ] السَّبَبَ فيها عَدَمُ تَكفِيرِ الكافِرِ، والحُكْمُ فيها الكُفْرُ [أيْ كُفْرُ مَن لم يُكَفِّرْ] ولَكِنْ بَعْدَ إقامةِ الحُجَّةِ، وهذا بِاتِّفاقِ أهلِ العِلْمِ أنَّ المُطلَقَ يُحمَلُ على المُقَيَّدِ إذا اِتَّفَقَ الحُكْمُ والسَّبَبُ، وإذا اِتَّحَدَ الحُكْمُ واختَلَفَ السَّبَبُ يُحمَلُ المُطلَقُ على المُقَيَّدِ على رَأْيِ جَماهِيرِ العُلَماءِ خِلافًا لِأبِي حَنِيفةَ، مِثالُ ذلك [أيْ حالةِ اِتَّحَادِ الحُكْمِ واختِلافِ السَّبَبِ]، في مَسأَلةِ الظِّهارِ، قالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ فيها {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا}، وقالَ عَزَّ وجَلَّ في كَفَّارةِ القَتلِ {[وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً] فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ}، نَنظُرُ إلى آيَةِ الظِّهارِ {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا}، ما السَّبَبُ هنا؟ الظِّهارُ، ما هو الحُكْمُ؟ تَحرِيرُ رَقَبةٍ، وفي آيَةِ القَتلِ ما هو السَّبَبُ؟ القَتلُ، وما هو الحُكْمُ؟ تَحرِيرُ رَقَبةٍ، هنا السَّبَبُ اِختَلَفَ، والحُكْمُ اِتَّحَدَ [إلَّا أَّنه وَرَدَ مُطلَقًا في القَتلِ الخَطَأِ، ووَرَدَ مُقَيَّدًا في الظِّهارِ]، فَيُحمَلُ المُطلَقُ على المُقَيَّدِ على رَأْيِ جَماهِيرِ العُلَماءِ خِلافًا لِأبِي حَنِيفةَ، لِذلك تَجِدُ أنَّ أبا حَنِيفةَ يُجَوِّزُ إعتاقَ الرَّقَبةِ الغَيرِ مُؤْمِنةِ في الظِّهارِ، بينما جَماهِيرُ العُلَماءِ يَشتَرِطون الإيمانَ بِالإعتاقِ، والأرجَحُ هو رَأْيُ الجُمهورِ، هذا هو الجَوابُ الأوَّلُ؛ (ب)الجَوابُ الثانِي، أنَّ هذا مِن قَبِيلِ إطلاقِ القَولِ في كُفرِ النَّوعِ [أيْ نَحمِلُ ما أطلَقوه على أنَّ المُرادَ منه تَكفِيرُ العاذِرِ التَّكفِيرَ النَّوعِيَّ (وهو التَّكفِيرُ المُطلَقُ)]، وأمَّا كُفْرُ العَينِ فَيُراعَى فيه ثُبوتُ الشُّروطِ وانتِفاءُ المَوانِعِ [قالَ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ في (مَجموعُ الفَتَاوَى): ... كُلَّمَا رَأَوْهُمْ [أيْ كُلَّمَا رَأَوُا الأئمَّةَ] قَالُوا {مَنْ قَالَ كَذَا فَهُوَ كَافِر} اِعْتَقَدَ الْمُسْتَمِعُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ شَامِلٌ لِكُلِّ مَنْ قَالَهُ، وَلَمْ يَتَدَبَّرُوا أَنَّ التَّكْفِيرَ لَهُ شُرُوطٌ وَمَوَانِعُ قَدْ تَنْتَفِي فِي حَقِّ الْمُعَيَّنِ، وَأَنَّ تَكْفِيرَ الْمُطْلَقِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَكْفِيرَ الْمُعَيَّنِ إلَّا إذَا وُجِدَتِ الشُّرُوطُ وَانْتَفَتِ الْمَوَانِعُ. انتهى]، هذا جَوابٌ، ويَشهَدُ لِذلك ما قالَه شَيخُ الإسلامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ، حيث قالَ [في (مَجموعُ الفَتَاوَى)] {إنَّ التَّكْفِيرَ الْعَامَّ يَجِبُ الْقَوْلُ بِإِطْلَاقِهِ وَعُمُومِهِ، وَأَمَّا الْحُكْمُ عَلَى الْمُعَيَّنِ بِأَنَّهُ كَافِرٌ أَوْ مَشْهُودٌ لَهُ بِالنَّارِ فَهَذَا الْحُكْمَ يَقِفُ عَلَى ثُبُوتِ شُرُوطِهِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ}، هذا هو الجَوابُ الثانِي، نَقولُ، أنَّ سَبَبَ الإطلاقِ في هذه المَسأَلةِ -فيما يُحكَى ويُروَى عن أهلِ العِلْمِ- في مَواضِعَ هو مِن قَبِيلِ كُفرِ النَّوعِ، لِأنَّ أهلَ العِلْمِ دائمًا يَقولون {مَن قالَ كَذا فَهُوَ كافِرٌ}، ويُطلِقون القَولَ في ذلك، ولَكِنْ إذا جاءُوا إلى التَّنزِيلِ على المُعَيَّنِ تَجِدُ أنَّهم يُفَصِّلون أكثَرَ وتَجِدُ أنَّ هناك مَزِيدًا مِن تَفصِيلٍ وبَيَانٍ، وقد بَيَّنَ شَيخُ الإسلامِ كَما سَمِعتُم، حيثُ أنَّ الأصلَ أنَّ التَّكفِيرَ العامَّ يَجِبُ القَولُ بِإطلاقِه وعُمومِه، وأمَّا التَّنزِيلُ فَهذه مَسأَلةٌ أُخرَى، لِذلك تَجِدُ أنّهم أطلَقوا [أيِ التَّكفِيرَ] في مَوضِعٍ وقَيَّدوه في مَوضِعٍ، فَتَجِدُ أنَّ الإطلاقَ في مَوضِعِ الإطلاقِ إنَّما هو (تَأصِيلٌ)، والتَّقيِيدُ إنَّما هو (تَنزِيلٌ)؛ (ت)الجَوابُ الثالِثُ، أنْ نَحمِلَ ما أطلَقوهُ على ظُهورِ الدَّلِيلِ ووُضوحِ الحالِ لَدَى الخاصَّةِ والعامَّةِ [أيْ ظُهورِ الدَلِيلِ الشَّرعِيِّ على كُفرِ المُعَيَّنِ لَدَى الخاصَّةِ والعامَّةِ، وأيضًا وُضوحِ حالِ المُعَيَّنِ وذلك بِاشتِهاره لَدَى الخاصَّةِ والعامَّةِ بِارتِكابِ الكُفرِ. وقد قالَ الشيخُ أحمدُ الحازمي في (شرح تحفة الطالب والجليس): المَسائلُ الخَفِيَّةُ التي هي كُفْرِيَّاتٌ، لا بُدَّ مِن إقامةِ الحُجَّةِ، صَحِيحٌ أو لا؟، لا يُحْكَمُ [أَيْ بِالكُفْرِ] على فاعِلِها، لَكِنْ هَلْ تَبْقَى خَفِيَّةً في كُلِّ زَمانٍ؟، أو في كُلِّ بَلَدٍ؟، لا، تَختَلِفُ، قد تَكونُ خَفِيَّةً في زَمَنٍ، وتَكونُ ظاهِرةً -بَلْ مِن أَظْهَرِ الظاهِرِ- في زَمَنٍ آخَرَ، يَخْتَلِفُ الحُكْمُ؟، يَخْتَلِفُ الحُكْمُ؛ إذَنْ، كانَتْ خَفِيَّةً ولا بُدَّ مِن إقامةِ الحُجَّةِ، وحِينَئذٍ إذا صارَتْ ظاهِرةً أو واضِحةً بَيِّنةً، حِينَئذٍ مَن تَلَبَّسَ بِها لا يُقالُ لا بُدَّ مِن إقامةِ الحُجَّةِ، كَوْنُها خَفِيَّةً في زَمَنٍ لا يَسْتَلزِمُ ماذا؟ أنْ تَبْقَى خَفِيَّةً إلى آخِرِ الزَّمانِ، إلى آخِرِ الدَّهرِ، واضِحٌ هذا؟؛ كذلك المَسائلُ الظاهِرةُ قد تَكونُ ظاهِرةً في زَمَنٍ دُونَ زَمَنٍ، فَيُنْظَرُ فيها بِهذا الاعتِبارِ؛ إذَنْ، ما ذُكِرَ مِن بِدَعٍ مُكَفِّرةٍ في الزَّمَنِ الأَوَّلِ ولم يُكَفِّرْهُمُ السَّلَفُ، لا يَلْزَمُ مِن ذلك أنْ لا يُكَفَّروا بَعْدَ ذلك، لِأنَّ الحُكْمَ هنا مُعَلَّقٌ بِماذا؟ بِكَونِها ظاهِرةً [أو] لَيسَتْ بِظاهِرةٍ، [فإذا كانَتْ غَيْرَ ظاهِرةٍ، فَنَسْأَلُ] هلْ قامَتِ الحُجَّةُ أو لم تَقُمِ الحُجَّةُ، ليس [الحُكْمُ مُعَلَّقًا] بِذَاتِ البِدعةِ، البِدعةُ المُكَفِّرةُ لِذاتِها هي مُكَفِّرةٌ كَاسْمِها، هذا الأَصْلُ، لَكِنِ اِمتَنَعَ تَنزِيلُ الحُكْمِ لِمانِعٍ، هذا المانِعُ لا يَسْتَلزِمُ أنْ يَكُونَ مُطَّرِدًا في كُلِّ زَمَنٍ، بَلْ قد يَخْتلِفُ مِن زَمَنٍ إلى زَمَنٍ [قُلْتُ: تَنَبَّهْ إلى أنَّ الشيخَ الحازمي تَكَلَّمَ هنا عنِ الكُفْرِيَّاتِ (الظاهِرةِ والخَفِيَّةِ) التي ليستْ ضِمْنَ مَسائلِ الشِّرْكِ الأكْبَرِ]. انتهى]، بحيث يُقال {إنَّ الحُجَّةَ قد بَلَغَتْ وظَهَرَتْ ظُهورًا ليس بَعْدَه إلَّا المُكابَرةُ أو العِنادُ}، نَقولُ، إنَّ ما نُقِلَ عن أهلِ العِلْمِ، وظاهِرُ هذا النَّقلِ يُفِيدُ تَكفِيرَ العاذِرِ اِبتِداءً، فَهو مَحمولٌ على ظُهورِ الدَّلِيلِ [أيْ على كُفرِ المُعَيَّنِ] وظُهورِ كذلك الحالِ، وما قَيَّدوا فيه كُفرَ العاذِرِ بِإقامةِ الحُجَّةِ وبَيَانِ المَحَجَّةِ [الْمَحَجَّةُ هي جَادَّةُ الطَّرِيقِ (أَيْ وَسَطُهَا)، والمُرادُ بها الطَّرِيقُ المُستَقِيمُ]، هذا يكونُ في حالةِ عَدَمِ ظُهورِ الدَّلِيلِ أو عَدَمِ وُضوحِ الحالِ [وهناك مِثالٌ على ظُهورِ الدَّلِيلِ مع عَدَمِ وُضوحِ الحالِ ذَكَرَه الشيخُ أحمدُ الخالدي في (الإيضاحُ والتَّبيِينُ في حُكمِ مَن شَكَّ أو تَوَقَّفَ في كُفرِ بَعضِ الطَّواغِيتِ والمُرتَدِّين، بِتَقدِيمِ الشيخِ عَلِيِّ بْنِ خضير الخضير) حيث قالَ الشَّيخُ: ... مَن لا يَعرِفُ حَقِيقةَ حالِهم (أيْ يَجهَلُ حالَ هؤلاء الطَّواغِيتِ وما وَقَعوا فيه مِنَ الكُفرِ)، ولَكِنَّه لا يَجهَلُ حُكمَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ في أمثالِهم، فَهذا سَلِيمُ الاعتِقادِ ولا شَيْءَ عليه، وهذا هو الجَهلُ البَسيِطُ، ومِثالُه، فُلانٌ يَعتَقِدُ أنَّ كُلَّ مُدَّعٍ لِلْغَيبِ كافِرٌ، ولَكِنْ لا يَعرِفُ فُلانًا مُدَّعٍ لِلْغَيبِ بِعَينِه ولم يَطَّلِعْ على حَقِيقةِ أَمْرِه، فَلا يَضُرُّه ذلك ولا يَقدَحُ في إيمانِه. انتهى]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ التميمي-: مُرتَكِبُ الشِّركِ المُنتَسِبِ لِلْإسلامِ كافِرٌ مُرتَدٌّ جاهِلًا كانَ أو مُتَأَوِّلًا. انتهى باختصار.

 

(4)وقالَ الشيخُ أبو محمد المقدسي في (الرِّسالةُ الثَّلاثِينِيَّةُ): ... ومِن أمثِلةِ هذا البابِ في واقِعِ اليَومِ بَيْنَ بَعضِ الشَّبابِ، زَعْمُ بَعضِهم أنَّ {عَدَمَ تَكِفيرِ المُشرِكِين أو الطَّواغِيتِ وأنصارِهم، يَلْزَمُ منه مُوالاتُهم وعَدَمُ البَراءةِ مِنهم، ومِن ثَمَّ فَكُلُّ مَن لم يُكَفِّرْهم فَهو كافِرٌ لِقَولِه تَعالَى (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)، إذْ عَدَمُ تَكفِيرِهم وعَدُّهم مِنَ المُسلِمِين يَجْعَلُ لَهم نَصِيبًا مِنَ المُوالاةِ الإيمانِيَّةِ ولا يُخرِجُهم مِن دائرَتِها لِأنَّ المُسلِمَ لا تَجُوزُ البَراءةُ الكُلِّيَّةُ منه}، وهذا أحَدُ تَخرِيجاتِهم لِقاعِدةِ (مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ فَهو كافِرٌ)، وبَعضُهم يُوَجِّهُ ذلك تَوجِيهًا آخَرَ فَيَقولُ {ما دامَ الكُفْرُ بِالطاغوتِ شَطْرَ التَّوحِيدِ وشَرْطِه، فَمَن لم يُكَفِّرِ الطَّواغِيتِ لم يَكفُرْ بِالطاغوتِ، ومِن ثَمَّ فَهو لم يُحَقِّقِ التَّوحِيدَ الذي هو حَقُّ اللهِ على العَبِيدِ، والذي جَعَلَه اللهُ تَعالَى الْعُرْوَةَ الْوُثْقَى وعَلَّقَ سُبحانَه النَّجاةَ بِها حيث قالَ (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انفِصَامَ لَهَا)، فَمَن لم يَكفُرْ بِالطاغوتِ ويَبْرَأْ مِنه لم يُحَقِّقِ التَّوحِيدَ ولم يَستَمسِكْ بِعُرْوَةِ النَّجاةِ الْوُثْقَى، ومِن ثَمَّ فَهو مِنَ الهالِكِين}، والتَّوجِيهان في حَقِيقَتِهما يَرجِعان إلى شَيءٍ واحِدٍ، وهو إلزامُ المُخالِفِ بِعَدَمِ البَراءةِ مِنَ الطاغوتِ وبِمُوالاتِه ما دامَ [أيِ الطاغوتُ] عنده مُسلِمًا، وبِالطَّبعِ فَتَكفِيرُهم بِهذا اللازِمِ جَعَلَهم يُخرِجون مِنَ الإسلامِ خَواصَّهم مِنَ المُجاهِدِين والدُّعاةِ وطَلَبةِ العِلْمِ والعُلَماءِ، بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَكفِيرِهم [أيْ عَدَمِ تَكفِيرِ الخَواصِّ المَذكورِين] لِبَعضِ المَشايِخ الذِين لَهم اِتِّصالٌ بِالحُكوماتِ، وذلك تَبَعًا لِتَوسِيعِهم [أيْ لِتَوسِيعِ الشَّبابِ المَذكورِين] لِمُصطَلَحِ الطاغوتِ الواجِبِ الكُفْرُ به كَشَرطٍ لِتَحقِيقِ التَّوحِيدِ، فالشَّيخُ الفُلَانِيُّ أوِ الْعِلَّانِيُّ المُتَّصِلُ بِالحُكومةِ الطاغوتِيَّةِ ولا يُكَفِّرُها، قد صَنَّفوه مِنَ الأحبارِ والرُهبانِ فَهو إذَنْ طاغوتٌ، ومِن ثَمَّ فَمَن لم يُكَفِّرْه لم يَكفُرْ بِالطاغوتِ ولم يُحَقِّقِ التَّوحِيدَ، وذلك اِستِدلالًا بِقَولِه تَعالَى {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ}، والصَّحِيحِ أنَّ الأحبارَ والرُّهبانَ والعُلَماءَ شَأْنُهم شَأْنُ النُّوابِ المُشَّرِعِين والأُمَراءِ والرُّؤَساءِ والمُلُوكِ، لا يُعتَبَرون أربابًا لِكُلِّ مَن لم يُكَفِّرْهم، وإنَّما يَصِيرون أربابًا وطَواغِيتَ مُعبودِين لِمَن تابَعَهم على كُفرِهم وأطاعَهم في تَشرِيعاتِهم، وهذا هو اِتِّخاذُهم أربابًا وعِبادَتُهم كَطَواغِيتَ، كَما جاءَ مُفَسَّرًا في حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ {أَلَيْسَ يُحَرِّمُون ما أَحَلَّ اللهُ فَتُحَرِّمُونه، ويُحِلُّون ما حَرَّمَ اللهُ فَتُحِلُّونه؟}، ولِذلك ذَكَرَه [أيْ ذَكَرَ حَدِيثَ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ] الشَّيخُ محمدُ بنُ عبدالوهاب في كِتابِ التَّوحِيدِ في بابِ (مَن أطاعَ العُلَماءَ والأُمَراءَ في تَحرِيمِ ما أحَلَّ اللهُ أو تَحلِيلِ ما حَرَّمَ اللهُ فَقَدِ اِتَّخَذَهم أربابًا مِن دُونِ اللهِ)، فَلا يَكونُ اِتِّخاذُهم أربابًا وطَواغِيتَ مَعبودِين بِمُجَرَّدِ عَدَمِ تَكفِيرِهم دُونَ اِقتِرافِ ذلك [أيِ اِقتِرافِ طاعَتِهم ومُتابَعَتِهم] أوِ التِزامِه [أيِ الإقرارِ بِأَنَّ عَدَمَ تَكفِيرِهم يَلْزَمُ مِنه طاعَتُهم ومُتابَعَتُهم]، وذلك إذا كانَ عَدَمُ تَكفِيرِهم لِشُبهةِ قِيَامِ مانِعٍ مِن مَوانِعِ التَّكفِيرِ، أو جَهلِ نَصٍّ أو عَدَمِ بُلُوغِه، أو خَفاءِ دَلالةِ النُّصوصِ أو تَعارُضِها في أذهانِ الضُّعفاءِ في العِلْمِ الشَّرعِيِّ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: بَلْ إنَّ بَعْضَ الناسِ يَرَى جَوازَ قِتالِ الحُكَّامِ والخُروجِ عليهم ومُنازَعَتِهم مع كَونِه لا يُكَفِّرُهم، فَكَيْفَ يُمكِنُ إلزامُ أمثالِ هؤلاء بِتَوَلِّي الحُكَّامِ [سَبَقَ بَيَانُ أنَّ المُوَالَاةَ قِسْمَانِ؛ (أ)قِسْمٌ يُسَمَّى التَّوَلِّيَ، وأَحْيَانًا يُسَمَّى المُوَالَاةَ الكُبْرَى أو العُظْمَى أو العامَّةَ أو المُطْلَقةَ؛ (ب)مُوالَاةٌ صُغْرَى (أَوْ مُقَيَّدةٌ)؛ وأنَّ المُوَالَاةَ الكُبْرَى كُفْرٌ أكبَرُ؛ وأنَّ المُوَالَاةَ الصُّغرَى هي صُغْرَى بِاعتِبارِ الأُولَى التي هي المُوَالَاةُ الكُبْرَى، وإلَّا فَهي في نَفْسِها أَكْبَرُ الكَبائرِ] كَلازِمٍ مِن لَوازِمِ عَدَمِ تَكفِيرِهم؟، ومِن الأمثِلَةِ العَمَلِيَّةِ الصارِخةِ على هذا، (جُهَيْمانُ) رَحِمَه اللهُ ومَن كانوا معه، فَقَدْ خالَطْتُ جَماعَتَه مُدَّةً، وقَرَأْتُ كُتُبَهم كُلَّها، وعِشْتُ معهم وعَرَفْتُهم عن قُربٍ، فَـ (جُهَيْمانُ) رَحِمَه اللهُ لم يَكُنْ يُكَفِّرْ حُكَّامَ اليَومِ لِقِلَّةِ بَصِيرَتِه في واقِعِ قَوانِينِهم وكُفرِيَّاتِهم، وكذلك كانَ أَمْرُ الحُكَّامِ السُّعودِيِّين عنده، وقد صَرَّحَ بِذلك في كِتاباتِه، ولَكِنَّه كانَ بِالفِعْلِ سَخْطَةً عليهم وغُصَّةً في حُلُوقِهم وأشَدَّ عليهم مِن كَثِيرٍ مِمَّن يُكَفِّرونهم، فَكانَ يَطْعَنُ في بَيْعَتِهم ويُبطِلُها، ولا يَسكُتُ عن شَيءٍ مِن مُنكَراتِهم التي يَعرِفُها، حتى خَرَجَ في آخِرِ أَمْرِه عليهم وقاتَلَهم هو ومَن كانوا معه في عامِ 1400هـ، والذي أُرِيدُ قَولَه هنا، أنَّ الرَّجُلَ مع أنَّه لم يَكُنْ يُكَفِّرُهم، فَهو لم يَكُنْ يُوالِيهم أو يُحِبُّهم، بَلْ كانَ يُعادِيهم ويُبغِضُهم ويُنازِعُهم ويَطعَنُ في بَيْعَتِهم، ويَعتَزِلُ هو وجَماعَتُه وظائفَهم الحُكومِيَّةَ كُلَّها، كَما اِعتَزَلوا مَدارِسَهم وجامِعاتِهم، ثم قاتَلوهم في آخِرِ الأَمْرِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ المقدسي-: وأيضًا فَمَعلومٌ أنَّ التَّوَلِّيَ المُكَفِّرَ هو نُصْرةُ الكُفَّارِ على المُوَحِّدِين، أو نُصْرةُ الكُفرِ نَفسِه، سَواءً بِاللسانِ أو السِّنَانِ، أيْ بِأَنْ يُظهِرَه المَرءُ كَسَبَبٍ مِن أسبابِ الكُفرِ القَولِيَّةِ أو العَمَلِيَّةِ الظاهِرةِ، فَهذا هو الذي يُمكِنُ التَّكفِيرُ به في أحكامِ الدُّنيَا، أمَّا ما بَطَنَ وخَفِيَ مِن ذلك كَدَعْوَى أنَّ مَن لا يُكَفِّرُهم لا بُدَّ وأنَّه يَتَوَلَّاهم، وإنْ لم يَظْهَرْ مِنه شَيءٌ بِلِسانِه أو فِعالِه، فَهذا لا أَثَرَ له في أحكامِ الدُّنيَا، ولا يَصلُحُ التَّكفِيرُ به. انتهى باختصار.

 

(5)وقالَ المَكتَبُ العِلْمِيُّ في هَيئَةِ الشامِ الإسلامِيَّةِ في فَتْوَى بِعُنوانِ (هَلْ مَقولةُ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ فَهو كافِرٌ" صَحِيحةٌ؟) على مَوقِعِ الهَيئَةِ في هذا الرابط: قاعِدةُ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ فَهو كافِرٌ} هي قاعِدةٌ صَحِيحةٌ في أصلِها تَتَعَلَّقُ بِرَدِّ النُّصوصِ الشَّرعِيَّةِ وتَكذِيبِها... ثم قالَ -أيِ المَكتَبُ العِلْمِيُّ-: قاعِدةُ {مَن لم يُكَفِّرِ الكُفَّارَ أو شَكَّ في كُفرِهم أو صَحَّحَ مَذهَبَهم فَهو كافِرٌ} قاعِدةٌ صَحِيحةٌ، أجمَعَ عليها عُلَماءُ المُسلِمِين قَدِيمًا وحَدِيثًا، لِأنَّ مَن لم يُكَفِّرِ الكُفَّارَ المَقطوعَ بِكُفرِهم بِنَصِّ القُرآنِ والإجماعِ فهو مُكَذِّبٌ لِلْقُرآنِ والسُّنَّةِ؛ قالَ القَاضِي عِيَاضٌ [ت544هـ] في كِتابِه (الشِّفَا) {وَلِهَذَا نُكَفِّرُ مَن لم يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمِلَلِ، أَوْ وَقَفَ فِيهِمْ أَوْ شَكَّ، أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ، وَإِنْ أَظْهَرَ مَعَ ذَلِكَ الإسْلَامَ وَاعْتَقَدَهُ وَاعْتَقَدَ إِبْطَالَ كُلِّ مَذْهَبٍ سِوَاهُ فَهُوَ كَافِرٌ بِإِظْهَارِهِ مَا أَظْهَرَ مِنْ خِلَافِ ذَلِكَ}، ثم بَيَّنَ [أيِ القاضِي عِيَاضٌ] السَّبَبَ بِقَولِه {لِقِيَامِ النَّصِّ والإجْمَاعِ عَلَى كُفْرِهِمْ، فَمَنْ وَقَفَ فِي ذَلِكَ فَقَدْ كَذَّبَ النَّصَّ}، وقالَ البُهُوتِيُّ [ت1051هـ] في (كَشَّافُ الْقِنَاعِ) {فهُوَ كَافِرٌ، لِأنَّهُ مُكَذِّبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، فَهِيَ مِن قَواعِدِ التَّكفِيرِ المُتَعَلِّقةِ بِرَدِّ النُّصوصِ الشَّرعِيَّةِ وتَكذِيبِها، لِذا لا تُطَبَّقُ هذه القاعِدةُ إلَّا إنْ كانَ الخَبَرُ الوارِدُ في التَّكفِيرِ صَحِيحًا مُتَّفَقًا عليه، وبِالتَّالِي يَكونُ مَن تَرَكَ تَكفِيرَ مُرتَكِبِها رادًّا لِهذه الأخبارِ مُكَذِّبًا لَها... ثم قالَ -أيِ المَكتَبُ العِلْمِيُّ-: هذه القاعِدةُ تَشمَلُ ثَلاثةَ أُمورٍ؛ الأوَّلُ، وُجوبُ القَطعِ بِكُفرِ كُلِّ مَن دانَ بِغَيرِ دِينِ الإسلامِ مِنَ اليَهودِ والنَّصارَى والوَثَنِيِّين وغَيرِهم على اِختِلافِ مِلَلِهم وشَرائعِهم، إذْ إنَّ كُفرَ هؤلاء ثابِتٌ بِنُصوصٍ عامَّةٍ وخاصَّةٍ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ، فَمَن لم يُكَفِّرْ هؤلاء أو شَكَّ في كُفرِهم أو صَحَّحَ دِينَهم وعَقائدَهم فَقَدْ كَذَّبَ اللهُ تَعالَى ورَسولَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورَدَّ حُكمَهما؛ الأمْرُ الثانِي الذي تَشمَلُه القاعِدةُ، وُجوبُ القَطعِ بِكُفرِ طَوائفِ ومَذاهِبِ الرِّدَّةِ المُجمَعِ على كُفرِهم ورِدَّتِهم، كالباطِنِيَّةِ مِنَ القَرَامِطَةِ والإسْمَاعِيلِيَّةِ وَالنُّصَيْرِيَّةِ والدُّرُوزِ، وَالْبَابِيَّةِ وَالْبَهَائِيَّةِ وَالْقَادَيَانِيَّةِ، فَقَدْ حَكَمَ أهلُ العِلْمِ على هذه الطَّوائفِ بِالكُفرِ والرِّدَّةِ لاعتِقاداتِهم المُنافِيَةِ لأُصولِ الإسلامِ مِن كُلِّ وَجهٍ، فَمَن لم يُكَفِّرْ هؤلاء أو شَكَّ في كُفرِهم بَعْدَ العِلْمِ بِحَقِيقةِ حالِهم، فَقَدْ صَحَّحَ مَذهَبَهم وعَقائدَهم الكُفرِيَّةَ، وطَعَنَ في دِينِ الإسلامِ، فَيَكونُ كافِرًا مِثلَهم، قالَ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ في ([مَجموعُ] الفَتَاوَى) عنِ الدُّرُوزِ {كُفْرُ هَؤُلَاءِ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمُسْلِمُون، بَلْ مَنْ شَكَّ فِي كُفْرِهِمْ فَهُوَ كَافِرٌ مِثْلُهُمْ}؛ الأَمْرُ الثالِثُ الذي تَشمَلُه القاعِدةُ، مَنِ اِرتَكَبَ ناقِضًا مِن نَواقِضِ الإسلامِ المُجمَعِ عليها بَيْنَ العُلَماءِ، كالاستِهزاءِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو سَبِّهِ، أو جَحْدِ ما هو مَعلومٌ بِالضَّرورةِ مِن دِينِ الإسلامِ، فَمَن لم يُكَفِّرْ مَنِ اِرتَكَبَ هذا النَّوعَ مِنَ النَّواقِضِ، لِإنكارِه [أيْ لِإنكارِ مَن لم يُكَفِّرْ] أنْ يَكونَ ما قالَه [أيْ مُرتَكِبُ الكُفْرِ] أو فَعَلَه كُفْرًا، فَهو كافِرٌ مِثلُه... ثم قالَ -أيِ المَكتَبُ العِلْمِيُّ-: قاعِدةُ (مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ فَهو كافِرٌ) لا تَشْمَلُ؛ (أ)ما اختَلَفَ العُلَماءُ في عَدِّه مِنَ المُكَفِّراتِ، كاختِلافِهم في تارِكِ الصَّلاةِ تَكاسُلًا، فَمِنهم مَن عَدَّه كُفرًا مُخرِجًا مِنَ المِلَّةِ، ومِنهم مَن لم يُوصِلُه إلى ذلك، فَلا يُقالُ فِيمَن لم يُكَفِّرْ تارِكَ الصَّلاةِ كَسَلًا {إنَّه كاِفرٌ}؛ (ب)مَنِ اِمتَنَعَ مِن تَكفِيرِ مُسلِمٍ مُعَيَّنٍ اِرتَكَبَ ناقِضًا مِن نَواقِضِ الإسلامِ، فَمِثلُ هذا لا يُحكَمُ بِكُفرِه، لِأنَّ تَنزِيلَ حُكمِ الكُفرِ على شَخصٍ بِعَينِه قد يَكونُ التَّوَقُّفُ فيه لِوُجودِ مانِعٍ أو عَدَمِ تَوَفُّرِ شَرطٍ. انتهى باختصار.

 

(6)وقالَ الشيخُ صالحٌ آل الشيخ (وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد) في (إتحافُ السائلِ بِما في الطَّحَاوِيَّةِ مِن مَسائلَ): مِن أُصولِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ في بابِ الإيمانِ والتَّكفِيرِ أَنَّهُم فَرَّقُوا بَيْنَ التَّكفِيرِ المُطلَقِ وتَكفِيرِ المُعَيَّنِ [قُلْتُ: وهذه التَّفرِقةُ في حَقِّ المُنتَسِبِين لِلْإسلامِ، لا في حَقِّ الكُفَّارِ الأصلِيِّين]، أو ما بَيْنَ تَكفِيرِ المُطلَقِ مِنَ الناسِ دُونَ تَحدِيدٍ وتَكفِيرِ المُعَيَّن؛ فَأهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ أصْلُهُمْ أنَّهم يُكَفِّرُونَ مَن كَفَّرَهُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ وكَفَّرَهُ رَسولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [أيْ بِأعيَانِهم] مِنَ الطَّوائفِ أو مِنَ الأفرادِ، فَيُكَفِّرُونَ اليَهودَ ويُكَفِّرُونَ النّصارَى ويُكَفِّرُونَ المَجوسَ ويُكَفِّرُونَ أهلَ الأوثانِ، مِنَ الكُفَّارِ الأصلِيِّين، لِأنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ شَهِدَ بِكُفرِهم، فَنَقولُ {اليَهودُ كُفَّارٌ، والنَّصارَى كُفَّارٌ، وأهلُ الشِّركِ كُفَّارٌ (يَعنِي أهلَ الأوثانِ، عُبَّادَ الكَواكِبِ، عُبَّادَ النارِ... إلى آخِرِه)، هؤلاء كُفَّارٌ أصلِيُّون نَزَلَ القُرآنُ بِتَكفِيرِهم}؛ كذلك نَقولُ بِإطلاقِ القَولِ في تَكفِيرِ مَن حَكَمَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ بِكُفرِه في القُرآنِ [أيْ مِنَ المُنتَسِبِين لِلْإسلامِ] مِمَّن أنْكَرَ شَيْئًا في القُرآنِ، فَنَقولُ {مَن أنَكَرَ آيَةً مِنَ القُرآنِ أو حَرْفًا فَإنَّه يَكْفُرُ}، نَقولُ {مَنِ اِسْتَحَلَّ الرِّبا المُجْمَعَ على تَحرِيمِه فَإنَّه يَكفُرُ، مَنِ اِسْتَحَلَّ الخَمْرَ فَإنَّه يَكْفُرُ، مَن بَدَّلَ شَرْعَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ فَإنَّه يَكْفُرُ}، وهكذا، فَيُطلِقون [أيْ أهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ] القاعِدةَ؛ وأمَّا إذا جاءَ التَّشخِيصُ على مُعَيِّنٍ [أيْ مِنَ المُنتَسِبِين لِلْإسلامِ] فَإنَّهم يَعتَبِرون هذا مِن بابِ الحُكمِ على المُعَيَّنِ [المُنتَسِبِ لِلْإسلامِ]؛ فالأوَّلُ وهو التَّكفِيرُ المُطلَقُ (أو تَكفِيرُ المُطلَقِ دُونَ تَحدِيدٍ) هذا مِمَّا يَلْزَمُ المُؤمِنَ أنْ يَتَعَلَّمَه لِيُسَلِّمَ لِأمرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ وأمرِ رَسولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويَعتَقِدَ ما أمَرَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ به وما أخبَرَ به، فَإنَّ تَكفِيرَ مَن كَفَّرَهُ اللهُ -عَزَّ وجَلَّ- بِالنَّوعِ واجِبٌ، والامتِناعُ عن ذلك مِنَ الامتِناعِ عن شَرعِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ؛ وأمَّا المُعَيَّنُ [المُنتَسِبُ لِلْإسلامِ] فإنَّهم لا يُكَفِّرُونَه إلَّا إذا اِجتَمَعَتِ الشُّروطُ وانتَفَتِ المَوانِعُ؛ فإذَنْ مِن أُصولِهم [أيْ أُصولِ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ] التَّفرِيقُ بَيْنَ الحُكْمِ على المُعَيَّنِ والقَولِ المُطلَقِ [وذلك في حَقِّ المُنتَسِبِين لِلْإسلامِ]، وهذا الأصلُ دَلَّتْ عليه أدِلَّةٌ مِن فِعْلِ أئمَّةِ السَّلَفِ ومِن أقوالِهم، كَما يَقولُ شَيخُ الإسلامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ أنَّ إطلاقَ الكُفرِ غَيرُ تَعيِينِ الكافِرِ، ووَجْهُ ذلك أنَّ التَّعيِين [أيْ في حَقِّ المُنتَسِبِين لِلْإسلامِ] يَحتاجُ إلى أُمورٍ، لِأنَّه إخراجٌ مِنَ الدِّينِ، والإخراجُ له شُروطُه وله مَوانِعُه. انتهى باختصار.

 

(7)وقالَ الشَّيخُ أبو بكر القحطاني في (مُناظَرةٌ حَوْلَ العُذرِ بِالجَهلِ): هناك مَناطاتٌ مُحتَمَلةٌ لِهذا الحُكمِ [يَعنِي حُكمَ البَعضِ بِأنَّ (مَن لم يُكَفِّرِ المُشرِكَ الجاهِلَ المُنتَسِبَ لِلإسلامِ فَهو كافِرٌ)]، مِنهم مَن يَقولُ {مَن لم يُكَفِّرِ المُشرِكَ فَهو كافِرٌ}، لِماذا؟، قالَ {لِأنَّه لم يَكفُرْ بِالطاغوتِ، ومَن لم يَكفُرْ بِالطاغوتِ لم يَصِحَّ إسلامًه، لِأنَّه شَرطٌ في صِحَّةِ الإسلامِ}، هذا مَناطٌ مُحتَمَلٌ؛ [وَ]بَعضُهم يَأتِي بِمَناطٍ آخَرَ، يَقولُ {لِأنَّ الذي لا يُكَفِّرُ المُشرِكَ لم يَفهَمِ التَّوحِيدَ، [وَ]جاهِلُ التَّوحِيدِ لم يَدخُلْ في الإسلامِ ولم يَعرِفِ الدِّينَ، فَكَيْفَ يَدخُلُ فيه!}؛ [وَهناك] مَناطٌ ثالِثٌ مُحتَمَلٌ يَقولُ {الذي يَقولُ (أنَّ هذا مُسلِمٌ)، هو يُسَمِّي المُشرِكَ مُسلِمًا، فَفِي هذا تَغيِيرٌ لِلأوضاعِ الشَّرعِيَّةِ، اللهُ سَمَّى هذا مُشرِكًا، أنتَ تُسَمِّيه مُسلِمًا، فَهذا كُفْرٌ}، هذا مَناطٌ ثالِثٌ مُحتَمَلٌ، كُلُّها مَناطاتٌ مُحتَمَلةٌ، يَعنِي تَحتَمِلُ أنْ تَكونَ دَلِيلًا لِهذا الحُكمِ؛ [وَهناك] مَناطٌ رابِعٌ يَقولُ {إنَّ الذي لا يُكَفِّرُ المُشرِكَ هو كافِرٌ لِأنَّه يَرُدُّ حُكمَ اللهِ، اللهُ حَكَمَ بِكُفرِ المُشرِكِ، وهو يَعرِفُ حُكمَ اللهِ ثم يَرُدُّه}، هذا مَناطٌ رابِعٌ مُحتَمَلٌ؛ طَيِّبٌ، أيُّ هذه المَناطاتِ أصَحُّ؟، هذا الذي يَجِبُ علينا شَرعًا تَحقِيقُه، بِطَرِيقةِ ماذا؟ السَّبْرِ والتَّقسِيمِ، أهلُ العِلْمِ يَقولون ما هو السَّبْرُ والتَّقسِيمُ؟، قالوا {هو حَصرُ العِلَلِ واختِبارُها}، التَّقسِيمُ هو أنْ تُجمَعَ وتُحصَرَ الأوصافُ والعِلَلُ المُناسِبةُ، ثم سَبْرُها، فاستِعمالُ الصالِحِ مِنها وإلغاءُ الغَيرِ صالِحٍ [قالَ الشيخُ عبدُالله الجديعُ (رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث) في (تيسير علم أصول الفقه): السَّبْرُ هو الاختِبارُ، والتَّقسِيمُ [هو] حَصْرُ الأوصافِ المُحتَمَلَةِ الَّتي يَظُنُّها المُجتَهِدُ صالِحةً لِأنْ تَكونَ عِلَّةً لِلْحُكمِ. انتهى. وقالَ نجم الدين الطوفي الحنبلي في (شرح مختصر الروضة): قَالَ الْقَرَافِيُّ {والأصْلُ أَنْ يُقَالَ {التَّقْسِيمُ وَالسَّبْرُ}، لِأنَّا نُقَسِّمُ أَوَّلًا، فَنَقُولُ {الْعِلَّةُ إِمَّا كَذَا، أَوْ كَذَا}، ثُمَّ نَسْبُرُ (أَيْ نَخْتَبِرُ تِلْكَ الأوْصَافَ أَيُّهَا يَصْلُحُ عِلَّةً)، لَكِنْ لَمَّا كَانَ التَّقْسِيمُ وَسِيلَةَ السَّبْرِ الَّذِي هُوَ الاخْتِبَارُ أُخِّرَ عَنْهُ تَأْخِيرَ الْوَسَائِلِ، وَقُدِّمَ السَّبْرُ تَقْدِيمَ الْمَقَاصِدِ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي تَقْدِيمِ الأهَمِّ فَالأهَمِّ}. انتهى]، طَيِّبٌ، نَبْدَأُ بِهذا واحِدةً واحِدةً... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: أوَّلًا، مَسأَلةُ (أنَّ الذي لا يُكَفِّرُ المُشرِكَ هو كافِرٌ لِأنَّه لم يَكفُرْ بِالطاغوتِ)، هَلْ يَصلُحُ أنْ يَكونَ هذا دَلِيلًا؟، نَقولُ، ما صِفةُ الكُفرِ بِالطاغوتِ التي لا يَصِحُّ الكُفْرُ بِالطاغوتِ إلَّا بِها؟ يَعنِي (مَتَى يُقالُ أنَّ فُلانًا كَفَرَ بِالطاغوتِ كُفْرًا صَحَّ به إسلامُه)، فَلا بُدَّ مِن تَحدِيدِ هذا المَفهومِ لِأنَّه اِسمٌ شَرعِيٌّ، فالكُفْرُ بِالطاغوتِ اِسمٌ شَرعِيٌّ له حَدَّه، ما هو حَدَّه؟، اللهُ يَقولُ {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}، إذَنْ ما هو اِجتِنابُ الطاغوتِ؟، عامَّةُ الإخوةِ يَقولون {قالَ الشَّيخُ محمدُ بنُ عبدالوهاب (وأمَّا صِفةُ الكُفرِ بِالطاغوتِ، اِعتِقادُ بُطلانِ عِبادةِ غَيرِ اللهِ والبَراءةِ مِنها وتَكفِيرِ أهلِها ومُعاداتِهم)}، طَيِّبٌ، ما دَلِيلُ هذا [أيْ (ما دَلِيلُ صِحَّةِ هذا التَّعرِيفِ)]؟ وما هو الواجِبُ مِنه [الشَّيخُ يُشِيرُ هنا إلى أنَّ هذا التَّعرِيفَ دَخَلَه مِنَ الواجِباتِ مِمَّا هو ليس مِن أصلِ الكُفرِ بِالطاغوتِ (أيْ مِمَّا هو خارِجٌ عنِ المَعْنَى الْمُطَابِقِيِّ لِلْكُفرِ بِالطاغوتِ)]؟ وما هو الشَّرطُ الذي لا يَصِحُّ إلَّا به [الشَّيخُ يَتَساءَلُ هنا عَمَّا يُمَثِّلُ أصلَ الكُفرِ بِالطاغوتِ (أيْ عَمَّا يُمَثِّلُ المَعْنَى الْمُطَابِقِيَّ لِلْكُفرِ بِالطاغوتِ) في هذا التَّعرِيفِ]؟... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: طَيِّبٌ، هذا الاسمُ الشَّرعِيُّ ما تَفسِيرُه في القُرآنِ؟، اِجتِنابُ الطاغوتِ (الكُفْرُ بِالطاغوتِ) ما تَفسِيرُه في القُرآنِ؟، اللهُ ذَكَرَ صِفةَ (الكُفرِ بِالطاغوتِ) في سُورَةِ الزُّمَرِ، اللهُ تَبارَكَ وتَعالَى قالَ {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ}، فَجاءَ التَّفسِيرُ القُرآنِيُّ بَعْدَها مُباشَرةً {أَن يَعْبُدُوهَا}، الذِين اِجتَنَبوا الطاغوتَ، كَيْفَ اِجتَنَبوه؟ {أَن يَعْبُدُوهَا}، لاحِظْ {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا} هنا ما مَعنَى (يَعبُدُها)؟ أنْ يَصرِفَ إليها شَيئًا مِن أنواعِ العِبادةِ، كَأَنْ يَتَحاكَمَ إلى الطاغُوتِ ([فَ]هذه عِبادةٌ صِرْفٌ [أيْ مَحضةٌ (أو خالِصةٌ)])، كَأَنْ يَعبُدَه، كَأَنْ يُناصِرَه؛ فَهُنا [أيْ في قَولِه تَعالَى {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا}] هَلْ ذُكِرَ [أنَّ] تَكفِيرَ عَينِ المُشرِكِين شَرطٌ في الكُفرِ بِالطاغوتِ؟!... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: قالوا [أيِ الذِين يُكَفِّرون عاذِرَ مُرتَكِبِ الشِّركِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ لِلْإسلامِ] {الذي لا يُكَفِّرُ المُشرِكِين هو كافِرٌ}، لِماذا؟ {لِأنَّه لم يَكفُرْ بِالطاغوتِ}، ما الذي جَعَلَ عَدَمَ تَكفِيرِ المُشرِكِين هو مِنَ الكُفرِ بِالطاغوتِ الذي لا يَصِحُّ [أيِ الكُفْرُ بِالطاغوتِ] إلَّا بِه؟! أَعْطُونَا دَلِيلًا... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: الآنَ اِستَفَدْنا أنَّه لم يَأْتِ دَلِيلٌ يُبَيِّنُ أنَّ تَكفِيرَ عَينِ المُشرِكِين شَرطٌ في صِحَّةِ الكُفرِ بِالطاغوتِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: نحن نَتَحَدَّثُ عن عَيْنٍ، أمَّا الكُفْرُ بِجِنْسِ الطاغوتِ هذا شَرطٌ، {فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ} جِنسُه شَرطٌ، الذي يَقولُ {عِبادةُ الصَّنَمِ لَيسَتْ بِشِركٍ} هذا كافِرٌ مُباشَرةً لِأنَّ هذا هو جِنسُ الطاغوتِ، لَكِنَّ الحَدِيثَ عن أعيَانٍ... فَرَدَّ أحدُ الإِخْوَةِ قائلًا: أصلًا [مَسأَلةُ] المُشرِكِين ليس فيها خِلافُ الأعيَانِ والنَّوعِ، هي أصلًا أعيَانٌ}... فقالَ الشيخُ: يُوجَدُ فِعلٌ وفاعِلٌ، شِركٌ ومُشرِكٌ، بِدلِيلِ أنَّه إذا فَعَلَ الشِّركَ مُكرَها هَلْ يَصدُرُ عليه الحُكْمُ بِعَينِه؟!... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: واقِعًا، الحُكْمُ على الشِّركِ أوِ الحُكْمُ على الكُفرِ بِكَونِه كُفرًا أظهَرُ مِنَ الحُكمِ على الكافِرِ بِكَونِه كافِرًا، هذا قَطْعًا... فَرَدَّ أحَدُ الإِخْوَةِ قائلًا: ليس فيها [أيْ في مَسأَلةِ تَكفِيرِ المُشرِكِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ] نَوعٌ، هي أعيَانٌ كُلُّها}... فقالَ الشيخُ: لا يُقالُ هكذا، بِدَلِيلِ أنَّك تُفَرِّقُ بينهما في [بَعضِ] المَسائلِ، كالإكراهِ، كالخَطَأِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: الوَصفُ الثانِي [يَعنِي المَناطَ الثانِي مِنَ المَناطاتِ الأربَعةِ المُحتَمَلةِ]، قالوا {إنَّ الذي لا يُكَفِّرُ المُشرِكِين هو لم يَفهَمِ التَّوحِيدَ، والذي لا يَفهَمُ التَّوحِيدَ كافِرٌ ليس بِمُسلِمٍ}، الآنَ، (عَدَمُ فَهمِ التَّوحِيدِ) هَلْ هو سَبَبٌ شَرعِيٌّ تَرَتَّبَ عليه حُكْمُ الكُفرِ [أيْ في مَسأَلةِ تَكفِيرِ عاذِرِ المُشرِكِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ]؟، (الذي لا يَفهَمُ التَّوحِيدَ) هَلْ يَصلُحُ أنْ يَكونَ سَبَبًا؟، (الذي لا يَفهَمُ التَّوحِيدَ هو كافِرٌ) هَلْ هذا الآنَ وَصفٌ يَصلُحُ أنْ يَتَرَتَّبَ عليه حُكْمٌ، وما دَلِيلُ هذا؟، هو [أيْ عاذِرُ المُشرِكِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ] لا يَقولُ {انَّ التَّوحِيدَ هو صَرفُ العِبادةِ لغير الله}، لَكِنْ يَقولُ {كُلُّ مَن عَبَدَ غَيْرَ اللهِ فَهو كافِرٌ مُشرِكٌ، والذي يَسجُدُ لِصَنَمٍ هو كافِرٌ مُشرِكٌ، ولَكِنَّ هذه الصُّورةَ [أيْ صورةَ المُشرِكِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ]، لِأنَّه جاهِلٌ أو مُتَأَوِّلٌ لا أُكَفِّرُه، لِأنَّه جاهِلٌ، والجَهلُ مانِعٌ شَرعِيٌّ كَما أنَّكم اِعتَبَرْتُم الإكراهَ والخَطَأَ مانِعًا شَرعِيًّا}، هو [أيِ العاذِرُ] قالَ طَبعًا ضَلالًا، قالَ {مِثلُ الإكراهِ، مِثلُ الخَطَأِ، الجَهلُ مانِعٌ شَرعِيٌّ}، طَبعًا هذا ضالٌّ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: الذِين يُكَفِّرونه [أيْ يُكَفِّرون عاذِرَ المُشرِكِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ] يَقولون {إنَّه لم يَفهَمِ التَّوحِيدَ، وبِالتالِي يَلْزَمُ مِنه أنَّه كافِرٌ}، هذا خَطَأٌ، نَقولُ {في الشَّرعِ، (عَدَمُ فَهمِ التَّوحِيدِ) سَبَبٌ أو نَوعٌ؟}، هناك يا إخوةُ قاعِدةٌ في التَّكفِيرِ تُفَرِّقُ بَيْنَ الأسبابِ والأنواعِ [قالَ الشَّيخان هيثم فهيم أحمد مجاهد (أستاذ العقيدة المساعد بجامعة أم القرى) وإبراهيم القبلاوي (الأستاذ المشارك بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى) في (المَدخَلُ لِدِراسةِ العَقِيدةِ): والكُفرُ نَوعان، كُفْرٌ أكبَرُ مُخرِجٌ مِنَ المِلَّةِ ويُوجِبُ الخُلودَ في النارِ، وكُفْرٌ أصغَرِ لا يُخرِجُ مِنَ المِلَّةِ ولا يُوجِبُ الخُلودَ في النارِ، النَّوعُ الأوَّلُ، كُفْرٌ أكَبَرُ يُخرِجُ مِنَ المِلَّةِ وهو يُناقِضُ الإيمانَ، ويُخرِجُ صاحِبَه مِنَ الإسلامِ ويُوجِبُ الخُلودَ في النارِ ولا تَنالُه شَفاعةُ الشافِعِين، ويَكونُ [أيِ الكُفرُ الأكبَرُ] بِالاعتِقادِ، وبِالقَولِ، وبِالفِعلِ، وبِالشَّكِّ والرِّيبِ، وبِالتَّركِ، وبِالإعراضِ، وبِالاستِكبارِ، ولِهذا [فَإنَّ] الكُفْرَ أنواعٌ كَثِيرةٌ، مَن لَقِيَ اللهُ تَعالَى بِواحِدٍ منها لا يُغفَرُ له ولا تَنفَعُه الشَّفاعةُ يَوْمَ القِيَامةِ، ومِن أهَمِّها؛ (أ)الأوَّلُ، كُفْرُ التَّكذِيبِ، وهو ما كانَ ظاهِرًا وباطِنا [قالَ الشَّيخُ سيد إمام في (الجامِعُ في طَلَبِ العِلْمِ الشَّرِيفِ): الجَحدُ اِعتِقادُ صِدقِ المُخبِرِ مع تَكذِيبِه في الظاهِرِ، ودَلِيلُه قَولُه تَعالَى {فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ}، فَكَفَروا بِالإنكارِ الظاهِرِ مع وُجودِ المَعرِفةِ القَلبِيَّةِ؛ أمَّا كُفْرُ التَّكذِيبِ فَهو التَّكذِيبُ ظاهِرًا وباطِنًا، أيِ اِعتِقادُ كَذِبِ المُخبِرِ، مع تَكذِيبِه في الظاهِرِ؛ فالجاحِدُ والمُكَذِّبُ كِلاهُما مُكَذِّبٌ في الظاهِرِ، ويَفتَرِقان في أنَّ الجاحِدَ مُصَدِّقٌ بِقَلبِه والمُكَذِّبَ مُكَذِّبٌ بِقَلبِه. انتهى باختصار]، وهو تَكذِيبُ الرُّسُلِ وَ[ادِّعاءُ] أنَّ إخبارَهم عنِ الحَقِّ بِخِلافِ الواقِعِ؛ (ب)الثانِي، كُفْرُ الجُحودِ، وهو كِتمانُ الحَقِّ وعدم الإذعانِ لِرَسولِ اللهِ ظاهِرًا، مع العِلْمِ به [أيْ بِالحَقِّ] ومَعرِفَتِه باطِنًا؛ (ت)الثالِثُ، كُفْرُ الاستِكبارِ، وهو كُفْرُ إبلِيسَ لَعَنَه اللهُ، والدَّلِيلُ قَولُه [تَعالَى] {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}، فَإنَّه لم يَجحَدْ أمْرَ اللهِ، ولا قابَلَه بِالإنكارِ، وإنِّما تَلَقَّاه بِالاستِكبارِ؛ (ث)الرابِعُ، كُفْرُ الشَّكِّ، وهو كُفْرُ الظَّنِّ والرِّيبِ، بِأَنْ لا يَجزِمَ بِصِدقِ النَّبِيِّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] ولا كَذِبِه، بَلْ يَشُكُّ في أمْرِه، ويَتَرَدَّدُ في اِتِّباعِه، إذِ المَطلوبُ هو اليَقِينُ بِأنَّ ما جاءَ بِه الرَّسولُ مِن رَبِّه حَقٌّ لا مِريَةَ فيه، فَمَن شَكَّ في الاتِّباعِ لِمَا جاءَ بِه الرَّسولُ، أو جَوَّزَ أنْ يَكونَ الحَقُّ خِلافَه، فَقَدْ كَفَرَ كُفْرَ شَكٍّ؛ (ج)الخامِسُ، كُفْرُ الإعراضِ، والمُرادُ بِه أنْ يُعرِضَ بِسَمعِه وقَلبِه عَمَّا جاءَ بِه الرَّسولُ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]، فَلا يُوالِي الرَّسولَ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] ولا يُعادِيه، ولا يُصغِي إلى ما جاءَ بِه، ويَترُكُ الحَقَّ لا يَتَعَلَّمُه ولا يَعْمَلُ بِه، ويَهْرَبُ مِنَ الأماكِنِ التي يُذكَرُ فِيها الحَقُّ، فَهو كافِرٌ كُفْرَ إعراضٍ، وهو أنواعٌ، النَّوعُ الأوَّلُ أنْ يُعرِضَ عن هذا الدِّينِ كُلِّه لا يَهتَمُّ بِالإسلامِ ولا بِالواجِبِ ولا بِالمُحَرَّمِ ولا تَدخُلُ في اِهتِماماتِه وهذا أغلَظُ الأنواعِ، النَّوعُ الثانِي أنْ يُعرِضَ عن أصلِ الدِّينِ لا يَتَعَلَّمُه ولا يَعْمَلُ بِه مِثلَ إعراضِ مَن يَدَّعِي القِبلةَ [أيِ الانتِسابَ لِلإسلامِ] وهو يَفْعَلُ الشِّركَ الأكبَرَ جَهْلًا أو تَأْوِيلًا، النَّوعُ الثالِثُ أنْ يُعرِضَ عنِ الأركانِ الأربَعةِ [أيِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ] فَلا يَتَعَلَّمُها ولا يَعْمَلُ بِها وهو عائشٌ بَيْنَ المُسلِمِين وهذا كُفْرٌ، النَّوعُ الرابِعُ أنْ يُعرِضَ عنِ المَسائلِ الظاهِرةِ لا يَتَعَلَّمُها ولا يَعْمَلُ بِها وهو عائشٌ بَيْنَ المُسلِمِين، وَ[مِن] كُفرِ الإعراضِ إعراضُ القُبورِيَّةِ عن تَعَلُّمِ التَّوحِيدِ والعَمَلِ بِه، وإعراضُ الحُكَّامِ عن سُؤالِ العُلَماءِ في الأُمورِ العامَّةِ (كَتَنظِيمِ الناحِيَةِ الاجتِماعِيَّةِ، والناحِيَةِ الاقتِصادِيَّةِ، والسِّيَاسةِ، فَيُعرِضون عنِ الاستِفتاءِ فيها ويَنتَهِجون العَلْمانِيَّةَ، أو يُعرِضون عن تَطبِيقِ الشَّرِيعةِ في النَّواحِي السِّيَاسِيَّةِ ونَحوِها)، والدَّلِيلُ قَولُه [تَعالَى] {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ}، وقَولُه [تَعالَى] {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا، إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ}، وقَولُه [تَعالَى] {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ}، وقَولُه {وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ}، وقَولُه {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ، إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا، وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا}، وقَولُه {أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً، قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ، هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ، فَهُم مُّعْرِضُونَ}؛ (ح)السادِسُ، كُفْرُ النِّفاقِ، [وَ]هو إظهارُ الإسلامِ وإبطانُ الكُفرِ، وهو مُخالَفةُ الباطِنِ لِلظَّاهِرِ، وإظهارُ القَولِ بِاللِّسانِ أو الفِعْلِ بِخِلافِ ما في القَلبِ مِنَ الاعتِقادِ، والمُنافِقُ يُخالِفُ قَولَه فِعلُه، وسِرَّه عَلانِيَتُه، فَهو يَدخُلُ الإسلامَ مِن بابٍ ويَخرُجُ مِن بابٍ آخَرَ، ويَدخُلُ في الإيمانِ ظاهِرًا ويَخرُجُ منه باطِنًا؛ (خ)السابِعُ، كُفْرُ السَّبِّ والاستِهزاءِ؛ (د)الثامِنُ، كُفْرُ البُغضِ، وهو كُرْهُ دِينِ الإسلامِ، أو شَيئًا مِن أحكامِه، أو كُرْهُ نَبِيِّ الإسلامِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]، لِأنَّ مِن تَعظِيمِ هذا الدِّينِ العَظِيمِ مَحَبَّةَ اللهِ تَعالَى ورَسولِه الأمِينِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] وما أنزَلَ اللهُ مِنَ الشَّرعِ مِن أوامِرِه ونَواهِيه، ومَحَبَّةَ أَولِيَائه، والمَحَبَّةُ شَرطٌ مِن شُروطِ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، والبُغضُ يُناقِضُ المَحَبَّةَ؛ (ذ)التاسِعُ، كُفْرُ الجَهلِ، [وَ]هو ما كانَ ظاهِرا وباطِنًا كَغالِبِ الكُفَّارِ مِن قُرَيشٍ ومَن قَبْلَهم مِنَ الأُمَمِ الذِين قالَ اللهُ تَعالَى فيهم {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ، حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا}، وقالَ تَعالَى {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ [كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ]}؛ (ر)العاشِرُ، كُفْرُ التَّقلِيدِ، [وَ]هو كَقَولِه تَعالَى {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا، أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [قالَ الشَّيخُ سيد إمام في (الجامِعُ في طَلَبِ العِلْمِ الشَّرِيفِ): وأنواعُ الكُفرِ هذه هى البَواعِثُ الباطِنةُ الحامِلةُ لِصاحِبِها على الكُفرِ الظاهِرِ، أيْ على الإتيَانِ بِأسبابِ الكُفرِ القَولِيَّةِ والفِعْلِيَّةِ، وهذه البَواعِثُ الباطِنةُ هى أعمالٌ قَلبِيَّةٌ يُضَادُّ كُلٌّ مِنها عَمَلًا مِن أعمالِ القَلبِ الداخِلةِ في أصلِ الإيمانِ؛ فَمَعرِفةُ القَلبِ بِاللَّهِ تَعالَى وبِالرَّسولِ وبِما جاءَ به إجمالًا يُضَادُّها كُفْرُ الجَهلِ، وتَصدِيقُ القَلبِ بِما جاءَ بِه الرَّسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إجمالًا يُضَادُّه كُفْرُ التَّكذِيبِ، ويَقِينُ القَلبِ بِصِدقِ الرَّسولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيما أخبَرَ بِه يُضَادُّه كُفْرُ الشَّكِّ والرِّيبِ، وانقِيَادُ القَلبِ لِمَا أمَرَ بِه الرَّسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَادُّه كُفْرُ الاستِكبارِ وكُفْرُ الإعراضِ، ومَحَبَّةُ القَلبِ لِلَّهِ ولِرَسولِه ولِشَرِيعَتِه يُضَادُّها كُفْرُ البُغضِ والحَسَدِ، وتَعظِيمُ القَلبِ وتَوقِيرُه لِلَّهِ ولِلرَّسولِ ولِلشَّرِيعةِ يُضَادُّه كُفْرُ الاستِهزاءِ؛ فَأنواعُ الكُفرِ هى بَواعِثُ باطِنةٌ مُضادَّةٌ لِأعمالِ القَلبِ الواجِبةِ الداخِلةِ في أصلِ الإيمانِ. انتهى]. انتهى باختصار. وقالَ الشَّيخُ سيد إمام في (الجامِعُ في طَلَبِ العِلْمِ الشَّرِيفِ): أمَّا أسبابُ الكُفرِ فَهي الأُمورُ التي إذا فَعَلَها الإنسانُ حُكِمَ عليه بِأنَّه كافِرٌ، وهي في أحكامِ الدُّنيَا أمران لا ثالِثَ لَهما، قَولٌ مُكَفِّرٌ، أو فِعلٌ مُكَفِّرٌ (ومِنه التَّركُ والامتِناعُ)، وإنْ كانَ العَبدُ يَكفُرُ أيضًا على الحَقِيقةِ بِالاعتِقادِ المُكَفِّرِ المُنعَقِدِ بِالقَلبِ إلَّا أنَّه لا يُؤاخَذُ بِه في أحكامِ الدُّنيَا إلَّا إذا ظَهَرَ هذا الاعتِقادُ القَلبِيُّ في قَولٍ أو فِعْلٍ يُمكِنُ إثباتُه على صاحِبِه بِطُرُقِ الثُّبوتِ الشَّرعِيَّةِ [قالَ الشيخُ عبدُالله الطيار (وكيلُ وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد) في (الفقه الميسر): تَثبُتُ الرِّدَّةُ بِأَحَدِ أَمْرَين؛ (أ)الإقرارُ، وذلك بِأَنْ يُقِرُّ بِما يُوجِبُ الرِّدَّةَ؛ (ب)شَهادةُ رَجُلَين عَدْلَين، ويَجِبُ التَّفصِيلُ في الشَّهادةِ على الرِّدَّة بِأَنْ يُبَيِّنَ وَجْهَ كُفرِه لِاختِلافِ العُلَماءِ فِيما يُوجِبُها. انتهى] لإجماعِ أهلِ السُّنَّةِ وسائرِ الطَّوائفِ على أنَّ أحكامَ الدُّنيَا تَجرِي على الظاهِرِ، والظاهِرُ الذي يُمكِنُ إثباتُه على صاحِبِه هو قَولُه أو فِعلُه لا ما في قَلبِه، لِقَولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أُنَقِّبَ قُلُوبَ النَّاسِ وَلَا أَشُقَّ بُطُونَهُمْ}، فَفِعلُ القَلبِ لا يُؤاخَذُ بِه في أحكامِ الدُّنيَا، إلَّا إذا ظَهَرَ في قَولٍ أو فِعْلٍ، قالَ اِبْنُ حَجَرٍ [فِي (فَتْحُ البارِي)] {وَكُلُّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ الدُّنْيَا عَلَى الظَّاهِرِ، وَاللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ}، وضابِطُ القَولِ والفِعْلِ المُكَفِّرَين هو الأقوالُ والأفعالُ التي نَصَّ الشارِعُ على كُفرِ مَن أتَى بِها... ثم قالَ -أيِ الشيخُ سيد-: ولِتُدرِكَ الفَرْقَ بَيْنَ أسبابِ الكُفرِ (التي عليها مَدارُ الحُكمِ بِالكُفرِ في الدُّنيَا)، وأنواعِ الكُفرِ (وهى البَواعِثُ الحامِلةُ لِصاحِبِها على الإتيَانِ بِأسبابِ الكُفرِ)، نَضرِبُ عِدَّةَ أمثِلةٍ لِذلك؛ (أ)فَإبلِيسُ سَبَبُ كفره تَرْكُ السُّجودِ لِآدَمَ عليه السَّلامُ (والتَّركُ فِعلٌ)، أمَّا نَوعُ كُفرِه فَكُفرِ اِستِكبارٍ وهذا هو الباعِثُ لَه على تَرْكِ السُّجودِ؛ (ب)وقد يَتَّحِدُ السَّبَبُ ويَختَلِفُ النوَّعُ الباعِثُ، فَلَوْ أنَّ رَجُلَين (أحَدُهما مُسلِمٌ والآخَرُ نَصرانِيٌّ) قالا {المَسِيحُ اِبنُ اللهِ}، فَقَدِ اِتَّحَدَ السَّبَبُ وهو هذا القَولُ المُكَفِّرُ، واختَلَفَ نَوعُ الكُفرِ فِيهما، فَهو في المُسلِمِ (كُفْرُ تَكذِيبٍ) لِتَكذِيبِه بِنَصِّ القُرآنِ الدالِّ على أنَّ اللهَ {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}، أمَّا في النَّصرانِيِّ فَكُفْرُه كُفْرُ تَقلِيدٍ لِآبائه ولِرُهبانِهم، فاتِّحادُ السَّبَبِ واختِلافُ النَّوعِ مِمَّا يُبَيِّنُ لك الفَرْقَ بَيْنَهما؛ (ت)ومِنِ اِتِّحادِ السَّبَبِ واختِلافِ النَّوعِ [أيضًا] كُفْرُ كُفَّارِ مَكَّةَ، واليَهودِ، وهِرَقْلَ (قَيْصَرِ الرُّومِ)، اِتَّحَدَ سَبَبُ الكُفرِ فِيهم وهو تَركُ الإقرارِ بِالشَّهادَتَين، واختَلَفَ النَّوعُ، فَهو في كُفَّارِ مَكَّةَ واليَهودِ كُفْرُ جُحودٍ واستِكبارٍ وحَسَدٍ، فَفِي كُفَّارِ مَكَّةَ قالَ تَعالَى {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} فَهذا كُفْرُ الجُحودِ، وقالَ تَعالَى {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} فَهذا كُفْرُ الاستِكبارِ، وفي اليَهودِ قالَ تَعالَى {فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} فَهذا كُفْرُ الجُحودِ، وقالَ تَعالَى {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ} فَهذا كُفْرُ الاستِكبارِ، وقالَ تَعالَى {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} فَهذا كُفْرُ الحَسَدِ، وهو [أيْ نَوعُ الكُفرِ] في هِرَقْلَ الحِرصُ على المُلكِ (وهو مِنِ اِتِّباعِ الهَوَى الصارِفِ عنِ الإيمانِ)؛ والأمثِلةُ السابِقةُ تُبَيِّنُ أنَّه قد يَتَّحِدُ سَبَبُ الكُفرِ عند عِدَّةِ أفرادٍ ويَختَلِفُ النَّوعُ الباعِثُ لَدَى كُلٍّ مِنهم عنِ الآخَرِ، كَما بَيَّنَتْ هذه الأمثِلةُ أنَّه قد يَجتَمِعُ لِلسَّبَبِ الواحِدِ أكثَرُ مِن باعِثٍ في الشَّخصِ الواحِدِ، كَما في قَولِه تَعالَى {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} فاجتَمَعَ لِهذا كُفْرُ التَّكذِيبِ وكُفْرُ الاستِكبارِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ سيد-: ولَمَّا كانَتْ أنواعُ الكُفرِ هى أُمورٌ باطِنةٌ خَفِيَّةٌ، فَإنَّ أحكامَ الدُّنيَا لم تُرَتَّبْ عليها، وإنَّما رُتِّبَتْ أحكامُ الدُّنيَا على الأسبابِ الظاهِرةِ مِنَ الأقوالِ والأفعالِ المُكَفرةِ التي يُمكِنُ إثباتُها على فاعِلِها، ولا يَلْزَمُ في أحكامِ الدُّنيَا أنْ نَتَكَلَّفَ في حَملِ أسبابِ الكُفرِ على أنواعِه، فَمَن سَبَّ الرَّسولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمْنا بِكُفرِه لِأنَّه أتَى بِسَبَبِ الكُفرِ وهو القَولُ المُكَفِّرُ، ولا يَلْزَمُ أنْ نَتَكَلَّفَ في مَعرِفةِ نَوعِ كُفرِه (هَلْ سَبَّه لِتَكذِيبِه بِه أَمْ لِبُغضِه وحَسَدِه له أَمْ لِاستِهزائه بِه؟)، فَهذا لا يُمكِنُ الجَزمُ بِه ولا يَلْزَمُ البَحثُ عنه في أحكامِ الدُّنيَا... ثم قالَ -أيِ الشيخُ سيد-: أمَّا أسبابُ الكُفرِ فَهِيَ على الحَقِيقةِ أربَعةُ أسبابٍ، قَولٌ مُكَفِّرٌ أو فِعلٌ مُكَفِّرٌ أوِ اِعتِقادٌ مُكَفِّرٌ أو شك مُكَفِّرٌ، أمَّا في أحكامِ الدُّنيَا فَأسبابُ الكُفرِ اِثْنَانِ لا ثالِثَ لَهما، قَولٌ مُكَفِّرٌ أو فِعلٌ مُكَفِّرٌ، والقَولُ هو عَمَلُ اللِّسانِ، والفِعلُ عَمَلُ الجَوارِحِ، أمَّا الاعتِقادُ والشك فهما من أعمال القلب. انتهى باختصار. وقالَ الشَّيخُ أبو عبدِاللهِ الخطيب في (التَّكفِيرُ"أخطارُه وضَوابِطُه"، بِإشرافِ الشَّيخِ عمر أسيف) الذي نَشَرَتْه (الكُلِّيَّةُ الأُورُوبِّيَّةُ للدراسات الإسلامية) بفرنسا: إنَّ عَدَمَ التَّفرِيقِ بَيْنَ ما هو نَوعٌ لِلْكُفرِ وبَيْنَ ما هو سَبَبٌ لِلْكُفرِ، يُوقِعُ في أخطاءٍ. انتهى. وقالَ الشَّيخُ أوَّلُ الدِّينِ يحيى الإنْدُونِيسِيُّ في (آياتُ الكُفرِ في القُرآنِ الكَرِيمِ، بِإشرافِ الشَّيخِ خالد نبوي سليمان حجاج "الأستاذ المشارك بقسم التفسير وعلوم القرآن بكلية العلوم الإسلامية بجامعة المدينة العالمية بِمَالِيزْيَا"): أنواعُ الكُفرِ هى البَواعِثُ الحامِلةُ لِصاحِبِها على الإتيَانِ بِأسبابِ الكُفرِ؛ فَإبلِيسُ سَبَبُ كُفرِه تَرْكُ السُّجودِ لِآدَمَ بَعْدَ الأمْرِ مِنَ اللهِ، ونَوعُ كُفرِه الاستِكبارُ وهذا هو الباعِثُ له على تَرْكِ السُّجودِ؛ وأهلُ مَكَّةَ واليَهودِ سَبَبُ كُفرِهم تَرْكُ الإقرارِ بِالشَّهادَتَين، ونَوعُ كُفرِهم الجُحودُ والاستِكبارُ والحَسَدُ. انتهى باختصار. قُلْتُ: لَمَّا كانَ كُلٌّ مِن كُفرِ التَّكذِيبِ وكُفرِ الجُحودِ يَشتَمِلُ على مَعْنًى ظاهِرٍ (وهو رَدُّ حُكمِ الشَّرعِ الثابِتِ بِالقُرآنِ والسُّنَّةِ بَعْدَ بُلوغِه)، وقد سَبَقَ بَيَانُ أنَّ الجاحِدَ والمُكَذِّبَ كِلَيْهِمَا مُكَذِّبٌ في الظاهِرِ، ويَفتَرِقان في أنَّ الجاحِدَ مُصَدِّقٌ بِقَلبِه والمُكَذِّبَ مُكَذِّبٌ بِقَلبِه، فَلِأجلِ وُجودِ المَعْنَى الظاهِرِ (وهو رَدُّ حُكمِ الشَّرعِ الثابِتِ بِالقُرآنِ والسُّنَّةِ بَعْدَ بُلوغِه) في كُفرِ التَّكذِيبِ وكُفرِ الجُحودِ فَإنَّك تَرَى العالِمَ يُنِيطُ الكُفرَ أحيانًا بِالتَّكذِيبِ وأحيانًا بِالجُحودِ]، إبلِيسُ كافِرٌ، ما سَبَبُ كُفرِه؟ تَرْكُ السُّجودِ، ما نَوعُ هذا الكُفرِ؟ هو الكِبرُ، طَيِّبٌ، الحُكْمُ الشَّرعِيُّ على كِبرٍ أو على سَبَبٍ؟... فَرَدَّ الإخوةُ قائلِين: على السَّبَبِ... فَقالَ الشَّيخُ: مِثالٌ، رَجُلٌ يُظاهِرُ أعداءَ اللهِ على المُسلِمِين، وهو جاهِلٌ بِهذا الحُكمِ الشَّرعِيِّ، فَهو كافِرٌ، لِماذا؟ ما هو السَّبَبُ؟ لِأنَّه ظاهَرَ أو لِأنَّه جاهِلٌ؟... فَرَدَّ الإخوةُ قائلِين: لِأنَّه ظاهَرَ... فَقالَ الشَّيخُ: لَكِنْ ما نوَعُ كُفرِه؟ الجَهلُ، الحُكْمُ هَلْ يَتَرَتَّبُ على النَّوعِ أو على السَّبَبِ؟ على السَّبَبِ، ما يَتَرَتَّبُ على النَّوعِ؛ قالَ العُلَماءُ {[أنواعُ الكُفرِ] هي كُفْرُ جَهلٍ، كُفْرُ كِبرٍ، و[كُفْرُ] إعراضٍ}، لَكِنْ أنَا ما يُمكِنُ أنْ أقولَ هذه أسبابٌ، لِأنَّها قَلبِيَّةٌ لا يَنبَنِي عليها الحُكْمُ الشَّرعِيُّ، الحُكْمُ الشَّرعِيُّ يَنبَنِي على السَّبَبِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: مَثَلًا، ما سَبَبُ كُفرِ أبِي طالِبٍ؟... فَرَدَّ أحَدُ الإِخْوَةِ قائلًا: ما أرادَ أنْ يَرغَبَ عن مِلَّةِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ... فَقالَ الشَّيخُ: لا، هذا نَوعٌ... فَرَدَّ أحَدُ الإِخْوَةِ قائلًا: السَّبَبُ عَدَمُ قَولِ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)... فَقالَ الشَّيخُ: نَعَمْ، تَرْكُه الإسلامَ... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: الآنَ، رَجُلٌ سَجَدَ لِصَنَمٍ، جاهِلٌ، حُكْمُه كافِرٌ، ما سَبَبُ كُفرِه؟ السُّجودُ لِلصَّنَمِ؛ ونَوعُ كُفرِه؟ الجَهلُ؛ الحُكْمُ هَلْ يَنبَنِي على الجَهلِ أَمْ يَنبَنِي على السُّجودِ؟... فَرَدَّ الإخوةُ قائلِين: على السُّجودِ... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: الذي يَقولُ {إنَّ الذي لا يُكَفِّرُ المُشرِكَ [هو كافِرٌ] لِأنَّه لم يَفْهَمِ التَّوحِيدَ}، هذا ما يَصلُحُ أنْ يَكونَ سَبَبًا، لِأنَّ هذا نَوعٌ، لا يَصلُحُ أنْ يَكونَ سَبَبًا يَتَرَتَّبُ عليه الحُكْمُ، فَهذا خَلْطٌ بَيْنَ (الأنواعِ) و(الأسبابِ)، وهذا الخَلْطُ يُؤَدِّي إلى نَتائجَ خَطِيرةٍ، {فُلانٌ ما يَعرِفُ التَّوحِيدَ}! خَطَأٌ، لا بُدَّ [مِن] كُفرٍ ظاهِرٍ، سَبَبٍ يَنبَنِي عليه مَعرِفةُ النَّوعِ، نَقولُ {إنَّ تَكفِيرَك لَه لِأنَّه لم يَفْهَمِ التَّوحِيدَ، هذا خَطَأٌ}، لِماذا أنتَ أخطَأْتَ؟، لِأنَّك كَفَّرْتَه بِالنَّوعِ، ولا يَسُوغُ هذا شَرعًا، {لِأنَّه لم يَفْهَمِ التَّوحِيدَ} {لِأنَّه جاهِلٌ بِالتَّوحِيدِ} لا يَصلُحُ أنْ يَكونَ سَبَبًا... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: رَجُلٌ يَجهَلُ التَّوحِيدَ، ولَكِنَّه يَعبُدُ اللهَ مع المُسلِمِين، أنتَ [بِ]ماذا تَحكُمُ عليه؟ بِالظاهِرِ، رَغْمَ أنَّه يَجْهَلُ التَّوحِيدَ، [لِأنَّ] الكُفرَ يَنبَنِي على أسبابٍ، لا بُدَّ أنْ يَكونَ هناك شَيءٌ ظاهِرٌ، لاحِظْ [أنَّ] الأحكامَ الشَّرعِيَّةَ مَبنِيَّةٌ كَما يَقولُ أهلُ العِلْمِ {الأحكامُ الشَّرعِيَّةُ تَنبَنِي على أسبابٍ ظاهِرةٍ مُنضَبِطةٍ}... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: فالذِين يَقولون {إنَّ الذي لا يُكَفِّرُ المُشرِكَ هو كافِرٌ، لِأنَّه لم يَفْهَمِ التَّوحِيدَ}، نَقولُ، هذا ليس سَبَبًا، هذا لا يَصلُحُ أنْ يَكونَ سَبَبًا وبِالتالِي لا يَصلُحُ التَّكفِيرُ بِه، طَيِّبٌ، هَلْ يُمكِنُ أنْ يَكونَ كافِرًا؟ نَعَمْ، يُمكِنُ، لَكِنْ ليس هذا [أيْ وَصفُه بِأنَّه لم يَفهَمِ التَّوحِيدَ] سَبَبَه؛ إذَنْ نُلغِي تَمامًا هذا المَناطَ، فَنَقولُ، إنَّ (تَكفِيرَ الذي لم يَفْهَمِ التَّوحِيدَ) هذا غَيرُ صَحِيحٍ هذا ليس مَناطًا... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: (جاهِلُ التَّوحِيدِ) هذا ليس سَبَبًا ولا يَصلُحُ أنْ يَكونَ مَناطًا، هو نَوعُ كُفرٍ، الذي يَجْهَلُ التَّوحِيدَ كافِرٌ في الحَقِيقةِ، لَكِنْ ظاهِرًا لا يَستَطِيعُ [أحَدٌ تَكفِيرَه] حتى يُظهِرَ سَبَبًا مُعَيَّنًا، [كَ]أَنْ يَعبُدَ صَنَمًا... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: الآنَ، هذا (جاهِلُ التَّوحِيدِ) حَكَمَ بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ، أنَا أُكَفِّرُه، لِماذا؟ لِأنَّه حَكَمَ بِغَيرِ ما أنزَلَ اللهُ؛ رَجُلٌ (جاهِلُ التَّوحِيدِ) ظاهَرَ أعداءَ اللهِ، أنَا أُكَفِّرُه، لِماذا؟ لِأنَّه ظاهَرَ أعداءَ اللهِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: وَصفٌ ثالِثٌ [يَعنِي المَناطَ الثالِثَ مِنَ المَناطاتِ الأربَعةِ المُحتَمَلةِ]، قالوا أنَّه [أيِ العاذِرَ] إذا قالَ [أنَّه] لم يُكَفِّرِ المُشرِكَ [الجاهِلَ المُنتَسِبَ] فَقَدْ سَمَّاه مُسلِمًا... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: رَجُلٌ [يَعنِي العاذِرَ] يَقولُ {التَّوحِيدُ هو إفرادُ اللهِ بِالعِبادةِ، وكُلُّ مَن عَبَدَ غَيْرَ اللهِ فَهو كافِرٌ مُشرِكٌ، إلَّا مَن تَوَفَّرَ فيه مانِعٌ شَرعِيٌّ}، ما هو المانِعُ عندك يا فُلانُ؟، قالَ {إذا أُكرِهَ، إذا أخطَأَ، إذا جَهِلَ}، هو [أيِ العاذِرُ] اِجتَهَدَ في ماذا؟، ليس [في] أنَّ هذا شِركٌ، وإنَّما [في أنْ] يُقالَ فيه [أيْ في مُرتَكِبِ الشِّركِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ لِلْإسلامِ] مُشرِكٌ، اِجتَهَدَ [أيِ العاذِرُ] في مَبحَثٍ أُصولِيٍّ، هذا هو الخِلافُ، هَلْ هو خِلافٌ في مَبحَثٍ أُصولِيٍّ (وهو أنْ يَعُدَّ هذا [أيِ الجَهْلَ] مانِعًا)، أو هو خِلافٌ في الشِّركِ بِاللَّهِ وحَقِيقةِ التَّوحِيدِ؟، الآنَ، أَيْنَ مَوطِنُ اِجتِهادِه؟، مَوطِنُ اِجتِهادِه في تَحدِيدِ مَوانِعِ الأهلِيَّةِ [قالَ الشَّيخُ أبو بكر القحطاني في (شَرحُ قاعِدةِ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ"): العاذِرُ بِالجَهلِ يَقولُ {والجَهلُ -عندي- مانِعٌ مِن مَوانِعِ الأهلِيَّةِ أو مِن مَوانِعِ التَّكلِيفِ، فَإذا وَقَعَ بِالشِّركِ جاهِلًا فَإنِّي لا أُكَفِّرُه}. انتهى] لِهذا الرَّجُلِ [مُرتَكِبِ الشِّركِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ لِلْإسلامِ]، لا اِجتِهادًا في أنَّ ليس يُقالُ {هذا كُفْرٌ} و{هذا ليس بِشِركٍ}، قالَ [أيِ العاذِرُ] {بِما أنَّ التَّكفِيرَ مَبناه على الشَّرعِ، والشَّرعُ لم يُكَفِّرِ المُكرَهَ ولم يُكَفِّرِ المُخطِئَ، فَكذلك الشَّرعُ لم يُكَفِّرِ الجاهِلَ}، اِستَدَلَ [أيِ العاذِرُ] بِمَعلوماتٍ... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: الآنَ، الإكراهُ مانِعٌ، الآنَ، العُلَماءُ [بِـ]ماذا فَسَّروا الإكراهَ، هَلِ العُلَماءُ كُلُّهم مُجمِعون على تَحدِيدِ مَعْنَى الإكراهِ [سَبَقَ بَيَانُ اِختِلافِ أهلِ العِلْمِ في صِحَّةِ الإكراهِ بِالتَّهدِيدِ دُونَ أنْ يُمَسُّ المُكرَهُ بِعَذابٍ، وأيضًا اِختِلافِهم في صِحَّةِ الإكراهِ إذا كانَ الإكراهُ على فِعْلٍ وليس قَولٍ]، إذا أنتَ قُلْتَ {إنَّ الاكراهَ هو إنَّما بِالقَولِ [يَعنِي لا يَصِحُّ الإكراهُ إذا كانَ على فِعْلٍ]} هَلْ تُكَفِّرُ الذِين قالوا {إنَّ الاكراهَ بِالفِعْلِ [يَعنِي يَصِحُّ الإكراهُ إذا كانَ على فِعْلٍ]}؟!، الخِلافُ [أيْ مع العاذِرِ] في اِعتِبارِ المانِعِ [أيْ مانِعِ الجَهلِ]، ليس في تَحدِيدِ مَعْنَى الشِّركِ، لِهذا لا يَصِحُّ أنْ تَقولَ {هذا [أيِ العاذِرُ] لم يَفْهَمِ التَّوحِيدَ}، سَيقولُ لك {أنَا أفهَمُ التَّوحِيدَ أكثَرَ مِنك، وهذا [أيِ الذي اِرتَكَبَه المُشرِكُ الجاهِلُ] كُفْرٌ، لَكِنَّ الذي يَمْنَعُ [أيْ مِن تَنْزِيلِ الحُكمِ عليه] هو الجَهلُ}... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: (رَجُلٌ يَسجُدُ لِصَنَمٍ مُكرَهًا)، مِنَ العُلَماءِ مَن يُكَفِّرُه، يَقولُ {هذا مُشرِكٌ، لِأنَّ الإكراهَ بِالفِعْلِ [يَعنِي الإكراهَ على فِعْلٍ] غَيرُ مُعتَبَرٍ}، ومِنَ العُلَماءِ مَن يَقولُ {ليس مُشرِكًا}، أنتَ تَقولُ {لا، لِأنَّه خِلافٌ مَبنِيٌّ على النَّصِّ [أيْ لا يَصِحُّ إلحاقُ حُكمِ العاذِرِ المُخالِفِ في مَسألةِ الإعذارِ بالإكراهِ، بِالعاذِرِ المُخالِفِ في مَسألةِ الإعذارِ بِالجَهلِ، لِأنَّ العاذِرَ المُخالِفَ في مَسألةِ الإعذارِ بالإكراهِ مُستَنِدٌ إلى نَصٍّ]}، أنَا أَقولُ {الذي يَعتَبِرُ (الجَهْلَ) [أيضًا] يَستَنِدُ إلى نَصٍّ}... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: إذا رَجَّحْتَ أنتَ وقُلْتَ {إنَّه فَقَطِ القَولُ، ومَن أشرَكَ بِاللَّهِ في فِعْلِه فَهذا كافِرٌ، لِأنَّ الآيَةَ [يَعنِي قَولَه تَعالَى {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ}. وقد قالَ الشيخُ عليُّ بنُ نايف الشحود في (مَوسوعةُ فِقْهِ الابتِلاءِ): وقد ذَكَرَ جُمهورُ المُفَسِّرِين أنَّ سَبَبَ نُزولِ قَولِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ {مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} أنَّها نَزَلَتْ في عَمَّارٍ، لِأنَّهم عَذَّبوه حتى اِنتَهَى صَبرُه، ثم قالوا لَه {واللهِ لَا نَتْرُكُكَ مِن هذا العَذابِ حَتَّى تَسُبَّ مُحَمَّدًا، وتَكفُرَ بِمُحَمِّدٍ}، فَقالَ كَلِمةَ الكُفرِ مُضْطَرًا. انتهى. وقالَ الْقُرْطُبِيُّ في (الجامع لأحكام القرآن): قَوْلُهُ تَعَالَى {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ}، هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي (عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ) فِي قَوْلِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ... ثم قالَ -أيِ الْقُرْطُبِيُّ-: ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الرُّخْصَةَ إِنَّمَا جَاءَتْ فِي الْقَوْلِ، وَأَمَّا فِي الْفِعْلِ فَلَا رُخْصَةَ فِيهِ (مِثْلَ أَنْ يُكْرَهُوا عَلَى السُّجُودِ لِغَيْرِ اللَّهِ، أَوِ الصَّلَاةِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، أَوِ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَأَكْلِ الرِّبَا)... ثم قالَ -أيِ الْقُرْطُبِيُّ-: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ فَاخْتَارَ الْقَتْلَ أَنَّهُ أَعْظَمُ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ مِمَّنِ اِخْتَارَ الرُّخْصَةَ. انتهى باختصار] إنَّما جاءَتْ في القَولِ}، وجاءَك رَجُلٌ وقالَ {لا، إنَّ الذي نَفهَمُ مِنَ النَّصِّ أنَّه [أيِ النَّصَّ] أيضًا يَشمَلُه [أيْ يَشمَلُ الإكراهَ على الفِعْلِ]}، هَلْ تَقولُ [أيْ لِهذا الرَّجُلِ] {أنتَ لم تَفْهَمِ التَّوحِيدَ، لِأنَّك سَمَّيتَ المُشرِكَ [الذي أُكْرِهَ على فِعْلٍ] مُسلِمًا}؟! هَلْ يَصِحُّ هذا؟!... فَرَدَّ أحَدُ الإِخْوَةِ قائلًا: لا يا شَيخَنا ما يَصِحُّ... فَقالَ الشَّيخُ: لِأنَّ القَضِيَّةَ هي مَحَلُّ خِلافٍ في (هَلْ هذه الصِّفةُ مانِعٌ شَرعِيٌّ أو غَيرُ مانِعٍ، مانِعٌ مِن مَوانِعِ الأهلِيَّةِ أو ليست مانِعًا)، لا خِلافَ في (تَحدِيدِ مَعْنَى التَّوحِيدِ أو تَحدِيدِ مَعْنَى الشِّركِ)... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: هذا [أيِ الذي يُكَفِّرُ (العاذِرَ بِالجَهلِ)] يَقولُ {هو [أيِ العاذِرُ بِالجَهلِ)] يُسَمِّي الشِّركَ تَوحِيدًا}، هذا خَطَأٌ، هو [أيْ قَولُ العاذِرِ بِالجَهلِ] قَولٌ ضالٌّ مُضِلٌّ، لَكِنْ هو [أيِ العاذِرُ بِالجَهلِ)] ما يُسَمِّي الشِّركَ تَوحِيدًا... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: رَجُلٌ قالَ [عَنْ] مُشرِكٍ {هذا، الذي لا يُكَفِّرُه كافِرٌ}، لِماذا؟، {لِأنَّه سَمَّاه (مُسلِمًا)}، نَقولُ، هذا لا يَصلُحُ أنْ يَكونَ سَبَبًا لِتَكفِيرِ (العاذِرِ بِالجَهلِ) وذلك لِمَا يَلْزَمُه [أيْ مِن باطِلٍ، وهو ما سَيُوَضِّحُه الشَّيخُ لاحِقًا]... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: إذا قُلْنا لِلْمُسلِمِ {يا كافِرُ} فَهَلْ هذا كُفْرٌ؟، ليس بِكُفرٍ [يَعنِي إذا كُنَّا مُتَأَوِّلِين]، طَيِّبٌ، هذا تَغيِيرُ اِسمٍ شَرعِيٍّ؛ هذا رَجُلٌ مُسلِمٌ، أنتَ تَقولُ {كافِرٌ}... فَرَدَّ أحَدُ الإِخْوَةِ قائلًا: حَدِيثَ الرَّسولِ {مَنْ قَالَ لِأخِيهِ (يَا كَافِرُ) فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا}... فَقالَ الشَّيخُ: طَيِّبٌ، ما مَعْنَى هذا النَّصِّ؟، إجماعُ العُلَماءِ على أنَّه ليس على ظاهِرِه، لو قُلْنا بِهذا القَولِ لَكَفَّرنا عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، طَبْعًا هو [أيْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ] غَيَّرَ الاسمَ الشَّرعِيَّ، ما الذي جَعَلَنا لا نُكَفِّرُه؟، لِأنَّه كَفَّرَه [أيْ كَفَّرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ] بِتَأْوِيلٍ، عُمَرُ كَفَّرَ حاطِبًا، حاطِبٌ لم يَكفُرْ، لِمَ لَمْ يُكَفِّرْه النَّبِيُّ [أيْ لِمَ لَمْ يُكَفِّرِ النَّبِيُّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ]؟، لِأنَّه أكفَرَه بِتَأْوِيلٍ، طَيِّبٌ، مِثلُ هذا، الذي يَقولُ (يَعنِي العاذِرَ بِالجَهلِ) لِلْكافِرِ {هذا مُسلِمٌ} بِتَأْوِيلٍ، هَلْ يَكونُ كافِرًا؟، هو نَفسُ الشَّيءِ، نَفسُ الحُكمِ، [فَ]إذا قُلْنا أنَّ هذا التَّأْوِيلَ تَغيِيرٌ لِلأسماءِ الشَّرعِيَّةِ [يَعنِي أنَّ مَن سَمَّى تَأَوُّلًا الكافرَ مُسلِمًا قد غَيَّرَ الاسمَ الشَّرعِيَّ، وأنَّ مَن غَيَّرَ الاسمَ الشَّرعِيَّ صارَ كافِرًا]، إذَنْ يَلْزَمُ مِنه [أيْ مِن قَولِنا هذا] أنْ يُكَفَّرَ مَن قالَ [أيْ تَأَوُّلًا] لِلْمُسلِمِ {يا كافِرُ}، ولا يَقولُ بِهذا أحَدٌ مِن أهلِ السُّنَّةِ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: مَن وَقَعَ في الشِّركِ ما عندي فيه تَأْوِيلٌ، جاهِلٌ، مُتَأَوِّلٌ، هذا كُلُّه كافِرٌ بِالإجماعِ؛ لَكِنَّ الذي لم يُكَفِّرْه بِتَأْوِيلٍ هذا مَحَلُّ نَظَرٍ آخَرَ، فِيه [أيْ يُوجَدُ] تَفصِيلٌ؛ الأوَّلُ كافِرٌ بِالإجماعِ حتى لو كانَ مُتَأَوِّلًا (وهو الذي وَقَعَ في الشِّركِ)؛ لَكِنَّ الثانِيَ [أيِ العاذِرَ بِالجَهلِ)] الذي لم يُكَفِّرْه، أنَا الآنَ وأنتَ نَبْحَثُ في سَبَبِ كُفرِه، نحن اِتَّفَقْنا أنَّها لَيسَتْ قَضِيَّةً تَدخُلُ ضِمْنَ (الكُفرِ بِالطاغوتِ)، ولا أنَّه يُقالُ {لم يَفْهَمْ [أيِ العاذِرُ بِالجَهلِ)] التَّوحِيدَ}، وقَضِيَّةُ (تَغيِيرِ الأسماءِ الشَّرعِيَّةِ) أيضًا لم يَرِدْ فيها ما يُمكِنُ أنْ يُكَفِّرَ [أيِ العاذِرَ بِالجَهلِ)]... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: المَناطُ الثالِثُ [مِنَ المَناطاتِ الأربَعةِ المُحتَمَلةِ] (وهو تَسمِيَةُ المُشرِكِ مُسلِمًا [أيْ تَأَوُّلًا]) لا يَصلُحُ أنْ يَكونَ سَبَبًا يَتَرَتَّبُ عليه الحُكْمُ بِالكُفرِ، هذا واضِحٌ وليس فيه خِلافٌ... ثم بَدَأَ الشَّيخُ القحطاني الكَلامَ عنِ المَناطِ الأخِيرِ مِنَ المَناطاتِ الأربَعةِ المُحتَمَلةِ، مُوَضِّحًا أنَّه هو المَناطُ الصَّحِيحُ الوَحِيدُ، وهو المَناطُ الرابِعُ الذي يَقولُ (إنَّ الذي لا يُكَفِّرُ المُشرِكَ هو كافِرٌ لِأنَّه يَرُدُّ حُكمَ اللهِ، اللهُ حَكَمَ بِكُفرِ المُشرِكِ، وهو يَعرِفُ حُكمَ اللهِ ثم يَرُدُّه)، فَقالَ: الآنَ، هذا الناقِضُ [وهو المٌتَمَثِّلُ في قاعِدةِ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ أو شَكَّ في كُفرِه أو صَحَّحَ مَذهَبَه فَقَدْ كَفَرَ}]، ما دَلِيلُه الآنَ، قُلْنا {دَلِيلُ (الكُفرِ بِالطاغوتِ) لم يَصِحَّ، ودَلِيلُ (جاهِلِ التَّوحِيدِ) لم يَصِحَّ، ودَلِيلُ (تَغيِيرِ الأسماءِ الشَّرعِيَّةِ) لم يَصِحَّ}، طَيِّبٌ، هَلْ هو ناقِضٌ أصلًا (مَن لم يُكَفِّرِ المُشرِكِين)؟، قَطْعًا هو ناقِضٌ بِالإجماعِ، وهَلْ نَصَّ عليه أهلُ العِلْمِ؟، نَعَمْ، نَصُّوا عليه... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: بِالنَّظَرِ إلى اِستِعمالاتِ أهلِ العِلْمِ لِهذا الناقِضِ، إضافةً إلى أقوالِهم، نَعرِفُ أنْ نُحَدِّدَ الصُّورةَ واضِحةً، الإمامُ الشَّاطِبِيُّ يَذكُرُ فِي (الْمُوَافَقَاتِ) أنَّ العِلمَ يُؤْخَذُ مِن نُقولِ أهلِ العِلْمِ وتَصَرُّفاتِهم، فَنحن إذا قُلْنا {أكثَرُ عِلْمِ الصَّحابةِ، ما هو؟}، مِن تَصَرُّفاتِهم [وَ]سِيرَتِهم وأفعالِهم وجِهادِهم، هنا نَأخُذُ العِلمَ، كَذلك العُلَماءُ الذِين اِستَعمَلوا ذلك الناقِضَ، لا بُدَّ [مِن] نَظَرٍ واعتِبارٍ لاستِعمالاتِهم وتَصَرُّفاتِهم، لِأنَّ هذا مَصدَرُ عِلْمٍ غَزِيرٍ، لَكِنَّ الذي يَقتَصِرُ على مُجَرَّدِ نَقلٍ ولا يَنظُرُ إلى الاستِعمالاتِ ولا طُرُقِ التَّعامُلِ مع هذه النَّواقِضِ سَيُخطِئُ كَثِيرًا... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: الْقَاضِي عِيَاضٌ [(ت544هـ)] فَصَّلَ في هذا الناقِضِ، وذَكَرَ له مَناطًا، فَقالَ في كِتابِه [(الشِّفَا بِتَعْرِيفِ حُقُوقِ الْمُصْطَفَى)] {فَإنَّ التَّوقِيفَ [أيِ النَّصَّ] قد جاءَ بِكُفرِ مَن لم يَدِنْ بِدِينِ الإسلامِ، والذي لا يُكَفِّرُهم هو كافِرٌ، لِتَكذِيبِه بِالنَّصِّ، فَإنَّ مَن لم يُكَفِّرْهم أو شَكَّ في كُفرهِم، فَهو مُكَذِّبٌ بِالنَّصِّ، فَهو كافِرٌ بذلك}؛ الآنَ، الْقَاضِي عِيَاضٌ ذَكَرَ الناقِضَ وذَكَرَ مَناطَه، وهو المَناطُ الذي لا يَصلُحُ بَعْدَ السَّبرِ والتَّقسِيمِ -كَسَبَبٍ ظاهِرٍ مُنضَبِطٍ لِكُفرِ مَن لم يُكَفِّرِ المُشرِكِين- إلَّا هو، وبِمَعرِفةِ هذا المَناطِ أنَا أعرِفُ كَيْفَ أتَعامَلُ بِهذا الناقِضِ، العِلَّةُ، ما هي؟، قالَ [أيِ الْقَاضِي عِيَاضٌ] {التَّكذِيبُ} بِمَعْنَى رَدِّ الحُكمِ الثابِتِ في القُرآنِ والسُّنَّةِ بَعْدَ بُلوغِه، [فَ]إذا كانَ كَذلك، فَدَلِيلُ هذا الناقِضِ ما هو؟، كُلُّ آيَةٍ أو حَدِيثٍ دَلَّ على كُفرِ مَن رَدَّ حُكمَ اللهِ بَعْدَ بُلوغِه، مِثالٌ، قالَ اللهُ {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ} هذا دَلِيلُ هذا الناقِضِ، قالَ اللهُ {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ، أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ}، فَهذا الدَّلِيلُ [يَعنِي (المَناطَ) والذي هو رَدُّ الحُكمِ الثابِتِ في القُرآنِ والسُّنَّةِ بَعْدَ بُلوغِه] هو الذي يَصلُحُ بِطَرِيقةِ السَّبرِ والتَّقسِيمِ أنْ يَكونَ مَناطًا ووَصفًا مُؤَثِّرًا لِهذا الحُكمِ وهذا الناقِضِ... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: مَن عَبَدَ صَنَمًا، هَلْ يُعذَرُ بِتَأْوِيلٍ؟ هَلْ يُعذَرُ بِجَهلٍ؟، كُلُّنا نَقولُ {لا}، لِماذا؟، هذا أصلُ الدِّينِ، وسَبَبُ كُفرِه هو صَرفُ العِبادةِ لِغَيرِ اللهِ؛ الثانِي [يَعنِي العاذِرَ بِالجَهلِ] ما سَبَبُ كُفرِه؟، (مَن عَبَدَ الصَّنَمَ) و(مَن لم يُكَفِّرْه) بَيْنَهما فَرْقٌ، أنَا أقُولُ {الأوَّلُ كافِرٌ مُتَأَوِّلٌ جاهِلٌ}، كافِرٌ لِماذا؟، لِأنَّه وَقَعَ في سَبَبِ الكُفرِ (المَناطِ المُكَفِّرِ)، والذي هو عِبادةُ غَيرِ اللهِ، الثانِي [وهو العاذِرُ بِالجَهلِ]، أنَا أقُولُ {ما سَبَبُ كُفرِه؟}، هَلْ وَقَعَ في سَبَبٍ مُكَفِّرٍ (والذي هو عندي رَدُّ الحُكمِ الشَّرعِيِّ [بَعْدَ] أنْ يَعرِفَ أنَّ حُكمَ اللهِ فيه [أيْ في مُرتَكِبِ الشِّركِ] كُفْرٌ)، هذا هو دَلِيلُ الناقِضِ [يَعْنِي أنَّ هذا هو مَناطُ قاعِدةِ {مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ أو شَكَّ في كُفرِه أو صَحَّحَ مَذهَبَه فَقَدْ كَفَرَ}]، وكُلُّ مَن تَكَلَّمَ مِنَ الأوائلِ بِهذا [الناقِضِ] جَعَلوا هذا هو دَلِيلَهم [يَعنِي (هذا هو مَناطُ القاعِدةِ المَذكورةِ)]... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: نَقولُ {الذي يَسجُدُ لِصَنَمٍ ويَعبُدُ غَيْرَ اللهِ فَهو كافِرٌ مُشرِكٌ، جاهِلٌ أو مُتَأَوِّلٌ ما يُعذَرُ}، [وأمَّا] مَن لا يُكَفِّرُه نَقولُ {هُنا يُوجَدُ تَفصِيلٌ}، نحن نَقولُ ماذا؟، مَن لم يُكَفِّرِ المُشرِكِين فَهو كافِرٌ، وهذا بِالإجماعُ، لِأنَّه رَدَّ حُكمَ اللهِ، لَكِنْ سَأُنزِلُ هذا الحُكمَ على الأعيانِ، لا بُدَّ مِنَ التَّبَيُّنِ في حالِه [قالَ الشيخُ أحمدُ الحازمي في (شرح تحفة الطالب والجليس): المَسائلُ الخَفِيَّةُ التي هي كُفْرِيَّاتٌ، لا بُدَّ مِن إقامةِ الحُجَّةِ. انتهى]، هَلْ وَقَعَ في المَناطِ المُكَفِّرِ؟، يَعنِي هَلْ عَرَفَ [أيِ العاذِرُ بِالجَهلِ] أنَّ هذا [أيْ مُرتَكِبَ الشِّركِ الجاهِلَ المُنتَسِبَ لِلْإسلامِ] وَقَعَ في الكُفرِ، ثم عَرَفَ أنَّ حُكمَ اللهِ فيه الكُفرُ؟، إذا وَقَعَ في هذا المَناطِ يَتَرَتَّبُ عليه الكُفرُ، [لَكِنْ] إذا قالَ {لا، يا أخِي، الجَهلُ مانِعٌ شَرعِيٌّ، نَصَّ الشَّرعُ على أنَّه مانِعٌ}، قُلْنا، لا، لا بُدَّ [أيْ قَبْلَ تَكفِيرِه] مِن إقامةِ الحُجَّةِ وإزالةِ اللَّبْسِ، [وعلى ذلك] فَمِنَ الخَطَأِ أنْ يُقالَ أنَّه [أيِ العاذِرَ بِالجَهلِ] كافِرٌ مُطلَقًا، ومِثلُه [أيْ في الخَطَأِ] أنْ يُقالَ أنَّه لا يَكفُرُ مُطلَقًا، هو [أيِ العاذِرُ بِالجَهلِ] يَقولُ {اللهُ كَفَّرَ المُشرِكِين، هذا الرَّجُلُ وِقَعَ في الشِّركِ، لَكِنْ لِمانِعٍ شَرعِيٍ مَنَعَ مِن لُحوقِ الحُكمِ}، هو لا يَرُدُّ الحُكمَ الشَّرعِيَّ الذي هو تَكفِيرُ المُشرِكِين، هو أورَدَ مانِعًا يَستَنِدُ إلى شُبهةِ دَلِيلٍ، فَهذا يَحتاجُ إلى كَشفِ الشُّبهةِ وإزالةِ اللَّبْسِ... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: هو [أيِ العاذِرُ بِالجَهلِ] الآنَ يَقولُ {كَما يُعذَرُ بِالإكراهِ، مِثلَما يُعذَرُ بِالخَطَأِ، هو [أيْ مُرتَكِبُ الشِّركِ الجاهِلُ المُنتَسِبُ لِلْإسلامِ] مَعذورٌ بِالجَهلِ}، فالشُّبهةُ عنده في هذا البابِ في كَونِه [أيِ الجَهلِ] مانِعًا مِن مَوانعِ الأهلِيَّةِ، طَبْعًا هذا باطِلٌ، [ولَكِنَّ] هذه الشُّبهةَ تَجعَلُ المَناطَ غَيْرَ مُتَحقِّقٍ فِيه [أيْ في العاذِرِ] (وهو أنْ يَعرِفَ أنَّ حُكمَ اللهِ فِيه [أيْ في مُرتَكِبِ الشِّركِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ لِلْإسلامِ] كُفْرٌ، ويَمنَعُ منه)... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: مَن بَلَغَنا أنَّه يَعْذُرُ بِالجَهلِ في (أصلِ الدِّينِ)، فَهذا مُبتَدِعٌ ضالٌّ... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: نحن نَظَرْنا في المَناطاتِ [الأربَعةِ المُحتَمَلةِ]، ما وَجَدْنا فِيها شَيئًا مُنضَبِطًا إلَّا المَناطَ الأخِيرَ، [وَ]هو الذي أعمَلَه شَيخُ الإسلامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ، وقَبْلَه القاضِي عِيَاضٌ، وقَبْلَه أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ، ومعه الإمامُ الْبُخَارِيُّ، ومعه الإمامُ أحمَدُ... فَرَدَّ أحَدُ الإِخْوَةِ قائلًا: لو نحن أَقَمْنا الحُجَّةَ على (س) مِنَ الناسِ، كانَ يَعذُرُ بِالجَهلِ [أيْ في مَسائلِ الشِّركِ الأكبَرِ]، هذا الرَّجُلُ أُقِيمَتْ عليه الحُجَّةُ وأُزِيلَتْ عنه الشُّبَهُ، ثم أَصَّرَ على قَولِه، فَبِالإجماعِ يَكفُرُ، صَحِيحٌ؟... فَقالَ الشَّيخُ: نَعَمْ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ القحطاني-: هُنا مَسأَلةٌ مُهِمةٌ، قَضِيَّةُ كَيفِيَّةِ إقامةِ الحُجَّةِ، العُلَماءُ ذَكَروا هذه القَضِيَّةَ، إقامةُ الحُجَّةِ تَكونُ بِإزالة اللَّبْسِ وكَشفِ الشُّبهةِ، هَلْ يُمكِنُ أنْ تَظَلَّ هناك شُبْهةٌ قائمةٌ؟، نَعَمْ، يُمكِنُ أنْ تَظَلَّ هناك شُبْهةٌ قائمةٌ... فَرَدَّ أحَدُ الإِخْوَةِ قائلًا: وإذا ظَلَّتْ؟... فَقالَ الشَّيخُ: هنا يُرجَعُ إلى نَظَرِ المُفتِي، لا بُدَّ أنْ أنظُرَ في المُرَجِّحاتِ، هَلْ يَدُلُّ هذا على الإعراضِ؟، هَلْ يَظهَرُ منه حُكْمُ اللهِ فِيه ورَدُّه [أيْ هَلْ يَظهَرُ مِنَ العاذِرِ أنَّه (عَرَفَ حُكْمَ اللهِ في مُرتَكِبِ الشِّركِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ لِلْإسلامِ، ثم رَدَّه)]، ولِهذا الأئمَّةُ يَتَفاوَتون في تَكفِيرِ أعيَانِ مَن يَشتَرِطون إقامةَ الحُجَّةِ عليه، مِنهم مَن يَظهَرُ له أنَّ الحُجَّةَ فِيه (أيْ في المُعَيَّنِ) قائمةٌ، ومِنهم مَن لا يَظهَرُ [قالَ الشَّيخُ أبو بكر القحطاني في (شَرحُ قاعِدةِ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ"): لا بُدَّ أنْ تُقامَ الحُجَّةُ [أَيْ على عاذِرِ (المشرِكِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ)] ويُزالَ اللَّبسُ، تُكْشَفَ الشُّبهةُ حتى يَظْهَرَ المَناطُ فيه [أيْ في العاذِرِ]، ما هو المَناطُ؟، يَعنِي أنْ يَتَبَيَّنَ [أيْ للعاذِرِ] الحُكمُ الشَّرعِيُّ فيه [أَيْ في المشرِكِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ] ويَرُدَّه، أمَّا إذا ما يَزالُ هو يَرَى الحُكمَ الشَّرعِيَّ فيه هو عَدَمَ كُفرِه، فَهذا [العاذِرُ] لا يُكَفَّرُ إلَّا إذا ظَهَرَتْ عَلاماتٌ وسِيمَا وأحوالٌ تَدُلُّ على أنَّه مُعانِدٌ مُصِرٌّ مُستَكبِرٌ... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني: وهناك بَعضُ المَسائلِ، الحُجَّةُ فيها لا تَقومُ إلَّا بِمَجالِسَ طَوِيلةٍ وبِمُناظَراتٍ وبِكَشفِ شُبهةٍ وإزالةِ لَبسٍ. انتهى]... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: الذي عليه طَلَبةُ العِلْمِ الكِبارُ في هذه المَسأَلةِ [أيْ في حُكْمِ عاذِرِ المُشرِكِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ لِلْإسلامِ] يَرَوْنَ أنَّها مَسأَلةٌ مِمَّا يَخْفَى... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: الآنَ، المَسأَلةُ وَصَلَتْ [أيْ بِسَبَبِ خَفائها والجَهلِ بها] إلى أنَّ الإِخْوَةَ المُوَحِّدِين لا يُصَلِّي بَعضُهم خَلْفَ بَعضٍ، الإِخْوَةُ المُوَحِّدون يُكَفِّرُ بَعضُهم بَعضًا، المَسأَلةُ خَطِيرةٌ. انتهى باختصار. وقالَ الشَّيخُ أبو بكر القحطاني أيضًا في (شَرحُ قاعِدةِ "مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ"): {مَن لم يُكَفِّرِ المُشرِكِين أو شَكَّ في كُفرِهم أو صَحَّحَ مَذهَبَهم}، هذا ناقِضٌ مُجمَعٌ عليه في الجُملةِ، الآنَ نُرِيدُ أنْ نَعرِفَ (ما هو دَلِيلُ هذا الناقِضِ)، إنَّ هناك أدِلَّةً مُحتَمَلةً أنْ تَكونَ دَلِيلًا عليه، وقالَ بِها أُناسٌ؛ (أ)مِنهم مَن يَقولُ {إنَّ دَلِيلَ هذا الناقِضِ أنَّ مَن لم يُكَفِّرِ المُشرِكِين لم يَكفُرْ بِالطَّاغوتِ، ومَن لم يَكفُرْ بِالطَّاغوتِ لم يَصِحَّ إسلامُه، واللهُ عَزَّ وجَلَّ يَقولُ (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ)، وصِفةُ الكُفرِ بِالطَّاغوتِ هي تَكفِيرُ المُشرِكِين، وإذا لم يُكَفِّرِ المُشرِكِين لم يَكفُرْ بِالطَّاغوتِ}، مِنَ النَّاسِ مَن يَجعَلُ هذا دَلِيلًا، وهو مُحتَمَلٌ؛ (ب)مِنهم مَن يَقولُ {لا، بَلْ له مَناطٌ آخَرُ، وهو أنَّ هذا الذي لا يُكَفِّرُ المُشرِكَ هو جاهِلٌ بِالتَّوحِيدِ، والذي يَجْهَلُ التَّوحِيدَ لم يَدخُلِ الإسلامَ أصلًا}، هذا مَناطٌ آخَرُ وهو مُحتَمَلٌ؛ (ت)مَناطٌ ثالِثٌ، مِنهم مَن يَقولُ {إنَّ هذا الذي لا يُكَفِّرُ المُشرِكَ يَعتَقِدُه مُسلِمًا، ولا شَكَّ أنَّه إذا كانَ يَعتَقِدُه مُسلِمًا فَإنَّه يُوالِيه فَيَدخُلُ في كُفرِ المُوالاةِ، لِأنَّه لا شَكَّ أنَّ أيَّ مُسلِمٍ لا بُدَّ أنْ يُوالِيَ المُسلِمَ ولو بِأدنَى صُوَرِ المُوالاةِ وبِأدنَى شُعَبِها، فَإذا كانَ يُوالِي هذا الكافِرَ فَإنَّه يَدخُلُ في قَولِ اللهِ (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)}، هذا مَناطٌ ثالِثٌ مُحتَمَلٌ؛ (ث)الرابِعُ، مِنهم مَن يَقولُ {إنَّ هذا تَسمِيَةٌ لِلشِّركِ إسلامًا، وهذا مُخالِفٌ لِوَضعِ الشَّرِيعةِ وتَسمِيَتِه، يَعنِي اللهُ يُسَمِّيه كَذا وأنتَ تُسَمِّيه بِخِلافِ اِسْمِه، فَإنَّك تَكفُرُ بِذلك}؛ (ج)المَناطُ الخامِسُ المُحتَمَلُ هو أنَّ الذي لا يُكَفِّرُ المُشرِكِين هو رادٌّ لِحُكمِ اللهِ فِيهم وجاحِدٌ له، وإذا كانَ رادًّا وجاحِدًا فَإنَّه يَكفُرُ؛ إذًا معنا الآنَ خَمسُ مَناطاتٍ، مِن أينَ أتَيتُ بِهذه المَناطاتِ؟، نحن حِينَما نَظَرْنا لِكُلِّ ما يَحتَجُّ بِه المُخالِفُ ما وجَدْناهم [أيِ الذِين يُكَفِّرون عاذِرَ المُشرِكِ الجاهِلِ المُنتَسِبِ قَبْلَ إقامةِ الحُجَّةِ، والبَيَانِ الذي تَزُولُ معه الشُّبهةُ] يَخرُجون عن هذه الأوصافِ [وهي المَناطاتُ الخَمسُ السابِقُ بَيَانُها]، قالَ أهلُ العِلْمِ {ويَكفِي في الاستِقراءِ غَلَبةُ الظَّنِّ}، [ونحن] ما نَعرِفُ أنَّ هناك مَناطًا يَبنون عليه حُكمًا [يَعنِي الحُكمَ بِتَكفِيرِ العاذِرِ] غَيْرَ هذه المَناطاتِ التي أورَدْناها، ومِن خِلالِ المُشاهَدةِ والتَّجرُبةِ والمُحاوَرةِ والمُناظَرةِ خَلَصْنا إلى هذا... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: الذي يَصرِفُ عِبادةً مِن أنواعِ العِباداتِ لِلطَّاغوتِ، كَأَنْ يَدعُوَه أو يَستَغِيثُ بِه، هَلْ دَلَّتِ الأدِلَّةُ على كُفرِ هذا؟، القُرآنُ كُلُّه أتَى بِهذا {وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ، إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} وغَيرُها مِنَ الآيَاتِ التي تُبَيِّنُ كُفرَ وشِركَ مَن يَصرِفُ عِبادةً إلى الطاغوتِ، فَهذا يَدُلُّ على أنَّ الذي يَصرِفُ له نَوعًا مِن أنواعِ العِبادةِ لم يَجتَنِبْه ولم يَكفُرْ بِه... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: الذي يَتَحاكَمُ إليه [أيْ إلى الطَّاغوتِ]، هَلِ اِجتَنَبَ الطَّاغوتَ؟، لم يَجتَنِبِ الطَّاغوتَ، وجاءَتِ النُّصوصُ القُرآنِيَّةُ طافِحةً بِهذا {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ}، إذًا التَّحاكُمُ إلى الطَّاغوتِ هو ضِدُّ الكُفرِ بِه، ثم اِستَدِلَّ بِما شِئتَ مِنَ الآيَاتِ الوارِدةِ في كُفرِ المُتَحاكِمِ إلى غَيرِ شَرِيعةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ [وهي] كَثِيرةٌ {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}، الآيَاتُ واضِحةٌ ظاهِرةٌ، الذي يَتَوَجَّهُ [أيْ إلى الطَّاغوتِ] بِعِبادةٍ، والذي يَتَحاكَمُ إلى الطَّاغوتِ، لم يَكفُرْ بِه [أيْ بِالطَّاغوتِ] بِنَصِّ القُرآنِ... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: والذي يُناصِرُ الطَّاغوتَ {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ}؟، هذا الذي يُقاتِلُ في سَبِيلِه [أيْ في سَبِيلِ الطَّاغوتِ] وفي نُصرَتِه، هَلْ كَفَرَ بِالطَّاغوتِ؟، لم يَكفُرْ بِالطَّاغوتِ، لِأنَّه مُقاتِلٌ في نُصرَتِه وفي سَبِيلِه، إذًا الذي يَصرِفُ لَه [أيْ لِلطَّاغوتِ] عِبادةً، الذي يَتَحاكَمُ إليه، الذي يُناصِرُه، كُلُّ هؤلاء نَصَّ اللهُ عَزَّ وجلَّ عليهم في الكُفرِ، لِماذا؟، لِأنَّهم لم يَجتَنِبوا عِبادتَه [أيْ عِبادةَ الطَّاغوتِ]، فَهو لم يَدخُلْ في مَعْنَى {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا}... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: اِجتِنابُ الطَّاغوتِ التي نَصَّ الشَّرعُ عليها هي قَضِيَّةُ (العِبادةِ، التَّحاكُمِ، النُّصرةِ)... ثم قالَ -أيِ الشَّيخُ القحطاني-: إنَّ تَكفِيرَ أعيَانِ المُشرِكِين ليس رُكنًا في الكُفرِ بِالطَّاغوتِ أو شَرطًا له [أيْ لِصِحَّتِه]، ولَكِنَّه مِن لَوازِمِه وواجِباتِه كَما حَكَى اللهُ عَزَّ وجَلَّ عن أنبِيائه، ورَسولِه وأصحابِه، تَكفِيرَهم [أيْ تَكفِيرَ أعيَانِ المُشرِكِين] والبَراءةَ مِنهم ومُعاداتَهم، لا شكَّ أنَّه [أيْ تَكفِيرَ أعيَانِ المُشرِكِين] مِن تَمامِ الكُفرِ بِالطَّاغوتِ. انتهى باختصار.

 

(8)وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (المباحث المشرقية "الجزء الأول"): ... والصَّوابُ أنَّ كُفرَ الثانِي [يَعنِي المُشرِكَ الجاهِلَ المُنتَسِبَ لِلإسلامِ] نَقضٌ لِأصلِ الدِّينِ الذي هو إفرادُ اللهِ بِالأُلوهِيَّةِ والكُفرُ بِما سِوَاه، ولا عُذرَ لِأحَدٍ فِيه، فَمَن عَبَدَ مَخلوقًا فَهو كافِرٌ جاهِلًا كانَ أو مُعانِدًا؛ أمَّا كُفْرُ العاذِرِ فَمِن بابِ كُفرِ التَّكذِيبِ أو الجُحودِ، لِأنَّ تَكفِيرَ المُشرِكِ مَعلومٌ مِنَ الدِّينِ ضَرورةً، والمُمتَنِعُ مِنَ الإكفارِ مُكَذِّبٌ لِأخبارِ الشارِعِ؛ وعلى هذا التَّفرِيقِ بَيْنَ الأمْرَين جَرَى أهلُ العِلْمِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: أمَا نَوعُ كُفرِ مَن لم يُكَفِّرْهم [أيْ لم يُكَفِّرِ المُشرِكِين الجاهِلِين المُنتَسِبِين لِلإسلامِ] فَهو مِن بابِ التَّكذِيبِ لِأخبارِ اللهِ ورُسُلِه، لِأنَّ مِن حَكَمَ بِأَسلَمةِ عُبَّادِ الأوثانِ فَهو مُكَذِّبٌ لِخَبَرِ اللهِ ورُسُلِه في تَكفِيرِ المُشرِكِين، ومَن كَذَّبَ أخبارَ اللهِ والرُّسُلِ فَهو كافِرٌ قَطعًا، والعُلَماءُ رَدُّوا هذا الكُفرَ إلى نَوعِ التَّكذِيبِ لِأخبارِ اللهِ ورُسُلِه. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (الجَوابُ المَسبوكُ "المَجموعةُ الأُولَى"): تَكفِيرُ المُشرِكِين ليس شَرطًا لِصِحَّةِ الإيمانِ والإسلامِ، بَلْ هو مِنَ الواجِباتِ الضَّرورِيَّةِ بَعْدَ ثُبوتِ أصلِ الإسلامِ لِلْمُكَلَّفِ، وإلَّا لَبَيَّنَه الرَّسولُ عليه السَّلامُ كَشَرطٍ لِصِحَّةِ الإيمانِ في أَوَّلِ عَرضِ الدَّعوةِ المُحَمَّدِيَّةِ على الناسِ وعندما كانَ يُنادِي بِأعلَى صَوتِه {أَيُّهَا النَّاسُ، قُولُوا (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) تُفْلِحُوا}، فَمَن أتَى بِهذه الكَلِمةِ [أيْ بِقَولِ (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)،] فَقَدْ أفلَحَ إلَّا أْن يَظْهَرَ مِنه خِلافُ ذلك، نَعَمْ، تَكفِيرُ المُشرِكِين مِن حيث الجُملةُ واجِبٌ مَعلومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرورةِ، وليس مِن أصلِ الدِّينِ [الذي] لا يَصِحُّ الإسلامُ إلَّا بِه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: وفي المَسائلِ المَعلومةِ بِالضَّرورةِ (المَسائلِ الظاهِرةِ)، كَوُجوبِ الصَّلاةِ والزَّكاةِ والصَّومِ والحَجِّ والجِهادِ والأمْرِ بِالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ، ووُجوبِ تَكفِيرِ المُشرِكِين [أيْ مِن حيث الجُملةُ]، وتَحرِيمِ الخَمرِ والرِّبا والزِّنَا، يُكَفَّرُ المُتَمَكِّنُ مِنَ العِلْمِ، ولا يُكَفَّرُ الجاهِلُ غَيرُ المُقَصِّرِ؛ وأمَّا أصلُ الدِّينِ (الذي هو إفرادُ اللهِ بِالأُلوهِيَّةِ والكُفْرُ بِما يُعبَدُ مِن دُونِ اللهِ) فَلا عُذرَ فِيه لِأحَدٍ مِنَ الناسِ، فَمَن عَبَدَ غَيْرَ اللهِ فَهو كافِرٌ جاهِلًا كانَ أو مُعانِدًا... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: أمَّا نَوعُ هذا الكُفرِ [أيْ كُفرِ مَن لم يُكَفِّرِ المُشرِكَ] فَهو مِن بابِ التَّكذِيبِ بِاللَّهِ وبِرُسُلِه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الحُكْمُ بِالإيمانِ والكُفرِ على الشَّخصِ بِظاهِرِ فِعْلِه وقَولِه أمْرٌ مَقطوعٌ بِه في الكِتابِ والسُّنَّةِ وإجماعِ العُلَماءِ، قالَ أبو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ [فِي (الْمُوَافَقَاتِ)] {أَصْلَ الْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ مَقْطُوعٌ بِهِ فِي الاعْتِقَادِ فِي الْغَيْرِ، فَإِنَّ سَيِّدَ الْبَشَرِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ إِعْلَامِهِ بِالْوَحْيِ يُجْرِي الأُمُورَ عَلَى ظَوَاهِرِهَا فِي الْمُنَافِقِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَإِنْ عَلِمَ بَوَاطِنَ أَحْوَالِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ [أيِ العِلمُ بِبَوَاطِنِ الْمُنَافِقِينَ بِواسِطةِ الوَحْيِ] بِمُخْرِجِهِ عَنْ جَرَيَانِ الظَّوَاهِرِ عَلَى مَا جَرَتْ عَلَيْهِ}، وأعمالُ الجوارِحِ تُعرِبُ عَمَّا في الضَّمائرِ، والأصلُ مُطابَقةُ الظاهِرِ لِلْباطِنِ، ولم نُؤْمَرْ أنْ نُنَقِّبَ عنِ القُلوبِ ولا أنْ نَشُقَّ البُطونَ، لا في بابِ الإيمانِ ولا في بابِ الكُفرِ، بَلْ نَكِلُ ما غابَ عَنَّا إلى عَلَّامِ الغُيوبِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ قَصْدَ اللَّفظِ الظاهِرِ يَتَضَمَّنُ قَصْدَ مَعْنَى اللَّفظِ وحَقِيقَتِه، إلَّا أنْ يُعارِضَه قَصدٌ آخَرُ مُعتَبَرٌ شَرعًا كالإكراهِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: أجمَعَ العُلَماءُ على أنَّ الأصلَ في الكَلامِ حَمْلُه على ظاهِرِ مَعناه ما لم يَتَعَذَّرِ الحَمْلُ لِدَلِيلٍ يُوجِبُ الصَّرْفَ، لِأنَّنا مُتَعَبَّدون بِاعتِقادِ الظاهِرِ مِن كَلامِ اللهِ وكَلامِ رَسولِه وكَلامِ الناسِ؛ قالَ أمِيرُ المُؤمِنِين عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ {إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدِ اِنْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ [أَيْ أَصْبَحَ في أَمَانٍ، وصارَ عندنا أَمِينًا] وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ} وفي رِوايَةٍ {أَلَا وَإِنَّ النَّبِيَّ قَدِ انْطَلَقَ، وَقَدِ انْقَطَعَ الْوَحْيُ، وَإِنَّمَا نَعْرِفُكُمْ بِمَا نَقُولُ لَكُمْ (مَنْ أَظْهَرَ مِنْكُمْ خَيْرًا ظَنَنَّا بِهِ خَيْرًا وَأَحْبَبْنَاهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا شَرًّا ظَنَنَّا بِهِ شَرًّا، وَأَبْغَضْنَاهُ عَلَيْهِ، سَرَائِرُكُمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ)}؛ وقالَ الإمامُ اِبْنُ الْقَيِّمِ [في (إعْلَامُ الْمُوَقِّعِينَ)] {هَذَا شَأْنُ عَامَّةِ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَفْهُومِ مِنْهُ عِنْدَ الإطْلَاقِ، لَا سِيَّمَا الأحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي عَلَّقَ الشَّارِعُ بِهَا أَحْكَامَهَا، فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْصِدَ بِتِلْكَ الألْفَاظِ مَعَانِيَهَا، وَالْمُسْتَمِعُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَهَا عَلَى تِلْكَ الْمَعَانِي، فَإِنْ لَمْ يَقْصِدِ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ مَعَانِيَهَا بَلْ تَكَلَّمَ بِهَا غَيْرَ قَاصِدٍ لِمَعَانِيهَا أَوْ قَاصِدًا لِغَيْرِهَا أَبْطَلَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ قَصْدَهُ، فَإِنْ كَانَ هَازِلًا أَوْ لَاعِبًا لَمْ يَقْصِدِ الْمَعْنَى أَلْزَمَهُ الشَّارِعُ الْمَعْنَى كَمَنْ هَزَلَ بِالْكُفْرِ وَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ، بَلْ لَوْ تَكَلَّمَ الْكَافِرُ بِكَلِمَةِ الإسْلَامِ هَازِلًا أُلْزِمَ بِهِ وَجَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامه ظَاهِرًا}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الأصلُ فِيمن أظهَرَ الكُفرَ أنَّه كافِرٌ رَبْطًا لِلْحُكمِ بِسَبَبِه وهو أصلٌ مُتَّفَقٌ عليه، قالَ الإمامُ الْقَرَافِيُّ (ت684هـ) [في (شرح تنقيح الفصول)] {القاعِدةُ أنَّ النِّيَّةَ إنَّما يُحتاجُ إليها إذا كانَ اللَّفظُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الإفادةِ وعَدَمِها، أمَّا ما يُفِيدُ مَعْناه أو مُقتَضاه -قَطعًا أو ظاهِرًا- فَلا يُحتاجُ لِلنِّيَّةِ، ولِذلك أجمَعَ الفُقَهاءُ على أنَّ صَرائحَ الألفاظِ لا تَحتاجُ إلى نِيَّةٍ لِدَلالَتِها إمَّا قَطعًا، أو ظاهِرًا (وهو الأكثَرُ)... والمُعتَمَدُ في ذلك كُلِّه أنَّ الظُّهورَ مُغْنٍ عنِ القَصدِ والتَّعيِينِ}، وقالَ اِبْنُ حَجَرٍ الفَقِيهُ [يَعنِي (الْهَيْتَمِيَّ) في (الإعلام بقواطع الإسلام)] {... هذا اللَّفظُ ظاهِرٌ في الكُفرِ، وعند ظُهورِ اللَّفظ فِيه [أيْ في الكُفرِ] لا يُحتاجُ إلى نِيَّةٍ، كَما عُلِمَ مِن فُروعٍ كَثِيرةٍ مَرَّتْ وتَأْتِي}، إذْ مَناطُ الحُكمِ هُنا قَصدُ فِعْلِ السَّبَبِ وتَرَتُّبُ الحُكمِ على سَبَبِه، فَإذا أتَى المُكَلَّفُ بِالسَّبَبِ قَصدًا [فَخَرَجَ بِذلك ما كانَ مِن سَبْقِ لِسَانٍ] واختِيَارًا [فَخَرَجَ بِذلك المُكْرَهُ] لَزِمَه حُكْمُه شاءَ أَمْ أَبَى... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: الأصلُ تَرَتُّبُ المُسَبَّبِ على سَبَبِه، وتَرتِيبُ الأحكامِ على الأسبابِ لِلشَّارِعِ لا لِلْمُكَلَّفِ، فَإذا أتَى المُكَلَّفُ بِالسَّبَبِ لَزِمَه حُكْمُه شاءَ أَمْ أَبَى، قالَ الإمامُ الْقَرَافِيُّ [في (الذَّخِيرَةُ في فُروعِ المالِكِيَّةِ)] {وَلَيْسَ لِلْمُكَلَّفِ خِيَرَةٌ فِي إِبْطَالِ الأسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَا فِي اِقْتِطَاعِ مُسَبَّبَاتِهَا [أيْ أحكامِها]}، وقالَ شَيخُ الإسلامِ [في (الفتاوى الكبرى)] في تَكفِيرِ الهازِلِ {وَتَرَتُّبُ الأحْكَامِ عَلَى الأسْبَابِ لِلشَّارِع}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: هناك شُروطٌ أجمَعَ الناسُ على مُراعاتِها في بابِ التَّكفِيرِ، وهي العَقلُ، والاختِيارُ (الطَّوعُ)، وقَصدُ الفِعلِ والقَولِ؛ وهناك مَوانِعُ مِن التَّكفِيرِ مُجمَعٌ عليها، وهي عَدَمُ العَقلِ، والإكراهُ، وانتِفاءُ القَصدِ؛ وهناك شُروطٌ اُختُلِفَ في مُراعاتِها، كالبُلوغِ، والصَّحوِ؛ ومَوانِعُ تَنازَعَ الناسُ فيها، كَعَدَمِ البُلوغِ، والسُّكْرِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: قالَ [النَّوَوِيُّ في (رَوْضَةُ الطَّالِبِينَ)] {لَا تُقْبَلُ دَعْوَى سَبْقِ اللِّسَانِ فِي الظَّاهِرِ إِلَّا إِذَا وُجِدَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ}، والمَذاهِبُ الأُخرَى لا تُخالِفُ في قُبولِ دَعْوَى السَّبْقِ عند وُجودِ القَرائنِ. انتهى باختصار. وقالَ الشَّيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (إسعافُ السائلِ بِأَجوِبةِ المَسائلِ): إنَّ مَسأَلةَ الحُكمِ على الأعيَانِ والطَّوائفِ تَقبَلُ الخِلافَ السائغَ بَعْدَ الاتِّفاقِ على مَأْخَذِ التَّكفِيرِ، خِلافًا لِمَا يَظهَرُ مِن مَقالِ وحالِ شُيوخِ مُكافَحةِ الإرهابِ... ثم قالَ -أَيِ الشَّيخُ الصومالي-: إنَّ الحُكمَ على الأعيَانِ مِن مَوارِدِ الاجتِهادِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ الحُكمَ على الأشخاصِ مَسأَلةُ اِجتِهادٍ تَعتَمِدُ على المَعلوماتِ المُتَوِّفَّرةِ لَدَى المُكَفِّرِ، أخطَأَ أمْ أصابَ، فَقَدْ حَكَم عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ بِكُفرِ حاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، ومُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِنِفاقِ الأنصارِيِّ الذي قَطَعَ صَلاتَه [جاءَ في المَوسوعةِ الحَدِيثِيَّةِ (إعداد مجموعة من الباحثين، بإشراف الشيخ عَلوي بن عبدالقادر السَّقَّاف): يُخبِرُ جابِرُ بنُ عَبدِاللهِ رضِيَ اللهُ عنهما أنَّ مُعاذًا رَضِيَ اللهُ عنه صَلَّى بِهم يَومًا، فَقَرَأَ بِهِم سُورةَ البَقَرةِ، فتَجَوَّزَ رَجُلٌ -قِيلَ {هو حَزْمُ بْنُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ}، وقِيلَ غَيرُ ذلك- فَصَلَّى مُنفرِدًا صَلاةً خَفِيفةً (بِأَنْ قَطَعَ الصَّلاةَ، أو قَطَعَ القُدوةَ بِمُعاذٍ رضِيَ اللهُ عنه وأكمَلَ مُنفَرِدًا)، فَبَلَغَ ذلك مُعاذًا رَضِيَ اللهُ عنه، فَقالَ {إنَّهُ مُنافِقٌ}. انتهى] لَمَّا أطالَ عليه، وأُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ بِنِفاقِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وقَتَلَ أُسامةُ [بنُ زَيدٍ] الرَّجُلَ الذي أسلَمَ مُتَأَوِّلًا، وكَفَّرَ جَماعةٌ مِنَ التابِعِين الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ مِثلُ طَاوُسِ بْنِ كِيسَانَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ والشَّعْبِيِّ ومُجَاهِدٍ وغَيرِهم، وحَكَمَ جُمهورُ المالِكِيَّةِ بِكُفرِ المَلِكِ الْمُعْتَمِدِ بْنِ عَبَّادٍ آخِرِ مُلوكِ الدَّولةِ العَبَّادِيَّةِ، وكَفَّرَ الشَّيخُ عَبدُالرحمن بْنُ حسن [هو الشَّيخُ عبدُالرحمن بنُ حسن بن محمد بن عبدالوهاب، المُلَقَّبُ بِـ (المُجَدِّدِ الثانِي)] الطائفةَ الأشعَرِيَّةَ في عَهدِه، وكَفَّرَ أئمَّةُ الدَّعوةِ النَّجدِيَّةِ الدَّولةَ العُثمانِيَّةَ في عَهدِها الأخِيرِ، وحَكَمَ الشَّيخُ عُثْمَانُ بْنُ فُودُي [ت1232هـ] بِكُفرِ مُلوكِ هَوْسَا [بِلادُ الهَوْسَا تَشمَلُ ما يُعرَفُ الآنَ بِشَمالِ نَيْجِيرْيَا وجُزْءًا مِن جُمهورِيَّةِ النَّيجَرِ]، وحَكَمَ أئمَّةُ الدَّعوةِ النَّجدِيَّةِ بِكُفرِ القَبائلِ التي لم تَقبَلْ دَعوةَ التَّوحِيدِ (إمَّا بِكُفرٍ أصلِيٍّ أو بِرِدَّةٍ، على خِلافٍ بَيْنَهم)، وقَضَى كَثيِرٌ مِن أهل العِلْمِ بِكُفرِ الدُّوَلِ المُحَكِّمةِ لِلْقَوانِينِ الوَضعِيَّةِ وإنْ كانَتْ مُنتَسبةً لِلإسلامِ، وحَكَمَ العُلَماءُ بِكُفرِ الحبيب بورقيبة [الذي حَكَمَ تُونِسَ] وجمال عبدالناصر [الذي حَكَمَ مِصْرَ] والنميري [الذي حَكَمَ السُّودانَ] وحافظ الأسد [الذي حَكَمَ سُورِيَا] وصَدَّام حسين [الذي حَكَمَ العراقَ] ومعمر القذافي [الذي حَكَمَ لِيبْيَا]، وحُكومةِ عَدَنَ اليَمَنِيَّةِ، وحَكَمَ الشَّيخُ اِبنُ باز بِكُفرِ روجي جارودي الفَرَنْسِيِّ، إلى أمثِلةٍ لا يَحصُرُها العَدُّ والإحصاءُ، فَلَمْ أرَ مَن يَنسِبُ المُكَفِّرَ إلى بِدعةِ الغُلُوِّ مِمَّن يُعتَدُّ بِقَولِه بِسَبَبِ الخِلافِ في الحُكمِ على الأعيَانِ، كَما هي قاعِدةُ شُيوخِ مُكافَحةِ الإرهابِ فَتَراهم يَقولون {فُلانُ بنُ فُلانٍ تَكفِيرِيٌّ، لِأنَّه كَفَّرَ الشَّيخَ الفُلانِيَّ} و{هذا تَكفِيرِيٌّ لِأنَّه كَفَّرَ الطائفةَ الفُلانِيَّةَ}، رَغْمَ مَعرِفَتِهم بِأَنَّ التَّكفِيرَ حُكْمٌ شَرعِيٌّ يَعودُ إلى مَناطِه لا إلى الأشخاصِ والطَّوائفِ... ثم قالَ -أَيِ الشَّيخُ الصومالي-: والمَقصودُ هنا أنَّ اِختِلافَ الناسِ في الحُكمِ على الأعيَانِ بَعْدَ الاتِّفاقِ على الأُصولِ في الكُفرِ والتَّكفِيرِ سائغٌ، فَلا يَنبَغِي التَّجَنِّي على الغَيرِ بِسَبَبِه، نَظَرًا لِاختِلافِهم في بَعضِ مَوانِعِ التَّكفِيرِ؛ هذا، وقد تَختَلِفُ الأنظارُ في تَحقِيقِ مَناطِ التَّكفِيرِ في المُعَيَّنِ؛ وعَهدِي بِشُيوخِ مُكافَحةِ الإرهابِ الرَّمْيُ بِبِدعةِ التَّكفِيرِ كُلَّما خُولِفوا في التَّطبِيقِ لا في التَّأصِيلِ. انتهى باختصار. وقالَ الشَّيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (التنبيهاتُ على ما في الإشارات والدلائل من الأغلوطات): ضابِطُ قِيامِ الحُجَّةِ على المُكَلَّفِ هو تَمَكُّنُه مِنَ العِلْمِ لا حَقِيقةُ بُلوغِ العِلْمِ، وجَمِيعُ النُّصوصِ الدَّالةِ على الأحوالِ التي يُعذَرُ فيها بِالجَهلِ والتي لا يُعذَرُ فيها، كُلُّ هذه يَجمَعُها ضابِطٌ واحِدٌ، وهو التَّمَكُّنُ مِنَ العِلْمِ أو عَدَمُه، لَكِنَّه [أيْ لَكِنَّ هذا الضابِطَ] لَمَّا كانَ في الغالِبِ غَيرَ مُنضَبِطٍ أو خَفِيًّا بِالنِّسبةِ لِلأعيانِ [أيْ بِالنِّسبةِ لِمَعرِفةِ تَحَقُّقِه في الأعيانِ] أناطَ الفُقَهاءُ الحُكمَ بِمَناطاتٍ ظاهِرةٍ مُنضَبِطةٍ في الأغلَبِ مِثْلِ {قِدَمُ الإسلامِ في دارِ إسلامٍ في المَسائلِ الظاهِرةِ مَظَنَّةٌ لِقِيامِ الحُجَّةِ وتَحَقُّقِ المَناطِ}، ولِهذا يَقولُ العُلَماءُ {إنَّه لا عُذرَ بِالجَهلِ لِلمُقِيمِ في دارِ الإسلامِ لِأنَّها مَظَنَّةٌ لِانتِشارِ العِلْمِ وأنَّ المُكَلَّفَ يَتَمَكَّنُ مِن عِلْمِ ما يَجِبُ عليه فيها}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: حَداثةُ الإسلامِ أو عَدَمُ مُخالَطةِ المُسلِمِين (مِثْلُ مَن نَشَأَ في بادِيَةٍ بَعِيدةٍ أو في شاهِقِ جَبَلٍ أو في دارِ كُفرٍ) مَظَنَّةٌ لِعَدَمِ قِيامِ الحُجَّةِ وتَحَقُّقِ المَناطِ في المَسائلِ الظاهِرةِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ مِن أُصولِ الشَّرِيعةِ الإسلامِيَّةِ أنَّ الحِكمةَ إذا كانَتْ خَفِيَّةً أو مُنتَشِرةً [أيْ غَيرَ مُنضَبِطةٍ] يُناطُ الحُكْمُ بِالوَصفِ الظاهِرِ المُنضَبِطِ، والضابِطُ الذي يَحكُمُ كُلَّ الصُّوَرِ [المُتَعَلِّقةِ بِقِيامِ الحُجَّةِ على المُكَلَّفِ] هو التَّمَكُّنُ مِنَ العِلْمِ أو عَدَمُه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: المَسائلُ الخَفِيَّةُ التي يَخفَى عِلْمُها على كَثِيرٍ مِنَ المُسلِمِين لا يَكفُرُ فيها إلَّا المُعانِدُ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: وقد تَختَلِفُ أنظارُ الباحِثِين في تَقيِيمِ بَلَدٍ أو طائفةٍ بِالنِّسبةِ لِهذا المَناطِ [وهو التَّمَكُّنُ مِنَ العِلْمِ أو عَدَمُه]... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: ومِمَّا يَنبَغِي التَّنبِيهُ عليه أنَّ هذا المَناطَ إذا تَحَقَّقَ [يَعنِي (إذا تَحَقَّقَ التَّمَكُّنُ مِنَ العِلْمِ)] لا يَتَأثَّرُ بِحُكمِ الدارِ كُفرًا أو إسلامًا، لِأنَّ مَناطَ الحُكمِ على الدَّارِ راجِعٌ عند الجَمهورِ إلى الأحكامِ المُطَبَّقةِ فيها والمُنَفِّذِ لها، بينما يَعودُ مَناطُ العُذرِ بِالجَهلِ وعَدَمِ العُذرِ إلى التَّمَكُّنِ مِنَ العِلْمِ أو العَجزِ عنه... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ لِلنَّاسِ في التَّكفِيرِ مَذاهِبَ وطَرائقَ مُختَلِفةً، وكُلٌّ يَعزُو نِحْلَتَه إلى السَّلَفِ كَيْ لا يُنسَبَ إلى الإحداثِ والبِدعةِ، فَعَلَى الطالِبِ أنْ يَأْخُذَ حَذَرَه مِن تلك المَذاهِبِ المَعزُوَّةِ إلى السَّلَفِ الصالِحِ في مَسائلِ الكُفرِ والإيمانِ... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ الاتِّفاقَ على مَأْخَذِ التَّكفِيرِ يَمنَعُ رَمْيَ المُخالِفِ بِبِدعةِ التَّكفِيرِ مِن أجلِ الاختِلافِ في الفَرعِ ([أَعْنِي] الحُكمَ على الأعيَانِ)... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الصومالي-: إنَّ الاختِلافَ في الأحكامِ مع الاتِّفاقِ على مَأْخَذِ التَّكفِيرِ لا يُسَوِّغُ رَمْيَ المُخالِفِ بِبِدعةِ التَّكفِيرِ. انتهى باختصار.

 

(9)وجاءَ في كِتابِ (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) أنَّ اللَّجنةَ (عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود) قالَتْ: ومَن نَظَرَ في البِلادِ التي اِنتَشَرَ فيها الإسلامُ وَجَدَ مَن يَعيِشُ فيها يَتَجاذَبُه فَرِيقان، فَرِيقٌ يَدعو إلى البِدَعِ على اِختِلافِ أنواعِها (شِركِيَّةٍ وغَيرِ شِركِيَّةٍ)، ويُلَبِّسُ على الناسِ ويُزَيِّنُ لَهم بِدعَتَه بِما اِستَطاعَ مِن أحادِيثَ لا تَصِحُّ وقِصَصٍ عَجِيبةٍ غَرِيبةٍ، يُورِدُها بِأُسلوبٍ شَيِّقٍ جَذَّابٍ، وفَرِيقٌ يَدعو إلى الحَقِّ والهُدَى، ويُقِيمُ على ذلك الأدِلَّةَ مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ، ويُبَيِّنُ بُطلانَ ما دَعا إليه الفَرِيقُ الآخَرُ وما فيه مِن زَيفٍ، فَكانَ في بَلاغِ هذا الفَرِيقِ وبَيَانِه الكِفايَةُ في إقامةِ الحُجَّةِ، وإنْ قَلَّ عدَدُهم فَإنَّ العِبرةَ بِبِيَانِ الحَقِّ بِدَلِيلِه لا بِكَثرةِ العَدَدِ، فَمَن كانَ عاقِلًا وعاشَ في مِثْلِ هذه البِلادِ واستَطاعَ أنْ يَعرِفَ الحَقَّ مِن أهلِه إذا جَدَّ في طَلَبِه وسَلِمَ مِنَ الهَوَى والعَصَبِيَّةِ، ولم يَغتَرَّ بِغِنَى الأغنِيَاءِ ولا بِسِيَادةِ الزُّعَماءِ ولا بِوَجاهةِ الوُجَهاءِ، ولا اِختَلَّ مِيزانُ تَفكِيرِه، [لم يَكُنْ] مِنَ الذِين قالَ اللهُ فيهم {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا، خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا، لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا، يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا، وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا، رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}... ثم قالَتْ -أيِ اللَّجنةُ-: لا يَجوزُ لِطائفةِ المُوَحِّدِين الذِين يَعتَقِدون كُفرَ عُبَّادِ القُبورِ أنْ يُكَفِّروا إخوانَهم المُوَحِّدِين الذِين تَوَقَّفوا في كُفرِهم [أيْ في كُفرِ عُبَّادِ القُبورِ] حتى تُقامَ عليهم [أيْ على عُبَّادِ القُبورِ] الحُجَّةُ، لِأنَّ تَوَقُّفَهم عن تَكفِيرِهم له شُبْهةٌ وهي اِعتِقادُهم أنَّه لا بُدَّ مِن إقامةِ الحُجَّةِ على أُولَئك القُبورِيِّين قَبْلَ تَكفِيرِهم، بِخِلافِ مَن لا شُبْهةَ في كُفرِه كاليَهودِ والنَّصارَى والشُّيوعِيِّين وأشباهِهم فَهؤلاء لا شُبْهةَ في كُفرِهم ولا في كُفرِ مَن لم يُكَفِّرْهم. انتهى باختصار. وجاءَ أيضًا في كِتابِ (فتاوى اللجنة الدائمة) أنَّ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإِفتاء ((عبدالعزيز بن عبدالله بن باز وعبدالرزاق عفيفي وعبدالله بن غديان وعبدالله بن قعود) سُئلَتْ {نُرِيدُ مَعرِفةَ حُكمَ مَن لم يُكَفِّرِ الكافِرَ؟}، فأجابَتِ اللَّجنةُ: مَن ثَبَتَ كُفرُه وَجَبَ اِعتِقادُ كُفرِه والحُكْمُ عليه به، وإقامةُ وَلِيِّ الأمرِ حَدَّ الرِّدَّةِ عليه إنْ لم يَتُبْ، ومَن لم يُكَفِّرْ مَن ثَبَتَ كُفْرُه فَهو كافِرٌ إلَّا أنْ تَكونَ له شُبهةٌ في ذلك فَلا بُدَّ مِن كَشفِها. انتهى.

 

زيد: هُناكَ مَن يَقولُ بِوُجودِ دارٍ مُرَكَّبةٍ "وهي بَيْنَ دارِ الإسلامِ ودارِ الكُفرِ"، فَإذا سَلَّمْنا بِوُجودِ هذه الدَّارِ فَماذا يَكونُ حُكمُ مَجهولِ الحالِ فيها حِينَئِذٍ؟.

 

عمرو: الأصلُ أنَّ مَجهولَ الحالِ في دارِ الكُفرِ مَحكومٌ بِكُفْرِه حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُ ذَلِكَ، والأصلُ أنَّ مَجهولَ الحالِ في دارِ الإسلامِ مَحكومٌ بِإسلامِه حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُ ذَلِكَ [قالَ الشيخُ عبدُالعزيز بنُ مبروك الأحمدي (الأستاذ بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة) في (اختلاف الدارين وآثاره في أحكام الشريعة الإسلامية): يَسكُنُ دارَ الكُفرِ الحَربِيَّةَ نَوعان مِنَ الناسِ؛ الأوَّلُ، الكُفَّارُ، وَهُمُ الأصْلُ، وَهُمْ غَيرُ مَعصومِي الدَّمِ والمالِ، فَدِماؤهم وأموالُهم مُباحةٌ لِلمُسلِمِين، ما لم يَكُنْ بينهم وبَيْنَ المُسلِمِين عَقْدُ عَهْدٍ ومُوادَعةٍ، لِأنَّ العِصمةَ في الشَّرِيعةِ الإسلامِيَّةِ لا تَكونُ إلَّا بِأحَدِ أمرَين، بِالإيمانِ أوِ الأَمَانِ، والأمرُ الأوَّلُ مُنْتَفٍ بِالنِّسبةِ لِلكُفَّارِ، وبَقِيَ الأمرُ الثانِي فَإنْ وُجِدَ لهم -وهو الأمانُ- فَقَدْ عَصَمَ أموالَهم ودِماءَهم؛ الثاني مِن سُكَّانِ دارِ الكُفرِ[هُمُ] المُسلِمون، والمُسلِمُ الذي يَسكُنُ في دارِ الكُفرِ إمَّا أنْ يَكونَ مُستَأمَنًا أَيْ دَخَلَ دارَهم بِإذنِهم، وإمَّا أنْ لا يَكونُ مُستَأمَنًا أَيْ دَخَلَ دارَهم بِدونِ إذنِهم ورِضاهم، وهو في كِلْتا الحالَتَين مَعصومُ الدَّمِ والمالِ بِالإسلامِ. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو قَتَادَةَ الفلسطينيُّ في مَقالةٍ له على هذا الرابط: فالمَرءُ يُحكَمُ بِإسلامِه تَبَعًا لِلدَّارِ، فَهذه مَسأَلةٌ [يَعْنِي مَسأَلةَ التَّبَعِيَّةِ للدَّارِ] مِنَ المَسائلِ الكَثِيرةِ التي تُبنَى على الدارِ وأحكامِها، وهذا فيه رَدٌّ على الإمامِ الشَّوْكَانِيُّ والشيخِ صِدِّيق حَسَن خَان حين زَعَمَا أنَّ أحكامَ الدارِ لا قِيمةَ لها في الأحكامِ الشَّرعِيَّةِ ولا يُستَفادُ مِن هذا التَّقسِيمِ شَيءٌ [أَيْ لا يُستَفادُ شَيءٌ مِن تَقْسِيمِ الدارِ إلى دارِ إسلامٍ ودارِ كُفْرِ. وقد قالَ الشيخُ صِدِّيق حَسَن خَان (ت1307هـ) في (العبرة مما جاء في الغزو والشهادة والهجرة): قالَ الشَّوْكَانِيُّ في (السيل الجرار) {اِعْلَمْ أنَّ التَّعَرُّضَ لِذِكْرِ دارِ الإسلامِ ودارِ الكُفْرِ قَلِيلُ الفائدةِ جِدًا}. انتهى باختصار]. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ طه جابر العلواني (أستاذ أصول الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض) في مَقالةٍ له بِعُنوانِ (حُكْمُ التَّجَنُّسِ والإقامةِ في بِلادِ غَيرِ المُسلِمِين) على مَوقِعِه في هذا الرابط: والأصلُ في أهلِ دارِ الإسلامِ أنْ يَكونوا مُسلِمِين، ولَكِنْ قد يَكونُ مِن سُكَّانِها غَيرُ المُسلِمِين وَهُمُ الذِّمِّيُون؛ ولِأهلِ دارِ الإسلامِ -سَوَاءٌ مِنهُمُ المُسلِمون والذِّمِّيُون- العِصمةُ في أنفُسِهم وأموالِهم، المُسلِمون بِسَبَبِ إسلامِهم، والذِّمِّيُون بِسَبَبِ ذِمَّتِهم، فَهُم جَمِيعًا آمِنُون بِأَمانِ الإسلامِ (أيْ بِأمانِ الشَّرعِ)، بِسَبَبِ الإسلامِ بِالنِّسبةِ لِلْمُسلِمِين، [و]بِسَبَبِ عَقدِ الذِّمَّةِ بِالنِّسبةِ لِلذِّمِّيِين. انتهى. وقالَ الشيخُ محمود محمد علي الزمناكويي (مساعد عميد معهد العلوم الإسلامية بأربيل، والأستاذ المساعد بجامعة صلاح الدين) في (العِلاقاتُ الاجتِماعِيَّةُ بَيْنَ المُسلِمِين وغَيرِ المُسلِمِين في الشَّرِيعةِ الإسلامِيَّةِ): الأصلُ في أهلِ دارِ الإسلامِ أنْ يَكونوا جَمِيعُهم مِنَ المُسلِمِين، إلَّا أنَّ ذلك لا يَتَحَقَّقُ في غالِبِ الأمرِ، فَقَدْ تُوجَدُ إلى جانِبِ الأغلَبِيَّةِ المُسلِمةِ طَوائفُ أُخرَى مِن غَيرِ المُسلِمِين الذِين يُقِيمون إقامةً دائمةً [وَهُمُ الذِّمِّيُون]، أو مُؤَقَّتةً في الدَّولةِ الإسلامِيَّةِ [وَهُمُ الْمُسْتَأْمَنون]. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي في (الجَوابُ المَسبوكُ "المَجموعةُ الأُولَى"): قالَ الحافِظُ ابن رجب [في (تقرير القواعد وتحرير الفوائد) المشهور بـ (قواعد ابن رجب)] {لَوْ وُجِدَ فِي دَارِ الإسْلَامِ مَيِّتٌ مَجْهُولُ الدِّينِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عَلَامَةُ إسلَامٍ وَلَا كُفْرٍ، أَوْ تَعَارَضَ فِيهِ عَلَامَتا الإسلَامِ وَالْكُفْرِ صُلِّي عَلَيْهِ... الأصْلُ فِي أهلِ دَارِ الإسلَامِ الإسلَامُ... وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي دَارِ الْكُفْرِ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ عَلَامَاتُ الإسلَامِ صُلِّيَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا}. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أبو سلمان الصومالي أيضًا في (المباحث المشرقية "الجزء الأول"): الأصلُ في دارِ الإسلامِ أنَّ أهلَها مُسلِمون. انتهى. وقالَ الشيخُ أبو بكر القحطاني في (مُناظَرةٌ حَوْلَ العُذرِ بِالجَهلِ): أهلُ العِلْمِ قَسَّموا الدارَ إلى دارَين، دارِ كُفْرٍ ودارِ إسلامِ، قالوا {مَجهولُ الحالِ في دارِ الكُفرِ كافِرٌ} هذا مِن جِهةِ الأصلِ، و{مَجهولُ الحالِ في بِلادِ الإسلامِ مُسلِمٌ}... فَرَدَّ أحَدُ الإِخْوَةِ على الشَّيخِ قائلًا: يَعنِي، نحن الآنَ نَنسُبُ مَجهولَ الحالِ إلى الدِّيَارِ؟... فقالَ الشيخُ: نَعَمْ، لِأنَّ الحُكمَ بِإسلامِه يَتبَعُ النَّصَّ كَأَنْ يَقولَ {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ}، أو [يَتبَعُ الدَّلالَةَ كَأَنْ] يَلتَزِمَ بِشعائرِ الإسلامِ، أو يَكونُ [أيِ الحُكْمُ بِإسلامِه] بِالتَّبَعِيَّةِ (تَبَعِيَّةِ الدارِ، أو تَبَعِيَّةِ والدَيْه). انتهى باختصار. وقالَ الشَّيخُ أبو بصير الطرطوسي في (قواعدُ في التكفير): فَإنْ قِيلَ ما هو الضابِطُ الذي يُعِينُ على تَحدِيدِ الكافِرِ مِنَ المُسلِمِ، ومَعرِفةِ كُلِّ واحِدٍ مِنهما؟، أقولُ، الضابِطُ هو المُجتَمَعاتُ التي يَعِيشُ فِيها الناسُ، فَأحكامُهم تَبَعٌ لِلْمُجتَمَعاتِ التي يَعِيشون فِيها... ثم قالَ -أَيِ الشَّيخُ الطرطوسي-: قد يَتَخَلَّلُ المُجتَمَعَ العامَّ الإسلامِيَّ مُجتَمَعٌ صَغِيرٌ، كَقَرْيَةٍ أو ناحِيَةٍ وغَيرِ ذلك يَكونُ جَمِيعُ أو غالِبُ سُكَّانِه كُفَّارًا غَيْرَ مُسلِمِين، كَأَنْ يَكونوا يَهودًا أو نَصارَى، أو مِنَ القَرامِطةِ الباطِنِيِّين، وغَيرِ ذلك، فَحِينَئذٍ هذا المُجتَمَعُ الصَّغِيرُ لا يَأخُذُ حُكمَ ووَصْفَ المُجتَمَعِ الإسلامِيِّ الكَبِيرِ، بَلْ يَأخُذُ حُكمَ ووَصْفَ المُجتَمَعِ الكافِرِ مِن حيث التَّعامُلُ مع أفرادِه وتَحدِيدُ هَوِيَّتِهم ودِينِهم؛ وكذلك المُجتَمَعُ الكافِرُ عندما تَتَواجَدُ فِيه قَرْيَةٌ أو مِنطَقةٌ يَكونُ جَمِيعُ سُكَّانِها أو غالِبُهم مِنَ المُسلِمِين، فَحِينَئذٍ تَتَمَيَّزُ هذه القَرْيَةُ أو المِنطَقةُ عنِ المُجتَمَعِ العامِّ الكافِرِ مِن حيث التَّعامُلُ مع الأفرادِ وتَحدِيدُ هَوِيَّتِهم ودِينِهم... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الطرطوسي-: الناسُ يُحكَمُ عليهم على أساسِ المُجتَمَعاتِ التي يَنتَمون ويَعِيشون فِيها؛ فَإنْ كانَتْ إسلامِيَّةً حُكِمَ بِإسلامِهم وعُومِلوا مُعامَلةَ المُسلِمِين ما لم يَظْهَرْ مِن أحَدِهم ما يَدُلُّ على كُفرِه أو أنَّه مِنَ الكافِرِين؛ وإنْ كانَتْ مُجتَمَعاتٍ كافِرةً حُكمِ عليهم بِالكُفرِ وعُومِلوا مُعامَلةَ الكافِرِين ما لم يَظْهَرْ مِن أحَدِهم ما يَدُلُّ على إسلامِه أو أنَّه مِنَ المُسلِمِين؛ لِهذا السَّبَبِ وغَيرِه حَضَّ الشارِعُ على الهِجرةِ مِن دارِ الكُفرِ إلى دار الإسلامِ. انتهى. وقالَ الحافِظُ ابن رجب في (تقرير القواعد وتحرير الفوائد): إذَا زَنَا مَنْ نَشَأَ فِي دَارِ الإسلامِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَادَّعَى الْجَهْلَ بِتَحْرِيمِ الزِّنَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، لِأنَّ الظَّاهِرَ يُكَذِّبُهُ وَإِنْ كَانَ الأصلُ عَدَمَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ. انتهى. وفي فَتْوَى صَوتِيَّةٍ مُفَرَّغةٍ على هذا الرابط في موقع الإسلام العتيق الذي يُشرِفُ عليه الشيخُ عبدُالعزيز الريس، سُئِلَ الشيخُ {أرجو التَّعلِيقَ على قاعِدةِ (تَعارُضُ الأصلِ مع الظاهِرِ)؟}؛ فَكانَ مِمَّا أجابَ به الشيخُ: أُحاوِلُ قَدْرَ الاستِطاعةِ أنْ أُقَرِّبَ كَثِيرًا مِن شَتَاتِ وفُروعِ هذه القاعِدةِ فِيما يَلِي؛ الأمرُ الأوَّلُ، المُتَعَيِّنُ شَرعًا العَمَلُ بِالأصلِ، ولا يُنتَقَلُ عنِ الأصلِ إلَّا بِدَلِيلٍ شَرعِيٍّ، لِلأدِلَّةِ الكَثِيرةِ في حُجِيَّةِ الاستِصحابِ (أيِ البَراءةِ الأصلِيَّةِ)، فالمُتَعَيِّنُ شَرعًا أنْ يُعمَلَ بِالأصلِ ولا يُنتَقَلَ عن هذا إلَّا بِدَلِيلٍ، لِذلك إذا شَكَّ رَجُلٌ مُتَوَضِّئٌ ومُتَطَهِّرٌ في طَهارَتِه فالأصلُ طَهارَتُه [قالَ الشيخُ محمد بنُ محمد المختار الشنقيطي (عضو هيئة كِبار العلماء بالديار السعودية) في (شرحُ زاد المستقنع): مَراتِبُ العِلْمِ تَنقَسِمُ إلى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ؛ الوَهْمُ، والشَّكُّ، والظَّنُّ (أو ما يُعبِّرُ عنه العُلَماءُ بـ "غالِبِ الظَّنِّ")، واليَقِينُ؛ فالمَرْتَبةُ الأُولَى [هي] الوَهْمُ، وهو أَقَلُّ العِلْمِ وأَضْعَفُه، وتَقدِيرُه مِن (1%) إلى (49%)، فَما كانَ على هذه الأعدادِ يُعتَبَرُ وَهْمًا؛ والمَرْتَبةُ الثانِيَةُ [هي] الشَّكُّ، وتَكونُ (50%)، فَبَعْدَ الوَهْمِ الشَّكُّ، فالوَهْمُ لا يُكلَّفُ به، أَيْ ما يَرِدُ التَّكلِيفُ بِالظُّنُونِ الفاسِدةِ، وقد قَرَّرَ ذلك الإمامُ الِعزُّ بْنُ عَبدِالسَّلامِ رَحِمَه اللهُ في كِتابِه النَّفِيسِ (قَواعِدُ الأحكامِ)، فَقالَ {إنَّ الشَّرِيعةَ لا تَعْتَبِرُ الظُّنُونَ الفاسِدةَ}، والمُرادُ بِالظُّنُونِ الفاسِدةِ [الظُّنُونُ] الضَّعِيفةُ المَرجوحةُ، ثم بَعْدَ ذلك الشَّكُّ، وهو أنْ يَسْتَوِيَ عندك الأَمْران، فَهذا تُسَمِّيه شَكًّا؛ والمَرْتَبَةُ الثالِثةُ [هي] غالِبُ الظَّنِّ (أو الظَّنُّ الراجِحُ)، وهذا يَكونُ مِن (51%) إلى (99%)، بِمَعنَى أنَّ عندك اِحتِمالَين أَحَدُهما أَقْوَى مِنَ الآخَرِ، فَحِينَئذٍ تَقولُ {أَغْلَبُ ظَنِّي}؛ والمَرْتَبَةُ الرابِعةُ [هي] اليَقِينُ، وتَكونُ (100%)... ثم قالَ -أيِ الشيخُ الشنقيطي-: إنَّ الشَّرعَ عَلَّقَ الأحكامَ على غَلَبَةِ الظَّنِّ، وقد قَرَّرَ ذلك العُلَماءُ رَحمةُ اللهِ عليهم، ولِذلك قالوا في القاعِدةِ {الغالِبُ كالمُحَقَّقِ}، أَيِ الشَّيْءُ إذا غَلَبَ على ظَنِّك ووُجِدَتْ دَلَائلُه وأَمَاراتُه التي لا تَصِلُ إلى القَطْعِ لَكِنَّها تَرْفَعُ الظُّنُونَ [مِن مَرْتَبةِ الوَهْمِ والشَّكِّ إلى مَرْتَبةِ غالِبِ الظَّنِّ] فإنه كَأنَّك قد قَطَعْتَ به، وقالوا في القاعِدةِ {الحُكْمُ لِلغالِبِ، والنادِرُ لا حُكْمَ له}، فالشَّيءُ الغالِبُ الذي يَكونُ في الظُّنونِ -أو غَيرِها- هذا الذي به يُناطُ الحُكمُ... ثم قالَ -أيِ الشيخُ الشنقيطي-: الإمامُ الِعزُّ بْنُ عَبدِالسَّلامِ رَحِمَه اللهُ قَرَّرَ في كِتابِه النَّفِيسِ (قَواعِدُ الأحكامِ) وقالَ {إنَّ الشَّرِيعةَ تُبْنَي على الظَّنِّ الراجِحِ، وأكثَرُ مَسائلِ الشَّرِيعةِ على الظُّنُونِ الراجِحةِ} يَعْنِي (على غَلَبةِ الظَّنِّ)، والظُّنُونُ الضَّعِيفةُ -مِن حَيْثُ الأَصْلُ- والاحتِمالاتُ الضَّعِيفةُ لا يُلْتَفَتُ إليها الْبَتَّةَ. انتهى باختصار. وقالَ أبو حامد الغزالي (ت505هـ) في (فَيْصَلُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الإِسْلَامِ وَالزَّنْدَقَةِ): ولا يَنبَغِي أنْ يُظَنَّ أنَّ التَّكفِيرَ ونَفْيَه يَنبَغِي أنْ يُدرَكَ قَطْعًا في كُلِّ مَقَامٍ، بَلِ التَّكفِيرُ حُكْمٌ شَرعِيٌّ يَرجِعُ إلى إباحةِ المالِ وسَفْكِ الدَّمِ والحُكْمِ بِالخُلودِ في النارِ، فَمَأْخَذُه كَمَأْخَذِ سائرِ الأحكامِ الشَّرعِيَّةِ، فَتَارةً يُدرَكُ بِيَقِينٍ، وتارةً بِظَنٍّ غالِبٍ، وتارةً يُتَرَدَّدُ فيه. انتهى]، وكذلك إذا شَكَّ رَجُلٌ هل أتَى بِالرَّكعةِ الرابِعةِ أو لم يَأتِ بِها فالأصلُ أنَّه لم يَأتِ بِها والأصلُ أنَّه لم يُصَلِّ إلَّا ثَلاثَ رَكَعاتٍ، وقد دَلَّ على هَذَين الأمرَين السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ، فَفِي مِثْلِ هذا عُمِلَ بِالأصلِ، وهذا هو المُتَعَيِّنُ (أنْ يُعمَلَ بِالأصلِ ولا يُنتَقَلَ عنه إلَّا بِدَلِيلٍ شَرعِيٍّ) [قالَ السيوطي (ت911هـ) في (الأشباه والنظائر) تحتَ عُنْوانِ (ذِكْرُ تَعَارُضِ الأصلِ وَالظَّاهِرِ): مَا يُرَجَّحُ فِيهِ الأصلُ جَزْمًا ضَابِطُهُ أَنْ يُعَارِضَهُ اِحتِمَالٌ مُجَرَّدٌ... ثم قالَ -أيِ السيوطي-: مَا يُرَجَّحُ فِيهِ الأصلُ -عَلَى الأصَحِّ- ضَابِطُهُ أَنْ يَسْتَنِدَ الاحتِمَالُ [الظاهِرُ] إلى سَبَبٍ ضَعِيفٍ. انتهى باختصار]؛ الأمرُ الثانِي، إنْ أُرِيدَ بِـ (الظاهِرِ) غَلَبةُ الظَّنِّ فَيُنتَقَلُ عنِ الأصلِ لِغَلَبةِ الظَّنِّ، فإنَّ غَلَبةَ الظَّنِّ حُجَّةٌ في الشَّرِيعةِ، ومِن فُروعِ ذلك، إذا نَظَرَ رَجَلٌ في السَّماءِ وغَلَبَ على ظَنِّه غُروبُ الشَّمسِ، فَإنَّ له أنْ يُفطِرَ إذا كانَ صائمًا وله أنْ يُصَلِّيَ المَغرِبَ، فَفِي مِثْلِ هذا عُمِلَ بِغَلَبةِ الظَّنِّ، فَإذَنْ إنْ أُرِيدَ بِـ (الظاهِرِ) غَلَبةُ الظَّنِّ فَإنَّه يُقَدَّمُ على الأصلِ ولا يَصِحُّ لِأحَدٍ أنْ يَقولَ {الأصلُ بَقاءُ النَّهارِ}، لِأنَّه يُنتَقَلُ عنِ الأصلِ لِغَلَبةِ الظَّنِّ [قالَ السيوطي (ت911هـ) في (الأشباه والنظائر) تحتَ عُنْوانِ (ذِكْرُ تَعَارُضِ الأصلِ وَالظَّاهِرِ): مَا تَرَجَّحَ فِيهِ الظَّاهِرُ جَزْمًا ضَابِطُهُ أَنْ يَسْتَنِدَ [أيِ الظاهِرُ] إلى سَبَبٍ مَنْصُوبٍ شَرْعًا، كَالشَّهَادَةِ تُعَارِضُ الأصلَ، وَالرِّوَايَةِ، وَالْيَدِ فِي الدَّعْوَى، وَإِخْبَارِ الثِّقَةِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ أَوْ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ، أَوْ مَعْرُوفٍ عَادَةً... ثم قالَ -أي السيوطي-: مَا تَرَجَّحَ فِيهِ الظَّاهِرُ عَلَى الأصلِ بِأَنْ كَانَ [أيِ الظاهِرُ] سَبَبًا قَوِيًّا مُنْضَبِطًا. انتهى باختصار]؛ الأمرُ الثالِثُ، قد يُرادُ بِـ (الظاهِرِ) ما أَمَرَتِ الشَّرِيعةُ بِاتِّباعِه، فإذا كانَ كذلك فَإنَّه يُقَدَمُ على الأصلِ، كَمِثلِ خَبَرِ الثِّقةِ، قالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}، فَمَفهومُ المُخالَفةِ {خَبَرُ الثِّقةِ يُقبَلُ، وكذلك شَهادةُ العُدولِ}، فَلا يَصِحُّ لِأحَدٍ أنْ يَقولَ {لا نَقبَلُ خَبَرَ الثِّقةِ ولا شَهادةَ العُدولِ تَمَسُّكًا بِالأصلِ}، فَيُقالُ [أيْ فَيُجابُ]، يُنتَقَلُ عنِ الأصلِ بِما أمَرَتِ الشَّرِيعةُ بِالانتِقالِ [إليه]، فَفِي مِثْلِ هذا يُسَمَّى ما أمَرَتِ الشَّرِيعةُ بِالانتِقالِ [إليه] بِـ (الظاهِرِ)؛ الأمرُ الرابِعُ، قد يَحصُلُ تَعارُضٌ بَيْنَ الظاهِرِ والأصلِ، فَيُحتاجُ إلى القَرائن التي تُرَجِّحُ، كَما إذا كانَتِ اِمرَأةٌ تحتَ رَجُلٍ سِنِين، ثم بَعْدَ سَنواتٍ اِدَّعَتْ أنَّ زَوْجَها لا يُنفِقُ عليها فَطالَبَتْ بِالنَّفَقةِ، فَفِي مِثْلِ هذا يُقَدَّمُ الظاهِرُ وهو أنَّه قد أنفَقَ عليها، ولا يُقالُ {الأصلُ عَدَمُ النَّفَقةِ، فَإذَنْ يُطالَبُ}، وإنَّما يُقَدَّمُ الظاهِرُ وهو أنَّ بَقاءَ المَرأةِ هذا الوَقْتَ تحتَ زَوجِها ولم تَشتَكِ... إلى آخِرِه، ولا يُوجَدُ مَن يَشْهَدُ بِعَدَمِ وُجودِ النَّفَقةِ... إلى آخِرِه، فالظاهِرُ في مِثْلِ هذا أنَّه يُنفِقُ عليها فَيُعمَلُ بِالظاهِرِ، وهذا ما رَجَّحَه شَيخُ الإسلامِ في مِثْلِ هذه المَسألةِ، وإلَّا لَلَزِمَ على مِثْلِ هذا -كَما يَقولُ شَيخُ الإسلامِ اِبْنُ تَيْمِيَّةَ كَما في (مجموع الفتاوى)- أنَّه كُلَّما أنفَقَ الرَّجُلُ على اِمرَأَتِه أنْ يُشهِدَ على ذلك أو أنْ يُوَثِّقَ ذلك، وهذا ما لا يَصِحُّ لا عَقلًا ولا عُرفًا ولا عادةً. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ خالد السبت (الأستاذ المشارك في كلية التربية "قسم الدراسات القرآنية" في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل في الدمام) في (شرح متن القواعد الفقهية للسعدي) على موقِعِه في هذا الرابط: اليَقِينُ هو اِستِقرارُ العِلْمِ بحيث إنَّه لا يَتَطَرَّقُه شَكٌّ أو تَرَدُّدٌ، فَهذا هو اليَقِينُ ([أيْ] العِلْمُ الثابِتُ)... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ السبت-: وما دُونَ اليَقِينِ ثَلاثةُ أقسامٍ؛ (أ)قِسمٌ يَكونُ ظَنُّك فيه غالِبًا، [أيْ] الظَّنُّ يَكونُ راجِحًا، فَهذا يُقالُ له (الظَّنُّ) أو (الظَّنُّ الغالِبُ)؛ (ب)وأحيانًا يَكونُ الأمرُ مُستَوِيًا [أيْ مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ] لا تَدرِي (هَلْ زَيدٌ جاءَ أو لم يَأْتِ؟)، القَضِيَّةُ مُستَوِيةٌ عندك، تَقولُ {أنَا أشُكُّ في مَجِيءٍ زَيدٍ، هَلْ جاءَ أو ما جاءَ؟}، نِسبةُ خَمسِين بِالمِائَةِ [جاءَ] وخَمسِين بِالمِائَةِ [ما جاءَ]، أو تَقولُ {أنَا أشُكُّ في قُدرَتِي على فِعْلِ هذا الشَّيءِ}، مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، فَهذا يُقالُ له {شَكٌّ}؛ (ت)والوَهْمُ، إذا كُنتَ تَتَوَقَّعُ هذا بِنِسبةِ عَشَرةٍ بِالمِائَةِ، عِشرِين بِالمِائَةِ، ثَلاثِين بِالمِائَةِ، أربَعِين بِالمِائَةِ، هذا يُسَمُّونه {وَهْمًا}، يُقالُ له {وَهْمٌ}، وإذا كانَ التَّوَقُّعُ بِنِسبةِ خَمسِين بِالمِائَةِ فَهذا هو {الشَّكُّ}، إذا كانَ سِتِّين بِالمِائَةِ، سَبعِين بِالمِائَةِ، ثَمانِين، تِسعِين، يَقولون له {الظَّنُّ}، أو {الظَّنُّ الراجِحُ}، إذا كانَ مِائةً بِالمِائَةِ فَهذا الذي يُسَمُّونه {اليَقِينُ}... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ السبت-: قاعِدةُ {اليَقِينُ لا يَزُولُ بِالشَّكِّ}، هَلْ هذا بِإطلاقٍ؟، فَإذا تَمَسَّكْنا بِظاهِرِ القاعِدةِ فَنَقولُ {ما نَنتَقِلُ مِنَ اليَقِينِ إلَّا عند الجَزمِ والتَّيَقُّنِ تَمَامًا}، لَكِنَّ الواقِعَ أنَّ هذا ليس على إطلاقِه، عندنا قاعِدةُ {إذا قَوِيَتِ القَرائنُ قُدِّمَتْ على الأصلِ}، الآنَ ما هو الأصلُ؟، {بَقَاءُ ما كانَ على ما كانَ}، الأصلُ {اليَقِينُ لا يَزُولُ بِالشَّكِّ}، فَإذا قَوِيَتِ القَرائنُ قُدِّمَتْ على الأصلِ، {إذا قَوِيَتِ القَرائنُ} هَلْ مَعْنَى هذا أنَّنا وَصْلَنا إلى مَرحَلةِ اليَقِينِ؟، الجَوابُ لا، وإنَّما هو ظَنٌّ راجِحٌ، لِماذا نَقولُ {إذا قَوِيَتِ القَرائنُ قُدِّمَتْ على الأصلِ}؟، لِأنَّنا وَقَفْنا مع الأصلِ حيث لم نَجِدْ دَلِيلًا، لِماذا بَقِينَا على ما كانَ ولم نَنتَقِلْ عنه إلى غَيرِه؟، نَقولُ، لِعَدَمِ الدَّلِيلِ الناقِلِ بَقِينَا على الأصلِ، لَكِنْ طالَما أنَّه وُجِدَتْ دَلائلُ وقَرائنُ قَوِيَّةٌ فَيُمكِنُ أنْ يُنتَقَلَ مَعَها مِنَ الأصلِ إلى حُكمٍ آخَرَ؛ مِثالٌ، الآنَ أنتَ تَوَضَّأْتَ، تُرِيدُ أنْ تُدرِكَ الصَّلاةَ، لو جاءَك إنسانٌ وقالَ لك {لَحظَةً، هَلْ أنتَ الآنَ مُتَيَقِّنٌ مِائةً بِالمِائةِ أنَّ الوُضوءَ قد بَلَغَ مَبْلَغَه وأَسْبَغْتَه كَما أمَرَك اللهُ عَزَّ وَجَلَّ تَمَامًا؟}، هَلْ تَستَطِيعُ أنْ تَقولَ {نَعَمْ، مِائةً بِالمِائةِ}؟، الجَوابُ لا، لَكِنْ ماذا تَقولُ؟، تَقولُ {حَصَلَ الإسباغُ بِغَلَبةِ الظَّنِّ}، هَلْ يَجوزُ لك أنْ تَفْعَلَ هذا؟، الأصلُ ما تَوَضَّأْتَ، الأصلُ عَدَمُ تَحَقُّقِ الطَّهارةِ، فَكَيْفَ اِنتَقَلْنا مِنها إلى حُكمٍ آخَرَ وهو أنَّ الطَّهارةَ قد تَحَقَّقَتْ وحَصَلَتْ؟، بِظَنٍّ غالِبٍ، فَهذا صَحِيحٌ؛ مِثالٌ آخَرُ، وهو الحَدِيثُ الذي أخرَجَه الشَّيخان، حَدِيثُ اِبْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ وَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ، ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ}، فَلاحِظْ في الحَدِيثِ [الذي رَواه مُسلِمٌ في صَحِيحِه عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنه] {لَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى، ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ}، وهنا [أيْ في حَدِيثِ اِبْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] قالَ {فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ وَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ، ويَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ} [أيْ] لِلسَّهوِ، فَهذا الحَدِيثُ [أيْ حَدِيثُ اِبْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] {لِيَتَحَرَّ الصَّوَابَ} أخَذَ بالظَّنِّ الراجِحِ، هَلْ بَيْنَ الحَدِيثَين تَعارُضٌ؟، الجَوابُ، ليس بينهما تَعارُضٌ، تارةً نَعمَلُ بِالظَّنِّ الغالِبِ، إذا قَوِيَتِ القَرائنِ نَنتَقِلُ مِنَ اليَقِينِ إلى الظَّنِّ، عند وُجودِ غَلَبةِ هذا الظَّنِّ (وُجودِ قَرائنَ ونَحوِ ذلك)، وتارةً نَبنِي على اليَقِين ونَزِيدُ رَكعةً، وذلك حِينَما يَكونُ الأمرُ مُلتَبِسًا، حِينَما يَكون شَكًّا مُستَوِيًا [أيْ مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ] (حِينَما لم يَتَبَيَّنْ لَنا شَيءٌ يَغلِبُ على الظَّنِّ)... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ السبت-: أيضًا، عندنا تَعارُضُ الأصلِ والظاهِرِ، إذا تَعارَضَ الأصلُ والظاهِرُ، الأصلُ بَقاءُ ما كانَ على ما كانَ، فَهَلْ نَنتَقِلُ عنه إلى غَيرِه [أيْ عنِ الأصلِ إلى الظاهِرِ]؟، إذا جاءَ شاهِدان يَشهَدان على رَجُلٍ أنَّه قد غَصَبَ مَالَ فُلانٍ، أو سَرَقَ مالَ فُلانٍ، أو نَحوَ ذلك، ماذا نَصنَعُ إذَا هُمْ عُدولٌ؟، نَقْبَلُ هذه الشَّهادةَ، نَأْخُذُ بِها، مع أنَّ الأصلَ ما هو؟، (بَراءةُ الذِّمَّةِ) و(اليَقِينُ لا يَزُولُ}، هَلْ نحن مُتَيَقِّنون مِن كَلامِ هَذَين الشاهِدَين مِائةً بِالمِائةِ؟، لا، أبَدًا، لَسْنا بِمُتَيَقِّنِين، لَكِنْ شَهِدَ العُدولُ، وقد أمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَخذِ هذه الشَّهادةِ وبِقُبولِها، فَعَمَلُنا بِالشَّهادةِ هو عَمَلٌ بِالظَّنِّ الراجِحِ، فالظاهِرُ هو هذا. انتهى باختصار]؛ وأمَّا مَجهولَ الحالِ في الدَّارِ المُرَكَّبةِ -إذا سَلَّمْنا بِوُجودِها- فَيُتَوَقَّفُ فيه، ويَتَرَتَّبُ على هذا التَّوَقُّفِ عَدَمُ جَوازِ بَدْئه بِالسَّلامِ حَتَّى يَظْهَرَ إسلامُه، وكذلك عَدَمُ اِستِباحةِ دَمِه ومالِه حَتَّى يَظْهَرَ كُفرُه، وَعَلَى ذلكَ فَقِسْ. وقد قالَ الشيخُ عبدُالله الغليفي في كِتابِه (العذر بالجهل، أسماء وأحكام): الدَّارُ داران، دارُ كُفْرٍ ودارُ إسلامٍ، وهذا هو الصَّحِيحُ الثابِتُ عند أهلِ التَّحقِيقِ. انتهى. وقالَ الشيخُ عبدُالله الغليفي أيضًا في كتابِه (أحكام الديار وأنواعها وأحوال ساكنيها): الدارُ داران، لا ثالثَ لهما، كَما قالَ ذلك العُلَماءُ، منهم اِبْنُ مُفْلِحٍ [في كتابِه (الآداب الشرعية)] تِلْمِيذُ شَيخِ الإسلامِ اِبْنِ تَيْمِيَّةَ، وقالَ ذلك أَئِمَّةُ الدَّعوةِ [النَّجْدِيَّةِ السَّلَفِيةِ] في (الدُّرَرُ السَّنِيَّةُ)... ثم قالَ -أَيِ الشيخُ الغليفي-: وشَيخُ الإسلامِ [اِبْنُ تَيْمِيَّةَ] مَحجوجٌ في إحداثِه قِسمًا ثالِثًا لِلدِّيارِ بِإجماعِ العُلَماءِ قَبْلَه على أنَّ الدِّيارَ نَوعان لا ثَلاثة، ولِهذا فَقَدِ اِعتَرَضَ عُلَماءُ الدَّعوةِ النَّجدِيَّةِ على قَولِه. انتهى باختصار. وقالَ الشيخُ أحمدُ الخالدي في (إنجاح حاجة السائل في أهم المسائل، بِتَقدِيمِ الشيخَين حمود الشعيبي، وعَلِيِّ بْنِ خضير الخضير): الدارُ تَنْقَسِمُ إلى دارَين لا ثالثَ لهما. انتهى. وقالَ الشيخُ سيد قطب في كِتابِه (مَعالِمُ في الطريق): الإسلامُ لا يَعْرِفُ إلَّا نَوْعَين اِثنَين مِنَ المُجتَمَعاتِ، مُجتَمَعٌ إسلامِيٌّ، ومُجتَمَعٌ جاهِلِيٌّ. انتهى.

 

 

تَمَّ الجُزءُ العاشِرُ بِحَمدِ اللَّهِ وَتَوفِيقِهِ

الفَقِيرُ إلى عَفْوِ رَبِّهِ

أَبُو ذَرٍّ التَّوحِيدِي

AbuDharrAlTawhidi@protonmail.comانقر هنا للتواصل عبر البريد الإلكتروني

تابع الشيخ أبا سلمان الصومالي على:
فيسبوك
تويتر
يوتيوب
tgstat

 

 

 

 

Free Web Hosting